منذ أن كتب أمل دنقل قصيدته الشهيرة (لاتصالح) والشعراء يستخدمون أحداث هذا التاريخ العربي البعيد كاستعارة شعرية للتعامل مع واقعنا العربي الراهن، وهذا ما يفعله الشاعر الليبي صلاح غزال هنا.

استغاثة اليمامة

صلاح الدين الغزال

 

لِثَأْرِكَ يَا كُلَيْـبُ لَقْـدْ نَهَضْنَـا

وَخُضْنَـا الأَرْبَعِيـنَ وَلَـمْ نُبَالِ

وَهَـذَا اليَـوْمَ دُرَّتُنَــا قَتِيـلٌ

وَلَـمْ أَلْمَـحْ أَبَا لَيْـلَى قِبَـالِي

لَقَدْ بَاءَ الصَّغِـيرُ وَمَا جَزِعْنَـا

بِشِسْعِ النَّعَـلِ مِنْ بَيْنِ الرِّجَالِ

وَلَمْ نَقْرَعْ لأَجْلِ الحَـرْبِ طَبْـلاً

وَأَسْلَسْنَـا القِيَـادَ إِلَى المَوَالِي

وَصِرْنَا وَالخَنَـا فَرَسِي رِهَـانٍ

نَهَابُ المَـوْتَ مِنْ قَبْـلِ النِّزَالِ

غَدَا جَسَّـاسُ سَيِّدَنَـا جَمِيعـاً

وَحَالَ الخَوْفُ عَنْ خَوْضِ القِتَالِ

فَزِعْنَـا وَالسَّنَــابِكُ تَعْتَلِينَـا

إ         ِلَى القَلَـمِ المُذَهَّـبِ لاَ النِّبَـالِ

تَمَرَّغْنَـا تُرَابَ الخِـزْيِ دَهْراً

وَأَشْعَـبُ أَمَّنَـا عِنْـدَ النَّـوَالِ

نَعُبُّ الخَـوْفَ مِنْ بَعْدِ اعْتِدَادٍ

بِمِـلْءِ أَكُفِّنَـا تَحْـتَ النِّعَـالِ

وَنِلْنَـا بِالسُّيُـوفِ وَقَدْ تَدَاعَتْ

عَلَـى الأَغْمَـادِ دَرْبـاً لِلزَّوَالِ

فَسُحْقـاً لِلْمَـلاَذِ أَدَاةَ حَـرْبٍ

وَبُورِكَتِ الحِجَارَةُ فِي الوِصَالِ

نُنَادِيكَ المُهَلْهِـلُ قُـمْ أَجِبْنَـا

فَقَتْلُ صَغِـيرِنَا (بِالشِّسْعِ غَالِ)

وَدَعْ عَنْـكَ انْفِعَـالاَتِي وَسَلْنِي

عَنِ الحَـقِّ المُضَيَّـعِ بِالجِدَالِ

يَضِيقُ الجِـلْدُ بِي مِمَّا أُلاَقِـي

وَأَفْقَدَنِي صَدَى الصَّمْتِ احْتِمَالِي

فَبَابُ الفَجْرِ لاَ بِالطَّـرْقِ يُرْجَى

وَلَكِـنْ دُونَـهُ شَبَـقُ اللَيَـالِي

وَهَذِي القُـدْسُ تَدْعُوكُمْ جَمِيعاً

وَمَسْجِدُهَا المُزَرْكَـشُ بِالنِّصَالِ

لَقَدْ أَضْحَى الحِمَى نَهْباً مُضَاعاً

وَأَحْوَجَنِـي الكَـلاَمُ إِلَى الفِعَالِ

يَمُـوتُ صِغَـارُنَا غَدْراً وَتَبْقَى

غِمَـارُ الحَـرْبِ جَامِدَةً حِيَالِي

أتَرْضَوْنَ الحَضِيضَ اليَوْمَ نُزْلاً

بُعَيْـدَ بُلُوغِكُمْ قِمَـمِ الجِبَـالِ

دِمَاءُ كُلَيْبِكُـمْ ضَـاعَتْ هَبَـاءً

وَحَيُّكُـمُ مِـنَ الأَبْطَـالِ خَـالِ

وَلَكِنْ قَدْ يَكُـونُ هُنَـاكَ حَمْـلٌ

بِأَحْشَـاءِ الجَلِيـلَةِ فِي اكْتِمَالِ

سَيَنْهَضُ رَغْمَ رَيْنِ الخَوْفِ فِينَا

وَيَكْشِفُ خَوْرَ أَصْحَابِ المَعَالِي

فَلاَ يُبْقِي لَدَى الأَسْبَـاطِ كَيْـلاً

وَيَمْسَحُ دَمْـعَ رَبَّـاتِ الحِجَالِ

أَشْجَانُ قَلْبِـي

دَعِي القَلْبَ يَنْفُضُ عَنْهُ الغُبَارَ

فَلَنْ يَنْشُدَ الوُدَّ رَغْمَ انْدِحَارِهْ

بِرَغْمِ السُّهَادْ

بِرَغْمِ الأَسَى وَافْتِرَاشِ القَتَادْ

بِرَغْمِ مُرُورِ اللَيَالِي الشِّدَادْ

سَأُبْعِدُ عَنْ كَاهِلِي ..

عِبْءَ هَذَا الشَّجَنْ

وَإِنْ حَاوَلَ الدَّمْعُ مِنِّي انْهِمَارا

سَأَفْقَأُ عَيْنَيَّ قَبْلَ انْحِدَارَهْ

وَلَنْ أَنْثَنِي

أَدُوسُ عَلَى القَلْبِ حَتَّى يَئِنّ

وَلَنْ أَنْحَنِي

فَمَا كُنْتِ أَوَّلَ إِنْسَيَّةٍ

قَدْ سَرَتْ فِي دَمِي

فَقَبْلَكِ يَا قُرَّةَ العَيْنِ

قَاسَى كَثِيرا

وَلَكِنَّ مِثْلَكِ لَمْ تَكْتَنِفْهُ

وَلاَ أَرَّقَتْهُ لَيَالٍ طَوِيلَهْ

لِمَاذَا ؟

لأَنَّ دِيَارَكِ لَيْسَتْ دِيَارِي

وَسُورُ العَقِيدَةِ سَدٌّ مَنِيعٌ

يَحُولُ ..

إِذَا مَا اشْتَهَيْتُ التَّلاَقِي

لِذَلِكَ أَصْبَحْتُ فِي نَاظِرَيْكِ ..

عَدُوّاً يُنَاوِئْ

لَقَدْ صَادَرُوا ..

الشَّمْسَ قَبْلَ الشُّرُوقْ

وَحَتَّى السَّحَابَ الكَثِيفَ انْدَثَرْ

تَسَاءَلْتُ أَيْنَ أَرِيجُ الزُّهُورْ ؟

وَأَيْنَ الضِّيَاءُ وَأَيْنَ الأَمَلْ ؟

وَأَيْنَ صُدَاحُ البَلاَبِلِ فِي الأُفْقِ ؟

بَلْ أَيْنَ حَتَّى حَفِيفُ الشَّجَرْ ؟

إِذَا مَا عَبَسْتِ ..

يَسُوءُ السَّمَرْ

وَأَشْعُرُ أَنَّ الدُّرُوبَ الرِّحَابْ 

مِنَ الضِّيقِ بَزَّتْ ثُقُوبَ الإِبَرْ

وَأَنَّ المِيَاهَ العِذَابَ النَّقِيَّهْ

صَارَتْ أُجَاجـاً

كَأَنِّي حَيَاتِي الَّذِي قَدْ جَنَيْتُ

وَأَنْتِ الضَّحِيَّهْ

رُوَيْداً سَأَسْلُو وَلَوْ بَعْدَ حِينْ

بِرَغْمِ السِّهَامِ الَّتِي تَقْذِفِينْ

لِتُصْبِحَ ..

أَشْجَانُ قَلْبِي الحَزِينْ

مَعَ الصَّبْرِ ذِكْرَى

وَيُصْبِحَ ..

كُلُّ الَّذِي قِيلَ عَنْكِ

مِنَ الشِّعْرِ

رَغْمَ التَّفَاعِيلِ

نَظْماً مَقِيتاً وَنَثْرا

بنغازي                                jazalus@yahoo.com