"الوعي الذاتي الإنعكاسي، ينتج عن اليقظة و القدرة على المشاهدة. فأنت تشعر بأنك في مكانين مختلفين في وقت واحد، و يجتاحك إحساس بالنشوة. إنه وعي ثنائي مزدوج، فأنت في نفس الوقت تشاهد و ترى نفسك و أنت تشاهد" ريتشارد فورمان، ص 86 من كتاب "ما بعد الحداثية و الفنون الأدائية"، تأليف: نك كاي ترجمة نهاد صليحة.
قدمت فرقة " نحن نلعب" مسرحية "تقرقيب الناب و أحوايج أخرى" في إطار الملتقى المسرحي الأول للدار البيضاء، حيث جاء هذا العرض بتقنية ثنائية، تعبر عن أسلوب مسرحي بديل، يعتمد الصيغة الكلاسيكية ولا يندمج فيها حتى نهاية العرض، بل يحيد عنها ليعود إلى الواقع أي الإنتقال من الخيال إلى الواقع، و هذه الصيغة تعاكس الصيغة المعتادة في ثنائية عرض الواقع، لأننا ألفنا أن يكون الانتقال منه ( الواقع) إلى الخيال، و هذا ما يحكم طبيعة المحاكاة كما جاءت بها التراجيديا في مفهومها الكلاسيكي.
إن التقنية الجديدة التي قدمت بها مسرحية "تقرقيب الناب و أحوايج أخرى" تجعلنا بهذه المفارقة أمام ثنائية الواقع و الخيال أو الخيال و الواقع، حيث تنزع هذه التقنية إلى الأسلوب الواقعي في العرض المسرحي و الذي ليس عرضا مسرحيا بالمعنى الحقيقي يعتمد التمثيل، بقدر ما يعتمد الأداء الفني، أي أنه عرض لحالات ومواقف تعبر عنها شخصيات ليست في لعب أدوارها، بل فيما تمثله في حقيقتها، و تقدم هذه الشخصيات حالاتها و مواقفها كحالات و مواقف واقعية عادية فيما تعيشه في اليومي، إنها في عرضها هذا تكون أشبه بشخصيات مألوفة و مدهشة إلى حد الصدمة لما تحمله كدلالة على هذه الحالات المعروضة في سريانها و تجوالها معنا و أمامنا لتحيا حياتنا نحن الجمهور المستعد لولوج قاعة العرض دو أن ندرك أننا فعلا بدأنا نشاهد ذواتنا في عرض لم نكن نتوقعه أن يكون هو عرض مشاهدتنا انطلاقا من الباحة المؤدية إلى المسرح حيث مكان العرض المتوقع، إنها ذواتهم تختلط مع ذواتنا عارضة سؤالها الذي هو سؤالنا نحن في حالاتها المرضية أو في تيهانها و بحثها الحثيث عن أحوايج أخرى، ربما هي أشياء نبحث عنها نحن أيضا. و على الخشبة تأتي هذه الحالات عرضا مسرحيا، بكل مواصفات العرض المسرحي من حبكة و حدث و شخصيات و حوار في زمان و مكان لا ندري تعيينا لهما إلا ما يفترضه زمان و مكان العرض المسرحي و الذي يعود بنا إلى زمان و مكان لما بعد المسرح الدرامي في هذا العرض و هي الحالات التي أشرنا إليها قبل أن نلج القاعة.
إذن العرض المسرحي يقدم في لحظتين، و لكل لحظة موقع يعطيه معنى و دلالة لأن العرض كما رأينا هو أداء و ليس تمثيلا. أداء لحالات و عرض لجسد يعبر عن تيهان الذات و انفعالاتها إلى حد الهستيرية في وجودها و حضورها هنا وسط حشد جماهيري جاء من أجل مشاهدة عرض مسرحي، فأصبح هذا الحشد مشاهدا، فمنهم الممثلون في هذا العرض المزدوج و على ما تدل ثنائية؟ هل هي المشاركة و فاعليتها في إعادة مسرحة الدرامي؟ أم هي فاعلية الأداء في استبعاد المسرحي و استعادة منطق الإحساس لذوات بدأت تفقد هويتها بحكم استحكام العادة؟ أ من أجل بناء العرض المسرحي نحن هنا؟ و هذا ما تدل عليه تقطعاته و توقفاته للعودة إلى القاعة حيث موقع الجمهور المشاهد، رغبة في المشاهدة، إن هذه العودة و التقطع و التوقف هي إحدى تقنيات إبعاد الايهام و الرجوع إلى الواقع بعيدا عن كل تفسير يؤدي إلى تقنية التغريب أو أخذ مسافة بين ما يجري و ينتظم أمامنا في نظام إكراهي يفرضه العرض المسرحي كما هو متوقع أي أننا لسنا أمام عرض ملحمي بالمعنى البريختي أو حتى أرسطي بل إننا أمام نوع أخر من مسرح الديالكتيك الذي طوّر الصيغة البريختية نفسها خاصة و أن مفهوم الأداء و ليس التمثيل هو ما يحكم هذا الجدل القائم بين الخشبة و القاعة، بين الممثل و شخصيته كذات، بين المسرحي و اللامسرحي أي ذلك المعنى الذي يؤدي إليه مسرح ما بعد درامي القائم في مراوحته بين التمثيل واللاتمثيل بين المسرحي و اللامسرحي من أجل خلخلة الواقع و الغوص فيه بدل الابتعاد و التماهي في استيهاماته( ملاحظة الفرقة سبق و أن تعاملت مع نص درامي لإدوارد بوند يعتمد هذه الصيغة المتطورة في الاداء).
إن ما تحيلنا عليه هاتان الخطتان هو: لحظة الممثلين الذين يؤدون أدوارهم و هنا مكمن العرض المسرحي، ثم لحظة ممثلين انسلخوا عن أدوارهم ليعرضوا ذواتهم و هنا مكمن الأداء. و الجمهور في هاتين اللحظتين مشاهِد و مشاهَد، لأن إلتباس العرض المسرحي و تمثيله بالأداء الدرامي في عرض الحالات، جعله يغير موقعه من مقاعد و المشاهدة و التلقي إلى موقع الخشبة حيث ما يعرض أمامه هو الواقع، و هنا يصطدم كل من الممثلين و الجمهور بذواتهم لأنها هي المعروضة و العارضة حيث كان فن الأداء يستفز الجميع، خاصة و أن ما يعرض في كلا الحالتين هي ذوات مريضة و تائهة، كما هي حالة التوكاتي و في دلالة اسمه الذي لا يعني إلا الزهو بما يعرض.
كما أن شخصية المرأة/ دوبا الباحثة عن فاؤس أحلامها رغم إحساسها بعاهتها و هي عاهة جسدية كما هي حال التوكاتي أي أن إسمها لا يدل في هذه الحالة إلا عن خطوة خطوة وكأنها ليست في عجلة من أمرها و تبقى الحالة القارة في رواحها و مجيئها بحثا عن صفتها القارة في سفر دائم، رغم أن اسم هذه الشخصية يعني الاستقرار" كرّوم"، لكنه عكس ذلك، و هذه الشخصية تعتبر في هذا العرض شخصية محورية، لأنها الشخصية الوحيدة التي لم تغادر الخشبة منذ انطلاق العرض حتى نهايته، لكن تواجدها هذا لا يحرك إلا بسؤال التوكاتي و إستشاراته التي لا تعني إلا العودة من حيث كان البدء و لهذا جاءت الحوارات التي تتلفظ بها شخصية كروم متكررة و كأنها تكرار يدعو لما اعتبره مرسيا الياد عود للأصل و هو عود أبدي يؤشر على مصير الخلق و إعادة حكي أسطورته، بما هي أسطورة تذكرنا بما يجب أن نستحضره أو هي تحثنا على تلك الاستعادة المستعارة لمعرفة ما وقع و كيف وقع و لما كان كل هذا الفشل و الإحباط الذي يحكم مصير هذه الشخصيات الثلاث و التي هي على كل حال تشبه مصيرنا، و إلا لما كانت العودة المكررة للقاعة و كأنها تأكيد على أن كل تخبطتنا صادرة من هنا.
و نفس الحركة ( المعاودة) تعاد معنا و نحن داخل القاعة ننتظر مشاهدة المسرحية الموعود بها، أو ننتظر تحققها و كأننا لا زلنا خارج القاعة، و هنا يرتسم أمامنا مكانان أخران: داخل و خارج، حتى أن الأمر ليكاد يتشابه اذ لا فرق في الإنتظار بين الداخل و الخارج، الهنا و الهناك لحظتان تتداخلان و لا إختلاف بينهما إلا فيمل نتعارف عليه في الزمان: زمن العرض و زمن الأداء، فزمان الأداء يفرض واقعيته و هو ما يتم أمامنا، أما الزمان المسرحي فينتظم لأمر الخيال و يرحل بنا إلى الدراما و محكيها و الذي ليس إلا محكي سفر "كرّوم" و دردشة "التوكاتي" و دوبا . سفر لا ينتهي و كروم هنا ملازم لدوره و يمثله تمثيلا إيهاميا بما يعنيه الهام السفر ذاته و الذي يكون مجبرا فيه إنصياعا لتكرار طلبات الحكي، مادام " التوكاتي" يرغب في ذلك أمام اشتداد حالته المرضية و اليائسة و هكذا نجده دائم الرواح بين دوره كممثل و حالته كشخص يريد أن يعرف، و دوبا التي لم تمل في البحث عن فارس أحلامها الذي لا يأتي، فتعود لقناعة واقعها و تقرر أن تنسلخ من دورها للإرتباط ب"التوكاتي" مادامت له نفس الرغبة، هذه الإزدواجية في ثنائية لعب الأدوار لا تنكسر إلا عندما نعود إلى القاعة بنداء طلب المشاركة في الأداء من خلال شخصية تحلم هي الأخرى أن تتدخل بصفة من صفات ما تفترضه القاعة من سلطة، و هي سلطة حقيقة تأتي في طلب لعب دور الوزير. إنها مجرد حلم و لعب لكنهما يلتقيان في حالة الإحباط و التآسي و لماذا لا يلتقيان مادمنا كلنا في حالة إنتظار العرض المسرحي. و الفاصل دائما هو ذلك القار في دورة و تمثيله و كأنه مالك زمام الخيال و البادئ به فيما حققه بهذا الخيال من سفريات، غير أن حقيقته لا تظهر إلا مما حصله من سفرياته هاته و التي يعبر عنها بحقيبة سفر و التي كان من المفروض أن تكون حقائب أو على الأقل ليست حقيبة فارغة.
إن تساؤلات التوكاتي تعود بنا إلى مضاعفة تلك الإزدواجية بين المسرحي و الدرامي أو ما بعد الدرامي، فهذه التساؤلات ذريعة لتأكيد أن ما هو مسرحي في محكي "كرّوم" كإجابة عن تساؤلات التوكاتي ليس في الحقيقة إلا مراوغة إلى إعادتنا لسؤال العمق لا التسطيح، بينما تذهب إجابات كروم إلى السطح أي ما نعتقد أنه عرض مسرحي و هذا ما يجعله يسلم زمام الحكي للقاعة مشخصة في دور السلطة و ما تمثله في معناها العام و تمثله الرغبة في تولي دور وزير، و هي رغبة محيطة وفاصلة فمن لا يملك زمام المبادرة أصلا أي ذلك الافتقاد لما يحققه التوازن الاجتماعي، لأن دورة إعادة إنتاج التوازن لم تعط إلا هذا الفصل بين الخشبة مصدرا للمعرفة و القرار، لان منها كموقع يأتي قرار السماح للقاعة في أخذ الكلمة و ليس العكس و القاعة تأتمر لهذا القرار. بل إنها تكون في حالة انتشاء عندما يصدر إليها هذا الأمر، غير أنها لا تجد ما تملأ بها قناعتها غير قاموس رديء، فيضيع انتشاؤها و نعاود الكرة سؤال السفر و الرحيل ولما لا الهروب و الذي يكون هروبا من مصدر القرار ذاته، مادام الفصل و القطع في العودة المكرورة و المراوحة بين المسرحي و الدرامي أو الخيال و الواقع لم يرق حتى لمستوى الحلم لهذا تتم الاستعاضة عنه باللعب و اللعب كما تذهب إلى ذلك الدراسات و البحوث السوسيوسيكولوجيا هو نوع من التعويض عن الحلم. و لعبة الواقع و الخيال المسرحي و الدرامي لا تجد صيغتها التعبيرية إلا في الأداء و ليس التمثيل كما سبقت الإشارة، لهذا تكون ذريعة انتظار العرض المسرحي هي دعوة لحضور العرض ما بعد الدرامي أي ذلك الاداء الفني لإعلان الحاضر و وجودنا فيه، مادام هو المتحكم في مشاهدتنا لذواتنا و هي تحضر في واقعها، و بهذا يحقق منجز العرض المسرحي و لو في حالة انتظاره ذريعته القوية في بلوغ هذه الحقيقة و التي يدركها الجمهور كمعرفة تحققت أمامه بمتعة، هذه المتعة المتحققة لا تكتمل إلا بهذه المشاركة في بناء العرض الذي يجري أمامها من أجل بلوغ العرض المنتظر، لأن هذه المسرحية و كما سبق القول: تقوم مرارا و تكرارا بتجديد الوعد بميلاد العمل و اكتماله، لكنها تسعى دائما إلى إحباط عمليات الربط و الإستمرار و التواصل التي يعتمد عليها العمل في تحققه و وجوده و هكذا و عن طريق الإثارة المستمرة لأنماط من التوقعات في كل لحظة تم هدمها بصورة منظمة يعارض العمل أساس و جودة و يدمر مصداقيته... و يفضي إلى بزوغ عملية نقدية تصبح جسد المسرحية و لحمها... لأن هذه العملية النقدية هي جوهر العرض و مادته الأساسية ... لأنها عملية لمسرحية لا وجود لها، أي أنها في طور البناء الذي بدأه العرض مع الجمهور ... لأن عناصرها الأولية تطرح أمام أعيننا باستمرار لكنها لا تظهر أبدا مكتملة.... (ص 82، ما بعد الحداثة و الفنون الأدائية ، نك كاي، ترجمة نهاد صليحة).
إن بنية العرض المسرحي/ في صيغته الفنية الما بعد حداثية المعبر عنها بمسرح ما بعد الدرامي، الذي قدمته فرقة " نحن نلعب" تحت عنوان "تقرقيب الناب و أحوايج أخرى" أو الدردشة و أشياء أخرى هي بنية محكمة و قوية سواء في أدائها الدرامي (فن الأداء) أو المسرحي (التمثيلي) و جامعة و معبرة عما يعرف بمسرح ما بعد الحداثة أو المسرح ما بعد الدرامي أو المسرح الجديد أو المسرح البديل ( وهذه التسميات لها دلالة واحدة هي الخروج من التأويل و التمثيل إلى الأداء أي العرض و الإحتفاء بالجسد) خاصة و أن أداء الممثلين كان أداء فنيا و ليس تمثيلا، رغم أن عنصر التمثيل بما يمثله الفعل الدرامي كفعل متماهي مع الحدث المنكسر دوما للعودة إلى طبيعة الشخصيات و ما تعنيه كشخصيات من دلالة في الواقع المعيش كان حاضرا و هذا ما ما جعل الحدث الدرامي "واقعة" و ليست حدثا بما يؤدي إليه المعنى الدرامي للحدث نفسه، أي أن في هذا العرض الذي هو ذريعة إن لم نقل حيلة فنية يفترضها أسلوب فن الأداء و ليس التمثيل، لأننا في هذا العرض لم نشاهد واقعا متخيلا أو واقعا موعودا و كما يجب أن يكون هذا الواقع كما يدعونا إلى ذلك مفهوم المحاكاة بالمعنى الكلاسيكي للمحاكاة، بل بما يدعونا إليه الواقع في حقيقته و التعرف عليه رغم أن هذه البنية التي جاء عليها العرض تقدم لنا واقعا ينهار بانهيار المؤدين و المؤدى لهم و الذين استجابوا لحمولته الفنية و الفكرية و تصوره لما ينبغي أن يكزن عليه المسرح فيما بعد حداثيته لأنه كان منبن على حداثة خادعة، إذ لا شيء مستقيم و قائم إلا على ضده. فأين الضد في أفق انتظارنا كمتلقين؟ إنه يغيب بفعل العادة و عندما نكون مشاركين و فاعلين، فإننا نصبح أنذاك في هذا الضد، خاصة و أن ما يؤطرنا هو الواقع ذاته و تاريخية تكونه كواقع و ليس كخيال، علما بأن الخيال و الذي هو مواز للعب و الحلم يساعدنا على اكتشاف هذا الواقع و العودة إليه مادام العود دائما لا يكون إلا للأصل.
إننا نلعب مع " نحن نلعب" و ليكن الآت جدّا و ليسا لعبا، و اللعب هنا هو صنو التفكير و تلمس الرؤيا، رؤيا للعالم لأن نظرية الضحك و الهزل و السخرية لا تدعونا إلا للتفكير و ليس لدغدغة العواطف حسب ما تدعو إليه التراجيديا في مفهوم المحاكاة كما رأينا.
بقي علينا أن نشير إلى أن الموسيقى التي أطرت العرض هي موسيقى مؤطرة للمكان أكثر منها للزمان، إذ تعيدنا إلى ما لعبته الموسيقى في بلادنا من أدوار طلائعية و منبئة بما صار يعرف في الفن عموما بفن ما بعد الحداثة، لأنها موسيقى و إن كانت تمتح من موروثنا الفني و الثقافي المألوف و المتأصل، إلا أنها في تركيبها و إعادة توزيع مفرداتها الموسيقية و أدائها الجديد تعبر عن عكس ما كانت عليه، أي أنها تنزع إلى اقتلاعنا من هذا المألوف إلى اللامألوف، و هذا ما يعيدنا إلى الواقع، أي أننا نساق وراء المألوف ليأتي الانزياح نحو الأعماق كما يسمي محمد علا موسيقاه بالفوندو/ العمق و أغوار النفس، رغم أن علم الاثنوموزيك يدلنا على ذلك الإثني الذي يسكننا خاصة مع فن الكناوي و هو فن موسيقي من فنون "الساكن" ) الكامن و المطهر)، حيث كان فن الكناوي إيقاعا ينظم و يؤطر بجمله الموسيقية فقرات و فواصل هذا العرض في مقاماته و أوزانه الخماسية كما هو الشأن في الموسيقى التقليدية / الشعبية حيث جاءت تأطيرات هذا الفن الموسيقي لتعيدنا لهذا الإثني أي مضمرات و دواخل النفس في خصوصيته و أصالته من أجل استحضار و استعادة ما آلت إليه من ضياع و تفكك إزاء فظاعة ما نعيشه. و تبقى الرتابة الرسمية مسجلة في إعادة هذه القوالب، و كأنها رتابة اواليات ذهنية ترسخت للتشرب اليومي و التكيف معه، إن هذه القوالب الموسيقية المعادة في مكرور إيقاعها ، ليست صمتا مفروضا أمام اندماج التماهي الذي يريد أن يفرضه سياق رغم انكساراته، و هذا ما جعله أيضا أكثر واقعية في العرض الما بعد الدرامي و انسجاما مع ما قدمته لنا شبكة المعاني المنسوجة في عرض الجسد و تعبيريته احتفاء به في فن الأداء، الذي هو أداء يعيدنا كذلك لما تمّ افتقاده بحكم العادة و التقليد و التي تقتل كل جديد أو تجديد، تقليد يتم تجاوزه كلما تقدمت بنا السلسلة المشهدية فيما يعرض أمامنا من تقرقيب الناب ( الدردشة) و القيل و القال، الذي لا ينتهي إلا بما تحقق الخيبة و الإحباط في كل شيء نعيشه و ما يفسد علينا أن نلعب لعبة الحلم، لتحديد بؤرة الرؤيا الجديدة للعالم، و التي يؤشر عليها هذا العرض الذي حقق صدمته في ّإعادة بنائه لهذه الرؤيا بما هو إعادة عرض الحاضر.
الدار البيضاء 29/07/2011
باحث مسرحي من المغرب