"العمارة في قلب الشاعر"

مصطفى المرباطي

أقامت مبادرة "درايش" أمسية "العمارة في قلب الشاعر" مساء أمس (الاثنين) التي جمعت بين الدكتور أحمد الجودر أستاذ العمارة بجامعة البحرين والشاعر البحريني المعروف علي الشرقاوي بالجناح الخاص بمهرجان "تاء الشباب" في مجمع السيف التجاري.

بدأت الأمسية بطرح مديرة الجلسة التساؤل حول الأثر الكبير التي تتركه العمارة في الشاعر وبالأخص العمارة القديمة أوضح خلالها الأستاذ علي الشرقاوي بأن الشعر أصله هندسة، حيث كلمة بيت تشير إلى بناء معماري وبناء الشعر يكون على أساس هندسي يبين مواطن الهبوط والعلو مشيراً إلى "الزهرية" التي تتكون من سبع أبيات ومشبهاً إياها بالبيت الذي يحتوي على ثلاث غرف علوية وأخرى سفلية مع وجود قفل لها في النهاية.

في حين أشار الدكتور أحمد الجودر بأن العمارة قديماً وضعت الكثير من القيم والحقوق في عين الاعتبار، إلى درجة عدم تعرض الجيران على بعضهم البعض من خلال سد الطريق أو استخدام أي طريق يسلب حقوق المارة والجيرة، مؤكداً بأن العمارة العربية ليست عشوائية كما يصفها الغرب، بل هي نظام فوضوي مستمد من الحضارة السومرية وبابل وحتى الإغريقيين، مضيفاً بأن ما تتميز به العمارة قديماً بما يسمى "الحوش" كان يعطي دلالة على الانفتاح والتقرب من رب العالمين، بالإضافة إلى إعطاء الخصوصية للبنات ومساحة وقدر من الحرية.

وفي رده على فقدان الأواصر الاجتماعية في "الفرجان"، أوضح الشرقاوي بأن بالرجوع إلى أصل كلمة "فريج" نجد أنها تعطي دلالة للفرج والمساحة والعلاقة الطيبة الإنسانية، حيث كان سكان الحي على علاقة وطيدة ببعضهم البعض، منوهاً بأن الدور يقع على الشباب الآن في إحياء العلاقات هذه، إذ لم يتسنى لمن هم في هذا الوقت معايشة هذا الوضع الاستثنائي الفريد بالتزاور والمعايدة ومساعدات الزواج وتبادل الأطباق والبيوت المفتوحة صباحاً للنساء وليلاً للرجال.

من جانبه أضاف الجودر بأن الإطار العام للمدن في البحرين هو الذي يعكس مدى التلاحم الاجتماعي في الواقع التراثي القديم، ضارباً المثل بالمساحات المفتوحة "البراحة" التي تجمع الصبية بالبنات الذين قد يشكلون في المستقبل أسرة واحد مكونين علاقات مصاهرة ونسب قوي قد يؤدي حتى إلى فتح البيوت على بعضها من الداخل.

وألقى الشرقاوي جزءاً من قصيدة "ريحة الديرة" بعد طلب مديرة الجلسة منه بإلقاء قصائداً متعلقة بالأبنية والعمارة القديمة، تطرق فيها إلى المفردات المعمارية التراثية مفيداً بأن استخدامها قد يخفف الحنين والشوق إلى الزمان القديم.

وتحدث الجودر عن فكرة استغلال الأراضي سابقاً بأنها ليست بنزعة التملك أو الإساءة للغير، فنجد في السابق نفس المساحة الآن التي تحتوي على خمس فلل قد تحتوي على أكثر من 10 بيوت، مشيراً بأن هذه الظاهرة تؤثر على الحركة الاقتصادية للأراضي، ومؤكداً بأن هنالك حكمة في السابق من تملك الأراضي بدافع الاستصلاح لزراعتها أو إعادة إحياءها وأنه بمجرد هجرانها يتم بيعها.

في حينه أسهب الشرقاوي في الحديث عن "قهوة بوضاحي" التي وصفها بأهم المقاهي الموجودة في ذلك الزمان لأنها تجمع بين الجميع من حيث الموقع، ويعتبرها رمز الارتباط بين الماضي والحاضر، والمرحلة والمرحلة، والأمس واليوم، ومتحدثاً عن موقعها التاريخي في جميع الأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت بها البحرين وأنه شخصياً استفاد من وجودها قديماً في كتابة قصيدته المشهورة "قهوة بوضاحي".

وبالرجوع إلى موضوع الأواصر الاجتماعية والحياة في الحي الواحد، أشار الجودر بأن النسيج العمراني لمنطقة المحرق كمثال يعطي سكانها شعور الأخوة، فالبيوت ترتفع إلى الأعلى وتربط مع بعضها البعض بين الأخوان، وفي بعض الأحيان قد يجعل القدامى في ملكهم الخاص طريقاً للمارة على أن يبني الجزء العلوي من الطريق مستفيداً من البناء وإعطاء الجيران وأبناء الحي حقهم ومساحة تسهيلية خدمية باستخدام الطرق.

ونوه الشرقاوي بأن العلاقات والأحياء القديمة يعتبرها جزء من ذاته، فأي بناء يهدم يعتبر هدم للقديم وللتاريخ وللارتباط، وتحدث عن بيت الفاضل الذي سمي "الفريج" باسمه وبيت فاروق الذي كان فندقاً واشتراه أحدهم وحوله إلى ملك خاص، طارحاً تساؤلاً حول أهمية الحديثة في غياب القيم والمعالم التراثية؟!.

وفي ختام الأمسية قدم كلاً من الضيفين نصائحهما للشباب منوهين على ضرورة النهوض بالحاضر عن طريق الرجوع إلى الماضي قليلاً للتعرف عليه وليس تقديسه، وكرم القائمون على الفعالية الدكتور أحمد الجودر والشاعر علي الشرقاوي على مشاركتهما في هذه الأمسية.

وفي رد حول سؤال اللجنة الإعلامية بالمهرجان عن المشاريع التي تهتم بالطراز القديم والتقليدي، أجاب الدكتور أحمد الجودر بأن سبب تراجع الروح والمعنى للبيوت الحديثة-القديمة هو القائمين عليها وأكثرهم من الأجانب الغير مطلعين على تاريخ المكان والأرض، بالإضافة إلى الحاجة لمواكبة التطور العمراني ودفع السوق إلى مواد جديدة تحتم على المعماريين استخدامها.

من جانبه، أكد الشاعر علي الشرقاوي بأن التجارب الشعرية مثل "حزاوي الدار" و"فرجان لوّل" و"البيت العود" التي تتطرق للرموز المعمارية القديمة مثل "المعرش" و"البرستيه" تفتقد للإنتاج، فلا يمكن طرح قضايا الأولين من سكان "الفرجان" من دون وجود رمزية لمكان ما وإن غياب الشعراء الذي عاشوا المرحلتين في حد وصفه زاد من ندرة هذه القصائد.