يدين الكاتب تصدعات مواقف المجتمع الدولي وصمتها عن النظام السوري الذي كشر عن ذئبية غابيّة تحرق الأخضر واليابس، وتودي بالألوف من أبنائه تشريداً وقتلاً وتهجيراً إلى أقاص الألم. ورغم سوداوية براثن الحاضر تحضر الإرادة السورية في عمق الموت وهي تبغي الحياة.

الموت يدافع عما تبقى من حياة

خليل الوافي

أعتقد أن المجتمع الدولي، لم يدرك بعد حقيقة المجازر التي ترتكب في حق شعب أعزل، أراد له أن يحلم بالحرية في مستنقع الموت الوحشي.  والذي تجاوز جميع القيم الإنسانية في أبشع صور سادية، تملأ القلب بالغيظ والمذلة، وتشعرك الصور المتسللة من ثنايا أجساد مثخنة بالعويل والصراخ الذي يشق كبد السماء، وقتل مجاني في مواسم الصيد، تحرك الأيادي في تجاه براءة حرمت من طفولتها الأولى دون أن تعرف معنى الحياة في ابتسامة رضيع وهو ينظر إلى وجه أمه الثكلى.  لا يوجد متسع للمشاهدة المحايدة في زحمة تراكم الجثت فوق بعضها البعض، لتكتمل الصورة الجارحة في عمق كبرياء خانته شهامة الأبطال أمام مذبحة كرم الزتون وأخرى نسيها التاريخ في حماة ودرعا عندما كان الأب الرئيس يداعب شبله الأليف يلقنه فنون الصيد على جواد خاسر، سرعان ما تبين أن السحر تغلب على الساحر، وانقلبت موازين القوى لصالح الظلم في كثير من حالات التماثل بين حنكة الشيخ وبراعة الإبن في تحمل مسؤولية شعب تغيرت مفاهيمه للحياة وللموت.  وقد أخطأ من كان جازماً أن خيار الحل الأمني سيأتي بنتائج مبهرة، حسب دورة التاريخ التي تعيد نفسها لكن في محيط تغيرت ملامحه كثيراً، ولم يعد الأمر هينا بهذه السهولة حيث اختفت مظاهر الخوف في الشارع العربي، وبات مقتنعا بدوره الأساسي في الإصلاح والتغيير.

تعددت مظاهر الإحتجاج في محاربة الظلم والفساد، وإن اختلفت ألوانه فالحق واحد لا يقبل القسمة، لكننا اليوم نعيش فترة عصيبة تلاشت فيها قيم الإنسان، وتخاذل العالم في نصرة الحق ورفع الظلم على الشعوب المغلوبة على أمرها، بعيداً عن المصالح الذاتية التي أصبحت تعكس حقيقة النوايا الإديولوجية التي تنهجها سياسة العالم المتقدم في امتلاك آليات التحكم والسيطرة على مقدرات الشعوب المقهورة، لاتملك إلا إرادتها القوية في التغيير، وضرب مصالح القوى الإستعمارية في إمتصاص دماء شباب الثورة، وتوجيه التيار الربيع العربي نحو أهداف معروفة سلفاً، وفي الوقت الذي تقاعست الأنظمة العربية في لعب دورها الحقيقي للدفاع عن شعوبها، واقتصرت على محيطها العائلي والعشائري، وانحصرت الرؤية داخل أنانية مغولية في اقتراف أبشع الجرائم دون رحمة ولاشفقة، وتأكد للجميع أن السلطة الحاكمة في وطننا العربي ماتزال تفكر بمنطق العصا لتربية المواطن على الطاعة المتزايدة، والولاء الأعمى في عبادة السلطان وتاليهه في زمن الديمقراطيات المتقدمة.

ولم يكتف الأمر إلى هذا الحد، بل تنوعت وسائل الإذعان والتجويع إلى حدود لم تشف غليل من أراد كسب ثقة شعبه بيد من حديد لإصلاح إعوجاج الفئات الغاضبة، وتقويم الوعي الشعبي نحو الخضوع والاستسلام لواقع عربي يتراجع إلى الوراء، وكأنه يحن إلى عصور المحارق والقبور الجماعية، والجثت المشوهة لا تعرف صاحبها، والقرابين التي تذبح على أعتاب الشام ليزيد في عمر السلطان، هكذا قالت عرافة دمشق، وأكدت على ذبح الاطفال والنساء لفتح الجولان والدخول إلى القدس.

اندهش إلى جيش نظامي أراد له أن يحمي شعبه، كما هو متعارف عليه في بقاع العالم، لكن للجيش العربي غير الأدوار، وعوض أن يدافع على وحدة الأوطان والحدود، والحفاظ على سيادة البلاد والأرض والعرض والشرف، تحول إلى جيش رئاسي يدافع بكل الوسائل الممكنة لبقاء الحاكم أطول فترة في حكم العباد والبلاد، وتغير أساليب القمع، وأخذ منحى خطير في التعاطي مع سلطة الشعب المكبلة بالنهج الجديد الذي تمارسه بعض القيادات العربية في حق شعوبها، والمتمثل في التصفيات الجسدية والمذابح الجماعية، وإحراق معالم الجريمة بكل مكوناتها الدالة على تورط الشبيحة والأمن والجيش العربي السوري، وإخفاء الشهدات مما تبقى من أحياء، وهي تسابق الزمن بقتل عدد أكبر من المدنيين بحجة الإرهاب وانخراط القاعدة في مسلسل التضليل الإعلامي الذي تمارسه مؤسسة البعث والطائفة العلوية، بمباركة روسية في القضاءعلى ثورة الكرامة السورية التي ودعت عامها الأول، والحافل بمتغيرات في المشهد الحراكي الذي وصل الى عمق دمشق وحلب، ورغم تفوق آلة النظام إلى جانب الجيش الحر فإن رياح التغيير بدات تعصف بقوة، تعلن بشائرها الأولى أن الثورة السورية في تجاه معانقة الحرية واسترجاع كرامة المواطن، والاطاحة بنظام استبدادي أبان عن وحشية موغلة في القدم.

وزرع حدود البلاد بالألغام والموت حتى لا تصل أفواج النازحين عبر لبنان والأردن وتركيا، وقطع الطريق على الشهادات والصور الفاضحة لسلوك النظام الهمجي في مسح الذاكرة السورية من هذه التراجيديا المأساوية التي يعيشها الشعب كل اليوم، إنه يعتقد ذلك. ويوهم نفسه أن فعل القتل سيعيد الحياة الطبيعية إلى ماكانت عليه من قبل، ولا يمكن الحديث عن سقوط مفاجئ لرموز النظام البعثي في هذا الظرف، لأن السيطرة على الأرض قائمة، ولا يعلمون بما تجيد به السماء في أية لحظة.

 

المغرب