عديدة هي الأفلام والقصص التي فبركت حبكتها وهي تتكئ على غوليّة "وحش البحيرة" في اسكتلندا. في نصه يرافقنا الكاتب إلى ثلاثينات القرن الماضي، في رحلة لسبر غور أسطورة الهول المنبثق من بحيرة "نيس"، الذي كان مصدر الهام للفعل الأدبي والفني.

وحش البحيرة

هاني حجّــاج

في القرن الأول الميلادي كانت المرتفعات الشمالية في اسكتلندا مسكونة بقبائل متوحشة يطلقون عليها الملونين لأنهم كانوا دائماً ما يضعون وشماً هائلاً على أجسادهم، كان ذلك في الوقت الذي وصل إليهم فيه الرومان، هذه القبائل كانت تعبد الحيوانات وترسم صورها على جلود الوجه والبطن، كانوا محترفين بالرسم كذلك! إذ وجد الرومان هناك لوحات جدارية بالكامل أغربها كان للوحش الغريب! وحش لوخ نيس!

(loch ness) هي بحيرة نيس والرسم كان لوحش أسطوري له زعانف مكان الأقدام، كما أن لديه خرطوم طويل يتدلى من أنفه، حتى أن بعضهم قال أنه ليس إلا فيل يسبح في البحيرة!

ويبدو أن قبائل الاسكتلنديون القدامى كانت مغرمة بفكرة الحيوانات الخرافية السابحة في المسطحات المائية، فهم لم يتركوا نهراً أو بحراً دون أن يبتكروا له وحشه الخاص بدءا من أسطورة فرس الماء (كيلبي) والتي تتكلم عن مخلوق هائل شبيه بالحصان يسكن النهر ويحاول إغراق كل من يحاول الاقتراب وغالبا ما يكون هؤلاء الضحايا ثم من الأطفال فهو يتودد إليهم محاولاً إغراءهم بالركوب على ظهره، ومن تلتصق أيدي الطفل بالوحش الذي يغوص به إلى أعماق الماء حتى يموت غرقاً.

أما وحش لوخ نيس فقد ورد ذكره للمرة الأولى في يوميات القديس "كولومبا" (Columba) عام 565 ق.م وكان من أوائل من نادى بالديانة المسيحية في اسكتلندا يروي هذا القديس أنه كان في طريقه لزيارة زعيم قبائل الملونين عابرا ببحيرة لوخ نس، فرأى وحشاً عملاق الحجم يوشك على الفتك بشخص يسبح بالبحيرة، فأخذ القديس يتضرع إلى الله ويأمر الوحش بأن يذهب إلى حاله، فامتثل الوحش له وفر السابح.

إلا أن البداية المعاصرة لأسطورة وحش لوخ نس تبدأ مع عام 1933 عندما تم إعداد أول طريق شمالي عند شاطئ البحيرة، وقتها بدأت المشاهدات العجيبة في شهر أبريل على وجه الدقة، عندما لاحظ "جون ماكي" -صاحب فندق "رمنادروشيت"- وزوجته كائناً ضخماً يطفو ويغطس فوق سطح البحيرة، تلك الواقعة نشرت وقتها في صحيفة (انفرنس كورير) وكانت أول من استخدم لفظة وحش لوصف هذا الكائن.

بعد نشر هذا الخبر تحول لوخ نِس إلى نجم! ففي شهر أكتوبر من العام نفسه صارت اسكتلندا قبلة للإعلاميين والصحفيين الوافدين من لندن لسبر أغوار الوحش الغامض، حتى أن سيرك "برايتون" الإنجليزي أعلن عن مكافأة مقدارها مبلغ 20،000 جنيه إسترليني (و هو مبلغ رهيب في عام 1933) لمن يتمكن من القبض على هذا الوحش.

وبلغ الهوس مداه في ديسمبر من نفس العام، عندما طلبت جريدة "ديلي ميل " صياداً محترفاً –"مارمادوك ويزريل" لقنص الوحش الذي حيّر الجميع، وأعلن "ويزريل" اكتشافه لآثار أقدام بالغة الكبر لكائن ذي أربع أصابع، بعدها صنع هذا الصياد قالباً من المصيص لأقدام الوحش وأرسله إلى متحف التاريخ الطبيعي بلندن لمقارنتها بما لديهم في مراجع الحيوانات المنقرضة، وأثناء انتظار نتيجة البحث احتشدت المنطقة المحيطة بالبحيرة بالسياح ومطاردي الشهرة والصحفيين.

ولكن لخيبة أمل الجميع جاءت نتائج البحث الذي أجراه عدداً من العلماء تعلن أن آثار الأقدام التي أرسلها" ويزريل" مصطنعة! ولا تنطبق على أية آثار لحيوان منقرض، وهكذا عاد الجميع خائبين إلى الديار.

لكن موضوع الوحش عاد من جديد مع الباحث المتحمس "روبرت توماس جولد" الذي مسح قناة كاليدونا بالموجات الصوتية (السونار) ليكتب ثاني أهم كتاب عن الوحش (الوحش: الأسطورة الجديدة) عام 1934 والذي رصد فيه 51 رؤية للوحش مع تحليل تلك الرؤى لإثبات وجود الوحش.

ثم جاءت الطبيبة "كونستانس وايت" التي اتخذت منحنى جديداً في البحث، إذا بدأت بجمع المشاهدات من الأشخاص الذين رأوا الوحش وتدوين الملاحظات الخاصة ومقارنتها ببعضها ثم كتبت عنه كتابها المهم "ليس مجرد أسطورة"، وكانت هي من أطلق عليه اسم التدليل الذي ظل يرافقه حتى يومنا هذا (نيسي)!

بعد ذلك ظلت الصور تنهال على الصحف من التي التقطها المصطافين وأهل البلدة للوحش، وبالطبع كان أكثرها ملفقاً أو غير واضحاً بشكل كافي ربما الوحيدة منها التي يمكن الثقة في مصدرها هي التي التقطها الجراح البريطاني "كينيت ويلسون" هذه هي الصورة (المعتمدة) الوحيدة لوحش لوخ نيس وهي التي تراها في كل كتاب وكل مجلة تتحدث عنه أو في أي موقع على شبكة الانترنت يناقش مسألة هذا الكائن الغامض، ويظهر فيها الوحش يرتفع عن سطح البحيرة برقبته المدببة عند الرأس وعلى كل حال فقد حاولت أكثر من جريدة التشكيك في دقة الصورة التي تم تسميتها (صورة الجراح)!

وكانت آخر المحاولات لكشف حقيقة هذا الوحش هي التي أجرتها محطة البي بي سي عام 2002 عندما مسحت البحيرة بالسونار وبأجهزة أخرى أكثر تطوراً عن تلك التي تم استخدامها في عام 1933 وكانت النتيجة المعتادة: لا أثر!

إلا أنه وحتى هذه اللحظة يعلن أحدهم من وقت لآخر أنه رآه وانه قد التقط له صورة كذلك، ولكن تظل الحقيقة متوارية مع الوحش المجهول تحت سطح البحيرة.