يطرح الناقد الفلسطيني الكبير في هذه الدراسة مفهوما نقديا مهما هو مفهوم «المزاج» في النص الأدبي، ويكشف عن كيف أن الوعي بغيابه في الرواية الفلسطينية يعبد الطريق إلى أخطار التطبيع ويقود إلى تماهي الفلسطيني مع من احتل أرضه، وتزييف وعيه، والتمويه على حقيقه المشروع الصهيوني كاستعمار استيطاني كريه.

مخاطر التطبيع في الرواية الفلسطينية

غياب الوعي بمفهوم «المزاج» في النصّ الأدبيّ يعبّد طريق التطبيع

وليد أبوبكر

الرواية الفلسطينية محكومة بالموقف الوطنيّ ضدّ الاحتلال، تماما مثل الموقف العام، وهو موقف شديد الوضوح ـ إلا بالنسبة لمن يتعامى عن رؤيته أو يكابرـ يتلخّص في رفض الاحتلال، لأنه باطل من وجهة نظر صاحب الأرض الأصليّ ـ وكلّ ما يصدر عنه، كليا أو جزئيا، باطل، حتى وإن بدا في ظاهره حسنا. وقبل الاحتكاك المباشر والواسع بالاحتلال، مع اتفاقيات أوسلو، لم يكن هناك كثير مما يثير حساسية تجاه الشخصيات اليهودية أو الإسرائيلية في الرواية الفلسطينية، لأنها كانت شخصيات نادرة الوجود من ناحية، ومصنفة جيدا من ناحية أخرى، لا تطرح إلا كنقيض، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات الإنسانية الطابع، المبرّرة فنيا، تكون مصائرها ـ في العادة ـ متسقة مع المزاج العام في العمل الروائيّ ككل، كما هو الحال في رواية إميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، أو رواية  سميح القاسم "الصورة الأخيرة في الألبوم".

بعد أوسلو وما نشرته من آمال وهمية في موضوع السلام أو التعايش أو الدولتين المتجاورتين على الأرض نفسها، تجرّأت بعض الأقلام الفلسطينية على الخروج عن الخط العام، والتعبير عن أفكار تحاول أن تصنفها بأنها جديدة، تجاه الشخصيات الروائية التي تنتمي إلى الاحتلال، وذلك من باب الثقة بأن فجراً جديدا في العلاقات يلوح في الأفق، وهي ثقة لم تلتفت إلى المقدمات الموحية، لأنها اتسمت بغياب الوعي، وبالخفة، أو بالاستعجال في توقع النتائج، أو عدم القدرة على التنبؤ الاستشرافي الذي يميز الفنّ الجيّد، أو بسبب المصالح التي ربطت أصحابها بالواقع الجديد.

وقد تكاثر وجود الشخصيات اليهودية والإسرائيلية، والعلاقات معها، في أعمال كتاب شباب من داخل الخطّ الأخضر، وآخرين رضوا لأنفسهم بالاحتكاك المتعجل وغير المطلوب، من أراضي السلطة الفلسطينية، وبنسبة قليلة بين من يعيشون في الشتات، ما جعل هذا التسرّع يخرج ببعض الأعمال الروائية الفلسطينية عن المزاج العام، ويطرح أفكاراً تناقض هذا المزاج، حتى داخل العمل الروائيّ نفسه، لأنه لم يكن قادرا  ـ كنوع من التعبير عن الرأي الجمعي ـ أن يخرج من جلده. هذا الخروج بدأ يتلمس طريقه تدريجيا، وتعددت دوافعه أيضا، وسط الواقع العربيّ البائس، الذي جلب معه جلد الذات، بسبب الإحساس بالضعف، مما جعل اللجوء إلى الخروج على المزاج عن طريق قبول الاحتلال أو الاقتراب من شروطه، شيئا مستحدثا ويمكن رصده في عدد من الروايات الفلسطينية الحديثة.

المزاج في الأدب:
إن الندرة الملموسة في المصادر التي تتحدث عن "المزاج في الأدب "Mood in Fiction، كمصطلح نقديّ منذ الأساس، والغياب الكليّ للمصادر النظرية العربية ـ القليلة أصلا في كلّ شأن نقديّ حديث ـ عن متابعة هذا الموضوع، من أسباب الغياب التام للتعرّف على أهمية هذا المفهوم لدى الكتّاب والقرّاء، عاديين ونقاداً، لدرجة أن الخلل في ضبط المزاج كثيراً ما يقف، ربما دون أن يدرك، وراء فشل بعض الأعمال الأدبية، بالرغم مما تحمله من مكوّنات نجاح أخرى أساسية، لأن المزاج هو الذي يعمل كلغة تواصل داخلية وشديدة الحساسية، بين الكِتاب وقارئه، ولأنه، بالرغم من عدم القدرة على قياسه بدقة، يشكل الفارق النهائي في الاستمتاع بأي كتاب. وعندما يتمّ الالتفات إلى هذا المصطلح، من المحتمل أن يحدث خلطً كبيرً في فهمه، لأنه مصطلح غير أصيل، يستعير وجوده من العلوم الإنسانية، ثمّ يستقلّ بعيداً عنها، ليحمل دلالته الجديدة والخاصة في مجال الأدب.

ويبدو أن هناك جهلا حقيقيا، أو تجاهلا على الأقلّ، لأهمية المزاج في الأدب، لدى نسبة كبيرة من الكتاب العرب، خصوصا من الروائيين، الذين يهتمَون، من باب الإيمان الخادع بالواقعية، باعتبارها صدقا في نقل الواقع كما هو، (وربما بهدف إرضاء جهات غير القارئ العربيّ، في يدها أن تقدّم شيئا من التسهيلات، كالترجمة أو غيرها)، وهم يبرّرون ما يفعلون، دون أن يحسبوا حسابا فنيا للمزاج الروائي في اختيار ما يصوّرونه من الواقع، وهو ما يسيء إلى المضمون العام الذي يخططون لطرحه من خلال كتابتهم، مع إدراكهم التام أن الواقع الروائيّ اختيار من الواقع الموضوعيّ، يكون حرّاً ومنظّما، ومنسجما مع ذاته، لأن الأخير لا يمكن تصويره بعموميته، وإدخال ذلك في مجال الإبداع. ويزداد هذا المأزق وضوحاً حين يرتبط بكتاب الرواية الفلسطينيين، لأن حساسية القضية التي ينطلقون منها يحتاج التعبير عنها إلى درجة عالية من الحذر، خصوصا من ذلك ما يتصل بمعالجة موضوع العلاقات الفلسطينية بالشخصيات التي تنتمي إلى الاحتلال، حينما تتحوّل إلى شخصيات روائية، أو حينما يرغب الكتاب في طرح أفكارهم حول واقع العلاقات معها، أو تطلعاتهم نحو هذه العلاقات، من خلال تصوير شخصيات الخصوم، ووجهة نظر أصحاب القضية بها، ووجهة نظرها هي بالقضية، كما تسجل في سردها أو حوارها.

ويمنح النقد الأدبي مفهوم "المزاج" مكانة خاصة؛ وهو يرى أن الغياب الذي يلحق به في بعض الأعمال الأدبية، أو الخلط، أو حتى سوء الفهم، أو سوء الاستخدام، لا يعني إخفاء تأثيره في نجاح العمل الأدبي أو فشله، خصوصا حين يكون عملاً روائيّا؛ بل إن النقد كثيراً ما يرى أن هذا التأثير يعتبر حاسما، إلى حدّ يمكن أن يقال فيه إن مقياس نجاح الرواية مرتبط بالقدرة على السيطرة على المزاج في كلّ مشهد من مشاهدها، وتوجيهه الوجهة التي تمكَن الرواية بكاملها من أن توصل رسالتها إلى المتلقي.

والمزاج في الأدب، كمصطلح، ينزاح كثيراً عن المصطلح الذي يدرس في "علم النفس"، فهو في الأدب لا صلة له بالحالة العاطفية للأشخاص الواقعيين، ولا بسماتهم الفردية الخاصة، وإنما تكون صلته بهذه الحالة لدى الشخصيات الروائية، وسط الظروف التي توضع فيها، ومدى انعكاسها على العمل الروائيّ بكامله، وبالتالي مدى انفعال القارئ بالحالة المزاجية، كما يصوّرها العمل الروائي. ومع أن كثيرين يمكن أن يخلطوا بين المزاج الروائي، والنغمة Tone، (وهي تعني الاتجاه العام للرواية بكاملها، وهي غير Tune، التي قد تعني المزاج أيضا)، والأسلوب Style، إلا أن مفهوما واضحا للمزاج يمكن أن يكون متوفرا عند التدقيق، لدى دارسي الأدب، يربطه بالعاطفة التي تكون عليها الشخصيات خلال كلّ مشهد من المشاهد الروائية منفردا، وهي تلك المشاهد التي تشكّل من خلال تناميها وانسيابها الدرامي، الاتجاه العام والنهائيّ الذي تسير إليه الرواية. من هذا الفهم، الذي يختصر كثيراً من التعريفات، يمكن القول إن المزاج يعني الجوّ العام الذي تخلقه الأوضاع المعتمدة داخل المشهد الواحد في الرواية، بعناصرها المختلفة، مثل المكان والزمان، وأفعال الناس والشخصيات فيها؛ ليكون بعد ذلك ذا صلة كبيرة بطريقة الاستجابة العاطفية لدى القارئ، تجاه هذه العناصر(1).

ويعزى إلى الخلط الذي يحدث في هذا المصطلح، أنه من الصعب الإمساك به، أو حتى قياسه، ومع ذلك يظلّ من غير الممكن أيضا إغفال كونه مسئولاً عن خلق فارق أساسيّ في قدرة القارئ على التفاعل مع العمل الأدبيّ، وخصوصا في صيغته الروائية، وذلك لأن القارئ يتجه من خلاله إلى أن يحبّ منها ما يستدعي العواطف بقوة. ويرتبط المزاج الروائيّ بالجوّ العام Atmosphere الذي يحيط بالمشهد الروائيّ الذي يجري تشكيله؛ وعند هذا التشكيل، من المهم خلق لحظة تكون مشبعة بعاطفة تبدو حقيقية وواقعية، لا ميلودرامية، حتى تستطيع أن تنقل إلى القارئ حالة واضحة، تعبر عن الحزن أو السعادة، مشحونة بالحبَ أو بالكراهية، بالإعجاب أو بالإدانة، على أن تكون دائماً مرتبطة بالجوّ العام(2).

تماسك ولغة:
ومن أجل أن يشيع الروائيّ جوّاً حيوياً في مشهد ما، ويجعل المزاج فيه منسجما مع ما يريد أن ينقله إلى المتلقي، من صور أو أفكار، عليه أن يضع في الذهن عنصرين لا يستطيع الاستغناء عنهما، إذا أراد لمشهده أن يكون مؤثراً، هما التماسك والمعجم اللغوي:
في موضوع التماسك، لا بدَ وأن يسير المشهد كله على النسق ذاته، وأن يحافظ على وحدة التوجه العاطفيّ فيه، بألا يحدث أي قفز فوق الحالة العاطفية التي تسود المشهد ككل، (من الحزن إلى الفرح مثلا، ثم العكس، أو من حدّة الذهن لدى إحدى الشخصيات إلى البلاهة)، لأن ذلك سيكون سببا في اهتزاز عاطفة القارئ، ما يقذف به خارج المشهد، ويجعله غير قادر على الاستغراق في اللحظة التي يحاول التركيز عليها، وبذلك تفقد الرواية واحدا من أهم العناصر التي تشدّ القارئ، وهو عنصر التشويق
. وتنسحب هذه الملاحظة تماما على وصف البيئة، والظروف أو الأوضاع Settings التي يجري فيها الفعل   Actداخل المشهد، بما فيها من مكوّنات وأشخاص، ومن وصف ماديّ أو معنويّ، فكلّ ذلك يجب أن يبقى في إطار واحد مع المزاج داخل المشهد نفسه، حتى يصبّ بكليته، وبانسجامه المنطقي، لا التشابهيّ الظاهريّ، مع المشاهد الأخرى، في المعنى النهائي للرواية، أو في ما يسميه المصطلح النقدي النغمة.

الكاتب ـ مثلا ـ حين يرسم مشهداً يوحي بالجمال الحيّ، أو الإغراء الأنثوي، لا يكون من المناسب أن يقفز فجأة ليتذكّر الموت. إن خروجا على المزاج من هذا النوع، يلاحظ بوضوح في مشهد من رواية "آخر القرن"، وهو المشهد الذي يتحدث بكامله عن طبيعة الرجل الشهوانية، وانشغاله المطلق بمتابعة أرداف النساء، داخل مقهى، بوقاحة زائدة، ودون أدنى احترام للمرأة التي تجلس معه، ثمّ ينقلب ذلك فجأة، دون وجود أي مبرر أو مقدّمات لتغير المزاج: فبعد أن التقت رفيقة جلسته بقريبتين لها، قادمتين من المهجر، وبعد أن "جلسوا جميعا حول المائدة، ولم تتوقف سميحة عن الكلام، أما أسامة، فلم يستطع ضبط أعصابه ولا عينيه، وهو يرى تحت أنفه بالضبط، أثداء كبيرة بلون القمح، ناضرة وقويّة، وترتجف لأدنى حركة. وبينما هو مشدود إلى تلك المساحات الناعمة، فائقة الإغراء والغواية، شبّ سؤال في خاطره، ليس في زمانه ولا في مكانه: كيف يمكن الموت بشكل مشرّف؟ ".(3)

وقد يُظنّ لأول وهلة أن الشخصية في المشهد توحي بمعنى مضمَر له علاقة بالشكل المشرّف للموت المنشود، يتناسب مع الظرف كلّه، كالموت وسط ما كانت الشخصية مشدودة إليه من جمال وغيره، لكن الكاتب يعود ويؤكد أنه يعني الموت ذاته، لا أيّ شيء آخر، حين يضيف: "قال: سيذوي هذا النهد، ومن ثمَ يموت! ستذوي هذه النعومة ويموت هذا البهاء! قال: سأموت أنا أيضا. وستموت سميحة، ويموت صاحب الكافتيريا. قال: كلّنا سنموت. ونظر بعين الخيال إلى الناس ليراهم هياكل عظمية فقط. تصوَرهم يُغسلون في غرف الموتى، ورآهم محمولين في النعوش، وتخيّلهم تحت التراب. رأى الموت في كلّ مكان، أقوى وأكبر حقيقة، وأقرب حقيقة".(4) ومع التغاضي عن أن المشهد يكون في شتاء رام الله، الذي لا تسمح برودته بمثل هذا العري المفتعل، ومع أن الكاتب نفسه يشير إلى أن السؤال لم يكن في زمانه ولا في مكانه، وهذا صحيح تماما، حين ينظر إليه بمقياس المزاج الروائي، إلا أنه يصرّ على أن يحتفظ به، ربما من باب الإعجاب بالصورة التي يراها تأملية، رغم أن التعبير عن ذلك لا يعدو كونه نسخة متأخرة لما ابتذلته الكتابات التي كانت تتقمص الوجودية السارترية في ستينيات القرن العشرين(5)، ما يوحي بغياب كامل للوعي بالمزاج، وما يتسبب فيه بعد ذلك من تشتت في ذهن القارئ، وربما من خروجه ـ بعاطفته على الأقل ـ من المشهد كله.

أما من ناحية المعجم اللغوي، فإن على الكاتب، حتى يضمن استغراقاً متواصلاً لقارئه، أن يختار مفرداته بدقة، بحيث تكون أداته الكتابية الصحيحة في تصوير المزاج بطريقة مناسبة، وهو ينتقل من مفردة إلى أخرى، ثمّ من جملة إلى أخرى، في تماسك متين، يبقي هذا القارئ داخل الحدث. إن بعض الكتاب، خصوصا في بداياتهم التي تتسم بالأحلام المغرورة، ومن باب الجهل بأهمية المعجم اللغوي في صياغة المزاج (والعمل الأدبيّ عموما)، ومن باب الادعاء، والتظاهر بالحداثة، عبر التعلق بقشور لا تعنيها، يعتبرون المعجم اللغوي (إذا لم نقل اللغة)، موضوعا ثانويا، ما يجعلهم يظنون أن في تجاوزه "تفجيراً للغة"! ويفوتهم أن يروا أن على الكاتب أن يدرك أنه ليس من الفن في شيء أن يكون داخل مشهد له مزاج مرتبط بجوّ عام سبق تحديده، ثمّ ينسى أن كلّ كلمة في المشهد يجب أن تعكس هذا الجوّ، وأن الكلمة التي لا تفعل، تقفز من السياق، لتبدو في غير مكانها، وأن كلمة واحدة من خارج السياق قد تكون كافية لتدمير المشهد كله.  من المعروف مثلا أن ما يزكم الأنوف من الروائح، هو ما توصف به الروائح الكريهة، ولذلك فإن كلمة "تزكم" في مشهد يحاول أن يقدّم صورة جمالية مليئة بالروائح الطيبة في رواية "الروح"، تخدش مزاج المشهد، لأنها تجيء في غير مكانها: "فترى نفسك وقعت في أمواج من النقوش والخطوط الفارسية والآيات والأذكار، بالإضافة إلى روائح البخور والطّيوب، التي تزكم أنفك".(6)

وإذا كانت لغة المشهد هي التي توصل إلى القارئ صورة تامة عما يريد الكاتب أن يقوله فيه، فإن عليها أن تكون لغة يفهمها القارئ جيدا، ويعرف أنها هي نفسها التي تستخدم في مثل جوّ المشهد. وهذا ينسحب بالطبع على ضرورة تجنّب الجمل المستهلكة والصفات الجاهزة، والكليشيهات التي تشقّ طريقها إلى الكتابة بسهولة، وتعتبر عبئا سيئا على أي نصّ أدبي. إن القارئ لا يستطيع أن يقتنع بمشهد حبّ في ليلة ليلاء من رعب مثلا، لا قمر فيها ولا نجوم، لأن بيئة الحبّ تناقض ذلك (حتى وإن كانت ممكنة واقعيا)، كما أنه لا يستوعب في المقابل مشاهد موت زؤام وسط حديقة من الزهور، إلا إذا كان لذلك مبرر فني مقنع، يحيل هذا التناقض إلى نوع من البلاغة في التعبير، وهو ما يحتاج إلى وعي كامل بصناعة المشهد، وتجربة واسعة في فن الكتابة.

العنصر السائد:
ومزاج المشهد نفسه، أو الجوّ العاطفيّ العام الذي يخلقه الكاتب، ويفترض أن يستمرّ فيه، داخل العمل الروائي بكامله، يستند إلى مجموعة من العناصر Elements التي يجري خلق توازن بينها، وهي عناصر لها علاقة بالزمان والمكان والشخصيات الفاعلة، وكلّ مكوناتها. وغالبا ما يكون بين هذه العناصر واحد سائد، هو الذي يعبر عن وجهة نظر الكاتب، من خلال وجهة نظر الراوي، أو إحدى شخصيات العمل الرئيسية "Point of View Character" بينما تكون العناصر الأخرى، بما فيها الشخصيات، مساعدة، ومعتمدة على العنصر السائد نفسه. هذا العنصر السائد، الذي يحمل مقولة الكاتب الأساسية التي كتبت الرواية من أجل أن ترسلها إلى القارئ، هو العنصر الأشدّ حساسية في موضوع المزاج الروائي، وهو العنصر الذي يتعرّض لكثير من الانتهاك، في الرواية الفلسطينية التي تتعامل مع شخصيات تنتمي إلى الاحتلال, وهو مع الانتهاك، يخرج بالرواية، في بعض الأوقات، عن الهدف الكلّي الذي كتبت من أجله، أو صمّمت من أجل توصيله.

الخروج قد يكون عابرا في بعض الأوقات، كما في المثلين السابقين، ولكنه قد يكون عميق الأثر، فيمضي بالرواية نحو اتجاهات معاكسة، ويصل بها، في بعض الأوقات، بوعي أحيانا، أو دون وعي في غالب الأحيان، إلى درجة التطبيع الثقافي مع ما تحاول أن تطرح ما يناقضه من أفكار. ولعلّ أبسط ما يمكن أن يشار إليه في موضوع الخلل في ضبط المزاج، هو استخدام التعبيرات التي يستخدمها النقيض نفسه، من خلال أهداف تخصّه، على لسان الشخصيات التي تعبر عن هذا المزاج. إن مشهدا مشبعا بكراهية من يحتلّ الأرض، يقفز فيه فجأة تعبير "جيش الدفاع"،(7) بدلا من جيش الاحتلال، أو الجيش، دون صفة على الأقل، يحدث خدشا في المزاج الروائي، يتسبب في ضياع جزء من تأثير المشهد، حتى وإن كان الواقع يقول إن هذا الاسم (الإيجابيّ في دلالته) هو الاسم الرسميَ لهذا الجيش، لأن الفكرة التي تصل إلى القارئ هي أنه جيش يدافع عن حقوق مشروعة، ما ينفي عنه الصفة العدوانية، وأنه جيش يغتصب حقوق الآخرين، أو يحمي اغتصابها على الأقل، وفي ذلك ما يوحي بأن الكاتب يتبنى مقولة من أطلقوا عليه الاسم.

الرواية الفلسطينية، في مجملها، محكومة بالقضية التي تتحدث عنها، ومن النادر أن تخرج عن هذه القضية، منذ بدأت تتخذ منحاها الفنّي الناجح، مع ستينيات القرن الماضي، ولذلك فإن الحذر في التعامل مع الاحتلال، واقعاً وشخصيات، يفترض أن يكون أساسيا، ولا استثناء فيه، إلا ما تقتضيه الضرورة الفنية، لا الواقعية الجامدة، ولا الغرائز، ولا المشاعر الإنسانية الفردية التي قد تميل في هذا الاتجاه أو ذاك، ولا حتى الأفكار المجرّدة، لأن المشاعر الجمعية، التي تخلق الموقف العام من الاحتلال، هي التي يفترض أن تسود ما يعبّر أدبيا، وإبداعيا على العموم، عن الرأي العام الذي يتوجه إليه المجتمع بكامله. إن الجوّ العام الذي تطرحه رواية (عربة قديمة بستائر)، في مجملها، يعلن عن ضيقه من الاحتلال، بما يخلقه من صعوبات وحواجز وسوء معاملة، لكن هذا الضيق يُخدش في عدد من المشاهد، بطريقة لا يبدو لها أيّ مبرر فني، إلا إذا كان الكاتب يحمل فكرة مسبقة تقول إن بعض المحتلين يمكن التعامل معهم استثناء، وكأنهم ليسوا جزءاً من مجتمع يرضى باحتلال أرض الآخرين، وانتهاك حرّياتهم، ويتعايش مع ذلك، وقد يساهم فيه أيضا.

وهذه فكرة تواجدت لدى عدد من الكتاب الفلسطينيين (ومنهم من يرتدي قناع التقدمية) مع بداية أوسلو ـ في الواقع الذي أُحسن فيه الظنّ خطأ ـ ولكن معظمهم تخلّى عنها، بسبب سلوك الاحتلال، وظلّ قليلون متمسّكين بها، لأسباب تخصّهم، وهي خارجة عن السياق العام (ومنهم من يعتزّ بأنه كذلك)، وقد تكون من باب المصالح الشخصية، أو الإحساس بالعجز، أو التفاؤل الساذج بتغيير اتجاهات الاحتلال والمحتلين، أو حتى التقرّب من جهات قد تخدم تطلعاتهم، ما يفرض عليهم أجنداتها الخاصة، التي تتعارض مع الحسّ الوطنيّ العام، مهما قدّم لها من مبررات. الفلسطينيّ العادي، تحت الاحتلال، لا يرى في طريقة معاملته من قبل يهود الفلاشا، (الذين جيء بهم من أثيوبيا في حملات شهيرة، وتعرّضوا للتمييز داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل)، ما هو أقلّ سوءاً من معاملة غيرهم من أدوات الاحتلال، لذلك يبدو التعاطف مع أبناء هذه الطائفة غريباً داخل مشهد على الجسر، المعبر الوحيد للخروج والدخول في الأراضي الفلسطينية، تحت سيطرة الاحتلال، حيث يتلقى الفلسطينيّ أقسى أنواع المعاملة والإهانة على حدود وطنه المحتل، وحيث لا تتميز في معاملة الفلسطينيّ بأي شيء عن غيرها من رموز الاحتلال، "تلك الفتاة الأثيوبية" التي تنظر نحو المجنّدين اليهود البيض بنوع من الانبهار، وتبذل جهدا واضحاً لتكون مثلهم ومنهم، وهي غالبا ما تبالغ في سوء المعاملة، حتى ترضي أولئك المجندين.

إن واقع الفتاة لا يمنحها حقا من أي نوع، في أن تحظى ـ من قبل الراوي، الذي يحمل وجهة النظر داخل المشهد ـ بالقول إن لونها الغامق قريب من لون العمّال الفلسطينيين "الغوارنة"، لدرجة أنها "كانت تثير حزنه وشفقته وهو يتابعها كلما مرّ عن الجسر، أكثر بكثير من إحساسه تجاه العمال الفلسطينيين"،(8) مع أن التشابه في اللون لم يجعله يتعاطف مع العمال الفلسطينيين، بل لم ينسّ أن يوجّه لهم إهانة، حين وصفهم بأنهم يبذلون جهدهم في إرضاء الديوك من المحتلين.

ومع أن التعاطف مع مجنّدة من الفلاشا دخيل على المشهد، إلا أن ورود مشاهد شبيهة له يؤكد أن هذا الاتجاه في الرواية،(9) مقصود بذاته، ما يوحي بأن ما تطرحه من خلال ذلك يرغب في أن يجعلها "داخل النمط"،(10) ولذلك فإنها تلحّ في البحث عن مبرر عاطفيّ لطرحها، قد تسميه "حاجة ماسة" لدى الأم التي ترغب في زيارة قريتها القديمة، التي  هجرت منها في النكبة مثلا. هذا التوجه سوف يتصاعد تدريجيا، في هذه الرواية وفي غيرها، ليصل إلى حدود غير مقبولة، بعضها يصعب أن ينسب إلى الجهل بأهمية المزاج في السرد، ويستدعي الميل إلى نسبته إلى القصدية، خصوصا وأن معظم الذين يختارون اللجوء إلى ذلك، يدركون أن ما يقومون به يقع  خارج التوجه العام، وقد يعبرون صراحة عن ذلك، وقد يلومون أنفسهم ـ داخل النصّ ذاته ـ على هذا الانحراف الذي يطال المزاج، ويطال الفكرة ذاتها بعد ذلك، لكنّهم يصرون عليه، ما يوحي بأنه اختيار مقصود بذاته، ولا رجوع عنه.

خطوة بعد خطوة:
مضت بعض الروايات الفلسطينية في مسارات متدّرجة في خدشها للمزاج الروائيّ، بما يخرج بها عن الهدف الذي تتوجه إليه، فابتدأت أولاً بالتقليل من شأن الفلسطينيّ، ثم سارت نحو امتداح العدوّ في بعض سماته، حتى وصلت إلى قبول العدو، احتلالياً وثقافيا، كجزء من واقع، يفترض أن تكون العلاقة به طبيعية أو مقبولة، استنادا إلى هذا الواقع الجديد، لا إلى قضية الحقّ الذي يجب الدفاع عنه أمام كلّ شروط الواقع المفروض بالقوة، التي تهدف إلى تغييب هذا الحق. في رواية "الروح"، لا يكفّ الكاتب لحظة واحدة عن الاستخفاف بكل ما هو وطنيّ في العمل الوطنيّ الفلسطينيّ، وهو يميل إلى التركيز على هزيمة هذا العمل، بعد تجريده من كلّ ما هو إيجابي فيه، ويتناسى كليا ما حققه جيل الثورة من إبراز للهوية الفلسطينية التي كانت مطاردة وفي طريقها إلى الضياع، بين زمن النكبة وزمن النكسة، ومن "إدامة شعلة القضية الفلسطينية والحفاظ عليها  في الشتات، حيث قاعدتها المتقلّبة في ظلّ حصارها وتراجعها عالميا وعربيا... فقد  أراد قبل كلّ شيء ألا تتحوّل فلسطين إلى قضية منسية، لهذا أبقاها حية في الضمائر، وعلى مدى الأزمان... لكنه حمى القضية من التصفية في ظلّ تراجعات استراتيجية وانكسارات أساسية واهتزاز الأرض تحت أقدامه".(11)

في هذه الرواية، يبدو موقف الإدانة مسبقا تجاه حركة المقاومة الفلسطينية، منذ نشأتها، حتى قيام السلطة. إنها منذ البداية الناجحة في معركة الكرامة، ومن وجهة نظر الشخصية التي تحمل وجهة النظر، "مجرّد فقاعات صابون، لن تبني شيئا، ولن تترك أثراً ثورياً على أي صعيد".(12) وهي تعمد إلى تجنيد "قطّاع الطرق"، الذين سيتحوّلون في النهاية إلى قادة ومسؤولين وأصحاب سلطة. كما تضمّ إليها جبناء كانوا يختالون بالأسلحة أمام صبايا الحيّ، لكنهم اختفوا عندما ظهرت جدية الأمر. وحتى الشجاع المخلص، فإنه ينتهي بأن يخوض معركة خاسرة في اللحظة الحرجة، تبدو كنوع من الانتحار، خيبة أو يأسا. والرواية لا تتردّد في أن تضع على لسان أشجع رجال الثورة، كما صنفته، هذا القول الغريب: "أعلم بأن الثورة انتهت قبل أن تبدأ، لكني اخترت مصيري أنا وهؤلاء الرجال".(13)

وفي تصويرها لانتفاضة الأقصى، وهي في قمة الفعل، بذلت الرواية جهودا كبيرة في تسخيفها، واعتبارها "مجرّد تعبئة فراغ"،(14) وهي لم تر أيّ بطل في الانتفاضة، سوى من "يدخل محالّ وسط المدينة (...) ويفرض على صاحب المحلّ أتاوة أو خاوة، وذلك بصفته من مطاردي الانتفاضة، وصاحب مهامّ عسكرية (...) وكلما احتاجت الانتفاضة المزيد من الوقود، خرج الرئيس العجوز بهيئته الأبدية هاتفاً بشعار بسيط يحرّض فيه الشباب على الشهادة"،(15) وغير ذلك مما يعتبر تجريحاً لكلّ شيء، لا نقداً بنّاء لأخطاء كثيرة يمكن الاعتراف بها، ودعوة، ولو روائيا، إلى الاعتبار بها، وتعديلها، استنادا إلى الفهم الذي يقول إن هناك فرقا شاسعا بين النقد والتجريح الذي ينطلق من هدف مسبق، ولا يكون مقطوعاً عما سيجيء بعده، مما يصبّ في خانة الانحياز إلى الاحتلال.

وقد تكون هذه القصدية جزءاً من ظاهرة روائية، تحاول أن تنال شهرة طارئة عن طريق دغدغة المشاعر السياسية للقارئ، (بما يشبه دغدغة المشاعر الجنسية) باستغلال فترة الانحسار الوطني، عربيا، وتجريح كلّ شيء في تجربة المقاومة الفلسطينية، كما يمكن أن يلاحظ في رواية "حليب التين"،(16) التي خلطت بين دغدغة الحالتين، حتى وإن كانت لا تصبّ ـ بشكل مباشر ـ في صالح الاحتلال، حين تدين التجربة الفلسطينية في لبنان، لا من باب النقد الذاتيّ الإيجابيّ، وإنما لتبرير البحث عن مهرب، بالتخلي عن الوطن بشكل كليّ، والهجرة إلى عالم مختلف. ولم يفت ذلك رواية (آخر القرن)، وإن صبّت غضبها على ما حدث بعد اتفاقيات أوسلو، سواء أكان ذلك على مستوى الوظائف أو المفاوضات. وهي تقدّم الفلسطيني في ذلك انتهازيا، وجاهلا، وعشائريا وغير وطنيّ، ولا يبحث إلا عن مصلحته الخاصة. إن سفيان، الذي صار مديرا عاما في إحدى الوزارات، سبق له أن "انسحب من منظمة الشبيبة، وقبل وظيفة كبيرة في إدارة الاحتلال المدنية، وبعد أن قامت الانتفاضة، استقال من الوظيفة، ثمّ أعاد اتصالاته، وبدعم من عائلته الكبيرة، تبوأ مراكز قيادية. كالعادة، عشيرتنا تتقدم على ثورتنا، وثورتنا تطيع عشيرتنا".(17)  

وتتحدث الرواية عن قاذفي الحجارة الذين أصبحوا مدراء في مؤسسات مدنية، وضباطا في مؤسسات عسكرية (مع أن الواقع يناقض ذلك إلى حدّ كبير)، ثمّ تنتهي إلى إثارة مجموعة من الأسئلة ـ غير الاستنكارية ـ التي تكاد ترى في إسرائيل حبل نجاة للفلسطينيّ، لأنه مرتبط بها أكثر من ارتباطه بأي طرف آخر: "أين نذهب بمئات الآلاف من العمال؟ كيف نطعمهم؟ أين نذهب بمرضانا؟ كيف نسافر؟ من أين نأتي بالدواء والماء والكهرباء والهواتف والغذاء؟".(18) ولا يجوز أن يفهم أن هذه الملاحظات حول النظرة السلبية إلى الواقع الفلسطينيّ، معنيّة بما هو واقعيّ في الحياة، حتى وإن كانت موجودة هناك بالفعل، ولكن محاكمتها تجري من حيث علاقتها بالمزاج الروائيّ الذي تكسره، وتكون سببا في خدش مقولته الأساسية، خصوصا وأن هذه الملاحظات تكون ـ في الغالب ـ متلازمة مع أخرى إيجابية، في صالح الطرف الذي تناصبه الرواية العداء، أو يفترض أنها تفعل شيئا من ذلك. ومما يؤسف له أن كثيرا من هذه السمات الإيجابية التي تتعلق بالطرف النقيض، تفلت من الكتاب، وتشكل عبئا ثقيلا على المزاج داخل رواياتهم، وقد تحرفها عن أهدافها.

وقد نجد مثل التوجه السلبيّ ضدّ ما هو فلسطينيّ في روايات أكثر جدية مما أشرنا إليه من قبل، ففي رواية (السيدة من تل أبيب) مثلا، تبدو تصورات الفلسطيني عن الفلسطيني سلبية في بعض الأوقات، فالسائق الذي أقلّ بطل الرواية من مطار بن غوريون،  "زلمة من ريحة البلاد الطيبة"، كما يصفه البطل، لكنه لا يلبث أن يتّهمه بالنصب: "بس ضحك عليّ، بيحبّ ريحة مصاري هذيك البلاد أكثر. مصاري برّة. الدولارات الخضرا اللي ريحتها غير شيكل"(19). ويطال هذا الرأي السلبي أفكار السكان، أو يصف تخلّفهم بمعنى أدق، فبطل الرواية، حامل مقولتها، يصدر حكما مسبقا وقاطعا يقضي بأن أمه سوف تصرخ فيه، لو انه اصطحب معه يهودية إلى غزة: "يا سخام البين علينا ويا فضيحتنا عند اللي يسوى واللي ما يسواش. روح خليها تروّح أحسن يقتلوها ويقتلوك"،(20) مع أنه غائب عن أمه منذ عقود طويلة، ولا يعرف شيئا عما حدث لموقفها خلال تلك الفترة الطويلة. وينسحب هذا الخروج عن المزاج على التفاوت في وصف الطبيعة، كجزء من الأوضاع التي تتحرّك فيها المشاهد، وترسم صورة للمزاج الروائي، ففي رواية "السيدة من تل أبيب" أيضا، وعند الاقتراب من غزة، تصبح الأرض جرداء، "وكلّما ابتعدت السيارة (عن البلدة الإسرائيلية) رحلت عن أرضها البيوت، وتعرّت الأشجار من أوراقها، استعدادا للجفاف والانقراض، وتخلّت الأرض عن خضرتها، وتجرّدت حتى من أعشابها غير النافعة، وفقد المكان ملامحه".(21)

لكن الرواية نفسها لا تتردّد في التنويه ببلدة سديروت الإسرائيلية المقامة في النقب الفلسطينيّ المحتل، على حدود غزة، "التي بدت جميلة بأسطح بيوتها القرميدية الحمراء، وقد تناثرت بتناسق هارموني فوق رابية صغيرة كأنّها ضيعة سويسرية، تحيط بها أشجار خضراء كثيفة، تبدو من بعيد، وأخرى اصطفت أمام العديد من بيوتها التي تتفرّج على الطريق العام"،(22) كلّ ذلك دون الإشارة إلى أن الأرض مغتصبة من أصحابها، ودون إدانة لتحويل أرض في هذا الوقع، إلى نمط خارج عن بيئتها. ومن المؤكد، أن القارئ، (خصوصا حين يكون خالي الذهن من فهم معنى الاستيطان) وهو يقارن مشهد الاخضرار بمشهد الجفاف الذي يليه، لدى تجاوز هذه المدينة ـ المستوطنة، سيخرج بانطباع يقول إن من بنوا سديروت أحقّ بالأرض ممن تركوها جرداء، وهو في الواقع يعّزز المقولة الصهيونية ـ غير الصحيحة ـ عن أرض جرداء يحوّلها الاستيطان إلى جنة. ومن المهمّ، في الإطار الذي يتعلّق بتخضير الأرض، الإشارة إلى أن المقارنة بين حالتين تخصان الأرض، غالبا ما تختار تجميد الأرض الفلسطينية عند زمن النكبة، بينما تتحرّك بالأرض التي يديرها الاحتلال، كلّ الزمن التالي، دون أن تشير الروايات التي تطرّقت إلى وصف ذلك، إلى التحوّل الذي حصل في استثمار ما تبقى من الأرض الفلسطينية بعد النكبة، وإلى أن تقدّم الزراعة، داخل مناطق الاحتلال الأول، يحسد التقدّم الذي حدث في بعض المناطق الفلسطينية، ويعمل على الاستفادة من خبرات من قاموا به، ويقلّده أيضا.

ومع أن رواية (أصل وفصل) تصور واقع الأرض عند الطرفين في الزمن نفسه، ومع أنه لا يفترض تلمس ضير في تداخل العلاقات الاجتماعية والعملية والعاطفية بين اليهود والفلسطينيين، لأن كلّ ذلك يحدث ـ في الزمن الروائيّ ـ قبل النكبة، حيث كان طبيعيا أن توجد مثل هذه العلاقات، لكن تجاوز الأمر إلى درجة الإشادة بالاستيطان، ممثلا بالكيبوتس، الفعل الأساسيّ للصهيونية الطامعة بفلسطين، يبدو غير مقبول، حتى وإن كان الوصف واقعيا. إن المبالغة في هذا الوصف تكون صادمة للقارئ إلى حدّ كبير، وهي تتحرّك عبر صفحات عديدة ومصرّة من الرواية،(23) لتبذل في طريقها سيلاً من السمات الإيجابية لصالح كيبوتس إسرائيليّ، (هو في محصلة الأمر جزء من الاستيطان)، من وجهة نظر امرأة فلسطينية عادية وزوجها العاديّ، حين ذهبا ـ بنوع من السذاجة التي تثير السخرية ـ لإقناع صبية يهودية بأن تقطع علاقتها بشاب فلسطيني، لأنها علاقة تضرّ بقريبة لهما، وهي محكومة بالفشل، من وجهة نظرهما.

لقد فوجئ الزوجان بكلّ ما في الكيبوتس من نظافة، وزراعة، ونظام وتعاون بين سكانه، وظلّ ذلك يثير إعجابهما، مقارنة بالحياة شبه البائسة التي يعيشها مجتمعهما، وخصوصا عندما يجري تصوير شكل المرأة وسلوكها، ودهشتها، في مقابل دهشة الآخرين منها. ومن قراءة هذا المشهد بدقة، ثم تحليله، مقارنة بما تقوله الرواية، أو تريد أن تقوله، سوف يتضح الأثر القاسي للاستخفاف بالمزاج الروائيّ، أو الجهل به، على العمل الروائي بكامله. كان الرجل الفلسطينيّ في المشهد يمشي خلف البوّاب مذهولا مشدوهاً "بخطوات واسعة عصبية، وزوجته تهرول وراءه بالكعب العالي والمنديل ودستة مباريم وأساور من الذهب الحرّ تملأ الأسماع برنين لطيف جعلت البواب يلتفت للخلف عدة مرات، ولا يعلّق، بل جعلت رأسه كمن انتشى بنغم آسر. (...) حينذاك التفتت عيون، كلّ العيون، تتأمل المرأة المختبئة بالمنديل وتطقطق بالكعب العالي وينبعث منها صوت لطيف وهسهسة حميمة للجورجيت الذي يموج ويتدفق تحت جاكيت أسود يتعدى الخصر. كانت ما زالت تغطّي وجهها خوفا من أن يراها الناس مثل العمال، لكنها الآن خائفة وترتجف برعب من جوّ اليهود. فهذا الجو غريب كئيب فيه رجال مثل النسوان وفيه نساء مثل الرجال والكلّ يحدّق بتساؤل".(24)

أما الرجل اليهوديّ الذي يرافقهما داخل الكيبوتس، فهو عاديّ جدا، وواثق مما يقوم به، يأكل مع الآخرين، ويقود جراراً زراعيا، ويعمل مثل الآخرين، ومع ذلك، فهو أستاذ في الميكانيكا، (وليس ميكانيكيا بالوراثة الفطرية، مثل الرجل الفلسطينيّ)، وهو يتعامل مع الحياة بشكل مختلف، فلا ينظر إلى العامل نظرة دونية، ولا يتعالى على العمل اليدويّ، بما في ذلك أخذ دوره في تنظيف المكان، كما أنه ينطلق في ما يقوم به عن معرفة علمية، تكشف جهل الفلسطيني العامل الذي يكرر وصف نفسه بأنه موظف، ويؤكد جهله حين يصرّ على أن شجر الزيتون الذي يراه، لا بدّ وأن يكون من زمن المسيح، لأنه لا يمكن أن يثمر خلال عشر سنين، كما يدعي الأستاذ اليهودي. وحين ينتقل المشهد إلى الحديث عن الواقع المكانيّ داخل الكيبوتس، فإن صيغته ستثير الإعجاب بهذا الواقع، فقد "كان الشباك يطلّ على ساحة رملية وخلفها شجر الليمون، وكان يحمل بغزارة ويلمع في الشمس بلون ذهبي ساحر. همست رشا بدهشة وإعجاب: شوف الليمون. نظر وحيد وتساءل عن سرّ حمل الليمون في عزّ الصيف، لأن الوقت ليس وقته، فأجاب المسنّ بأن الشجر عندهم يحمل على طول، صيفا شتاء وبكلّ الأوقات (...) تذكر وحيد ما سمعه من الناس أن اليهود يجعلون الشجر يحمل على طول، بلا توقف. البعض فسّر الأمر أنه استغلال واستنزاف للتربة ـ كعادة اليهود ـ والبعض الآخر فسره بأن اليهود جاءوا بعلوم وفنون الغرب، وسبقونا بالزراعة والكهرباء والميكانيكا (...) كان الجو جميلا والسماء زرقاء ملساء مثل الساتان، والزرع يملأ الأنظار بخضرة نضرة،  ورائحة الأرض تملأ الفضاء بعبير لطيف". ثمّ لاحظ الرجل الفلسطينيّ أن "زرع اليهود أطول وأنضر ويحمل أكثر. يعني التفاح يحمل أكثر وكذا الأجاص والخوخ والعنب. لكن الزيتون على حاله منذ القدم، منذ عهد المسيح. فعلق مستغربا كيف أن كل المزروعات قد تحسنت إلا الزيتون، وربما كان ذلك لأن الزيتون كبير في السن".(25) وعلى القارئ أن يتذكر هنا أن الزيتون ـ الوحيد الذي لم يتحسن ـ هو الرمز الدائم للأرض الفلسطينية!

إن مثل هذا المشهد، الذي يخرج الفلسطينيّ مهزوما مهموما(26) بشكل كامل في نهايته، يسرق عاطفة القارئ بقوّة، ويتجه بها نحو أحقية سكان الكيبوتس بالأرض، (رغم أنه احتلال مصغر، في زمن سبق الاحتلال الأوسع)، لأنهم يستطيعون أن يعتنوا بها، وأن يحيلوها إلى خضرة دائمة،  بدلا من الحالة التي كانت عليها، وفي كلّ ذلك ما يخلق انحيازاً للمقولة المزعومة التي سبقت الإشارة إليها.

بين الواقع والفنّ:
وغالبا ما ترد المقارنة في مثل هذه المشاهد، لتنتهي بما يكرّس فوز ما يمثل الاحتلال على ما يقاومه. وتكاد رواية "آخر القرن" تكون قائمة على مثل هذه المشاهد، فالفلسطيني ـ كمفاوض ـ رأى تل أبيب "مدينة نظيفة، تشعر بأوروبيتها من اللحظة الأولى (...) المدينة نظيفة لدرجة مستفزة"،(27) وفيها شعر بأنه في مدينة سينمائية،  أما حيّ العجمي العربي الشهير، فقد بدا "بحجارته الصفراء الكابية وشوارعه الضيقة وبيوته المتلاصقة الصغيرة، وحبال الغسيل المثقلة، والرجال السمان، والنساء المتصايحات، أشبه بإضافة غير مبررة"،(28) والفلسطينيّ ـ كشخصية هامة ـ حين دخل وطنه لأول مرّة، وأدخل المستشفى، عن طريق الإسرائيليين، "حدّق في الممرضات الجميلات وأياديهن الناعمة الشفافة...  (ولم يأته الموت)...، بل أحيط بعناية فائقة من ممرّضات يشبهن ممثلات السينما، إن لم يكنّ أجمل".(29) ومثل هذا الوصف الإيجابي للظروف متوفر إلى حدّ كبير في بعض الروايات الفلسطينية، ربما تحت وهم العواطف الإنسانية، أو تحت خداع الواقعية الطبيعية، وهي أمور لا تنسجم مع الفنّ الروائي إلا إذا خضعت للمزاج العام فيه.

ويبلغ خرق المزاج الروائيّ حدا غريبا في رواية سحر خليفة (حبّي الأول)، حين تقدّم المستوطنين بصفات تثير الإعجاب، في مقابل صفات يصعب ألا توصف بالوحشية، تحملها الرواية للمدافع الفلسطيني عن تراب وطنه. يجيء ذلك على لسان أحد الثوار، بعد ضغوط عليهم من أجل فكّ الحصار عن المستوطنات اليهودية: "قلنا لهم: نفكّ الحصار شريطة أن يلقوا بأسلحتهم ويتوقفوا عن القتال ويعيشوا معنا كبقية المسلمين سواء بسواء. رفضوا ذلك. قالوا إنهم شعب مختار، فواصلنا الحصار. قالوا داود والهيكل ولا نبيّ إلا موسى فواصلنا الحصار. ناس المستعمرات ماتوا من الجوع، أكلوا الأعشاب، أكلوا السحالي والجرذان، شربوا ماء الآبار العتيقة ومضغوا الخرفيش، ورفضوا التسليم فواصلنا الحصار. وأنا أقول، قال القائد، ليتواسطوا أرواح الأنبياء والمرسلين، فلن نرضخ ولن نفكّ الحصار".(30)

إن الهدف الذي يكمن في ذهن الكاتبة عبر المشهد الذي اقتبست منه الفقرة يسير في اتجاهين: الأول هو تصوير ضعف الإمكانيات التي يملكها المقاتل الفلسطيني بسبب عجز العرب عن تزويده بالسلاح، في مواجهة المستوطن الذي يغرف من مخازن الجيش البريطاني ما يشاء، والثاني هو استثمار ما لدى هذا المقاتل من مصادر القوة، وفي مقدّمتها الإصرار على حصار المستوطنات حول القدس، حتى يتمّ تجريد سكانها المئتي ألف، من أسلحتهم، ومن أطماعهم في الاستيلاء على القدس وفلسطين. لكن الأسلوب الذي صور به هذا الهدف، خروجا على المزاج الروائي العام، يمكنه أن يثير التعاطف مع المستوطنين المحاصرين، وأن يثير الإعجاب بصمودهم أمام غياب الإنسانية عمن يصرون على الاستمرار في حصارهم، رغم كلّ ما أوصلهم إليه الحصار، من أوضاع غير إنسانية.

وإذا كانت صفة "الوحوش" مضمرة في المشهد الذي يروى عن حصار المستوطنات، فإنها ترد صريحة تماما في رواية "الروح"، فعندما يذكر الفلسطينيّ/المتهوّد حادثة قتل الإسرائيليين في مركز رام الله بطريقة بشعة، ويصفها بأنها حادثة شاذة، فإن أخاه الأصغر يعلّق بالعبرية: "حتى الوحوش لا تفعل فعلهم".(31) ويمثل ماجد، شقيق المفاوض الفلسطيني محمود السلوادي في "آخر القرن" نموذجاً مجسدا لغياب الوعي بالمزاج الروائيّ، حتى وهو يتحدث بما يمكن أن يوصف بأنه منطق واقعيّ: إنه يقف على ظهر سقالة، يبني جداراً آخر في بيت آخر في مستوطنة تتوسع من جديد، ويشاهد جرّافات المستوطنين وهي تخلع أشجار الزيتون، ويتحدّث عن عمله في بناء المستوطنات، مع فلسطينيين مثله، منذ احتلال البلاد، وعن أنه شارك في بناء عدة مستوطنات جديدة، ويعتبر من حوله ذلك صراحة منه، لكنهم يعرفون أنها صراحة مشروطة، أو هي انتهازية في وصف أدقّ، لأنها تظلّ في الحدود التي لا تزعج معها اليهود من ناحية، ولا تهدّده بالطرد من عمله من ناحية أخرى، وهو يقدّم نفسه مشاركا في البناء، تماما مثل ضابط أمن المستوطنة الذي يحاوره في سبب قبوله العمل داخل إسرائيل، ثمّ لا يتردّد في الإجابة الصريحة التي تفضل العمل لدى اليهود: "أنتم تعطونني في اليوم مئتين وخمسين شاقلاً، في حين لو عملت في مصنع برام الله مثلا لحصلت على خمسين شاقلاً في أحسن الأحوال".(32) وهذا المشهد، الذي لا يقف وحيدا في الرواية، يبثّ رسالة شديدة السوء تجاه الفلسطينيّ، لا يمكن أن تغفرها أية نوايا مضمرة، لأن المزاج الروائيّ لا يهتمّ بالنوايا المضمرة وهو يقدم نفسه إلى القارئ بكلّ جلاء.

وقد يصل الإعجاب حدودا مبالغا فيها في رواية "آخر القرن" التي تمنح المفاوض الإسرائيليّ صفات استثنائية تجعل تفوّقه على الفلسطينيّ في أي مجال، أمرا حتميا، وكلّ ذلك من وجهة نظر المفاوض الفلسطينيّ، الذي تفترض ظروف الرواية أنه معدّ حتى يكون ندّا. إن حاييم شلومو، منذ البداية، ومن وجهة نظر المفاوض الفلسطينيّ محمود السلوادي، الشخصية المركزية في الرواية، "لطيف لطف الماء البارد في هذا الحزيران، وهو ناعم وصاحب نكتة وله عطر خفيف ساحر، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة أغار منها، ويحمل حقيبة قديمة ملأى بالأوراق والخرائط والنماذج، لا أمتلك مثلها".(33) لذلك لا يبدو غريبا أن يشعر الفلسطينيّ بأن خصمه يملك مفاتيح السيطرة، مع بدء التفاوض، فقد "كانت الرائحة طاغية تعلن عن حضوره وقوته، بجرمه الصلب القصير، ووجهه المدوّر ورأسه الأصلع إلا من خيط رفيع من الشعر الأشيب الناعم فوق شحمتي أذنيه (...) ولما رمى رأسه إلى الوراء (...) بدا قويا ومسيطرا في الغرفة الصامتة".(34)

وترد مجموعة من الصفات الاستثنائية للإسرائيليّ في التقرير الرسميّ(35) الذي يرفعه المفاوض الفلسطينيّ إلى رؤسائه:  فهو يعرف كلّ شيء عنه، وعن كلّ شيء يجري الحديث حوله، ما يشعر الفلسطينيّ بشيء من الدونية تجاهه، ويجعله يكيل له سلسلة من المدائح  الظاهرة والخفية، من سعة في المعلومات، وإيمان بالوثيقة، وإلمام بالتفاصيل، ومراجعة للذات، إلى الردود المعدّة، والموهبة الطبيعية في إعطاء دروس سياسية، والمهارة الشديدة، والقدرة على إرباك محاوره، والشعور بالانتماء إلى جماعة شديدة الذكاء.

شخصيات روائية:
ولم يتوقف هذا الحال عند حدود وصف الطبيعة أو الأشخاص، لكنه انتقل بالتدريج إلى إدخال الشخصيات الإسرائيلية ضمن نسيج الرواية الفلسطينية، وضمن نسيج المجتمع أيضا، ليصبح وجودها مألوفا فيه. وتكاد رواية "عربة قديمة بستائر"(36) تتفرغ لمثل هذا الهدف، في مشاهد لا ضرورة لها، وتثير الاستغراب أيضا، وهي تنسج ما يشبه العلاقات العاطفية بين الرجل الفلسطينيّ والمرأة اليهودية، فصاحبة المقهى، اليهودية المغربية، في الطريق بين غزة والضفة الغربية، الذي  يمرّ داخل إسرائيل، بدت جزءاَ من المشهد الطبيعي في علاقتها مع سائق التاكسي الفلسطيني، حين "وضعت يدها على كتفه، فاتكأت أساورها على قميصه، وتسللت برودتها إلى جسده، وتهاوت روائح ملتبسة من عطر وياسمين وبخور على يديه وصدره، روائح قادمة من صوتها ولهجتها".(37)

أما بطل الرواية، الذي يتسم بنرجسية هائلة، تجعله يشعر بأن كل امرأة لا بدّ وأن تنجذب إلى سحره، كما هي عادة هذا النمط من الشخصيات النرجسية، فقد ركز هذا السحر على المجندة الإسرائيلية داخل القفص الزجاجي، ولذلك لم يجادل السمين الذي غشّ في الدور، لأنه "كان يرغب في مواصلة مراقبة المجندة من موقعه، وكان هذا السمين، بحركته المبتذلة سيوفر له وقتا أطول لذلك... عندما رفعت عينيها عن أوراق السمين لمحته، للحظة بدا أنها تحاول أن تتذكره. الحركة التي ضيّقت بها عينيها كانت تشي بتلك المحاولة".(38) متابعة علاقة الشخصية الفلسطينية بالمجندة الإسرائيلية تكشف الفكر الذي يقف وراء هذه العلاقة، وهو فكر يحاول أن يراها ممثلة لجزء مختلف من مجتمع الاحتلال، الذي ربته كلّ ثقافته على أن يعاديه، وكان متقبلا لذلك، وجاء اتفاق يساعده، "وكانت التعقيدات اللانهائية لإجراءات مثيرة للغيظ والنقمة جزءاً من هذا الاتفاق، يمنحه شعورا يقترب من الارتياح، لأن عليهم أن يفعلوا ذلك، ليكونوا "هم"، تلك مهمتهم، ومهمتنا أن نحاول التكيّف مع ذلك، ومواصلة التحديق فيما وراء أكتافهم، حيث علينا أن نصل. بالنسبة إليه، كان دوره واضحا، أيضا، في ذلك الاتفاق، أن يمرّ بصمت واقتضاب شديدين، وأن لا يتذمر، كانت الأمور تسير بشكل مثالي وقابل لأن يتعود عليه؛ الكراهية الصامتة والمتماسكة، وأن ينظر إليهم كما "هم"، غرباء ومؤقتين، وإسناد كلّ ذلك بالتجاهل التام. لذلك كان الأمر مفاجئا، بالنسبة له، عندما تخطت هي، تلك العتبة بتعسف شديد ودون أن تعتني بكلّ ما بناه وراكمه، ووجهت إليه تلك العبارات التي لا معنى لها ولا مكان في هذا السياق"،(39) وهي، للمفاجأة، مجرّد ملاحظة أنه كثير السفر!

كانت المبادرة منها، ظاهريا، لكن الاستجابة تفيد بغير ذلك، فحين كانت تقلب صفحات جواز السفر، "استطاع أن يرى الجهد الذي تبذله لتبحث عن سؤال جديد، فكّر في أن يمنحها جسراً أو ممراً صغيراً لتواصل حديثها. ثمّة حبات عرق تهبط نحو منبت نهديها. فكر أنها في الثلاثين. يستقدمون هنا، غالبا، فتيات مراهقات عصبيات وكئيبات ويفتقرن إلى التهذيب، ولكن هذه تبدو مختلفة. انتبه إلى أنه يحاول أن يبعدها عنهم، أن يستدرجها إلى خارج الجماعة، حيث عليها أن لا تشبههم، هناك فقط يمكن أن يواصل الحديث معها، أن يأخذها نحو زاوية بعيدة لتختلف قليلا بما يكفي لأن يفكر فيها بطريقة مختلفة".(40)

وبالرغم من أن هذا الميل "لا مكان له في السياق"، كما اتضح لصاحبه، وأن فيه "نوعاً من الغشّ" مثل غيره من المشاهد الخارجة عن سياق المزاج في بعض الروايات الفلسطينية، إلا أن الإصرار عليه يشي بأن في هذا الأسلوب حجة مقصودة، تتعلق بالاختلاف الذي يوصف به بعض الإسرائيليين، أو بإمكانية جذبهم إلى قضيتنا، أو بمعنى آخر، وهم "استدراجهم خارج الجماعة"، وهو وهم يجعله يبدو أن الراوي يرضى به، فهو "لم يتمكن من تفادي الإحساس بالراحة، الذي اعتراه وهو يرى أنهما وصلا  إلى ملاذ أو مظلة وفّرتها لهما اللغة الثالثة، منطقة محايدة وباردة لكنها تقبل وجودهما معا، على غرابته (...) كان صوتها في تلك اللحظة يدخل إلى قلبه مباشرة، وبدا أنها تملك حقا ما، حقا صغيرا في أن تسأله، تلك الحقوق التي تنمو داخلك دون أن تنتبه أو تقصد، تلك التي تتشكل بحكم الزمالة أو الجوار".(41)

إن صيغة الاختلاف، التي تعطي الطرف النقيض حقا ما، بحكم وجوده، حتى وإن جاء عن طريق فرض الأمر بالواقع بالقوة، هي الصيغة التي يبرّر بها بعض الكتاب الفلسطينيين اقترابهم من الإسرائيليّ، ذكرا كان أو أنثى، كدرجة أولى في سلم التطبيع الثقافي معه  Normalisation، الذي يعني، في عمومية ما يعنيه، أنه "سياسة ثقافية، تهدف إلى جعل ما هو غير طبيعي طبيعيا، برضى أو غير رضى"،(42) كما يهدف، في نهاية الأمر إلى إقامة علاقة طبيعية(43) مع العدو، في أية صورة من الصور، تقبل بوجوده، وترضى بأن تمتزج بثقافته، ولذلك فإنه غالبا ما يتمّ فرضه بالضغط أو الإغراء، بما يخضع الطرف الضعيف لمصلحة الطرف الأقوى.

من هذا المنطلق، يشعر الفلسطيني في الرواية بالدهشة تجاه وصف التفاصيل الطبيعية للمجندة ـ كأنثى ـ وهو يراها كاملة خارج قفصها الزجاجي، و"الإضاءة القوية القادمة من الخارج تعزّز النمش في وجنتها والمساحة المكشوفة من صدرها"، ما يجعله يحاول الوصول إلى نوع من التفاهم، أو التعاون، وذلك بإطالة الوقوف ليراها بشكل أفضل. "كان واضحا أنهما، هي وهو، يستخدمان الديك (الفتى المسلح) وسماجته لمواصلة التحديق. كان ذلك واضحا وحقيقيا ومقلقا أيضا، وكان يشبه تخطّي عتبة هشة او التحوّل فجأة، عن طريق رئيسة نحو درب مشوش وجانبي تماما".(44) ورغم الشعور بالتشوّش، كان الإصرار على هذا النوع من العلاقة دليلا على الوعي بما يمكن أن تسير إليه. "ومن الزجاج استطاع أن يراها تقف على المدخل. كانت لا تزال تنظر نحو الحافلة (...) وكان يحاول أن يتنصل من ذلك، ولكن فكرة انشغاله بها، واللهفة التي قادته إلى شباكها، وتبادلهما لذلك الحديث القصير، رغّبته فيها، تلك الرغبة التي لم يعد قادرا على تجاهلها"(45).

وتؤكد الرواية على موقفها بدقة، وهو موقف يريد أن يعيد النظرة إلى يهود الاحتلال إلى ما يشبه ما كانت عليه قبل النكبة. وهي لذلك تعارض النظرة إليهم وكأنهم كتلة متشابهة، "كتلة غامضة لا مجال لتفتيشها أو استدراج أي جزء إلى خارجها. كانوا هناك يقومون بالعمل نفسه، ويتحرّكون بالاتجاه نفسه، ويطاردون، وينامون، ويتحدثون بصوت واحد، ويشيرون بيد واحدة ويتنفسون معا من رئة واحدة، كانوا جميعا وراء القناع الوحيد... وكان هذا يبدو مريحا وقادرا على بناء الكراهية والخوف معا، وقادرا على منح طاقة الانتقام المدفونة عميقا خلف الخسارات المتتابعة، تلك القوة العمياء غير القابلة للتصنيف أو الاستثناء، قوة أن تطعن القناع"(46). إن في إقحام المجندة البيضاء في الرواية، محاولة للإيحاء بأن لها وجودا طبيعيّاً مختلفاً، ومرغوباً فيه، في المكان، مع أنه وجود ليس له ما يبرّره فنيا. ومثل ذلك يبدو خروج رفقة، الصديقة القديمة للأم، من خلف القناع، بهيئة عربية. لكن كان من الممكن تلمّس ما يمكن أن يبرّره في طرح سياسي مقصود، يقول بكل وضوح إن بين المحتلين من هو مختلف عن النمط  المقنع الذي شكلناه لهم، فمنحهم ما نراه من تشابه، وأنه يمكن التعامل معهم من خلال علاقة ـ طبيعية/تطبيعية ـ تميز بينهم، كأفراد، وربما كمجموعات، بطريقة تجعل الفلسطيني، إنسانا ومكانا، يقبل ما تنبهه إليه اليهودية المغربية من تشابه حين تقول: "أنت تشبه المغاربة".(47)

علاقات طبيعية:
ثمّ تتقدم الرواية الفلسطينية خطوة أخرى في طريق بناء العلاقات، فلا تكتفي بما هو عابر منها، على جسر المرور، ولا بما هو رسميّ على طاولة المفاوضات، وإنما تدخل في تفاصيل الحياة اليومية، بنوع من المشاركة التي قد تبدأ صدفة، ولكنها تتحول إلى خيار، وإلى تبادل ذكريات وأفكار، يصل في بعض لحظاته إلى التمازج. الممثلة الإسرائيلية في رواية (السيدة من تل أبيب)، حامل من ابن زعيم عربي، هو خليفة والده في الوقت نفسه، عبر علاقة سريّة، تذكر بكثير من السلوكيات السرية لبعض الزعماء العرب في علاقاتهم مع الاحتلال. وفي هذا الحمل نوع من المزج المعنويّ بين العربي والإسرائيلي، يحمل رمزا لمزج مأمول، تعبر عنه الممثلة كثيرا، وهي تتحدث إلى الفلسطيني الذي جلست إلى جانبه صدفة في الطائرة، والذي أحست بقرب منه، لأن فيه ملامح من حبيبها السرّي.

وبالرغم من أن أحدا من الطرفين لا يعرف عن تقاطعات حياته مع الآخر، إلا أن الفلسطينيّ "يحتوي حزنها بسرعة"،(48) ولا يتردد في وصف العلاقة بالقول إنه ألف جارته وألفته، وفي تفهم ميلها إلى التعايش، وأمنيتها أن يقوم السلام، لدرجة أنها تجعله يسرح في مشروعها ويناقشه مع نفسه كحلم يمكن أن ينظر إليه كتلخيص للفكر الذي تطرحه الرواية، ويتمنى أن يقول لها رأيه، لكنه لا يفعل، لأنه يتأمل ما يؤمن به: "أتمنى أن يخرج الفلسطينيون والإسرائيليون من ساحة الحرب إلى العيش المشترك، ونتمشى أنا وهي معا، في أوتوستراد طويل لا عداء فيه ولا معابر. لا اغتيالات ولا انتحاريين. لا مجندين ولا مقاومين، لا انتفاضة ولا مستوطنات (...) بل مسافران عاديان عابران في "فضاء" عابر".(49) وبالرغم من أن ظاهر هذا المشهد يوحي بأمنية إنسانية بريئة، إلا أن معجمه اللغوي يساوي بين الضحية والجلاد، حتى في تمنّي غيابهما، وهو يتفق مع وجهة نظر المرأة الإسرائيلية التي ترى أن "في هذه البلاد التي نتجه إليها معا ونفترق فيها معا، أرض واحدة وبيت واحد، ما إن تشرق الشمس عليه حتى ينبت له ظلان (...) لمأساتين اجتمعتا في مكان واحد. ما حدث لنا ترك ظلالا سوداء عليكم، وما يحدث لكم يصبغنا بظلال أكثر سوادا. شعبان لا يرتاحان أبدا"،(50) وهو منطق مغلوط من ناحيتين: الأولى هي أن الفلسطينيّ لم يكن طرفاً فيما حدث لهم، بينما كانوا سببا في كلّ ما حدث له، والثاني هو أن الواقع سوف يثبت للفلسطيني أن ما طرحه في حلم يقظته يتناقض مع ما سيواجهه على الحواجز بعد ذلك، بينما ستمضي هي خارجة إلى فضاء البلد الذي ولدت فيه، وكبرت فيه، وأحبته كما يفترض فيها أن تحبه.(51)

وعبر مثل هذا التفهّم، يمكن للرواية الفلسطينية أن تلج في مناطق أشدّ خطورة، حتى يصل بها الأمر في رواية "الروح" إلى الحدّ الذي لا تنسب فيه الاستيطان إلى دوافعه الحقيقية من الاغتصاب والتوسع في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وكلّ المقولات التي يتبجح بها "فتيان التلال" عن حقهم في "أرضهم الموعودة" بكاملها، بل إلى دوافع جمالية، تنطلق من كون هذه الأرض "سرقت من إحدى جنان السماء!" في الرواية، يرد على لسان الراوي الأساسي أنّ "المستوطنات هادئة ترفل في نعماء الطبيعة بصمت، تخشى معه أن ينغّص أحد عليها جنّتها! الآن فهمت لماذا يترك المحتلون مراكز المدن ويعتلون التلال، ليس السبب أمنيّاً كما يشاع، فلا بدّ أنهم مسحورون بجمال هذه الأرض".(52) مثل هذه الأوصاف، أو المواقف من الشخصية الإسرائيلية، ومن سلوكها، يشكّل مقدّمة منطقية، في تدرج التعامل الروائي الفلسطينيّ معها، ويفتح الطريق أمام تقبلها ـ كواقع طبيعي ـ وبناء علاقات متدرجة معها، لا بمدخلها الرسميّ، كما هو الوضع في "آخر القرن"، وإنما بمدخلها الشخصيّ أيضا، الذي تندفع إليه بعض الأعمال الروائية بقوّة لا مبرّر لها، عاما كان أو فنيا، لنجد في رواية (السيرك)(53) علاقات في العمل، وأخرى جنسية بين الطرفين، وثالثة على شكل حبّ، وغير ذلك من العلاقات الطبيعية.

التبرير الذي يساق في هذا الشأن، لا يخرج عن أفكار غير عميقة تتصل بموضوع الواقعية المفتعلة، والحداثة التي لا حداثة فيها، والانفتاح الذي ينغلق على مواقف الناس، ليختار مواقف العدو، والشعور بالحسّ الإنساني الذي يتجاهل غيابه في الطرف الآخر. لكن التبرير قد ينطلق من مقولة لا غبار عليها، كثيراً ما ترد في الكتابات الفلسطينية، تتعلق بالتفريق بين اليهودي والصهيوني، وهو تفريق منطقي وحضاريّ بالفعل، حين يقع خارج الالتزام اليهودي بالممارسات الإسرائيلية، أو بقبول التهجير والإحلال، وهو الفعل المزدوج الذي يقوم به كلّ يهودي ترك وطنه الأصلي ليستقرّ داخل فلسطين، ويعتبرها وطنه إسرائيل، وهو يعلم أنها أقيمت على قاعدة القضاء على وطن وشعب، القاعدة التي ما تزال تمارس بالفعل،  دون أن تعترف ـ سلوكيا ـ بما فعلت، ودون أن تعترف ـ على مستوى الواقع ـ بحقّ الشعب العربي الفلسطيني المشروع في وطنه، وفي تقرير مصيره.

ينطلق ذلك في الغالب من واحد من سببين: إما الجهل بمفهوم المزاج الذي يمكنه أن يخرّب المواقف التي يطرحها العمل الروائي، وهو ما يحدث في معظم الحالات، وإما التوجه نحو المواقف المعتمدة، بوعي كامل، واختيار، يصعب القول إنه يخرج عن قناعة، لأنها كثيرا ما تجد ما يناقضها، حتى داخل المجتمع الذي تنمو فيه، ويكون من السهل بعد ذلك القول إن مثل هذه المواقف ليست سوى تطبيع ثقافي يصدر عن مصالح شخصية، تخرج عن دائرة الفكر، وتتخلى عن أي حس وطني ممكن. وليس من السهل التفريق بين الخيارين، إلا حين يدافع بعض أصحاب النصوص عن خياراتهم، بحجج فيها كثير من الاستفزاز للمشاعر الوطنية التي تشكّل وعيا جمعيا في مجتمع يتعرّض لكلّ الممارسات القمعية والعنصرية من احتلال استيطاني، يقف على رأس أهدافه هدم البيوت على رؤوس الناس، لتهجيرهم من وطنهم، أكثر مما فيها من المنطق.

إن موضوع التعايش كثيرا ما يطرح في الأعمال الروائية بطريقة ساذجة، تطمح إلى أن يكون على الطريقة التي كانت عليها البلاد، قبل أن تشرع الحركة الصهيونية في تنفيذ مشروعها الأساسي في إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، انطلاقا من وعد بلفور. هذا المشروع هو الذي عطل حالة التعايش التي كانت قائمة، ثم ضاعف أعداد اليهود، بتشجيع الهجرة، فصاروا تهديدا وجوديا للمواطن الفلسطيني، ثم تحرّك المشروع الصهيوني برفض كل ما يعزّز التعايش، وصولا إلى الحرب والتهجير، وخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب مشكلة الاحتلال الذي غطى كامل فلسطين، وبعث هجمات "إسرائيل الكبرى". والتعايش الذي كان في الأصل مشروعا فلسطينيّا طرحته بعض الفصائل تحت شعار الدولة الديمقراطية لكلّ مواطنيها، بقي مجرّد شعار، لا يؤثر في القناعات الإسرائيلية التي تطمع في السيطرة الدائمة على أرض فلسطين، وتعطل أية فكرة تدعو إلى اقتسامها. وحين يطرح مثل هذا المشروع، في الرواية الفلسطينية، لا تكون القناعة به واضحة، وغالبا ما تكون محكومة بالفشل، كما كان الحال عند الخروج عن سيرة المزاج في موضوع العلاقات الثنائية.

تنظر رواية (السيدة من تل أبيب) إلى موضوع التعايش، من وجهة نظر الفلسطيني على أنه "دولة وحّدتها المخاوف"،(54) التي تعلق بالطرفين، وهي مخاوف تعيش أوضاعا، أو تخلقها، مما لا يستطيع أن يوحّد: فالمرأة الفلسطينية التي تجلس إلى جوار شاب إسرائيليّ في الطائرة، وتنسجم معه بسرعة، وتمضي معه وقتا ممتعا، وتتمنى لو كان لها ابن مثله، ولا تكفّ عن ممازحته وكأنه ابنها، سوف تفاجأ حين تجده مجندا، على أحد الحواجز، لا يكتفي بتجاهل معرفته بها، بل يأخذ في شتمها بخلطة عبرية عربية ركيكة: "ماشوغا. مجنون. إنت مش بفهم. معبار كروف. مسكّر. فاهم إنت. كروف".(55) وشبيه بذلك، وإنما بطريقة أكثر مأساوية، ما تنتهي إليه علاقة الكاتب الفلسطيني بالممثلة الإسرائيلية، بسبب أفكارهما، حتى وهما متجاوران ـ فيما يشبه حلم اليقظة ـ داخل الطائرة: إنه يغرق في مشاهد الحرب المتلفزة، وهي تتذكر أنها نجحت في إقناع صديقها اليهودي الأوكرانيّ بأنه سينهي ضياعه بالهجرة إلى إسرائيل، ثم تتذكر أنه عاد وهرب. وبالرغم من أنها تتماهى مع النساء الفلسطينيات اللواتي يلجأن إلى بحر غزة طلبا للإخصاب، وتطلب أن يمنحها بحر تل أفيف حملاً بتوأمين، يكون أحدهما للعربيّ الذي تحبّه، والآخر لليهودي الذي تحبّه، لتجمع بينهما داخل رحمها، إلا أن مشروعها التعايشيّ يفشله الموت/القتل المفاجئ، حين تسقط من الدور السادس في إحدى العمارات، ويقرأ الفلسطينيّ في صحيفة القطار في لندن خبرا عن "مقتل إسرائيلية في ظروف غامضة"،(56) ويكتشف في النهاية، ما كان يهجس به من قبل، من أنه الذات التي تقلق وجودها، وأنها الوجود الذي يقلق ذاته، ثم يؤكد لنفسه: "لسنا بعضنا لكي نهدئ بعضنا. بل نحن نحنان، نحن تحتلّ نحناً، وهي من نحنـ(هم) لا من نحنـ(نا) ولا بدّ أن تكون أدّت خدمتها في الجيش. وربما أمضتها في الأراضي الفلسطينية، فأطلقت النار على فلسطينيّ ما".(57)

خيار التطبيع:
لكن وضوح الفشل في مشروع التعايش ـ الذي يكاد يكون وهما ـ لا يردع بعض الأعمال الروائية عن الاستمرار، إلى الحد الذي قد يفضي بها إلى القبول بالاستسلام، أو القبول بالواقع المتاح، والتعامل معه باعتباره الخيار الوحيد. ومع أن هذا الخيار غالبا ما يصدر عمن يكتبون من داخل الخط الأخضر، معبرين عن اندماج فيه، هو ظاهريّ بالتأكيد، لأنهم لا يستطيعون تجاهل الفروق الثقافية بين مجتمعين، ولا التمييز الذي يتعرّضون له، كمواطنين فلسطينيين في إسرائيل، حتى وإن بلغ بهم السير وراء القبول إلى تنازلات غير مقبولة.

إن رواية (السيرك) مثلا، لا توحي بأنها تتحرّك داخل ثقافة عربية، لا من ناحية الأحداث التي لا تخرج في معظمها عن كونها حفلة جنسية متواصلة، قائمة على خيانات إنسانية مستمرة، ولا ترتبط اهتماماتها الأساسية إلا بتفاصيل إعداد الطعام، وضرورة الشراب؛ ولا من ناحية القاموس اللغوي الذي يستخدم ألفاظا تبدو منقولة عن ترجمة سيئة لنص أجنبي. وهذا الأسلوب يعني تبني ثقافة المجتمع الإسرائيلية في الحياة، أو السعي إلى الاندماج بها، بشكل لا يخفى الافتعال فيه. لكن الرواية لا تكتفي بهذا القدر من الذوبان، وإنما تتجاوزه إلى قبول المهاجرين الجدد، وحماية قضيتهم، حين يقوم الرسام العربي، الشخصية الرئيسية في الرواية، وحامل أفكارها، باستضافة "قادمة" جديدة من الاتحاد السوفيتي السابق، طردتها زوجة أخيها من البيت، ثم يقوم بمساعدتها على أن تتأقلم، لا بغرض الجنس، كما يصرّح، وكما هي طبيعته مع غيرها من النساء، وإنما لأنه "لم يشعر قط بهذا المقدار من العطف على إنسان"،(58) دون أن يعرف لماذا يهمه أمرها إلى هذا الحدّ، ما يجعل القارئ يشعر بأن في ذلك قبولا مسبقا لقضيتها المتعلقة بالهجرة إلى فلسطين، مع أنها تناقض قضيته.

ومع أن القادمة الجديدة لا تبقى في ضيافته كثيرا، ومع أن كلّ مشروعه الاندماجيّ ينتهي إلى فشل كامل، إلا أن صدى قبول الآخر، وتفضيل ثقافته، الذي يشعر به القارئ، لا ينتهي مع هذا الفشل. وقد كان ذلك فاتحة لأعمال أخرى تبالغ في تبني النموذج الإسرائيلي، ثقافة وأسلوب حياة، ففي  رواية "الروح"، وبعد تكريس الجهد لتجريح التجربة الفلسطينية الحديثة، في زمن المقاومة وفي زمن السلطة، يلقى ببطلها أديب العرقوبي، اللاجئ/ النازح/ العائد إلى الضفة الغربية مع أوسلو وحيدا، في دوامة بحث، وسط العشائرية المستجدة داخل الوطن، عن أقارب فقدهم، ليفاجئ القارئ بطرح تطبيعيّ مفجع، يوحي بغياب الوعي بما يعنيه المزاج في الرواية غيابا تاما. ولأن الضعف الفني يعلن عن نفسه في كلّ صفحة من صفحات الرواية، فإن وصول التحليل النقديّ إلى المقاصد التي توحي بها، ربما يشير إلى نوع من العمق الذي تفتقر إليه الرواية في كلّ تفاصيلها، ومع ذلك فلا بدّ من الإشارة إلى تلك المقاصد.

في فترة هدوء الانتفاضة، يستطيع بطل الرواية، قريبا من نهايتها، أن يصل بالصدفة إلى ابن عم له، هو يعمل في الارتباط العسكري، ويمثل فيه الجانب الإسرائيلي، لأنه يحمل رتبة ملازم أول فيه، واسمه العبريّ هو رافي، بينما اسم والده هو عبد الجبار العرقوبي، لأن عبد الجبار بالتحديد ابن عم لوالد بطل الرواية ـ بما يمكن أن يوحي به تعبير ابن العم من دلالات ـ وعائلته هي أقرباؤه الوحيدون على هذه الأرض. وتشرح الرواية كيف صار ابن العم إسرائيليا، فقد "كان رافي من بقايا عائلة العرقوبي التي ظلّت في إسرائيل، فحصل أفرادها على الجنسية الإسرائيلية. ولأكثر من سبب، انسجمت تلك العائلة مع المجتمع الإسرائيلي تماما (...) وقد كان السبب الرئيس في تلك الأحوال هي أمّهم اليهودية"،(59) وهي بولندية الأصل، لم يمض زوجها معها أكثر من عشر سنوات، قبل أن يموت، وتتولى هي العناية بالأسرة، ودمجها بالمجتمع الإسرائيلي، الذي كان من السهل أن يقبلهم، لأن الأبناء يلحقون ـ دينيا ـ  بالأم في الديانة اليهودية.

في طريقه لزيارة أبناء عمه، و"حين استدارت بهم السيارة غربا باتجاه الساحل، لتتخذ طريقا سريعة سالكة بسهولة، فقد أقعدته المفاجأة عن كلّ خاطر، لقد ظنّ نفسه دخل الريف الأوروبيّ"،(60) وبدلا من أن تدين الرواية هذا التحويل القسريّ لانتماء الأرض، ما يذكر بحالة سديروت، استمرّت في وصف المدن الحديثة والساحل الخلاب والبيّارات الممتدة على مدى البصر، وصولا إلى الجليل الأعلى، الذي تعجز ألسنة الشعراء فيه عن الوصف. أما داخل عائلة أبناء العمّ، فقد لاحظ أن الأجواء "منسجمة مع الواقع من حولهم لدرجة كبيرة"، وأدرك أنه عوّل على أهله أكثر بكثير مما يرى الآن، وظلّ يريد بمجامع قلبه أن يلقاهم، وبعد أن حدث ذلك، لم يعد يعرف ما يريد، بينما كان ابن العم يلخص موقفه الشخصيّ بكلّ وضوح: "أنا إسرائيلي، هذه هي حقيقتي، وهذا هو واقعي (...) إن انتمائي الأكبر إلى الدولة التي أنا جزء منها، ويهمني الحفاظ عليها والدفاع عنها وعن كياني فيها. إنها وجودي وسندي".(61) ولو توقف الأمر عند هذا الحدّ، الذي يقدّم وجهة نظر الإسرائيليّ باختياره، لما وصلت الرسالة الخطيرة التي يرسلها المشهد إلى القارئ، والتي تعني قبول الراوي، والرواية معه، هذا الواقع، وتفهمه، والإعجاب به إلى درجة عالية: "أفهمك. أنت عرقوبيّ وإسرائيليّ وتدرك ذلك وتؤمن به، أما أنا، فعرقوبي، لكني لست إسرائيليا، وأعلم هذا تمام العلم، فالشيء الوحيد الذي أستطيع تحديده في هذا العالم هو ما لست منه (...) لا أنكر بأني أحسدك، لأنك وجدت ما تنتمي إليه بلا عذاب. أتمنى لك التوفيق يا ابن عمي العرقوبي".(62)

انطلاقا مما يقال عن أن اليهوديّ والعربي أبناء عم، قد يميل التحليل النقدي إلى الترميز، وإحالة ابني العم في الرواية إلى قصة إبراهيم وولديه إسماعيل وإسحق، وما يتبع ذلك من هجرة الأول وتشتت نسله، ومن استئثار الثاني بالأرض وما عليها، وصولا إلى تأسيس كيان يثير الحسد، واعتراف الأول به: وهذا منحى شديد البؤس على المستوى الوطنيّ، قد توصله الرواية، ولكن مقارنة عمقه بسذاجة كل الطرح الذي سبقه، تغلب أن يكون جزءاً من هذه السذاجة وحسب. وإذا كان تغليب السذاجة في الاتجاه إلى الاعتراف التطبيعيّ بدولة الاحتلال والإعجاب بما أنجزته، بعيدا عما ارتكبته من آثام، ممكنا في رواية "الروح"، فإن نسبته إلى ذلك، في رواية "مقدسية أنا"، أكثر الروايات الفلسطينية دعوة إلى التطبيع، دون مواربة أو تحفظ، يصبح أمرا غير لائق، خصوصا وأن غياب الوعي بالمزاج، لا يخفي النية، ولا يخفيه الضعف المتفشّي في الرواية، كما يحدث عادة في غيرها.

في هذه الرواية دعوة صريحة إلى الذوبان في الواقع الإسرائيلي، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، وهي تبثّ روحا انهزامية لا لبس فيها، حتى وإن حاولت تغليفها بشيء من الدعوة إلى الانفتاح أو التحرر. ومن هذا المنطلق اختارت الجامعة العبرية مكانا لأحداثها، وطالبات الجامعة وطلابها شخصيات فيها، من عرب ومن إسرائيليين، وخلطت المجموعات غير المتشابهة في ثقافة متشابهة، هي ثقافة الاحتلال السائدة، والتي يتبناها الراوي ـ الفلسطيني ـ  بشكل كامل، ويدعو لها، وينتقد من يجادل فيها، وخلال ذلك يتنازل عن كل شيء له علاقة بانتمائه القومي والثقافي، لصالح المجتمع الذي يصوّره، دون أن يدرك أنه مجتمع متخيل، لأن مثل هذا الذوبان لم تستطع أن تحققه كلّ الاحتلالات في التاريخ، ولن يستطيع الاحتلال الإسرائيلي ذلك، إلا في إطار نسبة ضئيلة من المخدوعين، تسلّم نفسها لتيّاره المؤقت، وتخرج بذلك عن الرأي الجمعي الذي يصرّ على المحافظة على الثقافة الوطنية، ومنها طريقته في الحياة.

تتحدث الرواية عن مجموعة من العلاقات المتشابكة بين شباب من مختلف الديانات والطوائف، منطلقة من ثقافة المجتمع الإسرائيلي اليهودي وحده، معممة هذه الثقافة على الجميع، بمن فيهم نساء القرى الفلسطينية المحافظة، لدرجة أن الفتاة القروية، وهي الشخصية الرئيسية في الرواية، تناقش أمها القروية المسنة، خلال حوار طويل، يمتد على عدد من الصفحات، في موضوع حريتها الخاصة، بما في ذلك حريتها الجنسية(63)، وتتصرّف مع عمها بوقاحة لا يعرفها المجتمع الفلسطيني، خصوصا حين يكون قرويا، حتى وإن كان داخل أراضي 48، كما يمكن أن يفهم من السياق، وإن كانت الرواية لا توضح ذلك. والأسلوب لا يكون من باب التمرّد الذي يقوم على أسس فكرية، ولكنه مجرّد تقليد لما هو موجود في المجتمع الآخر، أو خضوع ثقافيّ له، يحاول أن يتعامل معه وكأنه طبيعيّ تماما في هذا المجتمع المحافظ، كما يمكن أن يكون طبيعيا كسلوك، في المجتمع اليهودي داخل المدن.

وحين تتحدث الرواية عن علاقة حبّ بين فتاة فلسطينية يعتريها نوع من التردّد الذي ينسب إلى حتمية الفشل، تنبري زميلتها المتحرّرة، أو المتقمصة لثقافة الاحتلال، لتتساءل: "لم لا؟ أنت تؤمنين بالعمل العربيّ اليهوديّ المشترك، آمني بالحياة المشتركة وتزوّجيه، أم أن الثورية عندك مجرّد كلام؟".(64)  وهذا العمل اليهودي في الرواية لا يبدو مشتركا، وإنما هو نوع من الخضوع والتنازل، تدعو إليه الرواية بصراحة، وهي تطرح في ذلك أفكارا شديدة الخطورة، حين تدعو إلى الاعتراف بالاحتلال كواقع، وبما أنجز من استيطان، رغم الإيمان المطلق بعروبة هذه البلاد: "أنا أحلم بالحقّ، لكنّي لا أريد أن أرمي أحداً في البحر، حتى ولو ظلمني. هذه البلاد فلسطينية عربية من المياه إلى المياه، ولكن الواقع أقسى مما نتصور: احتلوا بلادنا، وخسرنا الحرب. على الخاسر أن يتأقلم (...) لن أرمي أحداً بالبحر، كل ما أريده أن يكفوا قتلهم عنا، ألا يستوطنوا أرضنا أكثر، ألا يحتلوا النفوس ويرهبوا الناس".(65)

مثل هذه الآراء لا يمكن أن تصدر إلا عن "نفوس محتلة" ثقافيا، لا تجد أمامها إلا هذا الخيار الذي تروج له، وتسخر ممن ينادون بمقاومة التطبيع الثقافي، وتعتبره مجرّد مظهر، وترى في رفض الدعوة إليه فائدة كبيرة: "نحن نختبئ حين نرفض أن تختم إسرائيل جواز سفرنا، فلا ندخل فلسطين، ونبقى بعيدا. ليس هناك تطبيع ثقافي، وأنا ذاهبة إلى الناس والثقافة، أنا ذاهبة إلى حرية البلاد، كل البلاد (...) لو كان هنالك مئة مثقف عربي يجرؤون على القدوم هنا لتغيرت الحال قليلا، فنتواصل مع العالم العربي ثقافيا ويتواصل معنا ونقاوم بالثقافة (...) لكنّ كلّ ما عند عروبتنا هو أن تختبئ قائلة: هذا تطبيع".(66) وينتهي أمر الدعوة إلى التطبيع إلى ما يشبه التوسل: "سوف تختم إسرائيل جواز سفركم، لكنكم ستقومون ببعث التفاؤل في قلوب الناس، ستساعدونهم، وقد تستطيعون إطعام كل الأطفال الجائعين".(67) ولعلّ حجم الانحياز في هذه الرواية يتضح من تبرير هدم البيوت العربية من قبل الاحتلال، باعتباره لا يهدم دون سبب، فهم طبعا يحتاجون سببا. كما يتضح من تحويل الانسحاب من غزة إلى عمل يمتدح عليه الاحتلال، "لأنهم أذكياء، يعرفون كيف يحرّكون الظروف التاريخية. لقد كانت مسرحية إخلاء غزة من المستوطنين، مصورة بشكل كامل، وقد نقلوها إلى العالم كله، وكل الدنيا رأت كيف مثلوا المسرحيّة"،(68) وكأنّ كلّ التعب الذي شكا منه قادة الاحتلال سنوات طويلة، أمام المقاومة المستمرة والشرسة لغزة التي تمنوا أن تغرق في البحر، لكثرة ما أزعجتهم، لم يكن له أيّ حساب، في هذه "المسرحيّة".

إن الوصول إلى هذا المستوى من التطبيع، في الرواية الفلسطينية، يحتاج إلى تحريك الوعي الثقافي ضده، وذلك بتوضيح خطورة التطبيع الثقافي، لأن كلّ الاتفاقيات التي يمكن أن توقع مع العدو، تظلّ قابلة للإلغاء، "إلا الفعل الثقافي، لأنه يضرب عميقا في الوجدان، وينخر في الذاكرة إلى حدّ إلغائها، وهنا تكمن خطورة التطبيع الثقافي(69).

 

هوامش:
(1) انظر مثلا: مجدي وهبة، معجم مصطلحات الأدب، مكتبة لبنان، (بيروت: 1974) ص 330؛  ومثلا :  literary Terms, The Writer, Inc (Boston: 1979), p 335. Josph Shipley (Ed.).Dictionary of World
(2)  في كثير من المواقع الإلكترونية.Mood vs Tone   تراجع في ذلك آراء الكاتبة الأمريكية فيكي هينز، حول المزاج مقابل النغمة
(3)  أحمد رفيق عوض، آخر القرن، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، (القدس: 1999)، ص 178.
(4)  المصدر السابق، ص ص (178 ـ 179). 
(5)  وردت فكرة "كلنا سنموت" مثلا في قصة "قرنفلة للإسفلت المتعب"، في مجموعة زكريا تامر الأولى "صهيل الجواد الأبيض" التي صدرت عن مكتبة النوري (دمشق: 1960)، ثم طبعت طبعات أخرى، كانت الرابعة منها عام 2001، وصدرت عن دار رياض الريس.
(6)  عبد الرحيم زايد، الروح، دار الغاوون للنشر والتوزيع، (بيروت: 2012) ص 79.
(7)  المصدر السابق، ص 184.  
(8)  غسان زقطان، عربة قديمة بستائر، الأهلية للنشر والتوزيع، (عمان: 2011)، ص 36. 
 (9) من الصعب التعامل مع هذا العمل الأدبي باعتباره رواية، إلا لدواعي هذه الدراسة من ناحية، ولأن غلاف الكتاب منحه هذه الصفة، من ناحية أخرى. العمل مجموعة مشاهد ليس بينها ترابط روائيّ، ولكنها مكتوبة بلغة جميلة.
 (10) عربة قديمة، ص 44. 
(11)  شفيق الغبرا، حياة غير آمنة، دار الساقي (بيروت: 2012)، ص 363
(12)  الروح، ص 44. 
(13)  المصدر السابق، ص 63. 
(14)  المصدر السابق، ص 200. 
(15)  المصدر السابق، ص 159. 
(16)  سامية عيسى، حليب التين، دار الآداب (بيروت: 2010).
(17)  آخر القرن، ص 83. 
(18)  المصدر السابق، ص ص (105 ـ 106). 
(19)  ربعي الدهون، السيدة من تل أبيب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت: 2009)، ص 152
(20)  المصدر السابق، ص 126.  
(21)  المصدر السابق، ص 152. 
(22)  المصدر السابق، ص 152. 
(23)  سحر خليفة، أصل وفصل، دار الآداب (بيروت: 2009)، ص ص (195 ـ 222). 
(24)  المصدر السابق، ص 196. 
(25)  المصدر السابق، ص ص (197 ـ 200).
(26)  المصدر السابق، ص 222. 
(27)  أخر القرن، ص 10. 
(28)  المصدر السابق، ص 13. 
(29)  المصدر السابق، ص 97. 
 (30) سحر خليفة، حبي الأول، دار الآداب (بيروت: 2010)، ص 264. 
(31)  الروح، ص 187. 
 (32) آخر القرن، ص 115. 
 (33) آخر القرن، ص ص (1ـ 2).
 (34) المصدر السابق، ص15. 
(35)  المصدر السابق، ص ص 65( ـ 77). 
 (36) من الصعب تصنيف هذا العمل كرواية، إلا لدواعي هذه الدراسة، وأن الغلاف يشير إلى ذلك، فهو مجموعة من المشاهد التي لا تترابط بشكل روائيّ، وإن كانت مكتوبة بلغة جميلة
.
(37)  عربة قديمة بستائر، ص 31. 
(38)  المصدر السابق، ص 19. 
(39)  المصدر السابق، ص 37. 
 
(40) المصدر السابق، ص 51. 
(41)
  المصدر السابق، ص 51. 
(42)
   د. عبد الله أبو هيف، الفكر العربي والتطبيع، دار المنهل (دمشق: 2001)، ص9.
(43) حول موضوع التطبيع الثقافي، راجع: معن بشور، السلام والتطبيع الثقافي، مجلة المستقبل العربي، العدد 209 (بيروت: 1996)؛ عادل سمارة، التطبيع يسري في دمك، دار أبعاد (بيروت: 2010)؛ وراجع ما صدر عن المؤتمر منذ المؤتمر التأسيسي لحركة مقاطعة إسرائيل، المنعقد في رام الله في تشرين ثاني/نوفمبر 2007
: http://www.pacbi.org/atemplate.php?id=50.
(44) عربة قديمة بستائر، ص 104
(45)
 المصدر السابق، ص 106. 
(46)  المصدر السابق، ص 99
. 
(47)
 المصدر السابق، ص 117. 
(48)
السيدة من تل أبيب، ص 73. 
(49)  المصدر السابق، ص 96. 
(50)  المصدر السابق، 107. 
(51)  المصدر السابق، ص 116. 
(52)   الروح، ص 185. 
(53)  علاء حليحل، السيرك، في "مسافة لم تحترق"، مؤسسة عبد المحسن القطان (رام الله: 2001)، ص ص 141(ـ 328) 
(54)  السيدة من تل أبيب، ص 80. 
(55)  لمصدر السابق، ص 211. 
 (56) المصدر السابق، ص 317. 
(57) المصدر السابق، ص ص (73 ـ 74)
. 
(58)  السيرك، ص 186. 
(59)  الروح، ص 184. 
(60)  المصدر السابق، ص185. 
(61)  المصدر السابق، ص 188. 
 (62) المصدر السابق، ص 188. 
 (63) علاء مفيد مهنا، مقدسية أنا، الأهلية للنشر والتوزيع (عمان: 2011)، مؤسسة عبد المحسن القطان (رام الله)، ص ص (154 ـ 171).
(64)  المصدر السابق، ص 35. 
(65)  المصدر السابق، ص 207. 
(66)   المصدر السابق، ص 238. 
(67)  المصدر السابق، ص 244. 
(68)   المصدر السابق، ص 316. 
(69)  الفكر العربي والتطبيع، ص 51.