لا تعني خاتمة أي عمل سردي جملته الأخيرة فحسب، أو حتى عددا من الفقرات التي تنتهي عادة بجملة " تم بحمد الله "، ولكن المقصود بالخاتمة هو تطور القصة ذاتها نحو الوصول إلى حالة من الإشباع. وبطريقة أخرى فالسؤال الذي تطرحه الدراسة هنا هو: هل أنتجت القصة خاتمتها؟ أم أن الخاتمة هي فعل إسقاطي، و نتيجة لعجز الكاتب عن التخيل، وعن إنتاج مسارات جديدة. كما أن الحكي الذي يتخطى حالة الإشباع، وهو ما يعنيه الاستمرار بالسرد والإطناب في مجاوزة الحدث الأخير، هل يعتبر مضيعة للوقت، وحشو زائد بدون حاجة؟ ولا تقتصر أهمية الخاتمة على النصوص ذات الحبكة التقليدية، فحتى النصوص التجريبية التي تخلصت من الحبكة_وهي في كثير من الأحيان فعلت ذلك نتيجة لعجزها عن التخيل_ لا تستطيع التخلص من الخاتمة، ليس على اعتبار أنها قدر محتوم فقط، ولكنها أيضا ما يعطي للنص توتره اللازم، ونكهته التي تغني القصة بمجملها. وفي أجناس أدبية معينة مثل" القصة القصيرة جدا "، تتوهج الخاتمة أكثر فهي ما ينتظره القارئ بشعوره الخفي لتعطيه الصدمة الأخيرة، أو المفاجأة المرتقبة.
وفي كثير من الأحيان تكاد بعض أشكال النهايات السردية تنقض العمل السردي بكامله، وذلك لقصور النص عن نموه الطبيعي، وفشله في إنتاج نهاية تخرج مع القارئ إلى آفاق بعيدة، ومسارات متجددة. وتبرز بعض النهايات السردية وتستقر في الذهن الجماعي، لكونها ساهمت بشكل كبير في تكثيف قيمة العمل وترسيخه في ذاكرة التاريخ. ولنا أن نتخيل مثلا ما يمكن أن تكون عليه رواية (رجال في الشمس) للشهيد "غسان كنفاني" لو أن نهاية الرواية بدت مختلفة عن ما هي عليه اليوم. وما دمنا ذكرنا رواية (رجال في الشمس) فليس من الخفي على القارئ الواعي أنها تنزل درجات إذا ما قورنت مع رواية كنفاني التالية عليها "ما تبقى لكم" إلا أن ما جعل "رجال في الشمس"، ترافق السنة الكتاب والشعراء والعامة هو "نهايتها التي تنشب اضافرها في القارئ، بحيث لا تدع له منها فكاكا"، على حد تعبير الناقد الكبير"إحسان عباس".
وفي استدعائنا لنصوص من السرد الغرائبي، فلأن الخاتمة التي تولد من رحم السرد ألغرائبي، تبدو أكثر إيضاحا في تبيان مدى استطاعة القصة إنتاج خاتمتها بنفسها. وذلك أن الأدب الغرائبي مبني بشكل أساس على التخيل، وعلى إقامة عالم لامعقول يتزايد التعقيد فيه أكثر كلما اتجهت الحكاية إلى المشهد الأخير. وليس من مهم هنا الانشغال بماهية العجيب والغريب من حيث التأصيل، أو محاولة تلمس الحدود الفاصلة بينهما، ومتى يتحول العجيب إلى غريب. فهذه على ذمة "تودوروف" ومن تشيع له، وان كان الناقد "كمال ابو ديب" في مقدمة كتاب "العظمة" يسخر من تقسيمات "تودوروف" وخصوصا دعواه أن العجائبية جنس غربي من القرن الثامن عشر، ولكن ليس هذا ما ندندن حوله.
في السرد الأردني المعاصر، تبرز أشكال للنهاية تتطلب الدراسة، وهنا سوف نقتصر على القصة القصيرة، وسوف نتحدث عن أشكال سردية تنتمي للأدب اللامعقول والغرائبي بشكل خاص. وسوف ننظر إلى نهايات القصص التي سنذكرها من خلال عدة اعتبارات، ولكن أهم هذه الاعتبارات هو تقسيم الخاتمة إلى قسمين أساسين هما الخاتمة الطبيعية وهي التي تنتجها القصة بنفسها كما أسلفنا، والقسم الثاني هو الخاتمة المشوهة والتي تتمثل بعدة أشكال، وهي التي سوف نهتم بالتمثيل لها.
يبدأ جمال ناجي قصته "يوم الحمار"، بالفقرة التالية: "حين دخل عوني وابنه المتألم تلك البناية العتيقة، فوجئا بالوقع الغريب لحركة الناس فيها. فوجئا أيضا بالألفاظ التي يستخدمونها، إذ ما إن تجاوزا العتبة الإسمنتية عند المدخل، حتى وجدا نفسيهما في قاعة واسعة مبلطة يتنقل فيها الناس من مكان لآخر بسرعات غير عادية، ويتداولون بشيء من الحقد والوعيد أحاديث مقتضبة عن الكلاب والقطط والحمير". تشكل القصة مثالا جيدا_ حتى منتصفها على الأقل_ لطريقة إقناع القارئ بلا معقولية النص. فالأب الذي يحضر ابنه المصاب إلى عمارة مبلطة ذات مدخل إسمنتي لكي يعالج كتفه التي عقرها حمار، يتفا جئ بطلب الطبيب منهما العودة، والبحث عن الحمار الجاني لكي يتم العلاج للصبي.
وحيث تشي البداية بالغرائبية والتعمية للمحاولة في إطالة مساحة التحفيز والترقب، والكاتب في سبيل بذلك يعتمد على الغموض والتضليل. فالنص يكتفي بذكر البناية العتيقة والغرف الخمسة مثلا، تاركا للقارئ إقامة مسمياته الخاصة عن المركز الطبي وما شابه. وهذا الإبهام في الطرح يصب في تعقيد البناء السردي، ولكي يصل الكاتب إلى النقطة الرئيسة وبشكل مقنع، وهي طلب الطبيب من الرجل وابنه أن يذهبا للتعرف على الحمار الجاني، هذا الطلب غير المنطقي، قد يبدو تافها لو لم يكن الكاتب تعمد إضفاء حالة من الغرائبية منذ البداية، جاعلا القارئ يتهيأ للوصول لهكذا أحداث. ويجعلنا النص مباشرة داخل حالة الفوضى والنقمة التي تعم الناس في تلك العمارة القديمة. وتتكرر أسماء القطط والحمير والكلاب مهيئة للجو الغرائبي. و يبدو جليا كيف تعامل الكاتب بذكاء أثناء طرحه للأحداث و تسلسلها، مخلفا قدرا من التشويق والترقب الممزوجان بنكهة من السخرية، والتردد بين المعقول واللامعقول.
ولكن مشكلة القصة هي أن الكاتب عجز في الوصول إلى نهاية غرائبية تتناغم مع الجو اللاعقلاني الذي شيده الكاتب ببراعة منذ البداية. إذ اتجهت الخاتمة نحو عقلنة القصة وجعل ما أراده الطبيب يبدو منطقيا بناء على القاعدة الطبية (الغير معقولة) التي قررها الطبيب وهي:" الحمار المسعور يموت إذا عقر إنسانا". فأصبح طلب الطبيب،المتمثل في البحث عن الحمار العاقر، طلبا منطقيا وذلك ليتم التأكد هل كان الحمار العاقر حمارا مسعورا؟، وتنتهي القصة بالفقرة التالية
"- لماذا لم تقل هذا من البداية ؟ لماذا عذبتنا هكذا؟.
فتبسم الطبيب ونظر إليه بعينين ظافرتين متشفيتين:
- هذه الأمور لا تحتاج إلى شرح، ثم، هل نسيت انك وبختني بالأمس هنا في عيادتي؟".
أنا اعتقد أن جنوح النهاية عن مسار القصة، وشكلها اللامعقول نحو المعقول هو فشل في القصة، ويتمثل الفشل في محاولة تبرير اللامعقول. وهذا شكل من أشكال ضعف الخاتمة، إذ يعجز الكاتب عن الاستمرار في النسق الغرائبي، ولهذا يلجأ إلى عالم الواقع، ولا يجد بدا من محاولة شرح القصة لتبرير وشرح ما سبق منها. بما يذكرنا في بعض حالاته بالدراما العربية عندما تعالج مسائل مشابه غير معقولة، بجعل البطل يستفيق من النوم على اعتبار أن كل اللامعقول السابق كان حلما، ولا يمكن تبرير جعل الغرائبي مجرد حلم، إلا عند العجز عن استشراف أنماط فانتازية غير مسبوقة، لتصبح النهاية مجرد تبرير للبداية. وهذا لا يعني أن الغرائبية الناجحة لا يمكن أن تتكون في بنية حلم، ولكن فقط عندما يكون الحلم حدثا من أحداثها وعنصرا من عناصرها، وليس إسقاطا من خارج النص.
في قصة "الفزاعة" لسناء شعلان، نهاية اقرب إلى جو القصة ألغرائبي، ولكن فشل القصة يتمثل بفكرتها التي طغت عليها، وبجعل الحدث اللامعقول وهو" الفزاعة العاشق" يصب بعالم واقعي ليس للغرائبية فيه مكان، فبدت الأحداث مصطنعة لا مجال للغموض فيها. كما أن القارئ بعد سطرين سوف يجد أن عنوان القصة كان فاضحا لها، تبدأ القصة بالفقرة التالية: "ملابسه رثة، قبعة قديمة فيها خرق كبير، أقدامه خشبية، عيناه زران مختلفا اللون، وفمه مخاط على عجل، ولا أذنين له، وقلبه من القش وخصره نحيل وجسده مصلوب ليل نهار، ولكنه يحبها".
إذن هذا الجسم الخشبي "الفزاعة" يحب الفتاة التي صنعته، وهو يراقبها ليل نهار خصوصا أثناء عملها في الحقل. ثم نكتشف أن هذه الفتاة لديها في الكوخ الذي تعيش فيه "بيانو"، وأنها تعزف عليه برفقة حبيب لها، ثم نكتشف أيضا أن هذا الحبيب يجيد العزف على البيانو كذلك، ثم في إحدى الأمسيات يعزف الحبيبان سوية على البيانو، وبعد ذلك يتناولان طعام العشاء، ثم يعزفان مجددا، ثم يرقصان على أنغام موسيقى المسجل هذه المرة، ثم لسبب ما يحدث شجار بينهما ويخرج على أثره الحبيب غاضبا فتنهار الفتاة من البكاء، ويأتي مشهد بكاء الفتاة في القصة هكذا: "وانخرطت في البكاء، كان صوت بكائها لا يقل جمالا وتأثيرا في نفسه عن صوت غنائها".
وتنتهي القصة عندما يقرر الفزاعة أن يستجيب إلى وجيب قلبه، وأن يترك مكانه في الحديقة ليدخل على الفتاة الباكية من خلال الباب، ولا تنسى الراوية أن تخبرنا أن "الفزاعة" لم يقرع الباب. "ترجل من مكانه وقطع الحقل الصغير، داس دون أن يقصد بعض حبات الفراولة الحمراء، لم يقرع الباب، فتحه ودخل إلى الكوخ ". ومع أن نهاية القصة تجنح نحو الغرائبية كما هي القصة ذاتها، إلا أن ما أفشل القصة هو لغتها العادية التي لم تستطع إنتاج مشاعر حية، ولم تهيئ الجو للحدث الرئيس، وبقي السرد عائما على السطح، وكأنه يحيل إلى مشاهد كرتونية كانت تبث في الفترة الصباحية للأطفال، وكل ما فعلته الخاتمة هو التخلص من القصة.
وتختلف قصة "المقهى الخشبي"، لسامية عطعوط عن قصة "الفزاعة" السابق ذكرها. فبينما فشلت شعلان بتشكيل بنية غرائبية يمكن لها أن تجعل القارئ يتفاعل مع الحدث، حاولت عطعوط بجهد اكبر جعل الحدث الغرائبي يبدو أكثر حضورا. فمنذ البدء حاولت القصة جاهدة جعل رائحة الخشب - وهي سمة القصة الرئيسة - تفوح في النص وتتسلل إلى القارئ. فقد تشكلت كل الأشياء في القصة بطعم ورائحة الخشب، ولكن المباشرة جعلت البداية أشبه بمقال سياحي تبدأ القصة بهذه الفقرة: "أحبُ هذا المقهى الخشبي كثيرا، بجدرانه الخشبية، وسقفه المصنوع من عوارض خشبية .. وأرضه الخشبية الخشنة جدا، ولونها الذي بلون الشجر حين نسحب منه بلاستيداته الخضراء، صدقوني، حتى الهواء في المقهى خشبي اللون والرائحة، ويكاد يكون خشبي الملمس..".
ثم تكتشف الراوية - وهي بطلة القصة - بعد أن تشرب فنجان قهوة لا تنسى أن تخبرنا أن طعمه كان خشبي المذاق، وانه كان مسكوبا في كوب من خشب الصندل. المهم يبدو أن كل من في المقهى عندما يحاولون الوقوف لا يستطيعون حيث أن أقدامهم تصاب بنوع من شلل، وثم يقدم النادل نصيحة لرواد مقهاه، بنزع أرجل الطاولة واستعمالها كعكازات. وعندما تحاول راوية القصة صفع نفسها لتتأكد أنها ليست في حلم تصاب" بألم شديد" من الصفعة، أما الألم الذي تسبب بشلل قدميها فتصفه" بالألم الكبير"، وفي النهاية تخرج إلى الشارع مستعملة قدمي الطاولة - ولا ندري مقدار حجم سيقان الطاولة - لتشاهد المدينة بأسرها مسرعة على عكاكيز خشبية تطرق الأرض هنا وهناك، ولكن القصة لم تنته عند هذا الحد بل انتهت بالفقرة التالية: "لكنه لم يعد كذلك، حين اشتعلت النيران فجأة من مكان ما، وانتشرت في كل الأرجاء على غفلة منا، وغير عابئة بعكاكيزنا".
ومن الواضح أن الكاتبة لسبب ما لم تشأ أن تنهي قصتها القصيرة بمشهد سكان المدينة الذين يسيرون معتمدين على عكاكيزهم. لهذا بدت الخاتمة وكأنها عبارة ثقيلة أضعفت القصة واستهلكت مزيدا من الحبر، وكان من الجلي أن الكاتبة عند كتابتها للقصة لم تكن تدري كيف ستنهي القصة، لهذا كان الحشو الزائد. قصة" المقهى الخشبي" لم تكن انبثاقا عن فكرة مسبقة، وهو السبب الذي جعل الخاتمة تفلت نحو الإطناب، وهو شكل من أشكال ضعف الخاتمة. و لكن ليس تواجد الفكرة العامة للقصة هو عنصرها الوحيد، بل على العكس فحين تسيطر الفكرة على القصة تجعل الكاتب يلهث وراء الفكرة ناسيا قصته في الخلف. وبمقدار تفرد الفكرة تفقد القصة من ذائقتها، وتصبح مساحة للتفكير المجرد، هذا على الرغم من نبل الفكرة في كثير من الأحيان.
ولكن الفكرة في حال تفردها لا تنتمي للفن. وفي القصص الكبيرة دائما ما تتوافر عناصر كثيرة من ضمنها فكرة الكاتب عما يريد سرده، وطريقة السرد نفسها، لهذا نلاحظ أن الفكرة المجردة كانت سببا في غياب القص عند الكثير من الكتاب، ولهذا أصبحت قصصهم مقالات فكرية، وهذا ما نلاحظه في قصص محمد طميليه. مثل قصة "الكابوس"، وفيها تبحث المدينة كلها عن جلد حنفيات فالناس عاجزة عن النوم، حتى أن السهر يقتل بعضهم وتنتهي القصة بالناس في الشوارع، وهم في أصعب حالة ويشاهد الراوي لافتات مكتوب عليها "لا يوجد لدينا جلد حنفيات، نرجو عدم الإزعاج".
وفي قصته "المدينة" كذلك تطغى الفكرة على القصة أو قل إن القصة كلها فكرة لم يستطع الكاتب جرها إلى عالم الفن. حيث يكتشف رجل في الثلاثينات من عمره أن كل المدينة كهول، وعندما يعود إلى البيت يكتشف أن زوجته هرمة وطفله طفل هرم وعندما ينظر إلى المرآة يقع أرضا. وبنفس النمط يمكن أن نتكلم عن قصص، "الضجيج"،"الخوف". وبالجملة فأن قصص طمليه - باستثناء قصة المتحمسون الأوغاد، وبعض القصص الأخرى - هي مقالات ساخرة تمتزج بها الأفكار ببعض الأحداث التي لم تتماسك لدرجة أن الشخصية لديه تتكون فقط لتقول الجملة التي بنيت القصة من اجلها. ورغم أننا قد لا نتفق كثيرا مع الناقد "ابر هيم خليل" من أن مجموعة "المتحمسون الأوغاد" جعلت من محمد طملية في الصف الأول من كتاب القصة القصيرة في الأردن، إلا أننا نجد كتابا آخرين علت الفكرة على قصصهم بشكل سافر بدا محمد طميلة بالمقارنة معهم في الصف الأول من كتاب القصة الأردنية فعلا.
وذلك أن طمليه يجد الجرأة والمقدرة على التخيل، ولكن ضعف قصصه يتمثل بعدم إنتاج شخصيات لها وجود حقيقي مستقل في النص، لهذا تتحول شخصياته إلى مجرد أشباح، ولكن هذه الأشباح هي قامات إذا قورنت بشخصيات قصص فخري قعوار، مثلا. وليس من الصعب على القارئ لمجموعة "أنا البطريرك" أن يتبنى الرأي السابق. ففي قصة المجموعة الأولى ذات عنوان "المطاردة" يحاول الكاتب وصف مشهد ثور يهم بافتراس رجل، ولا ينسى هذا الرجل أن يخبرنا أن انف الثور- الذي يهم بافتراسه - يسيل منه مخاط لا لون له، ثم يلتقي هذا الرجل برجال يهمون بقتله، وتنتهي القصة بالجملة التالية: "سنطلق عليك النار كلنا في مرة واحدة، وننهش لحمك، ثم نلقي ببقاياك العفنة للوحوش البرية، ثم هيأوا أسلحتهم لإطلاق النار". وتنتهي القصة ثم يدرج الكاتب تاريخ كتابته للقصة، إمعانا في التوضيح أن القصة انتهت.
ولكننا في بداية القصة التالية"موت رجل" نقرأ هذه الجملة: "كنت مشدودا إلى دفئ جسدها، حين رويت لها حكاية الثور الذي طاردني، والرجال ذوو العيون اللامعة الذين حاصروني داخل عتمة الغابة". وكأن الكاتب قرر كتابة جزء ثانٍ للقصة ، ولكن بعد تجاوز الفقرة الأولى لا تعود القصة تمت بنسب للقصة السابقة عليها، ويكاد يشعر القارئ أن الرجل الذي في القصة الأولى مات حقا، وها هو يتقمص شخصية ثانية في القصة التالية، ولكن الخاتمة لم تبلغ ذلك المبلغ في التخيل، إذ انتهت القصة بتقبيل الراوي لحبيبته. وهنا يتساءل القارئ ما العلاقة بين بداية القصة ونهايتها، ولماذا كانت الجملة الأولى التي تبين وجود امتداد للقصة السابقة عليها. ولكي لا نبتعد عن الغرائبية لنقرأ هذا الحور في قصة"الأم":
قال الرضيع لأمه: ثدياك لا يدران حليبا، وأنا جائع
قالت الأم: لو كان لك أسنان لأكلت كما نأكل
قال الرضيع هازئا: لو زرعنا حصدنا
قالت الأم: معك حق".
ثم تطعم الأم ثديها لابنها وتخبره أنها خبأت الثدي الآخر لليوم التالي، وما كان من القصة إلا أن انتهت بالجملة التالية: "فألقى الرضيع نفسه في حضن أمه، وأجهش بالبكاء".
عندما نقرأ مثل هذا الكلام داخل مجموعة قصصية، تنتابنا حيرة شديدة، لأن السذاجة التي تنتجها القصة، والأفكار المكررة، واللغة التقريرية، يجعلان من مجرد القراءة مضيعة للوقت.
شكلت خاتمات القصص السابقة اشكالا مختلفة من "الخاتمة المشوهة"، ويمكن تلمس تجنيس هذه الأشكال عبر إعادة ترتيب القصص وفق مسميات جديدة للخاتمة.
كاتب وشاعر اردني
muthnna@hotmail.com