هذه قراءة كتاب الناقدة المغربية رشيدة بنمسعود جمالية السرد النسائي تضعه في علاقته بكتابها السابق المرأة والكتابة وتدرس دورها في إثارة انتباه النقاد العرب إلى الكتابة النسائية التي تضرب بجذورها في التراث العربي ـ الإسلامي.

جمالية السرد النسائي

محمد الداهي

إن قراءة كتاب الناقدة رشيدة بنمسعود جمالية السرد النسائي(1) يقتضي وضعه في علاقته بكتابها السابق المرأة والكتابة(2)، الذي يعود إليه الفضل في إثارة انتباه النقاد العرب إلى الكتابة النسائية التي تضرب بجذورها في التراث العربي ـ الإسلامي (مثال الشاعرة الخنساء)، وإعادة الاعتبار إليها بعد أن غالها النسيان لبواعث متعددة، وبيان ما تحفل به من سمات خاصة أملتها الظروف الاجتماعية التي عاشتها المرأة العربية، وهي تتوسل بمختلف الوسائل الممكنة لإثبات وجودها، والتعبير عن أهوائها وتطلعاتها ومواقفها. ومن بين هذه الوسائل، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني والسياسي، الوسيلة الأدبية التي تتسع جغرافيتها السرية لاستيعاب مشاعر الأنثى وتصوراتها، والكشف عن مؤهلاتها اللغوية لإعادة بناء الواقع وفق رؤيتها الخاصة للعالم. إن تناول القضايا النسائية يعد من المواضيع الحرجة التي تفضي إلى الغلو والتعصب . ورغم ذلك قاربتها رشيدة بنمسعود بهدوء منهجي وعمق نضالي وموضوعية علمية. وهذا ما أكده د. سعيد يقطين " وبعيدا عن التشنج واصطناع الحروب الوهمية والمغالاة، كما يحدث عادة في تناول القضايا الشائكة في ثقافتنا، والتي تحفز أكثر على السجال، وعلى رأسها قضية المرأة، تتوسل رشيدة بنمسعود بالهدوء المنهجي، والعمق النضالي، والموضوعية العلمية. وكل هذه السمات أعطت لمقاربتها طابع الجدية في الرؤية، والعمق في التناول"(3) ولا يمكن أن نقدر جهد رشيدة بنمسعود، بوصفها رائدة في مقاربة الكتابة النسائية، إلا بوضعه في سياق ما عرفه النقد النسائي العربي من تراكمات تؤشر على اكتمال معالمه واتساع آفاقه. فبعد صدور كتابها المرأة والكتابة ظهرت كتب(4) ونوقشت أطاريح(5) تنصب أساسا على متن مكون من كتابات نسائية بهدف إبراز خصائصها البنائية والموضوعاتية، وبيان ما يميزها عن الكتابة الذكورية. ورغم تمييز الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة النسائية والكتابة الذكورية، فهي لا تدعو إلى الفصل بينهما كما لو كانتا ظاهرتين مختلفتين في الوجود، وإنما تسعى إلى بيان الاختلاف بينهما داخل وحدة إبداعية مشتركة لمساءلة العالم، ومحاولة فهم أسراره، وفك ألغازه. وبين الفترة الفاصلة بين تاريخي إصدار الكتابين (1994-2006)، تزايد الاهتمام بالكتابة النسائية على مستوى النقد، والبحث والتأطير الجامعيين. وقد تزامن ذلك مع ارتفاع الأصوات النسائية المطالبة بحقوق المرأة، وتمتيعها بالتمييز الإيجابي لاستعادة ثقتها بنفسها، وضمان تمثيلتيها في المؤسسة البرلمانية، ومساهمتها في بناء المجتمع وتقدمه.
إبراز إسهامات المبدعات العربيات في تأسيس كتابة نسائية تحفل بسمات جمالية خاصة، وتأخذ موقعها المناسب شيئا فشيا داخل النسق الإبداعي العربي بصفة عامة.
كتبت الناقدة فصول الكتاب في فترات متباعدة، وهو ما أتاح لها إمكانات تجديد أدواتها وأسئلتها لتعميق النظر في الكتابة النسائية العربية، وتوسيع المتن ليشمل نصوصا سردية من مشرق العالم العربي ومغربه ( لبنان، فلسطين، الإمارات العربية المتحدة، الجزائر، المغرب). وما ظل متأصلا في طبعها ونحيزتها، رغم تغير الظروف والأحوال، هو إصرارها على تأصيل البحث في قضايا المرأة عموما، وخاصة ما يتعلق بالكتابة النسائية . وفي هذا الصدد، تضطر الناقدة،في كل خطوة من خطواتها، إلى فتح نافذة لاستشراف بجرأة ما تتميز به الكتابة النسائية من خصوصيات. توسلت في كتابها الأول بأدوات منهجية مستلهمة من الشعرية وسميائية باريس لتأكيد الفرضية التي انطلقت منها وهي إثبات خصوصية الكتابة النسائية. واعتمدت في كتابها الثاني على مقاربة منهجية متكاملة (سيميائية، وشعرية، وسردية) لبيان ما يحفل به السرد النسائي من أبعاد جمالية، واستجلاء كيف تؤثر الحساسية النسائية في إعادة بناء الواقع، وتشخيص اللغة.

1- رشيدة بنمسعود، جمالية السرد النسائي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2006. ( من تقديم الدكتور سعيد يقطين).
2 -رشيدة بنمسعود، المرأة والكتابة، منشورات أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط1، 1994( ط2، 2002).
3 - سعيد يقطين، تقديم كتاب جمالية السرد النسائي، م.سا ص6.
4 -نذكر على سبيل المثال: -أمل التميمي: السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، ط1، 2005.
- زهور كرام: السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب، شركة النشر والتوزيع، المدارس، ط1، 2004.
5 -نذكر منها :السيرة الذاتية النسائية، تحليل نماذج" - أطروحة الدولة في الآداب - للطيفة لبصير، 2006، كلية الآداب-بنمسيك، الدارالبيضاء.