تكشف الباحثة السودانية المرموقة في هذه المقالة عن كيف أن ما تسمى بالمنظمات غير الحكومية ليست إلا أداة من أدوات الهيمنة الاستغلالية الاستعمارية الجديدة على العالم الذي كان ثالثا وإفقاره وتكريس تبعيته، وكيف أنها تزعم تمثيله وتحدد أولوياته نيابة عنه، وتعرقل قدرته على الاستقلال والانتاج، وتمنعه من أن يطور نفسه بنفسه.

المنظمات غير الحكومية والتمويل الاجنبي

المبشرون الجدد وانغالهم الفرانكيشتانية واعادة تشكيل المجتمع

خديجة صفوت

«ان المنظمات غير الحكومية تنتحل تمثيلنا في المحافل الدولية، وتحدد أولوياتنا نيابة عنا وتحررنا من القدرة على الانتاج وتطوير انفسنا. ان المنظمات غير الحكومية تمنعنا من ان نطور انفسنا»(1) NGOs have taken on representing us. They are trying to free us from the capacity to produce and develop. They are denying us self-development.

رئيس جمهورية بيرو 1999

تمهيد:
يلاحظ كيف شاع الحديث في العقد الماضي على الاقل عن ونقد ومعارضة او-و تشجيع المنظمات غير الحكومية، وكيف يتفاقم النشاط الفردي والجمعي داخل تلك الكائنات التي نشأت بليل في كافة المجتمعات المفقرة والغنية معا. فقد غدت تلك الكيانات على اهمية وتكاد تستقطب اعدادا متزايدة من الافراد المدافعين عنها والمناهضين لها في الاوطان العربية وغيرها. ويدور الحوار الساخن والبارد حول تلك المنظمات بين الدولة والقائمين على تلك المنظمات من الافراد غير العاديين، ومعظمهم ممن كان ينشغل ويهتم بهموم ما بعد الاستقلال السياسي، وبما كان يسمى بالمجتمع المدني Civil Society. وغالبا ما يكون هؤلاء من المثقفين والمتعلمين والمفكرين ممن بقى من اعضاء الطبقات المتوسطة ـ وبالاحرى ما اسميها الطبقات الوسيطة Mediating classes وقد قضت غواية تلك المنظمات غير الحكومية والخيرية والرأسمالية المالية على حسهم الطبقي.

ويسيطر بعض من اعلام واهم المثقفين العرب على بعض تلك المنظمات منابرا بديلة لسياسات دولية مشبوهة مثل: الشرق اوسطية، أو حقوق الانسان، والمراة والطفل، وحق تقرير المصير والاقليات او-و لتمرير سياسات الدولة غير مضمونة العاقبة أو المشكوك فيها لإنجاح العلاقة بين اسرائيل والعرب، أو بين المثقفين العرب والاسرائليين كما في مؤتمر كوبنهاجن الشهير للتطبيع بين مثقفين وسياسيين مصريين وجنرالات (موساد) إسرائيليين عام 1997 -و تدور معارك كلامية في فلسطين مثلا بين السلطة الفلسطينية وقادة المنظمات غير الحكومية فلا ينتهى الجدل حول خناق الاثنين بشأن قضايا اساسية.(2) وتنشأ حالة شد بين المثقفين والدولة في مصر(3) فتبقى غير مضمونة العاقبة او-و مشكوك فيها لإنجاح العلاقة بين اسرائيل والعرب أو بين المثقفين العرب والاسرائيلين(4).

المنظمات غير الحكومية والنظائر الاهلية:
تطرح المنظمات غير الحكومية نفسها تكاذبا بوصفها ليست حكومية فيما تثابر على استباق المنظمات الاهلية الشعبية وتخترقها. وتقف المنظمات غير الحكومية من الدولة (المفقرة اكثر من غيرها) موقفا مشبوها وغير قابل للحسم غالبا. ذلك ان تلك الكيانات المشبوهة تعمل لحساب ما هو فائق على كل من الشعوب التي تخترقها اختراقا والحكومات المفقرة. وتخترق المنظمات غير الحكومية التنظيمات الشعبية والاهلية بالوصاية عليها، واستباق نموها وتطورها وتحديد اولياتها وبغواية واستقطاب زعمائها او-و نفيهم الى بيداء معارضة بلا عمود فقرى، أي خارج فضاء السياسة والتنظيم والاجتماع، واحلال آخرين مكانهم. وتتجاوز المنظمات غير الحكومية مراحل تطور وثقافات وخصوصيات المجتمعات التي تستضيفها اقتهارا.

وحيث تفرض المنظمات غير الحكومية اجندتها على الحكومات من برامج السكان الى تنظيم الاسرة، الى تمكين Empower المرأة خصما على الرجل والطفل، تحبط المنظمات غير الحكومية نشوء او-و تستبق التنظيمات الاهلية والشعبية والمجتمع جميعا، لحساب خطاب واجندة خارجية. ذلك ان المنظمات غير الحكومية لا تعبر عن نفسها في مناشط العمل على المستوى المحلي بين الطبقات المحكومة، حيث تعمل على مستوى سياسات الدول والمجتمعات الخارجية. وتحدد المنظمات غير الحكومية تلك السياسات بقوة خطاب واجندة تتصل بمانحين وبممولين خارجيين لهم مصالح تتجاوز بل تحبط المصالح الوطنية. ذلك ان تمويل المنظمات غير الحكومية والاعانات الاجنبية تفرض-مثلها مثل القروض اجندة أولويات اجتماعية معينة، لحساب المانحين او-و دولهم على المجتمع المضيف بقوة التهديد بسحب الاعانات والتمويل والمنح بانواعها بوكالة المنظمات غير الحكومية خصما على الوكالة الشعبية.

لماذا المنظمات غير الحكومية؟
رغم أن بعضنا قد يذكر البدايات الاولى لمفردة المنظمات غير الحكومية، سوى ان تنويعاتها الخيرية الباكرة كانت قد بدأت تنتشر منذ السبعينات وقد تثملت بداياتها منذ الحرب العالمية الاولى في الصليب والهلال الاحمر وجيش الخلاص وجماعات التسلح الخلقي، وكانت الاخيرة-ومركزها الاوربي ففي جينيف- سويسرا- وراء تجيع وتمويل وقيام بعض جماعات الاسلام السياسي في ستينات القرن العشرين، وربما باكرا في امريكا. وكان لتلك الجمعيات وغيرها من المنظمات الخيرية طابعا عالميا او- إقليميا. وفيما بعد اتصل انتشار المنظمات غير الحكومية بسياسات التنمية والتكييف الهيكلي Structural Adjustment Policies SAP)) وديون التكييف الهيكليStructural Adjustment Loans (SAL) سيئة السمعة. وقد تمأسست الاخيرة على ممارسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكانت تلك السياسات تتعين على مواجهة الرفض والاحتجاج الشعبي في مجتمعات باتت تلك السياسات تفقرها تباعا وعلى نحو غير مسبوق. ولعله من المفيد تذكر ان رفض سياسات البنك الدولي بدأت باكرا، وقبل ان يتنبه كثيرون بل قبل ان يدرك معظم العرب والأفارقة وعي السودانيين بخطورة الصندوق والبنك على استقلال السودان الاقتصادي والسياسي والثقافي والفكري جميعا. فقد خرج السودانيون يتظاهرون في بداية سبعينات القرن العشرين وهم يجأرون "لن يحكمنا البنك الدولي".

وقياسا فان المنظمات غير الحكومية اخذت على عاتقها منذ بداياتها الناشطة التي نعرفها اليوم تعمل على خلق شرط امتصاص ما من شأنه ان يندلع من الرفض والسخط الشعبي على سياسات الافقار المنظم ماديا وفكريا وتنظيميا. فقد كان منوطا بالمنظمات غير الحكومية مواجهة الحركات الشعبية ،واحباط شرط اندلاعها، كما كان منوطا بها احلال طاقم قيم ومفاهيم ناسخة لطواقم قيم ومفاهيم حركات الاستقلال واليسار التقليدي كما كنا نعرفه. ولذلك فإن المنظمات غير الحكومية كانت بهذا الوصف وما تبرح كائنات مستوردة. وقياسا تصدر المنظمات غير الحكومية عن العولمة والرأسمالية المالية والشركات متعددة الجنسيات والاعمال الكبرى والمخدمين والمستثمرين الأجانب التي كانت تسعى لتوسيع هوامش حركتها هي خصما على فضاءات المنظمات المدنية والمطلبية والاهلية الشعبية وحركاتها الشعبية. ورغم ان خطاب المنظمات غير الحكومية حرص على ان يكون مألوفا ولا غبار عليه، بل مرغوبا ومؤتلقا وساحرا، فقد انتحل خطاب المنظمات غير الحكومية واجندتها مسميات أخادة مثل حقوق الانسان، وتمكين المرأة، وتنظيم الاسرة .. الخ الا ان اجندة معظم المنظمات غير الحكومية ان لم يكن اغلبها تصدر في الواقع عن الغايات التي يريدها الممولون الدوليون وشروط الشركات متعددة الجنسيات والعولمة على الخصوص. وقد تمأسست اجندة معظم تلك المنظمات وزعمائها من الشرائح الاجتماعية الوسيطة فوق شعارات ما بعد التصنيع، وتعينت على تمرير سياسات اقتصاد التصدير والاسواق المفتوحة المهيكلة لصالح العولمة والرساميل عابرة الحدود القومية.

واجادل انه اذ تخترق المنظمات غير الحكومية المجتمع فكريا وتنظيميا فانها تغدو وسيلة ناجزة للعولمة واداتها. فقد احلت المنظمات غير الحكومية مكان النظائر التقليدية والحديثة المعروفة في المجتمعات قاطبة تنويعات مقولبة او-و مهجنة بل حتى معدلة جينيا بحيث بات كل شيء يشبه كل شيء وغدا لكل شيء ثمن، ولم يعد لأى شيء معنى أو قيمة.

تنويعات المنظمات غير الحكومية ما بين معاداة الدولة ولعق حذائها:
مرت المنظمات غير الحكومية بأطوار منها المتسارر والمعلن، ومنها ما رأت فيه الدولة خطرا عليها فراحت تقننه وتحجمه، واحيانا تحرمه مثلما في مصر، ومنها من تعلم من تجربته لاحقا. وقد اصحبت الدولة كما في السودان مثلا تحتوى المنظمات غير الحكومية، مثل منظمة حقوق الانسان بعد ان عادتها وصادرتها. وتتعين بعض الدول على الاستئثار ببعض تلك المنظمات بحيث تستبق اجندتها وتحولها الى صالح الدولة القائمة او-و لصالح التابعين لتلك الدولة. وحيث تبدو المنظمات غير الحكومية وكأنها تناصب الدولة العداء فهي الى ذلك تعين على اختراق المنظمات الشعبية والأهلية المناظرة لها في المجتمع المعين. ويلاحظ الناس في كل مكان كيف اخذت المنظمات غير الحكومية تحتل مكان تراتبات المجتمع المدني من التنظيمات الشعبية والمطلبية وغيرها في معظم مجتمعات العوالم الثالثة والرابعة والعصر حجرية على الخصوص. على انه من المفيد ملاحظة ان بعض قوانين تنظيم ومراقبة المنظمات الخيرية - وهى بدورها غير الحكومية - في بعض المجتمعات كالأردن ومصر والجزائر وغيرها - يحرم تسيس المنظمات غير الحكومية مع ان المنظمات غير الحكومية تدعى انها غير ذلك.

وللمنظمات غير الحكومية تنويعات فوق قومية منها صندوق النقد الدولي الذى اجادل انه تنويعة "دولية". فصندوق النقد الدولي يتجاوز الدولة - شراح السلطة - والشرائح أو الطبقات المحكومة. ومثلما تخصى المنظمات غير الحكومية المجتمع المدني والاهلي جميعا جراء التمويل والاجندة الخارجية، فان صندوق النقد الدولي يفرض على المجتمع المضيف قروض البنك الدولي الذراع التنظيمي لصندوق النقد الدولي شرطيات conditonalisties واجندة معينة من "التنمية" الاقتصادية بوكالة دول مخصية بالتمويل والعون والديون الخارجية، ممن يمنح ويمنع. ويتضح تبادل اعتماد صندوق النقد الدولي والمنظمات غير الحكومية فيما يتصل بفرض مواثيق ومعاهدات واتفاقات دولية حول التعددية الحزبية وحقوق المرأة وحقوق الانسان انتقائيا. فلا تمنح وتمنع الاعانات والدعم المالي بشرطيات صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي فحسب، وانما قد تواجه الدول بالحصار الاقتصادي أو حتى الحرب باسم الدفاع الانتقائي عن حقوق الانسان، وحقق المرأة في الذهاب الى مصفف الشعر، أو الباديكيريست، كما تبين إبان تسويغ اجتياح أفغانستان مثلا.

ويلاحظ كيف تأخذ الجمعيات غير الحكومية بإحراج الدولة وادخالها في مطب قابل للجدل حول موقف الاخيرة من المرأة، وتمكين المرأة .. الخ. قد راحت المنظمات غير الحكومية - مجهولة النسب محليا فلم يكن لها اصل ولا جذور تاريخية قومية قوية حتى منتصف التسعينيات في المجتمعات العربية وغيرها – راحت تصدر- بشرطيات معولمة - الى امتدادات نفوذ الكوننة خصما على المجتمع الأهلي والمدني ان شئت. وتتنافس تلك الكائنات المعاد تعديلها جينيا– سياسيا وتنظيميا وتمويليا والمنظمات الاهلية، وتنافس تراتبات المجتمع المدني على كل من الحيز المكاني والعضوية والتمويل. واذ كانت المنظمات غير الحكومية مسلحة بأجندة ومدعومة بأموال الشركات متعددة الجنسيات، أو بما لا يتعارض والعولمة أو بأواليات التنمية الرأسمالية ما بعد الصناعية -والاصلاح الاقتصادي والخصخصة - فانها حرية بان تبذ وتفوق وتزايد على فتتفوق بمراحل فلكية تنظيميا وماديا، على التنظيمات الشعبية الحضرية التقليدية. وخصما على الاخيرة. بل ان تلك المنظمات المشوَهة المشوِهة لما عداها حرية بان تتفوق على ما عداها. وقياسا فان التنظيمات الشعبية وتلك الكيانات المؤلفة للمنظمات الاهلية التقليدية أو ما يسمى بالمجتمع المدني- كما كنا نعرفه في الستينيات وحتى منتصف أو نهاية السبعينيات- ما تنفك تختفى وقد راحت تبدو كأنها اخفقت؛ وقد اخفقت في الصمود امام الهجمة المنظمة من قبل المنظمات غير الحكومية عليها.

غواية الناس بالحرية ومصادرتها:
عدد ترومان الحريات الامريكية في اربع: الحرية من الخوف، والحرية من الحاجة، وحرية الاقتراع، وحرية العقيدة. ويلاحظ الناس كيف تحرّم المنظمات غير الحكومية والخيرية والمانحين على الشعوب المخضعة لنموذج التنمية أو الخراب الأمريكي الحرية سوى حرية الموت جوعا في كثير من المجتمعات المفقرة. وتحل المنظمات غير الحكومية في كل مكان حرية العبث بمقدرات الشعوب المخضعة للدمقرطة على الطريقة الامريكية وللمعونات الشارطة لتلك الديمقراطية مكان الحرية من الخوف، والحاجة، وحرية الاقتراع والعقيدة. ولا تعرف المنظمات غير الحكومية بانها ليست حكومية وحسب وانما والاهم بانها ليست أهلية شعبية. وتعمل تلك الكيانات بهذا الوصف لما هو فائق على كل من الحكومات والشعوب التي تخترقها اختراقا. وتخترق المنظمات غير الحكومية التنظيمات الشعبية والاهلية بالوصاية عليها واستباق نموها وتطورها وباستقطاب زعماءها واحلال اخرين مكانهم و تحديد الاولويات الجماهيرية والشعبية. وتتجاوز المنظمات غير الحكومية والخيرية كعادتها في كل مرة ومع كل جماعة تتعين على ادعاء "تطويرها" مثل المرأة والشباب والطبقات الوسيطة والمتوسطة- تتجاوز مراحل تطور وثقافات وفئات العمرAge Groups والطبقات الاقتصادية الاجتماعية وخصوصيات تلك الجماعات. وحيث تفرض المنظمات غير الحكومية والخيرية أجندتها على الحكومات من سياسات السكان الى تنظيم الاسرة الى تمكين المرأة خصما على الرجل والطفل تحبط المنظمات غير الحكومية وتستبق شرط نشوء التنظيمات الاهلية والشعبية. ولا تتمثل المنظمات غير الحكومية في مناشط العمل على مستوى المحلي بين الطبقات المحكومة وحسب.

وأجادل أن صندوق النقد الدولي تنويعة "دولية" على المنظمات غير الحكومية. فصندوق النقد الدولي يتجاوز الدولة - شراح السلطة والشرائح أو الطبقات المحكومة. ويفرض صندوق النقد الدولي اجندة معينة من "التنمية" الاقتصادية والاجتماعية أي نموذجا للتنمية Development model. ويتضح تبادل اعتماد صندوق النقد الدولي والمنظمات غير الحكومية فيما يتصل بفرض مواثيق ومعاهدات واتفاقات دولية حول التعددية الحزبية وحقوق المرأة وحقوق الانسان انتقائيا. فلا تمنح وتمنع الاعانات والدعم المالي بشرطيات صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وانما قد تواجه الدول الحصار الاقتصادي أو حتى الحرب باسم الدفاع الانتقائي عن حقوق الانسان وحقوق المرأة مثلا.

كيف يكرس فيروس المنظمات غير الحكومية الاستبداد باسم الديمقراطية:
يلاحظ الناس كيف منيت التنظيمات الاهلية والشعبية بخلخلة صفوفها على مر السنين مما خلق سياقات وعمليات تدمير شرط نمو وازدهار الابداعات الشعبية والفردية. وقياسا فقد بات اقتباس واستمداد تنويعات التنظيم الأهلي الريفي والبدوي والحضري المركب بطبعه وتاريخه جراء المواجهات المكوننة للتنظيمات الاهلية والريفية والبدوية الحضرية جميعا. وقد يسرت الدولة ما بعد القومية مرة السمسرة في عمليات تدمير الابداعات الشعبية والفردية. ومرة اخرى تعينت على استلابها لحساب مشاريع فائقة للقومية كمشروع الاسلام السياسي المعولم وبرامج العولمة. فبعض مشاريع الاسلام السياس تنزع نحو برنامج معولم لـ"التنمية" فيما لا يستنكف بعضها تكريس الحرب بين الجنسين خصما على الصراع الطبقي.

وكان القائمون على فبركة النظائر المحدثة وما بعد الحداثية – أو ما بعد التقليدية من الحضريين أو "حضرفيين" Rurbanٌ أو مريفي الحضر من الزعماء الجدد على غرار كافة "المجددات" والمابعدويات قد وجدوا - بوعى أو غير وعى- انفسهم يرتمون على التعددية الحزبية أو المنظمات غير الحكومية رغم ان الاخيرة بدائل مفرغة من المحتوى لنظائر تقليدية أو محدثة من التعاضديات الشعبية الريفية والبدوية وتراتبات ما كان منوط به تفعيل مجتمع مدنى حضري. ويتصل ادعاء الدولة للابداعات أو المقتبسات الشعبية فتتنافس الدولة ما بعد القومية والقائمون على المنظمات غير الحكومية من الفاعلين الاجتماعيين Social Actors or Single Actors وكان الاخيرين بدائل للطبقات. هذا فيما تشخصن العلاقات الفردية بين شرائح السلطة القائمة واعضاء المنظمات غير الحكومية الصراع. وقد يلاحظ الناس كيف ان شخصنة الصراع بين تلك الجماعات حرية بان ترجع غيرة الكائنات الدنيا من ذكور الحشرات أو الحيوان على الحياض و"الاناث". ولعل مفهوم تلك الذكورة البدائية او-و السلطة الاستبدادية تنويع على سلطة الدولة المشرقية الطاغية. ذلك ان الصراع المشخصن على المواقع والادوار يغدو وكأنه تعبير عن ذكورة بدائية لا تسقيم بغير احتكار السلطة كاملة، لا منقوصة أو متقاسمة. وقياسا فان انتحل بعض اعضاء المنظمات غير الحكومية صفة النخب او-و الطبقات الوسيطة أو الرخوة فان بعض جماعات الاخيرين قد تطرح نفسها بديلة للدولة.

العون الغذائى ونشوء المدن الديناصورية:
لاحظ الناس باكرا تعالق العون الغذائي والهجرة العنيفة من كل مكان الى كل مكان ونشوء المدن الديناصورية وحضرفة Ruralization المجتمع المتلقي للعون الغذائي. ذلك ان كيمياء ومكونات البعد المكونن من "تنمية" المجتمع المضيف للمنظمات غير الحكومية والخيرية بوصف ان الاخيرة كما الخنفساء التي تسبق العقرب عشية موسم الخريف وزوابع المطر-من شأنه ان يخلق شرط كل من:
- خصخصة وبيع القطاع العام
- وتصدير الثروات الطبيعية ورأس المال البشرى
- وخلق عوامل الطرد-فنشوء المدن الديناصورية Mega Cities
- وتصل نسبة السكان مابين 35%الى 65% في معظم المجتمعات العربية واكثرها ترييفا مثل نواكشوط والخرطوم. انظر(ى) الى كيف تتجاور احياء سكنية في العواصم والاحياء المفرنسة – أو المؤمركة، الفخامة والبذخ وضواحي "القصبة" الموصوفة بالفقر ومن ثم بالعنف والانغلاق على نفسها في "مجتمعات مستقلة" مما ينتشر في ضواحي مدن شمال افريقيا وكيف يتجاور قصر الوزير وكوخ الفقير وتتجاور فنادق الخمس نجوم- فندق الطاحونة- ووكالة غوث اللاجئين -غزة لك ان تلاحظ(ي) أيضا كيف تتواجه احياء سكنية تبذ ولايات امريكية برموز وجاهة الثراء المتواقح على تراثه وتقاليده - القاهرة مثلا - شارع الجامعة العربية مما يمتد ما بين "سانتا فاطيما" وامبابة حيث لا يتوفر ماء شرب نقى وترتفع نسب الجريمة المنظمة حيث يشكل الناس حكومتهم ورجال امنهم الخاص فيستعصى مجتمعهم ذاك على درك الدولة - مثل نظائر امريكية كالشارع السابع - حيث تقع هارلم - في نيويورك أو الحى السادس عشر في واشنطون - قبل التطهير السكانى في 1985- والاحياء الفقيرة في سانت لويس واحياء السود المصنوعة من الكرتون في لوس أنجلوس- على مرمى حجر من هوليوود الخ الخ.

- وهجرات العمل الحى العنيفة - في وجه الاضطهاد الاقتصادي والثقافي والديني وغيرها-من كل مكان الى كل مكان فان الدولة ما بعد القومية-ما بعد التقليدية-تتشوه مجددا بتكريس الاستبداد.

وتغدو الدولة ما بعد القومية - ما بعد التقليدية- بالذات - تلك الكائنات المشوهة والمشوهة-من الدكتاتوريين الطغاة - المستبدين "الشرقيين"- أو "المشورقين- بعض رؤساء الجمهوريات-الوراثية- الاسراتية- تغدو- في غياب البدائل وتغييب المعارضة- سمسارة عن أو مقاولة في عمالة ترحيل العمل الحى- الماهر غالبا- الى اسواق عمل اقليمية تسترخص مهارته وتحجر على اذ تتطير من قدرة العمل الماهر التنظيمية. فلا تؤدى عوامل الطرد الى خلخلة اهم شرائح المجتمع سكانيا وانما وايضا تدعم المخدمين واصحاب المال-الشركات متعددة الجنسيات خصما على اعادة التوزيع حتى اذا كان فارقا وتعود مجددا فتفاقم اعادة هندسة التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية- نمط الانتاج- بشرذمة صفوف الطبقات أو الشرائح المتوسطة والوسيطة-التماس-فيما يشارف الاطاحة بهما على نحو مقلق. ذلك ان خلخلة الشرائح الاجتماعية وفئات المنتحين بخلخلة الريف والبوادى وترييف المدن بأعداد متزايدة من "الحضريين" المهمشين اقتصاديا وثقافيا راحت تنذر لأول مرة بواجهة غنى مادى وفقر ثقافي لا مسبوق وفقر مادى واضطراب ثقافى لا مسبوق على مبعدة نصف ميل من بعضهما البعض. وان ذلك التواجه- مما قد لا يزيد على نصف ميل احيانا- بل حتى المتاخمة المباشرة بين فقر لا مسبوق وثراء فاحش – يعبر عن نفسه في المجتمعات العربية المفقرة كاليمن والسودان وموريتانيا مثلا فتتواجه احتمالات الانفجار بخطر الاحتكاك الاستفزازي المباشر بين الفقر والغنى في اكثر المجتمعات العربية "تطورا" وتحديثا" - مظهريا على الاقل- مثل مصر والجزائر ولبنان . من ذلك على سبيل المثال لا الحصر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين - بعد 1982 -على الاقل-و فلسطين - المفقرين من عمالة التراحيل الإسرائيلية القابلين للاستغناء عنهم بمعدلات عالية بمحض تواتر حالات الاغلاق او-و باستيراد عمالة جنوب شرقى اسيا - لحساب اثرياء اتفاقية اوسلو الجدد- والعائدين ومخيمات للاجئي 1948(5)

المنظمات غير الحكومية والافقار غير المسبوق:
فيما يتبدى ان الطبقات في حد ذاتها والطبقات الرخوة المائرة او-و التنظيمات المطلبية والتعاضدات المذكورة قد اطيح بها فان تضعضع فئات عريضة من الاخيرة افسح فضاءات واسعة بصورة غير مسبوقة لفئات مجددة من الطبقات أو الشرائح الاجتماعية من افراد جدد ممن اعرفهم باصحاب المال الجديد وبائقى الاذهان والافراد المفردين Individualised individuals ما بعد العقلانيين Post-Rational individuals. وتستقطب المنظمات غير الحكومية أولئك الافراد المفردين وتفرد افراد لحساب مفهوم الفرد العقلاني الذى يتعين تكاذبا على تحقيق مصالحه بوصف ان ذلك تحقيقا لمصالح المجتمع. ذلك ان مجموع مصالح أولئك الافراد العقلانيين المفردين يؤلف مصلحة المجتمع بالوصف العقلاني- اى المزوق. ويعنى المجتمع هنا الجماعات المستقطبة في والنازعة نحو التوفر على تحقيق شرط نمو العولمة والجماعات المعولمة وعلى رأسهم الاوليجارجيات المالية من سادة الكون الماليين. وما تنفك المنظمات غير الحكومية بهذا الوصف تنمي وتشجع وتنشر فكرة ان أولئك الافراد عنوان على التنمية على الطريق الامريكية وايقونتها معا. ويكرس تمويل المنظمات غير الحكومية ضمان اجندة نمط "تنمية" يتعين على اعلاء وترفيع و"تمكين" Empowering جماعات خصما على اخرى وقوميات واثنيات على غيرها ونوع Gender على اخر . ولعل مما قد يلاحظه الناس كيف ان بعض المنظمات غير الحكومية قد تأخذ على عاتقها التوفر على "تنمية" بعص شرائح سكانية ومناطق معينه ممن تستظرف أو تستلطف تاريخيا ونوعيا أو اثنيا اجندة العولمة. والى ذلك تلعب المنظمات غير الحكومية دورا خطيرا في كوننة قوميات واثنيات ونوع جنسانوي على غيره قياسا عل البرجوازية الصناعية التي كانت تنمى مجاميع وطبقات ومجتمعات قومية خصما على غيرها. وقياسا فقد يسرت المنظمات غير الحكومية التي تصدر عن تطوير شرائح بعينها -المرأة-اجندة تمكين المرأة الفلسطينية مثلا باحد شرطيات معاهدة اوسلو التي فرضت 9% من ميزانية فلسطين لتمكين المرأة الفلسطينة مقارنة مع ميزانية تنمية القطاع الزراعي في مجتمع زراعي. ذلك ان العولمة تنشط عبر وسائل متعددة منها النسوية الغربية المغالية أو بالاحرى الاصولية Fundamentalist Western Feminism ممن اعرفهن بالنسووقراط Feminocrat في سياق اصولية السوق واقتصاد السوق المسمى حر- the so-called free market في تكريس دور بعض الكائنات – المعدلة جينيا أو المهيكلة على نحو فكري وتنظيمي خاص في برامج ما يسمى "النوع-او الجندر- من اجل التنمية" أو في التنمية Gender in development and gender for development تحت الوية التصنيع-في حيازات مناطق التجارة الحرة Free Trade Zones (TZs) ومناطق الصناعة التحويلية الحرة Free Processing Zones (FPZs) والكويز وغيرها من حواشات اقتصاد التصدير الى الاسواق المفتوحة - للاقوياء الاثرياء خصما على المستضعفين المفقرين وعلى التنمية الاجتماعية الاقتصادية المستدامة لحساب المراكمة ما بعد الرأسمالية المالية عابرة الحدود القومية.

ويلاحظ الناس في كل مكان انه ان راحت الرأسمالية ما بعد الصناعية المالية بالنتيجة تنمى افراد وفئات وانواع خصا على اخرى فانها كانت حرية بان تكونن بالضرورة اؤلئك الافراد والفئات والانواع بغاية ان تجعل منها جماعات فائقة على القومية وعابرة للقوميات تأتمر باوامر فوق قومية وتنزع نحو غايات عابرة للقومية. ومن ابرز النماذج التي تعينت بعض المنظمات غير الحكومية ومعظم المانحين الغربيين المرأة العربية و نظائرها في كل مكان.

- ارتهان المجتمع المدني بالمنظمات غير الحكومية :حصار وتشويه المجتمع المدني :
يلاحظ كيف اخذت المنظمات غير الحكومية تحتل مكان تراتبات المجتمع المدني من التنظيمات الشعبية والمطلبية وغيرها في معظم مجتمعات العوالم الثالثة والرابعة والعصر حجرية على الخصوص. ويكرس قانون الجمعيات الخيرية تحريم تسيس المنظمات غير الحكومية تكاذبا بالطبع الا ان ذلك بقى من شأنه تقنين نشاط تلك الجمعيات بهذا الوصف, فان بقى شرط أهلية المنظمات غير الحكومية يشترط (تكاذبا) لوقت طويل "عدم تدخلها في السياسة" حتى لا تطرح السؤال الذى يشارف الخطيئة المميتة وهو " لماذا يبقى المفقرون فقراء؟" الا ان بعض ض المنظمات الخيرية الدولية مثل اوسكفام Oxfam لوقت طويل غير مسيس. فقد كان شرط أهلية المنظمات غير الحكومية-الخيرية الدولية مثل كريستيان ايد وكافود واوكسفام قد بقى لوقت طويل هو عدم تسيسها وعدم تدخلها في السياسة وذلك بغاية الا تطرح تلك المنظمات بالذات السؤال الذى يشارف الخطيئة المميتة وهو " لماذا يبقى المفقرون فقراء" مما تعرضت اوسكفام مثلا في نهاية الثمانيات بسببه لاحتمال سحب رخصتها واغلاقها اذ تسأئلت عما يبقى الدول الافريقية جنوب الصحراء فقيرة بلا امل في النمو.

المنظمات غير الحكومية وانكار مفهوم المجتمع:

لعل السؤال هو هل تفرغ كيمياء حلول المنظمات غير الحكومية والخيرية في مجتمع مضيف ذلك المجتمع من مكوناته التقليدية والحديثة معا؟ اجادل انه حيث تتعين المنظمات غير الحكونية على تفريد الفرد واستقطاب جماعات بعينها خارج التراتب والتماير الطبقى فانها لا تكرس بهذا الوصف مفهوم المجتمع اللا طبقى وحسب وانما تنكر فكرة المجتمع اصلا. وكانت مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا المحافظة قد جأرت بداية ثمانينات القرن العشرين بان "ليس ثمة ما يسمى مجتمع" There is no such thing as society. وقياسا فان رفض فكرة المجتمع ومن ثم التمايز والتراتب والصراع الطبقى قد تمأسس على تفريغ مفهوم المجتمع من كل من البعد التاريخي والطبقي والديمقراطي جميعا مما يسر كما تيسر بالحلول الطاغي اقتصاديا وتنظيميا للمنظمات غير الحكومية والمنظمات الخيرية مكان المجتمع المدني. فاذ لم تعد ثمة طبقات فان ادعاءا ملحاحا يقتصد في قول الحقيقية يزعم تمثل مجتمعات "لا طبقية" Classless Societies أو بان ليس ثمة شيء اسمه المجتمع. وقياسا فان لم يعد أو يكن ثمة مجتمع فلا فضاء للعمل الجماعي ومن ثم لا مكان للمجتمع المدني مما يغدو حريا بان يجرف الديمقراطية في اهم تراتباتها الشعبية فيما يلقى بالأحزاب السياسية في عراء المشاركة الاهلية من ناحية.

ومن ناحية اخرى فان انكر العمل الجماعي فان الاصرار على نهاية الصراع الطبقيClass struggle في مجتمعات المشروع ما بعد الرأسمالي تنذر بتفريغ الحياة السياسية من محتواها الليبرالي. ومن المفيد تذكر انه فيما تبشر العولمة –الرأسمالية المالية-ب بوكالة الصهيونية العالمية بما يسمى تخاتلا "الرأسمالية الشعبية" Popular Capitalism فان:

- شرائح من المعدمين أو ممن هم دون الطبقات Under-classes

- شرائح اخرى فوق الطبقات Super Class حرية بان تعبر عن نفسها بوصفها خليقة بالقيام بدور واحتلال مكانة المجتمع- التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية والمجتمع المدني والاهلي والشعبي.

ذلك ان المنظمات غير الحكومية والخيرية غالبا ما تكون قد تجاهلت معظم التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية وبالمجتمع المدني والأهلي والشعبي جميعا. ذلك ان المنظمات غير الحكومية والخيرية تستبق الاخيرات فيغدو من ثم لا مجتمع ولا طبقات فيما يحرم التجاسر على اشعال صراع طبقي من اجل التشكل مجددا خارج اعتبارات المراكمة الرأسمالية المالية.

وقياسا فان "التغيير" يدار فوقيا في غياب وتغييب مفهوم المجتمع المدني والتمايز الطبقي وغيرها. ذلك أن متفوهات - تخرسات- كل من اليمين الجديد و-ما بعد اليسار-الطريق الثالث The Third Way -كانت قد اخترقته باكرا الليبرالية الجديدة لحساب الصهيونية العالمية تحت راية المحافظين الجدد بكل ما بات يسمى ما بعد اليسار تجاوزا لليمين واليسار التقليديين . وكان الطريق الثالث The Third Way قد اعاد تصنيف التمايز الطبقي في 1999 على اساس مهنى Professions وليس بالطوائف الحرفية Trades and vocations بالطبع. فغدى الممثلون والفنانون يتبعهم اساتذة الجامعات والممرضون والممرضات طبقة-بريطانية مثلا-وسطية علياUpper Middle Class. وقد جاء الاطباء والمحامون ورجال الاعمال الصغيرة في هذا التراتب قبل الجيش والبوليس والعمال المهرة يتبعهم باقى العمال. ويرجع (بشد وكسر الجيم) هذا التصنيف مفهوم الفرد العقلانى والفرد المفرد مما ناقشته في بحث اخر بصورة اوسع.

فان تخلق المنظمات غير الحكومية والخيرية والعون الغذئي والانساني شرط تشوه المجتمع تمهيدا لدماره بسمسرة شرائح وسيطة وعليا تلحق نفسها بسادة الكون والرأسمالية المالية فان المانحين ما ينفكون يتبرعون مجددا من اجل اعادة تشكيل المجتمع المضيف للإعانات وعمال المنظمات غير الحكومية وانغالهم الفرانكيشتانية تتعين على تدمير المجتمع. وتتضح تلك الممارسات في تطبيقاتها على المرأة وعلى اعضاء الطبقات المتوسطة والوسيطة قبل غيرها. فرغم ان سادة الكون والرأسمالية المالية بقيت تعشق الطبقات المتوسطة والوسيطة كونها جماعات مستهلكة بالضرورة للسلع المادية وغير المادية الا ان الرأسمالية المالية لم تلبث ان اذرت بالطبقات الوسيطة والمتوسطة جراء انخفاض الاجور. سوى ان ذلك لم يمنع الرأسمالية المالية من ان تتعين على غواية ما الطبقات المتوسطة والوسيطة بالديون الفردية والجمعية مما لم ينفك ان اودى بتلك الطبقات مثلما نري في المجتمعات الاوربية الغربية الغنية مثل اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال وجمهورية ايرلندا ونظائرها في ايسلندا وفي الولايات المتحدة.

فقد تعين مشروع المانحين بتنويعاته اللامتناهية وعلى رأسها المنظمات غير الحكومية والخيرية بالمنح والهبات والمساعدات للمجتمعات المضيفة للأخيرة تعين مشروع المانحين بهذا الوصف على تشويه الاسرة ومؤسسة الزواج والعلاقة بين الجنسين والطفولة والامومة من ناحية. وتعين من ناحية اخرى الى ذلك على تشويه اليسار واحلال افراد وجماعات مفردة مكان الطبقات المتوسطة والوسيطة. فان استقطب المجتمع على مدى الثلاثين عاما الماضية بين حكام ومحكومين فقد اذري بالطبقات الوسيطة الا ما خلا ما لا يزيد على %2 أو1% منها في كل مكان. ولم تعد تلك الطبقات تقوى على امر وقد انخفضت الاجور بصورة غير مسبوقة فلم يبق سوى ان يستدين الناس ليواصلوا حياتهم غير العادية مما لم يبق لهم معه سوى القنانة أو ما يشارف العبودية لرأس المال المالى مما يلاحظه الناس في كل مكان.

المنظمات غير الحكومية والجماعات غير المنتخبة:
باتت منذ ثمانينات القرن العشرين اقليات غير منتخبة أهم من أغلبيات الناخبين. فالنواب اهم من قاعدة الحزب فيما يفعم قادة واعضاء المنظمات غير الحكومية وما يسمى بالمنظمات المستقلة غير حكومية- الكوانجوزQuasi Autonomous Non-Governmental Organisation QUANGOs)) فضاءات التعبير والتنظيم. وتتعين تلك الاقليات منذ الثمانينات على اشاعة الاضطراب الفكري والتنظيمي. ولعل لها دور في احلال ما يسمى بالفوضى الخلاقة (لمصلحة خصوم العرب والمسلمين وخصما على الاخيرين). ويتعين معظم اعضاء المنظمات غير الحكومية والخيرية والعون الإنساني والغذائي على ترويج لغة العولمة وعواية الناس بها ونشر المفاهيم الرأسمالية المالية من مجتمع الفرص Society of Opportunity والخيارات وسيطرة الفرد على حياته The Individual’s control over his or her lifeفي وقت لم يعد الفرد يملك فرصا ولا خيارات ناهيك عن السيطرة على حياته تحت وطأة الشروط الذاتية للمراكمة الرأسمالية المالية. ذلك ان الاخيرة تتطير من بل تجرم اعادة التوزيع ولا تخلق عمالة وتنافس المنتح على الاجور بوصف ان الرأسمالية المالية عدو الاقتصاد السلعي.

فقد انخفض القطاع السلعي في ثمانينات القرن العشرين الى 25% من الناتج المحلى الإجمالي ولم ينفك ان بات اقل من 6% في اكثر المجتمعات الاوربية تصنيعا. ذلك ان عمالة الانتاج السلعي صدرت الى الخارج فيما بات افضل ما يحصل عليها الفرد من فرص العمالة هو الانتاج الخدمي. وما ان عصف بقطاع الانتاج السلعي حتى اذري بالعمل الجماعي والمطلبي وبالديمقراطية الليبرالية كما نعفرها لحساب الديمقراطية ما بعد الليبرالية. فقد اكتسح فرسان الديمقراطية ما بعد الليبرالية فضاء المجتمع المدني والبرلمان كما فعل المبشرون بالثقافات والقيم والمعايير السابقة على "التنوير". وكان "التنمويون" احتكروا ساحة الفكر والتنظيم في السبعينات حتى منتصف الثمانينات فراحوا بدورهم يستلبون فضاءات التنظيم والتعبير الاقتصادي الاجتماعي. وكانت فكرة "التنمية " development أو "تنمية العالم" باقتصاد السوق الأصولي والدولة ما بعد القومية والتفريد قد عرفت المجتمعات غير الصناعية باكرا منذ نهاية الاربعينات وبالتحديد يوم توليه الرئيس الأمريكي ترومان في 20 يناير عام 1949 بالمجتمعات المتخلفة" underdeveloped فألصقت المفردة من يومها بالمجتمعات غير الصناعية واللاغربية عموما.

و قد انطلق الغرب بعالميه تحدرت من القديس بولص الرسول عبر حركة "التنوير" وحتى هزيمة النازية في الحرب العالمية الاولى نحو "تحديث" و"تطوير" وتنمية" تلك المجتمعات تكاذبا حتى "تلحق" " Catch- up to" بالمجتمعات " المتقدمة" . و تقبل " الجنوب" ذلك " القدر" محتفلا مرة لما تحمله المفردة من تضمين بصيرورة نحو النمو مخاتلة وبإحساس بالتقصير والشفقة الذاتية. فلم يلبث المتخلفون ان كرسوا احساس " الشمال " المتطور ومنفذي سياسات التنمية والنمو واللحاق وتبادل الاعتماد الاختياري أو المقتهر المتزايد بالصلافة.

المنظمات غير الحكومية والتفويض الشعبي:
ليس للمنظمات غير الحكومية والخيرية ذا التمويل الاجنبي تفويض شعبى سوى انها تستبق وتتحدث باسم فئات بعينها ممن بقي من اعضاء الطبقات الوسيطة. وقياسا فان المنظمات المستقلة الشبيهة بالمنظمات غير الحكومية (QUANGOs) الكوانجوزQuasi Autonomous Non-Governmental Organisation جماعات غير منتخبة وهى كيانات فائقة على الاحزاب والدولة الساسة الاحزاب والدولة والساسة فان كانت الاخيرة غير منتخبة سوى انها تطرح نفسها وكأنها بدائل للدولة وللساسة. وتتمثل خطورة المنظمات غير الحكومية في انها تتقارب من الفئات الشعبية وتقود الشباب مثل نعومي كلاين. وتمثل الاخيرة نموذجا خطرا على الفئات الشعبية الشابة التي تجد انها تملك التماهي مع نعومي كلاين اكثر مما تتماهى مع نظائر شعبية اخرى. فتلك النماذج تعمل خصما على كل من الساسة مهما كانوا فهم منتخبين وعلى الحركات الشعبية التي تمنى بخصوف شبه كامل امام اشعة ضوء المنظمات غير الحكومية وزعمائها. وكان بعضهم نجما من نجوم الغناء أو السينما والاحرى قيد يغدو بعضهم بدوره نجما مثل نجوم السينما وكرة القدم والتليفزيون.

ويعمل بعض اعضاء المنظمات غير الحكومية مع الجماعات المتمردة في معسكرات اللاجئين من سييراليون الى افغانستان بحجة الا سبيل لتقديم العون الغذائي بسوى التعاون مع المتمردين. على ان حق الناس في الغذاء والماء والدواء والعون الغذائي والانساني ليس عملا خيريا وانما حقا لافراد وجماعات لها حقوق انسانية وكرامة وان من حقها مساءلة تلك المنظمات غير الحكومية فيما تقعل وما تترك بشأن التعامل مع وتقديم المساعدات لتلك الجماعات. وتباعد المنظمات غير الحكومية ما بين المانحين والمتلقين لـ"الصدقة" ما بعد الرأسمالية ما بعد الحداثية. وقياسا تفوح الفضائح من كل نوع حول سيرة منظمات الغوث والمنظمات غير الحكومية. ويستغل عمال الاغاثة وحتى قوات حفظ السلام حاجة الناس، للحصول على "جمائل جنسية"، مما سجل باكرا في كامبوديا والكونغو برازافيل وجنوبي افريقيا منذ بداية القرن فيما تستدعي تلك المنظمات مفردات ولغة أبوية تجاه الاسيويين والأفارقة.

وتستخدم المنظمات غير الحكومية لغة التبرع والعمل الخيرى على سبيل استخدام اللغة الابوية الخيرية الفيكتورية المسيحية، ولغة الرأسمالية ما بعد الصناعية التي تجأر بتمكين الفرد وتوفير شرط سيطرته على خياراته في الوقت الذى يستلب فيه السيطرة على حياته بكاملها، ناهيك عن اختياراته اكثر من أي وقت مضى. ولا تختلف لغة وخطاب المنظمات الخيرية والمنظمات غير الحكومية عن لغة "التنمويين" Developmentalists ما بعد الحداثيينPost- modernists تشارف خطاب نظرائهم الكونسكتادوريس- Conquestadores الفاتحين في المجتمعات المهزومة بما يسمى "الاكتشافات الجغرافية الكبرى".

المسئولية الرأسمالية واولويات المنظمات غير الحكومية الفائقة للقومية:
هل تكمل المنظمات غير الحكومية الدولة ام تتحداها؟ ففيما عدى المنظمات الخيرية الكبرى مثل اوكسفام فثمة دروس يمكن تعملها من استشراء تلك الكائنات دون محاسبة في مجتمعات نائية بعيدة عن الصحافة، وفى غياب مراجعة اللذين تقوم تلك المنظمات على أو تدعى خدمتها. وحيث لا تملك المنظمات غير الحكومية الابنية الديمقراطية في داخلها فان تغلغلها لا يزيد سوى ان يكرس غياب المشاركة الشعبية بين اللذين تدعى المنظمات غير الحكومية تطويرهم وتخفيف وهدة افقارهم. ولا يشجع معظم تلك المنظمات على قيام عضوية شعبية في جمعية عمومية تراجع المنظمة غير الحكومية أو الخيرية . فالمانحين ليسوا وحسب خيريين-و من ثم فهم فوق كل محاسبة بهذا الوصف- وانما افراد يدركون ما هم بسبيله بصورة افضل مما يرقي اليه وعي أو طموح أي من المتلقين للعون والغوث وخلافه أو اى عضو في جميعة عمومية للشعب المحتاج للإغاثة أو الاعانة أو للمساعدة من اى نوع. وقياسا يأتى المانحون في المقدمة ويأتى موضوع المنح-اى المتفضل عليهم بالمنح-فى اخر القائمة؟  ومن المفيد تذكر ان اعداد المانحين وعمال للمنظمات غير الحكومية والخيرية قد يفوق عضوية أي حزب سياسي فيما يقفون خارج كل حزب وفوق الحكومة نفسها في كل مكان من المجتمعات الغنية والمفقرة جميعا. وقياسا ترى(ن) ان وزارة المالية البريطانية مثلا تسعى الى تجنيد منظمات دون غيرها لصفة سياسية معينة:
- فمرة لن تحاسب تلك المنظمات الحكومة على سياساتها التنموية
- ومرة اخرى تغدو مهمة تلك المنظمات غير الحكومية تيسير سياسة الدولة التي ينتمون اليها في المجتمع المضيف
- ومرة ثالثة فان مفاهيم العمل الشعبي تغدو رهينة بما تبشر به وتكرسه تلك المنظمات.

وتنشر اجندات جماعات غير منتخبة وغير شعبية لا تملك سوى فاكس وعنوان بريد إليكتروني وحسب سوى انها تملك رسم اجندة تنموية بعينها. ولا تزيد المنظمات غير الحكومية مثلها كمثل نظائرها ما بعد الصناعية سوى أ، تراكم بنائيا نظائر ما بعد رأسمالية فتكرس "التنمية" الرأسمالية ما بعد الصناعية وترتيبا تسوق منتجات تلك النظائر ما بعد الصناعية على انها عملا خيريا "يساعد المحتاجين على مساعدة انفسهم". ذلك ان بعض الاعمال تحتاج المنظمات غير الحكومية لاعطاء اعمالها مصداقية فتوظف الاعمال المنظمات غير الحكومية لهذه الغاية. فغالبا ما توظف الشركات متعددة الجنسيات مثل شركة بنيتون Benetton المتخصصة في ملابس الاطفال التي تجنس الاطفال Children’s ware that sexualises children تلك المنظمات لتيسير تسويق سلعة أو احلال اخرى.

وقد اتضح تواطؤ بعض المنظمات غير الحكومية والخيرية وعمال العون الغذائي مع بعض الصناعات الكيماوية على تسويق العقاقير البائرة او-و تجريب العقاقير الجديدة على مفقري وجياع العوالم الثالثة. ويوفر العون الغذائي مثلا فرصة تجريب المحاصيل المعدلة على من هم ادنى من البشر قبل تقديمه لمن هم في عدادا البشر تحسب لمغبة الطعام المعدل على سادة البشر الحقيقيين. ويتدافع الاخيرون ليس لإرضاء المفقرين وانما لإرضاء المانحين بصور اطفال يبتسمون ممتنين لسخاء المناحين. ويعرف هؤلاء كل شيء تقريبا الا ما هو اهم دون سواه عن المفقرين لان امتيازاتهم تجعلهم عرفاء فلا يسألون المفقرين ما يريدون حقا انما يستغني عمال المنظمات غير الحكومية العون الغذائي والانساني والمسئولين عن صرف اموال المانحين تماما عن رأي السكان المحليين فيما يخضعون له من "مساعدات". وقياسا يتعين عمال المنظمات غير الحكومية والخيرية والعون الإنساني على بناء منازل في اقاليم نائية كما في كوجرات بالهند مثلا أو في ادغال افريقيا واسيا وهم الذين لا يعرفون عن مناخ تلك الاقاليم شئيا يذكر أو ينسى. أو يشيد الاخيرون للمنبوذين مثلا مراحيض داخلية في مناطق ليس بها تصريف صحى.

شرح على المتون: المبشرون الجدد ووصاية ملائكة الرحمة:
فيما لا يسعى أولئك الملائكة الرحماء الى التعرف على حاجات الناس الحقيقية فان تلك الحاجات لا تدخل ضمن اجندة المنظمات غير الحكومية والخيرية الخ الا بقدر الابقاء على أولئك المحتاجين احياء وربما مساعدتهم على الموت البطيء. وتفرغ الدول الغنية عبء حمولة مشاكل التعامل المباشر مع الدول المفقرة عبر المنظمات غير الحكومية والخيرية. وحيث يبدو وكأن الدول الغنية تستجيب لمطالب المنظمات غير الحكومية بوصف ان الاخيرة من طبعها ان تدرك اكثر من غيرها حاجات الناس اللذين تخدمهم فان الدول المانحة تزعم ان المنظمات غير الحكومية تحظى بدرجات من القبول لانها تتسم بالبراءة وعدم التحزب السياسي. وقياسا تبلغ ميزانية المنظمات غير الحكومية مئات الملايين من الدولارات ويتقاضى الاف موظفيها عشرات أو حتى مئات الاف الإسترليني والدولار. ويسارع عمال الاغاثة الى اقامة مستوطنات على حواف معسكرات اللاجئين على حدود المدن أو في قلب الغابات تضمن لهم الحياة المرفهة قبل توفير احتياجات المتضررين بالكوارث والحروب. ويتمتع عمال المنظمات غير الحكومية في المجتمعات التي يتعينون على "مساعدتها" بما لا يتمتعون به في مجتمعاتهم اى افضل كثيرا فيتصرفون وكأنهم حكام على الشعوب المهزومة بالعون الغذائي قبل الهزيمة بالحروب الاهلية أو الكوارث الطبيعة. وغالبا ما تقف الحروب الاهلية كواحدة من اليات خلق شرط افقار وهزيمة اطراف الحرب الاهلية بقوة الاسلحة التي تبيعها الرأسمالية المالية او-و توزعها على الطرقين بلا انتقاء الا ما خلا ما يقيض سحق الطرف الذى ترغب الرأسمالية المالية في سحقه لحساب نصراء الرأسمالية المالية وازلامها. وعندما تسفر الحرب الاهلية عن هزيمة أو اضعاف حلفاء الرأسمالية المالية وازلامها تسارع قوات الاخيرة للتدخل لحساب حلفائها. وقد تغمض قوات الامم المتحدة لحفظ السلام بين اطراف الحرب الاهلية العين عن مجازر خصومها بين المتحاربين من اطراف الحرب الاهلية التي تكون المنظمات غير الحكومية قد روجت لمثول حلولها مثلما فعلت تلك المنظمات بتنويعاتها تحت رايات لا متناهية في البوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية وتفعل في افغانستان والعراق وليبيا وسوريا تباعا. ذلك انه ما ان ينذر أو يبشر مناخ نزاع ما بحرب اهلية حتى تسارع المنظمات غير الحكومية القائمة على ما يسمى بالعون الإنساني بجمع التمويل من تبرعات من يهمهم حسم الامر لمصلحة ايديولوجية رأسمالية معينة وتنصب خيام معسكرات اللاجئين ويتفق عمال الاغاثة على حدود الدولة المهددة بحرب اهلية أو اجتياح خارجي قبل اندلاع الحرب الاهلية أو الاجتياح الخارجى مثلما حدث في تيمور الشرقية وافغانستان والعراق ويحدث في سوريا.

المنظمات غير الحكومية والعون الإنساني والسلطة العاجلة:
تتصل اهمية المنظمات غير الحكومية بما يسمى بالسلطة العاجلة والشهرة والنجومية (البائرة). فكل ما يقوله جورج كلوني ووالده وانجلينا جولي وغيرهم ممن تعين على الحاق نفسه بمنظمات غير حكومية وخيرية وانسانية هام وعاجل، ويعجل بحدوث امر ويتطلب تدخل عاجل من المجتمع الدولي. ذلك ان تلك الجماعات ومعها منظمات غير حكومية وخيرية ومنظمات الغوث الغذائي والانساني تتعين على تيسير وتسويغ عمليات العصف بالشعوب المفقرة، وبدول الاخيرين من قبل الدول الغنية أو ما يسمى المجتمع الدولي. ويفبرك ذلك التسويغ بمحض اشاعة خبر كارثة طبيعية، أو من صنع الانسان، أو نشر قصة حرب اهلية في العالم الثالث والرابع والعصر حجري، فتنبري الدول الغنية للتقديم العون الإنساني للمفقرين او-و المضطهدين من قبل حكوماتهم. ويلاحظ كيف تدور تلك القصص فيبادر الاعلام الغربي بإشاعة الشعور بالقلق لما يحدث في العوالم السفلية، ثم ما تنفك الدول الغنية تعمل على هدى تلك الشائعات. والغاية في اخر الامر هي استباق ما يمكن ان يحدث، أو احداث ما يراد حدوثه من اجل نهب ثروات بعينها من السلع الاستراتيجية، كالماس والذهب والفضة والنفط .. الخ. فالعالم لم يعد يسعنا جميعا بمعدلات استهلاك الاقوياء الاغنياء لثروات العالم.

وقياسا لا يحتاج عضو منظمة غير حكومية بهذا الوصف سوى ان يرفع سماعة الهاتف ويعلن وجود كارثة في مكان ما، حتى يستدعيه التليفزيون وتستضيفه الاذاعات وتأخذ الصحف عنه تصريحات مثيرة حول الاوضاع الانسانية في اقليم ناء، وتخرج صور- من الارشيف لا تتغير-لتعلن عن بؤس الالاف، فتذوب قلوب المحسنين والساسة الخائبين بالضرورة او-و أولئك الذين يقفون على اعتاب حملات انتخابية حاسمة. وينشر نجوم الكوارث والحروب الاهلية ومعظم عمال المنظمات غير الحكومية مؤلفات سرعان ما تغدو الاكثر مبيعا، ويغدو بعضها مقررات مدرسية وجامعية. ولا يغدو عمال المنظمات غير الحكومية نجوما وحسب، وانما مؤسسات يؤخذ عنها القول الاخير والفصل في امور المجتمعات التي هبط بعضهم بها بليل، وسحب أولئك الذين عملوا بها من جواتيمالا الى روندا ومن توزلا الى توريت وامثالها. ذلك ان غايات الاخيرين من تصريحاتهم الشهرة الذاتية وحسب، وانما سرعان ما تفرز تلك التصريحات كيمياء ناجزة لاتخاذ قرارات دولية بعينها.

أ) فان يفبرك الاعلام العالمي سرديات تتصل بأولئك الافراد وما يتعينون على التصريح به من وقائع، يتوفر للمجتمع الدولي شرط اتخاذ سياسات وقرارات وقوانين انتقائية بالطبع، في اعقاب العون الانساني والغذائي كما في دارفور وليبيا وسوريا تباعا. والعكس صحيح.

ب) فقد كان التصريح بوقوع كارثة دائما سبيل دول كبرى للإسراع بتقديم العون الغذائي والانساني سيء السمعة مرات، مثلما بات ارسال قوات حلف الامن بدوره مدعاة لتطير المراقبين المحايدين. فمرة يبتاع العون الغذائي ولاء المتقضل عليهم. ففي قمة انتشار العداء لأمريكا ابان انتفاضة الاقصى كان بعض مفقري العرب يسبحون بحمد امريكا لأنها اعطت احدهم عدة نجارة أو الة حياكة أو ساعدته على استئجار دكان.

ج) تتعلق افئدة الصحفيتين الحربيين والمراسلين العسكريين بأخبار الحرب أو موقف شدة أو اغتيال سياسي أو انقلاب فيشدوا رحالهم الى مسارح الاحداث التي تؤلف مصدر نجوميتهم. ويذهب الصحفيون الى العالم الثالث بادعاء امبراطوري. فيتصرفون في الهند وكأن عهد الراج لم ينقض بعد، وقد صعروا خدودهم وهم يجأرون "كيف تتجاسرون على اعتراض طريقنا؟" وفى غابات افريقيا فان سلطة اداريين أو سواح دفعوا مقابل مرافقتهم افضل الموجود، يوفر للرجال منهم استغلال الرجال المحليين بإغداق الشراب عليهم، وبالتفضل عليهم بمشاركتهم مشاهدة مباريات كرة القدم. ويستغل أولئك الاداريين جوع وفقر الاطفال وامهاتهم مثلما رأيت بعيني رأسي في مابوتو بموزانبيق. وتستغل النساء أنوثتهن وأجسادهن اذا كن شابات على الحدود مقابل خدمات ممنوعة. وقياسا تستغل من تجاوزت متوسط العمر كهولتها، ومن ثم عجرها المصطنع عن التذكر، وعدم عثورها على الاوراق اللازمة من حقيبة يدها المتضخمة بما حشتها به عمدا أو اهمالا من قمامة، حتى ينفذ صبر ضابط الجوازات أو يرق قلبه لعجوز خرفة لاهية عن حقيقة انها تعرض نفسها للخطر بزيارة ارض معركة - حسبما ذكرت ان ليزلي Ann Leslie الصحفية البريطانية وتكتب للديلي ميل عن تجربتها هي الشخصية في محاولة دخول مناطق محرمة حيث يمنحها ضابط الجوازات تأشيرة مرور الى حيث جاءت من اجله جراء تسولها للشفقة وهو غافل عما تدبر تلك الشمطاء.

على انه من المفيد تذكر ان عمال المنظمات غير الحكومية والخيرية ومراسلو الصحف والمراسلين الحربيين ونظائرهم يلمعون انفسهم بوصفهم يعملون على نجدة معذبي الارض مما يحيق بهم، وينقذون المفقرين من التضور جوعا والفاقة. ذلك ان أولئك النجوم يلحقون انفسهم مثلما كان المغامرون والحالمون والمبشرون يلحقون انفسهم بالرب وبالكنيسة وبالعرش بذريعة العمل في سبيل نشر المسيحية بين الوثنيين انقاذا لأرواح الاخيرين. ويستخدم النجوم المنظمات غير الحكومية على سبيل العلاقات العامة. وقد تبرع الامير هاري الابن الاصغر للأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا لمنظمة ميريلين الخيرية Meryiline Charity غير الحكومية التي تقدم العون الإنساني في افريقيا للحصول على عائد بيع الصورة التي اخذت له بمناسبة عيد ميلاده الثامن عشر.

وما تنفك الامم المتحدة تعين سفراء لدى المجاميع المفقرة لتسويق سياسات الاسكان مثلا. فتغدو جيرى هاليويل Gerry Halewell سفيرة الامم المتحدة لدى الشعوب المهزومة لتسويق استخدام موانع الحمل ومكافحة الايدز. وتذهب جيرى هاليويل-و كانت احدى فتياة البهارSpice Girls-وقد بدأت حياتها راقصة عارية في تركيا، وما تبرح تسوق نفسها بالفضائح والاباحية من اجل رفع معدلات توزيع اغانيها- تذهب جيري هاليويل الى البرازيل والى الفليبين فتطرح نفسها بوصفها المرأة التي "تمكنت" من مصيرها، وتستدعي النموذج الذى يمثل تمكين المرأة على جسدها. والمهزلة ان جيري هاليويل التي تسافر الى مجتمعات تعيش نسبة عالية من سكانها على القمامة تسوق مذكراتها التي تصف فيها معاناتها من مرض البوليميا Bolemia وهى اعراض مرض اضطراب عادات الاكل لدى الاغنياء.

شرح على المتون(2): سوبر ماركت في ادغال جنوب السودان:
ينشئ عمال الاغاثة والمنظمات غير الحكومية مجتمعات موازية لتلك التي يدعون القيام على "مساعدتها". الا ان تلك المجتمعات الموازية تفوق المجتمعات الأهلية بصورة تدعو للتأمل والخشية معا. فمثلا تفيض السوبر ماركتات التي تتعين على تزويد عمال الاغاثة وغيرها من المنظمات غير الحكومية بما يخطر وما لا يخطر بالبال وكافة الماركات المسجلة. وتقف شاحنات عليها رموز المنظمات الخيرية والمنظمات غير الحكومية بأنواعها وجنسياتها من اوكسفام Oxfam وكريستيان ايد Christian Aid ووورلد ايد World Aid وخدام الربGod’s Servants الانجيليين الامريكيين وغيرهم من الامريكان ممن ولد مرة اخرى مسيحيا Born Again Christians الخ ويعمل كلهم في العون الإنساني في جنوب السودان وفي ادغال الكونغو وغيرها. ولا تستورد تلك السلع للسودانيين الجنوبيين ولا للدارفوريين (سكان درافور). وانما تأتى تلك السلع لتزويد جماعات المنظمات الخيرية والمنظمات غير الحكومية. ويسكن اعضاؤها في شاليهات بيضاء حول السوبر ماركت. وتقيم كريستيان ايد حفلات ليلية لتسلية المتطوعين والمتطوعات. ويأسف أحد المتطوعين على ان "عدد المتطوعين يزيد على عدد المتطوعات". ويسأل محقق صحفي احد المتطوعين هل تزود الجنوبيين بالسلاح بدلا من الانجيل؟ فيرد الاول اجدني في مواجهة غواية لا تقاوم سوى انني انتظر علامة من عند الرب". ويقول مسيحي مطرف ولد مرة اخرى مسيحيا "المسلم يختلف عن المسيحي. فالمسلم لا يعرف مفهوم محبة اخية مثلما يفعل المسيحي"(7)

 

الخرطوم الخميس 19 يناير 2012

 

هوامش:

 (1) الى الاستاذ صلاح عيسى وغيث كبة وكنا اختلفنا في برنامج تليفيزيونى حول جدوى المنظمات غير الحكومية والى الى العزيزة سلوى بكر.

(2) انظر(ى) صحيفة الايام الفلسطينية بتاريخ 14 يونيو 1999 صفحات 1-22

 (3) انظر(ى) الاهرام الاسبوعية Al Ahram Weekly العدد 430 بتاريخ 20-26 مايو 1999 ص:5.

 (4) انظر(ى) الاهرام الاسبوعية Al Ahram Weekly العدد 430 بتاريخ 20-26 مايو 1999 ص:5.

 (5) كانت مارجريت ثاتشر- زعيمة اليمين الجديد في العالم الغربى تجأر بان ليس ثمة ما يسمى بالمجتمع فان وريقها وليام هيح يبشر بحزب محافظين لكل الناس A party for all people ولا يعدم تونى بلير- العمالىالجديد- الطريث الثالث ان يزاود تنويعا في التخرساب بالقول بان ذلك هو زمان تصالح المجتمع مع نفسه في "امة" بلا حواجز فيما.

 (6) انظر(ى) 20Esteva in W.Sack: 1992:A Dictionary of Development:pp:17-

 (7) انظر(ى)www.bbc. co.uk/radio4/fromourowncorrespondent/1 1.14am. Thursday .27.9.2002