يحوّل الشاعر المصري بقعة الضوء من «مثقفون وعسكر» إلى «عسكر وحرامية»، ليبين روابط الفساد بين النظام البائد والمجلس العسكري، الذي يرى أنه لم يكن خائناً للثورة لأنه لم ينتسب إليها قط، فيما خانتها النخب السياسية والثقافية التي تركت الميدان وفاوضت، رغم معرفتها بأن الثائر لا يفاوض على غائية ثورته.

عسكر وحرامية

عبدالمنعم رمضان

رغم كتالوغ الثورات الذي لا يجب أن يكون صارماً، لأن الثورة تثور أيضاً على كتالوغاتها، رغم ذلك لا يمكن إلا أن نعترف أن بمقدورنا أن نتحقق من أن مصير رئيس الدولة التي يريد شعبها إسقاطه، يكون محدوداً باختيارين، إما الهرب، وإما الاستماتة، أعني استماتة الرئيس، في الدفاع عن سلطته. أي أن مصيره يكون أحد مصيرين، فرار زين العابدين بن علي أو استماتة القذافي حتى موته، مع عدم الالتفات إلى علي عبدالله صالح لأن السعودية، وهي حامية الرجعية في المنطقة، ظلت تحميه كي تحمي حدودها ونفوذها، وأيضاً عدم الالتفات إلى بشار الأسد لأنه مازال يستميت، وسوف يظل، حتى يضطره شعبه إلى أن يهرب أو يموت كما أتمنى، ولا أظنني قادراً على أن أقول، إلى أن ينتصر، فهذا هو الكابوس، وقد يحدث ألا ينجح وأن يتم القبض عليه ومحاكمته، وإعدامه غالباً، خاصة إذا كان طاغية من الطراز الذي ينتسب إليه حسني مبارك.

والسؤال الآن، لماذا تميز نظام مبارك بالطريق الثالثة، طريق عدم الهرب، وعدم الاستماتة، والاستسلام للمحاكمة، نعلم جميعاً أنها محاكمة صورية، والإجابة كما يبدو لنا الآن هي وجوب الإقرار بأن الرجل منذ تنحى كان يعلم أسماء الذين سيخلفونه، ويعلم أنهم رجاله المخلصون، عملوا معه لعقود، وانحنوا أمامه وأمام زوجته وابنه، أيضاً لعقود، وأنهم شاركوه كل أخطائه وفساده، وأنهم يعلمون أنه لم يكن من الممكن أن يثق بهم أو بغيرهم، إلا إذا احتفظ بمستمسكات تدينهم إذا لزم الأمر، وتفضحهم إذا خرجوا على أصول الشراكة، خاصة إذا اضطروا بعد تنحيتهم له إلى معاقبته إرضاء للرأي العام الغاضب والمجروح، والذي لن يهدأ قبل المعاقبة، عموماً، لما كانت الثورة المصرية قد استغرقت ثمانية عشر يوماً فقط، وظلت بيضاء أو شبه بيضاء، وهو أيضاً ما يرى البعض أنه يخالف كتالوغ الثورات، فالثورات البيضاء خرافة يرددها بعض الرومانسيين ببراءة، وبعض الانتهازيين بخبث، والثمانية عشر يوماً خرافة أخرى، صنعتها أطراف كثيرة تعلم أن مصر التي تتوسط عالمها العربي، بحكامه المستبدين في كل أقطارهم، تعلم كل هذه الأطراف التي سنتعرف عليها فيما بعد، أنها، أي مصر، كانت وسوف تكون مثالاً قابلاً للتقليد مادامت كل أسباب الثورة متوفرة في كل الأماكن.

وتعلم كل الأطراف، أن مصر التي تجاور إسرائيل جوار الكراهية، وتكاد تكون العدو الأبرز والأقوى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إذا حكمها حكام وطنيون. ستكون أيضاً نافذة مفتوحة على احتمالات جديدة، يمكن أن تثير قلق سكان الكنيست في إسرائيل، وسكان البيت الأبيض في واشنطن، وتعلم كل الأطراف أن مصر التي ثار شبابها في 25 يناير، كانت قد أوشكت أن تنتقل من طور ثورة سلمية بمطالب عامة مشروعة، وبلا قادة معروفين، وبلا برنامج جذري معروف، كانت قد أوشكت أن تنتقل، من ذلك الطور إلى طور يخشى برجوازيو الداخل الذين قفزوا إلى سطح السفينة، وهم في الحقيقة مهندسون وأطباء ومحامون وسياسيون وهميون ومثقفون وهميون أيضاً وحزبيون وهميون ثالثاً، ورأسماليو الخارج. وهم موجودون من أقصى الأرض إلى أدناها، كلهم كلهم كانوا يخشون عدم القدرة على التحكم في مجريات الطور الجديد وآفاقه، إذا حدث أن انتقلت إليه الثورة. لذا كان لابد من التعجيل بإسقاط رأس النظام حتى يظل النظام قائماً، وتتحول الثورة من عتلة تغيير جذري إلى قلم بودرة وريشة ماكياج تضيف بعض الإصلاحات إلى وجه النظام وكأنها رتوش، مجرد رتوش، والضمان لتحقيق ذلك هو تولية المجلس العسكري، وكلنا نعلم بداية أن أعضاء المجلس كانوا يشعرون بعدم الأمان في حالة تولية الوريث الذي لابد أن يأتي برجال يناسبون عمره وطموحاته، والذي لابد سيتخلص بالتأكيد من كل الرجال الذين عملوا مع أبيه، والذين سبق أن قال لهم، ياعمو، أو يا أونكل.

وهذا الهاجس بالتحديد، هاجس عدم الأمان، لعله كان الفتيل السري الذي دفع بضباط المجلس العسكري الكبار إلى ممالأة الثورة في سبيل استخدامها، وإذا حاولنا أن نتأمل البنية العضوية للمجلس بعيداً عن هذا الهاجس المخيف، فإننا سنكتشف أن التسعة عشر عضواً ينتسبون إلى مؤسسة هي، في الأماكن كلها، وفي الأزمنة كلها، مؤسسة محافظة، ربما إلى حد الجمود، كارهة للتغيير، ربما إلى حد التحريم، لذا فإن هذه المؤسسة، أو بالتخصيص هذا المجلس، في حقيقة أمرها، ودون أن نفكر في أنها حليفة مبارك المخلصة له، وهي كذلك، لابد أن تكون عدوة للثورة وكل ثورة، وإذا كانت قد سايرت الثوار وهتفت لهم لعدة أيام، فمن أجل أن يصفق لها الجميع قبل أن تقوم بتصفيتهم، والجميع في الحقيقة صفقوا، والتصفية في الحقيقة ما زالت مستمرة.

وإذا حاولنا أن نراجع الأحداث، ونعيد ترتيب مشاهد السيناريو المتتالية، سنحس بوجود صفقة تؤكد الأحداث أنها جرت بين طرفين مباشرين، وتحت إشراف أكثر من طرف خارجي، وشعار هذه الصفقة الذي يخايل عيوننا كلما حملقنا، هو: سيب وأنا اسيب، اتركوني أنا وزوجتي والولدين، أترككم أنتم ومصالحكم وذلك الشعب الكريه، وكأن الذي كان يحكمنا والذين يحكموننا الآن هم مجرد شطار وعيارين يعملون وفق القوانين المشروعة، التي يعمل بها كل الشطار والعيّارين، ولكن المؤسسة العسكرية، نعني بالتحديد المجلس العسكري، محصنة ضد قوانين المراقبة والمعاقبة، كأنها بنت الله، بنته البكر السليمة العذرية، التي لم تحارب طوال تاريخها، أي طوال أربعين سنة تقريباً، مما أدّى، وخضوعاً لطبائع الأشياء، ورغماً عنها، إلى الاستسلام المطلق لمتطلبات الدعة والفراغ والنعيم، وإلى الانشغال الكامل بالأعمال الاقتصادية والمشروعات التي تعود بالربح الخيالي على كبار القادة هؤلاء، وإلى الاستمتاع بالحماية التي تكفل لهم نيل بدلات الولاء وعمولات السلاح، والعمولات بالتحديد ثقافة تجعل السرقة حقاً مشروعاً، تجعلها حقاً قانونياً، سواء كانت عمولات إعلام، أو عمولات إعلانات، أو عمولات بيع وشراء، فيما هي في الحقيقة اغتصاب غير مشروع، خاصة في بلد ظروفه لاتسمح بالخضوع لذلك الملمح من ملامح الرأسمالية الكونية المتوحشة.

المجلس العسكري معذور إذن بما يحيطه من إغراءات لا يملك مقاومتها، ومعذور أيضاً لأنه محكوم بإكراهات داخلية وخارجية، مثل تلك الإكراهات الآتية من أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات وبقية الخليج، وكلهم أصبحوا حماة مبارك وحماة أفراد نظامه جميعاً، ودون خجل من ترديد نشيد سوقي، يردده بعض الشيوخ أحياناً، اسمه نشيد الخروج الآمن والمصالحة ودفع الدية، كأن الشهداء ليسوا الشعب كله، كل هذا ترتب عليه أن حدث الذي حدث، وتفصيله يمكننا أن نجمله، أولاً في أن الذين ينافقون الثوار، وينافقون المجلس العسكري في آن واحد، ويصورون لنا أن إدارة المجلس العسكري السيئة لشؤون البلاد تعود إلى نقص خبرته السياسية. كأنهم يدافعون عن المجلس بنقص الخبرة وحسن النوايا، فيرضونه، وكأنهم يتهمونه بسوء الإدارة والفشل فيرضون الثوار. مع أن الحقيقة التي يكشف عنها تاريخ الإنسان الطبيعي على الأرض، هو أن الشخص ناقص الخبرة يتعلم من أخطائه ولا يكررها، لكن ما يقوم به المجلس العسكري، يقوم به دائماً وبصورة ثابتة ومتكررة وعلى الوتيرة ذاتها، بما يعني القصد والعمد والإدراك، وأيضاً ضيق الأفق.

وأبسط مثال على ذلك تلك الحكومات الثلاث، التي تتابعت منذ تولي المجلس العسكري شؤون البلاد، الحكومة الأولى بعد الثورة، رئيسها كان مبارك قد اختاره من قبل، اختاره أيام الثورة، فجدد العسكر اختياره، الحكومة الأولى أعني بها حكومة شفيق الثانية، كانت منوطة بمهمات أساسية، قامت بتأديتها في الحقيقة بنجاح كامل، أعدمت المستندات والوثائق التي يمكن أن تدين أي شخص من أفراد طاقم سلطة مبارك السياسية، وسهلت تهريب أموال هذا الطاقم إلى الخارج، فيما بعد سوف يكافئ المجلس العسكري السيد رئيس البنك المركزي بالتجديد له لمدة أربع سنوات، نظير ما قام به من أعمال مخلصة في هذا الباب، ولما فرغت حكومة شفيق من عملها، جاءت حكومة عصام شرف، أيضاً أستطيع أن أقول أنها قامت بتأدية مهماتها الأساسية أيضاً بنجاح كامل، مهمتها انحصرت في تبريد الثورة وتجميدها، ووضعها على الرف العلوي للثلاجة الكبيرة، الموضوعة في بهو المجلس، ولما أتم السيد عصام، وهو عضو لجنة سياسات سابق، لما أتم هو ووزراؤه تلك المهمة، أتى المجلس بحكومته الثالثة، حكومة الجنزوري. وبغض النظر عن أنها تسلمت مناصبها على جثث شهداء شارعي محمد محمود ومجلس الوزراء، إلا أنها سوف تحاول هي الأخرى أن تؤدي مهماتها بنجاح، فالمطلوب منها أن تسحب الثورة من ثلاجة المجلس، وتفحصها، عن طريق رجالها الأكاديميين في كل الاختصاصات، حتى في علم اليوغا وعلم النفس، وتثبت أنها أصبحت فاسدة إلى الحد الذي جعلها محض ذكرى سيئة، وتحرم بالتالي على كل المواطنين حق ذكرها ذكراً طيباً. وبالموازاة مع هذه الحكومات ظل نائب مبارك العام، وهو الشخصية الأكثر أهمية لو أننا كنا نفكر في محاكمة النظام السابق الحالي، الحالي السابق، محاكمة حقيقية، أقول ظل النائب العام مستمراً في عمله، وكأنه ليس رجل مبارك الخاص، الذي سيحميه أيضاً، ووزراء الحكومات الثلاث، بشكل أو بآخر، شاركوا كلهم في خيانة الثورة المغدورة حتى الآن، شاركوا كلهم في تحويلها من ثورة ناقصة إلى انقلاب عسكري ناقص أيضاً.

والصراع بين الشباب والعسكر هو صراع بين الثورة والانقلاب، بلغة أخرى هو صراع يسعى فيه طرف واحد من الطرفين إلى الاكتمال على حساب الطرف الآخر، وصواب الأمر كما يعرف الجميع في اكتمال الثورة، وضلاله كما يعرف الجميع في اكتمال الانقلاب، الغريب أنه منذ يوليو 1952 ومصر يترأسها حاكمان، الزعيم وهو الحاكم السياسي والواجهة، وصاحب الصورة المرفوعة في كل المكاتب الحكومية، والقائد وهو الحاكم العسكري والراعي الرسمي للحاكم السياسي، والظل، وصاحب الصورة غير المرفوعة في كل مكاتب الحكومة، عبد الناصر والمشير عامر، السادات والمشير أحمد إسماعيل، السادات والمشير أبو غزالة، مبارك والمشير أبوغزالة، مبارك والمشير طنطاوي، ثم الرئيس طنطاوي والمشير طنطاوي، وكلاهما الزعيم والقائد، حاكم مدى الحياة، إلا إذا اعترض أحدهما الموت، أو تآمر أحدهما ضد الآخر، مات عبد الناصر ربما مرضاً وربما غيلة، ومات السادات غيلة، وسقط مبارك تحت أقدام الثورة الناقصة والانقلاب العسكري الناقص، وسقط المشير عامر بالنكسة، والمشير أحمد إسماعيل بالموت، والمشير أبوغزالة بمؤامرة لوسي آرتين ظاهرياً، ومتطلبات أخرى باطنياً.

المهم أن الزعيم يقبل شراكة القائد ويطلب الولاء منه، والقائد يحرص على ديمومة الزعيم ويطلب المقابل، لن نتعرض لتاريخ الدولة العسكرية منذ عبد الناصر، وماذا حدث في سبيل تعديل هذه الصيغة أو تثبيتها، لكن المؤكد أن استحداث القيادة الجماعية على هيئة المجلس العسكري بعد هزيمة يونيو 67 كانت محاولة تهدف إلى انفراد الزعيم بالحكم في أحد وجوهها، نذكر جميعاً عبر هذا التاريخ أن الزعيم السياسي كان دائماً شخصاً وحيداً وأبدياً ولاشريك له. وأن المشير أيضاً كان مثله، شخصاً وحيداً وأبدياً ولاشريك له، باستثناء رعشة ما بعد حرب أكتوبر، التي أجبرت الزعيم على ترقية الجمسي وتنصيبه مشيراً كمكافأة نصر، وكإزاحة له من رئاسة الأركان، وليس غريباً كون الزعيم والقائد طوال الستين سنة الفائتة كانا من العسكر، لأن العسكر في الحقيقة اقتسموا السلطة السياسية والعسكرية، والولاء الذي يدين به القائد لزعيمه لم يكن كلمة أو عهداً، لقد أصبح مع الوقت ولاء مقروناً ببدلات الولاء، وهي مظروف غليظ يتسلمه كل ضابط من ضباط القيادة، ويضيفه إلى ما لدية من ثروات، والاعتراف الذي يدين به الزعيم لقائده، أيضاً لم يكن كلمة أو عهداً، لقد أصبح مع الوقت ضمانات وأسساً تمنع التعرف على ميزانيات المؤسسة العسكرية وإيراداتها ومصروفاتها وامتيازاتها التي قد لا تخطر ببال أحد.

وها نحن بعد الثورة، وقد أقررنا مبدأ تداول السلطة، بعد أن كانت، أولاً أبدية، وثانياً معرضة للوراثة، وجعلناها لا تتجاوز دورتين، ألا يمكن أن يتسبب ذلك التداول في إزعاج القائد العسكري، الذي لابد أنه سيخشى أن تسري عليه قواعد شبيهة، تسمح بتداول السلطة عن طريق التقاعد الإجباري عند سن معينة، خاصة أن القائد يجب أن يكون مشروطاً بعدم وصوله إلى سن الجمود أو الخرف أو الزهايمر، هل يمكن للرئيس الجديد فور انتخابه، أو هل يحق له اختيار قائده العسكري الذي سيعمل معه، ليكونا فريقاً واحداً، أم أن قائده العسكري مفروض عليه، مع العلم أن الرئيس في النظام الرئاسي يختار أعضاء حكومته، إذن أصبحت الثورة تهدد في الصميم استمرار عمل القيادة إلى الأبد، ومع إمكانية عدم الاستمرار، أصبحت سرية أعمال المجلس العسكري وقداسته، مهددة هي الأخرى، وأضاف هذا العامل أسباباً جديدة للصراع من أجل نجاح الانقلاب العسكري الناقص، وفشل الثورة الناقصة، سواء بتفصيل دستور على مقاس احتياجات المجلس العسكري في أن يكون فوق الجميع، أو بتفصيل الرئيس القادم الذي يكفل لرئيس المجلس العسكري أن يكون الرئيس الحقيقي من وراء ستار، فيما يكون الرئيس الرسمي هو ذلك الستار. ولعل المجلس العسكري الذي جرب أحمد شفيق مرة كرئيس وزراء صوري، قد يفكر في تجريبه ثانية كرئيس دولة صوري، إلا إذا نجح العسكر في ترتيب أمورهم مع القوى الإسلامية صاحبة الأغلبية البرلمانية، والطامحة والطامعة والجاهزة للمساومة أمس واليوم وغداً، بحيث يسمح لها بأغلبية البرلمان وتشكيل الحكومة، وتسمح له بالسيادة عليها وعلى الرئيس أيضاً.

وهذا السيناريو يعززه أنه في الوقت الذي كانت الحكومات التي يشكلها المجلس منذ قيام الثورة، تتعاقب وتقوم بالمطلوب منها، شفيق، شرف، الجنزوري، كان المجلس يقوم بتصفية الثورة في أماكن آخرى، سواء عن طريق تجريس الثوار والتشهير بهم، وإظهارهم وكأنهم عملاء، وكأنهم فاسدون أخلاقياً، وكأنهم أرباب سوابق، أو عن طريق القبض على العناصر الأكثر نشاطاً واعتقالهم بهدف التفريغ والإضعاف، أو عن طريق إشعال الفتن بين التيارات السياسية المختلفة عند كل مفترق طرق، وأيضاً عن طريق إشعال الحرائق في الكنائس كما النظام السابق الحالي، الحالي السابق، وفي المجامع العلمية والمتاحف .. الخ الخ، المهم، وما نحب أن نؤكده بإصرار، أن المجلس العسكري لم يكن خائناً للثورة ولو لمرة واحدة، لأنه لم ينتسب إليها قط، لقد كان مخلصاً للنظام الذي تربى في ظله، وإخلاصه مشهود ولا ينكره أحد.

فيما كانت النخب السياسية والثقافية هي الخائن الأكبر للثورة، لأنها هي التي تعرف أن الثائر لا يفاوض قبل أن ينتهي من تحقيق المهام الأكيدة للثورة، وإذا فاوض توقف كثائر وابتدأ كسياسي، والنخب كلها تركت الميدان قبل الموعد بوقت كبير، وخروجها من الميدان، أخلاه من الوجوه المعروفة، ومن أصحاب الياقات البيضاء، وأصحاب المنشات، والأعمدة الصحافية، والأعمدة الفضائية، مما سمح للعسكر أن يتهموا الثوار بكل التهم التي سمعناها تباعاً، والنخب أيضاً هي التي تعرف أن الثورة تملك أكثر من مكنسة، وأنها كلما حققت خطوة إلى الأمام، تركت وراءها الأشخاص الذين آخرهم هذه الخطوة، والأشخاص الذين آفاقهم لا تتسع للخطوة التالية، وهكذا، ومع كل خطوة ينكشف أصحاب المصالح العاجلة، وتكنسهم الثورة بمكانسها الحادة إلى الوراء، والثورة مستمرة.