تصنيفات الإبداع بالعامية
يتسـع مفهوم "الإبداع بالعامية" ليضم تحته الشفاهى والكتابى، الفردى والشعبى، هذا المفهوم المتسع والمتسامح يدعونا بداية لتأمل المشهد من جديد، ونعيد النظر فيما أنتج من اصطلاحات، كما يسهم مساهمة جليلة فى التنقيب عن تراث الإبداع بالعامية بشقيه (الشعبى ـ الفردى)، وما يندرج تحت كل واحد منهما من أجناس وأنواع سردية وشعرية، من هنا يجدر التنبيه إلى إهمـال تاريخى قد تم ولا يزال ـ عن عمد أو يسوء نية ـ لتراث العامية لغة وإبداعا، فمنذ بدايات الأربعينيات، ومع تأسيس مجمع اللغة العربية بدأت لجنة اللهجات نشاطها، حيث نص مرسوم إنشاء المجمع على "أن ينظم دراسة علمية للهجات الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية"، وقد تألفت لجنة مهمتها دراسة اللهجات ونشر النصوص القديمة، ومن قراراتها المهمة ما يلى:
1 ـ أن يحصر بحث اللهجات أول الأمر فى اللهجات المصرية.
2 ـ أن تبحث اللغة العامية المصرية من النواحى الآتية:
أ. استخراج ما فيها من الكلمات العربية الفصيحة التى يتجافاها الأدباء لمجرد جريانها على ألسنة العامة.
ب. دراسة ما طرأ على أصوات اللهجات العامية من تغير وتحريف، وأسباب ذلك.
ج. البحث فى نحو العامية وصرفها وبلاغتها، ووضع قواعد لذلك.
3ـ جمع المؤلفات العربية ـ وغير العربية ـ التى بحثت فى موضوع اللهجات(1).
4ـ أن تمكّن اللجنة من تسجيل اللهجات من الناحية الصوتية، وطرق الأداء فى سجلات صوتية، من أقراص وأشرطة، بآلاتها الخاصة، وتحفظ فى المجمع. (2)
وبالرغم من صدور هذه القرارات المهمة، وتحقق عدد يسير منها، وإعداد مجموعة من الدراسات والأبحاث المعمقة حول العامية لغة إلا أن المجمع وضمنه لجنة اللهجات لم يصدر كتابا مجمعا يضمها إلا بعد أكثر من نصف قرن من إنشائه(3)، ولم يقتصر الأمر على المجمع وحسب، وإنما كان الأمر يسير فى نفس قنوات الإهمال بالنسبة لمركز الفنون الشعبية الذى أنشىء فى عام 1957، وقام بإصدار ثلاثة أعداد ـ فقط ـ من مجلة الفنون الشعبية، كان أولها فى عام 1959 والثانى فى عام 1960 والثالث فى عام 1968، ومازالت معظم مواده التى جمعت ـ ميدانيـا ـ على مدار أعوام طوال، وبجهد هائل من باحثيه من الأجيال المختلفة ـ حبيسة الشرائط والأدراج دونما اهتمام يوازى قدر أهمية المادة المجموعة، كما أن المعوقات قد تكاتفت لتقف أمام مشروع علمى مهم هو أطلس الفولكلور المصرى الذى ترعاه الهيئة العامة لقصور الثقافة، وحتى لا يصبح الإهمال جسيما فقد تقدمت بمشروع بحثى أراه مهما فى الكشف عن الطاقات الخلاقة فى تراثنا المكتوب بالعامية سواء كان شعرًا أم نثرًا، فضلاً عما يستجد من تصنيفات نوعية تتيحها المادة المجموعة، واضعا هدفا تمثل فى حصر الجرائـد والمجلات السيارة التى كانت مشغولة بنشر العاميات، وإثبات تاريخ صدورها وتاريخ توقفها، وأصحاب الامتياز، وكتابها، تمهيدًا لجمع المادة المكتوبة بالعامية من المتوفر والمتاح من الجرائد والمجلات السيارة التى صدرت فى مصر فى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وهى فترة زمنية تقارب مائة عام، وقد اقترحت أن تكون مصادر البحث مجموعة الجرائد والمجـلات السيـارة سواء منهـا المتخصص فى موضوع البحث، أو ما كان مشتملاً على مادة تدخل فى موضوع البحث، ولن يقتصر جمع المادة من المجلات التى كانت تـصدر بشكل رسمى وحسب، وإنما يعتمد البحث أيضًا على الصحف والمجلات الخاصة، وقد وضعـت عـدة نماذج للمصادر البحثية من جرائد ومجلات منها: التجارة ـ وادى النيل ـ الطائف ـ الفلاح ـ الأستاذ ـ الفتاة ـ اللواء ـ الخازوق ـ الغول ـ ألف صنف ـ الراديو – اللطائف – المصيدة – المسلة ـ البعكوكة – الشرق – قراقوش – الديك – المحروسة – الفيـوم – بنهـا – الشمس – الوطن – الكتلة – الشعلة – صوت الأمة – كل الدنيا ـ أبو قردان ـ المصرى الحر ـ الرسول – الرقيب ـ أبو الهول ـ المنبر ـ النظام ـ كـوكب الشرق ـ العفاـف ـ السيف ـ المرأة المصرية ـ اللطائف المصورة – النسر المصرى ـ المطرقة – الطيارة ـ الدعاية ـ الصرخة ـ الأمل.. وغيرها من مجلات وجرائد سوف تتبين لنا فى ضوء الحصر الذى آمل القيام به، فضلا عن الفسائل التى كانت تحوى كنوزا من الإبداع بالعامية بشقيه الفردى والشعبى (3)، مع مراعاة أن تصنيف المادة سيعتمد بشكل أساسى على نوع الإصدار وفترته الزمنية، وقد تتيح المادة المجموعة – إجمالاً – إنجاز دواوين مكتملة لشعراء لا يزالون حتى الآن فى طى النسيان، مما يجعل المشهد الشعرى المصرى فى القرنين التاسع عشر والعشرين منقوصا وغير معبر عن الحراك الإبداعى الذى تم تهميشه لأسباب غير فنية، وقد اقترحت أن يعتمد العمل على عدة خطوات هى:
ـ حصر مصادر البحث.
ـ الجمع.
ـ التصنيف؛ حسبما تتيحه المادة المجموعة.
ـ الكشافات (المجلات – الجرائد ـ الأماكن – الشعراء – أصحاب امتياز المجلات والجرائد – التواريخ – الأعداد.. إلخ ).
ـ ببليوجرافيا بالشعراء والكتاب.
لكن هذا المشروع قد لاقى هو الأخر إهمالا، رغم الموافقة المبدئية عليه (4).
إن الباحث فى تاريخ العامية التى قام بإبداعها شعراء وكتاب أفرد سيقف على عدد زاخم من التنوعات التى تحتاج إلى رصد لأشكالها وموسيقاها، وفرادتها الجمالية، أما المتأمل لنوع واحد يقع ضمن جنس الأدب الشعبى وهو الشعر الشعبى سيجد عددا من التصنيفات أو التنويعات التى ربما ستضع أيدينا على التنوع الهائل الذى يؤكد على تقاعس المؤسسات المعنية بالثقافة الشعبية عامة، وبعناصر الأدب الشعبى خاصة وضمنها بالتالى أنواع الشعر الشعبى الذى نقترح مخططا لتصنيفه كالتالى:
أولا: الشعر المؤدى غناء (شعر الغناء الشعبى) (5)
ثانيا: الشعر المؤدى إلقاء (الشعر الشعبى)
ثالثا: الشعر الشعبى الذى يتخلل الأعمال النثرية (السير ـ الحواديت ـ القصص … إلخ)
أولا: الشعر المؤدى غناء (شعر الغناء الشعبى)
(1) شعر الغناء الشعبى المرتبط بالطفل (6)
(أ) شعر الغناء الشعبى الذى يؤديه الطفل |
(ب) شعر الغناء الشعبى الذى يؤدى للطفل |
(ج) شعر الغناء الشعبى عن الطفل |
|
¨ عام |
¨ الميلاد |
كل مايتعلق بالطفل فى كافة الأنواع الشعرية الشعبية (السيرـ المواويلـ…شعر الغناء الشعبى الذى يؤدى أثناء الحمل …إلخ ) لكنها لا تؤدى له مباشرة، ولا يؤديها بنفسه. |
|
(1)عن الأشخاص |
(1) عامة |
||
(2)عن الحيوانات والطيور |
(2) ميلاد البنت |
||
(3)عن الكُتِّاب والمدرسة |
(3) ميلاد الولد |
||
¨ المناسبات |
¨ التهنين والهدهدة |
||
(1) عن الحصاد |
(1)ا لتنويم * |
||
(2) عن المطر |
(2) التدليل والملاعبة * |
||
(3) عن رمضان |
(3) الترقيص* |
||
(4) عن العيدين |
¨ الفطام |
||
¨ الألعاب |
¨ الذهاب للكُتـَّاب |
||
(1) الأولاد |
¨ فى الحكايات |
||
(2) البنات |
|
||
(3) مشتركة |
|
2) الشعر الشعبى المرتبط بالزواج.
- الخطبة.
- الشبكة.
- الحنة
- حلاقة العريس.
- الدخلة
- الاستحمام
- الصباحية.
(3) الشعر الشعبى المتصل المناسبات الدينية والأعياد
أغانى جماعات الطرق الصوفية
- الأذكار فى مجلس الذكر
- أغانى الذكر
- القصص والقصائد الدينية
- أغانى الموالد
- المشايخ ـ و الأولياء – والقديسين
- أغانى المولد النبوى (يتضمن غناء قصص السيرة النبوية)
- الأغانى الكنسية
- المدائح النبوية
- الابتهالات
- التخمير (يشمل التخمير فى الحضرة)
- أغانى الـزار
- أغانى الأعياد والاحتفالات
- أغانى عيد الفطر
- أغانى عيد الأضحى
- أغانى الإسراء والمعراج
- أغانى رمضان (بالفوانبيس)
- أغانى التسحير (فى شهر رمضان)
- أغانى الحـج ( ذهابا وإيابا)
- أغانى رأس السنة الهجرية
- أغانى التقديس
- الذهاب إلى التقديس (الذهاب للقدس) ويندر العثور على رواة لها بعد انقطاع هذه الرحلة وتشمل: أغانى الذهاب والتوديع ـ أغانى العودة والاستقبال)
- أغانى الأعياد المسيحية
- أغانى عاشوراء
- أغانى شم النسيم
- أغانى القمر
(4) الشعر الشعبى المتصل بالعمل
- الصيد
- الحرث والحصاد والجنى
- سقاية الإبل
- أعمال البناء
- نشل المياه من الآبار
- رعى الإبل
- حداء الإبل
- طحن الغلال (الرحايه)
- الخبيز.
(5) الشعر الشعبى المتعلق بالفرجة والرقص
- أغانى الأراجوز
- أغانى خيال الظل
- أغانى القرداتى
- أغانى الأدباتية والمضحكين
- أغانى المواوى
- أغانى كف العرب (الكفافه)
- أغانى السحجة
- أغانى الدحية
- أغانى الأوكل (الحمامة: بالرطانة /لغة البجا)
- أغانى الهوسسيت (السيف: بالرطانة /لغة البجا)
- أغانى الدونيب (الدندنة: بالرطانة /لغة البجا)
(6) الشعر الشعبى المتصل بالموت (العديد / المراثى الشعبية)
- الموت غرقا.
- الموت محترقا.
- موت كبير السن.
- موت البنت.
- موت الزوجة.
- موت الابن البكرى ……. إلى أخرالتصنيفات حسب الجنس والعمر ونوع الميتة.
ثانيا: الشعر المؤدى إلقاء (الشعر الشعبي)
(وتشترك معظم هذه الأنواع فى كونها تغنى أيضا، لكنها تكتسب شعريتها من خلال بنائها الذى يعد بناء مستقلا، ويمكن أن يؤدى دون غناء)
- المجرودة
- الشتـاوة
- قول الأجواد
- التقديـر
- الحـداء
- الشباهـة
- العلـم
- القصدان (الواحات البحرية)
- الدوبيت / هابيت (وهى المرادف بالرطانة لمفردة دوبيت)
- شكر الإبل
- شكر البنات
- النبذ
- الجنزير
- نعناع الجنينه
- فن الواو
- المربع
- الدوبيت
- الـمــوال (تصنيف حسب شكل ـ عدد شطرات ـ الموال)
- الموال الرباعى
- الموال الخماسى / الأعرج
- الموال السباعى / الزهيرى / النعمانى
- موال 13 زهرة / غصن
- موال 19 زهرة غصن
- الموال المردوف.
- الـمــوال (تصنيف حسب عدد مضمون الموال، ويختلف الرواة فيما بينهم فى هذا التصنيف)
- الموال الأبيض
- الموال الأخضر
- الموال الأحمر
- البلاليق
ثالثا: الشعر الشعبى الذى يتخلل الأعمال النثرية (السير ـ الحواديت ـ القصص … إلخ)
(وأعنى به كل الأشكال الشعرية التى تتضمن الأشكال السردية والحكائية الشعبية من مواويل وأغان)
من هنا، ومن هذه التنوعات الثرية سوف أعرج على قضية تربط بين الشعبى فى سياقه الأصلي وبين الفردى بوصفه نصا يقـم حوارا متسعا مع هذه النصوص الشعبية (7).
أولا: إشكالية التناص(8)
إن ظاهرة التناص مع بعض عناصر الثقافة الشعبية بتنوعاتها، وآليات تشكلها فى بنية النص الشعرى تعد واحدة من الاستراتيجيات التى يعتمدها معظم شعراء العامية، ولا تقتصر ظاهرة التناص عند الاستلهامات الفولكلورية وحسب، وإنما تتسع لتشمل التناص مع تراثات عدة، لكن ما يشغلنا هنا هو مناقشة ورصد بعض هذه الآليات، فضلا عن مقاربة العلاقة الشائكة بين النص الشعرى / الفردى، والنصوص الشعبية / نصوص الجماعة، من هنا يمكننا أن نقرر بداية أن شعر العامية لم يكن امتدادا للزجل، أو للشعر الشعبى، يدعونا إلى هذا القول إن هناك ربطا متعسفـا يعقد أواصر صلة بين الشعبى والعامى، ويجعل الأخير امتدادا له، ولعل هذا الربط مصدره هواة رد الأشياء إلى مصدر محدد يعرفونه، ويمسكون بأدواته، أو لا يمسكون، المهم هو البحث عن بئر يمكن أن نرد إليها كل قطرة ماء مهما بدا شكلها مختلفا، فما أسهل أن تضع كل نـوع أدبى فى درج محكوم الغلق لتتخلص من أزمة التصنيف، ولعل هذا الربط هو ما جر بعض النقاد إلى عقد صلة وهمية بين ما يسمونه المصدر / الأصل وكل جديد لا يجدون له اسما، أو شارة يعلقونها على واجهته، وهم إذا يفعلون ذلك يحدوهم الأمل فى وضع نموذج قياسى يمكن الحكم به على الأنواع الأدبية الجديدة، لذا فإنه حينما نبحث فى شعر العامية يمكننا أن نتكلم عن "التواصل" و"القطيعة"، لا "الصلة"، عن "النصوصية" لا "الامتداد"، عن "الاستلهام"، لا "التبنى"(9)
إن استلهام وتوظيف عناصر الفولكلور ينبغى أن تتنوع لتصنع حوارا مع القصائد، لتعلن أنها لم تظهر فى فراغ، وإنما تقيم حوارا مفتوحا على نصوص أخر، ومن ثم فإن هذه القصائد تحاول الحلول محلها، أو إقصاءها من المكان الذى ظلت تتردد فيه مئات السنين، وربما فى مواضع أخرى تحاول تثبيت آلياتها اعتمادا على بنيتها، واكتساب بعضا من أرضها التى امتلكتها بالتقادم، أو بنـزع ملكيتها الجمالية، وقد تقوم بالإجهاز على رسالة المصدر لترتدى أقنعته الشكلية، وربما تزيت بهيكلها الشكلى تاركة مضامينها لتحتل ظلا هامشيا فى متنها، كما اعتمدت بعض التجارب على هذه الآليات كستار لاستنزاف المشاعر الوطنية، واستخدام وتوظيف هذه العناصر كواجهة، أو حلية لتمرير توجهات بعض النظم السياسية التى لا تنشغل أصلا بحقوق الشعوب وحرياتها, لكنها فى نفس الوقت تستثمر المأثور والتراث الشعبى عبر أشعار بعض الشعراء الذين ينتمون لتوجهاتها فى لحظات تاريخية معينة. إن البحث عن التداخلات التناصية وتفاعلاتها ليس عملية بوليسية لإمساك الشاعر متلبسا بارتكاب التناص، وإنما أشبه بضبط برومثيوس قابضا على الجمر، فهى خلق ومعرفة فى آن معا (10)، فتداخل النصوص قد يتسع ليشمل حياة الكلمات، موسيقى النص، شكله، طريقة بنائه، السياقات المتراكبة التى تساهم فى خلقه ـ البناء التقفوى إضافة إلى تجليات كل عنصر تاريخيا، إذا تندغم العناصر التى تشارك فى بناء القصيدة مشبعة بظلال اجتماعية وتاريخية سابقة عليه. وتعد مسألة الإحـلال والإزاحة واحدة من آليات التناص، أو فاعلية النصوص ببعضها، وتسفر هذه الآلية عن نفسها فى عدة صور تنطوى كل صورة منها على تصور مختلف بين أى نص والنصوص التى وجدت قبل ظهوره، فالنص عادة لا ينشأ فى فراغ، ولا يظهر فى فراغ، إنه يظهر فى عالم ملىء بالنصوص الأخرى، ومن ثم يحاول الحلول محلها أو إزاحتها من مكانها (11)، وخلال عملية الإحلال والإزاحة ـ هذه ـ وهى عملية لا تبدأ بعد اكتمال النص، وإنما تبدأ منذ تخلق أجنته الأولى وتستمر بعد تبلوره واكتماله، قد يقع النص فى ظل نص أو نصوص أخرى، وقد يتصارع مع بعضها، وقد يتمكن من الإجهاز على بعضها الآخر، وتترك هذه الآليات بصماتها على النص، وهى بصمات مهمة توشك معها فاعلية النص " المُزاح " ألا تقل فى أهميتها وقوة تأثيرها عن فاعلية النص " الحال "؛ لأن النص " الحال " قد ينجح فى إبعاد النص " المزاح " أو نفيه من الساحة، ولكنه لن يتمكن من الإجهاز عليه كلية، أو من إزالة بصماته عليه (12)
ثانيا: الإبداع بالعامية وإشكالية المصطلح
إن الخلط المتواتر بين عدة اصطلاحات حول الكتابة بالعامية شعرا يعكس جزءا من الفوضى الاصطلاحية، مـن هذه الاصطلاحات المتواترة: عن العامية المصرية، الشعر اللهجى، شعر المصرية العربية، الشعر الجماهيرى، شعر العوام، الشعر الشعبى، ومما يؤكد هذا الخلط بجلاء أن العرف النقدى قد جرى ـ من باب التقدير ـ على إطلاق لقب " شاعر الشعب " على بيرم التونسى، وقد منح هذا الإطلاق للبعض مسوغا فى عدِّه شاعرا شعبيا، ومثلما أصبح اسم بيرم ملتصقا بالشاعر الشعبى، فإن الشعر الشعبى قد أصبح فى عرف بعض الدارسين والنقاد مرادفا لشعر العامية(13) وللزجل كذلك. ومن الجلى أن الاصطلاحات الثلاثة بينها اختلافات / خلافات، أعتقد أنه أصبح ضروريا الوقوف على كل واحد منها، وتعريفه تعريفا إجرائيا، كما أن ذلك المسلك يعد أمرا ضروريا لكشف بعض محـاور جدل شعراء العامية مع الثقافة الشعبيـة (FOLKLORE) (14). ولعل من المغالطات أن نطلق على أزجال بيرم نصوصا شعبية، إذ إن النص الشعبى ينتمي إلى إبداع الجماعة الشعبية التى تنتخب من بينها شاعرا تدرك بوعيها مصداقيته وقدرته على تشكيل ما يتراكم فى وجدانها، وهو يتبنى منظومة قيمها وعاداتها وتصوراتها عن الحياة فى تشكيل (رمزى ـ مباشر ) يتخذ من اللغة والحركة والموسيقى أساسا له(15).
فالشاعر الشعبى ـ إذن ـ يعبر عن جماعته ( بها وعنها ولها ) (16)، وذلك فى سياق متجانس لا يسمح بالنتوءات على العـرف أو الخـروج على التقاليد، وليـس لمتلقى النص الشعبى ـ من أبناء الجماعة الشعبية ـ حرية القبول والرفض، خاصة إذا وثق فى قدرة مبدعه، لكن حريته تتحدد فى الإضافة والحذف أو كليهما معا، وكل ذلك يتم فى إطار المنظومة التى تحكم هذه العقلية الشعبية Folk MENTALITY)) التى راكمت أعرافها وقوانينها عبر تجاربها الحياتية وآمنت ورسخت إيماناتها بعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها حتى أصبح قانونها هو "منظومة قيمها"؛ لذا فالشعر الشعبى ليس مجموعة من القوافى شديدة التجانس، ولا مجموعة من القيم التى تخص مجموعة من الناس، ولا تقاليد أدائية أصبحت علامة دالة بين أبناء الجماعة، ولا خصائص أسلوبية وبنائية تحدد خصائصه الفارقة، ولا مناسبات لأداء هذا النص أو ذاك وحسب؛ وإنما ـ إضافة إلى كل هذا ـ سياق ضام لكل تصورات مبدعى النص الشعبى ومتلقيه.
أما الـزجـل (17)، حسبما تواتر، فقد بدأ مع عهد الملثمين من ملوك الأندلس استحدثه أهل الأمصار بعد أن أهملوا فيه قواعد الإعراب، وجاءوا فيه بالغرائب، وشغف به الشعب لسهولة فهمه، واتساعه للمعانى الدقيقة التى يصعب التعبير عنها بألفاظ عربية مع التقيد بالإعراب (18)، ويؤكد صفى الدين الحـلى فى معرض كلامه عن الفنـون الشعرية غير المعربة أن الزجل " أرفعها رتبة، وأشرفها نسبة، وأكثرها أوزانا، وأرجحها ميزانا، ولم تزل إلى عصـرنا هذا {عصر الحلى}(19) أوزانـه متجـددة، وقوافيه متعددة، ومخترعه أهل المغرب، ثم تداوله الناس بعدهم " (20). والزجل فى اللغة: الصوت (21)، وإنما سمى هذا الفن زجلا لأنه لا يلتذ به، وتفهم مقاطع أوزانه، ولزوم قوافيه حتى يغنى به ويُصوَّت، فيزول اللبس بذلك. ويعتمد الزجـل الأبحر الخليلية أوزانا له، إلى جانب ما اخترع من أوزان، وهو يحفل بروح ساخرة تتخذ من النقد الاجتماعى أسلوبا، كما يلاحق اللحظات الساخنة، والقضايا الآنية ويلتـزم الزجـل بالعمـود الشعرى، مع تنوع أشكاله، ويبدعه شاعر فرد يتمتع باستقلالية ـ ما ـ عن رؤية الجماعة الشعبية، وهو فى الغالب يعبر عنها ولها، وحين تتبنى الجماعة بعض نصوصه تتحول إلى نص شعبى يتـوارى مبدعه فى ظلاله مؤثرا استقباله بوصفه نص الجماعة، وتنـزع عن النص ملكيته الفردية ليصبح هذا الشاعر أحد ملاكه مع ملاك آخرين صدقوه وتواشجوا معه فتآلف مع روح الجماعة وذاب فى نصوصها لتوسيع افقها الشعرى وفاعليتها الجمالية.
أما شعر العامية (22) على اختلاف توجهاته ورؤاه فهو شعر شاعر فرد يتبنى رؤية وموقفا تجاه العالم (العالم بمعناه المجرد – عالمه الرؤيوى الخاص) وهو شعـر يفارق برؤاه ـ غالبا ـ رؤية الجماعة الشعبية، فشاعر العامية قد يعبر " عنها ولها "، وغالبا ما يعبر " لها "، ولكنه لا يستطيع التعبير " بها "، وإلا أصبح شاعرا شعبيا ـ إضافة إلى تبنيه لرؤى خاصة تنحرف كلية أو تتماس جزئيا مع منظومة الجماعة الشعبية ـ يلتزم بوحدة التفعيلة متمردا على العمود الشعرى بمعناه الخليلى الصارم، ولا نغفل هنا الانحرافات البنيوية / الرؤيوية التى تمت فى الآونة الأخيرة ـ فترة تسعينيات القرن العشرين ـ على وحدة التفعيلة أو تنوعها فيما سمى فى العرف النقدى بقصيدة النثر التى صنعت قطيعتها مع الموسيقى بمعناها الكمى متسقة مع رؤيتها التمردية على الأعراف والأشكال المستقرة (23). هذه القصيدة على تنوعاتها تعطى متلقيها حريـة أعلى فى القبول والرفـض أو التجادل معها، إذ إنها لا تسعى إلى متلق نوعى بعكس الشعر الشعبى، لذا فنص العامية له حركية أعلى بين متلقيه، وهذا الحكم ليس حكما بالقيمة. وحتى لا تزداد المسائل الإشكالية فتثقلنا بجدلها لنظل واقفين عند حدودها، فإننا سنعبرها – مؤقتا – لندخل إلى بعض الأشكال المستلهمة فى شعر العامية المصرية لنؤكد على هذا الحوار الخلاق بين نصين وطريقين فى الأداء ورؤية العالم.
بيرم التونسى والموال
بداية لابد أن نعترف أن نصوص بيرم الشعرية والنثرية تحقق جدلا مع مصادر عدة (تراثية ـ مأثورية ـ آنية )، بل توقع قارئها فى غواية العودة للمصادر، فهى تركن إلى عناصر راسخة فى تراثنا العربى والشعبى، ونحن إذ نبحث ـ تدفعنا غواية العودة للمنابع ـ فى مصادر نصوصه لا نهدف إلى إشباع خرافة الأبوة، أو التعـرف على الأسـلاف وحسب، وإنما محاولة اكتشاف هذا الجدل الخلاق بين نص مصدرى ونص آنى، إذ إن للعمل حصة من مؤلفه، متلقيه، الوسيط الذى يقدم من خلاله، زمكان أدائه ونوع الرسالة المقدمـة (24)). ومن خلال بعض أزجال بيرم سنحاول التعرف على شكل شعرى شعبي أثير تجادل معه نصه وزنا وتركيبا، بل تبنيا ونفيا، ونزعم أن هذه الدراسة ليست بقادرة وحدها أن تتتبع كل العناصر الفولكلورية الخبيئة بأزجاله ونثرياته، وإنما سيكون أحد طموحاتها هو الإمساك بتناص بيرم مع الموال بتنوعاته وأشكاله المختلفة.
أولا: الموال الرباعي
يا مجلس اسكندريه طال علـيك صـبرى
أكلِّمـك بالـروميـكــا ولاَّ بالعــبـرى
تاخد فلوس الناس تبعتر فيها ع الكوبرى
بدل ما تاخد فلوس الناس تعالى خد... رى (25)
إن الشكل الرباعى من الأشكال الأولية التى أبدعتها الجماعة الشعبية، ويقال إن مخترعه أهل واسط من بحر البسيط (مستفعلن ـ فاعلن ـ مستفعلن ـ فعلن )،حيث اقتطعوا منه بيتين على الأصل، وقفوا شطر كل بيت بقافية وسموا الأربعة "صوتا"، ومنهم من يسميها " اتنين اتنين"، وكان يأخذ الشكل التالى فى بدايته (26):
(1) ـــــ
ـــــــــ أ
(2) ـــــــــ
ـــــــــ أ
ثم تحول الشكل السابق إلى أربعة أغصان متتالية:
(1) ـــــــــــــــ (أ)
(2) ـــــــــــــــ (أ)
(3) ـــــــــــــــ (أ)
(4) ـــــــــــــــ (أ)
وقد نظم بيرم فى هذا الشكل عددا كبيرا من أزجاله منها:
زارعـين فى حارة زخـارى كل غصـن يميل
ويميـل عليـنا الوبـا يمسح قابيـل وهـابيل
سنادسى فى الليـل يلغـوَّص فى الخَبَثْ ويشيل
وفى النهـار الصعايـده داخـله بالـبرامـيل (27)
ويعد هذا الشكل من أبسط أشكال النظم، حيث يقوم بناؤه على حرف روى واحد متتال، وهذا الشكل الذى يقدمه بيرم لا يتناص إلا مع الشكل المعمارى للموال الرباعى، دون أن يستخدم التجنيس الكثيف فى قوافيه، فلا يحتاج القارىء لفك شفرتها، إذ إن موضوعه الذى يطرحه لا يستدعى مثل هذه الحيل الصوتية، فرسالة نصه محددة فى إظهار المفارقة بين نموذجين/ مكانين / عالمين، لكل واحد سماته، وبالتالى موقعين حضاريين يكشفهما معا لتتضح حدة المفارقة دون تغميض للقوافى، وإن ظلت بعض المفردات تلقى بظلالها الشعبية على النص مثل (يلغوَّص – الخبث – الوبا ) وكذلك:
ويالـلى بالعـرقسوس ماشى وبتخبط
عبط على قدرتـك والكبايـات عبط
خايف عليك وانت ماشى فى حى متزبط
من نقره تندب فيها وانت ماشى متربط(28)
وقد استخدم بيرم شكلا آخر من أشكال الموال الرباعى يتكون من قافيتين، الأولى تتردد فى الشطرين الأول والثانى، بينما تتكرر الثانية فى الثالث والرابع ومثاله:
يا ست يا اخـت الحسين جيرينا أ مـن البـلاوى المرتميـه علـينا أ
الميكرفون ممنوع فى حارة الصاوى ب أحمـد محمـد واحنا فوقنا داوى(29) ب
وقد فارق بيرم القياس الشعبى للموال معتمدا على بنى موالية مختلفة فى شكلها، كما فارق البحر البسيط مكتملا، ويأتى استخدام بيرم للموال الرباعى فى بعض القصائد ليس بوصفه بنية مستقلة قائمة بذاتها، وإنما بوصفه حركة بنائية، أو وحدة صغيرة تسهم فى البناء الكلى الذى يتشكل من أبنية موالية، وسيلحظ القارىء ذلك فى زجليته "صيفت" التى تأخذ الشكل التالى (30):
(1) ــــــــــــــــ أ
(2) ــــــــــــــــ ب
(3) ــــــــــــــــ أ
(4) ــــــــــــــــ ب
ويتتابع هذا الشكل بصورة منتظمة، لكنه يفارقه مخترقا إياه فى نهاية القصيدة، وذلك على النحو التالى: { أ – أ – ج – ب } فالنص شديد الحرص على تكرار الوحدة الصوتية (ب) التى تربط بين الأشطر الثلاثة مخترقا التماثل الثلاثى المنتظم، كما أنه يصنع رباطا بين هذه الأبنية الموالية. إن بيرم ليس ابنا وفيا على طول الخط للنص الشعبى، لكنه يتخطى أبوته ليصنع أبوة لنصه، إضافة إلى أننا لن نجد لديه صورة الجماعة الشعبية عن العالم، ولا انحيازاتها، وتخيلاتها، وميول أفرادها، فقصائده الزجلية تشكل بنية أخرى للوعى، لا تقف عند ما يطرحه النص الشعبى، لكنه يخترقه على مستويين:
· مستوى الشكل
· مستوى الرؤية (وما يضمهما من مفردات تتساوق مع واقع يخص رؤيته).
ويقدم بيرم شكلا رباعيا، وهو الشكل الرباعى " الأعرج "، وهو يتناص شكليا مع شكل شعبى هو الموال الخماسى "الموال الأعرج"، ومخطط هذا الشكل الذى قدمه بيرم كالتالى:
أ قافيتان متحدتان
ب الشطر الأعرج ترديد موسيقى للقافية الأولى
والشطر الثالث يكون بمثابة بداية قول يكمله الشطر الأخير "الرباط" / "الصيد" معلنا عن تتويج المعنى رؤيويا وموسيقيا.
فى لورى رايح جماعه يهتفوا لفلان
ولـورى راجع جماعه يهتفوا لعلان
لا مجلس الأمه سلعه تشترى بمزاد
ولا النيابـه يا عالم كوسه وبدنجان
ثانيا: الموال الخماسي
استخدم بيرم نوعين ـ فى حدود ما رصدناه ـ من المواويل الخماسية:
أ – الخماسى متماثل القافية: وهو يسير على قافية واحدة، ويكوّن كل موال خماسى وحدة واحدة داخل القصيدة، ولنتأمل هذا النموذج:
يهون علىَّ الحديد والسجـن والسجان
و يهون علىّ أقاسى كل ضيـم وهوان
يهـون عليكى ياعـين الكى بالنـيران
الله يهوِّن كل دا وأقول زيدونى كمـان
ما دام حبيبى اللى احبه راح يبات فرحان
يستعير بيرم من النص الشعبى آلية التكرار فى التعبير الافتتاحى "يهون علىَّ " الذى يسهم فى التأكيد على المعنى وتصعيده، كما يتناص مع مفردات متجذرة فى أرض الجماعة الشعبية، وفى مواويلها تحديـدا، وقد استدعى النـص المفـردات الموالـية الآتيـة (الضيم – الهوان – الكى بالنيران)، لكنه يفارق السياق الشعبى بمفردات (الحديد – السجن ـ السجان)، ليحيل على قضيته الخاصة والتى تتصل بقضايا عامة، وهى "التضحية من أجل المحبوب".
ب – الخماسى / الأعرج: الموال الخماسى ـ ويسمى فى عرف مؤديه والعارفين به بالموال الأعرج ـ يتكون من خمسة أشطر، وتكون قوافيه الثلاثة الأولى من جناس واحد، والرابعة "حره / عرجاء". أما الخامسة، فإنها تعود بموسيقاها إلى الأقفال الثلاثة الأولى (31).
يقول الموال الشعبى:
من عشقى فى الزرع جبت عود مرير وناشيته (32) أ
وجـبـت لـه ميه فى كف ايدى و روِّيتـه أ
وصـبرت علـيه حُوْل لـمَّا ان طرح جيته أ
وجيـت أدوقـه لقيتـه مـر لم ينداق ب
تـعتـب علـيه ليه ما هو أصل المر من بيته أ
ومخطط هذا الشكل كالتالى:
(1) ــــــــــــ أ
(2) ــــــــــــ أ
(3) ــــــــــــ أ
(4) ــــــــــــ ب
(5) ــــــــــــ أ
ولببرم فى هذا الشكل:
لوكـان فى نوابنا نايب ينظـم الأوبريت
أو حتى ينظم على تربـة أبوه كـام بيت
أو حد كان قاله إيه روميو وإيه جولـييت
ما كانش يصبح قانـون الفـن والتفكـير
مدشوت لغاية ما يتفـرق ورق تـواليت (33)
والملاحظ فى الموال الخماسى أن الأقفال الثلاثة الأولى (المتحدة القافية) تمثل الحركة البنائية الأولى فى الموال، وهى تمهد للصعود / التصاعد للحركة الثانية، التى تبدأ بالشطر الرابع غير المقفى، والذى يكون بمثابة بداية جملة يكملها الشطر الأخير، أى إن حركة البناء تصعد خلال الشطرين وكأنهما بيت واحد تنتهى بنهايته التجربة، ويمثل الشطر غير المقفى / الأعرج فى الموال الارتفاع الذى يعقبه الصيد؛ صيد الهدف / الحكمة / مجمل القول فى الشطر الأخير. إن بيرم فى هذا الموال البديع يدرك بوعى حاد طبيعة السياق الذى يبدع منه وفيه، وتتبدى فرديته / فرادته فى وجهة النظر التى تنتهى بمفارقة النهاية، وهو ينحاز لمفردات (الأوبريت – روميو – جولييت – قانون الفن – مدشوت – تواليت )،لتدخل قارئها إلى سياقه الساخر، وهو سياق نخبوى يخص فئة معينة يتجه بخطابه إليها ليعريها ويكشف زيفها، بل جهلها، لذا سنجده قد نجح فى اختياره مفردات الخطاب بمغايرتها للنص الشعبى رغم استعارة بعض آلياته الشكلية.
ثالثا: الموال السباعي / السبعاوي / النعماني / الزهيري (34)
إن المبرر فى تخلّق هذا الشكل الفنى من أشكال الموال، هو خلق مساحة أكثر اتساعا للقول، بحيث تكون ملعبا أكثر خصوبة للجناسات وطرح قيم جمالية ومضمونية، إذ إن الشكلين الرباعى والخماسى قد يضيقا على أغراض الشاعر الشعبى الميّال للإفاضة، ولأن بيرم التونسى صاحب وعى خاص بما امتلك من ذاكرة تحتشد بمواويل رباعية وخماسية، فقد عرج على أشكال أخرى منها الشكل السباعى الذى يسمى فى عرف الجماعة الشعبية بالنعمانى والزهيرى / موال مـزهّر فى أماكن أخرى، وقد قدم بيرم فى هذا الشكل عددا كبيرا من أزجاله، والمخطط التالى يوضح لنا هذا الشكل:
أ
أ الحركة الأولى (عتبة الموال)
أ
ب
ب الحركة االثانية (ردف الموال)
ب
أ (رباط أو غطاء الموال)
يا قرن يا عشرين باريتك كنت قرن الفيل
وفيـك محمد بعث بالـوحى والتنـزيل
وفيك عمـر يرعب العالم بلا أساطيـل
جيت والتقيتنا قـلاشوه بالجروف ننباع
لا المشتـرى فى التمن ماكس ولا البياع
ومين فى سـوق الدلاله يشترى الصياع
إلا لمسح الـجزم ويدحرجـوا برامـيل
ويكمل بيرم قصيدته "القرن العشرين" على هذا النسق حتى نهايتها، والموال السباعى من الأشكال الأثيرة لدى الجماعة الشعبية، ويطلق عليه بعض الشعراء الشعبيين الموال السبعاوى مستندين فى تسميته إلى عدد أغصانه "زهراته" (35)، كما يسمى أيضا بالنعمانى وهو الاسم الذى لم نجد لديهم تبريرا له، بينما تعددت الإرجاعات اللغوية والنسبة إلى أشخاص، بالنسبة إلى الموال الزهيرى، فمن قائل إن سبب تسميته جاءت من أن أول من قال بهذا الشكل أحد المبدعين وكان اسمه "الملا جادر الزهيرى"، ومن قائل إنه أول ما نشأ نشأ فى قرية بالعراق تسمى "الزهيرات"، لكن الراجح فى رأينا هو المبرر الفنى الذى يقف وراء التسمية، فالزهر عند المبدعين الشعبيين اصطلاح يقابل الجناس، فإذا قيل للشاعر من قبل متلقيه "أزهر" تعنى فى عرفهم قول مواويل "مزهره"، أى تنتهى أغصانها بـ "زهور"، أو "زهرات" يكون جناسها كثيفا، فالزهر إذن اصطلاح يقابل الجناس فى قوافى الموال (36).
البخت كان باخ وصحصح بس باخ تانى (أصبح كريهاً)
وصـح مع نـاس أرازل بس باخ تانى (عاد لسيرته الأولى)
عَـدَلْ بخـوتهم ومـيِّل بـس باخ تانى (مدمجة: بختى / حظى.. أنا)
وعـاب عيـبه ولا فى بـحر يغسـلها (يمحوها)
أنا لو شكـيته لحجـر صوان يغسـلها (يطهرها)
لو جبت للكلبـه ماء الـورد يغسـلها (ينظفها)
تلعب بديلها ولا تـنسى السبـاخ تانى (روث البهائم المخلوط بالتراب)
سنلاحظ هنا مستوى آخر للتعامل مع المفردة بما لها من خصوصية تحيلها على القيم السيسيو استاطيقية التى تنتجها الجماعة الشعبية، ومنها قيمة "الحظ" التى ترتبط بمفهوم "الزمن" ومعاندته، وتتضافر هذه القيمة مع باقى عناصر المنظومة التى تضم ما يتساوق معها من موتيفات اعتقادية سنجدها فى الأمثال:
· الحظ لما يواتى يخلى الاعمى ساعاتى.
· قليل البخت يعضه الكلب فى المولد
· يا بخت من كان النقيب خاله
· قيراط حظ ولا فدان شطاره
· قليل البخت يلاقى العضم فى الكرشه … إلخ
إضافة إلى بعض المعتقدات التى ترتبط بنجاسة الكلاب، والحجر "الصوان" وما يرتبط به من عناصر اعتقادية، و"الديل" بما يشير إلى أمثال: ديل الكلب ما ينعدل لو حطو فيه قالب، وكذلك الصياغة الشعرية للمثل السابق:
"نصحتك ما اتنصحت
والطبـع فيـك غالب
وديل الكلب ما ينعدل
لو حطو فـيه قـالب "
إذن، فالنص الشعبى لا يعمل بمعزل عن المنظومة الكلية للجماعة، بينما سنجد مواويل بيرم تشكـل بناء خاصا، ويتمتع كل موال عنده باستقلالية تخصه، وتخص تجربـة كتابته، ويختلف تشكيله من حالة لأخرى قد تتماس مع الموال شكلا، أو تستلهم بعض قيمه، لكنها فى الأغلب تنتصر لفرديتها / فرادتها، وقضيتها التى لا تـخص الجماعة الشعبية وإنما تخص رؤية بيرم لواقع أعم وأشمل، وكما أبدع بيرم مواويل سباعية مختلفة الجناسات، فإنه قد كتب أيضا مواويل سباعية متماثلة القافية مفارقا الشكل الذى اعتاده المبدع الشعبى، وربما يعود حرص بيرم على عدم تغميض قوافيه لأنه شاعر كتابى (نسبية إلى الكتابة)، أى إن وسيلة إيصال نصه تكون عبر التدوين، كما أن قضاياه لم تكن بحاجة إلى قول مشفر، فهو ليس بالشاعر الشعبى الذى انتخبته جماعته، وتعاضدت معه، بل تماهت روحها بقوله، حتى أنها تدرك معه مفاتيح النص، وتستمتع بفك شفرة ما غمض فيه.
رابعا: الموال الثماني
لقد تعامل بيرم مع هذا الشكل على نظامين:
أ ـ الموال الثمانى الذى يتكون من حركتين جناسيتين
إن هذا الشكل لم نجد مثيلا له ـ فى حدود ما تم جمعه ميدانيا ـ فى الشعر الشعبى، لكنه يقارب فى نظامه الموال السباعى، فهو يسير بنائيا على النظامين التاليين:
(1) ـــــــ أ (1) ـــــــ أ
(2) ـــــــ أ (2) ـــــــ أ
(3) ـــــــ أ (3) ـــــــ أ
(4) ـــــــ ب (4) ـــــــ أ
(5) ـــــــ ب (5) ـــــــ ب
(6) ـــــــ ب (6) ـــــــ ب
(7) ـــــــ ب (7) ـــــــ ب
(8) ـــــــ أ (8) ـــــــ أ
1) فى حـارة القِدره دَلَّاله اسمهـا أم خليـل
2) خمسين سنه عمرهـا لكن من الشماليـل عتبة الموال
3) وراها قنطار شغت شايـلاه وهـم تقـيل
4) بالاختصار لمـا تـمشى تفكـرك بالفيـل
5) والبـرقع لى على الأنـف العريض محطوط ردف الموال
6) بالصنعه والفن فوق كرسـى كـان ممطوط
7) ما يظهر إلا عيـون متكحلـه وخـطـوط
8) ويـخفى داهيـة حنك وصـدغ طويــل رباط الموال / الغطاء
إن بيرم فى هذا الموال قد تمثل الشكل السباعى، لكنه أضاف شطـرا للحركة الأولى، فأصبح الموال ثمانيا، من هنا فقد تناص بيرم مع النظام الهندسي للموال السباعى، إضافة إلى استدعائه لبعض الموتيفات Motifs الشعبية المستمدة من الحارة المصرية والتى منها (الدلاله –البرقع – التكحيل )، فكل مفردة تستدعى عالما يتساوق مع الأفكار الشعبية خاصة فى أحياء المدينة الشعبية، كما أن استدعاءه للحارة يضمر خلفه مجموعـة من العادات والتقاليد، وطريقة فى الزى والتجميل، بل طريقة فى الكلام تخص بعض الحارات المصرية. ولبيرم فى الشكل الثمانى نموذج آخر يغاير به بين عدد كل من الحركتين، فيجعل الأولى مكونة من أشطر ثلاثة، والثانية من أربعة أشطر على عكس الموال السابق، ثم يأتى بشطر ثامن يكون رباطا أو غطاء للموال.
ب – الموال الثمانى المتبادل القافية
وهو يتكون من حركة واحدة، يتم فيها تبادل قافيتين بشكل متوال على النحو التالى:
(1) ـــــــ أ
(2) ـــــــ ب
(3) ـــــــ أ
(4) ـــــــ ب
(5) ـــــــ أ
(6) ـــــــ ب
(7) ـــــــ أ
(8) ـــــــ ب
الفـن فى الشـرق منه قلـبنا ممغـوص أ
من كتر ما بيجلب الأوخـام والأوجاع ب
صبح هلاهيـل لابسها مدعى بلبـوص أ
على المسارح وع الشاشه وفى المذيـاع ب
من كل تيجان ملـوك الفن فيها فصوص أ
اللى سرقها اشتهر واللى بدعها ضـاع ب
على المسارح تروح تسمع كلام مرصوص أ
عن الحكم والمواعـظ سقفوا يا رعـاع ب
إن لنص بيرم حركية أوسع من القوالب الشعبية – هذا ليس حكما بالقيمة – فمن خلال معرفته بها، وإدراكه لأسرارها، ينوع فى أبنية أزجاله، ويفارق بنصوصه الأبنية الشعبية فى معظم الأحايين، وقد كتب بيرم أزجالا فى شكل مواويل من عشرة أقفال، وزاد عليها فى مواويل أخرى، فضلا عن استخدامه الكثيف للموال المردوف (37). إن التنوع الذى تتجلى ممن خلاله أزجال بيرم تضيق هذه الصفحات عن استيعابه بشكل إحصائى، خاصة مع كثرة دواوينه وتنوعها، فضلا عن استخدامه للبحر الموالى "البسيط" فى عدد كبير من أزجاله.
بيرم وبحر البسيط
إن استخدام بيرم لبحر البسيط مع بعض الخروج عليه، خاصة مع تجربة شعرية كبيرة تنتفض أحيانا على الانتظام الكمى للعروض الخليلى، ويبدو أن بيرم كان مغرما بهذا البحر وإيقاعه الذى يتسق مع الحكمة الـمُشكَّلة، فقد كتب بيرم من خلال هذا البحر حوالى 42% من أزجاله (38)، ونظن أن هذا البحر الذى يقارب إيقاعه إيقاعات الموال هو خير دليل على جدل أزجال بيرم وزنيا مع الموال. إن المؤرخيـن قد درجوا فى كتابتهم على القـول إن للموال وزنا واحدا وأربع قواف، و هو من بحـر البسيط، ومن أجزائهـا ـ يقصد القوافى ـ فاعل، فعـال، أفعل (39)،
والمـوال على هذا النحو تكون أجزاؤه: (مستفعلن – فاعلن ـ مستفعلن _ فعلن )، وهناك ضروب أشار إليها المؤرخون منها:
§ مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فاعلن
§ مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فعلن
§ مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فعلان (40)
وتواتر كلام الباحثين عن بحر البسيط بعدِّه بحرا للموال دون تحليل لعروضه، والوقوف على تحولات التفاعيل، مكتفين بما نقلوه عمن سبقهم، أو راضين بأن الحس دلهم على أن هذا الموال أو ذاك هو من بحر البسيط، وبناء على ذلك التواتر، فقد أصبح البسيط لصيقا بالموال. لقد رصد الخليل بن أحمد الفراهيدى من خلال الشعر الخاص، وهو نتاج بنية ثقافية وأيديولوجية خاصة مرتبطة بزمكانية معينة، وإن صح خضوع الشعر الخاص لقواعد الخليل فإنها قد لا تصح فى بنيات أيديولوجية أخرى، وبالتالى فإن دراسة الإيقاع فى الشعر الشعبي تحتاج إلى أدوات تحليل جديدة تكون قادرة على وصف هذا الإيقاع، واكتشاف طبيعة العلاقات التى تسهم فى تشكيل هذا الإيقاع منها:
1) العلاقـة بين إيقاع الشعر و طبيعة الجماعة، أو الشاعر المنتج للنص من حيث: اللهجة، عناصر البيئة الطبوغرافية، الإيقاع الداخلى للمبدع المحكوم بأطر حضـارية، طبقية، اجتماعية، سيكولوجية.
2) العلاقة بين الإيقاع ووظيفة النص من حيث الشكل.
3) مناسبة النص.
4) الوظيفة الاجتماعية للجماعة المحلية التى تنتمى للجماعة الشعبية بالنسبة للنص الشعبي (البناء _ الصيد ……إلخ ) وبالنسبة للزجال تمرد نصه أو خضوعه للتقاليد، كل ذلك سيكون له أثر بالغ فى إيقاع نصه (41).
5) العلاقة الظاهرة لإيقاع المفردة بدلالتها، أي علاقة البنية الصوتية للمفردات والسياقات البنية الدلالية.
حلَّق وحوش إمسك الطرطور على ماجى إلى أن آتى
إللى المَـَره معوماه كالفـلك على ماجى على موجه
عبيـط وعامـل لأنـه واد علامـاجى من العلم:علمجى
بيحب بـره ومـراته محـيراه حـاره حيرة
إن قـال لـها بم تبقى بلـوته حـاره حارَّه
بتغيب عن الدار ولا يعرف لـها حـاره أصغر من الشارع
وتقول يا جاره إدِّيه المفـاتيح على ماجى (42)
ومن خلال تقطيع مجموعة كبيرة من المواويل قدمتها فى دراسة سابقة (43) لاحظنا عددا من الخروجات على نظام الخليل بن أحمد، خاصة فى بحر البسيط، وهى تؤكد على الخصوصية الإيقاعية للموال، فالانتظام الكمى للشعر الرسمى لم يسجن الشعراء الشعبيين فى نظامه، إذ إن العبرة بتحقق القول شعرا، وتحقق الجماعة فى القول، ومن هنا نؤكد على أن الأوزان التى استنبطها الخليل، وما وصفه من قواعد ليست هى القول الفصل فى أمر موسيقى الشعر، وبالتالى لا يجب أن ننفى شعرية الشعر الخارج عن أطر البحر أو التفعيلة، يؤكد هذا الرأى الزمخشرى قائلا: "والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل لا يقدح فى كونه شعرا، ولا يخرجه عن كونه شعرا "(44)
ومن خـلال التحليل العروضى لعدد من المواويل،تم رصد مجموعة من الانحرافـات على تفعيلتى "مستفعلن – فعلن"، والموال السابق خير دليل على هذا الخروج، ونستطيع أن نستنج من خلال تحولات البسيط ما يأتى:
§ التقاء الساكنين فى الكلمة الواحدة، كذلك فى وسط البيت الشعرى، وذلك فى كل من " مستفعلن – فاعلن "، والتقاء الساكنين لا يجوز فى العربية إلا فى حالتين هما:ـ
الأولى: حالة الوقف.
الثانية: فى وسط الكلمة بشرط أن يكون الحرف الأول من الساكنين حرف مد، والثانى مدغما فى مثله، نحو " دابة، وشابة" (45).
ونعتقد أن الشعر الشعبى ليس وحده هو الذى يمثل هذا الخروج، وإنما سنجده جليا فى أزجال بيرم، وقد ينسحب ذلك الأمر على العاميات بعدِّها نصوصا تحتل فيها قيم الشفاهة قدرا كبيرا، إضافة لخروجها عن الأطر النحويـة والصرفية، أى عن أجرومية اللغة العربية، لذا فإنها تعزف عل أوتار تناسب طاقتها، وتعزف عن صرامة الخليل.
فؤاد حداد جماع عناصر الثقافة الشعبية
تظل تجربة فؤاد حداد واحدة من أكثر التجارب الشعرية طرحا للقضايا الإشكالية، إذ إنها تشتبك اشتباكا تمتد خيوطه مراوحة بين التراث والمأثور الانساني، العربي، الشعبي، هذه المراوحات التي كانت سببا مباشرا في خوف النقاد والدارسين من الاقتراب من عالمه لفك تداخلاتها، وفصل أنسجتها الملتحمة، فعالم حداد يستعصي ـ بالتأكيد ـ علي غير عارف بحدود عوالمه، موسيقاه، استلهاماته، لذا فإن ما سأقدمه يمثل اطلالة أولي علي عالمه الثري خاصة فيما يتصل بظاهرة التناص مع بعض العناصر الفولكلورية وآليات تشكلها في بنية النص الشعري، ومع الجزم أن ظاهرة التناص لا تقتصر علي الاستلهامات الفولكلورية وحسب، وأنها تتعداها لتتناص مع تراثات عدة، فإن ما يشغلنا هنا هو رصد استلهامه، وتوظيفه لعناصر شعبية، فضلا عن طرح الأسئلة حول العلاقة الشائكة بين نصه الشعري/ الفردي، والنصوص الشعبية/ نصوص الجماعة.
إن القاريء لتجربة شاعرنا الكبير فؤاد حداد سيواجه تنوعات من العناصر والموتيفات الشعبية، فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من عناصر فولكلورية متنوعة تقيم حوارا مع بني القصائد لتلقي بقارئها علي نص الجماعة الشعبية، وهي إذ تقيم هذه العلاقة فإنها تراوح بين أكثر من آلية، مرة تحاول الحلول محل نص الجماعة مستدعية شكله، وأخري تحاول إقصاء نص الجماعة بعيدا عن متنها، وثالثة تحاول تثبيت آلياتها اعتمادا علي الرسوخ الذي صنعته، واكتساب بعض أرضها التي امتلكتها بالتقادم، أو بنزع ملكيتها الجمالية، وفي أحايين تقوم بالإجهاز علي محتوي النص الشعبي لترتدي أقنعته الشكلية، وربما تزينت بهيكلها الشكلي تاركة مضامينها لتحتل ظلا هامشيا في متنها. إن فؤاد حداد لم يشيد أبنيته علي أساسات ابن عروس والنديم وبيرم التونسي وأبو بثينة.. إلخ، وهو ليس امتدادا لهم، وإنما هو شاعر مؤسس، قام بتشييد صرح شعري قائم بنفسه، لقد قدم حداد نفسه بداية من أول دواوينه 'أحرار وراء القضبان' 1952 بوصفه 'آخر' له بناءاته، ولايعني جدة البناء وتميزه تخليه عن تراث جماعته ومأثورها، خاصة الشعبي منه، فالقاريء لدواوين حداد سيستمع الي ارتطام قوافي الموال وتجنيسها الكامل:
وانا جيت هنا وانا كنت توى هناك
قال ابن آدم احنا توهناك
انا قلت عمرى ما اتوه وعمرى ما اضل
انا قلت أصلى ظل ظل هناك
وتعكس المقدمة التى أفتتح بها مجموعاته الشعرية (46) إشارات مهمة حول مصدرية شعره، ولعل تأملها يشير إلى مـناهل حداد المتنوعة، فالشعر لديه كالتنفس والرزق، المستقبل، الأمس، واقع الناس، بما يحيل على إيمانه بما يحملونه من أغان وأشعار وأمثال، وهو فى اصطياده للعناصر الشعبية يتبنى آلية التداعى الحر، ولنتأمل هذا المقتطف من مقدمته:
الحمد لله على كل يوم تنفست فيه هذا النسيم
ورزقت هذا الغناء
شعرى خيال الشمس فى الهلال أم الهلال قى الشمس
المستقبل والأمس
الصباح والهمس
ليس لى فى القوافى جديد
شعرى خيال هذا الطعام وهذا الماء وهذا الشجر
شعرى واقع الناس (المقدمة، ص 7)
كما سيستدعي مخزونه الشعبي حينما يعبر البكائيات التي توظف شكل 'العدودة'، هكذا سينتقل حداد من فن إلي فن ليعشّق نصه الفردي الجمالي المجاوز ينص الجماعة، لذا سنجد استلهامات للسير الشعبية.. البلاليق، المربعات، الموال بأشكاله، الأمثال، فضلا عن اصطياده لبعض الموتيفات' الاعتقادية إضافة إلي العناصر المرتبطة بالعادات والتقاليد المصرية.
إن فؤاد حداد يعد واحدا من أبدع الغواصين في تراثنا ومأثورنا الشعبي، وربما ترجع عنايته الاستلهامية الفائقة الي انه لم يكن مصري الجذور، لذا فقد كانت عينه قادرة علي التقاط هذه العناصر واصطيادها وإدخالها إلي عالمه الشعري، هكذا تتعدد مستويات توظيف الفولكلور في دواوينه، مثل: ديوان 'رقص ومغني' كما في قصائد 'رقصة الدب'، 'رقصة الديك'، 'رقصة الكلب' ألخ..
طلعت أدب نزلت أدب
وطالع نازل أقزقز لب
أردب أرادب
أرنب أرنب
دا كله دا كله فى بطب الدب (قصيدة رقصة الدب، ص 14)
هكذا يواصل العثور على "العتبة" بموسيقاها الشعبية ليواصل البناء مكملا إياه لتستدعى المفردة صويحباتها موسيقيا ودلاليا دونما افتعال أو شبهة التوشية المجانية، فلم يكن حداد يرتدى لحية مستعارة ليدلل على شعبية نصه الشعرى. فالقاريء لدواوين حداد لن يعبر علي قصائده دون أن تتشبع روحه بعدد من الأشكال الشعرية الشعبية، ويتعامل حداد مع عناصر التراث والمأثور الشعبي عبر عدة مستويات لعل منها:
· مستوي التضمين:
أي تضمين أجزاء كاملة من أغنية شعبية، أو مثل بكامل نصه، وحداد حينما يستدعي هذه الأجزاء المكتملة من نصوص شعبية فإنه يستدعيها لتنوب عنه في القول، لكنها تحتل مكانها ليس بوصفها جزءا مستقلا، وإنما بوصفها جزءا من البناء الشعري، ومثاله:
أبو يا أبوح
كلب العرب مدبوح
وامه عليه بتنوح
بنت القبيله عند رأس كليب (قصيدة رقصة الكلب، ص 24 )
فهو يستدعى مطلع الأغنية الشعبية ليواصل عبر توليد النص موسيقيا صناعة رؤيته المفارقة:
الشاعر اللى شحت
ع العضم جلد وشغت
شمت الملك فيه
شمت
فىَّ أنا جــزار على بقـــال
زاد فى المقام عنى وذل السؤال
ولطم خدوده وبك دمـه وقـال
"وكم بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكا"
كالبكا
كالبكا
أنا كالبكا كلب
أنا قافية القلب
دمى انحلب حلب (قصيدة رقصة الكلب، ص 24 )
· مستوي التضفير:
أي صناعة نسق يتداخل فيه الفولكلوري مع الصيغة الشعرية الخاصة، هذا التداخل يتم في معظم الأحيان بإزاحة بعض عناصر الفولكلوري، أو بانتخاب جزء منه، وإدخال عناصر لغوية وتركيبية جديدة عبر تحويل جملة الإشارات الفولكلورية إلي قيمة استاطيقية جديدة، ويتم ذلك عبر درجات من الإبدال (إبدال بعض المفردات)، أو خلق نسق مساو لنسق المثل تركيبيا حتي تستطيع ذهنية القاريء/ المتلقي أن تستدعي ما في مخزونها لتضاهي به ما في مخزون الشاعر من عناصر مشتركة فيصبح الانحراف عن النص الأصلي محفزا لنوع من المتلقين علي التجاوب مع النص، حيث يتحلق حول افقه المتوقع، ومثاله:
يا فار أبوك الجبل ثابت وجبت منين الوسوسه
وكذلك:تاخد خطوه قدام آخد خطوه كسكسه
تشوح لى أشوح لك
سن بسن وعين بعين
وفن بفن أصل الفن أوله نسنسه (رقصة الفار، ص 29)
ففى المقتطع السابق يستدعى المثل الشعبى "السن بالسن والعين بالعين، والبادى أظلم"، كما يستدعى بشكل ضمنى المثل الشعبى " أمك البصل وابوك التوم منين الريحه الطيبه يا مشوم " فى جملته "يا فار أبوك الجبل ثابت وجبت منين الوسوسه "
· (ج) مستوي الظلال:
أي وجود ظلال فولكلورية ليست واضحة تماما بحيث يستطيع القاريء الامساك بها، لكنها تشير إلي مصدر بعيد وضمني في آن واحد، هذا المستوي يعد الأكثر انتشارا في أشعار حداد، وهو كذلك الأكثر شعرية حيث تنسرب العناصر الفولكلورية دون إبانة واستقلالية، فهو يغتال رسالتها الأصلية، ونصها المتماسك ليصنع رسالة جديدة معتمدا علي الطاقة المجازية التي تحملها هذه النصوص، يؤكد علي ذلك مقولته التي تتضمن بعض سطور قصيدته 'جوده سعيد الديب' في ديوان 'أيام العجب والموت':
'الكلام الأجنبي في الزور
بالتفت للآخرة والتراث
والمحبة غزلها أنكاث
في الزمان اللي نقض غزلي'
ونتسمع أصداء الرقى الشعبية فى العاشورة، ومنع الحسد والبسملة قبل الخبيز وفن القافية فى هذه القصيدة، رغم مفارقتها لهذه الفنون لغة وتشكيلا، لكن تظل الأذن على استعداد لاستدعاء هذه النصوص الموازية:
ديك
الله يهديك
صد
عمره ما نصد
عين
طلق سبعين
باع
ما على سباع
ريش
ذو تنقريش
عرف
غاية الظرف
ديل
يفرس الخيل
عود
سنط مفرود
غصن
زى ما الحسن (قصيدة رقصة الديك، ص 20)
هذه المستويات، وغيرها تردنا دوما إلي منطقة مصدرية تؤكد علي تواصل حداد الدائم مع النصوص الشعبية ليعلن عن كتابة جديدة مغايرة لقوانين الإبداع الشعبي، هذا التواصل الذي يتبدي في مرات علي انه 'تثقيف' نصه وأخري بوصفه نوعا من التجريب الواعي الذي يصنع النص الشعبي في مختبره، ولأن حداد شاعر مؤسس فان بعض قصائده لا تخلو من غرام زائد بالتراث والمأثور الشعبي، إلي الحد الذي يتماهي فيه نصه بنص الجماعة خاصة في استعارته للأشكال المستقرة، وبشكل أخص فنون الموال، لاحظ تسميات حداد لعدد كبير من قصائده بموال أو مواويل، مثل: مواويل من أول الدنيا، مـوال الشيـخ سعيد، ص 118، مـوال قتـيل المحبة،ص 137، موال القرفة، ص 142، ولا يقتصر الأمر عند عناوين القصائد، بل يتعداه إلى قصائد تحتفى بالمصطلحات الخاصة بالموال "الأحمر – الأخضر "
آه ياليالى يا ليالى
الاحمر والاخضر موالى
أنا اللى موت وأنا المولود
شقايا أنا لسعد عيالى
وآه كأنى ما قلتش آه (قصيدة: طبال الغوازى، ص 63)
وتتبدى عظمة حداد وقدرته الاستلهامية الفائقة فى مجموعة المواويل التى تؤكد على معرفة كبيرة بأسراره كنص شعبى، ويتأكد ذلك فى مواله "الشيخ سعيد"
قال ياولد ياللى ماشى هناك على الحيطه
والقف زى السحـالى طـل واسعى لى
حا اعلمك صنعة المــوال وطـباتـه
اوعى توسوس توشوش خد نفس عالى
ودحرج النور على السلـم وطبــاته
بعيد ولفوق
قلنا القوافى كتيره قالوا طـب هاتـو، ص 118
ـ ويختم مواله هكذا
صوتى اللى يفرح بلد يصبح صفيح سرساع
وكأنه سر وذاع
وكأنه سر وضاع
وكأنه سر بتاع
واحد بتاع مواويل
لا كان سعيد ولا كان أسمر عيونه وساع، ص 120
فـإذا كانت الجماعة الشعبية قد توجت شعرها الشعبى بالموال بأنواعه وأشكاله المختلفة، فإن حداد قد راهن على الموال وقدرته على "تزهير" نصوصه، عبر هضمه لتراث الموال الشعبى وعبوره إلى موال حدادى لا ينتسب إلا إليه:
بنغنى موال على المنوال وبنولف
والدنيا أحوال إشى يكلف واشى يكيف
بنغنى سخنين واذا بطلنا حنجيف
إحنا اللى وارثين صفاتك دمنا خفيّف
من حبنا فى السلامه كل ما نسيف
ونصيب نهيف
ياعين يا ليل ونغنى بالموال
وقالت الست الوالده
ما تبطلوش الموال ده
يغنيك غنى ويمولك موال (قصيدة كتاكيت الفن، ص 37)
ولأن حداد "والد الشعراء، وأحد أمهر صناع الموال بتزهيره الكثيف، وبخبرته الكبيرة قد صنع موالا يخصه،هذه الخصوصية التى تمثل بحرا لم تسلم من صيد تلاميذه ومحبيه وأولاده الشعراء:
ـ من ديوان التسالى بالمزاج والقهر
أنا والد الشعرا فؤاد حداد
أيوه أنا الوالد ويا ما ولاد
قبلسه ربيتهم بكل وداد
بعدسه تلميذ أولى وإعداد
تسالى
ابنك يادنيا وإمتى ها تصادفيه
موالى بحر وكلهم صاد فيه
والنقل زى اللؤل فى صدفيه
تسالى
إن حداد استطاع أن ينتهي إلي صيغة في شعر العامية المصرية، هي ما يمكن تسميته بالمضمون الفني الذي يعالج التجربة 'المصرية' في بعدها الشعبي علي أبعد مدي لأنغامها المحلية، كما يعكس شعره إمكانات استغلال الموروث الوزني، والقيم الموسيقية من تجنيس وتقفية وزخرفة وكلها قيم يحفل بها المأثور والتراث الشعبي، فضلا عن الإمكانات الدرامية القائمة علي تعدد الأصوات، ثم الخروج بالغنائية والإنشاد من الخيال التحريري والشفهي إلي خيال فردي لاينتمي سوي لفؤاد حداد، هكذا 'يؤلف' فؤاد حداد بين المفردات مستدعيا حسا شعبيا عبر المفردات المتجانسة، واستخداما للإصاتة داخل الجملة الواحدة:
والتلزونه للحلزونه يا قلبى لا تحزن
كل الفجر ده فجر السوق
وطعامة العيش المسروق
ولحام القلب المفلوق
وخلاعة باب النجار
م الحلزونه للتلزونه (قصيدة شوك لين فى أغنية صينيه ص 132)
كذلك سنجد استخداما كثيفا للتجنيس الكامل كما فن الموال رغم المغايرة الوزنية ويتضح ذلك بجلاء في قصيدة 'رقصة الفار' التى تؤكد أن حداد أمهر من صنع التجنيس عبر تعاشيق أربيسكية تخصه وحده:
ساقطه قدامى ومن غش اراها
دنيا تفاحه زباله مقشراها
من شراها باعها من باعها شراها
بس قولو يا دراوشه
رقصى اسمه دوشه روشه
أو مناوشه
أو شراهه
أما قصيدة "كتاكيت الفن"فيها يستعير شكل الموال عبر بنية تقفوية ثلاثية الشطرات، لكنه يكسر تراتبها بلازمة إيقاعية مغايرة، كذلك استخدامه للحكي الشعبي، والنكتة في قصيدة 'إبليس غرمان' وهي قصيدة تراوح بين أكثر من شكل، ففي بدايتها يتبدي الحكي خارجا عن الوزن في شكله الكمي ثم تأتي أجزاء مفعلة لتليها أجزاء زجلية تتبني نسقا بنائيا يعتمد علي التقفية ووحدة البحر الشعري، ويتبدي ذلك في البداية الحكائية.
'مرة واحد قال لابوه جوزني يابا
قال له يابني دا الجواز يكلف كتير
قال يكلف ايه يابا.. قال يكلف سمنه
وممنه ورز وجهاز ومهاز'
ثم يوالي البناء بنسق مغاير في نفس القصيدة:
'إضرب مهماز يا ابليس وغني'
هكذا يفتح الغناء طاقة جديدة حافلة بالموسيقي:
'والبني آدم يا بتنجان
عايز يبقي علي الرز عليه المز
علي السمنة عليه الممنة
ويضمن جنة بالمجان'
من الحكي الي التفعيلة الي الشكل الزجلي يراوح حداد في عبقرية
'عايز يرجع صبي تلميذ
يمشي يهزر مع مزاميز
تضحك في خدودهم غماميز'
إن حداد لايكف عن استخـدام آليـات وحيـل المبـدعين الشعبيـين في فنونهم القوليةVerbal arts مثل استخدامه للألفاظ المدمجة، وهي خصيصة أثيرة في عدد من الفنون الشعرية الشعبية مثل الموال والواو، وهو باستخدامه هذا يمنح موسيقي نصه حيوية مستمدة من تواتر موسيقي النص الشعبي:
صوتى ينبح صوتى ينبحّ
ديلى يرقص رقصته دح
فضلا عن توظيفه للمثل الشعبى فى أكثر من قصيدة ولندلل على هذا الاستخدام بقصيدته الدالة "الزمار يضرب الأمثال" والتى يختتم كل مقطع فيها بمثل شعبى:
(يموت الزمار وصباعه بيلعب)
أنا أنا زمار
أنا أنا زمار
وحا عيش وحاموت
وانا بنفخ توت
وصوابعى بتلعب أنا زمار
على رأى مثلكم يا شطار
(ياخبر النهارده بفلوس بكره ببلاش)
ـ يا خبر بفلوس
بكره الأخبار
على رأى مثلكم يا شطار
(قد الزبله ويقاوح التيار)
على ضى فانوس
ليالينا نهار
عام الننوس
ويا التيار
(خيار وفاقوس)
على ضى فانوس
ليالينا نهار
ما فيناش فاقوس
ولا فينا خيار (قصيدة: الزمار يضرب الأمثال، ص 80، 81 )
كما يمنح متلقيه أفقا فى بعض قصائده لتوقعها، وكشف ما غمض في تركيبتها، كما يستخدم كذلك نسق أغاني الأدباتية كما في قصيدة 'علي باب الله'. وفؤاد حداد في هذا السياق ليس 'أبا' وحسب وإنما هو تأسيس باهر لإنجازات العامية في الشعر الحديث، ولعل هذه الإطلالة ربما تفتح أفقا حول العلاقة الشائعة بين الابداع الفردي والابداع الشعبي، ومدي مساهمة نص الجماعة الشعبية في مد نص العامية بخبرات جمالية تنكرها الأجيال الجديدة بدعوي تخلفها وابتذالها، فضلا عن استخدام البعض لها بوصفها توشية او حلية وحسب، من هنا وجب بإعادة النظر في مشروع حداد الشائك والمربك في آن واحد لان يتسلح بأشكال شعبية لا تقتصر علي فنون القول وإنما يتجاوزها لنجد في متن نصه عناصر من العادات والتقاليد والمعتقدات والثقافة المادية الشعبية ليعلن في كل وقت عن ثراء نصه وحاجته إلي من يفض مغاليق سره بعيدا عن المقولات الجاهزة والعبارات الإنشائية، من هنا تظل هذه الكتابة مفتاحا أو اطلالة أولي علي علاقته بالفولكلور ربما تسلمنا إلي مكاشفة عالمه الثري والرحب والمشتبك بقوة وحيوية بنص الجماعة الشعبية.
صلاح جاهين والغرام بالتربيع
|
لقد عرف الإبداع الشعبى ـ منذ زمن بعيد يستعصى على التحديد– الأشكال الرباعية، وقد تجلت هذه الأشكال فى عدة أنواع بينها تباينات تخص سياق الأداء، ومناسباته، وطرائق تشكيلها، بل وأوزانها، من هذه الأشكال ما عرف باصطلاح خاص، أو باصطلاح دال على شكل الرباعية، من هذه الفنون الشعريـة: المربع، الواو، الدوبيت، النميم، المسدار، الموال الرباعى.. إلخ، ولقد عرفت الجماعة الشعبية فنونا من "التربيع" متعددة يصعب حصرها جميعا إلا بعد جمع ميدانى وتدوين وتصنيف للوقوف على هذه الفنون والإلمام بها وبطرائق بنائهـا وجماليتها. إن التاريخ القريب يعرفنا بشعراء أفراد كتبوا الرباعيات لعل من أهمهم رباعيات بيرم التونسى المنتشرة فى معظم دواوينه، والتى يأخذ بعضها شكلا مستقلا، بينما تكون الرباعية فى بعض قصائده وحدة بنائية من الوحدات المكونة للبناء الكلى، ورباعيات الخيـام التى أعاد كتابتها الزجال البارع أحمد سليمان حجاب، ورباعيات شعراء شعبيين وزجالين لم يقـدر لأشعارهم ولا لأسمائهم الذيوع منهم: الشيخ على النابى وزوجته – الشيخ حسين الحكيم – الشيخ حسن الفرشوطى – الشيخ حسين زوط – الشيخ محمد أحمد القوصى الشاعر عبد الله لهلبها (47) إضافة إلى زجال الإسكندرية فرج السيد (أبو فراج)،وكذلك رباعيات الخيام المصرى حامد البلاسى (48)، ثم رباعيات العظيم صلاح جاهين(49)
إن القارىء لأشعار جاهين سيجد هيمنة لشكل الرباعية فى كثير من أشعاره وأزجاله وأغانيه، غير ديوان مستقل تحت عنوان رباعيات.لقد كانت رباعيات ابن عروس الشاعر المصرى تسير على نمط القوافى المتبادلة فى الرباعية، وتاخذ الشكل التالى:ـ
ـــــــــــ أ مسكين من يطبخ الفاس
ـــــــــــ ب ويريـد مرق من حديده
ـــــــــــ أ مسكين من يعاشر الناس
ـــــــــــ ب ويـريـد مـن لا يريده
بينما كانت رباعيات جاهين تعتمد فى بنائها على شكل الرباعية "العرجاء" متشاكلة مع شكل الموال الخماسى الأعرج، وتسير مورفولوجيا على هذا النحو:ـ
1 ــــــــــــ أ
كروان جريح مضروب شعاع م القمر
2 ــــــــــــ أ
سقـط مـن السمـوات فؤاده انكسر
3 ـــــــــــ ب
جريـت عليـه قطـه عشـان تبلعه
4 ــــــــــــ أ
أتـاريه خيـال شعرا ومالهوش أثـر
ولم يقتصـر جاهين عـلى هذا الشكل من الرباعيات فسنجد عنده رباعيات متبادلة القافية، ورباعيات متوالية القافية، وثالثة عرجاء، والرصد الأولى يدلنا على أن رباعيات جاهين (حينما نذكر كلمة رباعيات لا نعنى ديوانه وحسب) كانت تتحلق فى معظمها حول بحرين شعريين هما الرجز والبسيط، ويستخدم جماليات الموال الرباعى فى تجنيسه الكامل
ياميت ندامـه على إللي البحـر ما ادَّاله
مفتـوح عليه الحنك والكـف مادَّاله
عدى الشطوط والخطوط اللنش عدَّى له
غفر السواحل يا صاحبى مستعدَّاله
كما يراوح بين الشكلين الرباعى والخماسى فى موالية "العرس"(50) فالبداية رباعية متوالية القافية تليها خماسية مثلها،ثم رباعية، ثم خماسية عرجاء:
النيل رجع زاد وعاد من غير ميعاد مرسوم
كيف ابن شداد ما طب فى يوم يحوم ويزوم
مطهوم ينادى يا عبله ومهرك المعلوم
حاضر وفوق منه عقد من النجوم ملضوم
يام الضفاير ألوف ملهوف وانا المحروم
يا تمرا سمرا ياجمرا حمره خلف غيوم
لجلك يا حلوه شربت المر والزقوم
وصبرت وكبرت وانحفرت فى وشى هموم
العرس دقت طبوله يقولوا: هب وقوم
فجاهين لا يستسلم لغواية الشكل وإنما يعشق اللعب معه، فالشكل لديه حالة وعى متساوقة مع رؤيته، فحين كتب قصيدة فنان لفاخر فاخر عكس فى نهايتها حالة الوعى هذه "من غير قوافى كتبت فيه مرثاه … إكمنه مات مش زى كل الناس"، مع الاعتذار للشاعر عبد المنعم عواد يوسف الذى يقول فى سياق أخر"كما يموت الناس مات".
فالشكل اختيار، فحين كانت الحكمة عماده والفلسفة طريقه، والتأمل طريقته كانت الرباعية العرجاء، فقد زاوج – مستلهما – بين طاقة المربع وقدرته على الصيد، وإيقاع الرباعية بما يتيح هذه المساحة من التأمل:
ياللى انت بيتك قش مفروش بريش
تقوى عليه الريح يصبح مفيش
عجبى عليك حواليك مخالب كتار
ومالكش غير منقار وقادر تعيش
والمعروف أن المربع يتكون من أربع حركات بنائية هى: العتب – الطرح – الشد ـ الصيد، فإذا كان صيد ابن عروس يتمثل فى الحكمة النهائية التى تتقطر شعبية، فإن صيد جاهين يأتى بداية من الشد، فالحركتين الأخيرتين المتمثلتين فى الشطرة العرجاء ورباط أو قفل الرباعية ترتبطان ارتباطا عضويا بحيث يمثل الشطر الأعرج بداية الارتفاع الذى تأتى بعده ذروة المفارقة، فهو الممهد للقنص:
من بين شقوق الشيش وشقشقت لك
مع شهقة العصافير وزقزقت لك
نهار جديد أنا قوم نشوف نعمل ايه
أنا قلت يا ح تقتلنى يا ح أقتلك
بينما سنجده فى قصائد أخرى يراوح بين رباعيات متوالية القافية وأخرى عرجاء، ففى قصيدة "الأمير" يمارس غرامه بالتربيع:
المجد للجندى اللى من غير لبس حرب
الفـارس اللى مش على صهـوة جواد
الراجل الغلبان فى روحه وعيشته كرب
لكن أمير عاشـق بروحـه ودمه جاد
***
والنحـل والعصافيـر تجيله تكلمه
أنبل أمير أساطير خيالك يرسمـه
السحارين سحروه صبح عتال فقير
شيل الحمول يحنيه ويوشك يهدمه
إن رصد رباعيات جاهين فى دواوينه يؤكد على غرامه بهذا الشكل الذى كان يتحرك داخل بنيته برشاقة، ويشكل من خلاله حالات شعرية متنوعة تؤكد أن الأشكال لا تضيق أمام شاعر كبير، كما أن امتلاك هذه الذخيرة من الأشكال هى التى أتاحت له التمرد عليها، من هنا يمنحنا ويمنح الأجيال الجديدة دلالة مهمة هى أن التمرد لابد وأن يكون على ملكية ضخمة من التراث والمأثور، "فما الأسد إلا مجموعة خراف مهضومة"، وتنتشر تيمة الرباعية كجزء من بنية أشعاره فى قصائد "ميلاد" التى تعتمد الرجز ميزانا لها، كما تسير على نمط (أ. ب. أ. ب ):
بعدت ولادتى فى الزمن تلاتين سنه
صبحت تاريخ زى السيوف والسقايين
زى الشراكسه والشموع والسلطنه
زى الخيول.. ضاعت سنينى فى السنين
كما تعتمد "السـونيتات" البسيط ميزانا لها، وتمتد عبر سبع صفحات فى ديوانه أشعار بالعامية:
خلا خلا، أنا شعرى قد الوجود
وقدها وقدود، وقلبى غنى
كأنه عود، فى الجود ما يعرف حدود
وحبيبته عواد، وعليه منحنى
كذلك سنجد هذا النسق الرباعى فى ديوان الأغانى،على سبيل المثال "المقاطع الثلاثة الأخيرة فى قصيدة "يابو قلب وحيد"، وهى رباعيات عرجـاء تتخذ من "فاعلاتـن ـ فاعلاتـن ـ فاعلـن" ميزانـا لها، كذلك أغنيـة "راية العرب"، "البيانولا"... إلخ.
الشكل الخماسى
يدلنا الجمع الميدانى على وجود أشكال موالية خماسية عرجاء، وأخرى متوالية القافية، أما جاهين فقد اخترع لنفسه شكلا خماسيا مخططه كالتالى (أـ أ – ب – ب – أ)
اللحم طين والعرق دود من ديدان الطين
آدم وحوا على أرض العدم حاطين
عاقبهم الرب... أخرجهم من الجنه
آدم عمل حضن حوا جنته وغنى
الناس بتتهنى مهما يكونو منحطين
وإذا كان جاهين قد صك لنفسه شكلا خماسيا لم تعرفه الجماعة الشعبية إلا انه قد اعتمد بحر البسيط هذا البحر الموالى الأثير، كما اعتمد جناسات الموال بكثافتها الموسيقية، كما أنه يبدو فى هذه المقطوعات الموالية الخماسية "مولديا" من الموالة ذوى الخبرة العميقة بأصول الحرفة، ولنتأمل هذه القدرة عند الموالة وكيف استلهمها جاهين ببراعة، فرواة الموال ومبدعيه يقومون فى المواويل "المزهرة" / الزهيرى بجمع موسيقى "عتبة الموال" و "ردف الموال" فى نهايته، أى فى "رباط الموال"، على هذا المنوال يواصل جاهين مخالفة عرف الجماعة فى البناء، لكنه يستعير بعض جمالياته الموسيقية، ولنتأمل ذلك فى قصيدته الرائعة – لا أحب مثل هذه الكلمات، لكنها تصدق عليها بحقـ "أهل الهوى"
(عتبة الموال)
الولف لو شاف وليفته ورا الجبل هدمه
ياميت ندامه على جبلين واصطدمو
(ردف الموال)
اتهد منهم جبل اسمه هابيل وانهار
قابيل أخوه اللى قتله سكب الدموع أنهار
(رباط أو غطا الموال)
واللى افتتن بالنهار.. بالليل يا ندمه
ولايخفى على القارىء أن جاهين عبر دواوينه قد عرك الموال وخبره بدرجة عميقة، يدلنا على ذلك بجدارة قصيدته "على اسم مصر" بجزئيها، كذلك قصائد "الوحدة"، "الأرض"، "بستان الاشتراكية"، "با أهلا بالمعارك"،رولا يعنى هذا الرصد ميزة لهذه القصائد على قرينتها، بل ربما تكون أقل تميزا، لكن الذى لاشك فيه أن جاهين قد تعرف على هذه الخبرات وهضمها عبر استماعه الحى للأشعار الشعبية، فضلا عن علاقته بالشاعر الراحل العظيم بيرم التونسى الذى تفنن فى كتابة أزجاله على أنماط موالية بالغة الثراء والتعدد، وقد كثر ورود اسم بيرم فى أشعار جاهين اعترافا بثقله وبريادته وتطويره الكبير لفن الزجل، فحين يقول جاهين "معلمنا بيرم عليه السلام" فهو يؤكد على معنيين مهمين أوشكا على الاختفاء هما، الأول: الاعتراف بقيمة وفضل السابقين والتمرد عليهم تمرد الواعى الجسور،الثانى: وجوب إعادة النظر فى القيم الجمالية التى يطرحها الشعراء الرواد دون الوقوف عند المقولات التى ثبتت واحتكرت المشهد، مقولات من مثل أن جاهين شاعر مدينى، هل هذا حكم بالقيمة؟ وأن الشعراء الذين جاءوا من الأقاليم جاءوا ليريفوا الشعر، ألم يقرأ واحد منكم قصائد جاهين بعناية ليدرك معرفته العميقة بالمفردات النوعية لفلاحى مصر بما يعكس خبرة واسعة بهذا العالم كأنه ولد لأب فلاح، ولم تكن المفردات التى تنتشر فى تضاعيف قصائده من قبيل التوشية لمواكبة حملة استلهام الفولكلور الستينية، هذا الزعم ينتفى تماما حينما نقرأ قصائده "زى الفلاحين"، "أغنية للقطن"، "الأرض".. ونعتقد أن هذا الزعم مبنى على مقولة مؤداها أن جاهين رائد قصيدة النثرـ لم يدع ذلك – وأن قصيدة النثر منتج مدنى، كتبها ابن المدينة جاهين، وكلها مقولات تضرب بعضها ولا تنشغل بالشعر الحقيقى أيا كان من كتبه، وأيا كان شكله، فالشاعر الكبير كبيرم وحداد وجاهين هو الشاعر الذى لا ينشغل بالأبنية سابقة التجهيز، ولا بالمقولات المجانية التى تحتل مكانا كان الشعر أجدر به.
الأمثال الشعبية فى شعر سمير عبد الباقي
إن تجـربة سمير عبد الباقى الممتدة لا تتخلى، بل تستمسك بتراثها خاصة الشعبى، لذا سيواجه قارىء هذه القصائد تنوعات كمية من الموتيفات الشعبية فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائد مجموعاته الشعرية من عناصر فولكلورية، لذا فالقارىء لشعر سمير عبد الباقى سيجده وقد عاد إلى بعض الفنون الشعرية الشعبية التى قرأها أو عايشها، واحتشدت بها ذاكرته، لتتحول ـ فيما بعد ـ إلى إشارات دالة، أو أسطر شعرية كاملة داخل بنية قصائده، وقد تراوحت الاستلهامات بين عنـاصر من الأدب الشعبى (شعـرية ـ نثرية) (51) منها: المواويل – العديد / المراثى الشعبية – السير الشعـبية (عنترة – سيف بن ذى يزن / سيف اليزل – الجازية – أدهم الشرقاوى) (52))، إضافة إلى بعض نصوص الأغانى الشعبية، والأدباتية، وفن المربع / الواو، كما سنجد نصوصه الشعرية متداخلة مع النصوص الشعبية النثرية من أمثال وحكايات شعبية مثل (حسن ونعيمه – ياسين وبهية – أدهم الشرقاوى – ست النور – مارى جرجس ) فضلا عن العناصر الحكائية المنتشرة فى الحكايات الشعبية المصرية، إلى جانب التعبيرات الشعبية التى تكتسب طاقة دلالية جديدة بعد دخوله للمتن الشعرى، كذلك فإن معاينة نصوص كتابه الشعرى الذى يتألف من سبع مجموعات شعرية يؤكد على استدعائه لعناصر متعددة من الخبرات والعادات والتقاليد ربما استعصت على الإحصاء، وسمير عبد الباقى فى استلهاماتـه لا ينتصر لعنصر شعبى دون غيره، لكن نصه – أحيانا – يجرف أمامه كل ما يقابل ذاكرته، أو ما تستدعيه مفردات نصه وسياقاته من عناصر، وسوف نحاول رصد بعض تواصلات نصوصه مع عنصر فولكلوري وحيد وهو الأمثال الشعبية والعبارات المثلية:
§ أقرع ونزهى
(أقرع ونزهى بيتباهى ببرنيطه) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ الرزق يحب الخفيه.
(الرزق خفيه ياعم حسين) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ الحيطان ليها ودان.
(جميع حيطان بيته شروخ وودان) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ المتغطى بالأيام عريان.
(اللى ح يتغطى بيه عريان) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ قليل الأدب يشتم الباشا.
(عبرة تاريخ المفلس يشتم السلطان) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ مسكوا القط مفتاح القرار./ حرسوا الديب ع الغنم.
(يبقى الحرامى الفقير البورمجى إمامها ) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ القط بيحب خنَّاقُه
(الخلق زى القطط بتحب خناقها) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ زماره تلمهم وعصايه تفرقهم.
(فاتل حبال خناقها وسايقها عصا ولجام) {قصيدة: تيك.. إت.. إيزى}
§ عين الحسود فيها عود.
(مخرمه عيون الحسود بالنار) {قصيدة: حلم نص ليله هبله}
§ إدى العيش لخبازه ولو ياكل نصه.
(لا عمرى كلت رغيف ما نيش خابزه) {قصيدة:جميزة المواويل}
§ بيدن فى مالطه
(تكبيره فوق مدنه قديمه ف مالطه){قصيدة:الطوق}.
§ سايق الهبل ع الشيطنه.
(سلفك سايق عبطه على هبله ){قصيدة:الطوق}.
§ خلى البساط أحمدى
(فرشت بساطها الأحمدى فوق قبرها) {قصيدة: هالك ومالك}
§ القفه أم ودنين يشيلوها اتنين.
(من تقلها قفه وملهاش ودنتين) {قصيدة: هالك ومالك}
§ العقل زينه
{قصيدة: هالك ومالك}
§ لا كانى ولا مانى ولا دكان الزلابانى
(لا كانى ولا مانى ) {قصيدة: طبع المدن}.
§ زى القطط بتاكل ولادها./ إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك.
(لما يزيد قهرها تاكل محبيها) {قصيدة:آخر ولاد الشبوكشى}
§ زى فيرا المراكب إن عامت قرقشت وإن غرقت فرفشت.
(وان الفيران فى العواصف تهجر المركب) {قصيدة: الموت على المهل}
§ الكحكه فى إيد اليتيم عجبه
(الكحكه ف كفوفك عجبه) {قصيدة:الموت السابع والستين}.
§ شايب وعايب.
(وصبحنا اتنين طفلين عواجيز شايبين عايبين) {قصيدة:الموت السابع والستين}.
§ متعلق فى حبال دايبه.
(نتعلق فى حبال الدايبين) {قصيدة:الموت السابع والستين}.
§ العرق دساس.
(العرق دسيسه وخسيس) {قصيدة الموت السابع والستين}.
(عرق دساس) {قصيدة: عرق دساس}.
§ خف تعوم
(ها تخف تعوم) {قصيدة الموت السابع والستين}.
§ ركب الخليفه وانفض المولد
(المولد باع الولى وانفض) {قصيدة الموت السابع والستين}.
§ العرق يمد لسابع جد
(من سابع جد لسابع جيل) {قصيدة:أحزان ابن عبد ربه }
§ جبال الكحل تفنيها المراود
(جبال الكحل ما ح تردش ضى العين){قصيدة:أحزان ابن عبد ربه }.
(بحار الحبر تفنيها المحابر) {التبن عايم والتبر يغرق}.
§ الصبر جميل
(عمر الصبر ما كانش جميل) {قصيدة:أحزان ابن عبد ربه }.
§ تعمل إيه الماشطه فى الوش العكر
(راح تعمل إيه الماشطه) {قصيدة:أحزان ابن عبد ربه }
§ اللى بيزمر ما بيخبيش دقنه
(مش صدفه إن الزمار بطول دقنه) {قصيدة:أحزان ابن عبد ربه }
§ أردب ما هولك تحضر كيله تتعفر دقنك وتتعب فى شيله.
(غنيت لمصر ف قصر ما هولك){قصيدة: شاطر الحواديت}.
§ اللى بيته من إزاز ما يحدفش الناس بالطوب.
(حجر فى إيدى بيتك إزاز) {قصيدة: اشتراكى بدل السفر}.
§ على عينك يا تاجر.
(على عينه الشاعر بقى تاجر) {قصيدة: الفاعل … مجهول}
§ آخر الزمر طيط.
(آخر الزمر طيط.) آخر الزمر طيط.{ آخر الزمر طيط.}.
§ تيجى الطوبه فى المعطوبه.
(طوبه فى المعطوبه) {قصيدة: طوبه فى المعطوبه}.
§ اللى تغلب به إلعب به.
(اللى تغلب به إلعب به ) {لما اليسار كلته الأزمه}.
§ علِّم فى المتبلم يصبح ناسى.
(مهما تعلم ف المجهول بيبلم) {قصيدة: هوا الهناجر.. دوا الحناجر}.
§ الباب اللى يجى لك منه الريح سده واستريح.
(ف أى باب ح تهب منه الريح) {قصيدة: هوا الهناجر.. دوا الحناجر}.
§ رزق الهبل ع المجانين.
(رزق الهبل على الأسلاف) {رزق الهبل.. ياما}.
§ اللى عايز تحيّرُه خَيرُه.
(الخيره حيره) {قصيدة: الخيره حيره}.
§ من ده لده يا قلبى لا تحزن.
(من غزه لأريحا يا قلبى لا تحزن) {قصيدة: من غزه لأريحا يا قلبى لا تحزن}.
§ نوايا تسند الزير.
(لكل كل زيرن نوايه) {قصيدة:لكل كل زيرن.. نوايه}.
§ جعان.. أفِتْ لك.
(تفت ليه فى طبق مخروم) {قصيدة:آخر ولاد الشبوكشى}.
§ ياواخد القرد على ماله بكره يروح المال ويفضل القرد على حاله.
(ياواخد القرد) {قصيدة: ياواخد القرد}.
والشاعر يستدعى هذه الأجزاء الكاملة من الأمثال الشعبية لتصبح جزءا من نصه ربما لتنوب عنه فى القول، وربما ما أسميه "المفردة وصويحباتها"، فبعض المفردات – بشكل آلى – قد تستدعى المفردات المتساوقة معها، أو التى تشترك معها فى حقل دلالى واحد، وقد يستدعيها الوزن الذى يمثل مقود التجربة فى عدد كبير من أشعار سمير عبد الباقى، كما تسهم – – أحيانا ـ الرغبة فى توشية القصائد بالشعبى الذى قد يصنع صلة بين متلقى متصور أوجدته الذهنية التى تربت أيدولوجيا على بعض الأفكـار "الكتلية"؛ ومنها فكرة سادت فى فترة الستينيات، وهى ربط الفن بالطبقات الشعبية !، وبالجماهير !، وهو ما أدى إلى تصور ما سعى عدد كبير من الكتاب والشعراء لاقتناصه لخلق علاقة بين التراث والمأثور الشعبى والكتابة.
وبعد فإن هذه الدراسة قد انتخبت هؤلاء الشعراء لمعاينة علاقة أشعارهم ببعض عناصر التراث والمأثور الشعبى، ونعلم يقينا أن عددا كبيرا من شعراء العامية من الأجيال المختلفة تزخم قصائدهم باستلهامات لعناصر فولكلورية وتحتاج إلى دراسات كثيرة وموسعة، وما كان لدراسة مثل هذه أن تمتلك القدرة على استقصاء كل الشعراء وكل العناصر، لكننا نظن أنه ربما تفتح أفقا لاستكناه هذه العلاقة الشائكة بين الشعبى والفردى فى شعر العامية المصرية، نأمل فى أن يوفقنا الله لاستكمالها.
ــــــــــــــ
الهوامش والحواشي:
1) أنظر، مقدمة، د. شوقى ضيف، اللهجات العربية، بحوث ودراسات، مجموعة باحثين، جمعه وأعده، ثروت عبد السميع، راجعه، د. محمد حماد، أشرف عليه، د. كمال بشر، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 2004. وقد تمكن الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف، عضو مجمع اللغة العربية من تقديم بحث توثيقى مهم تضمن عناوين مؤلفات القدماء فى اللهجة العامية العربية أو الدخيلة والمعربة (بحد تسميته، أو ما استقاه من المصطلحات المتواترة عن هذه اللغة)، وكذلك كتب الاصطلاحات، وكتب القصص، ودواوين الزجل، إضافة إلى مؤلفات المعاصرين من عرب ومستعربين، وقد بلغ عدد ما جمعه من عناوين (222) عنوانا.
2) فى هذا الإطار قامت اللجنة بعمل استفتاء فى بعض الأفعال الثلاثية فى العامية القاهرية، وقد جمعت منها (59) فعلا ثلاثيا، وحاولت أن تستقصى وتقارن هذه الأفعال مقارنة بنظيراتها فى بعض الدول العربية من خلال أعضاء المعجم، وقد بدأ هذا النشاط بعد أن قدم العالم الجليل د. خليل محمود عساكر بحثا تحت عنوان الأطلس اللغوى فى مؤتمر الدورة الخامسة عشرة، 1949، وقد كانت محاولته هى باكورة المحاولات لعمل أطلس لغوى، وهى المحاولة التى لم يلتفت إليها أو بالأحرى تم تجاهلها من قبل البعض حتى يلصقون الريادة بأنفسهم، راجع، المرجع السابق، ص 95 وما بعدها.
3) منها على سبيل المثال: السيرة الهلالية فى شكل حلقات، وكذلك فسائل للمواويل والقصص الشعبية الشهيرة كشقيقة ومتولى وحسن ونعيمه، وديوان ابن عروس لما أن تاب الله عليه، قصة السيد البدوى مع فاطمة بنت برى، فضلا عن قصص من ألف ليلة وليلة، وبعضها يحتشد للنكات وفنون القافية، وهكذا، وقد كانت تصدر فى مصر فى فترات الأربعينيات حتى أواخر الستينيات، والفسيلة عبارة عن ملزمة أو نصف ملزمة مطبوعة من ورق فقير وتحتوى على رسومات مناسبة للموضوع، وكانت تسمى عرفا "سُلخ"، أما معناها لغة: الفسيلة الصغيرة من النخل والجمع فسائل و فسيل و الفسلان جمع الجمع عن أبي عبيد الأصمعي في صغار النخل قال أول ما يقلع من صغار النخل الغرس فهو الفسيل والودي والجمع فسائل وقد يقال للواحدة فسيلة، و أفسل الفسيلة انتزعها من أمها واغترسها و الفسل قضبان الكرم للغرس وهو ما أخذ من أمهاته ثم غرس حكاه أبو حنيفة و فسالة الحديد سحالته ابن سيده فسالة الحديد ونحوه ما تناثر منه عند الضرب إذا طبع.
4) تقدم به الباحث لدار الكتب والوثائق عام 2004 إبان رئاسة الأستاذ الدكتور أحمد مرسى للدار.
5) يؤكد على استخدامه، د. صلاح الراوى،ويؤمن ونؤمن معه بالتعامل مع النص الشعبى المغنى بوصفه نصا أدبيا، ويجب دراسته مرة كنص شعرى، وأخرى كموسيقى.
6) راجع، مسعود شومان، صورة البنت الطفلة فى التراث والمأثور الشعبى، المهرجان الثانى لفنون طفل الصعيد، أبحاث الندوة العلمية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافى، ثقافة المنيا، 2001.
7) استفاد الباحث فى تكثير وضبط التصنيف من حواراته عبر البريد الألكترونى مع د. مصطفى جاد.
8) راجع، مسعود شومان، قضايا إشكالية فى شعر العامية المصرية،
9) مسعود شومان، التواصل والقطيعة، استلهام المأثور الشعبى فى شعر العامية، مجلة الثقافة الجديدة، ع (70)، يوليو 1994.
10) . صبرى حافظ، التناص وإشاريات العمل الأدبى، مجلة ألف، ع (4)، القاهرة، 1984.
11) المرجع السابق.
12) المرجع السابق، وراجع مسعود شومان، بيرم التونسى بين بلاغة الإنشاء وإنشاء بلاغة جديدة، مجلة ابن عروس، ع (3)، يونيو 1993. وكذلك، بيرم التونسى وبلاغة النص، الثقافة الجديدة، فبراير، 1996.
13) لاحظنا ذلك عند عدد كبير من الدارسين، منهم الناقد الكبير رجاء النقاش فى استخدامه لمصطلح "الشاعر الشعبى" بوصفه مقابلا لشاعر العامية، وقد ترددت فى دراسته عن صلاح جاهين الملحقة بديوانه " عن القمر والطين"، كذلك استخدام نعمان عاشور لنفس الاصطلاح فى الكلمة التى ذيلت الديوان، وصالح جودت فى كتابه ملوك وصعاليك.
14) يمكن مراجعة دراسات:
· فوزى العنتيل، ما هو الفولكلور، دار النهضة العربية للنشر، القاهرة، 1977.
· د. محمد الجوهرى، علم الفولكلور،الجزء الأول، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1981.
· د. نبيلة إبراهيم، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، دار المريخ، الرياض، 1985.
· د. أحمد مرسى، مقدمة فى الفولكلور،دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط3، 1987.
· د. صلاح الراوى، فلسفة الوعى الشعبى، دار الفكر الحديث، القاهرة، 2001.
15) انظر، د. صـلاح الراوى، الشعر البدوى فى مصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999.
16) المرجع السابق.
17) لمزيـد من التفصيل، راجع، صفى الدين الحلى، العاطل الحـالى والمرخص
18) الغالى، تحقيق، د. حسين نصار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981.
19) حسين مظلوم، مصطفى محمد الصباحى، تاريخ أدب الشعب، الناشر محمد خلف الموظف بقلم تحقيق الشخصية سابقا، مطبعة السعادة بجوار محطة مصر، الأسكندرية 1936.
20) يقصد به العصر الذى عاشه صفى الدين الحلى، فقد ولد الحلى 677هـ، = 1228 م وتوفى ببغداد 750هـ = 1349 م.
21) صفى الدين الحلى، العاطل الحـالى والمرخص الغالى، نصار، مرجع سابق.
ومن معانى المفردة: زجل، صعدة نابتة في حائر، أينما الريح تميلها تمل، وقال آخر خرير الريح في قصب الصعاد، وكذلك القصبة والجمع صعاد، وقيل هي نحو من الآلة.كذلك: زجل كعزف الهدهد، يروى كعزف الهدهد، فالهدهد قيل في تفسيره أصوات الجن،و وهدهد الشيء من علو إلى سفل حدره،و هدهده حركه كما يهدهد الصبي في المهد، و هدهدت المرأة ابنها أي حركته لينام. كذلك: هيدا هيدبا و هاد الرجل زجره من زجر الإبل واستحثائها، وأنشد أبو عمرو وقد حدوناها بهيد وهلا حتى ترى أسفلها صار علا، وذلك أن الحادي إذا أراد الحداء قال هيد هيد ثم زجل بصوته، وهيد بالسكون زجر للإبل وضرب من الحداء.كذلك: زجل كحفيف الحصاد صادف بالليل ريحا دبورا، والزجل صوت الرعد، قال الأعشى تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق، زجل: الصوت الخفي يهز قصبا أو سبا وبه سمي صـوت الـحلي وسواسا،وزجل:الشد والتقريب والخبب، ويروى الفرس المتدافع في جريه، زجل: الحداء كأن في حيزومه قصب الناي لأن الزامر إذا زمر أقنع رأسه، ويقال للمرأة إذا قامت إلى جاراتها لاحت الساق بخلخال زجل الزجل بالتحريك اللعب والجلبة ورفع الصوت وخص به التطريب،وأنشد سيبويه له زجل كأنه صوت حاد إذا طلب الوسيقة أو زمير وقد زجل زجلا فهو زجل وزاجل وربما أوقع الزاجل على الغناء قال وهو يغنيها غناء زاجلا، الزجل رفع الصوت الطرب وقال يا ليتنا كنا حمام زاجل، وفي حديث الملائكة لهم زجل بالتسبيح أي صوت رفيع عال وسحاب ذو زجل أي ذو رعد وغيث زجل لرعده صوت ونبت زجل صوتت فيه الريح،و الزجلة بالضم الجلدة التى بين العينين والحالة وصوت الناس، والقطعة من كل شيء والجماعة أو من الناس والحمام أرسلها على بعد وهي حمام الزاجل والزجال، والزجل محركة اللعب والجلبة والتطريب ورفع الصوت، زجل كفرح فهو زجل وزاجل، ز ج ل: الزجل بفتحتين الصوت يقال سحاب زجل أي ذو رعد، مختار الصحاح، والزجل رفع الصوت الطري يقال حاد زجل ومغن زجل وقد زجل يزجل زجلا، راجع: مكتبة المعاجم والغريب والمصطلح، الإصدار الأول (cd)،تضم المعاجم والكتب التالية: الألفاظ المختلفة فى المعانى المؤتلفـة ـ العـين ـ القاموس المحيط ـ المصباح المنير ـ المغرب ـ لسان العرب ـ مختار الصحاح ـ معجم البلدان ـ معجم ما استعجـم ـ أنيس الفقهاء ـ التعريفات ـ التوقيف على مهمات التعاريف ـ الزاهر فى غريب ألفاظ الشافعى ـ المطلع على أبواب المقنع ـ غريب ألفاظ التنبيه ـ الفائق فى غريب الحديث – النهاية فى غريب الحديث ـ غريب الحديث لابن الجوزى ـ غريب الحديث لابن سلام ـ غريب الحديث لابن قتيبة ـ غريب الحديث للحربى ـ غريب الحديث للخطابى، مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلى، الأردن، 1999
22) يعد صلاح جاهين أول من كتب على دواوينه "أشعار بالعامية المصرية " على الرغم من أن التأريخ المتواتر لشعر العامية يبدأ من ديوان "أحرار وراء القضبان" لفؤاد حداد، 1952.
23) من شعراء هذه الفترة / التجربة على اختلاف رؤاهم (مجدى الجابرى – يسرى حسان – محمود الحلوانى – صادق شرشر – طارق هاشم – بهاء عواد – حاتم مرعى – مجدى عطية ـ أشرف عتريس – وليد طلعت – صالح الغازى – عمر طاهرـ سيدة فاروق – جاسر جمال الدين، وغيرهم ).
24) د. صبرى حافظ، التناص وإشاريات العمل الأدبى، مجلة ألف، ع (4)، القاهرة، 1984.، وراجع مسعود شومان، بيرم التونسى بين بلاغة الإنشاء وإنشاء بلاغة جديدة، مجلة ابن عروس، ع (3)، يونيو 1993.وكذلك، بيرم التونسى وبلاغة النص، الثقافة الجديدة، فبراير، 1996.
25) بيرم التونسى، أشعار بيرم التونسى، تقديم، محمد محمود بيرم التونسى، ص 19، ط2، مكتبة مدبولى، القاهرة، 1985.
26) د. رضا محسن حمود القريشى، المواليا، منشورات وزارة الإعلام، العراق، 1975.
27) أشعار بيرم التونسى، سابق، قصيدة الصحه، ص19.
28) السابق، قصيدة السيده، ص 20.
29) السابق، قصيدة قلم الصيانه، ص 18.
30) السابق، ص 137.
31) مسعود شومان، الخطاب الشعرى فى الموال، دراسة تحليلية فى تشكيل النماذج الإنسانية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1994.
32) ناشيته: أى أنشأته – المرير:تصغير مر.
33) شعار بيرم التونسى، سابق، قصيدة موال فنى، ص 143.
34) مسعود شومان، الخطاب الشعرى فى الموال، مرجع سابق.
35) يقول د. محمد رجب النجار إنه إبان إعداده لرسالة الدكتوراه فى السير الشعبية كان يستمع إلى أحد رواة السيرة وفجأة وقف أحد المستمعين من كبار السن قائلا لهذا الراوى: (أزهر) فاستجاب وراح ينشد بعض المواويل ريثما يستريح جمهور المستمعين، كما يقول إن أحد الرواة شرح له المقصود بالزهر، واتضح له أنه مفهوم قريب من المفهوم البلاغى للجناس، راجع،د. محمد رجب النجار، الموال الزهيرى، رابطة كلية الآداب، جامعة الكويت.
36) مسعود شومان، الخطاب الشعرى فى الموال، مرجع سابق.
37) مثاله: موال "تصريح 28 فبراير، ص 40"، حياتى، ص 75، جريمة البار، ص 149، وجميعها تبدأ بـ: الأوله،ثم يردف بعدها جملا قصارا تطول فى كل مرة.
38) د. يسرى العزب، أزجال بيرم التونسى،دراسة فنية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1981.
39) صفى الدين الحلى، العاطل الحالى والمرخص الغالى، مرجع سابق.
40) د.عبد السلام أبو النجا سرحان، المجموعة الوافية بعلمى العروض والقافية، 1985.
41) حازم شحاته،المفهوم السائد لإيقاع الموال، مجلة الفنون الشعبية، ع (19)،1987.
42) رواية الفنان الشعبى يوسف شتا القليوبى، القليوبية.
43) مسعود شومان، الخطاب الشعرى، الفصل الخاص بالإيقاع الموال، مرجع سابق.
44) د. إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ط3، دار الفكر للطبع والنشر، القاهرة 1949.
45) د. رمضان عبد التواب، فصول فى فقه اللغة العربية، مكتبة الخانجى، القاهرة، 1983.
46) أشعار فؤاد حداد، دار المستقبل العربى، ط1، القاهرة، 1985.
47) شاعر قنائى، تجول فى عدد من البلاد المصرية، ويقال إنه استقر بمدينة طنطا، ومات بها.
48) رباعيات خيام مصرى، حامد البلاسى، (د. ن)، 1997.
49) رباعيات، صلاح جاهين، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 1985.
50) أشعار بالعامية المصرية، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 1987، ص 108.
51) إن تقسيم الإبداع الشعبى إلى (شعر ونثر) بحاجة إلى إعادة نظر، حيث تتداخل بعض الأنواع كالسير مثلا التى يتراوح بناؤها بين مقاطع سردية وأخرى شعرية، كما تحفل المقاطع السردية بقيم شعرية تماهى بينها وبين الشعر، رغم أن وظيفتها الأساسية فى النص هى السرد، لكننا استخدمنا هذا التقسيم على سبيل الفصل الدراسى وحسب.
52) لقد وضعـنا أدهم الشرقاوى مرة مع الشعر، ومرة مع الحكى، إذ إن الأصل فى بنائه يقوم على الحكى، لكنه ينبنى أيضا على وسائط شعرية تعتمد الموسيقى والتقفية والقيم الشعرية، وفى عرف الجماعة الشعبية وباصطلاحـها يقال له موال أدهـم الشرقاوى، والموال نوع من أنواع الشعر الشعبى، لكننا لو تأملنا واحدا من معانى الموال سنجد معنى السرد والإسهاب، فأبناء الجماعة الشعبية يقولون عن الشخص الذى يسهب " قعد يحكى موال أبو زيد " أو "انت هاتموّل فى الموضوع" أو "بطل الموال الأزرق ده".. إلخ.