تتسلسل رؤى الشاعر الفلسطيني "أحد عشر التماعا" لتبحث عن تجسير بين الخسارات والقصيدة، وفي ظل هذا "المابين" يخلق صوت الشاعر من خلال اللغة، عبورا مجازيا نحو اللانهائي.

رؤى يوحنَّا الجَليلي

نمر سعدي

(أحد عشرَ التماعاً)

 

(1)

أرفو الزنابقَ من جسمي وتجلدُني

دنيايَ ظلماً بلعناتِ الثعابينِ

كأنمَّا نشوةُ الخيَّامِ تملأني

حتى تحفَّ دمي نيرانُ بايرونِ

آهٍ لو أنَّ جميعَ الأمنياتِ لها

جسماً وحيداً أوافيهِ فيشفيني

أو كنتُ أسبحُ من معنايَ في أبدٍ

ثانٍ يوزِّعُ أشيائي ويُلقيني

راءٍ أنا من زماني حلمَهُ بغَدي

ولي مكاني هنا. صوتٌ يناديني

 

(2)

ذاتَ ليلٍ ستخرجُ منِّي الأناشيدُ عُريانةً

تلبسُ الماءَ والنورَ ......

وحدي الذي سوفَ يعرفُ أنَّ القصيدةَ

تجسيدُ لحظةِ ما نشتهي ونحُبُّ.....

القصيدةُ مفتاحُ لا وعينا والغدُ المستحيلُ ....

سأصرخُ في ذاتِ ليلٍ : وجدتُ القصيدةَ فيَّ فلامستُها..

انتثرتْ في عراءِ دمائي وضيَّعتها...

 

(3)

بشواطئٍ بيضاءَ أحلمُ. ملءَ هذا الكونِ

أحلمُ بالفراشاتِ الخضيلةِ من شذى النيرانِ

أحلمُ بالسماءِ, بهالةٍ شفَّافةٍ زرقاءَ

راحَ يمُسُّها شبقُ الضياءِ .......

ومسَّني الطوفانُ في أطرافِ أزهاري

صحوتُ. ركضتُ مذعوراً. بلا قلبٍ يدُقُّ

وراحَ يخرجُ من منامي أفعوانْ

 

(4)

من رمادِ الخساراتِ ينبتُ أبطالنا القادمونَ إلى عرسنا

مثلَ زهرِ الأناجيلِ. والذاهبونَ إلى شمسنا

من رمادٍ يوحِّدُ أصواتنا في نشيدِ الحياةِ

يُجدِّدُ أشواقنا المنتقاةَ

يُعمِّدنا أوَّلاً بالحنينْ

من رمادِ الخساراتِ....

لا من خيامِ النساءِ ولا من بيوتِ سحابٍ وطينْ

سوفَ ينبتُ أبطالنا القادمونْ

 

(5)

أصنعُ من نثارِ وقتي قُبلةً ثلجيةً, ناريةً

أدفنُ فيها القلبَ ريثما يُبرعمُ الصدى الصوتيُّ في رسائلي

وتنهضُ الجهاتُ واللغاتُ من نومِ مجازِ الشعرِ في قصيدتي

الحُبلى بأحلامِ لوتريامونَ أو رمبو .....

ويخطو آخري المسكونُ مثلي بالبحيراتِ ....

إلى براءةِ الأشياءْ

 

(6)

وحدي ألمُّ خطايَ في وطنٍ حياديٍّ

أرى الأشياءَ تزهرُ في رؤايَ رذاذَ أجنحةٍ

وورداً فاضَ عن حَدِّي ...

وُلدتُ من القصاصاتِ الأخيرةِ للسنا عِندي

أنا سفرُ الندى المكتوبُ في سِرِّي بماءِ الغيبِ

وحدي شاهدٌ وشهيدُ ما سأخطُّ من حُرِّيتي فوقَ الفراغِ

وحينَ أُبعثُ من ظلامِ الحُبِّ حيَّا

 

(7)

أُحاولُ ايجادَ معنىً لنصفِ الكلامِ الذي في الحروبِ احترَقْ

ونصفِ الغرامِ الذي دشَّنتهُ الغوايةُ. ملءَ الغروبِ انعتَقْ

أحاولُ أن أبدأ الشعرَ. إذْ تنتهي الطائراتُ غداً

من سمائي التي أشتهي أن أراها

فتسكنني ألفُ طائرةٍ من ورَقْ

 

(8)

ذهبتُ أبحثُ عن معناكِ فافترَستْ

عينيَّ رؤيا سالومي. واحتوتكِ يدي

لكنَّ عينيكِ كالعنقاءِ تُفلتُ من

ألحانِ روحي وتحشوهنَّ بالرمدِ

حتى بحيراتكِ الصغرى مُجللَّةٌ

بوردةٍ من دموعِ الطائرِ الغَرِدِ

حتى رمادُ مساءاتي يُبعثرُني

أوراقَ حورٍ أتتْ من لوعةِ الأبدِ

لُمِّي نصاعةَ هذا الليلِ. واجترحي

جسراً إلى صبحكِ الوسنانِ في خَلَدي

هناكَ فوضى جمالٍ لا تُؤلِّفني

إلاَّ كما ألَّفَتْ عشتارَ بالزبدِ

هناكَ لم أنتبهْ.. حتى إذا احترَقتْ

فيَّ الشواطىءُ أجراساً على الأحَدِ

رأيتُ نفسَكِ في نفسي ولمْ أعُدِ

حيَّا من البئرِ يا من عُدتِ من جسَدي

من ماءِ مرآةِ روحي. حينَ أسكُبهُ

على ترابِ الثُرَّيا...... من حنينِ غدي

إلى تفلُّتِ نهرٍ منكِ يُرعشُني

على ضلوعي, على جنبي, على أوَدي

يكونُ مثلَ عمادِ النارِ يبدأني

أو اقترافَ خطيئاتي على عَمَدِ

 

(9)

لا حكمةً لي في انكِسارِ معارجِ البلُّورِ

تنبتُ حكمتي كالعَوسجِ البريِّ والنبويِّ

في قلبي وتُشعلني بلا وَهجٍ

ليأتي الغيرُ يقبسُ من أنايَ

ويستضيءُ بليلِ من وهَبوا الغيابَ دماءَهم......

 

(10)

في الجليلِ طيورٌ سماوِّيةٌ من وصايا الغمامِ

ترِفُّ على عطشي كيْ ينامَ

بلا لهفةٍ تتسلَّلُ من خللِ الماءِ مثلَ بروقِ المدى

في الجليلِ سأصنعُ لاسميَ معناهُ

أحملُ رأسي بنفسي على طرفِ السيفِ عشقاً ...

وكيما أصيرَ جديراً بحَلِّ سيورِ حذاءِ المسيحِ

وكيما أُحرِّرَ بعضَ صفاتِ الزهورِ

وبعضَ صفاتِ الندى

في جليلِ هيروديا من الليلِ

من سُمِّ أفعى التآويلِ

لا بُدَّ لي أن يضيءَ احتراقي ظلامَ الوجودِ

وأخصبَ جدبَ الحياةِ

بدمعي ودمِّي سُدى

 

(11)

ستمُرِّينَ بي في أقاصي الرياحِ

كوردٍ عصيٍّ على الفهمِ

من غيرِ تلويحةٍ لمراياكِ.....

أنهضُ من قاعِ حُلمٍ قليلٍ, ضليلِ البُروقِ

يُطاردهُ شبقُ العنكبوتِ

بعدوِ السُلَّيكِ أو الشنفرى.... وتماهيكِ بي

يا انعقادَ التويجاتِ في شفقي

وانسكابِ أجنَّتها في دمي

يا احتفاءً شهيَّاً ببحرٍ تغلغلَ في معصَميكِ وفي عُنُقي

ثمَّ تاهَ بهِ قلقي

تاهَ حتى الوصولِ إلى وردةِ الظَلموتْ .