يتميّز الإنسان عن سائر المخلوقات بكونه عاقلاً يمنطق الأمور ويحلّلها، وبقدرته على التّواصل مع الآخر بلغته الكلاميّة. وللتّواصل طرق عدّة منها الكلام المباشر، الّذي اصطلح تسميته بالحوار. فالحوار هو إحدى الطّرق الّتي تساهم في أن يصل المتحاورون إلى هدف محدّد من خلال عرض الأفكار ومناقشتها وبلورتها وإثبات الصّواب والوصول إلى الحقيقة.
الحوار فنّ له أصول وأسس يعتمد عليها المتحاورون كي يأتي حوارهم راقياً ومفيداً ومعبّراً عن إنسانيّتهم. فليس كلّ حديث بين شخصين يعرّف بالحوار، ولا يمتلك كلّ شخص هذه المهارة.
للحوار أدبيّات وأساليب محدّدة يتمرّس عليها الإنسان منذ صغره، كي يتمكّن لاحقاً من التّعبير عن أفكاره بما يدلّ على شخصه وسلوكه، وقلّما نجد في مجتمعاتنا أشخاصاً يتقنون فنّ الحوار. فما زال التّعامل بين الأفراد أقرب إلى العاطفيّة والانحيازيّة، وعدم احترام الرّأي المخالف، واعتبار الاختلاف في الآراء أو في وجهات النّظر أمراً يمس الكرامة الإنسانيّة. ولكي تتقدّم مجتمعاتنا وتتطوّر وتصل إلى مستوى الرّقيّ الإنسانيّ، عليها أن تتمرّس على الحوار، اللّغة الإنسانيّة الّتي تسهم في بناء الإنسان وارتقائه.
وهذا التّمرّس لا يأتي من العدم، ولا يولد الإنسان محاوراً، وإنّما يربّى ويدرّب عليه، وبالتّالي فكلّ العناصر التّربويّة المحيطة بالإنسان، من عائلة وتعليم ديني ووسائل إعلاميّة وبرامج ثقافيّة وغيرها تؤدّي دوراً أساسيّاً في تلقين هذه اللّغة الملكة التّواصليّة وصقلها، دون إهمال جهد الفرد الشّخصيّ في تثقيف الذّات.
دور العائلة في التّمرّس على الحوار:
العائلة، المكان الأوّل الّذي ينمو فيه الإنسان ويكتسب منه القيم والفضائل، ويرتبط سلوكه البيتيّ بسلوكه الاجتماعي.
غالباً ما نربّي أولادنا على الطّاعة العمياء، دون الأخذ بعين الاعتبار آراءهم وتطلّعاتهم، حتّى وإن كانت بسيطة. ونفرض عليهم آراءنا دون محاورتهم والإصغاء لآرائهم، فينفّذون رغباتنا رغماً عنهم. وما إن يستقلوا عنّا حتّى يبدأ الصّراع بيننا وبينهم. ذلك لأنّهم تعلّموا أن ينفّذوا دون أن يناقشوا أو يفهموا ما هم مطالبون به. كما نرفض طلباتهم المحقّة أحياناً دون تبرير الرّفض، فيشعر الطّفل بالقمع وعدم القدرة على التّعبير عنه، إلّا بتصرّفات طفوليّة تثير غيظ الأهل. بالإضافة إلى أنّنا لا نصغي إليهم باعتبار أنّ ما يقولونه غير مهمّ أو أنّنا لا نملك الوقت الكافي لنصغي إلى ما يودّون التّعبير عنه. وبذلك نبني إنساناً يفتقد للقدرة على الإصغاء، ضيّق الأفق، ولا يبحث إلّا عن إثبات ذاته من خلال فرض آرائه سواء أكانت صائبة أم خاطئة.
والطّريقة الفضلى لتعليم الأبناء فنّ الحوار وآدابه هي الصّورة الّتي يعكسها الوالدان، فبتحاورهما، ينقلان إليهم تلك اللّغة النّبيلة والإنسانيّة الّتي تنفي كلّ فرض للرأي، أو استفراد بالقرار. وبالتّالي تنتفي لغة القمع والتّسلّط، لتظهر لغة سلسة بينهما يناقشان من خلالها شتّى الأمور العائليّة والاجتماعيّة. وتنتقل هذه اللّغة تلقائيّاً إلى الأبناء، من خلال محاورتهم ومناقشة أفكارهم والأخذ بآرائهم، حتّى في أبسط الأمور. وهنا يتنشّأ الإنسان على لغة الحوار، واحترام قيمته الذّاتيّة، وبالتّالي احترام قيمة الآخر.
للعائلة دور أساسيّ في بناء شخصيّة الإنسان المتّزنة والقادرة على تقبّل الآخر واحترامه، ففي قلب العائلة يحيا الإنسان تجربته الأولى في قبول الاختلاف والتّنوّع الفكري، كما يتعرّف على ذاته كقيمة فرديّة ومتفرّدة.
دور التّعليم الدّيني في تعزيز لغة الحوار:
إذا كان الدّور الأوّل في بناء شخصيّة الإنسان المتّزنة يعود للعائلة، فدور الدّين لا يقلّ أهمّيّة عنها. وإن كان للأهل دور كبير في التّنشئة الدّينيّة، فإنّ هذه المسؤوليّة ملقاة على عاتق المؤسّسات الدّينيّة، الموكلة بنشر الفكر الدّيني.
لا يقتصر التّعليم الدّيني على قراءة آيات مقدّسة وحفظها وحسب، وإنّما يعتمد بشكل أساس على تربية الشّخصيّة الإنسانيّة بكل أبعادها، الفكريّة والثّقافيّة والنّفسيّة والرّوحيّة. ولمّا كانت الأديان مبنيّة على المحبّة والانفتاح، وجب بثّ روح المحبّة في قلب الإنسان، لينفتح على الآخر. فلا يكون التّعليم الدّينيّ مجرّد تلقين عنصريّ وإنّما سلوكٌ حرٌّ ينفتح من خلاله الفرد على الآخر ويتقبّله كما هو. كما لا يتّفق التّبشير بالمحبّة بين الجماعة الواحدة، بل يجب أن تنتقل إلى الآخر. فالمحبّة تفاعل مطلق وشامل، ولا تقتصر على أشخاص معيّنين. ولا تترجم معناها الحقيقيّ في الجماعة الواحدة الّتي تؤمن بنفس العقائد وتتبنّى المفاهيم عينها، بل عندما تتقبّل هذه الجماعة مفاهيم الآخر وتحترمها وتناقشها دون الاقتناع بها.
كما تؤثّر الحوارات الدّينية على الفكر الإنسانيّ وتركيبته النّفسيّة. فهذه الحوارات الكثيرة بأغلبها لا تظهر سوى المزيد من العنصريّة والانغلاق، إذ إنّها تتحوّل إلى جدالات وسجالات، تستفزّ الغرائز وتثيرها، وتعمّق الحقد والكراهية بين الأفراد. ويجتهد كلّ طرف منها في إثبات دينه الحقّ، ويعزل نفسه عن الآخر ويعتبره خارجاً عنه. ناهيك عن التّراشق بالاتّهامات، والحروب الكلاميّة الّتي ترمي بالرّسالة الدينيّة السّامية في هاوية الجهل. ولا يخلو أيّ دين على مستوى الأشخاص من الأخطاء، فالإنسان أيّاً كانت عقيدته، يخضع للضّعف البشريّ، وبالتّالي لا يجوز لأحد أن يزايد على أحد. وهذه الأخطاء نتجت عن الافتقاد للحوار والانفتاح والمحبّة. كما تمّ الاستخفاف بروحانيّة الدّين واستُخدم الحرف سلاحاً لشنّ أفظع الحروب وفرض السّلطة الدّينيّة واستعباد النّاس باسم الله.
المحبّة وحدها سيّدة كلّ دين، والمبدأ الأصيل لكلّ حوار، وهي واحدة وإن تعدّدت السّبل إليها.
دور وسائل الإعلام:
إنّ الوسائل الإعلاميّة ببرامجها الثّقافيّة والسّياسية، تساهم إلى حدّ بعيد في نقل المشهد الحضاري الإنسانيّ. إذ إنّها وباختيارها لبرامجها الحواريّة إنْ على مستوى الدّين أو السّياسة، أو الاجتماع، ترتفع بالمستوى الإنسانيّ إلى رقيّه، أو تنحدر به إلى مستوى الحيوانيّة والغرائزيّة.
ولعلّ البرامج الحواريّة السّياسية تقوم بالدّور الأبرز في استثارة ميول الإنسان العنصريّة وتعزيزها، من خلال اختيارها للمتحاورين. فنشاهد اقتتالاً مستميتاً فارغاً من الأهداف والنّتائج الإيجابيّة، معزّزاً بالكلمات النّابية أحياناً، والسّلوك غير اللّائق، والّذي إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على الانحدار في المستوى الأخلاقيّ والثّقافي. وهذا المستوى ينتقل إلى المشاهد ويؤثّر فيه، في حال لم يكن متمرّساً على الحوار كلغة إنسانيّة، وبدوره يتمثّل بالسّادة المتحاورين ويسلك منهجهم، خاصّة إذا كان منحازاً لأحد الأطراف السّياسيّة المتنازعة.
وقد يلذّ لمدير الحوار أن يترك المتحاورين على سجيّتهم أم أنّه يختار بعناية الأسئلة المستفزّة لخلق جوّ متوتّر بين الطّرفين. وكأنّ هذا الأسلوب يجذب العديد من المشاهدين فترتفع نسبة المشاهدة، وبالتّالي المساهمات الإعلانيّة.
البرامج السّياسيّة المحترمة قليلة جدّاً وتكاد لا تتخطّى عدد أصابع اليد الواحدة، وفي الوقت عينه نرى أنّ نسبة مشاهدتها عالية، وهذا يعني أنّ المشاهد يطيب له أن يستمع إلى ما يسمّونه حواراً في حين أنّه ثرثرات مقيتة لا أكثر ولا أقل.
"تكلّم حتّى أراك"، يقول سقراط. وهذه العبارة فلسفة بحدّ ذاتها، تبيّن أنّ الكلام الّذي يستخدمه الإنسان هو انعكاس لشخصيّته الإنسانيّة، وكلّما ارتقى بكلمته أظهر سلوكاً حضارياًّ رفيعاً. والكلمة الرّاقية تنبع من عقل تمرّس على التّفكير السّليم والتّحليل المنطقيّ والموضوعيّ، ومن قلب تمتلكه المحبّة المتفهّمة والمدركة للأعماق الإنسانيّة. من هنا يعتمد الحوار على ثلاث نقاط أساسيّة: العقل، والقلب والكلمة، الّتي تكوّن فنّ الحوار وآدابه.
عشر نقاط لحوار راقٍ وحضاريّ:
- النّقطة الأولى: ليس هدف الحوار الإقناع.
قد نصل بالحوار إلى نتيجة نقنع بها الطّرف الآخر بآرائنا وتطلّعاتنا من خلال الحجج والبراهين، إلّا أنّه لا يجوز الدّخول في حوار بذهنيّة الإقناع. فإن دخلنا بهذه الذّهنيّة، سوف نبتعد تلقائيّاً عن مناقشة الأفكار وبلورتها، بحيث يكون التّركيز الأساس على فرض الصّواب من وجهة نظرنا على الطّرف الآخر. لكلّ منّا قناعاته ولا بدّ أنّنا لسنا دائماً جاهزين لتغييرها، ولكن يبقى أن نترك للآخر حرّيّة التّعبير عن قناعاته أيّاً كانت، واحترام تمسّكه بها، دون الإيحاء له بأنّه على خطأ لمجرّد أنّه يختلف عنّا فكريّاً أو ثقافيّاً أو حتّى دينيّاً.
هدف الحوار أوّلاً عرض الأفكار للتّعرّف على ثقافة الطّرف المحاور ومن ثمّ مناقشته فيها.
- النّقطة الثّانية: الإصغاء.
الإصغاء، هو الرّكن الأهمّ في الحوار، إذ إنّه يتيح لكلا الطّرفين، أن يعبّرا عن نفسيهما باتّزان، فتأتي الأفكار متتابعة وواضحة، ولا ينتقل الطّرفان من فكرة إلى أخرى بشكل عشوائيّ.
يجب على كلّ طرف أن يصغي للآخر حتى ينتهي من عرض رأيه، ليتسنّى له إبداء الملاحظات لاحقاً. والإصغاء معبّر كالكلمة، فهو يؤثّر في الإنسان، ويدلّ على احترام للفكر والرّأي، والحقّ في التّعبير، كما يدلّ على الاهتمام بما يعرضه الطّرف الآخر من أفكار وبالتّالي الاهتمام بشخصه كقيمة إنسانيّة.
الإصغاء يساعد على النّفاذ إلى نفوس الآخرين، ويكسب الإنسان الاحترام، ويعزّز مكانته عندهم.
- النّقطة الثّالثة: فهم الطّرف الآخر كما هو.
من المهمّ جدّاً أثناء الحوار، ومن خلال الإصغاء، أن نفهم رأي الآخر كما يريد أن يوصله لنا، وليس كما نريد أن نعقله. فهو يطرح قناعاته الشّخصيّة وفق تحليله وبعده الفكريّ والمنطقيّ، وبالتّالي استوجب تيقّن مقصده الشّخصيّ لنتمكّن من الردّ عليه. كما لا يتحتّم علينا أن نفكّر بماهيّة الردّ عليه قبل أن ينتهي من طرح أفكاره وذلك لنتيح له فرصة عرض الأفكار بتسلسل وتتابع. من هنا نكوّن فكرة كاملة وواضحة عن رأيه، فنتمكّن لاحقاً من مناقشته والرّد عليه.
فهمُّ الآخر، مرتبط بالإصغاء ارتباطاً جذريّاً، وكلّما امتلكنا مهارة الإصغاء، نفَذنا إلى فكر الآخر وفهمنا مقاصده الشّخصيّة.
- النّقطة الرّابعة: عدم الدّخول بأحكام مسبقة.
يفترض الحوار، عرض الأفكار بين شخصين مختلفين، إن عقائديّاً، أو سياسيّاً أو اجتماعيّاً... وقد يحمل تاريخ كلّ منهما أخطاء عدّة، لذا لا يجوز التّذكير بهذا التّاريخ أثناء الحوار، لأنّنا بذلك نفقده قيمته الأساسيّة، ويتحوّل الكلام تراشقاً بالاتّهامات، ومحاسبة على أمور مرّ عليه الزّمان وتغاضى عنها. واستخدام هذا الأسلوب، أي التّراشق بالاتّهامات، يدلّ على ضعف حجج وأدلّة المتحاورين وافتقادهم للتّحليل والموضوعيّة. إنّ الفكر يواجه بالفكر، ولا تكون المواجهة بالتّذكير بتاريخ بغيض، كما أنّ الفرد لا يتحمّل مسؤولية ما ارتكبه أسلافه من أخطاء.
فالدّخول بأحكام مسبقة يحوّل الحوار إلى حرب حقيقيّة، وبدل أن يرتقي الحوار إلى مستوى الإنسانية، يهوي إلى أسفل الانحطاط ويفجّر الأحقاد والكراهية.
- النّقطة الخامسة: التّحلّي برحابة الصّدر والفكر الواسع الأفق.
أن يتحلّى الإنسان برحابة الصّبر، فهذا يعني أن يتقبّل أي نقد بنّاء بمحبّة واحترام، لأن الإنسان يخضع للنّقص البشريّ، وبالتّالي مهما بلغ من معرفة وإدراك، يبقَ بحاجة إلى آخر يضيف إليه من خبراته النّظريّة والفكريّة، ويتماهى معه. هذا التّماهي الفكري يساهم في بناء الإنسان، وكلّ نقد يخضع للنّقاش والأخذ والرّد. وكلمّا كان الإنسان رحب الصّدر متقبلا للنّقد، أو لتصويب بعض الثّغرات الفكريّة، نما وتطوّر ولامس اكتمال إنسانيّته. أمّا وإن رفض أيّ نقد، فسينغلق على ذاته، مكتفياً بما اكتسبه من خبرات فكرية وشخصيّة، بل سيسجن نفسه في حدود معرفة فقيرة لا تتعدّى نظرته الشّخصيّة.
أمّا أن يمتلك فكراً واسع الأفق، فمعنى هذا أن لا يسمح للنّقد أن يتسرّب إلى عواطفه واحتسابه مساساًّ بالكرامة الشّخصيّة، بل حصره بالعقل، للتّمكن من استيعابه وتحليله وبلورته. فالحوار لا يعتمد على العواطف وإنّما على العقلانيّة، والحجج والبراهين، أمّا إن تأثّر بالعاطفة فلا بدّ أن يضعف الحوار ويتحوّل إلى صراع ونزاع.
- النّقطة السّادسة: الصّدق وعدم المراوغة.
الكلام الصّادق ينبع من ثقة بالرّأي وإيمان عميق به، ولا بدّ للمتحاورين أن يعرضوا أفكارهم بصدق شديد، وجرأة، حتّى وإن أتى الصّدق قاسياً أحياناً. فحقيقة قاسية، أفضل من كذب لطيف. ولا داعي لحوار يدور بين أطراف تودّ استرضاء بعضها البعض لتكسب قناعة ما، أو تربح جولة حواريّة.
- النّقطة السّابعة: "أحترم رأيك".
هي العبارة المثلى للتّعبير عن كلّ الاحترام والتّقدير للرّأي الآخر، واعترافاً بحقّه في الاختلاف، وتأكيداً على إمكانيّة صوابيّة رأيه. كما تعبّر عن التّواضع الإنسانيّ بمعناه الحقيقيّ. والتّواضع هو أن ننظر إلى الآخر كقيمة ولا نعتبره أقلّ أو أرفع منّا.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله : "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". فلا أحد منّا يمتلك الحقيقة الكاملة، ولا يجوز أن يدّعي أنّه يمتلكها، وبالتّالي ومتى اجتمعت تطلّعاتنا وأفكارنا، بلغنا معاً الحقيقة الكاملة.
كما يقول فولتير(Voltaire) : "لا أتّفق معك فيما تقول ولكني سأحارب حتى الموت ليكون لك حقّ قوله". وعندما يبلغ الإنسان هذه القدرة العظيمة على مساندة الآخر في آرائه ومساعدته في الدّفاع عنها، رغم عدم اقتناعه بها، يصل إلى ذروة إنسانيّته، ويستحقّ حرّيّته الإنسانيّة الّتي لا تعيقها الآراء المختلفة، ولا تحجّمها عبوديّة الاستفراد بالرّأي.
- النّقطة الثّامنة: البحث عمّا يجمع وليس عمّا يفرّق.
ما لم يصل المتحاورون، بعد حوار اكتملت معالمه، وتمّ عرض كلّ الأفكار والآراء فيه، إلى نتيجة واحدة، أو لم يقتنع أيّ طرف بوجهة نظر الآخر، فعلى الحوار أن يتوقّف. وكي يخرج المتحاورون بنتائج إيجابيّة، عليهم أن يبحثوا عمّا يجمعهم ويحتفظ كلّ منهم بوجة نظره، أو إيمانه أو اعتقاده. ولا بدّ من وجود ما يجمع، ولعلّه أكثر ممّا يفرّق، فيكفي أنّ الإنسانيّة تجمعهم. فالنّاس أشبه بقطع من الفسيفساء، ما إن التأمت حتّى كوّنت لوحة فريدة.
فالاختلاف ضروريّ في حياتنا وإلّا لغرقت إنسانيّتنا في البؤس والظّلام، وسيطر عليها الجهل.
- النّقطة التّاسعة: المحبّة.
لا يمكن أن نحاور شخصاً، ونمتلك مهارة الحوار، ما لم نحبّ الشّخص لذاته. فالمحبّة تفصل بين شخصه الإنسانيّ، ورأيه المخالف، وبالتّالي يصبر الواحد على الآخر ويتفهّمه، ويحاول جاهداً اختيار الكلمات اللّائقة والمحترمة للتّعبير عن ذاته.
والمحبّة هي التّوازن بين العقل والعاطفة، إذ إنّها تتيح فرصة للعقلانيّة التّحليليّة، وتهتمّ في أن تكون العاطفة باعثاً للتّفهّم. كما تعزّز الرّؤية لاستنباط مقاصد الآخر.
- النّقطة العاشرة: الخلاف لا يفسد للودّ قضيّة.
نخرج من الحوار، كما دخلنا إليه، فالاختلاف بين الأفراد لا يعني التّخاصم أو المعاداة. فيحتفظ كلّ برأيه ووجهة نظره، ولا يمنع من محاولات أخرى في حوارات لاحقة، وإن اقتضى الأمر التّخلّي عن هذه الحوارات والسّعي لبناء أهداف مشتركة تساهم في بناء الإنسانيّة.