تأتي رواية (أطراس الكلام) للكاتب العراقي "عبد الخالق الركابي" الصادرة مــؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2009) لتقدّم لنا شهادةً حيّة عن فترة حرجة جدّا من تاريخ العراق المعاصر: فترة الحصار الطويل والغارات الجويّة العشوائيّة المتفـرقة التي استنفـدت من حياة العراقيّين أكثر من عشر سنوات عجاف، كان الفقر والجوع والموت المجانيّ البطيء واقع الناس الوحيد وحدثهم اليوميّ المكرور حدّ اللعنة. وقد بدا الشقّ الأرحب من هذا العمل منصرما ومنحصرا في بؤرة الماضي البعيد من حياة البطل، الذي أخذت ذكرياته الغابرة تتفجّر من حين إلى آخر عن طريق التداعي لترصد لنا صورةً واضحةً عن طفولته ومراهقته وشبابه وأحوال أسرته ومدينته التي لم يكن سفره المفاجئ إليها رغم سنواتٍ طويلةٍ من القطيعة والهجر إلا بسبب اتصالٍ هاتفيّ مبتور، فهم منه أن خطبًا ما وقع فيها، فلم يبق أمامه سوى ترك كلّ شيءٍ وراءه والعودة الارتداديّة إليها مكانا حميميّا عزيزا، عرف فيه دفء الأمّ، وقسوة الأب، وحرارةَ العشق الأول المسروق الذي كانت خيبتُه سببًا رئيسا في دفعه إلى الهرب والانفلات والارتماء في أحضان مكانٍ ثانٍ أثثه رفاقٌ جددٌ، وحبٌّ جديدٌ لم يكن في مستوى حرارة الأول وجنونه، وإن كان يقاربه في مستوى حرمانه الذي لم يسبّبه – كما الأوّل – تسلّط المجتمع أو قمع الأسرة بقدر ما سبّبه تفاوتُ الدّخل، واستحالةُ الزواج بين شابّة أنيقةٍ مرفّهةٍ أهلُها من ساكني الشارع الأرقى في بغداد: "شارع الأميرات" وشابٍّ كادحٍ شبه معدمٍ، مسكنه الوحيد جحرٌ بائسٌ أشبه ما يكون بعش اللقلق في أكثر أحياء المدينة فقرًا وازدحاما.
وعليه كان ذاك النداءُ الهاتفيُّ المشوّشُ بمثابة نداءٍ قدَريّ عزم على إثره "الابن الضالّ" على الالتفات إلى الوراء والرجوع إلى الجذور لا باتخاذه قرارَ العودة، ومضيّه إلى موقف السيّارات المغادرة فحسب، بل بإطلاقه – وإن كان هذا الإطلاق لاشعوريّا – سيلَ الذكريات الحبيسة التي يضجّ بها وجدانُه، وينضحُ بها خاطرُه، والتي بدأت تتدفق تلقائيّا بدءًا من لحظة المغادرة، وانطلاق محرّك السيّارة التي استقلّها، والتي كان لصمت الرّكاب وانزواء كلّ منهم في مقعده أثرٌ ما في إثارة ركام الماضي، وتحريض مشاهده التي يطالعنا من حين إلى آخر بعضٌ من خيوطها متضافرا ومشتبكا مع خيوط الحاضر، حيث تتراوح فصول هذا الكتاب بين استسلام البطل إلى خواطره البعيدة ومناجاته أطياف ماضيه الحميم باستحضاره ملامح وجه أمّه، وأبيه، وجدّه، وأخواته، ورفاق دراسته، وحبيبته ... وعودته مرّة ثانيةً إلى الواقع بتعليق ساخر أو حوارٍ عابرٍ بين بعض الرّكاب، فيندمج معهم ويرصد لنا بكلماته وكلماتهم صورةً واضحةً عن الرّاهن بكلّ ما يضجّ فيه من عتمةٍ وفسادٍ وتفاوتٍ فاحشٍ في تقلّبات الأنفس ومصادر الرّبح والاسترزاق.
واللافت للنظر هنا ذلك التناغمُ الحيُّ والانسجام العميق بين طبقات الزمن وتدرّجاته: المنصرمة منها والحاضرة، التي بدا الرّوائيّ متحكّما فيها، وموجّها إيّاها بمهارةٍ وحذق كان الغرضُ منهما تقديمُ صورة شفيفةٍ عن المعاناة العراقيّة والزمن العراقيّ الذي لم تكن ذكرياتُ البطل المتداعية أو حواراته المتناثرة سوى وسيلةٍ لرسم ملامحه، ورصد تقلّباته التي يمكن عدُّ المدينة المقصودة – التي لم يذكرها الراوي لنا وإن كانت بعضُ الإشارات توحي بأنها إحدى مدن الجنوب العراقيّ – نقطةَ ارتكازٍ مكانيّ تحيل إلى نسائم الطفولة المبكّرة، وعذابات المراهقة والشباب المنصرمين، اللذين يطلان علينا في كثيرٍ من المشاهد والفصول. أمّا "بغداد" فبدت نقطةَ الارتكاز الرّاهن، وبدا رفاقُ السّفر – الذين انتقاهم الكاتب بعناية – محيلين بدقة إلى تحوّلات العاصمة وظروف المدينة التي تناهبها الفقرُ من جهة، وجشعُ المستغلّين من جهة ثانية، وحزنُ الأمّهات والأطفال من جهة ثالثة.
وفي كلا هذين الخطّين الزمنيّين الممتزجَيْن: خط الحاضر وخط الماضي بدت السياقاتُ الاقتصاديّةُ والسياسيّةُ مهيمنةً على مسار الأحداث الرّاهنة، وراصدةً لنا تاريخ بلدٍ وشعبٍ يعاني ما يعاني في ظلّ الغارات الجويّة المفاجئة، والحصار الاقتصاديّ، والحرب الثالثة المحتمَلة. أمّا الأحداثُ الماضيةُ فغلبت عليها النزعةُ الذاتيّةُ، وبدا السياق الاجتماعيُّ والأسريُّ غالبا على بقيّة السياقات الأخرى، وناقلا لنا تفاصيلَ سيرة البطل الأولى، وتاريخَ حياته الذي انتهى بهجره مدينتَه الأمّ واختياره مدينةً أخرى مستقرّا له. ولم يكن لتدفق سيل ذكريات ماضيه البعيد سوى دورٍ تمويهيّ اعتمده الكاتبُ كي يضفي على عمله مسحةً إنسانيّةً عميقةً لا تخلو من بعض التشويق الذي هو عمادُ كلّ عمل سرديّ، وكي يتخلّص من جرعة الإنشائيّة والتقريريّة التي قد يستدعيها الارتكاز على الجانب الأول وحده: جانب التقارير الصحفيّة، والأرقام، ونشرات الأخبار والإحصاءات الجافة.
أي أن الفرديّة هي الطاغية على صوت الماضي والجمعيّة هي الطاغية على صوت الحاضر، وما قام به الكاتب هنا هو التوفيق بينهما، وجمعهما معًا في مسارٍ روائيّ محكم تتناوس فيه فصول الكتاب بين الارتكاز على أحد الجانبين والعودة إلى الآخر بسرعةٍ لا تضاهيها سوى سرعةِ السيّارة التي تعدّ الفسحة المكانيّة المحتضنة أغلب الأحداث، والتي مع أزيز محرّكها وتذمّرات سائقها بدا الجانبُ التذكّريُّ الموغل في اجترار مشاهد الماضي والتحديق في تفاصيله وأصواته البعيدة المتردّدة في وجدان البطل وخاطره والتي لم تفارقه طيلة حياته وإن راوغته وأمعنت في المداورة والتخفي. فنجده مثلا وحالما تشرع السيّارة في اجتياز شوارع بغداد والمرور بنصب الشهيد ذي القبّة اللازورديّة المنشطرة إلى فلقتين متقابلتين يستشعر في نفسه رهبةً وتوجّسًا ذكـّراه برهبته الأولى أيّام كان طفلا يلج على خوف وتهيّب غرفة أبيه التي يحظر على غيره تخطي عتبتها في أثناء غيابه شبه الدّائم الذي لا تبدّده سوى مواسمِ الأعياد العابرة والمناسبات. وهنا يستطرد في حديثه عن أبيه وشراسة طباعه وتطرّفه وعشقه المحموم لمظاهر القوة التسلّط: من بنادق كثيرة يملأ بها جدران غرفته ويتفنن في تنظيفها وتفقدها من حين إلى آخر، فحيوانات كثيرة اصطادها واعتنى بحفظها وتحنيطها شاهدًا على براعته في الصيد، وقدرته على القنص والتصويب.
ثمّ يحدّثنا عن ميلاده الدّامي بعد "نصف دستة" من الأخوات غير المرغوبات اللواتي كثيرا ما أثرن نقمة والده وجنون. ولا تكاد خواطره تبلغ هذا المبلغ – الذي عرفنا منه ملمحا ما من ملامح الوطن: ملمح الحرب التي تختطف ربّ الأسرة من بين زوجته وأبنائه وتحيله إلى فرد عسكريّ دمويّ المزاج لا يرى في أفراد عائلته أكثر ممّا يراه العريف أو الضابط فيمن هم أدنى منه رتبةً وأقلَّ نفوذا – حتى يتقطع حبل الذكريات ويعيده إلى الواقع صوتُ السائق معاتبا إيّاه على إدمانه الفاحش للتدخين، وحرقه أعصابَه بسمومه، فتثير هذه النصيحة العابرة كوامن ذاته، وتنطلق من فيه سلسلة من العبارات اللاذعة التي تشي بمرارة فادحة وحيرةٍ صمّاءَ إزاء عبثيّة الأقدار ومجانية الموت والحياة كليهما في لحظة يكفي أن تنفجر فيها إحدى عجلات السيارة حتى يتحوّل الجميع من أحياءَ إلى أموات (ص60) ومن كائنات حيّة نابضة بالدفء والأحلام إلى كتلٍ متفحّمة لا تستبين حتى أشكالُ عذاباتها وآلامها.
وتكفي أيضا لمسةٌ من إصبع طيّارٍ أمريكيّ مخمور قابع في جوف طائرته على ارتفاعٍ شاهق لتضع حدّا لحياة الجميع (ص60): حياة الرّاوي الممعن في استهلاك أعصابه ودفن جذوة الحياة فيها قربانَ هواجسه ودخانه، وندمه وأشجانه، وحياة السّائق الكادح الذي كُتب عليه أن يكون رزقُه في الحركة الدّؤوب ونقل الآخرين من الخطر أو إليه، وحياة بقيّة الرّكاب الذين حملت اللهفة بعضهم على اقتحام الموت وتجاهل سلطته بحثا عن أمل ما في نجاة أحدٍ من ذويهم أو من فلذات أكبادهم، أو الذين حملتهم اللهفة نفسها على الاقتحام نفسه، ولكن لا للاطمئنان على حبيبٍ مهدّد، بل طمعا في غنيمة جاهزة هنا أو لقمة سائغة هناك. مثل ذاك التأمّل المشبع بتلك السّخرية والمرارة هو ما يميّز الخطّ الرّاهن، الذي لا نكاد نجتاز بعضا من دهاليزه حتى نُجابَه بحقيقة الوضع في عراق الحرب والحصار عاريةً وفادحةً بقسوتها وتزايد جرعة العبث واللامعقول فيها إلى الحدّ الذي أضحت معه الغارات العشوائيّة المفاجئة حدثَ الناس اليوميّ المكرور، وضررهم الأخف، والأهون مشقةً واحتمالا.
يقول أحد رفاق الطريق – العجوز الذاهل عن كلّ ما حوله – مناجيا نفسه: "بارك الله فيك يا ولدي... بارك الله فيك.. لا مسوّغ لتهويل الأمر، لعلّ ما حصل ليس بالسّوء الذي تتصوّره.. لعلّه محض غارة.. نعم غارة هذه الغارات التي اعتدنا النومَ والاستيقاظَ على وقعها بعدما نسيَنا العالم من حولنا... لعلّ الأمر كذلك!!" (ص36)
ونجد المؤلف يقف طويلا أمام مثل هذه الغارات، ويحدّثنا عن الأثر الرّهيب الذي خلّفته، مستجليا جماليات المكان وحميميّة شوارع بغداد ومحلاتها التي لم ينجُ أيٌّ منها من أهوال حرب عاصفة الصحراء وفواجعها، حيث "كانت كلّ عمارة مصابةً بقذيفة . كلُّ منشأة صناعيّة عطّلت عن أداء مهمّتها..." (ص21) وحيث كانت كلّ أحياء بغداد تشهد على الدّمار وتحمله وجها جديدا، وعلامةً فارقةً بين جميع المدن والأحياء بدءًا من الكاظميّة إلى الأعظمين إلى الوزيريّة وباب المعظم والسنك والباب الشرقيّ.. والجسور الكثيرة التي تمتدّ أوردةً يتعانق بها شطرا الكرخ والرّصافة، ويسير فوقها العشاق حالمين، متشابكي الأيدي، والتي لم تترك الحربُ منها سوى شظايا وكتلٍ إسمنتيّة منفصمة. وهي الحربُ نفسُها التي امتدّت سلطتها إلى حياة العشاق أنفسهم، وصار حديثهم عنها وتوجّسهم منها بديلا عن لقاءاتهم المختلسة وقبلاتهم المسروقة: فحين ينهمك الرّكاب مرّة أخرى في الحديث عن أوجاع تلك الحرب وعذاباتها يتداعى أمام الرّاوي وجهُ حبيبته البغداديّة المرفهة وقد تقلّص رعبا وهي تصرخ في إحدى نوبات هلعها: "سيضربوننا بالقنابل! أتسمع؟ بل قد يضربوننا بأسلحة كيمياويّة أو بايولوجيّة.. خردل.. سيانيد!!.. ما الذي يمنعهم من ذلك؟ نحن وحدنا بإزاء العالم كلّه.. كيف السّبيل للنجاة إذن؟ أنا لا أخشى الموتَ قدر خشيتي من التشوّه: بتر عضو من أعضائي.. أو حرق وجهي.. ذلك ما يرعبني حقا؛ إذ ما قيمة الوجود حين يتحوّل الإنسان إلى مسخ يستقبل الدّنيا بعين عوراءَ أو بجسدٍ يسنده عكّاز؟!"(ص67) وتحدّثه أيضا عن الاحتياطات الكثيرة التي اتخذها والدها تحسّبا لأيّ هجوم مفاجئ؛ عن أكياس الرز الكثيرة والسكر والطحين وصفائح الدّهن – وغيرها من المواد الغذائيّة التي احتكرها من السّوق وبها ضاعف ثروته عشرات المرّات – وعن غرف البيت الكثيرة التي تحوّلت إلى ملاجئ صغيرة جدرانها محشوّة بالإسفنج والنايلون، ومجهّزة بمضخات الحريق تحسّبا لأيّ هجوم بالقنابل الكيمياوية. (ص67)
وهنا يستطرد الرّاوي في خواطره المريرة عن تلك الأيّام الصّعبة حين وقعت الواقعة وانهالت صواريخ (التوماهوك) و(الكروز) وغيرها من كلّ الجهات ضاربةً محطّات الكهرباء والهاتف والماء، ومستجلبةً معها عويلا هادرا لصفارات الإنذار التي لم يعد من الممكن التفريق بين الذي يعلن بدءَ الغارة منها عن ذاك الذي يعلن انتهاءها. (ص69) وعند هذا الحدّ يعود صوتُ الذاكرة البعيدة من جديد و كأن الراوي يحتمي به، ويستعين بمسرّاته السالفة سبيلا إلى نسيان انشغالاته الآنيّة، التي لا تكاد تتكاثف قليلا حتى يدهمها صوتُ الماضي؛ صوت الطفولة الغابرة، والزمن الإمكانيّ المترع بزيارات الجدّ وألفة حضوره ووجهه الحميم القريب من القلب، المحمّل بألغاز كثيرة، وأسرار، وحكايات، وعالم جميل نسيجُه المغامرة والاقتحام والانفتاح على دنيا جديدة بها كلُّ ما يسعد النفس وينعشها: من طيورٍ محلّقة، وخيولٍ، وبستان ذي فسائلَ عجيبة كان له الفضل في تفتح موهبة الكتابة لديه، وإقدامه على تدوين قصّة بستان جدّه، وتحديثنا عن أفراسه الأصيلة، وبنادقه، وطيوره، وهداياه الصّغيرة، وغيرها من لوازمه الأليفة التي أتت لتضطلع هنا بدورَيْن مزدوجَيْن؛ أحدهما انتشالُ البطل من الاسترسال في فواجع الآن وآهاته، والآخر رصدُ صورة مستفيضة عن طفولته المبكـّرة، وصباه الأوّل الذي يمتدّ عبر صفحات طويلة ترتسم من خلالها صورةٌ واضحةٌ عن أجواء مدينته وملامحها الصّارمة، وعن غزليّاته الأولى، وحبيبته الغائبة "رؤى" التي خلّفها وراءه بين الحياة والموت، يائسةً تنتظر بادرةَ إقدام منه بعد أن اكتشف إخوتُها الشرسون علاقتهما، وغدت المسكينة تحت رحمة عصيّهم وسكاكينهم... والتي ذكّره بها منظر شابّ و فتاة من الرّكاب لم يتوقفا عن تبادل نظرات العشق والهيام رغم سلطة امرأة كهلة هي "والدة الفتاة" ورغم عيني السّائق الذي كان "منصرفا إلى مراقبتهما في مرآة السّيارة الدّاخليّة أكثر من انصرافه إلى مراقبة الطريق." (ص125) ممّا جعله يستحضر تلقائيّا وجه حبيبته الأولى تلك، وذكرى لقاءاتهما المختلسَة في إحدى قاعات السينما حيث تنسيهما مشاهد المحبّين "هناك" ونهايات حبّهم المتوّجة بالسعادة والزواج دوما مأساة وضعهما المربك، وبؤسَ خطواتهما المتوجّسة التي يكفي فيها خطأ عابرٌ واحد، أو هفوةٌ ما إلى الحكم على أحدهما أو كليهما بالموت والضياع هما قصاصُ المجتمع وعقابه لكلّ مَن يجترئ على خرق قانونه. وهو ما حدث فعلا ذات يوم مشؤوم نسي العاشقان فيه نفسيهما وأخذا يتناقشان حول قدَر "أوديب" وبؤسه الأزليّ الذي كأنما انتقلت لعنته إليهما، فافتضح سرُّهما. وبات مجرّد لقائهما المتقشف ذاك ضربا من الحلم والمستحيل.
وهنا يتعالق الحاضر بالماضي تعالقا يبدو معه الحبّ في كلا الزمنين هو الضحيّة الأولى لتقلبات الحياة، وتجهّم منطقها القاضي دوما بإجهاض آمال المحبّين وأحلامهم إمّا بعادات المجتمع وتقاليده الممعنة في ترصّد خطوات العشاق وإحصاء أنفاسهم، والوصاية على أشواقهم – كما نجده في الماضي البعيد أيّامَ جلسات السينما الظلاميّة المختلَسة – وإمّا بشهوة الحزن والتزهّد التي فجّرتها الحروبُ الكثيرةُ والغاراتُ التي ابتلعت أحبّاءَ كثيرين، وأزواجًا وإخوةً من بينهم أخو الفتاة – رفيقة السّفر – الذي كان غيابُه أسيرا أو شهيدا في إيران هو السّبب وراء منع زواج أخته، وتنعّمها كبقيّة الفتيات في مثل سنّها برفيق روحٍ وجسدٍ... وبأطفالٍ يملأون حياتها زهوًا وفرحًا كما يملأ الأطفالُ عادةً حياة أمّهاتهم!! وهو ما يحدّثنا عنه بحرقة الشابُّ المرافق لها – حبيبها – والذي تبيّن أنه ليس سوى ابن خالتها وخطيبها أيضا، وأنّ لهفة أمّها – خالته – على رؤية ولدها الأسير هي التي منعتهما من الزواج يقول: " لقد عُدّ ابن خالتي ضمن المفقودين في الحرب مع إيران؛ ذلك لأننا لم نتسلّم جثمانه فلم نقطع الأمل في احتمال بقائه على قيد الحياة، بيد أن مرورَ الأعوام ونشوب حرب (عاصفة الصّحراء) ورجوع معظم الأسرى إلى أسرهم سرعان ما أجهز على أملنا ذاك، وبقيت خالتي الوحيدة التي تصرّ على أنّ ابنها سيظهر يوما ما!" (ص162)
ويحدّثنا عن ثورتها عليه وغضبها حين لم يجارها في أوهامها وآمالها الكاذبة: "هاجمتني دافعةً إيّايَ في صدري .. أمرتني بأن أغادر بيتها .. صاحت بي وهي تعول باكيةً أنّ ما يهمّني فقط هو أن أهيل الترابَ على ذكرى ابنها لننساه إلى الأبد، منصرفين إلى ملذاتنا، وسارعت إلى التقاط مصحف من رفّ قريب لتقسم عليه أنها لن تسمح لي بالزواج بابنتها ما دام ابنها مفقودا أبدا. لن تسمح بانطلاق زغرودةٍ واحدةٍ تحت بيتها ومصيرُ ابنها مجهول!" (ص165) فكلا الزمنَيْن إذن يلتقيان في قهرهما، وتسلّطهما على أحلام المحبّين وأشواقهم، والكاتب لا يقف أمام هذه النماذج الإنسانيّة – المفترَضة أو الواقعيّة – إلا ليقدّم لنا صورةً صادقةً عن المشهد العراقيّ في زمن الهدنة وتضميد الجراح؛ زمنِ ما بعد الحرب، وزمن الحصار حيث لا تزال تداعيات الدّمار السّابق تمتدّ مطبقةً على كلّ ما أمامها من إمكانيّات فرحٍ ضئيلٍ قادمٍ، وحيث غدت الفاجعةُ غير متزنة الحضور، منشطرة إلى نقمةٍ شاهقةِ يزداد بها الفقراءُ فقرا وعذابا، ونعمةٍ باذخة تفيض معها خزائنُ الأغنياء وتكتنز إلى حدّ التخمة بكلّ ما تطاله أيديهم من قوت المعسرين وخبزهم المسروق، حيث يعمدون دوما إلى اقتناص الفرص، وإلى إلقاء شباكهم في المياه العكرة المتاحة، وشحذ سكاكينهم كلّما تعثرت إحدى الضحايا لقمةً سائغةً تنتظر الآكلين...
وهذا ما يفيض به وجدانُ السّائق الذي تثور أعصابُه في بداية حضوره صائحا بعد مشاداة ساخنة مع أحد الرّكاب الأثرياء من مصّاصي دماء البشر: "لقد سلبنا التجارُ وأكلَةُ السّحت الحرام والجشعون الذين اتخذوا الحصارَ وسيلةً لمضاعفة ثرواتهم، لقد سلبنا هؤلاء ضمائرنا بالتقسيط: فكلما مُدّد الحصارُ فسارعوا إلى رفع الأسعار سلبونا جزءًا من ضمائرنا المسكينة!" (ص33) وهو على الرغم من اشمئزازه من مثل هذا الزبون مضطرٌّ إلى مهادنته وإلى التعامل معه، ونقله كغيره من بقيّة الرّكاب، لأن مصيرَ أطفاله الجوعى معلّقٌ دوما به وبأمثاله... ولكنه يفرغ مرّةً أخرى غيظَه المكظومَ طيلة ساعات الرّحلة ليحدّثنا عن جشعه اللعين، وأنفه الذي يشمّ رائحةَ الوليمة أينما كانت، والذي "ما من مرّة أشيع فيها أن إحدى المدن العراقيّة قد نُكبت بكارثة إلا ورأيته يحوم في (كراج النهضة) بحثا عن سيّارة توصله إلى هناك.. حيث ينجز صفقاته بأبخس الأثمان!" (ص195) ليتساءل راكبٌ آخر لا يقلّ عن سائقنا ثورةً وحنقا: "ألا يستحقّ مسخٌ على هذه الشاكلة الموتَ عوضا عن هؤلاء الناس الأبرياء الذين تودي بهم القذائفُ غدرا؟!" (ص195)
وما نطق به كلٌّ من السائق والراكب هو تجلّ عميق لما يدور في ذهن الكاتب نفسه من نزعةٍ نقديّة ووعيٍ مأساويّ بالحياة والواقع الذي اتجهت فيه الرّؤية إلى جشع المستغلّين وأطماعهم التي لا تعرف حدودا، ولا تأسى لحال الجوعى والمحرومين، والذين انصبّت عليهم كثيرٌ من صفحات هذا العمل شواظا من نار يفضحهم، ويعرّي قبحهم: بدءًا من أبي أسماء – الحبيبة البغداديّة – الذي لم تتزايد ثرواته إلا بتزايد سنوات الحصار، وعدم استنكافه من احتكار المواد الغذائيّة، ومضاعفة أسعارها بعد ذلك في السّوق السّوداء. وأسماء نفسها التي لم تمنعها يوما مشاهد الدّمار الأعمى والمباني المحطّمة من ارتياد محلات شارع المنصور الرّاقية وانتقاء ما يروقها من ثياب أنيقة باهظة الثمن. و"أبي خضر" الذي كان أحد رفاق الرحلة، والذي مثلما تضاعفت ثروته فجأة بسبب الحصار انهارت فجأةً بسبب الطمع وسوء التدبير. والتاجر الأنيق الذي رافقهم أيضا والذي وقف الرّاوي طويلا أمام ملابسه الباذخة التي تشهد بمدى ثرائه ورفاهيته: سترته، وزبونه، وسلسلة ساعته الجيبيّة المدلاة على صدره (ص33) وعباءته المطوية .. وغيرها. والآخر الذي حدّثنا عنه السّائق والذي كان كلّما امتدّ الحصارُ على أبناء جلدته أَوْلَمَ، وذبح خروفا شكرا لله وامتنانا! (ص38) ومن جهة أخرى انصبّت النزعةُ النقديّة أيضا على أجهزة الإعلام الغربيّ والعربيّ أيضا، التي لم تجد في محنة الأمّهات والأطفال العراقيّين سوى سبق صحفيّ، وأخبارٍ طازجةٍ تُقتنَص، تشغل الناس حينا، وتستدرّ دموعَهم، ثمّ تُنسى، وتضيع في سراديب الأخبار اليوميّة المستهلكَة.
وهذا ما يحدّثنا به الكاتبُ على لسان شخصيّة أخرى من شخصيّات الرّكاب الذين انتقاهم بعناية ليعبّر بهم ومن خلالهم عن رؤاه وأفكاره، وعن الأفكار والرّؤى الأخرى المضادّة لتوجّهاته؛ وهو "الشاب الممرّض" الذي تحدّث عن الأمّهات العراقيّات الصّابرات ذوات العيون السّومريّة الجميلة، وأطفالهنّ المرضى الذين أبكت حالتهم الأعداء أنفسهم مثلما حدث مع أحد المصوّرين الأمريكيّين الذي لم تحتمل أعصابه مشهد المعاناة المكابِرة، والحزن المترفع، فترك فجأةً ردهةَ المستشفى مُعْولا باكيا، والذي ينهي الممرض حديثه عنه متنهّدا بحسرة: ".. لم أعد أعرف أيَّ الأمرَيْن أصدّق: دموعَ ذلك المصوّر؟ أم قذائفَ طائراتهم التي لا يبخل طيّاروهم بإلقائها علينا من حين إلى آخر؟!"(ص137- 138) ومع هذا لم يدّخر جهدا في استثمار ذلك التعاطف "العابر" بالوسيلة الوحيدة التي يعرفها: تَعداد أصناف الأدوية المفتقَدَة، واللقاحات، وموادّ التخدير، والمضادات الحيويّة .. وغيرها.
وحين يُسأل عن جدوى تلك المحاولة وعن ثمرتها، وعن كون ذلك المصوّر "الرّقيق" قد أسرع حقا في شحن تلك الأدوية إلى المستشفى على متن أول طائرة بعد وصوله مباشرةً إلى واشنطن؟ فتأتي الإجابةُ مُرّةً، ممعنةً في سخريّتها، وقسوتها: "أبدا؛ بل المفارقة أنّ غاراتهم ازدادت وحشيّة." (ص138) و"رؤى" التي اجتازت محنتها العاطفيّة بثبات، والتي نلتقيها في الفصول الأخيرة من العمل وقد صارت طبيبةً ناجحةً شاهدةً على مأساة الأطفال من جهة، وصمت العالم من جهة ثانية، واستغلال كثيرٍ من أفراده محنةَ المعذبين، متاجرتهم بآلامهم، فهي تحدّث حبيبها السّابق – الراوي – وتحدّثنا عن مأساة تلك الطفلة المهدّدة بالعمى، والتي حُرِمَت نعمةَ ذرف الدّموع بسبب ما لحق جسمَها من جفاف، لا حلّ معه إلا " دموعٌ صناعيّةٌ "يستحيل الحصولُ عليها بسبب الحصار، والتي لم يجد فيها المراسلون الأجانبُ سوى مادّة مثيرة لتحقيقاتهم الصّحفيّة؛ فهم يوقفون الطبيبة "رؤى" بكاميراتهم السينمائيّة، وكلّما انهمرت دموعها وحاولت الانسحاب من تحت أضوائهم ارتفعت همهمات استحسانهم لفوزهم بتلك اللقطات، وكلّ واحد منهم يفرد إبهامه ويرفعه عاليا مردّدًا: (برافو!) ليعترفوا في النهاية جميعًا بأنّ كلّ ما يعنيهم من جميع مشاهد هذه المأساة وفصولها هو دموعُ الطبيبة وحدها، التي بفضلها فقط يستطيعون "إبراز عمق المفارقة بين مريضةٍ ستصاب بالعمى لعجزها عن البكاء، وطبيبةٍ تملك من الدّموع خزينا لا يعرف النضوب!" (ص209)
فالكاتب هنا في مساره الزمنيّ الحاضر يُعلي من نزعته النقديّة، ويصعّد نبرتها المنشطرة إلى شقّيْ: الدّاخل الذي يمثله أثرياءُ الحرب، وصيّادو المياه العكرة، وحفارو القبور الذين لا يحيَوْن إلا على محن الآخرين وأحزانهم والخارج الممثل في صمت العالم ولامبالاته واستغلاله هو الآخر أزمةَ العراقيّين ومأساتهم التي لم تزد على أن تصبح لديه مادّةً إعلاميّةً، وخبرا مستهلَكا تلوكه الصحف حينا والفضائيّاتُ ثمّ سرعان ما يُطوى، وتُتَناسى حرقتُه.
وختام هذا العمل يكون بموت الأب الذي راح ضحيّة القصف الأمريكيّ المفاجئ على مدينته التي لم يحدّد لنا الكاتب اسمَها إمعانا منه في الانفلات من قيود التسمية والتحديد من جهة، ورغبةً منه أيضا في الإيحاء بأن الوطنَ كلّه معنيٌّ بمثل تلك الهجمات، وبألا حظ لمدينة عراقيّة ما في النجاة دون الأخريات؛ فهو يراوغ انتباهَنا منذ أوّل الفصول، ويضعنا أمامَ سؤال ملحّ عن مدينة عراقيّة نُكبت، ولا يذكر شيئا عن طبيعة نكبتها وإن كان يوحي لنا بأنها إحدى نوبات القصف العشوائيّ الذي لا يكاد ينقطع عن أطراف العراق: شماليّها وجنوبيّها - والذي لا تكاد تسلم منه أحيانا العاصمة نفسها "بغداد" – وبأن مثل تلك النوبات باتت واقعَ الناس وراهنهم الوحيد الذين لا ينامون ولا يستيقظون إلا عليه. والهمّ الفرديّ الذي ارتسم أمامنا من خلال طفولة الرّاوي، وعلاقته الملتبسة بأبيه، وغرامه الضائع الذي لم يلبث أن باغته بالظهور فجأةً في ختام الرّحلة.. والآخر الذي تهافت عليه في بغداد سبيلا إلى نسيان آلام الأول، وتخدير أوجاعه التي ليست سوى ذريعة لرصد الهمّ الجمعيّ، وتوجيه أنظارنا نحو فواجعه ومآسيه.
وقد كان المؤلف بارعا حقا في مزجه العجيب بين ما هو ذاتيّ وما هو جَمعيّ، وبارعا أيضا في شدّنا إلى كليهما بإضفاء جرعة من التشويق يغرينا من خلالها في كلّ مرحلة بمفاجأة جديدة من مفاجآت حياة البطل ومراهقته: تعلّقه الشديد بأمّه، وبجدّه، وخيوله، ومعاكسته فتيات مدينته ممتطيا أحدَها، وحبّه البريء لرؤى، وانكشاف سرّهما، وهجره بيتَ أهله إلى الأبد... ويختمها جميعا بأن "رمزي" – أحد رفاق السّفر المرحين – ليس سوى أخي رؤى "الشرس" الذي روّضته المحَن أخيرا وشحذت إنسانيّته فغدا أكثر تسامحا ومحبّةً بعد أن رحل بقيّةُ إخوته ولم تبق له إلا رؤى؛ حيث أنّ أحدهم استشهد في الحرب مع إيران، والآخر فُقد في (عاصفة الصحراء) والثالث هاجر إلى خارج العراق طلبا للرزق. (ص216)
وهذه كلّها من مقوّمات الفن الروائيّ الذي يكتسب حضوره هنا من بروز الجانب الذاتيّ المتكئ على تقنيات السرد وجماليّاته التي يغدو معها العمل قطعةً نابضةً من الحياة ومن الواقع كما نعرفه وكما نتوجّس منه، إلى جانب الإفادة من الجانب المعرفيّ وتسريب كثير من الحقائق التاريخيّة، والمعلومات العلميّة، التي يشير "الركابي" في ختام كتابه إلى أنه استقاها من كتاب "التنكيل بالعراق" لجيف سيمونز، والتي استطاع بحذق عرضَها على ألسنة كثير من شخصيّاته دون أيّ تنافر أو نبوّ؛ فجعل البطل صحافيّا يعرف كثيرا – بحكم عمله – عن الإحصاءات المتعلّقة بضحايا الحرب والحصار، وعن آخر التحليلات السياسيّة والتقارير العالميّة عن وضع العراق وعن اقتصاده وسياسته وأمنه.. وغيرها من الشؤون. وجعل اثنين من الشخصيات الأخرى منتميَين إلى عالم الطب وما يفرضه من احتكاك مباشر بالأزمة، وهما: الممرض الشاب – رفيق السفر – و لحبيبة الأولى "رؤى" اللذين يفيدنا كلاهما بكثير من المعلومات الطبيّة، وبكثير من أسماء الأدوية والأمراض والمضادات. أما سائق السيارة ومعه "أبو خضر" وبعض الراكبين الآخرين فلم يقصّروا في نقل صورة وافية عن جشع المستغلّين، وعن ضنك العيش، وضيق فسَح الحياة.
وإلى جانب هذا يمكن إضافة الجانب الفكريّ الذي لم يغفل الكاتب عنه، والذي يمكن إجماله في ذلك الجانب العبثيّ الذي استحضر من خلاله الراوي مأساةَ مسرحيّة "أوديب ملكا" لسوفوكليس ووجد في محنته إحالةً معاصرةً إلى محنة الناس الأبرياء من حوله، الذين وجدوا أنفسَهم ضحايا حرب جثمت فجأةً على صدورهم تماما مثل الوباء الذي تفشى في طيبة، وأخذ يلتهم ضحاياه واحدا إثر الآخر (ص218) ممّا توحي به الميتاتُ الكثيرة المتفشية: ميتة آلاف الشهداء في حرب إيران الطويلة التي استنفدت خيرةَ شباب الوطن نارا ووقودا، وميتة آلاف الأبرياء من بعدهم في حرب (عاصفة الصحراء) التي أعقبها حصارٌ دام حصد أرواحَ ملايين الأطفال، ولم يكتف "القدرُ" بذلك بل أضاف إليه غارات أخرى عشوائيّةً تتفجّر من حين إلى آخر، وتأتي على كلّ ما في طريقها من أخضر ويابس - كان والد الرّاوي في آخرها أحد الضحايا – فكأن كلّ فرد عراقيّ هنا هو "أوديب" يلاحقه قدرُه أينما حلّ، وذنبُه الوحيدُ لعنةٌ مكنونةٌ لا يُدرى متى تُرفَــع أو تخمد!
وعليه يمكن القولُ بأن خط الماضي هنا كان لرصد الجانب الذاتيّ من حياة البطل؛ لإعلاء نبرة السرد، وزيادة جرعة التشويق وكذا لإضاءة جانب منصرم من حياة إحدى المدن العراقيّة والريف العراقيّ؛ حيث التقاليدُ والعاداتُ سيفٌ مصلَتٌ دوما على رقاب المتمرّدين. في حين لم يخرج الخط الراهن كثيرا عن بعض من مسارات الناحية الذاتيّة من حيث ارتكازُه على جانب غير ضئيل من معاناة البطل العاطفيّة، ومعاناته النفسية، وعيشه الضنك الذي لم تغنه فيه موهبتُه الأدبيّة، ولا المكافآت المتفرقة التي يقبضها من حين إلى آخر. ولكن ما يغلب على هذا المستوى الزمني هو تسليطه الضوءَ على المعاناة الجمعيّة، وعلى الهمّ الوطنيّ، الذي لا تصبح معه معاناة الفرد أو همومه سوى ملمح جزئيّ لا يُقصَد لذاته أبدا وإن بدا كذلك. وكلاهما معا نسيجٌ متناغمٌ عرف المبدع كيف يشكّل حركاته، وكيف يوزع أجزاءه توزيعا سيمفونيّا تتتابع فيه النغماتُ وتتوازى.