«ما لم يقل بيننا» قصيدة الشاعرة فاتحة مرشيد، صدرت في طبعة أنيقة عن المركز الثقافي العربي ومرفقة بالنص المترجم الى اللغة الانجليزية أعده الشاعر والمترجم نورالدين الزويتني موسوم ب"Unspoken". لقد أمست كتابات الشاعرة والمبدعة فاتحة مرشيد تحظى باحتفاء النقد رغم حضورها في المشهد الإبداعي المغربي السنوات الأخيرة من القرن الماضي، حيث توالت إصداراتها الشعرية والروائية بشكل منتظم وحظيت نصوصها بترجمات الى لغات أخرى. ولتجربة فاتحة مرشيد أثر مباشر على القصيدة المغربية الحديثة، إذ أنها شكلت مسارا متجددا لنصها الشعري في انفتاحه على عوالم قصيد تخص المرأة المبدعة. صوتها الإبداعي المستقل في القول الشعري وجسر لشعرية مفتوحة غنية بمستويات الاشتغال النصي الشعري. في قصيدة "ما لم يقل بيننا" اعتراف بهذه ال"ما"، إذ تخط الشاعرة هذا "النص الغائب" من العنوان عبر تفاصيل أشبه بمونولوغ طويل يستحضر تقابلين محددين. تشكل الشاعرة صورهما من خلال تحديد وملأ البياضات. هذا النص الغائب يتمظهر تشكلين لذاتين تتقابلان في تماس مجازي، رجل وامرأة حيث المرأة حاملة للقول الشعري وسيدته وشخصيته المركزية.
هما "جريحان" تعرج خلاله الشاعرة على تشريح هواجس ذاتها المشرعة على الحب، لكنه الحب الذي يحتاج للألم إذ بدونه لا يكتمل في "سدرة العشق" وحينها تنمحي الذات وتتوحد جسدا واحدا متيما بالوجد. هما "جريحان" لأنهما اختارا أن يكون الحب ثالثهما ووفق هذه المنزلة تنتهي الحدود وتصبح البياضات في العلاقة هي الأساس.
في توصيف هذا النص الغائب، تعود الشاعرة الى ذاتها كي تشرح هواجس التوحد، خصوصا حينما يصبح الآخر يعيش في حالاته، سواء في اصطناعه الرغبة المتحللة في ذات أخرى، أو في صوره "الرجولية" المعهودة وهو ما يخلق ذات امرأة متوجسة، قلقة، بدون أدنى لذة في الأشياء، هي فقط تعيش "المابين". ولعل هذه النقطة بالذات تستطيع أن تصرح علنا بهواجسها ونذوبها بقلقها وبحالات الحب والوجد.
في "قصيدة ما لم يقل بيننا" صوت للحب الإنساني في التباس مع ذاتين بنزوعات مختلفة، وهنا يتحول الحب الى "شخص جبان"، فرغبة التملك لا تقابلها أحاسيس تحلق بعيدا عن ما يرى، لأن كل ما يرى ليس إلا صورة غير مكتملة لظنون الذات الملتبسة. وما تلبث أن تعلن القصيدة صوتها الفردي دون "قتل" للآخر، صوت يعلن انجراحاته وآلامه وفرحه في هذا اللااكتمال. وكلما استطاع الحب أن يوحد ذاتين قررا في لحظة أن يتوحدا كلما كانت الحاجة ماسة لقليل من الاعتراف بالمساواة. أي لا أحد في الحب يضع نياشين على كتفيه، لا أحد يستطيع أن يطلق رغباته هو. في الحب تموت كل الفردانية المقيتة، ولا نستطيع تجنيس العواطف.
يحتاج الحب لكثير من المساواة، ولو كان "اليقين" في مقابل "العدم" ولو كانت امرأة تتحرر من جلدها كي ترسو على نقطة "المابين" حيث يصبح هو/الرجل في التماعاته الغير البطولية، حيث يكون هو فقط. لكن، هل له القدرة كي تقوده هي لما هو أبعد من الحب؟؟
في النهاية، نكتشف صورة أخرى لهذه الوشائج المستعارة، صورة مسكونة بحالات ذات وهي أشبه بالصدفة لعلها الصدفة التي قادتها أن تكشف حالات تجلي لوجودها "الزئبقي". وهنا تصبح الذات أقرب لحالات الكتابة، هي أشبه بالحبر، أشبه بحالات القصيدة في تجليها. ويصبح الهامش أكثر اتساعا..
أنحني
أتعثر
أتبعثر
أتكسر
أتوطد
أنهض
أستقيم/ ص67.
في هذا الهامش الذي تفتحه الذات مشرعة على حالاتها نتلمس هذه "الحياة القصيرة" التي تتلون صورا في أوجه تلخص لنا أفعالا حركية هي عبارة عن صور لهذا "المابين" الذي يسم ذاتا سيزيفية تنعتق من العدم في كل لحظة السقوط. وهذا "اللاقول" هو ما تشرحه القصيدة في أحاسيس مركبة.
في قصيدة "ما لم يقل بيننا" للشاعرة فاتحة مرشيد سمو بقيمة الحب الى بعدها الإنساني ووصف متشعب لذات تتلظى من حنين وحب مشوب بالانكسار، إذ يضمر حضور هذا الآخر أسئلة موازية في قدرته على جعل النص الشعري أبعد من أن يكون صوت "أمرأة" أنهكها محاولة فهم الحب..محاولة فهم ما لا يفهم بالمرة..وهل يحتاج الحب الى "الفهم"؟ ومن تم الى التفسير؟؟ كل ما قيل في القصيدة هو ما لم يقل، هو ما ترغب الشاعرة البوح به للمتلقي..وما لم يقل بين الشاعرة والمتلقي هو هذا النص المعلق بين اللغة ورؤية القصيدة، بين المعنى واللامعنى، بين القصيدة والقارئ.