إتحاد كتاب المغرب ورهانات مؤتمره الثامن عشر

محمد بلمو

ما ينتظر الاتحاد من تحديات تجعله أمام طريقين لا ثالث لهما: التغيير لضمان الفاعلية والحضور المؤثر أو المحافظة التي لن تدفعه إلا نحو الهامشية واللاجدوى.

لقد كان الاتحاد رائدا وطليعيا في تطارح العديد من الأسئلة والإشكاليات الفكرية والثقافية التي تهم المجتمع المغربي في الصميم، وهو بالتالي لا يمكن أن يضمن استمراريته وحضوره وتأثيره، ما لم يحافظ على موقعه الطليعي المبادِر. في هذا السياق لم يفت الوقت بعد للقيام بثورة داخلية تنسجم مع التحولات العميقة التي يعرفها مجتمعنا في محيطه الإقليمي والدولي الهادر. فإذا كانت الدولة بنزوعها الغريزي نحو المحافظة قد اضطرت إلى القيام بتغيير الدستور، فإن اتحاد كتاب المغرب أولى بالانكباب على قوانينه تغييرا وتجويدا بما ينسجم مع تلك المتغيرات وما يحقق تطلعاته التي صادقت عليها مؤتمراته السابقة. في هذا الإطار أعتقد أن الكثير من فصول القانون الأساسي والقانون الداخلي للاتحاد تستوجب التغيير والتعديل.

لقد كان الاتحاد سباقا لاعتناق مبادئ الديموقراطية وقيم الحرية والعدالة، لذلك لم يعد مقبولا استمرار أساليب متجاوزة في انتخاب أجهزته، وأصبح من الضروري التخلص نهائيا من العرف الستاليني المعروف ب "لجنة الترشيحات" التي تتناقض مع قيم الديموقراطية وأساليبها في الحكامة الجيدة. ولأن الاتحاد يعكس التعدد والتنوع الفكري والسياسي الحي في المجتمع المغربي، فإن ترجمة هذا التعدد على مستوى الممارسة يتطلب أختيار أسلوب مناسب في انتخاب الأجهزة، وفي اعتقادي المتواضع فإن ذلك يتطلب أن يكون الترشيح من خلال لوائح تكرس تلك التعددية وتتبنى برامج انتخابية واضحة تتقدم بها أمام أعضاء الاتحاد خلال مؤتمراته للتنافس الشريف من أجل نيل أغلبية الأصوات وقيادة الاتحاد بناء على تعاقد برنامجي واضح، على أن يضمن القانون الأساسي للأقليات حقوقها داخل الاتحاد من أجل ضمان وحدته وقوته وديمقراطيته ونجاعته.

ومن تحصيل الحاصل القول بأن تراجع عمل الفروع يعود في جانب منه إلى المركزية الطاغية في الاتحاد مما يشل عمل الفروع ويجعل نشاطها مرهونا بوصاية المركز الذي لا يساهم ماديا في عملها إلا بمبالغ هزيلة. هذا الواقع يجعل العديد من أعضاء الاتحاد النشطين يفضلون تأسيس جمعيات ثقافية محلية عوض تحمل المسؤولية في فروع تبقى مرهونة ومكبلة بالبيروقراطية المركزية للاتحاد. لذلك لا مناص من بلورة وضع قانوني للفروع يحررها من البيروقراطية المركزية ويمنحها وضعا يتماشى مع واقع الحال الذي ينزع نحو جهوية متقدمة ويؤسس لثقافة القرب، لأن منح نوع من الاستقلال للفروع في التسيير والإدارة سيطلق العنان للطاقات الخلاقة وسيساهم في توسيع خريطة الاتحاد عوض تقليصها، كما سيضاعف من حضوره وتأثيره.

كان الاتحاد أيضا سباقا للخوض في قضية التعدد اللغوي والثقافي ببلادنا، حيث راكم الكثير من الدراسات والأفكار بهذا الخصوص، تجعله الأكثر أهلية لترجمة ترسيم اللغة والثقافة الأمازيغية في الدستور الجديد على أرض الواقع. لذلك لابد أن يعطي الاتحاد دفعة نوعية لرفع الغبن والحيف عن هذا الرافد اللغوي والثقافي الأصيل، من خلال تنزيل ذلك الترسيم في انشغالاته وبرامجه بشكل فعال وطليعي، ونفس المجهود يجب أن يبدل لتكريس حضور عادل وقوي للمرأة في أجهزة الاتحاد. 

لقد سجل الاتحاد حضورا ثانويا في الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، لا يترجم رمزيته ووزنه، لذلك لابد من إعادة النظر في عمل الاتحاد داخل الائتلاف في اتجاه حضور وازن ومؤثر على مستوى الأجهزة والبرامج، حتى لا يختزل هذا الأخير الثقافة في الفنون وحدها.

أثارت المؤتمرات السابقة الأخيرة ووثائق الاتحاد ما أطلق عليه ب "الوضع الاعتباري" للكاتب، لكن على المستوى العملي لا زال الكاتب المغربي بدون اعتبار، وعبر التاريخ المعاصر عانى ويعاني العديد من المبدعين المغاربة من محن الفقر والمرض والبطالة.. فضلا عن تقييد حرياتهم، لذلك على الاتحاد أن يبدع صيغا تجعله يقوم بدور نقابي في الدفاع عن حقوق ومصالح الكتاب المغاربة، وانتشال الكثيرين منهم من واقع الفاقة والبؤس والحرمان والمرض وحتى التشرد أحيانا، وذلك من أجل ضمان حياة كريمة لهم إسوة بباقي المواطنين، وفي أفق تفعيل حقيقي للوضع الاعتباري للكاتب المغربي.