هذا جزء من الوجع العراقي الذي لا ينتهي، من وجع المنفى الى الاغتراب والتشظي. وضمن كل قصيدة نكتشف صورة "العراقي" عن ذاته وعن كينونته وعن وطنه، صور متشظية مليئة بأوجاع لا تنتهي.

قصيدتان

جواد وادي

من...؟!

1-

من رتّق أسماله

سترا لعورته الفاضحة؟

من أفسد هدأة الصمت

بحثا عن فيض قادم؟

من قايض الليل

بوحشة البراري؟

من أكل بقيته

كي لا يلاحقه المارقون؟

من سوّر آخر أحجية الكلام

بتعاويذ باهتة؟

من ختم جسده

قربانا للعهد الممهور؟

من أوقد هذه الظلال

لفراغات الروح الكسيرة؟

من تصّيد ما تبقى

من نزيف لمحنة الأفاقين؟

من تمرّغ برائحة الأرض العطشى

والسنابل ما أينعت بعد؟

من أهرق دمه غيضا

بقسوة الشهوات؟

من كابد ضدا

على دماثة التراتيل؟

من هادن بفاتنته

ليكسب حفنة من أيام قادمة؟

من عاقر فحولته

فأرتابت منه طيور البرية؟

من أحرق آخر ما تبقى له

لمنادمة نوازعه الفضة؟

من أسّر لأنثاه

بأفعاله المارقة؟

.......................

أنا من أدرك آخر الكي

وسقوط الأحجية

أنا من عاند فساد الريح

بكبوات ضليلة

أنا من كتب آخر مراثيه

بحكمة الأزمنة الغابرة

أنا........

أنا.........

أنا..........

 

2-

البدايات مغرية دائما

(هكذا هي دائما حكاية المُضامين من العراقيين)

كانت أحلامنا

أوسع من حقائبنا

لم يبق لأنفاسنا متسع

فحشرناها في جيوبنا

لكنها كانت كسيرة

فرتّبنا لها مخبئا

كي لا يراها المتربصون

كنا على شفير النهايات

آمالنا ظلت تتهاوى

شيئا...... فشيئا

حتى أمسكنا بأول الضوء

بقينا نبحث عن أسمائنا

الحروف كانت مشتتة

والمعاني أفرغتها البدايات

التي تذكّرنا برغبة الإفلات

من قبضة حاقدة

يا لها من محنة

البطاقات بللها العرق

 على أجسادنا المرتعشة

من يعترف بانتمائنا  إذن

الأصابع تفترق حينا

وحينا يغزوها دبيب

مثل رهبة الموت

الطرقات تضيق

وأجسادنا تتسع

يا إلهي.......

كيف المرور

 من هذا الاكتظاظ

ونحن محاصرون

والضائقة تكبر

كلما انتبهنا

للسعة السياط

على رؤوسنا

تيبست شفاهنا

حيث الهاوية

قريبة من أقدامنا

المصير يقترب

أوه كم مارقة هذي الأجساد

حين تتنكر لرغبتنا في الخلاص

بحثنا عن كلمات تليق بنا

أجهدنا الانتظار

هل الأسفار هكذا دائما

كعنف أمواج البحر الهادرة

تخيفنا

ولا تأبه لمسيرنا المتهالك

كنا جميعا  في نفير

والنهايات تنأي شيئا فشيئا

اغتصبتنا البدايات

وهن سادرات في الغي والكركرات

يمتلكن ناصية العصيان

وهن يتلفعن بجلود المردة

تتزاحم خلفنا الهمسات

ونرى أمامنا أصفادا

تحملها صبية من رذاذ

 الحكايا القديمة

الكوانين لم يخفت جمرها بعد

فقط ما يتناهى لأسماعنا

صفير القطارات البعيدة

ودربكة أحذية العسكر

يبدو أننا وقعنا في الفخ

الأحابيل دائما تكثر في لحظات كهذه

ونحن ضحايا الفطنة المارقة

تحاصرنا الأصوات

من كل صوب

والفراغات لم تعد ملاذا آمنا

أغلقوا حتى مساماتنا

كي لا يتيسر لنا الهروب

إذن...

عدنا أرقاما للفتك

لا أكثر...

تشابكت أنفاسنا

حتى إختلطت على الجلاد

شهوة القتل

كي لا يميز بين الأنا والأنا

أفرغنا آخر ما تبقى لنا من وداع...

ولذنا بالصمت...

 

*كاتب وشاعر عراقي مقيم في المغرب