كثيرة هي الصولات والجولات في حنايا وثنايا جمهورية "فيسبوك" الشعبية، وأكثرها زخماً وحضوراً عملية سيناء، حيث احتلت عبر شواهدها التحليلية كل أروقة الجمهورية بالدفاع والهجوم والاستنكار والتبرير.
أثناء جلوسي في أحد مقاهي الحوار "المتفسبكة" طرحت سؤالاً عن مدى تأثر العلاقة المصرية الفلسطينية جراء هذه العملية، فانتقلت من حائط الجمهورية العام "Wall" إلى قسم الخصوصية "Chat"، لتدور محادثة بيني وبين الدكتور حذيفة الخطيب، أستاذ الحديث الشريف في جامعة حران التركية، موضحاً لي أن من وجه التهمة إلى غزة ليس الرئيس مرسي، وإنما فلول النظام السابق، والعلاقة بين مصر وغزة تتربع على قاعدة قوية ومتينة، ولن يستطيع أي أحد المساس بتلك القاعدة.
أخذت أتجول في شوارع وساحات حائط الجمهورية لعل وعسى أجد صديقاً أتحدث معه حول الحدود الشائكة لحادثة سيناء، فعلى ما يبدو أن مساحة الفيسبوك أكبر من مساحة كامب ديفيد وقواتها الدولية.
فجأة، وإذ بالكاتب والمحلل السياسي محمد الافرنجي هو الآخر يبحث عني ليقول لي: نحن أحوج لأن تحترم إنسانيتنا، بدلاً من احترام أي اتفاقيات أخرى، سواء كانت مع الاحتلال الإسرائيلي أو غيره، ولكن على ما يبدو ان قضيتنا ستبقى معلقة وسيستمر الجميع بالمد والجزر.
استدار الافرنجي على الجهة اليمنى من الحائط وأخذ ينظر إلى الشعارات وألوان قوس قزح، وهو يقول: لا تنظر إلى القضية إقليمياً، بل انظر إليها من زاوية "من يحكم العالم؟"، حيث لا يستطيع الإخوان أو غيرهم أن يكونوا في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وإلا ستكون المعادلة مشابهة لدولة التدويل والمداولة، ولا تتصور أن ما حدث في سيناء خارج نطاق المؤامرة لضرب أربعة عصافير بحجر واحد.
استدار الافرنجي مرة أخرى على الجهة اليسرى من الحائط "المتفسبك" وقال: العلاقة بين مصر وغزة ستعود إلى الهدوء خلال فترة وجيزة حينما تتضح معالم سريالية المؤامرة، وأعتقد حينها أن الأمر سيكون أفضل مما هو الحال عليه، خصوصاً بعد هدم الأنفاق التي تربط غزة بمصر والتي تستخدم في إدخال كافة احتياجات القطاع من المواد الغذائية، ولن يكون الأمر بعيداً عن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الطرفين.
عدت مرة أخرى إلى القهوة وطلبت "إضافة صديق"، ورُب صدفة خير من ألف ميعاد، الأستاذ عبد القادر الأسود، عضو اتحاد الكتاب العرب، ورئيس اتحاد الكتاب في محافظة ادلب السورية سابقاً، يقبل دعوتي للجلوس معاً على طاولة تتزين بالقهوة والشاي.
وعلى الفور قال لي: دعك من كل المقدمات والخاتمات وأسئلتك الطويلة، فأنا لا أعتقد أن من قام بهذا العمل له أي ارتباط بأبناء غزة هاشم، ولا أستبعد أن يكون هذا الاعتماد من عمل الموساد الإسرائيلي مباشرة أو بالوساطة، ويجب ألا ننسى أنه ما زال لإسرائيل سفارة وعملاء كثر في مصر. أما العلاقة المستقبلية بين غزة ومصر فيجب ألا تتأثر بعوامل التناقض.
وبعد دقائق من جلوسي مع ابن ادلب السورية رأيت شخصاً أنيقاً يسير في شوارع حائط الجمهورية، فدعوته للجلوس معنا فلبّى الدعوة، أخذ يعرف بنفسه: أنا المحامي أشرف الدقامسة من الأردن، أتكلم اللغة العربية والفيسبوكية، وكذلك أعرف سؤالك المنتشر في أروقة أحياء وشوارع وقرى وبلدات ومدن جمهوريتنا.
إذن، أنت تحمل في جعبتك أجوبة على سؤالي. أجاب قائلاً: المتضرر مما حدث هو الشعب العربي الفلسطيني المحاصر، وما يجري إنما هو تأكيد لتثبيت الحصار، وكان الأولى بالحكومة المصرية ضبط النفس، وأن لا تنساق وراء مجموعة مسلحة هدفها إيجاد ذريعة لتشديد الحصار على الفلسطينيين، إلا أن الذي أثر في قرارة نفسي هو تمزيق الكوفية الفلسطينية على يد بعض الغاضبين من الشعب المصري، وكأنهم لا يعرفون أن القضية الفلسطينية ستبقى مركزية للعرب كافة.
لم أكن أتوقع أن يمر الوقت بسرعة ونحن في ضيافة جمهورية الفيسبوك، فالساعة تعادل دقيقة من الزمن ونحن في ضيافتها، الساعة الآن الرابعة عصراً، استأذنت ضيوفي وذهبت أتجول في ربوعها، فالصدفة من مزايا هذا الوطن "المتفسبك" وكأن معالمه تدعوني مرة أخرى إلى حائطه.
الـ"Chat" يلاحقني من جديد، الطالبة سماح شحادة، تدرس العلوم السياسية في جامعة القدس الفلسطينية، أرسلت لي "Message" تقول فيه: العملية واضحة المعالم وظاهرة للعقل، ويراد منها بعثرة الأوراق وخلطها، والمستفيد من ذلك هي إسرائيل.
كذلك لم أكن أتوقع ان يخرج عليَّ قسم الـ"Chat" بأسلوب جغرافي يحاورني بين ممرات فقه الجغرافيا وجدلية الحدود السريالية، الطالب خالد وليد غنيم، يدرس الجغرافيا الإقليمية والسكانية في ذات الجامعة التي تدرس فيها سماح، فقد حاورني بأسلوب جغرافي واضح المقاييس والمعايير، حيث قال: وقوع العملية على الحدود الإقليمية لإسرائيل مع مصر تؤكد أن إسرائيل تسعى إلى صوغ اتفاقيات إقليمية جديدة تضمن لها الاستقرار، لأنها تعاني من عسر هضم في حدودها الإقليمية، ما يلزمها وصفة جغرافية جديدة لضمان أمنها المستقبلي.
أخذت أبحث عن جواز سفري للخروج من جمهورية "فيسبوك" الشعبية، فلم أجده، ولكنني تذكرت أن هذا الوطن "Facebook" لا يحتاج إلى تلك البطاقة للدخول والخروج منه.