حسنا فعل إخوتنا المصريون الأقباط المسيحيون بإعلانهم عن البدء في تأسيس جماعة الإخوان المسيحيين لتمثل ردا عمليا على جماعة الإخوان المسلمين التي وصلتْ لأعلى نقطة في السلطة ، رغم أنها جماعة لا تخضع لأي قانون ، و لا تندرج تحت أي نظام رسمي علني ، و لا يعرف أحد في الدولة المصرية بشكل رسمي يمكن الإعلان عنه : كم يبلغ عدد أعضائها ؟ و كم يبلغ حجم ميزانيتها ؟ ومن أين تأتي مواردها تحديدا و أين تنفق ؟ كما لا يعرف أحد بشكل علني شفاف مفتوح شيئا عن العلاقة بين الإخوان المسلمين داخل مصر والإخوان المسلمين خارج مصر ؟ ومدى التأثير والتأثر بين إخوان الداخل وإخوان الخارج ؛ كما أننا لا نعرف شيئا عن سلطة اتخاذ القرار هل هي لإخوان مصر أم للإخوان خارج مصر ؟ و لمن القيادة اليوم ؟ هل هي لإخوان مصر أم لإخوان أمريكا أم لإخوان غزة أم لإخوان فرنسا أم لإخوان الخليج أم لإخوان إيران ؟ أم لإخوان موسكو ؟ طبعا " المسلمين " في كل تلك العواصم والبلدان والأقاليم ؟ فقديما قالوا: " وبضدها تتميز الأشياء " وأنا هنا لا أفترض أن الإخوان المسيحيين سيكونون ضدا للإخوان المسلمين ، و إنما أرى أنهم سيمثلون علامة موازية ونقطة مضيئة ! فالإخوان المسلمون - حقيقة – لا يقيمون اعتبارا لمخاوف قطاعات كبيرة من الشعب المصري بسبب وصول تنظيم دولي سري لحكم دولة كبيرة بحجم مصر ؛ كما أنهم لا يقيمون اعتبارا و لا وزنا لأسئلة الشعب المصري المتعلقة بحجم أموال الجماعة ومصادرها وربما يرون أنه لا يحق لأحد سواهم التدخل في مثل هذه الأمور ويعتبرون من يسأل في ذلك متدخلا فيما لا يعنيه ! فهم حين يرون صورة موازية لجماعتهم فربما يفهمون الخطورة الحقيقية لوجود جماعة سرية دولية في مصر ويدركون الكارثة المحتملة لوصول هذه الجماعة إلى السلطة.
لنفترض أن جماعة الإخوان المسيحيين كبرتْ و" ترعرعتْ " وقبلتْ إخوانا مسيحيين من أمريكا وفرنسا وايطاليا واليابان والصين وكوريا وسوريا وروسيا والمغرب وجنوب إفريقيا وتوطدتْ العلاقات بين الإخوان المسيحيين في كل هذه البلاد والأقاليم فهل من حق هذه الجماعة أنْ تبحثَ عن مكان لها في السلطة و هل من حقها أن تحكم مصر إذا أُتيحتْ لها الفرصة وتوفرتْ لها القوة والغلبة ؟هل يرضى الإخوان المسلمون بذلك ؟ إذا رضوا فإننا نكون بإزاء حالة جديدة تسقط فيها الحدود وتموت فيها مفاهيم الدولة الوطنية وتُقْبر فيها مؤسسات الأمن القومي والأجهزة الخاصة بالحفاظ على أسرار وخصوصيات وهويات هذه الدولة .
و إذا رفض الإخوانُ المسلمون وصولَ الإخوان المسيحيين لحكم مصر ففي هذه الحالة يحل لنا أن نسأل : كيف تحرمون على غيركم ما تحللونه لأنفسكم ؟ و على أي أساس تم هذا الرفض ؟ و أنا لستُ مع رفض عدد كبير من المفكرين الوطنيين المخلصين مثل " كمال زاخر " وجورج إسحاق لفكرة الإخوان المسيحيين لأنهم يعتبرونها " إسفينا " جديدا لزيادة شق الصف الوطني المشقوق أساسا ، لأنني أعتبرها " كشاف نور" يضيء لنا الوجه الآخر من اللعبة السياسية المعاصرة .
لقد اتفقنا جميعا على عدم جواز تأسيس أحزاب على أساس ديني ، وينكر الإخوان أنّ حزب الحرية والعدالة حزب ديني كما ينكر السلفيون أنّ حزب النور حزب ديني أيضا ! فهل يرضى هؤلاء أنْ يقوم الإخوان المسيحيون بتأسيس " حزب مدني ذي مرجعية مسيحية " تماما مثل وجود حزبي الحرية والعدالة والنور ؟ فهذان الحزبان بناء على رؤية أصحابهما يُعتبران حزبين مدنيين بمرجعية إسلامية .
إنني أدعو الإخوة المسيحيين و أدعو كل المؤمنين بمدنية الدولة ووجوب تساوي المواطنين فيها للمساهمة في إنشاء حزب مدني ذي مرجعية مسيحية حتى نرى ما هو موقف الإخوان المسلمين والجماعة السلفية في مصر من هذا الحزب المدني الجديد .
محمود الأزهري