فوق ظهر أحد جسور مزرعته، اتخذتْ جنوبنا متكئا لها، طبقة الحشائش الدقيقة من تحتنا، كأنها فراش وثير.
راغت عيناه من عيني مرة بعد مرة، وعيناي مصممتان على التلاقي. الأنوف مملوءة برائحة الزهر، الخضرة تلف المكان، كل شيء يشي، بأنها فرصة ذهبية، كي أحاول مفاتحته في أمرها.
بدأ الحوار بيننا لينا، يحيطني وعي تام، بقدر الهوة السحيقة الكائنة بينهما:
بعد زواج دام لسنوات، رفضتْ بكل ما أوتيتْ من رفض، أن يتخذ في الظلام، من جسد خادمتها ـ المتزوجة ـ بديلاً عنها، و..
بدا عسيرا على ذهني، أن تستقر بداخله، قناعة ـ كاملة ـ بتصديق ذلك، مُرْجِعاً الأمر كله ـ أو متمنيا ـ، إلى الوساوس والشكوك.
وبدا عسيرا على نفسي ـ أيضاً ـ، أن أخلق ثمة توازن ما، بين رغبتي الملحة في الذود عنه، كصديق عمر ورفيق حياة، وبين محاولاتي الدءوبة، لإحياء تلك الروح المتصدعة، لأختي الوحيدة:
نظراتها واجمة، عيناها حمراوان دامعتان، مطرقتان إلى الأرض...؛ لا تريد آذانها أن تتناسى، عباراتي المجتهدة، مُرَجِّحَةً كفته هو، على عشرات الخاطبين، لا تريد أن تنسى، أنها كانت بحق بطلة أحلام المتمنين.
يتملكني الاجتهاد، في محاولة جادة للمفاتحته، كي أضع حجراً، في بناء جديد، يعيد احتوائهما من جديد.
تلفني الدهشة دوما، لعدم محاولته ـ ولو لمرة ـ، أن يسوق تكذيباً أو تبريراً لتهمته، حتى ولو بدا واهياً، وكم وددت لو فعل، حاولتْ حواسي أن تبث الحرارة في الحديث، بحثاً عن جِدِّيَّةٍ أكثر، إلا أن عينيه ما تزالان تراوغان بعيداً، متنقلة بين برتقالات مزرعته، فوق أمهاتها تصرخ طالبة الجنْي.
.. قلت في نفسي:
علَّه يتفقدها، ولم لا، ألا تُضرب الأمثال في ثماره، وأشجاره وأراضيه؟؟
إلاَّ أنني لم أجد مناصاً، من أن أقتحم عليه أغوار نفسه، موقناً أن العلاج كثيراً، ما يكون في مشرط الطبيب، وفي نفس اللحظة، انطلقت من أعماقه زفرة حادة كأنها اللهب، وعَبَرتْ عيناه الجسر الفاصل، بين مزرعته مترامية الأطراف وبين مزرعة حقيرة مجاورة، وفي هدوء شديد أشارت سبابته هناك، إلى شجرة عجفاء، محملة بثمار نصف ناضجة، وهو يقول:
تلك البرتقالات تشتهيها !نفسي!