يلتقط الكاتب المصري حالات تتأرجح بين الحلم والتأمل ويصبها في قالب شعري - سردي يكتظ بالأسئلة ويشير إلى ثقل هذا العالم وحلم الإنسان بأن يصبح ظل وردة.

هامشٌ من كتابِ الصّحراء

سالم أبو شبانة

أمثولةُ الراعي
لا أقولُ أدركتُ شيئاً، ولم يَعلَقْ بيميني من متاعِها شيء. فأنا رجلٌ بلا ماضٍ، ولا دمٍ يراقُ أمامي. وحدي أهشُّ قطيعي. فيا حياةُ ما عليّ لو رشفتُ رشفةً؛ فكأسي فارغةٌ، وأنا وحيدٌ، أرتجفُ خوفاً وحزناً. أفصّدُ دمي على الورقِ؛ لترقصي على إيقاعِي الناحلِ.. وما أدركتُ شيئا.

 

ظلُّ الوردةِ
قالت: لا تمشِ في الأرضِ صخبا؛ وكنْ ظلَّ وردةٍ.. أقومُ، وأكبو؛ أتلمّسُ موضعَ قدميّ في الظّلامِ الصاخبِ. لا حولَ لي ولا قوةَ؛ أصابعي تخمشُ الصخرَ والترابَ؛ أدّعي أنني بلغتُ ما بلغتُ بأغنيتي وحيلتي البارعةِ في سّحلِ كلِّ امرأةٍ عبرتْ جسدي. فلمن هذا الثقلُ اللامرئيّ؟ والصوتِ الذي يتبعُني ككلبٍ في حِلّي وترحَالي، صحوي ونومي وأحلامي. فهل كنتُ ظلَّ وردةٍ يا أمّي؟

 

عادةٌ مملةٌ
عادةُ قلبي في الصّباحِ أنْ يبتسمَ لضوءِ النّهارِ؛ رَغِمَ أنفِ الكّدرِ والغضبِ الذي يعتملُ بأحشائي، وقرفي من عجزي الفاضحِ أمام الحياةِ؛ التي تغمزني بوسطاها في الشُرفةِ المقابلةِ.  

  

صخبُ البياضِ
تعالي، لا لنقولَ شيئًا. بؤبؤُ عينِكِ على شفتي اليابسةِ، وأصابِعُكِ على قلبي؛ ليعشِّشَ البياضُ تحتَ ظلِّ الفراغِ. لا تقولي شيئاً؛ ضعي لسانَكِ بين شفتيّ؛ لأنني فاشلٌ في إقامةِ جسورٍ للآخرين، وسطوعَ جسدِكِ في الظهيرة والمدى المفتوحَ. لا يبررُ صخبَ الليلِ الأبيضِ. فتعالي، لا لنقولَ شيئاً؛ ضعي لسانَكِ في فمي سمكةً ميِّتةً، وأقرأيني.

 

تأويلُ العابرِ
كلُّ ما كانَ وهمٌ. ما تقعُ عليه عينُكَ المجهدةُ وهمٌ: العالمُ، الصورُ، كلُّ جَمالٍ هو منكَ وإليكَ؛ فلا تكُ في مِريَةٍ من هذا، ودعْ عنكَ الوهمَ، وقلْ: أنا، لا غيري في المرآةِ. فكلُّ ما عَنَّ للقلبِ في الطّريقِ الوَعرِ، وسوسةُ النّفسِ المترددةِ والمتردِّيةِ في الحنينِ الدّبقِ لأوهامِ الماضي.

 

فوقَ الحافّةِ
الأغنيةُ في فضاءِ الشّجرةِ؟ والصحراءُ لا تنامُ طرفةَ عينٍ تحتَ شبّاكِي. وأنا أضربُ الهواءَ الجافَّ برمشي، وأغسل الملح عن شفتيّ وشعري. أحاور وهمًا واكتبُ الأوهامَ أمامَ الضوءِ الخافتِ؛ تتراقصُ أصابعي فوقَ الحروفِ الجامدةِ التي تفجّرُ مخيلتي. قد أغفو  قليلاً كذئبٍ بكبدِ الليلِ الأعرجِ؛ الذي تطاولَ كالليلِ الأعرجِ.

 

تناصٌ كنعانيٌ
المشهدُ القديمُ يغوصُ في الوهمِ والهذيانِ، صحراءٌ كعيونِ ذئابٍ في الشّارعِ الموحشِ؛ السماءُ رقعةٌ زرقاءُ في ثوبِ المدينةِ؛ تتهدّلُ على جسدِها المترهّلِ القذرِ. البناتُ اللاتي يجلّين وجوهَهُن لشهوةٍ خافتةٍ؛ ويشعلن الصّباحَ المندّى، فالنخيلُ يرميهُنّ برُطبٍ جّنِيِّ؛ ويأخذُهنّ لذكرى العذريةِ والنّبوّةِ. هكذا لم تكنْ الصحراءُ بعيدةً قدرَ إصبعٍ؛ والوحيدُ وحيدًا يقطُفُ الثّمرَ الفَجَّ مُرّا وفارغًا؛ ويغيبُ جرحًا عميقًا في سُرّةِ البحرِ.

 

 محاكاةٌ النهارِ
لاهِبَاتٍ في هذا الهُراءِ. أزعمُ النّهارَ فَنَارَ أيامي، وأنتِ يا بحارُ، يا صحراءُ؛ بّدوٌ يرتحلون بجفني الذابلِ. وشهوةُ الحياةِ تذبلُ، وأنا ذابلٌ وفارغٌ. أمطرُ قبلَ شوقِ الأرضِ؛ فلا تنشقُّ بذرةٌ.