في إطار الاحتفال بمائويّة الأديب التونسي الراحل محمود المسعدي تنظم المندوبية الجهوية للثقافة بسوسة في الساحل التوسنية، ندوة علميّة تبحث في حداثة السؤال في أعمال محمود المسعدي، في شكل مقاربة في أساليب الإبداع ومراجعه، وذلك يومي 4 و5 مايو / أيار المقبل بالمركز الثقافي بسوسة. ويتضمن برنامج الندوة عددا من الجلسات العلمية التي يشرف عليها ويشارك فيها أساتذة ومختصون في أدب المسعدي، حيث سيكون الافتتاح يوم الجمعة 4 مايو / أيار بكلمة السيد الشاذلي العزابو المندوب الجهوي للثقافة بسوسة، ثمّ تقديم الورقة العلمية للندوة للأستاذ مصطفى الكيلاني، إثر ذلك يتمّ تدشين المعرض الوثائقي الذي يحمل عنوان "المسعدي إبداع وتأسيس" ويتضمن صورا، نسخا من المخطوطات وأغلفة لآثار الأديب..
ثمّ تنطلق الجلسة العلمية الأولى برئاسة لأستاذ عبد السلام المسدي ويقدم فيها الأستاذ محمود طرشونة شهادة حول "شخصية المسعدي"، تليها مداخلة للأستاذ فرج الحوار بعنوان "المسعدي بصفته مؤسسة"، ويقدم الأستاذ خالد الغريبي مداخلة حول "المرجعية الوجودية في نماذج لمحمود المسعدي".
صباح يوم السبت 5 مايو / أيار تنطلق الجلسة العلمية الثانية برئاسة الأستاذ محمد الناصر العجيمين وفيها مداخلة للأستاذ يوسف البحري "لغة محمود المسعدي ولغة جماعة تحت السور الوجه والقفا" تليها مداخلة للأستاذ محمد الدلال حول "خصائص اللغة في حدّث أبو هريرة قال لمحمود المسعدي". بعد الإستراحة تلتئم الجلسة العلمية الثالثة برئاسة الأستاذ خالد الغريبي، يقدم خلالها الأستاذ عمر الإمام مداخلة تحمل عنوان "سؤال الحداثة في أدب المقال –تأصيلا لكيان- لمحمود المسعدي"، ثمّ يقدم الأستاذ ثامر الغزي رئيس قسم اللغة والآداب العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة مداخلة حول "الإنسان والحداثة في كتابات المسعدي".
وفي الفترة المسائية تنتظم الجلسة العلمية الرابعة برئاسة الأستاذ المنصف بن عبد الجليل عميد كلية الاداب والعلوم الإنسانية بسوسة، حيث يقدم الأستاذ كمال الزغباني مداخلة بعنوان "الذات المبدعة: زاردشت وأبو هريرة" ويحاضر الأستاذ سليم دولة حول "المتعلق اللغوي والمحلوم به مسعديا"، مّّ مداخلة الأستاذ مصطفى الكيلاني بعنوان "لاعبية السؤال في كتابات محمود المسعدي،الاثبات، بدءا ومرجعا أم النفي؟". إثر الإستراحة يتمّ عرض شريط وثائقي بعنوان "المسعدي ساحر الوجود"من إعداد محمود طرشونة وإخراج مختار العجيمي.
وجاء في الورقة البحثية ما يلي "تنزع الكتابة المسعديّة إلى الاستفهام بعيدا عن اليقين الساذج ومسطور السبل المعرفيّة، فهي تتنزّل في مقام إشكاليّ بين الوثوق المحض والارتياب الخالص، إذ كلّما أدركت تهديد أحدهما لها لاذت بضرب من الوثوق المرتاب أو الارتياب الواثق كي يظلّ السؤال في كلّ الأحوال، تقريبا، سيّد المواقف، كأن يُستضاء به على عتبة الوجود المشروط أو المحكوم بالعدم ابتداء ومرجعا. "فأقصى الايمان"، على حدّ عبارة محمود المسعدي في تأمّلاته، كفر أو عذاب، كالحبّ بلا وصال تأباه ويأباك "
وإذا السؤال اختيار فكري ومنهج حدسي في ذات الحين يساعد على تجلية البعض القليل من بهمة الأشياء، وهو الذي به تكتسب الكينونة معنى "إن أردت أن تكون وأن تكون انسانا، فاجعل كلّ حياتك سؤالا وكلّ طريقك سيرا لا يني". إنّ هلاك الكينونة من هلاك المعنى، وهلاك المعنى من وهن السؤال أو اضمحلاله، والمقابل حيرة وقلق ومغامرة، ذلك أنّ "آفة الطمأنينة السؤال، والعكس بالعكس"، و" آفة الأدب اللّفظ اذا انتفخ وطغى".
الكتابة، إذن كما يرتئيها محمود المسعدي هي سؤال، بل حداثة أو ثقافة تُمارس بالسؤال. وعن السؤال تتولّد الأسئلة وتتكثر، كالحياة التي هي عدد في واحد، ومفهوم الواحد لا يكون إلاّ بالعدد، بالاختلاف: "أكتب ؟ لمن أكتب؟ الأنا الذي سيموت، طَمِع في أن يبقى حيّا؟ في ما أكتب؟ ومن يقرأ ما كتبت؟ وهم كلّ ذلك، ولكنّه لا حياة يضطلع بها الحيّ، ولا أدب يُعينها إن لم يكن كذلك أساسا ليقين لا يستقيم".
وكما يدفع السؤال إلى الكتابة فإنّ الكتابة سؤال يؤسّس" لوهم جميل" يُغالب النسيان الأبديّ، وإن أدرك منذ البدء انّه آيل هو الآخر إلى التلاشي. لذا انتهج محمود المسعدي سبيل الكتابة ليس طمعا في الخلود بل لقصد الكتابة ذاتها. كتب بالعربيّة والفرنسيّة مثلما قرأ باللّغتين معا ووقف عند ثقافة كلّ منهما، وجمع عند فعل الكتابة بين الأدب والتفلسف. فتضمّنت أعماله الأدبيّة والفكريّة أصداء مراجع مختلفة، بعضها تراثيّ إسلاميّ وبعضها الآخر حداثّي غربّي. فكيف تواصلت هذه المراجع وتفاعلت في منجز محمود المسعدي الإبداعي عامّة؟ كيف استُقبل هذا المنجز قراءة عامّة بالدراسة والنقد، وبالترجمة خاصّة، تعريبا ونقلا؟ وما الذي ينكشف من هذه المراجع، وما الذي يحتجب ؟ أو ما الّذي يتعمّد الكاتب إظهاره أو إضماره استنادا إلى قصيدته الخاصّة في الكتابة ؟ هل مارس محمود المسعدي الرقابة الذاتيّة في مجال ثالوث المنع المعتاد في راهن وجودنا العربيّ الإسلاميّ: الحديث بطلاقة عن الجسد، وحريّة التفكير في الدين، ونقد السياسة؟ولِمَ كان التزامه بالعمليْن النقابّي والسياسّي، والاجتماع ايضا؟ يستدعي تناول مثل هذه القضايا تشريك مجالات اختصاص مختلفة من نقد أدبّي وبحث فلسفّي ودراسة لسانيّة أو أسلوبيّة واهتمام سسيو –ثقافّي وأنتروبولوجّي لتسليط الأضواء من مواقع بحثيّة متعدّدة على المواطن الخفيّة في عالم محمود المسعدي الإبداعي التي لم تُقرأ بعد أو التي تستدعي إعادة القراءة بمفاهيم ومراجع ومناهج جديدة ضمن مقاربات أخرى حادثة".