يحشد الكاتب السوداني في هذا النص جبال العالم ويحاورها بصيغة الجبل المفرد الرائي الصامت لما يجري في التاريخ الفعلي والأسطوري، فتتخلق من هذا الحوار عوالم تدير بدورها حوارها الدال مع الواقع والتاريخ.

هِجَاءُ الجَّبَل

منصور الصويم

على الجبلِ الصّاعدِ صوب السماء، على الجبلِ متملِّقِ السماء، عليه صوب السماء، تصعدُ متسلِّقاً الشعورَ، رائحة حنّاء، متشبِّثاً بنهدين ضامرين، ممسكاً أسنانَ فولاذ بأسنانِ لبن. شفاه تتدلَّى، أحمرُ لسانٍ، لففْتَهُ بلسانٍ وتسلَّقْتَ الجبلَ صوب سماءٍ كاذبةٍ وأثداء مجدبة. يا أوجاع العشّاق، يا عشّاق الأوجاع، على الجبل ذُبِحَت قلوبٌ ثم قيل اخفقي، تخفق قلوبٌ، تخفق دماءٌ ويخفق وجع. تعالي يا أناي، تعالي من الجبل، على الجبل، تعالى إليَّ من خاصرةِ آلهةِ الـ ق.م إلى خيلِ الـ ج ن ج و ي د، إلى جبَّانات الجبل، مدافنِ السلاطين المجذومين، مدافن سلاطين كساة كعبة، مطاريد ر ز ي ق ا ت... إليَّ تعاااااالي يا أناي، اجذبيني من سُرَّةِ سَرَاباتِ الجبل، دَلِّيني من على ضلالاتِ الجبل إلى جبل، ماء، أمَّا، مرَّ، يا أناي؛ نهود وحيدووووووب، تبتسم يا جبل، ابتسامتك ذرَّات كربون تَحُكُّ غضاريفَ حنجرة؛ اختناق، تبسُّمُك حريق، صفراء أو خضراء أو هي بلا لونٍ اْبتسامتُكَ يا جبل..ابتسامتك، تشكُّلات السُّمِّ الصَّاعدِ بخاراً بِقِمَّتِك؛ اللافح أول السماوات، المتقطِّر رذاذاً أو ضفادعاً سماويةً خضراء ولزجة تتساقط على سفحِك القَشِّيِّ الباكي؛ يا جبل.. اللعنة؛ تزحزحْ واْنْضَفْ إليهم؛ التسع وتسعين، أمراء الجراد، أساطين البندا؛ خصيان الأبو، قارعي نحاس تيراب، إنضفْ إليهم وتسلطنْ، انتزعْ أقدامَكَ الحجريةَ وطَأْ بها خ رت ي ت أبِشِّي أو ت ي ت ل البرقِ الحاطِّ هناك في الحدق؛ تحت الطائرة؛ رذاذ الشلال، حوافر الجواد، تطايُر حصاك الملوَّن، ووهج المعدن، الرصاصات على صدر آخر السلاطين؛ يا جبل... ذهب شيخاتو، أواني فخارك ذات النقوش المسمار، تنانير النحاس؛ عمدان بوّابة الهيروغليفيا، اللوتس عائماً، أقنعة القصدير وشمس رع المنهزم على أصداء صهيل؛ خيلك المسلوبة على مشارف أنفٍ مجدوع، أهرامُك السابحُ تحت ماءٍ رقراق، تماثيلُك المشنوقة بوَهَقِ ونش الحديد ،آ ر ك ل ي يا جبل، كشوفات الفرنسي المصاب بطول النظر؛ شباكا العدالة، سرقات هـ م ب ا ت ة البردي والمسلاَّت عشيقة الرمل، مواطن بائعات المريسة والرجال المرتزقة يمتطون جذوعَ النخل ويطيرون، إلى الأبد؛ يا جبل، مومياءات تنضح بالعرق؛ كتان يتفتَّتُ خيوطاً من وهجِ وامعاءات كهوف عتمة ظلااااااام؛ يا جبل.. يا للحبس يا جبل؛ يا منفى من لم يبع أحدا؛ يا وتد الأرض المائل، غُصْ في جمر قلبك، مُدَّ المعاولَ؛ أصابعَ ديناميت ووطاويط العماء السرمديَّة وسعال الرِّئة المثقوبة بضغط الأكسيد؛ عروقُك الماسِّية وفحم حجرك اليَتَفَتَّت بخاراً وقضبانَ حديد تَهُزُّ التاريخَ المثقوبَ وتنسجُ خرطَ الجغرافيا الغبيَّة. تَمَايَلِ الآنَ وانفلِقْ أخدوداً ليَمُرَّ موسى من جديد ويثقبَ السامريُّ بطنَ الفُلْكِ وينتزعُ روحَ الغريبِ؛ إندَكّ يا جبل حتى ينصعقَ الكليمُ ويخرُّ مؤمناً.. تمايل الآن كي يتجشَّأَ الحوتُ عنبرَهُ، ويحلِّقَ الهدهدُ حزيناً على ساقيّ الملكة. يا جبلَ الأطيارِ الإلهيَّةِ انحَتْ آلهتَكَ الحَجَرَّمْلِيَّةَ وشكَّل من حديدِك الصدئ فأسَ مأتمهم الأخير، رتِّب درجك المثلومَ ووَسِّدْ عليه النبوَّةَ حتى تتقافز خرافُكَ الشهيدةُ جَذْلَى بمطاردة فَرَاشَات الجِّنان؛ يا جبل: سااااااااااارية، يا جبل على خاصرتك تنمضغ أكباد؛ تنهزم ملائكة ويتمدَّدُ شيطان، على سفحك الرملي تنغرس رماح وتتكسَّر سهام فمُدَّ الدِّرْعَ يا جبل؛ درعَكَ الثلجيَّ المطهَّمَ بنيرانِ كسرى وياقوتاتِ قيصر القتيل. يا جبل؛ بأحشائك النَّارُ فَقَلِّبْ وَدَّانَ الكَوْنِيِّ على جمرِها وقَدِّمْه عشاءً لنيامِ كهفك الجوعى، سُرَاةِ الدنانير الآبِقَةِ وحُرَّاسِ الأزل. يا جبل، رِيقُكَ عسلُ المليكات السماوية، عَرَقُكَ ترياقُ المفاصل الذائبة ورِيحُكَ عِطْرُ فردوسٍ فَضُمَّ ديانا ولا تبعث ديدانَ أديمك الدَّبِقِ ولا ثعابينَ نارك الأبدية ولا كنيفَك الفائر؛ ضُمَّها فقط.. يا جبل؛ من تحت نظَّارتك السوداء تمر البيارق، ماءٌ رقراقٌ وبوقٌ داوٍ. حَدِّقْ؛ حديدُك والماءُ ودخان فحمك ملوَّثٌ الطيور؛ من تحت نظارتك تتنادى التقنية وتقول بُم، يَنْزَوِي تاريخٌ؛ حراب؛ فروة جَدِّي ومسبحة هجليلج، تُبَلِّلُ سفحَكَ العشبيَّ دماءٌ يا جبل وتلثُم قِمَّتَكَ أرواحٌ مرقَّعة؛ قربان أضاحيك من الرجال الذاكرة والرجال اللاذاكرة.. يا جبل؛ بغال سندباد تمضغ جقجق الواق الواق، محمَّلةً ببيوض الرُّخِّ وفردة حذاء، تضرب بحدواتها بازلت المنحدرات، تتشمَّم بارود الملامسة، تبتسم وتمضي في دروب قولونك المصاب بتقرُّحات العَرَقِي وحَرْجَلِ الغازات، صوب مغارتك السمسميَّة يا جبل؛ المزدانةِ برسومات إنسان جاوا وأعناب بابل وزبرجد علاء الدين، تتوهج أبداً بكهرمانات الأميرة وتهمس للبابا تعااااااااااااال. لكن يا جبل.. زقزقة أبو منقور، رجال ميدوسا الحجريون، صفقات إوَزِّ الشلاَّل، لفتات وعول ساورا وقفزات بطاريق الشمال، أبَلاَنْچَات تمرح؛ تلوَّح بمؤخراتها الحمراء؛ تتواثب من صخرة إلى صخرة، أرياش وغلايين هنود مندثرين، كهف الماموس وأرانب المنحدرات، جنيَّات كُوْنْچِي مُوْنْچِي عارياتٌ على ذروة الغمام يضاجعن سيبرنطيقات مهجَّنة، بَعَاشِيمُ برلي ومَرَافْعِينُ طور الحكيمة؛ ميناتور مستلذَّاً يحدِّق بصورته المتراعشة على سطح بحيرة نرسيس الخالدة، أبو شوك منتشياً ينشر أشواكه تحت رذاذ الشلال، رهبان حفاة ماضون صوب ابتسامة من حجر، أسماك البخار يا جبل؛ نصفك العائم تحت اللاشعور، أنين سفروك يلامس سكاكات بُقس سِقرا الأملس، نسور دائرة في فراغ الغمام، رماد فينيق يتخلَّق فينيقا. لكن ثمة الأسماء يا جبل؛ أسماؤك:

طَرَنْطُونقا، زاغروس، كيلو بابا، هملايا، أوَيْتلا، تبت، أرارات، حيدوب، البامير، أدونيب، سانت كاترينا، توتيل، أورال، دُود، أناضول، نوبة، داير، ألب، تاكا، فوتا جالون، مناصرة، كلمنجارو، كافا، أُحُد، كرري، قسيون، كونچي مونچي، دراكنزبيرج، الطبيق، ِسقرا، دينار، عسير، بلقان، شوك، طورية، الطور، أنقسنا، أحمر، منيطرة، سي، كردوس، وكلو، مقطم، جودي، الشابك، سوتيريبات، الأخضر، نيوانغلند، اور، الخليل، مرخيات، هازار، فانقوقا، أفرست، قفا، غرامپيان، الهم، الكاورا، طارق، عجلون، مكران، جلجلة، بيوت، جبلين، بيهور، تٌلشي، عرفات، أبلاش، أكروم، موية، الفاو، أفرست، ألب، فيچي، ملح، سنجار، أماتونج، أرجاك، بروس، تبستي، أب كركدول، كمرون، مناصرة، عوينات، كجور، أذربيجان، لادو، فرويد، ، قطن، الكارپات، قفقاس، بوما، ، لادو، بررررركل، وهَلُمَّ جَبَلاً يا جبل.