يسعى الباحث المصري في هذه الدراسة إلى طرح تأويل جديد لرواية قديمة ومحيرة لنجيب محفوظ، يخرج بها نسبيا عن سياق روايات المرحلة التي كتبها فيها. يبني فيه على قراءات سابقة اعتمدت منهج التحليل النفسي، ويوسع أفق تلك القراءات بمزيد من التفسيرات لفتح أفق التأويل على عدد من الأبعاد الجديدة.

من سكونية البطل .. إلى حركية المجتمع

قراءة في رواية «السَّرابِ» لنجيب محفوظ

ممدوح فراج النابي

جاءت معظم الدراسات التي تناولت رواية «السَّراب» 1948 لنجيب محفوظ، وخاصة بطله «كامل رؤبة لاظ» في مسار الدراسات النفسية، بل وأرجعت التحولات التي أصابت الشخصية الرئيسة، إلى عقدة أوديب الشهيرة، وإن شذَّت بعض الدراسات عن هذا النحو، مثلما فعل الدكتور عز الدين إسماعيل في دراسته «التحليل النفسي للأدب»، إلا أنه لم يشذ بعيدًا حيث قرَنها بعقدة أورست وليس بعقدة أوديب كما رأى البعض، وقد لا تجد دراسة واحدة تخرج (عن مجمل الدراسات التي تناولت الرواية بالتحليل) عن هذا المسار النفسي سوى ما قام به الدكتور عبد المحسن طه بدر حيث بَعُدَ بالرواية عن هذا الإطار ونَحَىَ بها مَنْحَىً آخر، فقرأ الرواية من منظور واقعي اجتماعي، ورأى في الرواية دليلاً على تَفَسُّخِ طبقة أوشكت على الانهيار، مُتَّخِذًّا من عائلة الأب رؤبة لاظ دليلاً على هذا التفسُّخِ، الذي يشير بمعني قريب إلى أفول النموذج التركي، الذي تُعَدُّ أسرة لاظ نفسها وريثًا له، وما يوازيه من أرستقراطية فجَّة وممقوتة.

-1-

وفي ضوء هذا المسار- البعيد عن التحليل النفسي - لا يمكننا النظر إلى الرواية دون الربط بينها وبين سابقتيها،)القاهرة الجديدة(1945 و)خان الخليلي(1946، اللتين كانتا بمثابة استشراف لما حَدَثَ فيما بعد، فأحداث الروايتين بما تحويانه من تصوير لفساد الطبقة الأرستقراطية كما صوَّرت القاهرة الجديدة، في مقابل كدح الطبقة الفقيرة، التي ارتسمت معالمها في صورة مزرية في صورتي محجوب عبد الدايم وإحسان شحاته في ذات الرواية، وما تم استكماله في)خان الخليلي (1946 بصورة موسَّعة، ليُنْبِئ هذا كله عن حالة واحدة تشخِّص لمصر التي استسلم شعبها للُعبة القدر ليُغَيَّرَ مصيره من قبل حتى في كدحه جعل القدر مسئولاً عما يعانيه الكادحون من توغل الفساد مما آل كل هذا للتمهيد للثورة التي كانت بواعثها الأولي تظهر في الروايات التاريخية، فنجيب أعدَّ لهذا البطل في الجزء الثاني من)كفاح طيبة(1944، فظهر البطل الذي يحمل صفات ابن البلد الذي يمكن أن يتوازى بأي معنى من المعاني مع نموذج عبد الناصر، فجاء التغيير بإرادة الشعب، لا بقوي خارجية كما في)عبث الأقدار(1939 و)رادوبيس((1) 1943. فخرج البطل من رحم الشعب المطحون.

نعود إلى هذه الرواية التي حيَّرت النقاد(2)، ولكن دون إفراط ٍفي التحليل النفسي للبطل، من منطلق عقدة أوديب، فعلاقة البطل بنفسه وبالآخرىن تحتاج لوقفة خاصة في ضوء مناهج التحليل النفسي التي تُسْهب في تحليل الدوافع والعلل التي آلت بالشخصية لهذه الأزمة حسب توصيف علم النفس لحالته المرضية، هذا من جانب ومن جانب آخر، لا نتغافل روايات محفوظ ربما اللاحقة التي انتقد فيها بطريقة غير مباشرة النموذج التركي في الإدارة، المتمثل في البيروقراطية السَّمِجة التي عافها محفوظ، فكتب رائعته «حضرة المحترم» 1975، أو حتي الأرستقراطية الفجَّة التي وصل فُحْشها لممارسة العهر والفجور بأشكال شتى كما في حالة الباشا في رواية «القاهرة الجديدة». في ظل هذا لا نستطيع أن نفصل هذا العمل عن سابقه أو حتى لاحقه، معتمدين على أن الرابط بين هذه الأعمال رغم التفاوت الزمني هو المؤلف نفسه(3). أما من منظور علم النفس وأدواته التحليلية، فنقف عند عقدة الخوف وهي أوضح من عقدة أوديب في هذا النص.

فرؤية محفوظ لهذا النموذج التركي بما يمثله من أرستقراطية ممقوتة، تمارس سطوتها على الطبقة الكادحة حتى تطحنها، واضحة من خلال رفضه لها ولممارستها، وهذا ما جعله لا يتوانى في تسجيل فداحة هذا النموذج في كثير من أعماله، بل تمادى في تجسيد تَكَلُّسِ هذا النظام وآلياته الروتينية في الإدارة التي أصابت الحياة بالعقم والشلل، وهو ما جَسَّدَهُ في نموذج حضرة المحترم التي انتهت الرواية ببطلها إلى هذا المصير دون أن يظفر من الدنيا بنعيمها أو حتى بأن يحققَ القليل من أحلامه، الزواج والصداقة، فيرحل غير مأسوف عليه، وهو المتعلق دومًا بأهداب الترقيات والمناصب، لكن يخرج من هذه الدنيا بلا شيء. في إشارة بالغة ذات مغزى إلى أن الروتين والبيروقراطية أصابا المجتمع بالعقم والركود.

-2-

يقدم لنا محفوظ في هذه الرواية «السَّراب» 1948، من خلال نموذج عائلة رؤبة لاظ، بما تحمله من أرستقراطية متوارثة عن النظام التركي، صور تَفَسُّخِ هذا النِّظَام وتشرذمه ولا نقول انهياره الذي كان يَحْلُمُ به، فإذا كانت الطبقة الكادحة هي النموذج الأوضح في (القاهرة الجديدة) أو (خان الخليلي) أو (زقاق المدق) أو غيرها من جملة أعمال نجيب محفوظ، هي المقهورة من سُلطة الطبقة الأرستقراطية بكافة أشكال القهر(جسدي / مادي / معنوي)، فإنه هنا يقدِّم هذه الطبقة في مراحل تحلُّلِهَا وتَفَسُّخِهَا حتى من قيمها التي كانت مثالاً للمباهاة والتفاخر في فترة ازدهارها وتَسلُّطِها، فتسقطُ واحدةً تلو الأخرى، حتى القيم التي احتكرتها لنفسها تساقطتْ، وأكتوى أصحابها بالخطيئة، في إشارة بالغة ودالة على أن الخطيئة ليست حِكْرًا على طبقة دون أخرى، ولكن قد تُسْهِمُ عَوامِلٌ متنوعة لارتكاب الخطيئة، مع الفارق أن خطيئة الطبقة الكادحة قد تكون الطبقة الأرستقراطية سببًا أصيلاً فيها. فتتساوى – على الأقل في نظر محفوظ – خطيئة إحسان شحاته في (القاهرة الجديدة) مع خطيئة راضية لاظ في «السّراب»، رغم أنَّ الفِعْلَ المُحَرِّضَ للخطيئة في الحالتين مُخْتَلِفٌ، وقد يُسْهِمُ في حالة من التعاطف كما في نموذج إحسان شحاته، وهو ما لا يتوفر قَدْرٌ منه – التعاطف – في حالة راضية، حتى ولو كان أبوها مثل رؤبة لاظ في غلظته وخشونته وسُكْره .

لو نظرنا إلى السياق التاريخي الذي جرت فيه أحداث الرواية فعْليًا، وهو الفترة التاريخية التي كانت الحياة السياسية تموج فيها باضطرابات سياسية ومظاهرات وفساد في الطبقة الحاكمة، يمكننا أن نستنتج أسباب هذا التحلَّل والانفساخ في صورة هذه الطبقة الأرستقراطية. وهو ما تمثَّل في حالة البذخ وما تبعها من عبث ومجون التي سيطرت على هذه الطبقة في مقابل حالة الفقر المدقع التي لازمت الطرف الثاني من قطبي المجتمع، ومن ثم كانت حتمية التحوّل التي هي سمة المجتمعات المتحركة لا الراكدة، فبدأت حركة الإحلال خاصة وأن هذه الطبقة ظلت مهيمنة على كل شيء دون الأخذ في الاعتبار لمثل هذه الحركية والإحلالات التي تصيب المجتمعات، ومن ثم كان التفسُّخ والتحلُّل سهلين

العجيب أن محفوظًا لم يشر- في هذه الرواية - على لسان راويه/ الأنا أثناء السرد إلى أية إشارة تاريخية تشير إلى زمن الأحداث، وقد يُبَرَّر هذا بأننا أمام نموذج لبطل لا تهمه الأحداث أو مجريات الأمور فهو شبه منطوٍ على حياة خاصة. حلقتها تدور في دائرة الأم والجد حتى أنه لا يعرف من الشوارع غير ما يجاور منزله فقط، ثم في مرحلة لاحقة تدخل الدائرة المدرسة (وفي البداية تقوده الأم إليها، وفي المرة الثانية يذهب بالحنطور برفقة الحوذي). وأخيرًا الزوجة رباب، فحياته فاترة خالية من العلاقات باستثناء علاقاته بالخادمات في حي المنيل، وهذه العلاقات لا تتم خارج دائرة المنزل، وما أن تكتشف الأم علاقته بالخادمة تطردها، وتبوخ الابن، ثم ترسم صورة مشينة له عن عالم النساء، تجعله يُصاب بالفزع من ذكر أي امرأة غير أمه، لكن مع تقدُّم السن ونمو الشهوة لا تجد بديلاً، فتقبل زواجه على مضض. ويردُّ سبب عدم وجود أصدقاء في حياته إلى ثُقل دمه، كما كان يصفه طلاب المدرسة. أما الصداقة الوحيدة التي دخل فيها مرغمًا، فهي صداقة العمل، وهي على حد وصفه «صداقة جبرية» يفرضها وجوده الدائم معهم في العمل. بل إنه يربط استحالة وجود سعادة حقيقية مادام على «صلة بالناس»(الرواية: ص43).

-3-

بعكس روايات نجيب الواقعية التي تكون الأحداث السياسية خلفية لها، لا نجد أحداثًا سياسية أو حتى اهتمامًا من جانب الأبطال بمجريات الأمور، فالبطل الأوحد كامل لا يفهم شيئًا في السياسة، وعندما يُسأل عن اسم رئيس الوزراء لا يعرف من هو، وليس هذا بعجيب والراوي/ البطل يصف نفسه قائلاً: «لست إلا مخلوقًا غريبًا شذَّ على قافلة الحياة الحقَّة، ومن آي ذلك أيضًا أني لا أقرأ الجرائد على الإطلاق! ... كأني لست من هذا المجتمع فلا أدري شيئًا عن آماله وآلامه، وقادته، زعمائه، أحزابه، وهيئاته، ولكم طرقت أذني أحاديث الموظفين عن الأزمة الاقتصادية وهبوط أسعار القطن وتغيير الدستور فلم أكن أفقه لها معني أو أجد لها في نفسي صدى» (الرواية ص: 65). كما أن أحد أساتذته عندما يراه جالسًا وحيدًا – مع أنه أكبر التلاميذ سنًا - وقد خرج جميع زملائه للمظاهرة، فيقول في سخرية مريرة من حالته المزرية: «لماذا خرجت عن الإجماع؟ أليس هذا الوطن وطنك أيضًا؟!» (الرواية ص: 25). فحالة التغييب عن الواقع أو الانفصال، التي أرادها المؤلف للشَّخْصية هذه مقصودة، وكذلك حالة التجاهل للأحداث السياسية المتزامنة مع أحداث الرواية أيضًا مقصودة، ومع حالة التجاهل البادية والمقصودة في الوقت ذاته للسياق التاريخي إلا أنه من السهل معرفة السَّياق التاريخي، فطلاب المظاهرات يخرجون بهتافات ضد هور «يسقط هور ابن الثور»، وهذا يشير إلى أن فترة الأحداث تقع ما بين عامي 1930 – 1946، وهي الفترة التي حكم فيها مصر عدد من حكومات الأقليات من اسماعيل صدقي وتوفيق نسيم ومحمد محمود حتى إبراهيم عبدالهادي ومحمود النقراشي، ومن أبرزها حكومة إسماعيل صدقي التي تولت السلطة مرتين فيها، ومعروف تاريخيًا حالة العنف التي اتسم بها صدقي باشا، خاصة مع حالة الفشل التي مُنِيت بها حكومته في الحصول على الجلاء من الإنجليز، وقد تعثَّرت المفاوضات مع بيفن وزير خارجية بريطانيا، وهو ما حدا بالشعب للخروج في مظاهرات ضد صدقي – بيفن، وهو ما جعله بعد أحداث الصِدامات بين المتظاهرين والقوات الإنجليزية أن يصدر قانونًا يمنع فيه المظاهرات.

على مستوى الأحداث التاريخية/ الواقعية، فهذه أحداث ساخنة، لم يغفلها نجيب في روايات أخرى كـ(خان الخليلي) على سبيل المثال أو الثلاثية الشهيرة(4) التي انبنت أحداثها على خلفية تاريخية من تاريخ مصر، ومن ثم يأتي التساؤل منطقيًا، لماذا أغفلها هنا؟ وهل هذا مَقْصُود أم لا؟ والحقيقة أن عبد المحسن طه بدر قد أثار السؤال من قبل، ولكن بصياغة مختلفة، منتهيًا إلى إقرار باستبعاد «أن يكتب مثله – إشارة لمكانة محفوظ ومكانته - رواية تكتفي بتحليل شخصية شاذة وينتهي الأمر عند هذا الحد، وكأنه عالم نفس يتحدث عن حالة طريفة عرضت له، وحرص نجيب على أن يصل بعمله إلى دلالة اجتماعية من خلال تحليل الشخصية الرئيسة ... فهل أراد نجيب محفوظ أن يقدَّم رؤية اجتماعية من خلالها بدءًا من رواية (القاهرة الجديدة) وانتهاءً بالثلاثية؟!»(5)

إذا كان عبد المحسن طه بدر قد طرح السؤال، فنحن نجيب على التساؤلين معًا بإقرار نعم، وبكل اطمئنان. فنجيب محفوظ هنا، يتحدث عن فئة معينة، من البشر لا تنتمي إلى مصر لها جذور تنتمي إلى شريحة الشراكسة الأتراك، وقد أكدَّ المؤلف هذا الارتباط عبر الصِّفات الشَّكْلية التي كانت ممتدة عبر الابن والأم (فالأم يذكر الراوي أن عينيها خضراوان)، فالابن قد وَرِثَ وجه أمه كما ذكر أخوه مدحت عندما رأها «إنه نسخة منك يا أماه» (الرواية: ص 20) وأيضًا ورث عينيها الخضراوين، وبياض الوجه من أبيه. أو عبر الحالة الاجتماعية التي كان يعيش عليها الجد لاظ، من الثراء والتي كانت عاملاً أساسيًا في قبول الجد لهذا الزوج رغم علمه بأنه جاهل ولا عمل له، لكن الجد الذي يبغي السعادة لابنته، كما يقول الحفيد/ الراوي، قَبِلَ و«سُرَّ بالخطبة سرورًا لا مزيدًا، وفرح بجاه الأسرة العريق»(الرواية: ص 6). وفوق هذا وذاك دلالة الاسم التي تشي دون قرينة إلى غرابة الاسم عن المجتمع المصري «رؤبة لاظ»، ومن ثمَّ والحال هكذا لا ترتبط هذه الطبقة وما تمثُّله من أشخاص بما يجري من أحداث، خاصة وأنها طبقة ذات سيادة، وليس لها أية مصالح مُضَّارة، ومن ثمَّ فالمؤلف تعامل بحرفية(6) شديدة مع هذا النصِّ الذي خدع معظم النقاد واعتبروه نصًّا يتعامل مع نموذج/ حالة شخصية فردية في ضوء مناهج علم النفس. ونحى بالنص خارج حلبة الصراع الدائر على أرض الواقع، في إشارة دالة على عدم انتمائهم لهذا الوطن الذي يئن، وأفراده المطحونين، فأفراد هذه الطبقة لا يشغلها سوى مصالحها الشخصية، كأن يبادر والد كامل بوضع السُّم لأبيه في الطَّعام ليتخلصَ منه، ليحصل على ميراثه، وهو ما تكرَّر بعد سنوات مع الأب نفسه، فكامل يفكرُ في نفس الشيء عندما ذهب إلى أبيه طَالبًا المساعدة للزواج، فيرفض الأب، ولكي يُعَجِّلُ كامل بما يريد يُفَكِّرُ بنفس الطريقة بأن يقتلَ أباه ويستحوذ على ما يريدُ.

-4-

من زاوية أخرى يُمْكِنُ النَّظر لهذه الرواية في ضوء العَلاقة الجدلية التي تقيمها مع الواقع، فالرواية بهذا التشكيل تسعى لأن تكون نقيضًا لهذا الواقع بكل حركيته وصراعاته وزخم أحداثه، التي تَعِجُ بها الحياةُ في الخارج، ومن ثمَّ فسكونية الأحداث واقتصارها على داخل الشخصيات يشيرُ إلى هذا الجدل بين السياق التاريخي الذي دارت فيه الأحداث وشخصية البطل المنغلق على ذاته. فالجدل قائم هنا بين الحركة/ الصراع في الخارج: حدة الخلاف بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية، حول تقرير المصير، والمظاهرات من قبل الشعب التي تطالب الحكومة بالاستقالة بسبب فشل المفاوضات. والسكون (حيث الغالب على الأحداث الصراع النفسي للبطل، وسعيه هو الآخر لتقرير مصيره من سلطة الأم) وقد يأخذ هذا الصراع النفسي للبطل عدة مسارات، تبدأ بصراعه في الدراسة وعدم قدرته على الاستمرار فيها بسبب حالته النفسية الداخلية التي تميل إلى الانطواء، وهي ما أسهمت في إحداثها حالة أبيه التي انعكست سلبًا عليه، فطلاق الأم أحدث شرخًا نفسيًا كبيرًا في حياتها الخاصة، وقد إزداد هذا الشرخ بعدما أخد الأب ابنه الأكبر مدحت وابنته راضية، فحرما الأم منهما، وهو ما جعلها تتعلق بهذا الابن تعلقًا غير طبيعي، فنشأ ملازمًا لها، لا يفارق حضنها، وينام على سريرها، حتى مرحلة عمرية متأخرة، وهو ما رفضه الجد فيما بعد، ثم رفضها عودته إلي أبيه في السن القانوني الذي تؤل فيه الحضانة إلى الأب، وفي مقابل ألا يحدث هذا تنازلت الأم عن النفقة التي يرسلها الأب، ويظل الابن رهين الأم، بما تفرضه عليه من سلطةٍ لا يستطيع الخروج من إثرها، حتى عندما يحاول التمرد على هذه السلطة بالخروج للعب مع الأطفال، ويحدث شجار بينهماـ فتستغل ما حدث كنوع من التأنيب له؛ لأنه تمرد بالخروج عن سلطتها، والمرة الأولى – حيث تبدأ رحلة التمرد تدريجيًا - التي فشلت فيها لأن تعيده إلى سلطتها يوم أن جاءت أختها من المنصورة بأبنائها وقضوا بعض الوقت، وراح يلعب مع أبناء خالته، حتى أن أختها نهرتها بقولها «هل ابنك يختلف عن أبنائنا» وما أن عادوا إلى بلدتهم حتى عاد إلى طبيعته.

بل أن هذه السلطة التي فرضتها الأم عليه لازمته عندما ذهب إلى المدرسة فأخذت الأم تذهب معه إلى المدرسة، وتقف تراقبه حتى يذهب إلى صفه، وهو ما انعكس عليه سلبًا، بدءًا من عدم قدرته على الانفصال عنها في لحظات الانفصال الطبيعية، وهو بعيد داخل حجرات الدرس، فما أن يناديه الأستاذ يقول له «يا نينه» فيضحك الأستاذ والتلاميذ، فاستحضار هذا اللفظ الخاص بالأم، إشارة دالة إلى أن قدرته على الانفصال لم تفلح قط، حتى وصورتها بعيدة عنه، فهو يستحضرها عبر المخيلة. وتستمر حالة الصراع النفسي عند ارتباطه برباب، وحالة التردد التي تعتريه قبل الحديث معها، وأثناء محاولته الحصول على المال من أبيه لاستكمال الزواج، وما أن يرفض أبوه، حتى يفكر، نفس التفكير الذي فكَّر فيه أبوه من قبل لأخذ المال. ولا ينتهي الصراع بالزواج، بل يزداد خاصة بعد فشل العلاقة بينهما، ثم رفضها للعلاقة بعد أن استرد رجولته، وهو ما يوقعه في ريبة منها، ويراقبها ثم تثبت براءتها، إلى أن تموت على يد الطبيب.

وقد انعكست سطوة الأم على حياة البطل برمتها، وهو ما تجلَّى في فشله وعدم قدرته على إقامة علاقة زوجية ناجحة، حتى وإن كان الطبيب ردَّها إلى إفراطه في العادة الجهنمية التي كان يُمَارِسُها، حيث بعد زواجه لم يُقْلِعْ عنها، ومع أن هذا السبب طبي وصحيح، لكن – أيضًا - يؤخذ في الاعتبار حالة القهر التي مارستها الأم بمرادفات متناقضة، من قبل الحبِّ تارة والخوف تارة أخرى. فقد مارست الأم بحضورها القوي تأثيرًا كبيرًا على الابن، بل إن هذا التأثير خايله كصورة في لحظة غيابها (لاحظ تردده في الإقدام على خطبة رباب، وأيضًا إقدامه على الشراب كما أوصاه أصدقاؤه في العمل). وهو ما شكَّل سَطْوَةً ونفوذًا قويين عليه، فهو لم يتخيَّل نفسه يَجْلِسُ مع واحدة غير أمه، داخل المنزل وهو ما يفسر نجاح علاقاته غير المشروعة مع عنايات في سيارتها في طريق الهرم، أو في شقة الخياطة، في مقابل فشل نفس هذه العلاقة مع زوجته.

ما لا يجب إغفاله في هذه العلاقة، هو التناقض بين الداخل والخارج، فالزوج يفشل في علاقته بزوجته رباب، وهو الذي يُحبُّها ويهيم بها، فقد كان ينتظر أمام نافذتها كثيرًا، ويراقبها في ذهابها وإيابها من وإلى المدرسة، أو أثناء جلوسها في النافذة. وبالمثل تفشل الزوجة في علاقتها مع زوجها رغم رغبتهما معًا في البداية أن تتم العلاقة على النحو الأمثل، ولكن بعدما مَثُلَ للشفاء ترفضه - دون تبرير، لكن سرعان ما يتضح السبب الحقيقي فيما بعد - وتُصِرُّ على أن يعودَ لحالته الأولي التي أعتادته منه، حتى أنها تبكي، وتتوسل إليه أن يرجع كما كان، وهذه الحالة تدعو للتساؤل والريبة! وما أن يكتشف الزوج الخطاب الذي مزَّقته الزوجة بسرعة وألقته من النافذة حتى يبدأ الزوج في الشَّك فيها ويراقبها، وتنتهي المراقبة بلا شيء سوى دخول عنايات حياته. فمع رفض رباب إقامة علاقة تامة وطبيعية مع زوجها الكامل، تكون تورَّطت في علاقة آثمة مع الطبيب العائد من لندن، دون أن يُبَرِّرَ لنا المؤلف أو حتى المؤلف الضمني أسباب هذا التورط، حتى لو اجتهدنا وقبلنا أنها نتيجة طبيعية لفشل كامل في بداية العلاقة، فالتساؤل لماذا رفضته بعدما استردَّ ذاته، واستمرت في علاقتها حتى كانت هذه النهاية المأساوية؟!

-5-

السؤال عن لماذا أقدمت رباب على هذه العلاقة الخارجية/ غير الشرعية، والتي انتهت بموتها، دون العلاقة السوية بينها وبين زوجها كامل؟ تستدعي الإجابة عنه دراسة شخصية رباب من منظور التحليل النفسي أيضًا، دون إغفال السياق الخارجي وربط شخصيتها بجميع شخصيات الرواية. العجيب أن كل تصرفاتها تنبئ عن شخصية عاقلة محترمة، رزينة. وهذا ما اتضح من خلال علاقة رباب بكامل نفسه الذي غدا زوجها فيما بعد، وكيف أنها صدّته- عندما أراد محادثتها في الترام - وأخبرته أن هذا الحديث لا يجب معها وإنما مع أسرتها، وبعد ذلك بفترة لاحقة بعد زواجهما، كيف تعاملت بحكمة تنمُّ عن عقل وحُسْنِ تربية مع مشكلة زوجها، ولم تُخْبِرْ أحَدًا إلا بعد إلحاح من أمها، ولم تزد عن «لا داعي للعجلة» (الرواية: ص 102)، والأدهى أنه في فترة لاحقة بعد أن استرد رجولته، توسّلت له بأن يظلا كسابق عهدهما، بل وتبكي أيامهما الماضية، تلك الأيام التي كان كامل عاجزًا فيها عن القيام بواجباته كزوج، حتى أن كامل نفسه يتعجب من الأمر، ويسألها صراحة «ولكن لا يمكن أن تتم سعادة المرأة إلا بهذا» (الرواية ص: 113)، ويتطوَّر الأمر ويتحول الليل إلى كابوس تخافه، فتختلق الأعذار «فمن تعب إلى توعك إلى رغبة ملحة في النوم، وإذا أذعنت .. فإنما تُذعن في تسليم لا سرور فيه»(الرواية ص: 112)

حتى عند مراقبة كامل لها بَعْدَ شَكِّهِ في تصرفاتها خاصةً بعدما مزَّقت الخطاب، اكتشف أن سلوكها ليس فيه إعوجاج بل وبخَّ نفسه، لأنه فكَّر فيها بهذه الطريقة الشائنة. إذن أين الخلل الذي اخترق سلُّم القيم عند رباب، أليست كل هذه التصرفات جميعها تصبُّ في صالحها؟! السؤال مرة ثانية وهذا حالها: لماذا حدث هذا الخلل؟ لو ربطنا حالة السكون الداخلية التي أصابت كامل في مقابل حالة الحِراك التي كانت في الخارج (السياق الواقعي والتاريخي للأحداث) والتي أصابت المجتمع والتيارات السياسية، في مقابل جمود المفاوضات في السياق الواقعي/ السياسي، مع حالة التحلل والتفسخ التي أشار إليه عبد المحسن طه بدر، مع نموذج الدكتور أمين رضا الذي عاد من الخارج، محملاً بالأفكار الناقمة على الأوضاع دون أن نتناسى أنه كان وفديًا قديمًا، مع حالة أفول الخلافة العثمانية التي بدأت في الانزواء تدريجيًا، وَتَقاسُّم الدول الكبرى ما عُرِفَ وقتها بـ«تركة الرجل المريض»؛ نكتشف أن حالة رباب هي مثالٌ واضحٌ لهذه الحالة برمتها؛ التفسخ والتحلل.

فالدولة العظمى التي حكمت معظم دول العالم تتفكك وتتقاسمها الدولة التي كانت خاضعة لسيادتها، فعائلة كامل رؤبة لاظ نموذج مصغر لهذا الانهيار، فالأب الذي كان يتكئ على تراث العائلة المجيد يُطْرَدُ بسبب سُوء تصرفه وعجلته في الحصول على المال، دون الأخذ بحتمية القدر الذي جعل الخادم الذي اتفق معه يُبَلِّغُ أباه فيطرده، ومن ثمَّ يَحْرِمُهُ من هذا الميراث، ومن ثم كان طبيعيًا أن يخلد لحالة السُّكْرِ الدائم والذي لا يفيق منه، وما أن يعتدي عليه بعض الرجال أثناء خروجه من البار، يسبهم ويقذعهم بأسوأ الألفاظ، ثم حالة هروب راضية لرفض الأب زواجها ممن تحب، وتفكير كامل نفسه بأن يتخلَّصَ من أبيه ليحصلَ على المال للزواج بمن يُحِبُّ، بعدما رفض الأب مساعدته في الزواج، وخيانة رباب لكامل مع قريب العائلة العائد من لندن، كل هذا مجموع يكشف حالة التحلّل من الداخل، فتحلل قيم الأسرة بكل ما تحمله كلمة الأُسْرَةِ من روابط متينة وقوية، جاء بتصدع أركانها/ أفرادها، ومن ثمَّ كان التقويضُ سَهْلاً من الخَارجِ، وهو ما يتوازى كُلِّيَّةً مع تَصَدُّعِ النموذج التركي على المستوي العام.

-6-

وبناءً على هذا يمكننا القول باطمئنان إن نجيب محفوظ تَعمَّدَ اتخاذ هذا الشكل الروائي، حيث الأشخاصُ مُنْغَلِقَةٌ على ذاتها، وغير مُتَّصِلَةٍ بالخارج ليكْشِفَ انهيار هذا الخَارج، من خلال الداخل نفسه، فمعاول الهدم الداخلية أقوى من الخارجية، وهي إشارة ذكية من نجيب محفوظ. وبهذا نفهم لماذا أَقْدَمَتْ رباب على الخيانة، رغم أن كل المعطيات والظروف تشيران إلى سيرها في عكس هذا الاتجاه، فهي بمثابة المِعْوَل الذي هَدَمَ السُّلطة التي تحول بين كامل وبين الناس، أقصد أمه. وقد عجز من قبل على التمرد على هذه السلطة والخروج عنها، وهو ما تأتي عندما أراد أن يبيع ساعته لكي ينتشي بثمنها بعض الوقت، لكن الهاجس الداخلي صاح: ماذا تقول لأمك إذا افتقدت الساعة، فصاح غاضبًا في ثورة، إشارة إلى التمرد: «أمّي أمي، دائمًا أمّي! سأفعل ما أشاء» (الرواية ص70)، فلولا هذه الخيانة الداخلية، ما تحقق لكامل، هذا الاستقلال والتمرَّد على تبعية ووصايا أمه عليه، ولهذا عندما ذهب للبيت بعد حادث زوجته، وراحت أمه تواسيه انفجر كبركان خامد وَجَدَ متنفسًا، ليصبَّ حممه ولاظه في وجهها دون أن يدري بعدها ماذا قال؟ أو حتى وَقْع كلامه على أمه وهو ما فسَّره في النهاية بأنه كان كافيًا لموتها. لكن للأسف جاءت ثورته وتمرده مُتَأخِّريْن. المهم أنه استطاع في النهاية أن يتمرد ويتحرَّر من هذه السلطة، رغم ندمه على موت أمه، وتوجيه التهمة لنفسه بأنه قاتلها، وهو في حالة هَذَيان، بل ويطالب بإحضار النيابة؛ للتحقيق معه. ومهْما يكن من شيء فإنه استطاع أن يتحرَّرَ من تلك العُقْدة التي لازمته بسبب سُلْطَة أُمّه، فأصابته بعقدة الخوف، التي كانت حائلاً بينه وبين أشياء كثيرة، كعدم استكمال تعليمه يوم أن استدعاه الأستاذ في كلية الحقوق في درس الخطابة، وهروبه من التحدُّث أمام الطُّلاب، كما فعل زملائه لهذا الخوف والانقياد بأسر هذه السلطة التي فرضتها الأم، وهو ما جعل الجد نفسه يغضب ويعلن لها أنها السبب الحقيقي لما وصل إليه الابن، أو حتى تأخَّر ارتباطه، أو فشله في إثبات رجولته أمام زوجته، وغيرها من العقبات التي صَعُبَ عليه تخطيها بسبب هذه العقدة (راجع ص 85، 90، 92، 95، 129)، وكأنها أشبه بصخرة سيزيف، لا يستطيع أن يُلْقِيهَا عن كاهله.

ومن هنا يمكننا أن نقول إنّ المسار الذي يُحَرِّكُ شخصية كامل هو عقدة الخوف أو الرهاب الاجتماعي، فهذه العقدة ملازمةٌ له منذ طفولته حتى زواجه. والمعروف كما ذكر علماء النفس أن الأسباب الحقيقية وراء هذه العقدة راجع أساسًا إلى مرحلة الطفولة وما تشكِّله هذه المرحلة المهمة من تأثيرات بالغة الخطورة في تشكيل ونمو الإنسان في المستقبل، خاصة إذا توافرت أساليب التربية الخاطئة، مثل التسلط وزرع عدم الثقة في نفس الطفل، وهذا ما تحقق هنا كلية، فالتجربة الأليمة التي عاشتها الأم – رغم قصرها – جعلتها أشد التصاقًا بطفلها، الذي وصل إلى نوع من التسلط عليه، والوصايا على أفعاله، فكانت النتيجة السابقة، التي عاني منها الابن، ووصل الأمر إلى هذه الحالة المزرية بالنسبة للابن. فلو قبلنا هذا مع شخصية الابن، فكيف لنا أن نقبل هذا مع شخصية الأم، وهي التي لم تختلط بأحد من جيرانها، ونادرًا ما تزور أو تزار، حتى أن أهل زوجة ابنها رباب يشتكون منها لقلة زيارتهم، بل يعتبرونها شخصية لا تحب الناس وغير عشرية، فهل هي إذن إنطوائية اكتسب الابن صفاتها وراثيًا، الأمر لا يبدو هكذا بالمرة، حتى ولو قبلنا بأمر الخجل مضطّرين أو مدفوعين بما قدمته نظريات علم النفس عن الشخصية الإنطوائية، ووضعنا في اعتبار تلك النشأة التي نشأ عليها الابن ذاته، من تربية أمه له، وافتقاده للأب، وخاصة أن الجد الذي كان يقوم بمهام الأب ماليًا، لم يقم بنفس المهام معنويًا.

هذا إضافة لأن الجد الأميرالاي عبد الله، كان لا يخلو من سلوك مقارب من سلوك الأب لكن بغير إفراط حيث يرتاد الحانات، ويشرب الخمر، لكن دون إسرافٍ كحال الوالد الذي عاقر الخمر، فلا تخلو يده منها ليل صباح، وهو ما أوصل الجد في إحدى مقامراته لأن يبيع العربة الحنطور والحصان، حتى لا يضطر أن يأخذ من معاشه فيؤثر على نظام حياته - لا حظ نظام حياته - بل إن الجد لم نجد له صديقًا واحدًا يذكره الراوي خطأ في معرض حديثه يحكي له أسراره فأصدقاء المقهى للعب والشراب، وكأنهم جميعًا الجد والأم والحفيد يعيشون في جزيرة منعزلة لا أحد غيرهم. ما أريد أن أصل إليه أن هذا الخجل وهذه الانعزالية ليست مرضًا نفسيًا توارثه الابن عن أمه أو حتى عن جده، وإنما هي طبيعة جينية في هذه السلالة الشركسية والتي توارثها الابن من دماء أبيه، وكذلك الأم بحكم عشرتها رغم عدم استمرارها في الزواج إلا أنها تشربت هذا من الزوج وكذلك الأب الذي يعمل عسكريًا، وما وضعه الشراكسة من تقاليد صارمة لحياة العسكرين انعكست لا إراديًا على الجد وكذلك الأم. ولا غرابة فيما قلنا خاصة لو تأملنا حالة الأب/ رؤبة لاظ عندما ضُرب في الحانة وما حدث عند رؤية والد زوجته له صدفة، وهو ما يدل على طغيان العنصر الشركسي على شخصيته.

-7-

وكما يمكن دراسة الرواية من منظور النقد الأسطوري، فالرواية ذات البطل الأوحد، تُعَدُّ انعكاسًا لتضافر عِدَّة أساطير في تشكِّل بنيتها الأساسية، بل تُعدُّ المُحَرك الأساسي لشخصية البطل، نفسه وفي كثير من الأحيان تعدُّ المبرِّرَ الحقيقي لكثيرٍ من التصرفات والأفعال، فتتداخل أسطورة أوديب أو بمعني أدق عُقْدَةُ أوديب، التي تُصِيبُ البطل مع المخالفة في فعل الأسطورة أو تطابقها التام، مع أسطورة أوريست في رغبته في التحرُّر من سلطة الأم، مع فارق نجاح أوريست في التحرر، ورفضه أن يعود للعرش حتى لا يضاجع أخته، وفشل كامل رغم كل سُبل التحرُّر التي أُتِيحت له، ليتخلصَ من عقدة الرهاب الاجتماعي التي تسببت له فيها الأم، لكن مع سوء حظه خضع لسطوتها وفعلها، فأنتهى به الحال إلى هذا الوضع بعد أن فقد زوجته، وموت أمها نفسها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - عالجنا هذه القضية في دراسة بعنوان " الرواية التاريخية : تمثُّل أم تجاوز للواقع "، دورية نجيب محفوظ، العدد الثالث، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2010
2- هذا بتعبير عبد المحسن طه بدر الذي ناقش الرواية في كتابه الرؤية والأداة، دار المعارف، ص 331.
3 - أشار عبد المحسن طه بدر إلى المؤلف يظهر في مواضع كثيرة ـ داخل النص بل إن صوته يطغي على النص كله راجع " نجيب محفوظ : الرؤية والأداة"، دار المعارف، ص 334.
4 - وجد بعض النقاد في الثلاثية مساحة عريضة لقراءة واقع مصر السياسي والاجتماعي، راجع في هذا الدراسات الخاصة بالثلاثية على سبيل المثال ما كتبه إبراهيم فتحي عن " العالم الروائي لنجيب محفوظ "وأيضًا جابر عصفور في نجيب محفوظ الرمز والقيمة "، ومحمود أمين العالم في " تأملات في عالم نجيب محفوظ الروائي " وأيضًا ما ذكره إدوارد سعيد بعنوان :" قسوة الذاكرة "، ترجمة ولاء فتحي، مجلة العربي، الكويت، ديسمبر 2006، ص 89
5 - عبد المحسن طه بدر : مرجع سابق، ص 308.
6 - ليست الحرفية بعيدة عن أعمال محفوظ الأخرى، ولكن الحرفية هنا في حالة الإيهام التي أحدثها بناء الشخصية المحورية، وبناءًا عليه إنساق النقاد إلى التحليل السهل وقراءتها ضمن منهج علم النفس، رغم إننا لو طبقنا مقاييس تيار الوعي لوجدنا أن المؤلف بعد عن تقنيات تيار الوعي اللهم إلا القليل، والتي جاء توظيفها محسوبًا كالتداعي الحر، والمنولوج وغيرها بعكس روايات اعتمدت هذه التقنيات بصورة أكثر وضوحًا، عن حرفية نجيب محفوظ يمكن الرجوع إلى ما كتبه عبد الله الغذامي في هذا الخصوص، في مجلة الهلال عدد بعنوان  "نجيب محفوظ " 2007.