يواصل الناقد والكاتب المغربي سلسلة مقارباته في المثن القصصي الحديث اليوم في المغرب، وعلى مختلف توجهاته ورؤاه خصوصا في ظل هذا الحراك اللافت في المشهد الإبداعي المغربي. وفي هذه الحلقة نقترب من مجموعة قصصية هاجسها سؤال الحكاية وعبرها تتوالد قصص المجموعة.

شجرة الحكاية

عبدالرحيم مؤدن

بالرغم من حمل المجموعة للعنوان أعلاه ، فإن ذلك لايمنع من التأكيد على أن المجموعة ذاتها تخلو من قصة تحمل هذا العنوان، أي شجرة الحكاية.

وأعتقد أن الأمر لايخلو من قصدية أصر عليها بعض كتاب  القصة القصيرة إلى الحد الذي تحول فيه هذا الأسلوب إلى ظاهرة تستحق التأمل والتأويل.

2. فالعنوان المستحدث دليل القارئ في التعامل مع النص. و"شجرة الحكاية"، في هذا النص، لا تنبت فواكه متشابهة، كما أنها قد تفاجئ القارئ، بفواكه "محرمة"، أو غريبة.

ما علينا. هاهي "شجرة الحكاية"{2} تثمر ثمارا بعيدة عن جذورها الأصل،  ثثمر فاكهة غير متوقعة../وهذا هو جوهر القصة القصيرة التي تأتيك من حيث لاتحتسب.

تشترك هذه النصوص في الآتي:

1- سيادة ضمير المتكلم من خلال مستويين:

أ-السارد الذي يقود عملية السرد،  ويتحكم في توزيع لكلام على باقي الشخصيات.

 ب-الشخصية التي تواجه،  في معظم النصوص،  الأخر من موقع التعارض والمفارقة الدائمة.(..حملت تعبي ورحلت. أعرف أني سأترك ورائي غبارا كثيفا وعلامات الحيرة. ليذهب التلاميذ إلى الجحيم،  ولتذهب هي إلى أبعد من الجحيم. ليذهب العالم كله..){3}

2-الفتوة المستندة إلى الجسد-طفولة ويفاعة وشبابا- الذي يحسم الصراع لمصلحة المتكلم،  أو السارد.

3- الجنس عبر ثلاثة مستويات،  من حيث كونه:

&_ رغبة طبيعية من رغبات الجسد،  خاصة في عز عنفوانه الجسدي والنفسي.( في ذلك الركن الذي تغطيه الأشجار في أقصى مكان من الكلية،  كنت أحضنها هي المتعاقبة على فصولي مثل اللعنة. ألامس شفتيها الظامئتين أبدا..){4}.

&- تحديا للمجتمع وأقنعته ومفارقاته.

&- فضحا وتعرية- وهو عنصر يكمل المستوى السابق- لمظاهر اجتماعية يمارسها القيمون عليه ، وهم من المفسدين أحيانا،  والأدعياء حينا آخر،  من خلال  أمراض اجتماعية عديدة مثل المسلكيات المزدوجة،  والتظاهر بالتدين والصلاح..الخ.(...ألقت على تحية الصباح،  والثوب إياه يكاد ينشق عن جسدها الأرعن. قالت لها أختي:" أسرعي في الصلاة كي تفطري. لقد تأخر الوقت).{5}.

في المستوى الأول لايتردد السارد في ممارسة استبداده السردي  للتحكم في مسار النص  نحو غاية محددة ينتصر فيها لقناعاته الخاصة.

 وفي المستوى الثاني لايتردد السارد- الشخصية في مواجهة باقي الشخصيات بعد أن تحولت هذه الأخيرة  إلى مجموعة عراقيل مثبطة للسارد ،  واختياراته.

أما في المستوى الثالث،  فالجسد- كما هو الشأن عند زوربا اليوناني- هو لغة الحسم في علاقته بالمجتمع،  إنسانا، أو نظاما اجتماعيا،  أو فضاء  واقعيا أو متخيلا.(أي فراش يستجمع جنونك الآن أيتها الهاربة،  أبدا،  من عقال الوجود الأرعن؟){6}.

تلتقي هذه المستويات في قاسم مشترك تجسد في الرفض العنيف لما هو سائد،  إلى حدود القطيعة التي جعلت من السارد شخصية  لاتتردد في الإعلان عن  رفضها الدائم للعالم، أو المجتمع.

ولتحقيق ذلك توسل السارد بثلاثة أنماط كتابية:أ- المعجم سواء تعلق الأمر بالملفوظ المجرد( الكلمة العارية شكلا ومحتوى)،  أو تعلق بلغة القصة حوارا وسردا..

ب- المشهد: ومعظم النصوص تقوم على اقتطاع لحظات دالة  من الوقائع المختلفة ،  وتحويلها إلى بؤرة  حكائية  يمارس عبرها السارد موقفه من العالم.

ج- الرؤية العالمة الفاضحة لكل شئ،  بما فيها  - بوعي أو بدون وعي- ذات السارد الذي لايتردد في  هجاء كل من يقف في سبيله.

 

هوامش

1-عبد الهادي الفحيلي:شجرة الحكاية. دار التنوخي.2009.

2- والهدف من ذلك خلق "معادل موضوعي" لقصص المجموعة المنضوية تحت الحكاية المركزية التي نحتها- بالرغم من عدم ورودها في المجموعة- القاص للتعبير عن  دلالاتها في المتن برمته

3- قصة "ياك أجرحي" . المجموعة ص، 40.

4- ذات جنون: المجموعة.ص.23.

5_ نفسه.ص.60

6ـ ذات جنون.ص.28.