يسعى الباحث الجزائري إلى تخليص الدرس البلاغي العربي من تمحوره حول موضوعات التشبيه والاستعارة والمجاز، والكشف عن محاولاته المضمرة لإبداع رؤى بلاغية جديدة من خلال قراءته هوامش الدرس البلاغي عند الجاحظ والجرجاني للكشف عما تنطوي عليه من قدرة على إنتاج فلسفة الفن وجماليات الإبداع.

سلطة الهامش على المتن في الدرس البلاغي

العربيّ عمّيش

يؤدي بنا تأملّ النزوع البلاغي في مبدأ تجلياته اللّغوية إلى تصوّر القيمة الدلالية عارية عن كلّ استفاضة إمتاعية حيث يمكن التعليم لهذا العدول بنشوء الدلالات الانزياحية التي يلجأ الدرس البلاغي إلى تقييدها بفائدة اللّفظ لغير ما وضع له، بما يعني مغادرة الدلالية الاسمية الاصطلاحية، فهذا التدالّ بين اللّفظ وظلاله أو بين العبارة الملفوظة المكتوبة وهوامشها الاستتباعية هي المحيلة بامتياز على الغاية الإمتاعية التي ينطوي عليها تتبع تجسيد المعاني الأدبية في نفسية السامع أو المتلقي، والبلاغة في صميم تطلبها المعاني تسلك سبيل الانفعال القلبي بالدلالات والمعاني فالتراسل القلبي بين طرفي الخطاب يستدعي توظيف طاقة روحية هي التأمل القلبي(1)، وهو المرجع الانفعالي الذي يغلبونه على مرجعية العقل عندما يتعلق الأمر بتمحيص الدلالات الأدبية لأنه محلّ المعتقدات(2)، وهو جدير بحكم لياقته تلك أن يتجاوب مع المبدأ الفطري في تفهّم أسرار أكوان الأشياء، ولا سبيل لتجسيد هذا المنزع إلاّ بتقوية العلاقة التواصلية بين طرفي الخطاب وقد ألفينا الجاحظ على الرغم من فكره الاعتزالي يبالغ في تمتينها راقيا بها إلى المواصفات الروحية النادرة حين قال: «وتخيف المؤونة على المستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة في الآذان المقبولة في الأذهان»(3).

فلنتامّل كيف رأف البلاغيون العرب وتلطفوا في تهيئة ملابسات التلقي على السامع، فبذلوا له الكثير من الأسباب التي تجعل مكونات الكلام استجابة للياقة التي يتوخاها، وكيف لا يتفطنون إلى قيم التواصل النبيل هذه وهم الذين رأوا الإتحاف اللّساني السماعي ضربا من قرى الأرواح(4)، وأن تحسن قرى الروح فلا بدّ أن تبذل لها أسباب الإمتاع البلاغي، وأما إضافتهم التزيين إلى الإكرام فقائم على الاستعانة بكل أسباب الإمتاع اللّفظّي وتنميقه، وترقيق حواشيه، وهي كما نتأملها طرائق حساسة دقيقة تستوجب إعمال الفطن البلاغية الكفيلة بتوفير المتع اللّسانية السماعية، ونحسبها قيما لا تستقرّ على عرف بعينه وإنما هي محل إبداع واجتهاد وتطوع مفتوح على غايات لا متناهية، لذلك جيء بوظيفتي السماع في قوله الآذان، والأذهان التي تعني التلطّف في المعاني.

ونحسب أن ليس ثمة من توصيف لحميمية التواصل القلبي بين طرفي الخطاب أدق من ترقيتها إلى مستوى التفاهم الصوفي، ولا يمكن القبض على الأسرار البانية لمتعة توقيع المعاني في قلب السامع إلاّ من خلال العمل على تشخيص طبيعة الانتقال بين التفكير والتعبير، فاللّغة بما هي أداة مقاربة لما يعتمل في بواطن الروح البشرية كفيلة بتحقيق الوظيفة الأدبية التي يقف على طرفيها كلّ من اللّفظ والمعنى.

وحتى ولو أقررنا بما يصدقه المنطق والقسمة والإحصاء أنّ التفكير النقدي تال لتعاطي الإنشاء والإبداع البلاغيين متواشج معهما، فإنّ الذات المنشئة أكثر ما يتسهّل عليها، في أول النّزوع اللّغوي، مجاذبة القيم الفنية الجمالية، المحتكمة في التذاذها إلى ما يستشعره كلّ من اللّسان والسماع من الأنسالق الانتظامية الملذوذة، لأنّ هاتين الحاستين تتمتعان بحساب غريزة فائق الاستجابة إلى إحصاء العناصر وترتبيتها وانتظامها وتواليها وتوازنها وتعادلها، ولعلّ هذ1ه الغاية التوزينية لمقاييس فصول الكلام هي التي عناها الجاحظ حين قال: بالتعديل والاستواء، فالحسّ قمين بتهذيب الكمّ اللّفظي، وانتظامها وفق قانون الاستطاعة الموكول إلى عمل الجملة العصبية. لا لشيء إلاّ لكون طبيعة الإنسان مقرّة بأنّ النّظرة الأولى حمقاء(5)، وفي خضمّ هذا المبدأ الانفعالي الهاجم المنقضّ يتحقّق احتياش المقدرا اللغوية ذات الشحنة البلاغية التوقيعية بعد إنعام النظر واستقصاء التّأمّل، فاللّغة بمواصفاتها البلاغية لا تنأى في حدود هذه الوظيفة المعرفية عن خبرة الواقع البيئي الاجتماعي النفسي للمجتمع فهي المناط الذي يتعلّق به الحسّ متوسلا في استطلاع الحوافز الإبداعية واستمداد الفطن البلاغية الكافية لتسليط التوقيعات اللغوية مجاذبة لأسباب تشعير الأساليب التعبيرية.

لذلك وانطلاقا من هذا التحسّس اللغوي لأكوان الأشياء، ونظرا لحساسية التوسل باللّغة فإن الرياضة والسياسة والتّركّح منهج روحي يضطلع بمداعبة المنمنمات والزخرفات الزئبقية المتفلتة من أسر العقل لها، لذلك جاء فنّ التبليغ في العرف اللّغوي العربي متّصلا بإيجاد الكيفيات الإيقاعية القمينة بإنهاء المعاني والدلالات إلى قلب السامع، ولا يشذّ هذا المقام بأن يتوافى مع شروط المقال الأنيق التي هي معارض اللفظ وزينته، فإنّ مجال الإبداع الخطابي الذي نعني به الإبداع الأدبي يبقى في حقيقة تجليه سابقا للتفكير النقدي الأدبي، فقد طفق الحس منذ نعومة تجاربه الحياتية يفتطر ما لذّ من المنطوقات والمسموعات وطاب، يفترع بدائع التعبير، ويقترح مبادئ الإنشاء معلما لسياق التّفكير النقدي الأدبي سابقا إياه بكثير من التجارب اللّغوية في حيز الخطاب الأدبي الامتيازي.

تندسّ السياقات الإبداعية في حيّز التفكير النقدي بين مختلف الإجراءات التحليلية التي ترفد التفكير النقدي البلاغي، سائرة به إلى استنتاج الخلاصات الدرسية المتبوتقة في شكل قاعدة بلاغية، وهي وإن كانت في واقع ممارسة الإبداع اللّغوي كثيرة النشاط غزيرة التنوع والتبدّل إلاّ أنّ التفكير النقدي الأدبي يحاول استخلاص ما تبلور منها واضحا متكررا، والذي يفتش في مسارب الوظيفة البلاغية بين التحليل والاستخلاص يستطيع أن يلاحظ غزارة النشاط الفكري الذي يفضل التواجد بعيدا عن مواطن الأحكام والتقييمات الدرسية الناحية جهة العناوين البلاغية المتداولة في كتب البلاغة العربية والتي يستحوذ عليها التشبيه والاستعارة والبديع، فالسياق النظري المبدئي للدرس البلاغي مثلما فقهناه كان في أوليات أمره ينشط تحت مسمى البديع مستغرقا كل العناوين البلاغية المتعارف عليها، ثم ما فتئ ذلك السياق الشامل العامّ أن تباينت فلسفة مقاصده العميقة مسفرا عن تبلور سياقين هما: سياق البلاغة في محوريها اللّذين هما: المعاني والبيان من جهة والبديع من أخرى، هذا ناهيك عن حقيقة الاستفاضات التي اقتضاها الحس البلاغي مجسدة في علم العروض وعلم الاستدلال، وقد تبين لنا اليوم في زمن طغيان الحداثة أن جميع الاعتمالات من علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع وعلم العروض وعلم الاستدلال(6) جميعها مناطات يتبادر اليوم إلى بحثها او تعاطيها تحت مسمى علم الإيقاع الذي يبدو بشمولية نشاطه الفني والجمالي أكثر استجابة للوازع اللّغوي الذي انبثق عنه مشروع الدرس البلاغي في مستهل انفطاره الإنساني.

ما من شكّ في أنّ مخترع مصطلح البديع عني بنزوعه المبدئي ذلك إلى تشخيص الإبداع الأدبي شعرا كان أم نثرا فنيا، بحيث تستجيب كل صيغة بديعة منه إلى الشروط الانفعالية المركوزة في الطبيعة الإنسانية، متمحورة حول النتاجات اللّغوية الامتيازية التي تطلعها قرائح الشعراء، بحيث تكون كلّ الترتيبات اللّسانية السماعية قد استثمرت خلاصة الرؤية الداخلية التي يخبرها المتعاطي للأدبية، سعيا إلى استيضاح المقدرات الفكرية التي تنطوي عليها مقدرات الظاهرة الإبداعية، من خلال ما استجمعه المنشئ من القيم التوقيعية للكلام الفني، بعد تمحيصه أنماط الأساليب المحصاة جرّاء مزاولة الكلام أو الكتابة، فالمعاينة الداخلية التي تتوسلها الممارسة والتعاطي هي التي خولت لابن المعتزّ الشاعر المرهف الحسّ في القول مبدئيا بالمنهج الجمالي أي البلاغي في تقييم الخطاب الشعريّ، لذلك وتوكيدا لهذا النظر فإنّ كلّ ذات منشئة تحتفظ بالتفاضلات الخطابية بعد خلوصها من مقام المقال قول والكلام في حدّ ذاته قائم على طبيعة تواصلية قوامها التداعي يعسر الانقطاع عنها فالكلام الجميل وفق أصول نظرية البلاغة العربية متورد تتقرى به الأرواح وتتزين به النفوس تمليه فورة الجيشان، تهدر به الصدور وتقذفه على الألسنة(7).

ولعلّ الذي هو جدير بالإشادة والتمجيد في هذا المحل من تدوير الكلام على أصول الانفعال البلاغي هو المنهج الفني الجمالي الذي صدر عنه ابن المعتزّ في إصابته التقديرات النقدية الأدبية اللاّحقة بجوهر حداثة الإبداع الأدبي كما هي متجلية لدينا في عصر الحداثة والمعاصرة هذا، غير أن التعويل على الاصطلاح المؤطر للظاهرة البلاغية والمسمي لها مثلما نرى ظلّ مسعفا بقيمتين نقديتين أعطب الأبعاد الإبداعية مشروعية التحرر والتنوّع ألا وهما: المقدمة والانفتاح(8) على استيعاب التنوع والتعدّد والتباين، وقد تجلت هاتين الإجازتين في عراقة البديع ثمّ في عدم اختصاصه بجيل أو حضارة دون أخرى، فالتحرير والإطلاق ظلاّ يسمان سيرورة الإبداع اللّغوي بكثير من الحوافز التجريبية دون انقطاع، لذلك لم يكن بدعا ولا نشازا أن يلحق ابن المعتزّ الاستجداد اللّغوي بحركة إبداعية ناسبا إياه إلى الحداثيين(9)، ومثلما دلّ على ذلك ابن المعتزّ موضّحا عراقة جذور الانفعال بالقيم اللّغوية التوقيعية الإطرافية فإنّ هذا الامتياز اللّغوي البلاغي ليس حكرا على جيله معدوما لدى الأجيال السابقة الأخرى بل هو متواجد ضمن السيرورة الإنسانية منذ بدء التجارب الأدبية الأولى(10).

إننا نعمد إلى تصور الارتقاء البلاغي وتطوره عبر سيرورته الإبداعية من خلال استعراض التدرج في رصد التحولات البلاغية التالية:
نعتقد مبدئيا النزوع اللّغوي في أوليات انبثاقه الانفعالي المستجيب للطبيعة الإنسانية كان ينحو إلى جهة تطلب الدلالات الضرورية النفعية الغائية الملبية للمقاصد الحضورية التي لا تتعدى المناسبة فلم يكن «لأوائل العرب من الشعر إلاّ الأبيات يقولها الرجل في حادثة»(11)، وبالتالي فلم يكن ثمة من مندوحة تقذف بالخواطر وراء المنظور الضيق لوظيفة اللغة باعتبارها وسيلة تواصل إنساني راسخ في الوجود، ولأن ارتباط الذات بغاية راهنة لا تساعد على تصور الغايات التأملية البعيدة الأثر العميقته. كان الكلام في مبدإ طفوره اللّغوي مقصورا على إصابة الغايات التعبيرية الآنية وبالتالي عنها التبعيد والانزياح الدلالي المتشبع بالغايات التخييلية المولدة للأساليب التعبيرية التوقيعية والتي ستشكل محور النمو البلاغي لاحقا. ولما تقاصرت هذه الوسيلة البلاغية والوظيفة الأدبية ارتقي منها إلى مطلب بلاغي يقع مكملا لتلك الحاجة التعبيرية البدائية، هي فنّ التوصيف فهو حسّ بلاغي بسيط ساذج لأنه يخلو من بنية تعبيرية، فليس له أدوات أو أركان، وللتّدليل على مصداقية هذا النظر الذي نحن خائضون سبيل القول فيه نقول: إنّ المؤلفات النقدية الأدبية الأولى نراها ذكرت فنّ التوصيف، مع بعض التذييل في ذكر التشبيه والتلميح إليه بديلا عن المفاهيم البلاغية الأكثر تطورا والتي ستلحق بذلك المهاد النظري الذي خصصناه في مبدأ التوصيف، واستجابة لهذا الانطباع البلاغي الأولي قال ابن سلام ناعتا شعرية زهير بن أبي سلمى بأنه: «لا يعاظل بين الكلام ولا يتّبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلاّ بما فيه، وأجمعهم لكثير من المعنى بقليل من المنطق، وأشدهم مبالغة في المدح»(12)، وبإزاء هذا التدرج قارب ابن سلام وغيره من البلاغيين الأوائل مبدأ التوصيف.

 وبالرغم من كون الوصف غير مشتمل عليه الدرس البلاغي كقيمة فكرية ينفرد بها القول، ويتنوّع بها البحث فإنّ ابن سلام أولى لمبدأ التوصيف حيزا نقديا أدبيا نمّ عن مدى الفاعلية والوظيفية التي يتمتع بها هذا المبدأ اللّغوي، حيال القيم التعبيرية الأخرى، فقد كان الأخطل يصيب صفة الخمر(13)، والوصف هو توظيف الخبرة الحسية في فهم الأشياء، وإعمال التربية الحسية المستفادة من دقة ملاحظة طبيعة الأشياء وأكوانها، ولعلّ هذا الذي عناه الجاحظ قائلا بحقائق مقادير المعاني، ومحصول حدود لطائف الأمور(14) وهو المبدأ البلاغي الذي سينظر إليه عبد القاهر الجرجاني لاحقا بالقيم التشعيرية حين يقول: «وهذا هو الشعر فحسب: تبالغ في التفضيل وتجعل حقيقة الجنسية مقصورة على المذكور»(15).

إنّ ثمّة أشياء تختفي تحت المقولات البلاغية التقعيدية يستعصي على غير الناقد المبدع التفطن إليها، لأنها قيم فنية جمالية نافرت منهج التقعيد، وخالفت إجماع القياس من ذلك قد يكون كافيا الاستدلال على هذه الغاية بنعت ابن سلام بلاغة أشعار قريش بخاصية اللّيونة(16) التي تعني اختصاصا إيقاعيا بلاغيا يقوم على الإتقان الحسي في توظيف القيم الصوتية والأسلوبية للغة الشعر.

ومثلما رُؤِي إلى جوهر معدن الوظيفة الشعرية في أدق تجلياتها الإيقاعية، فإن الاستتباعات التفاضلية لسياق الشروحات البلاغية للغة الشعر كانت دائما تسعى إلى إعمال مختلف الفطن للقبض على «وحي طبع الشعر وخفي حركته التي هي كالهمس، وكمسرى النفس في النفس»(17) الذي هو سياق تمعيني جلي التباين مع مفهوم المعني في التفكير البلاغي المكرس درسياً. ولما كان منزع التوصيف خادما لغاية توقيعية للمعاني البلاغية هي التفنّن في الإحاطة بخصوصيات الشيء الموصوف، وهي الوظيفة التي تقرن الوصف بالتشبيه وتلحقه به من حيث اعتمادهما معا إتقان الخبرة الحسية، لم يقنع الحس الإبداعي بالركون إلى هذا المدرج البلاغي الأوليّ في سلم فنّ البلاغة الباحث عن القيمة الإبداعية الإنسانية السامية احتيج مع ذلك إلى تطلّب الاستعارة كونها ذات قيمة معنوية توقيعية عاملة على التصرف البياني في البنية التشبيهية الأولية للكلام، وقد تعزّز مبدأ الاستعارة بصيغة فنية جديرة بتقدير البناء والوزن لدى أسلبة الكلام، يحصل ذلك بإخفاء بعض أطراف الدلالة اللّغوية والتمويه لدلالة تعالق المتشابهات وفق بنية تمعينية تشتهيها الطبييعة الإنسانية حتى كأنها غريزة مجبولة عليها.

وإذا كانت البلاغة العربية أو لنقل الإنشائية قائمة على وزن اعتبار قاعدة إلحاق ناقص بتامّ أو غامض بواضح، أو غائب بحاضر فإن وزن الاستعارة في بلاغة الكلام تستمدّ، زيادة على هذه التقاليد والأعراف، جمالية فنّها البياني من إيقاع إخفاء المشبه به وتعويضه بعلامة القرينة أو الشاهد اللّغوي ففي لعبة التّموية والإبانة والإخفاء والتّجلية يجد الحس القارئ لذة المحايزة بين يقينية المعلوم واحتمالية المتوقّع وهذا النسق ثابت في العراف متجذّر في الطبائع لا يشذّ عنه أدب بليغ ولا يقعد دون غاياته الفنية الجمالية. إنّ كل ما يستثنى من تطرف بلاغة لغة الشعر ويتحفظ في قبوله يزداد حظوة وشغفا لدى غواته فالناس تنزع إلى طلب الغريب ومطالعته شغفا به وتشوفا إليه، فالإقصاء في حيز بلاغة الشعر مرتبة قرائية لا يحظى به كلّ شاعر بل هي منوطة بالشعراء المشاكسين المتميزين، من أمثال: أبي تمام، وإنّ أشكل ما كان يؤخذ على شعرية هذا الشاعر هو اشتطاطه في تطلب التوصيفات والتشبيهات والاستعارات مما لا يهتدى العقل إلى استيعاب دلالاتها من ذلك سعيه إلى القبض على الدلالات المعنوية، والإحالة على خصائصها الروحية ونحن نعلم أن أكثر ما تنجع لغة الشعر حين تلحق بهذه الحقول الدلالية ذات الإحالات القلبية: الحلم والودّ والصبر والخصائص الطبيعية التي تعرف بها معادن الأشياء وأكوانها من شدّة ورهافة وغلظة وسلاسة وما إلى ذلك مما يستعذب إيراده في المعاني الشعرية(18).

ولما كان الحس البلاغي ضارب جذوره في صميم الفطرة الإنسانية، فإنّ علم البيان كما نتصوره لم يأت ليقطع مسارات التجدد في سياق البحث الأبدي عن القيمة اللّغوية ذات الشحنة الروحية المطلقة المشاكلة لقيم الانفعال الإنساني بالقيم الحيوية. فقد صادفنا المنظرين للبلاغة العربية منذ بكارة انطباعاتهم يعزفون عن نشدان قول فصل الخطاب في الموضوع، فكلما قاربت النظرية النظرية البلاغية استخلاص قوانني الملاءمة بين المقام والمقال في فهم التفاعل البلاغي مع اللّغة الأدبية الإبداعية تراءى لها من الاستجداد ما يستوجب النزوح عن المبادئ صوب الإبداء، لذلك نرى السياق التنظيري للبلاغة العربية يسترفد تأزمه بعد القول بالتشبيه والاستعارة بالخلوص إلى التّبوتق في مفهوم بلاغي طارئ هو تشبيه التمثيل أو الاستعارة التمثيلية بكونهما يكسران قاعدة التلازم الدلالي الأحادي المفرد بين طرفي التشبيه، رائيا بدلا من ذلك اشتراك العناصر المتعدّدة في إنتاج الصورة الأدبية أو الصورة الشعرية ولعلّ هذا المناط هو الذي تستثمره الدراسات النقدية الأدبية الحداثية اليوم باعتباره فضاء يتقبل التنوع الفكري الحضاري ومنفتحا لاستيعاب المستجدات الإبداعية في حيّز لغة الشعر خاصّة.

تنامي الجذور البلاغية وترافد قيمها التوقيعية:
ولما كان النزوع البلاغي الاستجدادي متجذرا أسباب الانفعال بالقيم التعبيرية الاستطرافية، فقد كان التفاف السياق الإبداعي على فاعلية التجدد بالركون إلى إحصاء الظواهر البلاغية عائقا شكل جدلية بين نشاط الانفطار الطبيعي للقيم اللّغوية وانطفارها قائمة على إصابة الغايات التوقيعية المستطرفة وبين غائية تنميط قيمها الإبداعية بالتقليد والمشاكلة والتكريس، لذلك واستثمارا لهذا السياق النظري ألفينا مختلف التشعبات الدرسية في حيز التداول البلاغي تنحو منحيين: أحدهما بديعي والآخر بياني فما كان منهما متّصلا بالتشكيل اللّغوي تشبيها واستعارة لم يذهب بعيدا، وأما التوقيعي من ذينك وهو مسلك البديع منهما فقد ظلّ معينه متواصلا، ومهيعه متناجزا يفضي تحّسس الموضوع منه إلى ما يستتبعه من الاشتقاقات الدلالية ويسترفده، بما قد لا يقوى المحصي على الإتيان على صور البديع ومواضيعه باعتباره منصبا على كل غاية إبداعية ممّا يسمى ومما يدق حتى لا توصيف له ولا تسمية.

        لعلّ من بين مخلفات القياس في قواعد اللّغة العربية هو جنوح الفكر إلى التضحية بكثير من الفوائد البلاغية الحاسمة في الاختصاص الإبداعي التي لا ينتظمها القياس التقعيدي؛ إما استعصاء عليه أو إيقاع تلك الفوائد خارج نطاق التداول الدرسي. فالبلاغيون العرب ومعهم نقاد الأدب كثيرا ما ألزمهم الالتزام باحترام السياق المدرسي الرسمي للتفكير البلاغي العربي ضرورة غضّ النظر عن كثير من الآراء والفوائد الانطباعية التي نراها المحور الحاسم في تفعيل التفكير النقدي الأدبي العربي القديم وربّما حتى المحدث من حيث ظلوا ينظرون إلى تلك الامتيازات النظرية على أنّها فضلة مهيأة للانحراف بالفكر عن سياقه التاريخي السياسي المتّفق عليه، وتماشيا مع سياق المحافظة فقد دأبوا على أن لا يروا في تلك السياقات النقدية التفريعية صلة بالمتون المعتمدة، ما دامت الآراء النقدية البلاغية المدرسية راعية للنموذج الشعريّ الافتراعي.

إنّ من ديدن بلاغة اللغّة الأدبية الفنية أن تظلّ متواصلة النشاط دائمة التجدد والإبتداع، وذلك كامن في مغزى صدورها عن فاعلية النشاط الحسي. فملثما الحسّ لا تهدأ فاعليته المعرفية الدقيقة الموغلة في استجلاء الخفي، فإنّ القيم البلاغية المتسمة بفاعلية تلك الجهة من النشاط الإنساني تظلّ مكافئة لذلك النشاط لا تفتر ولا تبرد. وقد ألفينا الجاحظ منذ البدايات النظرية البلاغية الحدسية الأولية يقول بما يفيد هذا السياق التّفهّمي ويقوّيه والآراء التي سنستثمرها في هذا السياق التفكيري وإن ظلّت غير محتفل بها ضمن العناوين الدرسية البلاغية الكبرى، فهي تبقى حسب تقديرنا مستحوذة على كثير من الجوانب الوظيفية والمنهج الغالب على سياق التفكير البلاغي الفني الجمالي مثلما سيتشخص في الثقافة البلاغية الإنسانية لاحقا، وبالضبط في حيز فلسفة البلاغة، أي في مستوياتها الإيقاعية. نقتطف من هذا المشروع النظري المهمّش جملة من المقولات الحاسمة منها قول الجاحظ بالتعديل والاستواء(19)، ويستدلّ بتوثيق هذه المرجعية الإيقاعية في تقدير الفاعلية البلاغية من خلال الإحالة على منهج السكاكي، في التدرج بالمنهج البلاغي في كتاب الإيضاح. فقد أبان بتعريجه على موضوع الخصائص الصوتية للغة العربية عاملا خلا هذا الموضع من البحث البلاغي على إقرار ترتب مدرج التصريف على مبدأ التصويت، ثم منهما إلى ظاهرة التركيب اللّغوي الأشمل منهما والأوسع. نعني به بنية الجملة اللّغوية،(20) وقياس أزمان مقاطعها سواء أكان تركيبها أفقيا كما هو في توزيع التسطير أم كان عموديا مثلما هو بناء القصيدة العمودية. وعلى أعدل تقدير فإن العناصر اللّغوية الدقيقة لا يقوى العقل على القبض على مقدراتها البلاغية تلفيظا وتشكيلا وإنما هي متروكة لقياس الحسّ وحساب الغريزة، لذلك عوّلوا على صحة الطبع(21) والذوق مستغنين بهما عن معرفة العروض، فالقول بالفطرة والسليقة غير القول بالتحفيظ واحتذاء النموذج(22)، وإذا كان الدرس البلاغي من خلال ترسيمه المعرفي قد ألغى كثيرا من المقدرات الانفعالية، فإن التعليقات التحليلية الكثيرة محيلة أبدا على تلك المظانّ والمداخل المتحفظ عنها. من ذلك أثر اللّذة الحسية في استخلاص القيم البلاغية(23).

وكذلك نجد الجاحظ يستتبع مقولة التعديل والاستواء التي تحسنها قوى نفسية ناظمة وازنة موقعة لبلاغة الكلام الفني، بمقولة تكميل الحروف وإعطائها حقوقها من الفصاحة،(24) هي جهود وإن كانت دقيقة خفية يصعب استجلاؤها وإخراجها من حيز التداول الهامشي، إلى صلب المتن البلاغي، إلاّ أنها تعد الروح المغذية للنزوع الفني في بلاغة الكلام. وبالتوافق مع هذا نلفي مصطلحا بلاغيا خفيا لا يؤبه له كثيرا، من ذلك قولهم إقامة الوزن، ولا يكون ذلك إلا بتوظيف الجوانب الإيقاعية، وأمر الإبداع في تقدير هذه الاعتمالات الإيقاعية موكول به إلى حيازة أسباب المعرفة الخاصة فليس «يعرف حقائق مقادير المعاني، ومحصول حدود لطائف الأمور إلا عالم حكيم، ومعتدل الأخلاط عليم، وإلاّ القويّ المنّة، الوثيق العقدة، والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الأعظم والسواد الأكبر»(25).

لا يتحقق لجانب الحس من الوظيفة اللّغوية أن يبرع في تحصيل تداعي الحوافز الانفعالية البانية فلسفة البلاغة، ويتمهّر في توظيف ثراء جوانبها الإيقاعية الدقيقة المسالك إلاّ إذا توافت الأسباب الانفعالية داخل الذات المنشئة المرتجلة للموقف التعبيريّ شاعرة تلك الذّات أم ناثرة، فإذا ما تراسلت هذه القيم النفسية استوت لها أسباب البراعة الإنشائية والإبداع بما يتلخص مع سياق جيشان الصّدور وانقذافها على الألسنة(26)، فاللّسان اللاّهج ليس سوى آلة دالة على تلك الاعتمالات ناقلة مصورة لها، وقد يقول قائل إن من شأن الإحالة على هذه الجوانب الانفعالية الباطنية الموغلة في الروحية يخرج المنظور البلاغي النظرية المعقولة إلى حيّز التوصيفات والنعوت المائعة التي لا تكاد ترسو على نموذج أدبي غير أنا نقول: إنّ البلاغيين العرب تحسبا لهذا المرمى كانوا قد أحاطوا توصيفاتهم الحدسية الانفعالية بدعامات اجتماعية متّنت أواصر التواصل بين طرفي الخطاب من حيث بنوا المبدأ على الإفهام ثم عزّزوه ببسط ما يقابله من لدن القارئ أو المتلقي على العموم فكان القول: بمبدأ التفهّم مصداقا لقول الجاحظ(27): «والمفهم لك والمتفهّم عنك شريكان في الفضل»، وبين درجتي الفهم والتفهم تتحدّد مستويات الوعي البلاغي للدّلالة اللّغوية الفنية، وكيف لا يتفق لهم هذا المنظور الفكري الموغل في الجمالية الروحية وهم الذين ارتأوا أسباب البذل البلاغي مكافئة لما يلقاه طالب القرى(28) بل إن تزيين المعاني وتجميلها مأدبة للروح، وسياسة للفكر ولياقة للخواطر.

كلّ التأسيسات البلاغية العميقة، التي نحسب الجاحظ رسم أبعادها الفلسفية، أفرزها الحس الإبداعي المتشبع بقوامة المبدأين الفني، الجمالي. لذلك فليس من المستغرب ألاّ نقرأ في (البيان والتبيين) موضوعات الدرس البلاغي، فقد أفاد عدم الإمساس بالعناوين البلاغية الكبرى فائدة منهجية قوامها أن البلاغة هي في صميم تجليها واقعة في دائرة التذوّق الإيقاعي لجمالية الأساليب اللّغوية، ومن ثمة فمنهج الجاحظ بتركيزه النظري قمين باستيعاب المقدرات البلاغية الأكثر دقة وخفاء وفلسفة، وما كان من هذا القبيل من التفكير أدقّ وأخفى وأغمض فالحسّ أولى بتشخيصه نظرا لقوة تسربه إلى مهامه الأشياء وجواهر معادنها العميقة.

وبحسب تصورنا لمقومات العملية الإبداعية في حيز الأدب بكلّ تفريعاته الإنشائية، فإنّ النقد الأدبي مجسدا في سياقه البلاغي لا يستطيع مداخلة مناطات الإبداع ومقاربتها، إلاّ إذا صدر هو بدوره عن حسّ إبداعي حرّ، والبلاغيون أنفسهم في أشد المواقف النظرية صرامة يقرون بمبدأ تحرير الذات المبدعة ودفعها إلى تبني التداعي والارتجال العفويين، لأنّهم تحت صرامة التقعيد مقرون بمبادئ التحرر الفني مجسدا في إرسال المعاني على سجيتها وتركها تطلب الألفاظ لنفسها «فإنها إذا تركت وما تريد، لم تكنس من الألفاظ إلاّ ما يليق بها، ولم تلبس من المعارض إلاّ ما يزينها.»(29) وهذا كلام كله داخل تحت منظور حرية الانطباع بالإبداع وعفوية مجاذبة أدواته التوقيعية. ولعلّ سوء مسايرة المتن البلاغي لاجتهاد الآراء الهامشية التي يستتبعها النظر اللّغوي المدرسي الرسمي تجلت في القراءة بالتغليط لكثير من التعليقات البلاغية على كثير من المتون الشعرية الأكثر حداثة في سياقها الانزياحي؛ من ذلك تتبع الآمدي لأخطاء أبي تمام، من حيث كون أبي تمام كان يريد الإغراق في البديع فيقع في المحال،(30) فيسري ذلك في بلاغة تبعيداته المجازية حيث كان في كلّ صورة بلاغية يعمد إلى إجراء القياس والتحقيق، بدل الحمل التطوّع في الإبداع الشعري، ونرى أن هذا مشاكل لما تُطُرِّق إليه في الدرس النقدي الأدبي تحت تسمية الإخلاء الذي هو خلو اللّغة من الدلالة.

وإذا فالانطباعات الهامشية المتذيلة الرأي البلاغي المدرسي، سواء أكانت تلك الزيادة أو الفضلة واقعة على هامش المتن من طرف الورقة كتابة، أو حواشي الكلام عبر تفاضلاته حيث تحتلّ الفكرة النقدية سياقا تذييليا، شارحة المقولات الرئيسة البارزة في الخطاب النقدي الأدبي مفسرة لها، فإنّ الإبداع الفكري في حيّز الدرس البلاغي العربي غالبا ما تقع تابعة للمتن، متجلية في شكل نشاط تحليلي أو توضيحي، يثبت هذا الرأي ويتمتّن في ضوء سيرورة فهرس موضوعات الدرس البلاغي. فالمتعارف عليه أن الدرس البلاغي متمحور ضمن موضوعات درسية تكاد تتلخّص منذ عبد اللّه ابن المعتزّ في التشبيه بكلّ مكوناته، والاستعارة والمجاز، وقد ظلّ جانب البديع المحتمل لجوهر العملية الإبداعية يأتي هامشا تذييليا للمواضيع البلاغية الكبرى، غير أن اشتمال موضوع البديع على حقيقة النزوع الإبداعي جعله يتكاثر متفرّعا إلى مجالات إبداعية كثيرة النشاط، وقد زاد مواضيع درسه بالقدر الذي صار به متفوّقا على أصوله البلاغية الأولى.

ولقد سعينا إلى الاجتهاد في إطلاق تسمية الهامش على غير المتعارف عليه في اختصاص هذا المسمى، لأنه يعني عموما ما تعلق بالمتن من خارجه، فلا تقع الإشارة إليه إلاّ من خارج الحيز المخصّص لمعالجة صلب الموضوع والتعليق عليه. وإنما تبين لي أنّ ثمّة آراء فاعلة وأفكار محورية عادة ما يحتشم البلاغيون المدرسيون في الاحتفال بها علانية، فيثبتونها مذيلة لأيقونة الخطاب النقدي المعوّل عليه، والذي لا يتردّدون في الاندماج في تقاليده الفكرية. ولنضرب لهذا المسعى مثلا بما أورده عبد القاهر الجرجاني من احتفالية معرفية بالغة بما ارتآه في غموض المذاهب ودقّتها. حيث ارتأى في مجاذبة تناهي الغامض وتعاطي عجيب الخفيّ المبهم سبيلا للإبداع في إنتاج القيم البلاغة، فالأسرار الدلالية متوارية خلف تلك الإحالات الروحية، التي يلتذّ الحسّ بمزاولتها والتعلق بأسباب تماهيها في المعرفة الإنسانية، ومن ثمّة نلفي مذهب عبد القاهر البلاغي ومنهجه النقدي متماشيين متناسقين مع ضرورة نقل تعاطي فنّ البلاغة من حيز المعرفة العقلية العامة المشتركة المتداولة بين عامة الناس إلى حيز المعرفة الحسية الخاصّة أي النفسية الانفعالية فالناس كثيرا ما يتفقون في المظاهر ليختلفوا في المخابر.

وبالموازاة مع هذا التوجّه فإنه ينبغي اشتراط تعاطي فنّ التفكير البلاغي متّسقا مع مزاولة الإبداع البلاغي والانخراط في أتون إنشاء قيمه الأسلوبية لذلك يكون من الأجدر بالخائض في النقد الأدبي البلاغي وبالأحرى نقد الشعر أن يكون لا متعاطيا لعلم الشعر إلاّ بعد تعاطيه(31)، وتلك هي التي ندعوها اليوم الرؤية الداخلية التي تكسب الناقد تفهم الأسرار البلاغية والإيقاعية المتناهية الدقة والخفاء، بما يعني فلسفة الفنّ، فإن لفضل تفهّم الأسرار البلاغية قيمة ثقافيةـ تؤهّل القارئ إلى اكتساب شجاعة الانطباع النقدي المغامر، الذي يسمي القضايا والأفكار في مظانّ مكامنها اللّغوية، وتلك هي المزية ذاتها التي نراها أهّلت ابن المعتز لامتلاك شجاعة التهدّي بحسة الإبداعي إلى معالجة موضوع البديع، وبلورته في شكل خلاصات نقدية أسماها الاستعارة والتجنيس(32) من منظور واقعي أكثر من واقعية النهج المدرسي الذي هو المهيمن المعلن في سياق تاريخ التفكير البلاغي العربي.

يتّفق مسعى تأكيد فاعلية الآراء النقدية البلاغية الهامشية الآتية عادة تالية للمقولات النقدية المحورية الساري عليها مبدأ التفكير البلاغي العربي الدّرسي، مع الإشارات التوضيحية التي تثبت جميعها مدى استفاضة التفكير البلاغي وذهابه المذاهب الإبداعية الحرة المتفلّتة من الحصر التقعيديّ الذي من شأنه التضييق على حرية التفكير النقدي الأدبي وقد يكون كافيا لأن نستدل على تقوية هذا المذهب بمقولة الجاحظ، نقول بهذا مسجلين بعض الآراء الانطباعية الوازنة الشأن، الواردة من حين لآخر في كلام النقاد البلاغيين العرب من ذلك رأي حازم القرطاجنّي:(33) «وكيف يظن ّ إنسان أن صناعة البلاغة يتأتى تحصيلها في الزّمن القريب، وهي البحر الذي لم يصل أحد إلى نهايته مع استنفاد الأعمار فيها، وإنما يبلغ الإنسان منها ما في قوته أن يبلغه.» والظاهر أن حازم القرطاجني يلائم بين تعاطي البلاغة وتعاطي ابتداع فن الشعر هذا بإصابة الرأي والآخر، ببذل أسباب التّمهّر في ابتداع آياته جمال فن القول، في مضاميره اللاّمتناهية المقاصد والمرامي.

يؤدي بنا هذا التخمين إلى تفهم النزوع البلاغي كما هو لدى علماء فن القول إلى تخريج الحس البلاغي على أنّه فوق التفكير التعليمي، وإنما هو التزام وتطوع في الحياة غلاّب يتفوق على القيم المعرفية ليقارب كونه مدبّرا «بالطبع والمنشأ والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة والبلوغ.»(34) وذلك هو المسلك الذي تستوجبه التربية الحسية لاستيعاب الانفعال بالقيم اللّغوية البلاغية الفنية. هذا وما يزال التفكير النقدي الأدبي العربي يتطوع في تطلب الغايات الإبداعية الخارقة المغايرة المخالفة للاعتيادي المكرس حتى يبلغ بهم الفكر حدّ الثورة، كذلك ذهب ابن خلدون في الانقلاب على السائد المكرّس وهو الذي نحسبه في العادة والشائع متحفظا لا يراهن على تحرير الإبداع مطلقا ولا يجازف في كسر رتابة النظر في قواعد البلاغة العربية رائيا إلى شعريتي المتنبي وأبي العتاهية وهما من هما على أنهما خلو من كل مزية شعرية حين قال بعد أن رأى أن للشعر أساليبه الخاصة به «كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء.»(35)

وفي خضم هذا التخالج الطبيعي الذي يقتضيه حس الانفعال بالقيم البلاغية، والذي يرقى إلى أن يصير هاجسا مؤثرا في ابتداع الأساليب اللّغوية البليغة، لأنّ من طبيعة الشعراء أن يستنيبوا عن اللّفظ بدلالة الحال(36) وهي طبيعة دلالية طالما تفلّتت من حصر القاعدة اللّغوية لها، واعتبارا بهذا المؤدّى فإنّ الوظيفة الفنية في تعاطي الإبداع اللّغوي من خلال العينات الأدبية نثرا كانت أم شعرا داخل في صميم تحرير الطاقة الإبداعية الكامنة في جوهر النزوع الأدبي العربي، تتأدى هذه الوظيفة الإبداعية من خلال توخّي التأني أو التّأتي وإنتاج خاصّ اللّغة، بدلا من عامها ومشتركها بالمجاذبة والملاءمة والإسهاب في تحسس المقاييس البنائية التي لا يمكنها أن تخطيء القيم التقديرية لتوقيعات الكلام الفني ائتسارا لقيم الطلاوة واللّياقة والروقان(37)، وليس يحصل هذا الامتياز اللّغوي، إلاّ بتوافر الفجوات الدلالية والأحيزة القاضية بتحرير الفهم والتفهّم لدى الطرف القارئ، يتّفق هذا السياق البلاغي مع متطلبات توزين الدلالة وتوقيعها باستثمار المناسبات التعبيرية العاملة على توفير سياقات الانزياح في الدلالة الأدبية فقد أثر عن العرب أنّهم في صميم نزوعهم البلاغي كانوا يستحبون أن يدعوا للقول متنفساً(38) هو بمثابة المناسبة التي تحفظ للمتلقي حضوره الفاعل في إثراء الجوانب الدلالية في بنية الخطاب الأدبي.

تقتضي حاجة المنطق للطلاوة والحلاوة أن يتحسّس المتكلم بصفة مبدئية والمنشد بصفة ارتقائية المواد الصوتية لسانيا أو يستوعبها سماعيا، واللّغة خلال هذين الحيزين الحاسمين في تشخيص الالتذاذ البلاغي للسياقات التعبيرية تتلون بأصناف الانتظامات الكفيلة بتوقيع المعاني وتزيينها في آذان السامعين الذين تتفاوت درجات إخلاصهم في تفهّم الخطاب من تلق بسيط إلى مرتبة المريدية، لعلّ هذا الذي عناه الجاحظ(39) حين قال: «وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة في الآذان المقبولة في الذهان ورغبة في سرعة استجابتهم ونفي الشواغل عن قلوبهم.» ويبدو مما هو مثبت موثق في تاريخ التفكير البلاغي العربي أنّ المتعة الأدبية ليست دائما متّصلة بجهة المعنى والفكر والدّلالة مثلما هو شائع مبالغ فيه، فحقيقة الالتذاذ الحسي للمغازي الأدبية راجعة إلى تلك الاحتفالية النفسية الروحية التي يصادفها مطالع مستويات التوقيع البلاغي المتجسدة في خصوصية التركيب والأسلبة، وإن جميع أمور هذا الشأن معقودة على كون أدب الغريزة هو الأصل(40) في حقيقة الإمتاع الأدبي الطافر النّزّاع من مقتضيات اللياقتين الفنية الفنية الجمالية وذلك قبل أن تتبدد نصاعة الابتداع في مجاذبات فروع الدرس البلاغي حين إلى الرواية والتحفظ بدل الإخلاص إلى سيرورة معين معدن جوهر الإبداع في حيّز تعاطي موجبات الاستجداد الأدبي.

أما المراد من قول الجاحظ بفائدة تخفيف المؤونة فدلالته كامنة في كون الكلام الفني متسم أبدا بسهولة المنطق نظرا لحسن تقسيمه وتوزعه صوتيا ومقطعيا ولفظيا، وذلك بما يلائم الوظيفة اللّسانية ولو خرج الكلام عن شروط الأداء الإنشائي الملذوذ نتج عنه التعجرف والإكراه والتعقيد، وتلك هي قواعد بلاغة الكلام منذ عهودها الأولى، إذا يكون كافيا لحيازة الكلام درجة الشعرية بأن يستحوذ على أسباب المنطق الرشيق، فقد جاء منذ القديم تفضيلهم هذا الامتياز البلاغي حتى وإن لم يتسمى في المتون وجاء متواريا في الدلالات الهامشية. من ذلك قول قول ابن سلام(41) في تفضيل أشعار بعينها بترقيق حواشي الكلام، واختصاص أشعار قريش أصحاب اللّغة الجميلة بليونة المنطق مثل هذين مثل شدّة ائتسار الكلام وترويضها وفق الكيفيات البنائية المولدة للتوقيعات اللّسانية الملذوذة. المستخلص من منظور هذا التداول لمختلف الأفكار النقدية النابضة بها متون النقد الأدبي البلاغي العربي القديم أنّها لشدة تماشيها مع الشروط الحسية والطبيعة الإنسانية كفيلة بأن تواكب مختلف التجارب الشعرية مهما اختلفت بها أسباب التشكيل أو البناء على نمط ما هو ظاهر الخلاف بين القصيدة العربية العمودية وبين قصيدة التفعيلة في التجربة الشعرية العربية الحديثة، حيث نقدر أن البحث في جذور البدايات الشعرية الولية كفيل بأن يسلمنا إلى حرية التجريب الشعري وعفويته التي سادت العهود اللّغوية العربية الضبابية الأولى، فالأشكال التعبيرية لا تعدو أنم تتلبس الالتزامات السياسية والاجتماعية والتي نحسب أن شكل التقصيد العمودي هو أحد تمظهراتها الغلاّبة.

نقتطف من شجرة هذا القول فوائد بلاغية عدّة منها توصيف السامع بالمريد، وتلك مرتبة في إخلاص التواصل لم يرتئيها عالم غير الجاحظ البتّة، وهو أي الجاحظ، وإن كان من الممجدين للعقل والمنطق حسبما تعورف عموما عليه، إلاّ أنه في خضم إيغالها في أكناه المكونات البلاغية للقول الفني والكلام البلاغيّ الجميل ينزاح بعيدا عن الخانة التي قيدت رؤيتنا إليه، ليرتدّ عالما بلاغيا جماليا منقطع النظير. قوام رؤياه الرهافة واللّياقة والكياسة والتفهّم القني العميق الأبعاد الواسعها، وثمة بعد هذا الاستثمار المبدئي الذي رأيناه بعد آخر نجتنيه من رأي الجاحظ السابق قوامه ترقية السامع المنتج لمقومات الخطاب، المكمّل لها، المتجاوز لفظية الخطاب إلى التمثل الروحي لملابساته الفنية الجمالية فالسامع يرتدّ مريدا تعبيرا عن التواصل القلبي المخلص بين الخاطب والمخطوب فيه، والأبدع في سياق هذه الترقية المعرفية هو الانزياح بمفهوم السامع المتلقي التقليدي، صعودا به إلى علية المريد وهو المصطلح الصوفي المعبر عن عمق التفاعل الحسي بين طرفي الخطاب.

وحسب ما استقر في نسق تداول المرجعيات الفنية في المرجعيات البلاغية فإنّ كثيرا من الوظائف الإبداعية موكل بها إلى جانب الانفعال الحسي لأنه القمين بالقبض على تلك الوشائج اللّطيفة المتماهية في بواطن النفس، وإن تتبع تلك الشعيرات التركيبية لا يقوى العقل على التعامل معها باعتبارها واقعة خارج إطار الإحصاء والتصنيف والمنوالية بيد أن معظم القيم الفنية الجمالية الحقيقة بتشخيص المقدرات البلاغية الحاسمة في شأن الوظيفة الإبداعية طرقها تختلف حتى تفوت النهاية، ومذاهب تتشعّب حتى لا نهاية(42)، لذلك فقد عجزت بعض سياقات التفكير البلاغي العربي على استثمار هذه القضايا الفنية الجمالية الناهضة من هنا وهناك على جنبات السياق النظري الدرسي الرسمي فبذلك الصدور المفاجئ الصادم تستحوذ لشجاعة انطباعها الفرادي بمثابة الزخم الإبداعي الحقيقي المؤطر لسيرورة الانفعال بالقيم البلاغية المستجيبة ضمنيا لشروط التحديث والتجديد، حيث كان ينبغي لمعلمي البلاغة الاستفادة من قوة التجاذب الإبداعي الذي يسديه جوانب الهوامش بدل الانكفاء على تقديس المتون الدرسية بالاشتغال على استثمار ما تفرزه الهوامش ذات الدلالات الفلسفية الأكثر وظيفية انطلاقا مما تثيره الاستتباعات التحليلية التي هي الشاغلة الحقيقية لمتعة الدرس البلاغي مثلما يصادفنا في منهج عبد القاهر الجرجاني البلاغي التجريبي.

يمكننا التمثيل لسياق تعميق الرؤية البلاغية المتفاعلة مع هوامش الدرس البلاغي بالنشاط التوليدي الذي يتنافس في مضماره الشعراء بغية تحقيق صور المبالغات الطريفة، فمثلما يجتهد النزوع الابتداعي في مجاذبة أسباب الإشناء البلاغي الطريف فإن المقولات النقدية الأدبية ملزمة بمسايرة تلك الاستفاضة في سياق الإبداع من حيث عملها على بث الآراء المغامرة في قول البديع المستظرف، نقول بهذا التكافؤ السياقي بين الخطاب الأدبي وإيجاد النقد المشاكل لتطوّعه ذاك. يتبين للمتأمل المتفكر أنّ اعتماد دلالة الألفاظ من حيث أوزانها الصرفية الآسرة لمبدأ الدلالة لا يمكنه بمحدوديته البنيوية أن يسعف في إدراك الدلالات والمعاني القصية للغة الخطاب، فهذا المرجع المعرفي يمكن الاستعانة به في إيقاظ المبادئ الدلالية غير أنه يبقى في حاجة إلى أن يستعين بمختلف الأبنية والأنساق والعبارات القائدة على تفعيل الدلالة في ذهن القارئ، توطّد هذا التفهّم لدي بعض البلاغيين العرب حتى باتوا من فرط موالاتهم لهذا النهج يلحقون التفنّن في توقيع المبالغات بالخاصية الشعرية وذلك هو الشعر فحسب «تبالغ في التفضيل وتجعل حقيقة الجنسية مقصورة على المذكور.»(43)

لقد لخّص عبد القاهر الجرجاني كيفية تحقيق الغاية الإبداعية العالية قائلا بضرورة تحرير الحس ورياضة النفس على التفهّم، بالانقضاض على الخطاب والتمكن فالسيطرة عليه، وصولا إلى التلقي الفاعل لقيم الإسقاط الإبداعي على مكونات الخطاب الخامّ، فالعوائق الشكلية والعقلية لاشكّ في أنّها تقصر قوى الإبداع وتقعدها عارية من سبل التهدي إلى بلوغ المرامي الإبداعية القصوى، وإنّ أعدل الأحوال لتحقيق المدارك البلاغية البديعة قائم على تحرير الحس وتركه يرعى عوالم التخييل والتصوير، وقد أحاط عبد القاهر الجرجاني بهذا الجانب موفقا في نظرنا حين قال: «ولن تجد أيمن طائرا وأحسن أوّلا وآخرا، وأهدى إلى الإحسان، وأجلب إلى الاستحسان، من أن ترسل المعاني على سجيتها، وتدعها تطلب لنفسها الألفاظ، فإنها إذا تركت وما تريد لم تكنس من الألفاظ إلاّ ما يليق بها، ولم تلبس من المعارض إلاّ ما يزينها.»(44)

وهكذا فإن سبيل كل إبداع الرياضة واللّياقة والسياسة، فإنها من مؤهلات حوافز قمينة باختراق عوالم التشكيل البلاغي والإيقاعي للعملية الأدبية، وهذه المرجعيات الفنية النفسية لا يمكن إعمال قواها إلاّ بالتزام الذات المبدعة باعتماد الطقوس الإبداعية المتماشية مع الخصائص الانفعالية المؤاتية مع تلك الوجهة. وإن من وظائف الحس والغريزة في طبيعة الإنسان أن يغبط بما يصادفه في نفسه من حسن بلاغة الكلام فهو يتجاوب طبيعيا مع نتاجات الاتساق اللّساني السماعي التي ينتجها تمييز مناقلات الكلام والتنويع في الأساليب اللّغوية، ويكون جميع هذه الغاية متصلا بجهة من الانفعال عجيبة قوامها التعديل والاستواء،(45) الذي هو قياس طبيعي غريزي يقوم مبدئيا على مراعاة صنوف التجاوبات والتناغمات والتراسلات بين الجمل والمقاطع اللّغوية خلال التعبيرية الشعري والنثري معا. والعرب في ديدنها لم تر إلى الوزن خاصا بلغة الشعر بل أسبغته على كلّ تعبير لغوي توافرت فيه الأناقة والسلاسة، وكيف يكون الأسلوب جميلا سلسا مرقّق الحواشي إذا لم يتم توزين المقادير اللّسانية السماعية العاملة على تحقيقه في ملفوظ الخطاب ومكتوبه، لذلك فقد يخطئ من يذهب إلى تقدير انتظام لغة الشعر على أنها محدودة بمراعاة الأوزان العروضية، لأن أوزان البحور العروضية أكثر ما يتصل بجانب تقسيم الألفاظ وحسابها بما يتلاءم مع التفاعيل ووزن البيت، لتبقى لذّة الشعر فوق هذه الاعتبارات كلها متصلة بالمقادير الجزئية الملائمة بين النفس القرائي أي الإنشادي وبين مختلف الموادّ اللّفظية الواقعة في حيّز الطاقة النفسية والعصبية والجسمانية، فلعلها هي الكفيلة بامتياز لتحديد شعرية الشعر وجمالية اللّغة الأدبية الفنية.

لقد أصاب علماء اللّغة العربية حين أعطوا أهمية واضحة لمبدأ التلاؤم والتجاور والانسجام بين المتتاليات اللّسانية السماعية، لذلك يكون لزاما على الحس الاستذاقة القبلية لتفاعل المتجاورات الصوتية فإنها إن حازت الملاءمة والموافقة سلست وانسجمت وسهل تسييرها حسيا لدى كلّ من المنشد والمتلقي معا، وإن هي اختلت أصابها التعجرف والاحتباس وثقلت حتى أوجدت الصعوبة والكدّ والتعسر على المنطق. ولو تأملنا طبيعة الوزن في كمونه الإيقاعي ألفينا إصابة الغاية في هذا المضمار متّصلة بمدى توافر الكلام على مقاييس الخفة والنشاط ولا يمكن للّغة أن ترقى إلى هذا المستوى الإبداعي إلاّ بتوافرها على وحد الانفعال النفسي بالقيم التعبيرية، وهي التي بدورها لا تحصل إلاّ إذا تحسس صاحبها أي مرتجلها أو منشئها لجزئيات تركيب موادها اللّسانية الصوتية، فهي إن اتسمت بمقاييس الملاحة سلست وجرت على اللّسان وإن افتقرت إلى مبدأ الملاءمة انحلت وتقطعت أسباب زينتها الإنشادية وملاحة بلاغتها الصوتية.

وبالرّغم من القيمة البلاغية التي يحظى بها جانب الوزن أو الإيقاع من الوظيفة الأدبية فقد تحاشى الدرس البلاغي العربي إشباع تدوير البحث في الموضوع، وقد كان لهذا الاستبعاد لموضوع الوزن أثار مضرّة بالتفكير النقدي الأدبي العربي، من حيث بات النقاد العرب يهابون التطرق للوزيفة البلاغية الآتية من جهة الوزن في الشعر، وبالرغم من انضواء العروض تحت طائلة البحث البلاغي مثلما هو مفهرس في كتب البلاغيين العرب القدامى،(46) وممّا يزيد توثيقا لسياق التهيب الذي يسكن التفكير النقدي العربي أن موضوع الوزن العروضي ما يزال مفتقرا إلى الاهتمام البلاغي في الدرس الجامعي(47).

لو عدنا إلى استيضاح المبادئ التفكيرية التي ينطوي عليها اختيارنا تسمية هذه الرؤية بالهوامش الفاعلة ألفينا آراء البلاغيين العرب آتية مستتبعة دائما بانزياحات تفكيرية ترد في شكل توضيح أو تفسير أو تبيين للمقولات الرئيسة الحاسمة في الدرس البلاغي العربي كما ورد لدى أعلامه، لذلك بات ممكنا تسجيل تلك الهوة الفاصلة بين السياق التقعيدي والسياق التحليلي الذي غالبا ما تنمو أفكار متمحورة حول الفكرة النقدية الرئيسة، فالجاحظ الذي اشتهر بالتفكير المعتزلي المتعارف على تقديسه العقل والقياس، يبدو لنا من خلال الرؤية المعتمدة في استثمار الهوامش المسكوت عنها أنها ذات طبيعة إبداعية بالغة الأهمية، تتفوّق في كثير من مظاهرها على المتن الدّرسي المترسم جراء المزاولات النقدية العامّة المفتقدة لخصوصية الاجتهاد والتأويل.

لذلك وانطلاقا من هذه الرؤية المنهجية الافتراضية يمكننا النظر إلى تفكير الجاحظ البلاغي على أنّه يسترشد بالمقامات الإبداعية الموغلة في التحرّر والانعتاق من ربقة القاعدة البلاغية كما هي معهودة في الدرس البلاغي لدى أعلام البلاغة العربية، لذلك وانطلاقا من استشعارنا لفاعلية المقولات الهامشية ارتأينا التركيز منذ المبدأ على المقولات النقدية والفكرية التي لم يأبه لها الدارسون، وقد نرى أن إعلانها متطلب هو ذاته شجاعة فكر وجرأة خطاب ظلاّ غائبين عن كثير من الإسهامات الدرسية السابقة.

يسهل إعمال القواعد اللّغوية في كلّ فكرة قابلة للتصنيف والإحصاء، وأما الأفكار المتماهية إلى الأكناه ومختلف الدلالات الانفعالية الغامضة العميقة من قبيل تلك التي أسس عبد القاهر الجرجاني منطلق تفكيره في اقتراح معنى المعنى والشعر الشاعر فلا سبيل إلى الكشف عنها سوى باعتماد المتممات والتوصيفات التي غالبا ما يقع على هوامش التفكير النقدي المحوريّ، لعلّ لنا في بعض المبادئ المتخللة مقولات البلاغيين العرب القدامى ما يكشف اللّبس عما نذهب إليه فعلى سبيل المثال قال ابن سلام الجمحي: الغاية من قول الشعر أو سماعه الإطراف(48)، لذلك استنشد بلال بن أبي بردة حماد الراوية الشعر مفضّلا استعمال غاية الإطراف من سماع حماد، وهو المطلب الذي نراه يتنامى متداولا بين البلاغيين العرب لذلك قال الجاحظ: «لأنّ الشيء من غير معدنه أغرب، وكلما كان أغرب كان أبعد في الوهم، وكلما كان كان أبعد في الوهم كان أطرف، وكلما كان أطرف كان أعجب، وكلما كان أعجب كان أبدع، وإنما ذلك كنوادر الصبيان وكلام المجانين... والناس موكولون بتعظيم الغريب واستطراف البعيد.»(49)

إن في انتقال المعاني الأدبية الفنية الجمالية من حيز انفعالي إلى مستوى إبداعيّ آخر قاطعة أشواط التبعيد والنأي بالمقاصد عن المألوف المعقول إلى المحسوس المستغرب، طبيعة انزياحية في الدلالات والمعاني البلاغية المحفوظة في حدود الدرس البلاغي الرسمي ّ، فالغرابة، والطرافة، التعجيب، والإبداع جميعها مسافات تمعينية يتطوع الحس في بلوغ غاياتها الأدبية وهو السلوك الثقافي المعرفي الذي لا يعدم مصداقيته في الواقع الأدبي العربي لأنّ كلّ نزوع في ذلك المضمار دام منطويا على استقصاء مطلب الإبداع والاحتفال به فقد أثر عن أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر أنهما كانا يأتيان بشار بن برد يرغبان في تلقي الجديد المحدث من بلاغة الشعر في شيء من المنافرة والتحديّ بين طرفي الإبداع حيث لاشكّ في أنهما من خلال صدورهما عن مقصدية بلاغية استثنائية، والرغبة منهما ملحّة في مطالعة النادر غير المألوف، يتصيدان من أساليب بشار وعباراته الموقعة توقيعا بلاغيا أسلوبيا صادما تعجيبيا مدهشا، وقد يدفعه تحدّيه ابن قتيبة المتباصر بالغريب(50)، وهكذا فإن التطوّع في مجاذبة الشأو البعيد في الشعر والمقامات العليا يقوم في كثير من جوانب النزوع إليه على روح المنافسة والتحدّي كما تشهد بذلك هذه المساجلة.

ولو تأملنا المقاصد من رسم هذه الدوائر التبعيدية والغايات التمعينية ألفيناها معلما مؤشرا على مختلف كفاءات الإبداع لدى الأدباء والشعراء فمنهم من يتعدى الإغراب، ومنهم يتعدى تلك الرتبة ليحوز غاية الإطراف، وهناك من تطال قواه الإبداعية مستوى فوق تينك فيعجب ويبدع، المهم في توصيف هذه المؤشرات البلاغية أنها جميعها تتفق في الغاية من كلّ ذلك ألا وهي غاية الإبداع الذي هو المنشود في كلّ متصرفات الممارسة الفنية مهما تنوعت حقولها اللّغوية من لحن وتصوير وإنشاء.

من الواضح البين أن النشاط الحسي لدى مزاولته التوقيعات البلاغية أكثر ما تكون نجاعته في القضايا الدقيقة التي هي بمثابة الشعيرات والمساريق القوية على التقاط الوظائف المتعلقة بالصوت تلحينا وتنغيما وتوزينا وتغذية التصور البلاغي انطلاقا منها، فلكي تقوى الذات المنشئة على تقدير تلك الخفايا والدقائق يكون لزاما عليها صرف الانتباه الغريزي إلى مختلف الوظائف التشكيلية التي هي في عموم تجليها لاحقة بالجانب الإيقاعي لذلك ألفينا هذا ثابتا في تخريجات البلاغيين من عرب وغير العرب، وليس أدل على مصداقية هذا المذهب في تفهّم الهوامش البلاغية الفاعلة سوى تصحيح البلاغيين العرب في أكثر من مناسبة لمفهوم الشعر أو الشاعرية، قلنا بهذا وركزنا عليه تمتينا لهذه القراءة النقدية التي نحاول بها تشقيق المفاهيم المهيمنة على الدرس النقدي الأدبي المدرسي يمكن التمثيل لمفهوم الهامش النقدي الفاعل في أساس التفكير البلاغي المشاكل لمجريات التحديث الفلسفي للوظيفة الإبداعية والتي يذوب ضمنها مفهوم الشعر متمازجا مع باقي الحقول الإبداعية الفنية الجمالية التي صارت سائدة في زمن الحداثة هذا الذي نحن فيه اليوم.

لقد كانت جرأة ابن خلدون كافية حين قال: ليس المتنبي وأبو العتاهية بشاعرين وإنما هما ناظمان(51) شاهدا بعدم صدور لغتهما عن صميم مبدأ الانفعال الفني الحرّ، وكذلك نجد شبيها بهذا التوجّه في كتاب طبقات ابن سلام حين شهد بخصوصية التجربة الشعرية العربية الأولى واختلافها عما هو سائد متداول «لم يكن لأوائل العرب إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة، وإنما قصدت القصائد وطوّل الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف.»(52) فالصورة الشعرية الحقيقية الحاملة لقيم الإبداع الحقيقية كانت إذا متّصلة بالتجارب الانطباعية الإنشائية الفطرية الأولى قبل أن يشوبها الإغراض، وتهيمن عليها المقصدية.

يحتاط الوعي الناقد القائم على تمحيص حقيقة الوظيفة البلاغية متّخذا من الوظائف اللّغوية الدقيقة رؤية إبداعية يداخل بها المسائل الفنية الجمالية التي عادة لم يتلقفها الدرس البلاغي مثلما هو متعارف عليه خلال التأليفات المشهورة في هذا الحقل الدلالي الخطير، لذلك حاول الناقد الفني الجمالي العربي التوغل جهة المسائل التي يستعصي إعلانها في التفكير الأكاديمي المتحفظ في توثيق الهوامش واعتمادها منهاجا للكلام على الوظيفتين الفنية والجمالية فقد ورد في كلام ابن سلام ما هو أدخل في هذه الاعتبارات وربما أبعد من ذلك حين قال(53): وأشعار قريش فيها لين قد يشكّل بعض الإشكال، من هنا تبدو لنا قيمة ليونة اللّغة متخفية تلتبس بالوظائف والقيم الدقيقة فهي لا تكاد تتشخص تشخص الاستعارة والكنابة وباقي القيم البلاغية الدرسية، وأحرى بنا أن ننظر إلى القيمة البلاغية المجتناة من توصيف الكلام باللّيونة على أنها امتياز قرائي يتطلب حضور الذائقة القرائية الفائقة أي تلك التي لا تتوافر عادة عند الناقد الأكاديمي المتطلب تفكيره ضروبا من المنهج والترتيب والحساب والمقارنة والموازنة والمبالغة في تحديد الوظائف والخصائص، وتلك هي الرؤية التي طفقنا خلال هذه المقاربة نحاول الاستفادة من ملاءمتها مع السائد النقدي المفرّط في استنطاق المسكوت عنه.

لقد بلغ أمر التعاطي مع الهامش النقدي درجة من الاحتفالية الثقافية لدى عبد القاهر الجرجاني نقل مواقفه من المعيارية النقدية إلى مستوى تقبلي أوحي له بأن يغني الدلالات الفكرية التي غالبا ما يأتي بها معقبة على المواقف النقدية الأدبية التقليدية، لذلك وتماشيا مع سياق تغليب الهامش على المتن، وإعطاء المصداقية للآراء التفاضلية فقد انتهج عبد القاهر الجرجاني سبيلا إلى تعزيز تلك الوجهة بتسجيل الاعتراف بالقضايا النقدية الأكثر جرأة في تفهّم الظاهرة الإبداعية، وقد اتّفق لديه القول بفكرة الشاعر الشاعر(54) ترقية لمفهوم الشعر العادي، وبما أن الثقافة البلاغية السائدة كان لا تلبي مطلب المحو هذا فقد أوجد عبد القاهر مستوى بلاغي متضمنا ذات الوجهة الفلسفية حتى استقر هذا المؤدّى إلى القول بمعنى المعنى(55). ونعتقد أن انفتاح القراءة النقدية الأدبية على هذا المستوى من التطوع التفهّمي أوحي بسياق بلاغي ترسخت معارفه على جنبات قداسة المتون النقدية الأدبية السائدة، سيظل سياقها الإبداعي مفعما بحيوية الاجتهاد يصبّ في مشروع الحداثة مثلما هو لدينا اليوم.

خلاصة القول في موضوع الهوامش الفاعلة في صميم الدرس البلاغي أنّ التطوع في تحقيق الغايات الإبداعية الموسومة بالبديع في التفكير البلاغي، نزوع فنيّ جماليّ هو إن تمعنا في أسراره بمثابة قول على قول، أو إبداع يجر المألوف إلى ريادة البديل وتطلّبه، ووفق هذا المنحى التقديري وعليه أسس ابن المعتزّ رؤياه النقدية الجمالية، حين رسم آفاق الإبداع اللاّمتناهية متمثلة في ما يلي:

ـ نسبية حضور التوقيع البديعي خلال الخطاب فهو أي البديع إذا طغى وكثر صار ممجوجا مبتذلا فلا يستحبّ أن تمضي القصيدة كليها على سنن واحد بل يحسن فيها التنوع والتفاوت، يتماشى هذا كله لدى البلاغيين مع مفهوم الندرة أو النادرة.

ـ الإبداع سياق تأوّجي تتناهض أسبابه في جنبات الخطاب حتى إذا بلغ الارتجال مستوى انفعاليا بعينه تلقف المزايا اللغوية الفنية المحيلة على التقديرات البديعية حيث كان «يستحسن ذلك منهم إذا أتى نادرا، ويزداد حظوة بين الكلام المرسل.»(56) حيث يتضمن معنى الإرسال هنا الارتجال والبديهة والقول على الإبداء.

 

أستاذ البلاغة كلية الآداب واللّغات، جامعة حسيبة بن بوعلي /الشلف / الجزائر

 

الهوامش

(1) ينظر، السكاكي، أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر محمد بن علي، مفتاح العلوم دال الكتب العلمية بيروت لبنان، ص87.

(2) ينظر، الآمدي، الموازنة، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، ص223.

(3) الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، 1968، ص81.

(4) ينظر، السكاكي، مفتاح العلوم، ص86.

(5) ينظر، عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، دار المعرفة بيروت لبنان، ص138

(6) ينظر، السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي، مفتاح العلوم دار الكتب العلمية بيروت لبنان، ص182-218.

(7) ينظر، أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ج2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت لبنان، ص118.

ـ كذا إبن جني، الخصائص، ج1 تحقيق: محمد علي النجار، ط3، عالم الكتب، بيروت، 1983، ص5.

(8) ينظر، المبرد، أبو العباس، الكامل في اللّغة والأدب ج2، مكتبة المعارف بيروت لبنان، ص116.

ـ يؤسّ أبو العباس المبرّد رؤياه النقدية على لا محدودية الصورة التشبيهية فهو كثير ولا آخر له، وبإزاء تحرر هذا المنظور اشتهر المبرد بمقولته ذات المصداقية الإنسانية البالغة حين قال: وليس لقدم العهد يفضل القائل ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، لذلك فالناس على جميع المستويات النفسية والاجتما والبيئية في مجال الإبداع سواء، ينظر، المصدر نفسه، ج1، ص18.

ـ وبما يشاكل هذا ويناغمه قول ابن المعتزّ بكون البديع عريقاً قديماً.

تمتدّ جذوره إلى أوليات التجارب الإبداعية، فالإبداع قديم والاصطلاح عليه حديث، كذا: ينظر، كتاب البديع، ص1

(9) ينظر، ابن المعتزّ، كتاب البديع، ط2، دار المسير، بيروت لبنان، 1979، ص1.

(10) ينظر، المصدر نفسه، ص1.

(11) ابن سلام الجمحي، كبقات فحول الشعراء، اللّجنة الجامعية لنشر التراث العربي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت لبنان، ص11

ـ هناك مثل شائع دارج في الثقافة الشعبية الجزائرية مفاده: عندما تشبع الكرش تقول للراس: غنّي.(صياغة دارجة للغة المثل).

(12) ابن سلام الجمحي، المصدر المذكور، ص18.

(13) ينظر، المصدر نفسه، ص18.

(14) ينظر، الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، دار إحياء التراث العربي، 1968، بيروت لبنان، ص66.

(15) عبا القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، دار المعرفة بيروت لبنان، ص60.

(16) ينظر، ابن سلام، المصدر المذكور، ص20-21.

(17) المصدر نفسه، ص266.

(18) ينظر، الآمدي، الموازنة، ص128.

(19) ينظر، الجاحظ، البيان والتبيين، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، ص48.

(20) ينظر، مفتاح العلوم، ص4-5.

(21) ينظر، ابن طباطبا العلوي، محمد بن أحمد، عيار الشعر، تحقيقك محمد زغلول سلام، منشأة المعارف بالاسكندرية، ص41.

(22) ينظر، الآمدي أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، ص24.

(23) ينظر، ابن طباطبا، عيار الشعر، ص42.

(24) ينظر، الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص14.

(25) المصدر السابق، ج1، ص66.

(26) جاء في البيان والتبيين أن فورة البلاغة لا تعدو أن تكون: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على السنتنا، ينظر، البيان والتبيين، ج1، ص66.

(27) البيان والتبيين، ج1، ص11.

(28) ينظر، السكاكي، مفتاح العلوم، ص86.

(29) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، دار المعرفة بيروت لبنان، ص10.

(30) ينظر، الموازنة، ص 125-223.

(31) ينظر، عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز دار المعرفة بيروت لبنان، للطباعة والنشر، بيروت لبنان، ص210.

(32) ينظر، كتاب البديع، تحقيق: أغطانيوس كراتشوفسكي ط:2، دار المسيرة 1972، ص2.

(33) منهاج البلغاء وسراج الأدباء تحقيق: محمد الحبيب بن عاشور، ط: 3، دار الغرب الإسلامي، 1968، ص88

(34) أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة ج:1 منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت لبنان، ص66.

(35) ابن خلدون المقدمة، ج2، دار الكتاب اللّبناني بيروت لبنان، مكتبة المدرسة، بيروت، لبنان، ص1104

(36) ينظر، ابن جنّي، الخصائص، ج1، تحقيق: محمد علي النجار، ط3 عالم الكتب 1983، ، ص285

(37) ينظر، نفسه، ج2، ص125.

(38) ينظر، الجاحظ، الحيوان تحقيق يحيى الشامي، ج3، ط3، منشورات دار الهلال 1990، ص486.

(39) البيان والتبيين، ج1، ص81.

(40) ينظر، ابن عبد ربّه العقد الفريد، ج2، دار الكتاب العربي بيروت لبنان، ص422.

(41) ينظر، طبقات الشعراء، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت لبنان، ص29.

(42) ينظر، عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، ص24.

(43) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، ص60.

(44) نفسه، ص10.

(45) ينظر، الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص48.

(46) ينظر، السكاكي، مفتاح العلوم، ص219.

(47) يمكن ملاحظة القصور البحثي في مجال الدرس العروضي في البرامج الجامعة الجزائرية، فبالرغم من الثراء الفني والجمالي.

 لظاهرتي التوزين والتوقيع إلاّ أن علم العروض يدرس جافا خاليا من الإحالات الفنية الجمالية لأسس العروض الإيقاعية فيكتفون خلاله بتقطيع الكلام واستخراج للتفاعيل.واكتشاف الزحافات، وتسمية أركان القافية.

(48) ينظر، اين سلام طبقات الشعراء، ص15.

(49) الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص14.

(50) ينظر، عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص210-211.

(51) ينظر، تاريخ ابن خلدون، ج2، ص1104.

(52) ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، ص11.

(53) طبقات الشعراء، ص60-61.

(54) ينظر، عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص236

(55) ينظر، نفسه، ص203.

(56) ابن المعتزّ، كتاب البديع، ص1.