يجادل الباحث في الإصلاح وصيرورة التغيير في البحرين، فيتناول موقف المعارضة التي ترى بإمكانية إصلاح النظام وقيام ملكية دستورية، كما ويناقش موقف حركة 14 فبراير من ضرورة إسقاط النظام، لانعدام قابليته للإصلاح بعد سنة من الحراك الشعبي، وعشر سنوات من منذ مجيء الملك الحالي.

إصلاح أم إسقاط؟

النظام البحريني بعد مرور سنة على ثورة 14 فبراير

يوسف مكّي

يدور في البحرين لغط كثير هذه الأيام بين المعارضة الرسمية من جهة وحركة 14 فبراير من جهة أخرى بمناسبة مرور الذكرى السنوية لثورة 14 فبراير ومواقفها من النظام البحريني. مع الإصلاح، أم مع التغيير. ويمكن اجمال المواقف في موقفين عريضين. الأول موقف المعارضة الرسمية ممثلة في الجمعيات السياسية، وفحواه امكانية اصلاح النظام من خلال إجراءات سياسية جوهرية يقدم عليها الملك او ولي عهده، تؤدي في نهاية المطاف الى قيام ملكية دستورية. والموقف الثاني، هو موقف حركة 14 فبراير وقياداتها، في السجن، وخارجه، وفحواه ان النظام غير قابل للإصلاح وقد مرت على هذه المطالب السياسية سنة من الحراك الشعبي، وعشر سنوات من الفرص الضائعة منذ مجيء الملك الحالي، دون أن يبدي النظام أي بادرة إصلاحية حقيقية تقنع الشارع الثائر، وعليه لا يمكن التعويل على النظام لإصلاح ذاته بذاته، لذا فإن المطلوب هو إسقاط النظام، وليس إصلاحه، فهذه دعوة تجاوزها الزمن، وهو مصاب بغيبوبة تاريخية.

طبعا لكل فريق من هولاء حججه وأسبابه ومبراراته في اتخاذ هذا الموقف اوذاك. ولكن الأمر في حاضر ومستقبل البحرين السياسي لا يتوقف على هذين الموقفين فقط، في كيفية التعامل مع النظام، بل يتوقف كذلك على طبيعة النظام نفسه ومدى استجابته للمتغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية. ودون الدخول في التفاصيل، فإن طبيعة النظام بما هو بنية قبلية مقفلة مستأثرة بالدولة وبمغانمها، وخاصة المفاصل المقررة فيها، تدلل على ان امكانية الإصلاح تكاد تكون معدومة، لأن الإصلاح الحقيقي من شأنه فكفكة البنية القبلية للدولة، وبالتالي القضاء على منطق القبيلة/ الدولة، أو الدولة/ القبيلة، وهذا غير ممكن مطلقاً لحكم قبلي محكوم بمنطق الغزو، وأساطيره وسردياته المتوارثة على امتداد اكثر من قرنين.

وهذا يعود في حقيقته الى التناقض الصارخ بين منطق القبيلة القائم على العصبية ورابطة الدم (وتفصيل الدولة على قد القبيلة، واعتبار الدولة والقبيلة شيئاً واحداً)، وبين منطق الدولة القائم على المواطنة المتساوية والطبيعة المدنية للدولة باعتبارها دولة كل المواطنين، كل الشعب، وليس دولة فئة، او قبيلة، أو عائلة، وكذلك تداول السلطة بشكل سلمي.

الدولة في البحرين عصية على الإصلاح لأن القبيلة هي الخاسر الأكبر من أي اصلاح حقيقي بحكم طبيعة او بنية العلاقة فيما بينهما القبيلة/ الدولة - واستغلال الاولى للثانية بمنطق قبلي بدوي قائم على مبدأ الاستئثار والغنيمة، لا بمنطق مدني حديث قائم على اساس المواطنة المتساوية، والشراكة الشعبية والتعددية، الدولة تعتبر ملكية من املاك القبيلة. من هنا فإن كل محاولات الإصلاح على امتداد قرن من الزمان قد باءت بالفشل، واذا حدث نوع من الإصلاح، كما في تجربة السبعينات (دستور 1973 والمجلس الوطني) فإن النظام القبلي سرعان ما يضيق ذرعا بهذا الاصلاح وينقلب عليه، وتبدأ الحركة السياسية البحرانية من نقطة الصفر في المطالبة بالإصلاح، او العودة الى ما تم الاتفاق عليه ونقضه النظام.

وعلى هذا الأساس المكين من التجربة التاريخية السياسية للحركة الوطنية البحرانية مع النظام، توصلت حركة 14 فبراير الى هذه النتيجة المنطقية، وهي ان النظام عصي على الإصلاح، عصي على الترميم، عصي على الترقيع. والحل هو في اسقاطه، لا في اصلاحه، كما يرى جزء من المعارضة، فقد جربنا ذلك دون جدوى، مع التأكيد في الوقت نفسه من قبل حركة 14 فبراير انها لا تصادر حق من يقولون بالإصلاح اذا كان ذلك ممكنا، ولا تمانع أي مبادرة جدية للإصلاح يتقدم بها النظام اذا كان جادا في اخراج البلاد من المأزق السياسي الذي وضعها فيه، ولعلمها بأن كلفة الإصلاح اقل من كلفة الإسقاط. إلا ان النظام وبعد مرور سنة من ثورة 14 فبراير لم يبارح مكانه. من جانب آخر على اهمية ما يطرحه دعاة الإصلاح فإنهم امام تعنت النظام يقعون في حرج شديد امام القائلين بالإسقاط من جهة، وأمام قواعدهم من جهة اخرى، حيث جعجعة من النظام، ولا إصلاح حتى في الحدود الدنيا.

أما قضية اسقاط النظام فلا تقف عند حد القيادات السياسية، أو ماتراه، إنما هو مطلب شعبي، ويكفي المرء أن يستمع إلى الهتافات التي تطالب باسقاط النظام، وتسقيط رموزه حتى بين قواعد الجمعيات التي تقول بالإصلاح. وهذا دليل موقف وحس شعبي وطني مكتسب من التجربة الحياتية فحواه بأن نظام الحكم في البحرين قد تجاوزه الزمن وليس لديه ما يقدمه الى هذا الشعب سوى القتل والتنكيل والسجون والكذب، وبالتالي لا افق لإصلاحه، بل لا بد من تغييره، فهو بطبيعته وبسياساته الخرقاء يفرض خيار التغيير مرة واحدة وإلى الأبد، مهما كانت التكلفة الانسانية. وبناء عليه فإن منطق القائلين بإسقاط النظام يكون اقرب الى واقع الأمور من القائلين باصلاحه وأقرب إلى هجس الشارع ومطالبه من المنادين بالإصلاح. فالقائلون بالاسقاط وجدوا امامهم واقعا سياسيا مأزوما لا تنفع في علاجه المسكنات ولا المهدئات ولا الرتوش ولا الترقيعات الشكلية ولا اللف والدوران من قبل النظام، وبالتالي فإن الحل من وجهة نظر ثوار 14 فبراير هو في تجاوزه، باسقاطه، أي من خلال فعل ثوري شعبي منظم طويل النفس يقوم بما هو مطلوب، طالما ان النظام غير قادر على اصلاح نفسه والتصالح مع شعبه واختيار اللحظة التاريخية المناسبة لذلك. في هذه الحال يصبح الحراك الشعبي هو سيد الموقف متجاوزا بذلك الاطر التنظيمية ومتقدما عليها، ومتقدما على ما يطرحه النظام من مبادرات مستهلكة لا تغني ولا تسمن من جوع.

يبقى السؤال: إصلاح أم اسقاط؟

هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، وهذا ما يستعد له ثوار حركة 14 فبراير وعلى طريقتهم بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للثورة، حيث الاستعدادات جارية للعودة لدوّار اللؤلؤة، مركز انطلاقة الثورة البحرانية المجيدة.

 

 باحث في علم الاجتماع ـ البحرين