ضمن محور العدد حول مئوية نجيب محفوظ ومحمود المسعدي تأتي هذه الدراسة المهمة لبداية نجيب محفوظ في الرواية التاريخية لتكشف لنا كيف تتمثل الرواية التاريخية الواقع كي تتجاوزه، وتقدم لنا رؤية مستقبلية للتحرُّر عبر روايات استعارت مداراتها النَّصية من التاريخ الفرعوني، كي تقدم الحلول لمشكلات الحاضر.

الرِّوَايَّة التَّارِيخيَّةُ: تَمَثلٌ أَمْ تَجَاوزٌ لِلوَاقِعِ

من خلال ثلاثية نجيب محفوظ التاريخية

ممدوح فراج النابي

«للتاريخ ثلاثة أبعاد:ففيه طبيعة العلم، والفن، والفلسفة»

لويس جوتشوك 

الوعي بالواقع.. وضرورة العودة للتاريخ:
إنَّ وعي الكاتب بالواقع الراهن، الذي يعيشه، وقضاياه المُشْكِلَة، والتي تزداد تعقيدًا كلما أوغل الزمن في المضي إلى الأمام، يجعل الكاتب المُنْشَغِلَ به، يقع في مأزق الارتباط بهذا الواقع، الذي هو جزءٌ منه، أو الانفصال عنه، لزمنٍ مضى أثير؛ علّه يجد فيه ما أفتقده في واقعه، أو بمعنى أدق « فردوسه المفقود». قد تبدو هذه النظرة للتَّاريخ، بما يَحْمِلُه من تجارب، وأحداث، وشخصيات، نظرةً ضيِّقةً غير ذات جدوى، فالهروب من الواقع المُشْكِلِ إلى الماضي الأثير – على حدِّ زعمهم – يُعَدُّ هروبًا، بل عجزًا عن المواجهة. أما النَّظرة الدقيقة والصائبة في الوقت ذاته، لعلاقة الالتباس بين الماضي والحاضر؛ فهي تلك النظرة التي تجعل من التاريخ معينًا، لقبول الحاضر. ففي كثير من الأحيان يرى الإنسان وبخاصة الواعي، المثقل بهموم حاضره، أيًّا كانت توجهاته الأيديولوجية، في الواقع صورةً مكررةً من الماضي، مع تغيّر الأشخاص والزمن، أما جوهر الحدث فهو باقٍ. ومن ثمّ تبدأ سلسلة من التساؤلات التي يطرحوها من قبيل: كيف يُعِيدُ التاريخ نفسه؟ وهل إعادة التاريخ / أحداثه - رغم مضى ما مضى - إدانة للحاضر؟.

حضور اللحظتين: التاريخية الماضوية والحاضرة، قد يدفع بالكاتب لمراجعة الحاضر في ظل صورة الماضي، وفي ذات الوقت استعادة الماضي المتجلي في الحاضر، ومن ثمّ يخرج بالدلالات التي يريد أن يَخْرُجَ بها من تجلِّي اللحظتين الحدّيتين، وحضورهما معًا. وفي ظل المراوحة بين اللحظتين التاريخيتين: الماضوية والحاضرة، يتعدى المؤرخ وظيفته الأساسية مِنْ أنْ يَحْكِي "ماذا حَدَثَ؟" إلى أنْ يُفَسِّرَ "لماذا حَدَثَ؟". وقد يبدو التداخل جليًا بين طبيعة الروائي وطبيعة المؤرخ، فالروائي وظيفته تتجلَّى في أنْ يحكي فقط، دون حاجة لتفسير ما يحكيه.

-1-

علاقة الرواية بالتاريخ:
وعلاقة الرواية بالتاريخ، علاقة ملتبسة منذ القدم، وقد أدرك هذا أرسطو عندما ميَّزَ بين التاريخ والشعر (الدرامي والملحمي)"(1)، كما أن التاريخ قبل أن يصبح علمًا، تخضع دراسته لقواعد منهجية في أواخر القرن التاسع عشر، "كان مجرد حكاية تأتي على لسان صاحبها، تروي وقائع عن أقوام عاشت هنا وهناك، ومشاهد من حياتهم وسلوكياتهم، والمصير الذي انتهوا إليه، دون ذكر العلل والأسباب، وراء كل حادثة، أو رواية، وعلى القارئ أن يستخلص ما يراه من عبر وعظات"(2)، ومن هذا التاريخ بدأت الدراسات التي سعت لفصل التاريخ، بوصفه علمًا عن مجرد الأخبار فقط، حيث الاعتناء بالمصادر والتواثيق، أو كما قيل «لا تاريخ دون وثائق»، وتطوَّر الأمر لدراسة التاريخ في ضَوْءِ معارف أخرى، من شأنها أن تساعد في تفسير التاريخ، مثل الجغرافية، ودور الفرد، ودو البطل، ودور الدين .. وغيرها إلى أن استقر الأمر وضوحًا في ضوء المدارس المادية أو المثالية، التي أرتأت عدم الاكتفاء بإعادة سرد الوقائع كما حدثت، وهنا تجلت حالة الالتباس بين الرواية والتاريخ مرة أخري، فالرؤية التي تقول بعدم الاكتفاء، تعني في مقابلها تفعيل دور الذات، من خلال الاستنتاجات، والقراءات. ولا يحتاج المرء إلى أن يذهب بعيدًا للتدليل على علاقة الالتباس بين الرواية والتاريخ، حيث كُتب التاريخ في تراثنا وتراث غيرنا تَحْفَلُ بمفرداتٍ هي جزءٌ من طبيعة الرواية مثل (روى، حكي، أخبرني، ذكر، قال..)، ويذكر قاسم عبده قاسم، أن كثيرًا من الكتب التي تمّ تدوينها «رواية فلان» تبدأ بعبارة «قال الراوي» وفي المقابل تحفل كتب التاريخ بحكايات يحمل بعضها طابع الخيال والأسطورة(3)، بل أن المؤرخين أنفسهم – خاصة القدماء – استعانوا بالخيال؛ لترقيع النقص في الذاكرة، وكثيرًا ما لجأ المؤرخ إلى الخيال لكي يضع خطبة بليغة على أحد لسان أبطال روايته التاريخية، وعلى الجانب الموازي يستعين الروائي بالتاريخ مثلما نحن بصدده.

 وقد يرى كثير من الدارسين منذ وقت مبكر أن الرواية التاريخية، مهما سعت إلى التوغل في الماضي، تظل على صلة بالحاضر لا يمكنها أن تتملص منه، وربط الأخوان جونكور(goncours)  "إن التاريخ هو رواية ما كان، والرواية تاريخ ما كان يمكن أن يكون"(4). وتأكيدًا للرأى السابق، تذهب ليندا هتشيون إلى أن التاريخ والقص نوعان منفتحان، ففي مراحل كثيرة ضم كل ّمنهما تحت حدوده المرنة، أشكالاً أخرى من الكتابة مثل قصص الرحلات، وصورًا كثيرة مما نسميه الآن «سوسيولوجيا». وفي القرن الثامن عشر تركزت بؤرة التداخل بين هذين النوعين في علاقة الأخلاق (لا الحقائق) بالحقيقة في السرد. ومثلما كان التداخل بين الرواية والتاريخ، حادث بسبب المفاهيم المحدِّدة لكل نوعٍ على حدة، فالتاريخ في شَكْلٍ من أشكاله « نوع » من «الرواية» لأحداث وقعت في الماضي، و نمط من «الحكاية» عن الأشخاص والظواهر الاجتماعية بكل تجلياتها الثقافية والاقتصادية والسياسية"(5)، وفي الجانب المقابل الرواية تسجيل تاريخي – سلبي أو إيجابي – لظواهر اجتماعية تحمل دلالات متنوعة، يُسَجِّلُها الروائي، أو يجنح عليها، أو يريد إصلاحها، أو يُحَمِّلُها رسالته وهدفه الذي يريد للقراء أن ينتبهوا له"(6) لم تكن علاقة التداخل بين الرواية والتاريخ مقتصرة على ما سبق، بل تجاوزتها، إلى الاتفاق في المغزى الذي يرمي كلا منهما إليه، حيث يتفقان في سعيهما إلى إفهام الإنسان ماهيته ورصد حركته في المجتمع.

*****

وقد ينظر البعض – خاصة النقاد ومنظرو الأدب – إلى السَّارد باعتباره مؤرخًا من نوعٍ خاص، مؤرخ يتجاوز ما " يهتم به المؤرخون الأكاديميون، إلى ما وراء ذلك، ليعتني بالثغرات والفجوات والهوامش المَنْسِيَّة والزوايا المعتمة التي تتجاهلها في الغالب الكتابات التاريخية التقليدية "، وبذلك يكون السَّرْدُ من وجهة نظرهم " محاولة لملء وترميم تلكم الثغرات والفجوات وإبراز الهوامش المنسية، وإضاءة المناطق المعتمة بواسطة الفن"(7). ومحاولة السَّارد ملء هذه الثغرات، هي من قبيل تدخُّل الذات، وهذا التدخُّل لا يتأتى إلا في إطار ما يسمح به الخيال في النص الروائي، حيث يتجاوز بعض حقائق التاريخ لخدمة تصوراته، وأهدافه، عن موضوع الحدث الذي يكتبه، وللأسف أبدى بعض المؤرخين، حيال هذا الأمر الانزعاج، وهذا راجع في تقديرهم، إلى أن الرواية " تنتهك قدسية وقائع التاريخ وجللها "، وفي ضوء هذا تعود الإشكالية من جديد بين الرواية والتاريخ، ولكن هنا من منظور تدخل الذات، في ملء الثغرات، مع أن - في المقابل - المؤرخ قد يلجأ أحيانًا إلى الخيال كما وضحنا عاليًا. وقد يصل الأمر بالسَّارد للتاريخ لا أن يستلهم أحداثه وشخصياته المؤثريّن، وإنما نجد في كثيرٍ من الأحيان، حالة من التماهي بين السَّارد والتاريخ، حيث رغم ما يبدو من السَّارد أثناء تخيّله يلتبس بالتاريخ، وقد يصل الأمر إلى قول البعض إلى أنه حتى وهو – في إشارة للسَّارد – في ذروة تورطه في الخيال، إلا أنه يتحرش بالتاريخ " فالتاريخ يلتبسه، ويفاجئه بين لحظة وأخرى ولا نصًّا سرديًا يمكن أن يتملص من بعض سطوة التاريخ مهما سعى إلى الاكتفاء بذاته، والتوسُّل بالخيال قد يكون محاولة لمثل هذا التملص."(8) وبعد كل ما سبق نتساءل: ما الذي يشغل الروائي أثناء كتابة التاريخ؟ هل الأحداث والشَّخْصيات التي تعج بذكرها كُتُب التاريخ؟ أم الهامش الغير معنى؟ أو بمعنى آخر نتساءل؟

       لماذا يلجأ الروائي للتاريخ؟

إذا كان الروائي- الآن - قد يتخذُ من التَّاريخ قِنَاعًا له، كما يُصرّح كثير من الروائيين(9) الذين تنتمي أعمالهم للتاريخ، فالرواية التاريخية - كما ذكر كثير من الباحثين - مهما "سعت إلى التوغُّل في الماضي، تظل على صلة بالحاضر، لا يمكنها أن تتملص منه".(10) إلا إن النشأة الأولى للرواية منذ «علم الدين» لعلي مبارك 1867، جاءت استجابة للبحث عن الهَويَّة في مقابل رفض الآخر. وبناءً على هذه الثنائية: البحث عن الهوية ورفض الآخر انطلقت الرواية من مفارقة التغيّر الذي يفصل الماضي عن الحاضر من ناحية، والحاضر من تطلعات المستقبل من ناحية ثانية؟ وفي ظل هذه المفارقة المزدوجة يقول الدكتور جابر عصفور "تقاطعت الذات القومية بتراثها (العربي) مع علاقتها بحاضر الآخر (الغربي) داخل فضاء الرواية"(11). والعجيب أن الرواية العربية منذ نشأتها حافظت على هذه المفارقة "فاحتوى الشكل الأوروبي الوافد، الأشكال التراثية الأصلية للقص .. فأصبح النوع الأدبي الوليد مزيجًا من الرواية والمفارقة"(12)، وهذا ما تجلى واضحًا في سياق ما أنتج المويلحي  (1868- 1930)في كتابه «حديث عيسى بن هشام» واستمرت الحركة في هذا النوع من السرد المتوتر، حاملة شعار «حركة لا شرقية ولا غربية» حيث مزجت بين الشرق والغرب في آن ٍواحدٍ. وعلى الجانب المقابل بدأت حركات مضادة، حيث سعى آخرون إلى التحرُّر من الآخر الأوروبي، رغم الإعجاب به، من خلال البحث عن هوية خالصة، وقد وجدوا ضآلتهم في التركيز على التراث / التاريخ العربي الإسلامي؛ بوصفه " أصلاً من أصول الهوية التي تبحث لنفسها عن صفة جديدة في مواجهة مركب هذه الحركة التي لا هي شرقية ولا غربية خالصة، وتجلى هذا واضحًا فيما كتبه جورجي زيدان، منذ أن أصدر روايته «المملوك الشارد» عام 1891.

-2-

لا يستطيع الدارس للرواية التاريخية أن ينسى دور رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)، حيث يُعَدُّ أولَ من وضع البذرة الأولى لنشأة الرواية التاريخية/ التعليمية حسب تسمية عبد المحسن طه بدر لها، وذلك منذ وضع كتابه الرائد «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» عام 1834، وإن كانت جهوده قد تبلَّورت جيدًا في روايته المترجمة «مواقع الأفلاك في وقائع تليماك» عام 1867. إلا أن الشيء المهم الذي يجب أن يذكر، هو أن الرواية التاريخية/ التعليمية، تميَّزت في هذه الفترة بالتركيز على العناصر التاريخية، والاعتناء بالمادة التاريخية، على حساب العناصر الروائية، وذلك لأنها كانت تضع في اعتبارها الجانب التعليمي، الهدف الأول الذي تسعى إليه، ولا يقتصر الأمر هنا على رفاعة، وإنما شاركه – أيضًا – علي مبارك (1823-1893) في الإسهام في نشأة الرواية التعليمية، بروايته «علم الدين» عام 1834، واللافت أن اللذيْن أخذا على عاتقيهما نشأة الرواية التعليمية، كانا من ضمن حركة طلاب البعثات الوافدين. وهو ما يعزز حالة الانقسام التي بدت تظهر إزاء الإعجاب بالغرب، والتعلق بالتراث. وتأكيدًا للهدف التعليمي، الذي كان يسعى إليه هؤلاء الكتاب من وراء الكتابة، قاموا بتدبيج مقدمات أعمالهم بهذه الأهداف، فها هو علي مبارك يشير إلى الهدف التعليمي بقوله: "ولا شيء أنفع له (يقصد الوطن) وأجلب للخير والبركة إليه من تعليم أبنائه، وبثَّ المعارف والفنون النافعة فيهم، حتى يعرفوا حقوقه، ويكونوا يدًا واحدة في نفعته وخدمته، وإيصاله إلى غاية ما يمكن أن يصل إليه من الغبطة والسعادة، وهذا لا يكون إلا بالعلم والمعرفة، وحُسْن التربية، فإن الجاهل لا يحسن نفع نفسه فضلًا عن نفع غيره،.. وقد رأيت النفوس كثيرًا ما تميل إلى السِّير والقصص وملح الكلام بخلاف الفنون البحتة، والعلوم المحضة، فقد تعرض عنها في كثير من الأحيان لاسيما عند السآمة والملال من كثرة الاشتغال، وفي أوقات عدم خلو البال، فحداني [كذا] هذا أيام نظارتي لديوان المعارف إلى عمل كتاب أضمنه كثيرًا من الفوائد في أسلوب حكاية لطيفة ينشط الناظر فيها إلى مطالعتها، ويجد فيها رغبته فيما كان من هذا القبيل، فيجد في طريقه تلك الفوائد، ينالها عفوًا بلا عناء، حرصًا على تعميم الفائدة، وبث المنفعة ... فجاء كتابًا جامعًا اشتمل على ثمر الفوائد المتفرقة في كثير من الكتب العربية والإفرنجية في العلوم الشرعية، والفنون الصناعية، وغرائب المخلوقات، وعجائب البر والبحر مفرغًا في قالب سياحة شيخ عالم مصري وسم بـ " علم الدين " مع رجل إنكليزي [كذا] كلاهما هيبان بن بيان، نظمهما سمط الحديث، لتأتي المقارنة بين الأحوال المشرقية والأوروبية." [مقدمة علم الدين: ص ص 6-8]

اللافت في هذا المقتطف السابق الطويل نسبيًا، أن علي مبارك لم يكن الهدف الوحيد الذي قصده، هو التعليم فقط، وإنما تجاوزه إلى المقارنة بين أحوال المشرق والمغرب، بغرض إصلاح المجتمع المصري، حيث غلب على أعضاء البعثات الوافدين من أوروبا إصلاح المجتمع المصري، بمقارنته بالمجتمعات الغربية الأوربية التي درسوا فيها. ومن ثمّ تجلت الإشكالية الأنا / الآخر، فبطل علم الدين شيخ أزهري متفتح، يقبل السفر إلى الخارج مع سائح إنجليزي عالم، يرغب في تعلُّم اللغة العربية، ومع إعجاب الشيخ الأزهري بما يراه، إلا أننا نراه دائمًا يسأل عما لا يعرفه، وقد يقتنع ببعض ما يشاهد، كما أنه في الوقت ذاته لا يتقبَّل كل عادات الأوروبيين، بل يرفض بعضها، ويُفَضِّلُ عليها عاداته الشرقية. هذه الثنائية بين الأنا/ الهوية، والآخر/ الغرب، تؤكد العلاقة التي صاغها بطل المويلحي «عيسى بن هشام» في «حديث عيسى بن هشام» بأنها حركة «لا شرقية ولا غربية». فالبحث عن الهوية العربية الخالصة هو الذي جعل الكتُّاب يتراوحون بين المزج بين الأنا والآخر، ورفض الآخر وعدم قبوله، وهذه المراوحة هي ما تجلت في كتابات الجيل الأول. وقد عكس عنوان المويلحي هذه الثنائية، حيث اللجوء إلى التراث، خاصة فن المقامة، فهو في تسميته « حديث» يقترب من المعنى الاصطلاحي للمقامة، التي قريبة في معناها من كلمة حديث(13). وقد يبدو الاتفاق واضحًا بين المويلحي ورفاعة الطهطاوي وعلي مبارك، في الطريقة التي كتب بها الكتاب وهي الرحلة، إلا أنهم اختلفوا في الهدف، حيث أراد الأول إصلاح المجتمع المصري، عن طريق النقد الاجتماعي، أما الهدف اللغوي، وهو تعليم اللغة العربية، فيأتي في المرحلة الثانية، بعكس الهدف عند الطهطاوي وعلي مبارك. والجامع بين حافظ إبراهيم في «ليالي سطيح» والمويلحي إلى جانب نقدهما المجتمع والسعي لإصلاحه، أنهما كانا يدينان بالولاء في الفكر الإصلاحي إلي المفكرين الإصلاحيين الذين "يؤمنون ببعث التراث العربي الإسلامي القديم، وعدم الوقوف في الوقت نفسه، موقف الجمود والانغلاق من بعض مظاهر الحضارة الغربية التي قد تكون صالحةً لمجتمعهم"(14)

****

ويأتي جورجي زيدان (1861-1914) ليخطو خطوة كبيرة في مسيرة الرواية التاريخية، ويُخلِّصها من عيوب البدايات. فيشير في مقدمة روايته «الحجاج بن يوسف الثقفي» إلى الهدف من كتابة التاريخ، فيقول: "وقد رأينا بالاختبار أن نشر التاريخ على أسلوب الرواية أفضل وسيلة لترغيب الناس في مطالعته، والاستزادة منه، وخصوصًا لأننا نتوخى جهدنا في أن يكون التاريخ حاكمًا على الرواية كما فعل بعض كتبة الإفرنج، وفيهم من جعل غرضه الأول تأليف الرواية، وإنما جاء بالحقائق التاريخية لإلباس الرواية ثوب الحقيقة، فجره ذلك إلى التساهل في سرد الحوادث التاريخية بما يضل القراء، وأما نحن، فالعمدة في روايتنا على التاريخ، وإنما نأتي بحوادث الرواية تشويقًا للمطالعين فتبقى الحوادث التاريخية على حالها وندمج فيه قصة غرامية تشوق المطالع إلى استتمام قراءتها، فيصبح الاعتماد على ما يجيء من حوادث التاريخ مثل الاعتماد على أي كتاب من كتب التاريخ من حيث الزمان والمكان والأشخاص، إلا ما نقتضيه القصة من التوسع في الوصف مما لا تأثير له على الحقيقة، بل هو ما يزيد بيانًا ووضوحًا بما يتخلله من وصف العادات والأخلاق] [جورجي زيدان: الحجاج بن يوسف الثقفي: المقدمة: ص6]

 يتضح مما سبق وعي جورجي زيدان بطرائق الكتابة الروائية التاريخية، بل هو واعٍ بطرائق الكتابة عند الإفرنج، الذين يعتبرون التاريخ خادمًا للفن، (وفي هذا إشارة واضحة إلى إلكسندر دوماس الأب)، أما جورجي زيدان فيجعل الفن خادمًا للتاريخ، وهذا الوعي من قبل زيدان، راجع في المقام الأول، إلى تأثره بالرواية التاريخية عند (والتر سكوت) الذي يُعَدُّ رائدًا في هذا المجال. وتدبيج الأحداث بقصص غرامية لتشويق القارئ كما ذكر، أضاع الكثير من الحقائق، وأغفل جوانبًا ثرية في التاريخ الإسلامي، إلا أن زيدان للأسف كان يعمد إلى هذا، حيث كان ينقصه " الإحساس القومي "، حيث الانتماء الديني، والتأثر بالمستشرقين، كان لهما بالغ الأثر في نظرة زيدان، للتاريخ الإسلامي. فهذه النظرة جعلته " يُعْلي من قدر الشعوب الأعجمية، ويترك الفترات المشرقة في تاريخ المسلمين، ويركز جهده في التعبير عن الفترات الحساسة والشائكة التي مرت بهم، وتصوير الخلفاء تصويرًا يحط من أقدارهم، ويجعلهم أقرب إلى الانتهازيين والأفاقين"(15). لكن النقلة الحقيقية في الرواية التاريخية، كانت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث الفكرة القومية أخذت تتبلَّور، بل كانت هي الدافع وراء الكتَّاب لإحياء الماضي، واستلهام البطولات والانتصارات، لشحذِّ الهمم، خاصة في ظل استعمار جاثم على صدور أبناء الأمة، وهذا ما تجلى واضحًا في إبداعات (علي أحمد باكثير، وعلي الجارم، ومحمد فريد أبو حديد، وعادل كامل، ونجيب محفوظ)، فقد دخل هؤلاء التاريخ أو التراث بعامة ولديهم معتقد راسخ في أذهانهم أن من خلال هذا التراث، يعيشون الحاضر والمستقبل.أو كما يقول محمد القاضي "إن الرواية لا تكون تاريخية إلا إذا حملت من زمن كتابتها مشاغله الأساسية، وقضاياه الراهنة"(16).

-3-

ثلاثية نجيب محفوظ التَّارِيخيَّة تَمثُّلٌ أم تجاوُّزٌ للواقع:
هنا ندرس ثلاثية نجيب محفوظ التَّاريخيَّة (عبث الأقدار1939، رادوبيس 1943، كفاح طيبة 1944) في ظل السِّياقين التَّاريخي والثقافي اللذيْن أُنْتِجتْ فيهما الروايات، لنبحث عن الدلالة التاريخية من وراء اختيار حادثة بعينها لبناء نصِّ روائي، ومدي عكس هذه الحادثة/ الواقعة لواقع بعينه، أو الذهاب لشخصية تاريخية معينة دون سواها. ومن جانب آخر كيف استلَّهم نجيب محفوظ واقعًا يختلف في سياقه الثقافي عن الواقع المعكوس عليه؟ ليكشف تطابق السياقين رغم البون الشاسع بينهما في الحُقب التاريخية. ومن ثمَّ مدى رؤية نجيب محفوظ لمصر القديمة، من خلال هذه الثلاثية التاريخية، وكيف عبَّرت هذه الرؤية في أحد جوانبها عن التيار الوطني الذي كان يهدف إلي "بعث الماضي، والبحث فيه عن العلامات التي ترسم طريق المستقبل".(17)

المدقق في سنوات النشر، يجد أن هذه الروايات التاريخية الثلاثة، أُنْتِجت أثناء وبعد معترك الحرب العالمية (خاصة الحرب العالمية الثانية التي شكّلت منعطفًا خطيرًا في الخريطة الدولية، وما أسفرت عنه من انقسامات حادة في مسيرة الدول، وفوق هذا كشفت الأقنعة الكاذبة التي لا تتواني في استخدام القوة المفرطة من أجل المصالح الشخصية). وليس هذا من قبيل الصُّدْفة، فقد شكلّت الحرب العالمية أفقًا جديدًا بعد اتساع مظلة الاحتلال، وفي ذات الوقت بدأت تطلعات أبناء الشعوب للتحرَّر من مغبَّة الاستعمار البغيض (لاحظ إنبثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1945) فقد بدأت بوادر حركات التحرُّر الفعلي للشعوب، تأخذ حيزًا للتنفيذ. وعلى السِّياق التَّاريخي لو تأملنا هذه الفترة من تاريخ مصر الحديث لوجدنا خضوع مصر لتبعية الاحتلال البريطاني بعد وقوع الاقتصادي المحلي / الوطني فريسة لقوي الاستعمار خاصة بعد حادثة هزيمة عرابي في التل الكبير(18)، وفي ذات الوقت ما مثّله النظام الملكي من عبءٍ على الشعب من خلال تحالفه المعلن وغير المعلن مع القوي الاستعمارية ووقوفه ضد القوي الوطنية الساعية للتحرر. هكذا شكّل السِّياق الواقعي بكلِّ ما يحمل من قهرٍ ووطأةٍ على المستويين، خلفيةً لما أراد أن يقوله نجيب محفوظ - على مستوي أعماله التاريخية الثلاثة - وهو المُحمَّل بأيديولوجيا ثورة 1919، وانحيازها المطلق للشعب، بل والأدهى التأكيد على قوى الشعب المطحون، لذا جاءت رواياته التاريخية كإجابة عن سؤال محوري صاغه محفوظ في ذهنه، دفعه إليه معتقده الإيديولوجي المتوائم مع ثورة 1919 المنحاز للشعب كركيزةٍ أساسيةٍ في عملية التحرُّر ثم النهضة في مرحلة تالية، وقد تمثّل هذا السؤال في: كيف نتحرَّر؟ وهو سؤال يأتي كتلبية وضرورة لسؤال البحث عن الهوية المفتقدة، والتي أعادت ثورة 1919 لها الروح والوعي معًا، وهو ما عبَّرَ عنه الحكيم في رواية حَمَلتْ الاسم نفسه « عودة الروح »1931.

ولم يكن السؤال الذي صاغه محفوظ مجرد تَصوُّرٍ ذهني، بل على العكس قد فَرَضَ على مستوي الفعل إجابات مرتبطة « بأساليب التحرَّر الممكنة » وهو ما تجلّي واضحًا في رواياته التي قدَّمت " إجابات متقاربة ولكنها مختلفة من حيث الوعي بأساليب التغيير الممكنة، تلك الأساليب التي فضَّل محفوظ أن تستعار من الماضي المصري، من أجل التحفيز على محاكاتها في الحاضر"(19)، بل إن هذه الاستعارة تُشكِّلُ من زاوية أخرى تَجْسِيدًا " لأيديولوجيا محايثة ومزامنة لفعل الإدراك والإنتاج "(20)، مُتَمَثِّلة في الروح المصري تلك الروح التي بدأت تنبثق في الظهور عَبْرَ كتابات بعض الكتَّاب والمفكرين(21)، بل وعمل البعض على تأكيدها، والإعمال عليها، وهي الروح التي وجدت في نموذج "شخصية أحمس بن كاموس" تجسيدًا فعليًا ومُعبِّرًا عنها بإخلاص. ففي الروايات الثلاثة يعمل محفوظ على تبني فكرة الخلاص؛ خلاص مصر بيد المصريين، مدفوعًا بهذه الروح المصرية التي بدأت في الانبثاق. ففي «عبث الأقدار» 1939 شكَّلت الحادثة التاريخية أو بمعني أدق النبوءة التي أرَّقتْ مضجع "الملك خوفو" صاحب الإنجازات بنية الرواية، حيث نبوءة السَّاحر العجوز/ ديدي (لاحظ العبث يبدأ منذ هذه النبوءة، فالسَّأم هو الذي دَفَعَ الملك لأن تَعُفَّ نفسه كل الوسائل التقليدية للترفيه وهو جالس بين أبنائه وخاصة مقربية، فيقترح الابن الأصغر إحضار السَّاحر ديدي علّه يدفع السأم الذي اعترى نفسية الملك!!)، بأنَّ خوفو والذي كان مشغولاً وقتها بأهم إنجازٍ تاريخي مُتمثِّل في بناء الهرم الأكبر، لن يجلس على عرشه أحد من ذريته، بمن في ذلك ولي عهده، وتستمر النبوءة بأن من يحكم مصر بعده طفلاً حديثَ عَهْدٍ بالوجود، هنا تَزَلْزَّلَ المَلِكُ وَهَمَّ بالبَحْثِّ عن هذا المولود خاصة أن السَّاحِرَ حدَّدَ أباه الكاهن الأكبر لمعبد أون « من رع » وعلى الفور يُسْرِعُ الملك الخُطى معتقدًا أنه بهذا الفعل يُصَارِعُ القدر ليقتل الطفل الوليد، إلا أن الأقدار التي سعى الملك بسلطانه وقوته لأن يُخْضِعَهَا لإرادته، هي نفسها التي تَعبْث/ تَسْخَرُ منه فينجو هذا الطفل بعد أن استطاع أبوه أن يُهَرِّبَه مع زوجته و خادمته زايا(22) (التي تشاء الأقدار أن تكون عقيمًا، ويهددها زوجها الذي يعمل في هرم خوفو بالزواج لأنها عاقر) وبالفعل ينجو الطفل، بفعل قدري أشبه بالمعجزة، فراح يتدرَّج في المناصب العسكرية، ويثبت الكفاءة والمهارة فقرَّبه الملك إليه بعدما أظهر ولاءً وحبًا للملك وأسرته، منذ أن أنقذ ولي العهد من موتٍ مُحَقَّقٍ أثناء رحلة صيد، ثم يُولَّيه الملك بنفسه عرش مصر بعدما قتل ابنه، حيث شاءت الأقدار التي أراد أن يعبث بها الملك من قبل، أن يفسد «القائد ددف» مؤامرة دبرها الابن ولي العهد «رعخعوف» لقتل أبيه والاستيلاء على عرشه، ويزوجه من ابنته «مري سي عنخ» حتى لا يقال إن دماء الفراعين لا تجري في عروقه، هكذا يصل ابن الشعب إلى سدة الحكم، لكن العبث والتراجيديا التي تقدمها الرواية، ليست فقط في تولية «القائد ددف» الحُكم، العبث الحقيقي هو أنه تقلَّد ما تقلد لا من رغبة داخلية، وإنما من مسارات خارجية ومتعالية عن إرادته ومشيئته، هنا في السِّياق النَّصي الظاهر، تولِّي ابن الشعب/ ددف سدة الحكم، بعدما قتُل الابن ولي العهد نظيرًا لخيانته. وهو ما يتوازي مع السِّياق التاريخي الذي كُتبت فيه الرواية، وهي الفترة التي تولَّي فيها حزب الوفد سدة الحكم(23)، بعد صراع مرير مع الملك، لكن هذه المرة لم يكن تولي حزب الوفد الحكم بسبب الاحتكام لنتائج الانتخابات، وإنما جاء الوفد للحكم، نتيجة مسارات خارجية، متمثِّلة في اشتداد الصراع بين الملك والإنجليز فجأوا بحزب الوفد وفرضوه على الملك كما قيل بالدبابات، كتهديد للملك وتجريده من صلاحياته.

لو حاولنا الربط بين المدار النصّي للرواية والمسَّار التاريخي/ الواقعي الذي اُنْتجت فيه الرواية لوجدنا أنها تمثَّلتْ لدلالة العنوان "عبث الأقدار"، خَيْرُ تَمْثيلٍ حيث لعبة الأقدار هي المهيمنة على حركة السرد والأحداث، فالأقدار تسخر من كل مَنْ يَزْعُمُ أنَّه يُخْضِعُها لإرادته حتى ولو كان سلطانًا بمثل مهابة خوفو العظيم، وفي الجانب المقابل يَسْخَرُ من الشعب في السياق الواقعي الذي كان ينظر إلى حزب الوفد على أنه الحزب الشرعي والقادر على أنْ يقف أمام القصر وما يقف خلفه من مستعمر دخيل (هو الحاكم الفعلي)، القدر أيضًا يعبث منه، فالوفد جاء هذه المرة دون إرادة حقيقية من الجماهير الغفيرة التي تقف خلف الوفد، كما جاء - وهو الشيء الأكثر خطورة – ضد مصالح هذا الشعب، رغم إنَّ هذا الحزب ينتمي إلي الشعب، مثله مثل " القائد ددف " الذي جاء كاختيار للحاكم، بعدما فقد قدرة الإرادة في تولية أبنائه، وكأنها استجابة للقدر الذي سَخَرَ منه من قبل، كما أن تجريده من نسبه للشعب يزيد من انفصاله عن الشعب، ومن ثم عدم التعويل عليه، (لاحظ موقف حزب الوفد في السِّياق التاريخي من معاهدة 1936(24) التي أبرمها النحاس)، بدمج نسبه بالدم الفرعوني من خلال علاقة مصاهرة يريدها الأب (زواج القائد ددف من ابنته) رغم إنها علاقة حقيقية بين طرفين بناءً على رغبتهما إلا أن كونها جاءت كوصية من قبل الأب، تجردت من اختياريتها وأصبحت جبرية، وهو بهذا يكون وصيًا على الميراث الذي تركه الأب / الملك خوفو ليس إلا، مثلما امتثل الوفد / ابن الشعب (غير الأصيل في هذه الحالة) لأوامر المستعمر، فكان أداةَ قمعٍ للشعب (فكانت ثمرة الزواج غير المتكافئ على صعيد السِّياق التاريخي، إلغاء معاهدة 1936، والتي تقضي بإنهاء الاحتلال العسكري لبريطانيا، وهي ذاتها التي وقعّها النحاس باشا مع الإنجليز في مفارقة عجيبة زادت عجائبيتها مقولة النحاس نفسه « من أجلكم وافقت على معاهدة 36 ومن أجلكم اليوم أعلن إلغائها » لكن نجيب محفوظ لم ينجُ من الدهاء في اختيار هذه الحكاية على وجه التحديد، ليجعلها مدارًا نصيًا لروايته، فهو إزاء تبنيه الروح المصري والعمل على تأكيدها يبدأ في الإجابة عن سؤاله: كيف نتحرَّر...؟!باختبار أدوات التحرُّر التي يسعى إلي تأكيدها، ومن ثم يرى أن أي اختلاط في الوسائل التي يريدها أولاً مصرية ثم ذاتية / إرادية، بمثابة القشة التي تفصم عُري العمل الوطني، فحزب الوفد من وجهة نظره " بمثابة هبة قدرية، أقرب ما تكون للعبث"(25)، مثله مثل الأمل في التغيير الصوري المتوازي معه " القائد ددف " هنا، وذلك لأن حكمه مشترط بالوصايا من خلال أواصر القربي، ومزج الدماء معًا، إضافة إلى طبيعة القرابة ذاتها هنا محكومة بالانفصال، حيث الزواج مهدَّدٌ بالطلاق، إلا إذا كان زواجًا كاثوليكًيا، لا تنفصم عُراه إلا بموت أحد الطرفين!!

وكأن محفوظًا يعيب على الوفد(26) هذا المنحى الذي نحاه زعيمه، خاصة وأنه كان يعوِّل عليه كأداة مصرية خالصة للتغيير، لكن بهذا التحالف المريب(27) ضرب بكل التوقعات تجاه المصير معه(28). فكأن صعود الوفد في نظره لم يكن إلا صعودًا وهميًا مرحليًا لاستعادة المصري لروحه. ومن هنا يُقِرُّ محفوظ بعد قراءاته في التاريخ، واستنهاض تجاربه أن الروح المصري الخالصة التي يريدها، هي أقرب لروح أحمس طارد الهكسوس ابن الجنوب، المشبَّع بروح الشعب ووطنيتهم. ولا يعني هذا بأية حال من الأحوال التقليل من الهدف الذي رمى إليه محفوظ ولم يتحقق منه إلا اليسير في هذه الرواية، فعبث الأقدار عبَّرت في أحد معانيها عن جبرية التغيير، مع التشجيع على الفاعل الذي ينتدبه القدر للتغيير الإيجابي، وهي مع هذا تدعو إلى الفعل الذاتي الذي يتجسٍّد في إرادة حقيقية تؤمن بالتغيير لا مدفوعة إليه بفضل مساعدات خارجية، أو إملاءات فوقية، فهي بمثابة المرحلة الأولى في رحلة التغيير التي ينشدها محفوظ ويدعو إليها، والتي تصل إلى ذروتها في كفاح طيبة.

لكن من زاوية أخرى نجد أن محفوظًا في ظل تقديمه لهذه الحكاية المشرَّبة بروح الحكمة، واستخلاص التجارب، راح يُقدِّم صورة للحاكم الذي يأمل أن يكون علي يديه التغيير، ربما وجد في الملك خوفو ملامحًا منه، لكنها ليست كلها، لذا نراه يستمر في ثلاثيته، حتى أنه في رادوبيس يُقدِّمُ الصورة المناقضة للحاكم، كتمهيدٍ طبيعي وبنائي يلزمه البناء النصي للحكاية لصورة الملك التي تجلت في أبهي صورها في صورة الملك أحمس ابن الشعب. والتي كانت تعززه وتؤازره الأم وعزيمة الجدَّة " توتي شيري " وما بثَّته في روحه من خلاصة الحكم منذ أن كان صغيرًا، وكأنهما العزيمة المصرية الخالصة والتي عكسها محمود مختار في تمثاله الشهير "نهضة مصر"(29) أزيح عنه الستار 1928.

-4-

هنا قدَّم محفوظ الكثير من صفات الحاكم الإيجابية التي تجلَّت في صورة الملك خوفو الذي حقَّق أهم إنجازٍ في تاريخ البشرية، وهو ما تَمثِّل في بناء الهرم الأكبر، في صورة متناقضة لمن يحكم مصر في هذا الوقت، حيث المفارقة باعثة للتأمل والإعجاب في آن واحد، ففي الفترة التي بني الهرم كان على سدنة الحكم نموذج للحاكم العادل (ربما شابه بعض التصرفات التي تقلل من عدله، حيث سعيه لقتل الطفل بناءً على نبوءة تنبّأ بها السَّاحر العجوز، ففرَّق شمل أسرة وقتل كاهنه الأكبر، وطفلاً بريئًا، وحكم على زوجة أن تعيش هاربة طريدة، وحرم ابنًا من أبيه، بل ظل مقترنًا بأسرة لا يربطه بها شيء سوي أنها آوته)(30) لكن القضاء العادل والإراداة الإلهية اللتين أرادا أن يعبث بهما انتقمتا منه، وقد تمثَّل الانتقام في صدمته بابنه الذي أوشك على خيانته وقتله، فَقُتِلَ أمام عينيه دون أن يكون نادمًا بل كافأ قاتله بأن ولَّاه المُلْك من بعده وزوَّجه من ابنته، ما عدا ذلك فقدَّمت الرواية صورةً للحاكم الذي يضع الشعب في حساباته، فهو يتألم أيمَّا تألمٍ عندما يرى ألوفًا من أبناء الشعب الصابر والراضخ في آنٍ معًا يتحملَّون العذاب دون أن يئنوا في سبيل أنْ يُحقِّقَ معجزته الخالدة فيخاطب ذاته وكأنه يحاسبها "هل ينبغي أن تشقى ملايين النفوس الشريفة من أجل مجده؟ هل ينبغي أن يولي ذلك الشعب النبيل وجهه قبلة واحدة هي سعادته " ويستمر في محاكمة نفسه حتى أنه يسأل حاشيته " من الذي ينبغي أن يبذل لصاحبه: الشعب لفرعون أم فرعون للشعب" (الرواية: ص145)(31)

لا يتورع الملك خوف في أن يقول لحاشيته علي الملأ: ساءلت نفسي ذات صباح يوم: ماذا صنعت من أجل مصر، وماذا صنعت مصر لأجلي؟ ولا أكتمكم الحق أيها الأصدقاء، فقد وجدت أن ما صنعه الشعب لي أضعاف ما صنعته له فأحسست بشيء من الألم – وكثيرًا ما أتالم هذه الأيام – وذكرت المولي المعبود مينا الذي وهب الوطن بعض ما وهبني، فاستصغرت نفسي وأقسمت لأجزين شعبي إحسانًا بإحسان وجميلاً بجميل " (الرواية: ص 175) وتتجلى روح التسامي من قبل فرعون لشعبه يوم أن تتسامي نفسه وتتجرَّد من النزعات العاطفية الأحادية ويوزِّع فَيْضَ محبتة للرعية جمعاء فيقول وهو يولِّي من قتل ابنه، في الحقيقة من أنقذ حياته " إني في هذه السَّاعة الرهيبة أجد من نفسي قوة عظيمة على السمو على العواطف البشرية، وأحس بأبوتيّ للعباد تغلب على أبوتي للأبناء، فأعينوني على قول الحق وفعله "(الرواية: ص 223). هنا نجيب محفوظ لا يُقَدِّمُ صورة للملك خوف، بقدر ما يعكس صورة الملك في تلك الفترة التي زامنت كتابة الرواية، وكأنَّه يعمد إلى التضاد ليظهر القبح والفساد معًا اللذيْن استشريا، ومهدّا للمُخَلِّصِ، و من هذا المنطلق جاءت الرواية الثانية «رادوبيس 1943» لتقدم صورة فادحة وباذخة لكيف يكون عبث الحكام، ونهاية هذا العبث الذي يأتي من قبل الشعب نفسه، وكأن الروح المصري التي أراداها في « عبث الأقدار» لم تؤد مفعولها إلا في رادوبيس، وبالفعل يُمَثِّل جمهور الشعب المحك الفاصل في رادوبيس الذي يفتك بالملك اللاهي والعابث.

-5-

في « رادوبيس 1943» يبدو الرمز جليًا لا يحتاج إلى فك شفراته، فالدَّالُ يردُّ إلى مدلوله مباشرة، دون أن يحتاج إلى وسيط، فالملك العابث الشاب المفتون بالحسان هنا «مرنرع الثاني» يتوازي مع الملك الشاب «فاروق». فكلاهما نَهِمٌ في حب الامتلاك، والإنفاق على الجواري والحِسَان. فها هو الملك الشاب هنا يجأر بصوت عالٍ "أريد أن أشيّد قصورًا ومقابر، وأن أتمتع بحياة سعيدة عالية.. أيجوز أن تعذبني رغباتي كالفقراء؟ (الرواية: ص 236) كما تتوازي حاشية الملك الفرعوني الفاسدة والتي يمثّلها رئيس الحرسّ "طاهو" مع حاشية الملك فاروق التي جعلت الملك يعيش في لهوه وملاذه منصرفًا عن شعبه، وكلاهما كانا بمثابة الحجاب الذي غُيِّبَتْ الحقيقة خَلفُه، بل وصل الأمر إلى تحريض الملك ضد شعبه وإفراط استعمال القوة لقمعهم كما جاءت الدعوة علي لسان طاهو نفسه:" القوة يا مولاي القوة يا مولاي... كان أجدادك المقدسون أقوياء، يُحققِّون إرادتهم بعزيمة كالجبال، وسيف القضاء، كن مثلهم يا مولاي، لا تتردد ولا تركن إلى الحلم، واضربْ إذا ضربت ضربةً شديدةً لا تعرف الرحمة، تُذْهِلُ الجبار عن نفسه، وتخنق في صدره أواهي الأمل." (الرواية: ص 237). أمثال مثل هذه النصائح هي التي قادت لأن يخرج الماردَ من قمقمه، فكانت الدعوة الحقيقية لاستئصال رأس الفساد، وهو ما فطن إليه محفوظ ليمهِّدَ لميلاد البطل المشبَّع بمصريته الخالصة وهو ما يظهر في صورة أحمس الذي وِلِدَ من رحم الشعب بل عانى من فقده لجده «سيكننرع» وأبوه كاموس اللذيْن فُقِدَا بيد المستعمر الدخيل. وإن كان هذا لا يمنع من وجود رجال أشراف أمثال رئيس الحكومة المخلص "خنوم حتب " و "سوفخاتب" كبير الحجَّاب، لكن الدلالة واضحة مادام رأس الأفعى موجودًا فالسُّم يسري في كل مكان وتأثيره ناقع.

وما بين مَلكٍ فاسدٍ وحاشية فاسدة وشعب غاضب مطحون، كان فراغ الأحزاب التي لم تضيَّق الهوة العميقة التي راحت تتسع، حتى زاد الرتق على الراتق، في إشارة بليغة إلى غياب دور الأحزاب بما فيها حزب الوفد الذي كان في السُّلطة آنذاك، لكن في الجانب المقابل عكست الرواية لصورة غليان الشعب وسخطه من سوء الأحوال وتفاقمها، وقد شمل السخط أيضًا التجربة النيابية المزيفة. لكن عبد المحسن طه بدر يري أن الرؤية التي يخرج بها من هذه الرواية أنها " تحمل قدرًا من التعاطف مع الملك في صراعه مع الكهنة الذين سخَّروا جموع الشعب التي تتحرك كالدهماء للمحافظة على مكاسبهم المادية ثم لاغتيال الملك في نهاية الرواية"(32). العجيب أن نجيب محفوظ نفسه وافق على هذه الرؤية وقدم للناقد ما يؤكد ما انتهي إليه، لكن نري نحن من جانبنا أن هذه الرؤية المتسمة بالتعاطف(33) مع الملك ليس لها مبرر إلا ما تبدي من تسليم مطلق للملك، ومواجهته مصيرة وإصراره لأن يتحمل أخطاءه بنفسه، وهذا ما تبدى أيضًا من محاكمة ذاته أمام تمثالي والديه بسؤاله التهكمي على ذاته:" ترى ما رأيكما فيَّ؟" (ص 306) فالسؤال يكشف عن وطأة الذنب والشعور بتخليه عن المسئولية التي ناط بها والده إليه " لقد أورثتني ملكًا عظيمًا ومجدًا أثيلاً، فماذا صنعت بهما؟" (الرواية ص 306)، ولذا يرفض أن يضحّي برجاله في سبيل الدفاع عنه ويقول لزوجته في إقرار بتحمل المسئولية بنفسه: "بل لا أريد أن أضحي بهم عبثًا، وسألقي عدوي وحيدًا لنصفي حسابنا معًا"(ص 307) إذن هذا هو مصدر التعاطف الوحيد مع الملك الشاب الذي لم يحكم سوى عام، فمنذ أن توَّلى والشعب يهتف لوزيره "خنوم حتب" لِمَا أظهره هذا الرجل من حكمةٍ وجدارة في رئاسة الحكومة، أما هو فظل في نظرهم مجرد ملك شاب عابث، ربما هذا هو التحامل الوحيد منهم، حيث نظر الشعب إليه هذه النظرة، لكنه لم يسعَ ولم يرغبْ أيضًا في أن يغيَّر من هذه النظرة إليه، بل زادها عندما اتجه قلبه وماله إلى ساكنة قصر بيجة "الراقصة اللعوب رادوبيس"، فذاع بينهم "أن فرعون يهوي غانية القصر الأبيض ببيجة، وأنه يبيت لياليه في قصرها" (ص 269) وزاد من سخطهم عليه حمله الأموال التي يأخذها منهم لتزيين القصر وترصيعه بالجواهر، إضافة إلى صراعه مع الكهنة والذي كان من الممكن أن يحتويه كما اقترح عليه وزيره خنوم حتب، وما أعادته زوجته عليه مرة ثانية، فبدلاً من أن يستجيب وينصاع رفض وعزل وزيره اعتقادًا منه أنه تخلَّص ممن يؤلِّب الكهنة عليه، وعيَّن " سوفخاتب " ومع أنه لا يقل نصحًا له عن خنوم حتب، إلا أنه لم يسمع لأحد غير صوت رادوبيس. بل إن اشتعال الصراع بينه وبين الكهنة - وهذا التصعيد الذي انتهي بخروج جموع الشعب والمطالبة بقتله - كان سببه هو؛ لأنه أراد أن يغدر بهؤلاء الكهنة، بعد أن استمع لنصيحة رادوبيس في كيفية إيجاد وسيلة لجمع الجيش، وقد إنصاع لنصيحتها، إلا أن رئيس حرسه " طاهو " رد له طعنته التي غمده بها يوم أن انتزع منه محظيتة رادوبيس فوشي بالسِّر، وحدث ما حدث من تصاعد الأزمة بينه وبين الكهنة انتهت بمقتله بسهم من جموع الشعب. ومن ثم لا نري تعاطفًا للملك علي حساب الكهنة، حتى لوكان السِّياق التاريخي يشير إلى صراع الكهنة في الأسرة السَّادسة كان مدعاة لانهيار الدولة، فحتى لو جارى نجيب محفوظ عبد المحسن بدر في رؤيته، إلا إننا لو عدنا إلى السِّياق الواقعي إبان الفترة التي كتبت فيها الرواية، نجد أن محفوظًا لم يغفل هذا السياق مطلقًا بل كان يقصده حتى لو لم يقله فالسخط على الفساد هو الذي آل بهذه النهاية، وهو نفسه السخط الذي كان نذيرًا بسقوط النظام الملكي، وحلول العسكر محله، بل إن الإشارة واضحة من حيث قول الملك قبل وفاة لزوجته " إن الشعب يريدك، وحسنًا أراد، فأنت جديرة بحكمه فابقي له."(الرواية ص 307) وهذا ما يتوازي دلاليًا مع الواقع الراهن حيث خلع العسكر فاروقًا وثبتَّوا ولي العهد أحمد فؤاد وجعلوا له مجلس وصايا، إذن المسألة في كلتا الحالتين تتعلق برأس الفساد ومسببه ليس إلا، وإن كان السِّياق سار على نحو آخر مع الثُّوار إلا أن الهدف الحقيقي لثورتهم هو الثورة على رأس الفساد، وهذا مؤشر على الرغبة الحقيقية في الوصول للإجابة عن السؤال المطروح من قبل:" كيف نتحرَّر؟" فإذا كان القدر في «عبث الأقدار» كان حليفًا وأداة من أدوات التغيير، لكن إرادته لم يعوِّل عليها لأنها أتتْ من الخارج أيًّا كان الخارج حتى ولو كان من قوى عُلْيا هي القدر نفسه، إلا أنه هنا نبع من الإرادة الداخلية تلك الإرادة التي دفعت بالملك لأن يُسَاق إلى مصيره، وهو يعلم مُسْبقًا نتيجته، نفسها الإرادة التي دفعت برادوبيس لأن تقتل نفسها وتشرب السُّمَّ الذي أحضره لها الفنان« بنامون » لكن الإرادة: إرادة الشعب سعت إلى استئصال الفساد دون استثناء، فرادوبيس شخصية مُحِبِّة للحياة متنعمة بها، وكان من الممكن أن تهرب كما قال لها« بنامون » إلى أمبوس وتعيش في سلام، ولكنها فضَّلت الموت بإرادتها لأنها هي مشاركة في المأساة التي انتهت إليه الدولة وانتهي إليها حبيبها، بل نقول إنها نفسها كانت السبب الرئيسي فلولا وجودها ما انصرف إليها الملك وظل على حاله، وما أضمر له رئيس حرسه طاهو المكيدة.

بل إن واحدًا مثل عبدالطيف محفوظ، يجد في"رادوبيس" توازيًا مع المستعمر الإنجليزي، الذي كان يتسغل المللك وحاشيته – باعتبارهم وسطاء - لاستغلال خيرات البلاد أو كما يقول " رادوبيس التي صُوِرَتْ بوصفها فاتنة دخيلة، ومستبدة تسيطر على باقي الأقطاب، وتحظى بالاستفادة من كل الخيرات والامتيازات والإمكانات الإبداعية للشيء الذي جعلها تؤشر أيقونيًا على المحتل الإنجليزي حين جعل الملك وحاشيته وسيطًا لاستغلال إمكانات الوطن"(34). فالشَّعب ينظر إلى قصرها على أنه يستنزف من خيرات الشعب حتى تهامس الناس فيما بينهم " بأن قصر رادوبيس يتحول إلى مثوى من الذهب والفضة والمرجان، وأن أركانه تشهد هوى جامحًا يتقاضي مصر أموالاً لا تعد ولا تحصى" (الرواية: ص 269)، أو ليس هذا القصر ومنْ تسكنه، هما منْ صَرَفَا الملك « مرنرع » عن ممارسة مهامه، وتَرَكَ الأمر كله في بادئ الأمر إلى خنوم حتب، ثم من بعده سوفخاتب، وهو ما دفع الملكة « نيتوقريس» لأن تذهب لصاحبة القصر والتي أغوت الملك لتستحث فيها الحب الذي تحبه للملك ! بأن ترد زوجها عن غِيِّه بعدما " ساءها أن تعلم أن الملك يزهد في النظر في واجباته العُلْيا، وأن الحب أنساه كل شيء حتى تركزت السلطة في يد سوفخاتب." (الرواية: ص 277)، أليس هذا كله كفيلاً بألا يحدثَ التعاطف مع هذا الملك العابث الذي هو صورةٌ مكرَّرة من ملك مصر فاروق.

بل المتمعن في الالتماسات التي رفعها الكهنة للملك وضَرْبه بها عرض الحائط، والتي رأت الزوجة الحكيمة فيما خلف سطورها، نذير خطر محدق بالمملكة كلها وليس بالملك نفسه، لما يمثِّله هؤلاء الكهنة من عظيم تأثير ونفوذ على الشعب لما لهم من سيطرة على قلوب الشعب وعقوله، أليس هذا قريب الصلة بما كان يحدث داخل الجيش، ومن ثمَّ كان اللجوء إلى إرادة الشعب أفضل برهانٍ على الرغبة في التغيير، دون الاعتماد على الحركات التي بدأت تظهر في ذات الوقت / في السياق التاريخي الراهن لزمن كتابتها، وهي أشبه بحركات عاملة تحت الأرض بتعبير هيكل*(لاحظ على وجه التحديد نمو وتصاعد حركة الإخوان المسلمين(35)، علاقتها بالضباط ثم تبني الجناح العسكري عمليات الاغتيال، وأشهرها اغتيالهم للنقراشي باشا رئيس الحكومة، أثناء خروجه من البرلمان)(36)، وكأن محفوظًا يريد أن يقلِّل من دور هذه الحركات الفاعل في عملية التحرِّر، لذا كان الاغتيال هنا ليس سريًا وإنما بإرادة واحدة هي إرادة الشَّعب؛ تعبيرًا عن كل ما حَاقَ به من ضرر من سياسات الملك الشاب، وليس إيعازًا من الكهنة الثائرين(37). بل إن العنوان الفرعي الذي وضعه محفوظ " سهم الشعب "هو تأكيد لأيديولوجيا السارد التي ينشرها في السرد، والتي تشي بأن المنتقم هو جموع الشعب لا أحد غيرهم. أما ما يدعو إليه عبد المحسن طه بدر، بأن الدور كله للكهنة، فهذا غير صحيح، وإنما كانوا بمثابة « القشَّة » ليس إلا. وهذا ما يؤكد نفينا التعاطف الذي أبداه عبد المحسن وأيدَّه عليه محفوظ نفسه (مع إن العنوان الفرعي يشي بتناقض بين الموقفين: موقف نجيب أثناء الكتابة، وموقفه أثناء الحوار).

-6-

ما نخرج به من رؤية عبد المحسن طه بدر لتحليل الأحداث أن إرادة الشعب لم تكن إرادة ذاتية، بل هي إرادة مدعومة، وتعبر عن غضب الكهنة؛ لتعارض مصالحهم مع رغبات الملك المتمثِّلة في انتزاع أراضيهم، لا تعبيرًا عن غضبتهم من أفعاله وجرائمه في حقهم، وهذا غير صحيح، الحقيقي أن الإرادتين: الشَّعب والكهنة اجتمعتا معًا بفعل أفعال الملك ذاته التي ولَّدت السُّخط عليه، وحرّضت الكهنة أيضًا على رفض الانصياع له، وهو ما يُعَدُّ مخالفةً صريحةً للأعراف في هذا الوقت، باعتبار أن فرعون هو ممثل الرب. لكن تجاوزاته هي التي جعلتهم لا يفكرون في أن ما يفعلونه يعد معصية، أو مخالفة لأوامر الرب المعبود بتاح، بل إن اعتبار الكهنة كما يري عبد المحسن هم المحرض الأساسي ضد الملك، قول منافٍ للحقيقة، حيث إنه اعتبر- عبد المحسن طه - أن حضور رجال «المعصايو» حيلة من تدبير الكهنة، وهذا ليس بصحيح – أيضًا -، لأن الذي دبّر كل هذا وأفشى أمر الرسالة هو طاهو، كنوعٍ من الانتقام من الملك الذي غدر به وأخذ منه حبيبته رادوبيس، مع أن طاهو نفسه مخطئ فلو كانت رادوبيس تحبُّه، كما كان يزعم، لهربت معه عندما حذّرها من خطورة تعرُّفِهَا على الملك، لكن لو تأملنا شخصية رادوبيس نجد أنها تسعى للتسلق بدليل أنها كانت تفكر في الملك منذ أن رأته في يوم التتويج العظيم حتى أن صورته " لا تفارق مخيلتها لشبابه الغضّ، ونظراته المتعالية، وقده الرشيق، وعضلاته المفتولة " (الرواية: ص 241)، وقد تمنت لو عطف إليها بعينيه، وراحت تتساءل عن سرِّ هذا التمني والشوق إليه؛ حتى ساقه القدر إليها عن طريق النسر (لاحظ هنا أن محفوظًا مازال يعتمد على القدر كمحرك لسير الأحداث، حتى لو تخلَّى عن الفعل الحاسم للقدر مثلما حدث في عبث الأقدار، إلا أنه لم يتخلَ عنه كلية، فلولا سقوط الصندل الذهبي من النسر ما تمَّ التعارف، وما دفع الفضول الملك لمعرفة صاحبة الصندل)، إذن الذي حاك المؤامرة هو طاهو، وقد اعترف بهذا لرادوبيس " أنا الخائن، طاهو الخائن...أنا علة الكوارس جميعًا.."(الرواية: ص 314)، فأين الكهنة من هذا؟!. إنهم أشبه بعوامل مساعدة، وجد فيهم الشعب القوة والمنزلة اللتين يحتمي بهما من بطش الملك؛ ليعبر عن غضبه وسخطه مما يحدث في قصر« بيجة ». بل إن طاهو نفسه يعتبر أن رادوبيس هي المسئولة عما حدث، فهو يخاطبها قائلاً موجهًا إليه اتهامه: "..لقد كان جمالك لعنةً على كل من رآه. لقد عذَّب قلوبًا بريئةً، وخرَّب قَصْرًا عَامرًا، زلزّل عرشًا أمينًا، ولوّث قلبًا شريفًا، إنه لشؤم ولعنة "(الرواية ص: 315).

ويري الدكتور جابر عصفور في هذه الرواية مثالاً صارخًا على فساد الملك، وأن ما حدث له نتيجة طبيعية لهذا الفساد وذلك التهور منه أو كما يقول: "تقدم لنا – أي رادوبيس – نموذج الحاكم العابث الذي يلقى جزاء عبثه واستبداده بسهام شعبه" ويكمل "من الطبيعي أن يندفع هذا الحاكم الذي ملأ حريمه بعدد لا يحصى من الجواري والمحظيات في حب جامح عنيف ... ويهجر زوجه وحريمه، بل شئون دولته ووزرائه مندفعًا في حب غانيته بجنون، فيسوق إلى قصرها خيرات مصر جميعًا"(38)، وفي موضع آخر يشير إلى دلالة الرواية على الواقع الراهن لكتابتها فيقول:" والجانب الرمزي في الصورة أوضح من أن يعلق عليه."(39) وهو يقصد توازي صورة الملك الشاب العابث مع صورة الملك فاروق ولي النعم في هذا الوقت. وقد نربط بين هذا السهم الذي خرج من مصدرٍ مجهول – وإنْ كان التوازي قد يُرى بعيدًا، ولكننا نراه قريبًا فالأحداث متشابهة ومتماثلة - وبين حريق القاهرة الذي سبق قيام الثورة، فمسبب الحريق مجهول، وإنْ اشتركت فيه جهات عِدة قد تكون مسئولة عنه، بطريق مباشر أو غير مباشر، مثل السهم إلا أنهما يعبران عن حالة واحدة، هي السخط والغضب والثورة التي اعترت الجماهير، الكل غاضب مما يحدث، فكان في الواقع العياني الحريق، وفي المدار النصي السهم، كلاهما أصاب الهدف، دون محاولة للبحث عن مسبب الحريق في الأولى، ومطلق السهم في الثانية.

-7-

تأتـي رواية «كفاح طيبة» 1944، كتجسيد للرؤية التي أراد أنْ يُعَبِّرَ عنها محفوظ من خلال مروياته الثلاث، هنا يتحقق له ما أراد فكفاح طيبة تُصْبِحُ بمثابة التجسيد الحقيقي للروح المصرية، التي كان يَبْحَثُ عنها وظلت كامنةً داخل الإنسان المصري منذ ثورة 1919 لكنَّها لم تخرج إلا بعد أن استشعرت بضألة قيمتها مقارنة، بالروح المصري التي برزت في التاريخ الفرعوني، واستطاعت أن تنفض عن نفسها غبار الظلم وغشاوة الاستسلام، وما فعله نجيب محفوظ هنا، هو استعادة هذه الروح بأكثر من معني ليعبَّر عن معني الانتصار القومي على الاستعمار في التاريخ المصري القديم. أي أن الرواية قائمة أساسًا علي فكرة البحث عن الهوية المفتقدة، وذلك من خلال اجتثاث الموانع القائمة دون انطلاقها الحرِّ، وتتمثل تلك الموانع في "الاحتلال والنظام معًا"(40). بمعني أن الدولة وفقًا للإيديولوجيا المحايثة لفكرة "الروح المصري "، هي من سلالة الشراكسة الوافدين من الشمال(41)، ومن ثم فيجب لتحقيق المصير والتحرُّر، أولا اجتثاث هذا الغريب من أجل امتلاك الذات، الذي هو الطريق الذي يقود إلى امتلاك المصير، ذلك الهدف الذي ينشده الجميع، وراح ضحيته الكثير أيضًا. ويري عبد المحسن طه بدر أن هذه الرواية رغم "أنها تتحدث عن فترة من تاريخ مصر القديمة إلا أنها في حقيقتها لا تحاول تفسير تاريخ مصر القديم، أو بعثه أكثر(42) مما تحاول توجيه رسالة من الماضي للحاضر، هي دعوة للمصريين المعاصرين إلى التخلَّص من المحتلين و المستغلين، كما تخلصت مصر القديمة من الغزاة الهكسوس، فعلاقتها بمصر المعاصرة تتساوي في الأهمية إن لم تتفوق على علاقتها بمصر القديمة."(43)

وبذلك تكون الرواية صورة موازية لمصر الحديثة التي كانت رازحة تحت نير الاحتلال الإنجليزي لمدة تصل إلي 72عامًا(44) دون الإغفال من دعاوي الاستقلال والتضحيات التي بُذلت من أجل تحقيقه، مثلها مثل مصر أيام الكهسوس الذين احتلوا البلاد وعاثوا فيها فسادًا وتخريبًا ونهبًا لخيرات مصر. التوازي واضح بين السِّياق السِّياسي والاجتماعي والمدار النصي حيث عهد الهكسوس، ذوي اللحي البيضاء الطويلة والوجوه البيضاء المشرَّبة بحمرةٍ، والتي تُميِّزهم عن أبناء مصر ذوي الأجساد السَّمْراء الملَّفحة بلون الطين. بل إن التشابه بين أبناء الشعب في الحاليْن: في عهد الهكسوس، وفي عهد الإنجليز لا تغفله عين، فكلاهما يئن من وقع الاحتلال، وقد وُسِمُوا بالعبودية من قبل الهكسوس، مثلما ذكر أحمس أبانا للتاجر أسفينيس " المصريون عبيد يُلقي إليهم بالفتات ويضربون بالسياط...المصريون عبيد في الأرض التي كانوا بالأمس أصحابها " (الرواية ص: 361)، أو بالفلاحين كما وصفهم رسول أبو فيس عندما حضر إلى الملك سيكننرع، ساخرًا من عادات وتقاليد المصريين، وفي ذات الوقت مُهدِّدًا باحتلال طيبة عاصمة الجنوب، والتي يحكم فيها سيكننرع. العجيب أنه على الرغم من طول المدة التي حكم فيها الهكسوس مصر والتي تصل إلى مائتي عام، إلا أن هذا لا يعني أن الشَّخصية المصرية قد ذابت في معيِّة المحتل، بل على العكس فقد ظل الجنوب " يحتفظ بشخصيته، وطابعه واستقلاله..."(الرواية: ص 323)، وهو ما كان متحقِّقًا على المستوى التاريخي / الواقعي المتوازي، فالمصريون رغم طول فترة الاحتلال الانجليزي إلا أنهم لم يَنْصَهِروا، أو بمعنى أدق لم يرضخوا كما كان يريد الاحتلال لهم في الحالين.

الواضح أن محفوظًا أثناء بحثه عن فكرة لروايته(45)، لتكون مدارًا نصيًا، لم يَجدْ أنسب من قصة كفاح الأسرة الفرعونية بدءًا من سيكننرع وكاموس انتهاءً بأحمس، تلك الأسرة الفرعونية التي كانت مثالاً باذخًا في الإصرار والصِّبْر معًا من أجل السعى للاستقلال والتحرُّر، حتى ولو كان في سبيل هذا التحرُّر التضحية بأرواح الكثير من أبنائها، مثل العظيم «سيكننرع » ومن بعده الباسل «كاموس» أو من الجنود مثل «القائد بيبي» وغيره من القادة المخلصين. أو من النساء أمثال العظيمة «أبانا» أو من المصريين أنفسهم، مثلما حَدَثَ عند حصار طيبة، حيث اتخذَّ أبو فيس من أجساد المصريين دروعًا بشرية؛ ليحول بهم دون فتح طيبة، وبسبب هذا المنظر يُصاب الملك أحمس بالحيرة من أمره ماذا يفعل، وراح يعيد الأسئلة على نفسه:" هل جاء لخلاص شعبه، أم للتنكيل به؟ وهل أُرْسَل رحمة أم عذابًا؟" (الرواية: ص 398)، ويدخل في صلاة للرب آمون علَّه يبعث له بالهداية، وبالفعل يأتي إليه القائد أحمس أبانا، ويقول له مشجعًا " هل يجوز أن نكفَّ عن الكفاح في سبيل طيبة ومصر إشفاقًا من أن تؤذي نبالنا بعض النساء والأطفال من قومنا؟!" (الرواية ص 399)، فيأتي اقتراح «أحمس أبانا» بأن يكونوا قرابينَ للكفاح مثلهن مثل المليك الشهيد سيكننرع، والقائد الباسل كاموس، أو حتى الاضطرار إلى الهرب إلى الجنوب، حيث نباتا، مثلما حدث مع العائلة المالكة، ليتخفوا بالمصريين (بناءً على وصية القائد بيبي) بعدما أصدر أبو فيس كبير الهكسوس أوامره بتصفية الأسرة؛ ليتثنى له الجلوس على عرش مصر دون أن ينافسه منافسٌ، أو يُشْعِره أحدٌ من أفراد الأسرة الفرعونية بأنه مُغْتصِبٌ للعرش. وقبل هذا وذاك هو الدفاع عن العزة المصرية، المُتَأصِّلة في صدور أبنائها، ولا تقبل التفريط أو التهاون، بل الموت أشرف من أن ينال منها أحد، حتى ولو كان مغتصِبًا كما في حالة « أبو فيس » فولي العهد كاموس يفطن إلى مغزى رسالة «أبو فيس» ألا وهو الرغبة في إذلال الجنوب كما ذلَّ الشمال، فيقول لأبيه "مولاي... إن أبو فيس ينظر بجشع إلى عزتنا القومية، ويأبي إلا أن يذل الجنوب كما ذل الشمال، ولكن الجنوب الذي لم يرض المذلة وعدوه في أوج قوته لن يرضاها الآن... فمن يقول إننا نُفِّرط فيما أشتد أسلافنا في صونه ورعايته" (الرواية ص 326)، وفي سبيل تحقيق هذا كانت الدعوة إلى عدم اليأس مثلما كانت آخر نصيحة للشهيد سيكننرع قبل الذهاب إلى المعركة فيقول "..لقد شاءت حكمة الرب أن يبوء جهادنا بخذلان فما ينبغي أن ينقطع عن جهادنا قط... أصغوا إلىّ جميعًا، إذا سقط سيكننرع فلا تيئسوا فسيخلف كاموس أباه، وإذا سقط كاموس خلفه أحمس الصغير، وإذا فني جيشنا هذا فمصر ملأى بالرجال ... فلا أحذركم إلا من عدو واحد هو اليأس."(الرواية ص: 333).

-8-

كما أظهرت الرواية من جانب آخر كيف عمد المستعمر الدخيل، فوق العبث بخيرات البلاد، إلى محاولة السّخرية من الشعب والحاكم معًا، فإذا كان رسول أبو فيس (والأدق الرُّسل لتعدد شخوصهم في مواقف كثيرة: حاجبه "خيان" يوم رسالته إلى سيكننرع، والحجاب يوم الهزيمة ومحاولة الاطمئنان على الأميرة، والمرة الثالثة عندما جاءوا ليعرضوا صلحًا) سعى/ سعوا إلى تَعَمُّدِ التقليل من الملك سيكننرع بقوله أيها الحاكم تارة وأيها القائد تارة أخرى، حتى أن حور قاطعه دون أن يجعله يتم عبارته:" إنك تتحدث إلى فرعون مصر يا رسول أبو فيس."(الرواية ص: 409)، أو وصفهم للشعب بأنهم عبيد أو فلاحون (لاحظ كيف قلَّل هؤلاء الرُّسل من المصريين عندما جاءوا يسألون عن الأميرة أمنريدس ابنة أبو فيس، التي خطفها الفلاحون كما قال الحجاب سخرية واستهزاءً بهم، فأبو فيس نفسه وضع حياة الأسرى من النساء والرجال مرهونة بحياة ابنته)، بل إن أبو فيس نفسه سخر من المصريين وأبناء النوبة عندما مَثَلَ أحمس بين يديه في صورة التاجر أسفينيس، وكذلك القاضي سنموت قالها صراحة "...إن الفلاحين لا يقوون على شيء،... وقد صَدَقَ من قال إنك إذا رغبت في أن تنتفع بالفلاح فأفقره ثم أضربه بالسوط "(الرواية ص 364)، وقد تكرَّر أمر السخرية في مواضع كثيرة خاصة مع أحمس مثلما حدث بينه وبين القائد رخ(46)، فوصفه بالفلاح الحقير، ومرة بالعبد، وتأتي السخرية أخيرًا من أمنريدس بعد أسرها. ولكن تَحقَّقَ بالنصرِ استردادُ الكرَّامة وهذا ما ظهر جليًا من مخاطبة رُسل أبوفيس لأحمس بأيها الملك، وهو الأمر نفسه الذي تكرَّر مع الميرة أمنريدس يوم إعادتها لأبيها- بعد إتمام الصلح - فخاطبته بأيها الملك، حتى إن أحمس قال لها لماذا تناديني بهذا فقالت " لأنك ملك هذا الوادي دون شريك..."(الرواية ص 419)

الجانب المقابل الذي عمدت الرواية إلى إظهاره، بل يكاد يكون هو رسالة محفوظ التي أراد أن يبعثها للحاضر من سياق الماضي، ألا وهو الإصرار وعدم اليأس، بل إن الدعوة لعدم اليأس كانت هي آخر وصية للملك سيكننرع قبل أن يذهب إلى المعركة، وهي نفسها التي أوصي بها كاموس ابنه أحمس، وهي نفسها التي غرزتها الجدة توتي شيري ليس في نفوس أبنائها من الأسرة المالكة بل في نفوس كل المصريين، فحثتهم بألا ينسوا طيبة مهما طالت الهجرة، وأن يجعلوا غايتهم السامية هي أن يعدوا أنفسهم جيدًا " لتحرير وادي النيل من قبضة الرعاة المستبدين " كما أوصت الكهنة، ومدرسي المدارس " أن يُذَّكِروا الناس دائمًا بالشمال المغتصب والعدو الغاصب، وما أرتكبه من آثام أذلّ بها القوم واستعبدهم وانتهب أرضهم واستأثر بخيراتها وهبط بهم إلى مستوي البهائم التي تعمل في الحقول......."(الرواية: ص 328). وتتكرّر تيمات الإصرار داخل المدار النصي، فتوتي شيري تدفع بحفيدها لمواصلة الجهاد حتى تحرير أخر جزءٍ من أرض مصر وليس طيبة فقط، فترفض دعوة أحمس بعد فتح طيبة، بأن تدخلها هي وأفراد الأسرة، ولكنها اشترطت الدخول بعد أنْ تُحَرَّرَ مصر كلها ".... أما نحن فلن نبرح دابور، وقد فكرت في الأمر طويلاً فوجدت أن خير وسيلة نشارك بها شعبنا المعذب وآلامه أن نبقي في منفانا حيث نحن الآن نعاني آلام الوحشة والغربة، حتى نحطم أغلاله وترفع عنه النقمة، فندخل مصر آمنين ونقاسمه السعادة والسلام. فسرْ في طريقك مؤَّيدًا بالعناية الربانية تحرر البلدان وتقهر الحصون، وطهِّر أرض مصر من عدوها ولا تجعل له في أقطارها موضع قدم، ثم ادعنا نأتِ آمنين "(الرواية: ص 401). وهو نفس الموقف الذي تكرر مع كاهن معبد آمون الذي رفض أن يذهب ليُقدَّم التهنئة لأحمس بعد فتح طيبة حيث أقسم " ألا يبرح خلوته وفي مصر رجل من الرعاة إلا عبدًا أو أسيرًا "(الرواية: ص 402). وبهذا يتأكد أن الدعوة للحث على اجتثاث الأعداء دعوة أصيلة شملت كل الوطنيين الأحرار.

-9-

بل إن المتأمل في الشِّعَار الذي اتَّخذَّه كاموس لشحذ همة الجنود بعد الإعداد لجيش الخلاص " حياة أمنمحيت أو ميتة سيكننرع، وسيموت من يموت منَّا أشرف ميتة، ويبقي من يبقى أعزّ حياة "(الرواية ص 382)، يكتشف طبيعة الصمود والبسالة من أجل هذف واحد، هو التحرُّر، فإذا لم يكن، فأهلاً بالموت، ولكن أي موتٍ، إنها ميتة سيكننرع مضرَّجًا في دماء الشَّرف والشَّجاعة أثناء المعركة. والجدير بالذكر أنَّ هذا الشِّعار يُظهر التطابق بين السِّياق السِّياسي والاجتماعي المُحَاقِب لفترة الكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله، منذ الشعارات التي رُفِعَتْ إبان ثورة 1919 "الاستقلال التام أو الموت الزوأم"، وهو ما يشي من طرف خفي لتلك الأيديولوجيا المحايثة لثورة 1919، التي يعتنقها السَّارد وتُبَثُّ في السَّرْد دون إرادة منه، وهو ما يتأكد فعليًا من خلال الشِّعار الذي يتخذه كاموس رمزًا للكفاح " الكفاح، ومصر وآمون"، وهو ما يتوازي مع شعار مصر الحديثة " الله – الملك – الوطن ".

ومع هذه الرؤية التي تبنت الإرادة المصرية من خلال بعث الروح المصري الخالصة، والتي عمل على إنجاحها بالتشديد على قيِّم مثل الصَّبْر والجِهَاد وروح العمل والعزيمة وقبلهم عدم اليأس للوصول للهدف الذي تحقق في نهاية الرواية، بتحرير مصر وليس طيبة فقط من المحتل، إلا أن عبد المحسن طه بدر يري أن نجيب محفوظ اقتصر فقط على إبراز هذه الإرادة الخالصة متمثِّلة في شخص أحمس، أو كما قال " إن الخلاص من الهكسوس يبدو في الرواية وكأنه رسالة الأسرة الحاكمة وحدها بحيث تبدو هذه الأسرة، وكأنها تحمل عبء الرسالة....أما بقية الشَّعب فلا روح فيه، ولا قدرة له على المقاومة، كتلة سلبية، تعمل بغيرها لا بنفسها، وتقاوم لا بقوتها الذاتية، ولكن بقوة الأسرة الفرعونية:(47) بهذا الطرح يُلْصِقُ عبد المحسن طه بدر بالشَّعْبِ صفاتٍ لا تتناسب مع مواقفه النضالية، مثل الخنوع والسلبية، وغيرها من الصفات التي تُظْهِرُ المصري على أنه خانع لا مستقل، وكأن اشتراكهم في الحرب مع الأسرة الحاكمة ومقتل من قُتِلَ منهم في المعارك، والدليل الواضح على هذا ما سقط منهم: رجالاً ونساءً، وأطفالًا على أسوار طيبة، إضافة لما فعله الهكسوس بهم بعد احتلالهم طيبة (تأمل ما سمعه أسفينيس عندما دخل الخانة مع لاتو من طونا الخمار وهو يصف له أحوالهم: " هذه الخانة مهجر البائسين، مهجر من يقدمون موائد الطعام الشهية وهم جياع، ومن ينسجون فاخر اللباس وهم عُراة، ومن يهرجون في أفراح السادةوهم جرحي قلوب، صرعى نفوس."(الرواية: ص 357) أليس هذا أكبر دليل على ما أرتكبه هؤلاء الخونة بالمصريين)، كله لم يشفع لهم عند عبد المحسن طه، وكأنه يريد أن يثور الشعب، ولو افترضنا أن هذا تحقق والأسرة المالكة بما لديها من قوة الجيش لم تستجبْ لثورتهم لَمَا تحقق غرضهم. وعلي سياق هذا الطرح يمكننا أن نذهب معه على اعتبار أن هروب الأسرة الحاكمة بعد مقتل الملك سيكننرع بمثابة الخيانة والتخلي عن مسئوليتها في الدفاع وحماية المصريين، لكن نعلم جيدًا أن هذا الهروب كان بمثابة لَمِّ الشمل من جديد والتفكير في المعركة بحُسْنِ الاستعداد لها، خاصةً وأنَّ الهزيمة جاءت بسبب كثرة العجلات الحربية التي أعدَّها أبو فيس للمصريين، فأَوْدت بهم. وبناءً على هذا نقول إن هذا الاستسلام الذي كان عليه الشعب والذي أخذه عليهم عبد المحسن، هو نتيجة طبيعية لما فعله بهم الهكسوس الذين استعبدوهم في الأرض أو ليس قول القاضي « سنموت » خير دليل على هذه السياسة التي عاملوا بها المصريين فيقول: "إذا رغبت في أن تنتفع بالفلاح فأفقره ثم أضربه بالسوط "(الرواية ص 364). كما أن الشعب نتيجة لهذه السياسة لم يكن يقدر على فعل شيء، ولكن لمَّا لاحَ لهم أمل التحرُّر تشبثوا به، وانقادوا جماعات لينتظموا في الصُّفوف التي تُعَدُّ للمعركة، بل إن هذا الفعل يدل على أهمية العمل المنظم، فما جدوى الأعمال الفردية التي لم تحقِّق لمصر شيئًا(48) (لاحظ نتيجة هذا في رادوبيس، دخلت البلاد في فوضي بعد مقتل الحاكم، وضاعت جهود الشعب في التحرر، لأن الفعل نُسِبَ لآخر)، أما هنا فقد تحقق الاستقلال بفضل التنظيم والإعداد الجيد والسرية، وتوظيف هذه الطاقات في أعمال القتال تحت إشراف قادة مهرة، وهذا ما حدث مع الذين حملهم أحمس من طيبة، فألقي بهم في نباتا حيث مصنع الرجال، ولما تمَّ كل شيء خرج كاموس وقال الآن جُهِّزَ جيش الخلاص الذي كان يضم هؤلاء المصريين البائسين. ومن ثم فطن أحمس عندما تولَّي الحكم خلفًا لأبيه الذي سقط صريعًا بعد نصره في أمبوس، إلى دور هؤلاء باعتبارهم شركاء في العمل؛ فجاءت وصيته للحاكم « هام » هكذا: "اعلم أني آليت على نفسي منذ اليوم الذي سعيت فيه إلى أرض مصر في ثياب التُّجار أن أجعل مصر للمصريين(49)، فليكن هذا شعاري في حكم هذا البلد، وليكن رائدك أن تطهره من البيض فلن يحكمه بعد اليوم إلا مصري، والأرض أرض فرعون والفلاحون نوَّابه في استثماره، لهم ما يكفيهم ويكفل لهم حياة رغدة، وله ما يفيض عن حاجتهم ينفقه في الصالح العام، والمصريون متساوون أمام القانون لا يرفع الأخ منهم إلا فضله". (الرواية: ص 388) نخلص من هذا إلى أن الشعب لم يتكاسل عن عمد بل كان هذا مقصودًا من قبل المستعمر ليَقْضِ على أمل الثورة، فالثورة دائمًا تخرج من رحم الشعب المطحون، وربما يكون شخصًا واحدًا مسئولاً عن إشعال جذوتها، يُنْسَبُ له الفضل دون الآخرىن الذين قدَّموا له يدَّ العون، وشاركوه حلمه في التحرُّر، مثلما حقَّق لهم رغبتهم المتوازية، وهكذا كان الجميع شركاء في إشارة ذات مغزى إلى أهمية العمل الجماعي المنظم.

-10-

كما إنه ليس من المصادفة أن تأتي بنية الرواية منقسمةً إلى ثلاثه أجزاء، وكأنّنا أمام ثلاث روايات لا رواية واحدة، بل إن محفوظًا نفسه كان حريصًا على هذا البناء الفني للرواية، بدليل أنه جعل لها ثلاثة عناوين مستقلة، كُلّ جزءٍ على حدة (سيكننرع – بعد عشر سنوات – كفاح أحمس)، ليس هذا فحسب بل زاد من افتراضية التقسيم بأن بدأ ترقيم كل جزء على حدة، في إشارة منه لاستقلالية الأجزاء، ولو تأملنا المعني الدلالي من خلف هذه التقسيمات غير كونه يعمد إلى اعتبار كل جزء من الأجزاء وحدة مستقلة بذاته، لاكتشفنا أن الكاتب بهذا التقسيم يريد أن يقدم لنا إجابة عن سؤال التحرَّر: " كيف نتحرر" من خلال هذه التقسيمات، فالجزء الأول الخاص بـ "سيكننرع " يشير إلى الرغبة الداخلية في النضال والكفاح والدفاع عن العزة والكرامة (لاحظ سخرية رسول أبو فيس من المصريين، بل إن مطالبه التي قدَّمها باسم أبو فيس هي في حدِّ ذاتها أكبرُ استخفافٍ وسخريةٍ بالمصريين ومليكهم، ومنها أيضًا إصراره على تجريد الملك سيكننرع من صفاته التي ورثها عن آبائه وأجداده، بأنه الملك أو الحاكم، في رغبة صريحة وواضحة لإذلاله) حتى ولو لم تكن الاستعدادات كافية كما في حالة المقارنة بين جيشي أبوفيس وسيكننرع، وهو ما آل إلى احتلال الجزء الباقي الجنوب، وضمه إلى مملكة الشمال التي يبسط سلطانه عليها أبو فيس وجعل "أواريس" عاصمة لها، أما الجزء الثاني المعنون بـ" بعد عشر سنوات " فجاء ليشير إلى بداية العمل السري المنّظم والتخطيط قبل المعركة (لاحظ رحلة ولي العهد أحمس المتنكر في زي التاجر أسفينيس، ووصوله إلى طيبة لمهمة وطنية هي جلب العمالة المهرة والجنود إلى نباتا مصنع الرجال والجيش، وفي ذات الوقت التقرب من أبو فيس لمحاولة تطميعه ببلاد النوبة من خلال تقديم الذهب والعاج مقابل القمح وفي ذات الوقت لإغوائه باحتلال الجنوب فتكون نهايته هناك)، وبالفعل ينجح أحمس في مهمته في حشد الناس لضمهم إلى المعسكر في نباتا، ومن ثم كان الجزء الثالث المعنون بـ" كفاح أحمس " تتويجًا للمرحلتين السابقتين، وبداية الكفاح المعلن حتى رغم سقوط ضحايا أبرزهم القائد كاموس نفسه، الذي يوَّلي خلفه ابنه أحمس، والذي يواصل الجهاد، وتسقط المدن تلو الأخرى حتي يصل إلى طيبة وبالفعل تسقط بعد حصار مرير، رغم حيلة أبو فيس ليمنع دخول المصريين، ويهرب أبو فيس إلى الصحراء التي جاء منها هكذا يتحقق حُلْم المصريين بالتحرُّر من العبودية والذُّل ويتنسمون عبير الحرية بيدِّ أبناء مصر وبفضل عزيمتهم وكفاحهم المستميت من أجل التحرُّر.

هكذا نجح نجيب محفوظ عبر مروياته التاريخية الثلاثة، أن يقدَّم رؤية مستقبلية للتحرُّر عبر روايات استعارت مداراتها النَّصية من التاريخ الفرعوني، رغم التفاوت الفني في التقنيات في الروايات الثلاثة، والتي جاءت أخيرتها " كفاح طيبة " مكتملة على المستويين البناء والرؤية؛ لتؤكد النضج الفني في الكتابة، وفي ذات الوقت تطور الوعي لدي نجيب محفوظ، من الاعتقاد في ضرورة التغيير القدري، وهو ما واكب وصول حزب الوفد إلى السُّلطة كما ظهر في « عبث الأقدار» إلى ضرورة تحالف القوي بما فيه النخبة المثقفة وتوجيهها في الثورة على الفساد كما تبني في رواية « رادوبيس » وأخيرًا البحث عن الروح المصري والعمل الجاد من أجل الخلاص بالتحرر الكامل أولا تحرر الذات من التبعية ثم محاربة الفساد، وهو ما عبرت عنه على سبيل الفعل حركة الضباط الأحرار فيما بعد. وعلى الجملة فقد تبنت الروايات الثلاث فكرة أن ثمة خللاً ما، وهذا الخلل كامن في النظام (الغير مصري) والمحتل، ومن ثم يستوجب القضاء عليهما ليتحقق التحرر الكامل.

وبعد يحق لنا أن نجيب على عنوان الدراسة هل الرواية التاريخية بكل ما تحمله من دلالات مرجعية تتمثل الواقع أم تتجاوزه؟ الحقيقة التي كشفت عنها المرويات الثلاثة، أن الرواية التاريخية بقدر ما تكون في بعض الأحيان تتمثُّل السِّياق التاريخي والواقعي، إلا أنه في ذات الوقت تتجاوز هنا السِّياق التاريخي الذي استعارته إلى المستقبل، ويكون الماضي وسيلة بعث أو رسالة تنبيه للحاضر، ليستشرف المستقبل. وهو ما قدَّمه نجيب محفوظ في رواياته، فلم تكن مجرد بعث للماضي، أو حتى تمثُّل للواقع، بل قدَّمتْ رؤية للخلاص. فالأحداث التاريخية وحوادث النضال والجهاد لا تُقْصَدُ لذاتها وإنما كما يقول جابر عصفور "لما تثيره من حماسة وطنية، حماسة تدفع القارئ إلى محاولة الثَّورة على الأوضاع الفاسدة"(50)، بل أبرزت في الوقت ذاته رؤية المؤلف الذي يرفض ما حاق البلاد من ركود وفساد، فإذا كان الماضي مُلِئَ بمثل هذه الصفحات البيضاء، فلماذا لا يكون الحاضر مثله؟، هكذا جاءت رؤية نجيب محفوظ لواقعه عبر عكسه للتاريخ على أحداثه، ولكن هذا لا يتم إلا بفضل أبنائه وشجاعتهم وقدرتهم على امتلاك ذاتهم، وهذا لن يتأتي إلا بعد التحرُّر مما يعيق هذه الذات، أقصد النظام والفساد.

 

الهوامش

1. جورج لوكاتش: " الرواية التاريخية "، ترجمة " صالح جواد الكاظم "، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2005، ص، 22.

2. عاصم الدسوقي: " فن الرواية وعلم التاريخ: إشكالية الجدل بين المتناقضات "، " الرواية قضايا وآفاق "، كتاب دوري يعنى بالإبداع الروائي المحلي والعالمي "، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، عدد 2، 2009، ص 280.

3. لمزيد من التدقيق في هذا الموضوع راجع روايات المؤرخين المسلمين عن سقوط بغداد حاضرة الخلافة العباسية في أيدي المغول، في منتصف القرن السابع الهجري، وكذلك ما قالت عنه النبوءات حول مقتل السلطان المظفر سيف الدين قطز، وغيرها من الأخبار كما ورد في كتاب " التيجان في ملوك حمير "، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر، العدد (10)، القاهرة، 1998.

4. نقلاً عن سعد محمد رحيم: " السارد والتاريخ "، مجلة دبي الثقافية، مؤسسة الصدى للدعاية والإعلان، عدد (43) ديسمبر 2008، ص92.

5. . قاسم عبده قاسم: التاريخ والرواية: تفاضل أم تكامل "، مجلة العربي، الكويت، عدد (557) إبريل 2005، ص54.

6. السابق نفسه، ص 54.

7. سعد محمد رحيم: مرجع سابق، ص92.

8. السابق نفسه: ص 90.

9. راجع في هذا ما ذكره الغيطاني في حواراته عن رواية الزيني بركات، وبالمثل أقوال نجوي شعبان، بعد صدور روايتها " نوَّة الكرم " من الممكن مراجعة شهادات الكتَُّاب، في الكتاب الخاص الذي أصدره المجلس الأعلى للثقافة، بعد ندوة " الرواية والتاريخ " بتاريخ فبراير 2005،المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.

10 – Pierre- louis rey، le roman p.g 12

11 – د. جابر عصفور: " زمن الرواية "، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1999، ص 38.

12 – السابق نفسه: ص 38.

13– د. عبد المحسن طه بدر: " تطور الرواية العربية الحديثة في مصر "، دار المعارف، ط الخامسة، القاهرة، 1993،ص 73.

14 – السابق نفسه: ص 82.

15 – السابق نفسه: ص 99.

16 – محمد القاضي: " الرواية والتاريخ: طريقتان في كتابة التاريخ روائيًا "، مجلة فصول (عدد خصوصية الرواية جزء 2) الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ربيع 1998، ص43.

17- جابر عصفور " الرواية التاريخية وروايات نجيب محفوظ "، مجلة العربي، الكويت، عدد (555) فبراير 2005، ص 32.

 18- رغم تعرض الاقتصاد الوطني للدمج في المنظومة الدولية مرتين الأولي في عام 1840، بواسطة رأس المال الأوروبي يتزعمه رأس المال الانجليزي، والثانية عام 1882 بواسطة رأس المال الإنجليزي منفردًا، إلا أن هذا لم يمنع من قيام رأس المال الوطني في بعض فتراته من محاولة التحرّر من هذه التبعية، بيقيادة طلعت حرب باشا، خاصة الفترة من 1919: 1945 حيث شهدت انحسارًا قويًا لتصدير رأس المال الأجنبي، إذ كف فيه الاقتصاد المصري عن الاستدانة......... راجع في هذا: محمد دويدار: "الاقتصاد المصري بين التخلف والتطوير "، دار الجامعات المصرية، د.ت، ص 146 وما بعدها...، وكذلك جورج قرم:" مأزق التبعية، الديون الاقتصادية "، دار الطليعة، بيروت، ط 2 1982،95

19- عبد اللطيف محفوظ:" الرواية التاريخية وتمثل الواقع، نجيب محفوظ نموذجًا "، ص 8 عن رابط www.aıjabrabed.net/n85-04moh.foud.htm

20 - السابق نفسه: ص8.

21- تبني عدد من الكتاب في هذه الفترة انبثاقًا من روح ثورة 1919 فكرة الروح المصري، مثل على أحمد باكثير، السحار، عادل كامل، نجيب محفوظ، يحي حقي، وغيرهم.... راجع غالي شكري:" مذكرات ثقافة تحتضر "، دار الطليعة، بيروت، 1970، ص 160: 162.

22- يبني نجيب محفوظ نصه على القدرية، فكل تصرفات الأبطال وما تبعها من أحداث هي بفعل قدري أشرفت عليه الآله، وكأننا أما عمل من الأعمال اليونانية، فمثلما تصادف القدر في أن يجعل إحدي الخادمات مخلصات " زايا " التي تأخذ الابن كما نصح الأب، فهناك الخادمة غير المخلصة التي قادت الملك إلي الابن الرضيع، بل إن القدر هو المحرك الرئيسي للسرد، فالأفعال تعاقبية لفعل القدرلا دخل للإنسان فيها وتستمر لعبة القدر، حيث يشرد فكر الخادمة في الصحراء، فتهرب بالابن وتترك الأم لأنها مريضة نفساء لا تقدر على الحركة، ويستكمل القدر لعبته فما أن تذهب لتسأل عن زوجها تكتشف أنه مات، لكن القدر يجعلها تقابل بيشارو المشرف على الهرم، فتقع موقعًا طيبًا في قلبه كما يجعل القدر زوجته ماتت منذ زمن يسير.وهكذا تتوالى لعبة القدر والتي يتكئ عليها النص.

23- تولي حزب الوفد الوزارة أربع مرات ( 1924، 1927، 1930، 1936)، وكانت الحكومة الأخيرة هي أكثر المرات التي أثارت جدلا واسعًا ومازالت، لأنها لم تكن حكومة ممثلة لإرادة الشعب، وإنما هي حكومة ممثلة لإرادة الإنجليز، فقد جاءت كتحدٍ الإنجليز الملك، فأتوا بغريمه في السلطة كنوع من العقاب للملك على تصرفاته معهم، حتى أن النحاس شبه بقبوله الأمر، أن جاء على ظهر الدبابات الإنجليزية.

24- بتوقيع معاهدة 1936 التي أطلق عليها مصطفى النحاس اسم معاهدة الاستقلال والشرف و العجيب أنها لا حققت استقلالاً ولا حازت شرفاً وتضمنت هذه المعاهدة شروطاً سبعة تحولت بموجبها العلاقة بين مصر وإنجلترا من علاقة أعداء إلى علاقة أصدقاء ومن احتلال إلى تحالف وتناصر وهكذا هدرت كل الجهود والتضحيات التي قام بها المجاهدون خلال خمسين سنة السابقة، وهناك من آل جهده لتفنيد بنود هذه المعاهدة وكشف عوارها مثلما فعل الأستاذ عبد المقصود متولى، فألف كتاباً فضح فيه مخططات الإنجليز ونواياهم من تلك المعاهدة وكشف حقيقة حزب الوفد وعمالته للإنجليز مما أدى إلى غليان الشارع ضد حزب الوفد حتى حاول بعضهم اغتيال مصطفى النحاس سنة 1937 ولكن المحاولة فشلت.

25 - عبد اللطيف محفوظ: مرجع سابق، ص 14.

26- علاقة حزب الوفد بالإنجليز ظلت حتى الآن محل جدل دائر في الأوساط السياسية، فالوفديون يبرِّرون وصول النحاس باشا لرئاسة الحكومة على دبابات الإنجليز تبريرات تفتقد المنطق، وأعداء الوفد يتخذون من حادث 4 فبراير 1942 وسيلة للنيل من حزب الوفد الذي خاض معارك الاستقلال منذ إنشائه على يد سعد زغلول، راجع في هذا عدد خاص من " مجلة الهلال"، عن حزب الوفد وحادث 1942،ومنه د. عاصم الدسوقي: حزب الوفد وحادث 4 فبراير، دار الهلال شهر يونيه 2005، ص ص: 55، 62.

27- لاحظ موقف حزب الوفد من الحرب العالمية، فالوفد كان يدعو للحياد التام في حين جموع الشعب تأمل وتدعو من الأعماق لانتصار الألمان، على اعتبار أنه سيكون داعمًا للتحرر من الإنجليز، بل إن الشعب رأي في حزب الوفد في هذه الفترة جزءًا من النظام العام الذي تمقته، وتتمني زواله، وقد رصد هذه الحالة نجيب محفوظ في رواية " خان الخليلي " صدرت 1946.

28- - عبد اللطيف محفوظ:" الرواية التاريخية وتمثل الواقع.... "، مرجع سابقص 15.

29- جسَّد الفنان محمود مختار هذا التمثال في باريس حيث كان يدرس هناك، مستلهمًا الروح القومية لمصر في ذات الوقت، على هيئة صورة فلاحة مصرية تنهض بالأمة، وهناك في فرنسا شاهد سعد زغلول باشا التمثال ضمن مجموعة أعمال مختار هو وأعضاء الوفد في متحف " جريفان" وكان يرأس وفد مصر للدفاع عن قضيتها، وما أن عاد الوفد حتى بدأت أخبار التمثال تنتشر، حيث كان ويصا غالى هو الداعي لها والمروج للفكرة، كما أن " أمين الرافعي " رئيس تحرير جريدة "الأخبار" وضع الجريدة تحت تصرف الدعاة لتمثال نهضة مصر، فكتب "محيى الدين حفني ناصف وحافظ عفيفي وواصف غالي وويصا واصف وأمين الرافعي" نداءً إلى الأمة للاكتتاب لإقامة تمثال نهضتها وقدَّموا "مختار" للأمة. وانطلق اسم "محمود مختار" سريعا بين الجماهير واعتبروه بطلاً قوميًا. وأقيم احتفال بالقاهرة واحتفال بالإسكندرية، وبدأت حركة الاكتتاب وأخذت الأقاليم وأفراد الشعب يتنافسون في مجال التبرع. وتوالت مقالات الكتاب وقصائد الشعراء.وقد أزيح الستار عن التمثال في عام 1928.

30- القدر أيضًا هو الذي يكشف هذه الحقيقة التى عمدت الخادمة زايا على إخفائها، فبعد أن فرت هاربة من الجنود، وصلت إلى مكان بناء الهرم، وهناك سألت عن زوجها فأخبرها بشارو أنه مات ضمن من ماتوا أثناء بناء الهرم، لكنها وقعت صورتها موقعًا حسنًا في قلب المفتش الذي كان قد فقد زوجته للتو(لاحظ الفعل القدري) فيتزوجها فتنتقل بهذا الرضيع إلى قصره، وتمر الأيام والسنون دون أن تبوح لأحد بحقيقة هذا الصبي، الذي صارالقائد ددف بن بشارو، وتأتي المفاجأة يوم درء الخيانة عن الملك، فيعود ظافرًا منتصرًا، ويعود بأسيرته التي وجدها في الصحراء، علها تذهب إلي بلدها لتبحث عن أهلها، وفي البيت تبدأ المواجهة بين الأم الحقيقية والخادمة، فيسمع ددف الحوار، فيعرف أبوه الحقيقي، ويقع المفتش في صراع بين العاطفة والواجب، وفي النهاية يذهب إلي الملك ليخبره حقيقة القائد ددف.

31- اعتمدنا في هذه الدراسة على الطبعة الكاملة لأعمال نجيب محفوظ، ضمن إصدارات مكتبة لبنان، المجلد الأول، بيروت الطبعة الأولي 1990.

32- عبد المحسن طه بدر: " الرؤية والأداء: نجيب محفوظ "، دار المعارف، مصر، ط الثالثة، 1984، ص 155.

33- العجيب أن عبد المحسن طه بدر يتعاطف مع الملك الشاب، ويصف الكهنة بأوصاف تجردهم من وطنيتهم، حتى أنه يري في رفض الملك أن يتحمل الجنود تبعات أخطاءه وأن يخرج للجماهير وحيدًا أعزلاً، ويعتبر هذا التصرف شهامة ونبل من الملك، في حين يري أن الكهنة الذين يدافعون عن حقوقهم انصرفوا فقط لإثارة الجماهير ضد الملك، المرجع السابق ص: 167

34- عبد اللطيف محفوظ:" الرواية التاريخية وتمثل الواقع..."، مرجع سابق، ص 14.

*- الحركات العاملة تحت الأرض، هو مصطلح قصد به هيكل الجمعيات السرية، التي كان هدفها القضاء على بعض الجنود البريطانيين في القاهرة، وقد ذكر الأستاذ من هذه الجمعيات، الجمعية التي شكلها حسين توفيق، ومنها ما انضم إليها السادات وقامت باغتيال أمين عثمان نظرًا لتورطه بعمالة مع الإنجليز، راجع في هذا: محمد حسنين هيكل:"خريف الغضب: قصة بداية ونهاية عصر السادات "، مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام، ص 55 وما بعدها.

35- هناك روايات كثيرة عن علاقة الإخوان بالضباط، بعضها جاء من قبل الإخوان أنفسهم مثل ما قاله صلاح شادي: إن الإخوان المسلمين هم الذين كونوا الضباط الأحرار، وهم الذي أطلقوا عليهم هذا الاسم، فإن حسن البنا كوَّن نظامًا خاصًا للإخوان المسلمين يضم مدنيين وعسكريين يؤهلون تأهيلاً عسكرياً للقيام بأعمال فدائية يتطلبها نشاط الجماعة. فلما تكاثر عدد الضباط بدأ الأستاذ حسن البنا يفكر في تشكيل قيادة خاص لهؤلاء الضباط وتكون مستقلة عن النظام الخاص وأسند رئاستها للصاغ محمود لبيب وكيل الجماعة باعتباره ضابطاً سابقاً بالجيش. وكان محمود لبيب يري أن يجعل لهذا النشاط اسماً حركيا بعيداً عن الإخوان المسلمين فسماهم " الضباط الأحرار". أما رأي الضباط فيرون غير ذلك وهو ما قاله أحمد حمروش فقال: "وفي هذه الفترة – أي عام 1949بعد عودة الجيش المصري من حرب فلسطين- كان جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين قد تركا الإخوان مع عدد ملحوظ من الضباط ". وبعد أن أصبح لتنظيم الضباط الأحرار وجود وخلاياه داخل صفوف الجيش، حاول الإخوان المسلمون دمج هذه المجموعة (الضباط الأحرار) في صفوف تنظيمهم وتحويلها إلى تابع يأتمر بأمرهم. كما كان بعض الضباط يفضلون الوحدة مع الإخوان، أو إقامة تعاون وثيق معهم، أو السماح بعضوية مزدوجة. لكن الحقيقة التي ليس عليها خلاف أن الصاغ محمود لبيب هو سنارة الإخوان التي تدلت بين الضباط في الجيش فاستطاع أن يجتذب بعضاً منهم. وكانت أكبر الرتب التي أقبلت إلى الإخوان (عبد المنعم عبد الرؤوف، جمال عبد الناصر، أبو المكارم عبد الحي، كمال الدين حسين)، راجع في هذا: صلاح شادي، صفحات من التاريخ حصاد العمر، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1987،عباس السيسي، في قافلة الإخوان المسلمين، ج1، دار القبس، الإسكندرية1989. وكذلك مذكرات الضباط أنفسهم مثل:

36- يظهر دور هذه الحركات في كتابات محفوظ التالية أبرزها / القاهرة الجديدة، وخان الخليلي.

37 - يعتقد عبد المحسن طه بدر، أن الجماهير عندما رأت المك خارجًا لهم، همت على التراجع، لولا أن رأسًا من الرءوس المدبرة، خشيتْ من تراجع الجماهير، وهذه الرأس يعتقد أنها من الكهنة، فصوّب سهمه الصائب إلى صدر فرعون " ص 167، ويعتقد أن مبعث هذا التراجع في موقف الجماهير من الملك، مرجعه تحريض الكهنة، وكأن الفعل ليس إراديًا وإنما من تحريض الخارج / الكهنة ربما هو فهم هكذا من هذا التراجع، لكن الجلي هو أن الجماهير فوجئت بظهور الملك وجهًا لوجه، وهو المعروف في نظرهم سلفًا حبه للحياة،أي لا يقدر على مثل هذه المواجهة، لكن إقدامه على هذه الخطوة – والتى تُحسب له، وأيضًا هي التي ولدَّت التعاطف في آخر حياته يوم مقتله - هو الذي جعلهم يفكرون وربما تساءلوا في أنفسهم: لماذا هذا يحدث؟ فبدأ التمهل في الأمر، لكن هذا الموقف لا يُفَسَّرُ على أنه تراجع و عدول عن الباطل الذي أوقعهم فيه الكهنة. وإنما مرده هو عنصر المفاجأة. كما أعتقد أن نجيب محفوظ هو الذي أوقع عبد المحسن طه بدر في هذا التصور، فتصويره لرد فعل الجماهير بعد استقرار السهم في صدره، يميل إلى مثل هذا التصور فنجد الارتياع والحيرة والحذر، والسكون، وكأن الجماهير خرجت إلى غير هذا الهدف. راجع المشهد موصوفًا في ص:308- 309. ولهذا نقول ألا يكفي ما حاق هذه الجماهير وليس الكهنة من غبن وظلم، وما أحدثه من قهر عليهم وهم يرون أموالهم تساق إلى قصر بيجة، حيث عاشقة الملك. دليلاً على الخروج ضدهم.

38 - جابر عصفور: " الرواية التاريخية: روايات نجيب محفوظ "، مرجع سابق،ص33

39- السابق نفسه: ص 33

40- عبد اللطيف محفوظ: " الرواية التاريخية وتمثل الواقع..."، مرجع سابق، ص 12.

41- يري البعض أن الاحتلال في هذه الفترة ليس احتلالًا إنجليزيًا، وإنما كان من قبل السلالة الشركسية، والاستقراطية التركية، حتى أن البعض عادي الاستعلاء التركي ووجد فيه موازيًا للصلف الإنجليزي، وبغض النظر على التشابه في الكراهية إلا أن الحقيقية أن الانجليز بالفعل كانوا ما يزالون يحتلَّون البلاد، ولو بطريق غير مباشر، بدليل أن ثورة 1952 آلت على نفسها تحرير البلاد، وبالفعل تم جلاء الإنجليز عن مصر عام 1954، وتم جلاء آخر جندي إنجليزى وما يناؤه من استعمار بعد تأميم القناة عام 1956.

42- ردد نجيب محفوظ هذا القول أكثر من مرة بأن روايته " كفاح طيبة " قصد بها الحاضر لا الماضي، وإنه لم يكتب الرواية ليعيد بعث التاريخ القديم، راجع في هذا حوارات نجيب محفوظ، وأبرزها حواراته مع رجاء النقاش في:" رجاء النقاش " نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته "، مركز الأهرام للترجمة والنشر،طبعة أولى، القاهرة 1998. بالمثل - يرى إبراهيم فتحي، أن نجيب محفوظ منذ رواياته الأولى التاريخية (عبث الأقدار 1939، ورادبيس 1943، وكفاح طيبة 1944)،عينه على اكتشاف الحاضر، فاختيار محفوظ لهذه الفترات مكنه من خلق " تجربة إنسانية متخيَّلة، استمد خيوطها ونسيجها من حاضر معاصر، عاشه المصريون في زمن كتابات الروايات، لقد هيأت المسافة التاريخية استيعابًا دراميًا لتلك التجربة المتخيلة وإبراز ما في نماذجها من دلالة راهنة..."، راجع في هذا: إبراهيم فتحي: " نجيب محفوظ واكتشاف الحاضر " مجلة فصول، عدد" خصوصية الرواية،ج 1 "، مجلد 16، عدد 3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، شتاء 1997.

43 - عبد المحسن طه بدر: " نجيب محفوظ: الرؤية والأداء "، مرجع سابق، ص 193.

44 - وقعت مصر تحت نير الاحتلال البريطاني، بعد حادثة التل الكبير في عام 1882، ولم يخرج الإنجليز نهايًا عن مصر إلى بعد توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954

45- ذكر في أكثر من حوار أنه اختار أكثر من أربعين حكاية من التاريخ الفرعوني ليتخذها مدارًا نصيًا لرواياته، راجع فاطمة موسي:" في الرواية العربية المعاصرة "، الأنجلو المصرية، 1972، ص 28.

46- نشب الصراع بين أحمس في صورة أسفينيس والقائد رخ، إثر تخليص أسفينيس للسيدة أبانا من حكم المحكمة الجائر بدفع 40 قطعة ذهبية أو السجن بتهمة إهانتها لقائد عسكري، وأضمر له العداء وما أن ذهب إلى الملك حتى تفجر الصراع، وبالفعل طلب رخ من أحمس المبارزة وتبارزا وكاد أحمس أن يقتله إلا أنه عفا عنه لوجوده في حضرة الملك. وما أن غادر أسفينيس طيبة متجهًا إلى الجنوب حتى لحقه القائد بأسطول ليقتله، وبالفعل نشبت بينهم معركة كادت أن تنتهي بمقتل أسفينيس لولا تدخل الأميرة أمنريدس وأمرها للقائد رخ بأن يعود بأسطوله.

47- د.عبد المحسن طه بدر:" الرؤية والأداء..."، مرجع سابق، ص 198.

48- سياسة العمل الفردي المتمثلة في الاغتيالات التي تبنتها جماعة الإخوان المسلمين، أودت بشخصيات كثيرة، دون أن تحقق الهدف الحقيقي / التحرر، وكأن محفوظًا كما ذكرنا من قبل يدين العمل السري الفردي في مثل هذه الصورة، ويشيد بالعمل الجماعي المنظم، لاحظ أن أحد أسباب نجاح حركة الضباط الأحرار هو العمل الجماعي المنظم، وما ظهرت الأنانية بدأ التفكك بين صفوف الضباط الذين تحررت البلاد من الجنس الشركسي على يديهم، وأبرز مثال على هذا هو الانقسام الحاد الذي أصاب صفوف الجماعة في أحداث مارس 1954.

49- وقد يتشابه هذا الشعار في السياق النصي مع الشعار الذي رفعه أحمد لطفي السيد في السياق السياسي المحاقب لزمن كتابة الرواية، ولهذا حرص بعض الضباط الأحرار بأن يسلّموه السلطة بعد تنازل الملك، لكن إصراره على عودتهم للثكنات من جديد، وإجراء اتتخابات ديموقراطية، دفعتهم أن يسحبوا دعوتهم.

50- جابر عصفور:" مرجع سابق، ص33.

المراجع:

 1- إبراهيم فتحي: " نجيب محفوظ واكتشاف الحاضر " مجلة فصول، عدد" خصوصية الرواية،ج 1 "، مجلد 16، عدد 3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، شتاء 1997.

2 – د. جابر عصفور: " زمن الرواية "، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1999.

3 – د. جابر عصفور: " الرواية التاريخية: روايات نجيب محفوظ ة"، مجلة العربي،، عدد (555) فبراير 2005.

4 – جورجي زيدان: "الحجاج بن يوسف الثقفي "، سلسلة روايات تاريخ الإسلام، العدد 6، دار الجيل، بيروت.

5- جورج لوكاتش: " الرواية التاريخية "، ترجمة " صالح جواد الكاظم "، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2005.

6- جورج قرم: " مأزق التبعية، الديون الاقتصادية "، دار الطليعة، بيروت، ط 2 1982.

7- رجاء النقاش " نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته "، مركز الأهرام للترجمة والنشر،طبعة أولى، القاهرة 1998

8 - سعد محمد رحيم: " السارد والتاريخ "، مجلة دبي الثقافية، مؤسسة الصدى للدعاية والإعلان، عدد

 (43) ديسمبر 2008.

9- صلاح شادي: " صفحات من التاريخ حصاد العمر "، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1987

10– د. عاصم الدسوقي: " فن الرواية وعلم التاريخ: إشكالية الجدل بين المتناقضات "، " الرواية قضايا وآفاق"، كتاب دوري يعنى بالإبداع الروائي المحلي والعالمي "، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، عدد 2، 2009.

11- د. عاصم الدسوقي: " حزب الوفد وحادث 4 فبراير"، مجلة الهلال، مؤسسة دار الهلال، يونيه 2005.

12- عباس السيسي: " في قافلة الإخوان المسلمين "، ج1، دار القبس، الإسكندرية1989

13- عبد اللطيف محفوظ:" الرواية التاريخية وتمثل الواقع، نجيب محفوظ نموذجًا "، ص 8 عن رابط www.aıjabrabed.net/n85-04moh.foud.htm

14– د. عبد المحسن طه بدر: " تطور الرواية العربية الحديثة في مصر "، دار المعارف، ط الخامسة، القاهرة، 1993.

15- د. عبد المحسن طه بدر: " الرؤية والأداء: نجيب محفوظ "، دار المعارف، مصر، ط الثالثة، 1984.

16- على مبارك: " علم الدين "ج1، طبع بمطابع جريدة المحروسة، بالأسكندرية 1882.

17- د. غالي شكري:" مذكرات ثقافة تحتضر "، دار الطليعة، بيروت، 1970

18- فاطمة موسي:" في الرواية العربية المعاصرة "، الأنجلو المصرية، 1972.

19 - د. قاسم عبده قاسم: التاريخ والرواية: تفاضل أم تكامل "، مجلة العربي، الكويت، عدد (557) إبريل 2005.

20- محمد حسنين هيكل:"خريف الغضب: قصة بداية ونهاية عصر السادات "، مركز الأهرام للترجمة

 والنشر، مؤسسة الأهرام

21- محمد دويدار: " الاقتصاد المصري بين التخلف والتطوير "، دار الجامعات المصرية، د.ت.

22 – محمد القاضي: " الرواية والتاريخ: طريقتان في كتابة التاريخ روائيًا "، مجلة فصول (عدد خصوصية الرواية جزء 2) الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ربيع 1998.