يؤكد الكاتب أنه ليس من دعاة مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية. ويشير إلى أن عرب الداخل قد يشكلون قوة سياسية، رغم هامشية الصوت العربي، وبالتالي يمنعون من وصول اليمين المتطرف للحكم، ويضمنون حكومة، ليست تماماً ما يريدون، ولكنها تختلف بتوجهها الاجتماعي والسياسي عن حكومة بيبي نتنياهو.

أحزاب عربية وانتخابات اسرائيلية

نبيل عودة

لست من دعاة مقاطعة الانتخابات. رغم أن الصوت العربي، حسب النتائج الملموسة، هو هامشي، وقيمته بما يقدمه لبعض من يدعون أنهم قادة هذا الشعب والمناضلين من أجل حقوقه، ونضالهم يمكن تلخيصه بجلوسهم منعمين مكرمين في كنيست اسرائيل.

طبعا أنا أميز بين أعضاء الكنيست العرب ولا أضعهم في سلة واحدة.

أنا معجب بنشاط الدكتور أحمد طيبي البرلماني والإعلامي وأعتبره الأفضل تعبيراً عن الموقف الوطني والاجتماعي. ولكني لن أصوت له إطلاقا ضمن قائمة تسيطر عليها حركة دينية هي الحركة الإسلامية، ليس من منطلق علمانيتي، بل من منطلق رفضي لجعل الدين سياسة وتقسيم المواطنين العرب داخل اسرائيل، الذين يواجهون نفس السياسة التمييزية العنصرية، إلى إسلاميين وغير إسلاميين. عملياً، نفس السياسة التي نرفضها من السلطة الاسرائيلية التي ترفض أن تعترف بنا كأقلية قومية، وتعتبرنا مجرد طوائف بلا رابط قومي مسلمين،مسيحيين، بدو ودروز، هذا ما قلته بوضوع للدكتور احمد طيبي وبشكل مباشر وشخصي.

كمثقف تلقى تثقيفه داخل أطر المدرسة الوطنية والفكرية التي شكلت تاريخياً العمود الفقري للجماهير العربية في اسرائيل، مدرسة الحزب الشيوعي، رغم ابتعادي عن الكثير من الطروحات الفكرية للفكر الشيوعي، إلا أني أرى بها القاعدة الأكثر قرباً في التعبير عن ميولي السياسية والفكرية.

هذا لا ينفي أني لا أمتنع عن النقد لمواقف لا أتماثل معها، خاصة الموقف من النظام السوري، لكني لا أريد اقحام هذا الموضوع، رغم خطورته وأهميته، في قضية انتخابات.

يشكل اختيار الممثلين العرب للقوائم الانتخابية، مسأله لا تلفت انتباه واهتمام الجمهور العربي وثانويتها السياسية غير مخفية عن مجمل السياسة الاسرائيلية إلا بما يمكن أن نسمية صوت مثير لغضب اليمين الفاشي في اسرائيل.

نحن نشارك بلعبة سياسية، لا يبدو أننا نؤثر في إطار توزيع القوى الحالي على نتائجها.

هل هناك ضرورة لموقف مغاير؟ كدعم حزب يساري يهودي مثل حزب "ميرتس"، الذي يثبت منذ فترة طويلة أن موقفه من الاحتلال والاستيطان وإقامة دولة فلسطينية مشابها إلى حد ما لمواقف الأحزاب العربية؟ أيضاً موقفه من المساواة للجماهير العربية في اسرائيل هو موقف فعال وإيجابي؟ على الصعيد الاجتماعي يعتبر قوة اجتماعية مسموعة الصوت في الشارع اليهودي، لكونه حزباً يمثل شريحة اجتماعية هامة. صحيح أن تأثير حزب "ميرتس" الاجتماعي والسياسي ضد الاحتلال لا يترجم بالأصوات، وهو أمر محير في الانتخابات الاسرائيلية. استطلاعات الرأي تشير إلى أكثرية من أجل سلام مع الفلسطينيين، حتى بثمن إخلاء المستوطنات وتقسيم القدس (حسب استطلاعات الرأي 70% من المواطنين في اسرائيل من أجل حل سلمي مع الفلسطينيين) في التصويت يتلاشى هذا الموقف!!

الغريب أن نتائج الانتخابات لا تعبر عن هذا الاتجاه. الأمر الذي يعتبر موضوعاً يحتاج إلى تحليل مختصين لفهم هذه العملية المعقدة والغريبة.

الشيء بالشيء يذكر، الحزب الشيوعي كان التنظيم الوحيد في الوسط العربي خلال عقدين كاملين تقريباً، بصفته حزباً يهودياً عربياً، تأثيرة كان شاملاً على المجتمع العربي، هو العنوان الذي كان يلجأ إليه المواطنون العرب بمختلف قضاياهم ومشاكلهم وهمومهم. قدم قادته وكوادره العرب نضالات وتضحيات كبيرة، خاصة في العقدين الأولين بعد إقامة اسرائيل، تضحيات بنكران للذات تستحق أن تسجل بحروف من ذهب بسجلات التاريخ النضالي لشعبنا. في التصويت لا يحصل الحزب الشيوعي على الأصوات التي تشكل قوته الحقيقة المؤثرة على مجتمعه العربي. مثلاً في مطلع الستينات، أثناء الخلاف المؤسف بين جمال عبد الناصر والشيوعيين، فقد الحزب الشيوعي نصف قوته البرلمانية. لمن ذهبت الأصوات؟ بالطبع لقوائم انتخابية عربية تحت وصاية حزب صهيوني حاكم، اليوم اسمه حزب "العمل" وسابقا كان "مباي"- حزب رئيس حكومة اسرائيل الأول بن غوريون، ولأحزاب صهيونية أخرى.

مستهجن؟! لا شيء غريب في السياسة عندما يكون الجمهور قصير الذاكرة، وقصير النظر، ويواجه ضغطاً من مؤسسات السلطة، تؤثر على واقعه الإقتصادي والإجتماعي، لدرجة الحرمان من الوظائف !!

ولا  بد أن نصوت. التصويت هو تعبير عن موقف الجماهير العربية من واقع حياتهم وما يواجهونه من تمييز قومي وتحريض عنصري وعدم مساواة في الحقوق كمواطنين. آمل أن يكون التصويت عقلانياً. هناك من يرفع شعارات وطنية براقة، وكل ما هو براق يثير الإعجاب بالشكل، ولكن لا بد أن نفكر أولاً وآخراً بالمضمون والنهج، فالإنجازات لا تتحقق بالشعارات البراقة والإنعزال القومي.

البعض ينطلق من فرضية أن بيبي نتنياهو سيفوز بالانتخابات، وكل جهودنا ستذهب هباء. وينطلقون من نظرية خاطئة ترى بالمقاطعة موقفاً سياسياً. هو موقف، ضرره أكثر من فائدته ولا يخدم وجهة نظر الداعين للمقاطعة. وأن ننتبه أن الأصوات العقلانية اليهودية أيضاً، وهي كثيرة، ترى بعودة بيبي نتنياهو لرئاسة الحكومة مأساة اسرائيلية. خلال سنوات حكمه تميز بأنه لم يقرر ولم ينفذ أي خطوة سياسية، اجتماعية أو اقتصادية في الاتجاه المطلوب، بل يجهد لضمان استمرار سلطته.

الأمر الأساسي الذي يقلقني هو تمسك بعض القيادات بمناصبها، وإغلاق الطرق أمام قوى ناشئة، وهم بذلك لا يختلفون عن مواقف السلطة في العالم العربي، يوجد رئيس لا يوجد رئيس سابق. ألم يحن الوقت لتحديد فترة زمنية يخلي بعدها عضو الكنيست الساحة لقوى جديدة؟ ألا ينفع النضال من خارج مقاعد الكنيست؟ هل تنتهي حياة السياسي القائد، إذ لم يعد في منصب رسمي داخل المؤسسة الحاكمة الصهيونية؟

إن الفكرة السائدة بأن الكنيست هي المكان الملائم لقيادة نضال الجماهير العربية، هي فكرة ضالة ومضللة. لا أنفي أهمية النضال البرلماني، ولكني أشير إلى تنوع نضالي بتنا نفتقده. هناك حالة مرضية تواجه الأحزاب العربية، تتلخص بتراجع حاد في مكانتها كقائدة للمجتمع المدني، وقصور عن مواجهة التحديات التي يطرحها التطور السياسي والاجتماعي أمام الجماهير العربية في اسرائيل.

الحالة الثانية التي لا تقل خطورة،  تتعلق بشخصنة الأحزاب العربية، أي تحول الأحزاب إلى أحزاب الشخص الواحد. وهذه الظاهرة  تقود بشكل نسبي مختلف إلى حالات من الضحالة الفكرية، والسطحية السياسية، والبهلوانيات وانطفاء الدور الحقيقي السياسي والاجتماعي للأحزاب.

إن التسلط يفرغ التنظيم من مضمونه. صحيح أن رؤيتي العامة تميل إلى رؤية نهاية حقبة تاريخية شكلت فيها الأحزاب القوة المركزية في مجتمعاتها، إلى رؤية حداثية بأن المجتمع المدني الحديث، يحتاج إلى منظمات مجتمع مدني تدير شؤونه، وليس إلى أحزاب انتهى دورها التاريخي النظري، كممثلة لقطاعات المجتمع المدني المختلفة، أو طبقات بمفاهيم قديمة. ما أراه أن الأحزاب لم تعد أكثر من تنظيمات انتخابية، يتنافس كادرها الأعلى على المناصب. طبعاً المسألة نسبية بين حزب وآخر، رغم أن الجوهر متماثل إلى حدٍّ بعيد!!

فقط أعمى البصر والبصيرة لا يرى نزع الثقة بالأقدام، وأعني هنا الانسحابات المتواصلة من عضوية الأحزاب، وإغلاق الكثير من الفروع التي لم تعد إلا مجرد مكتب وتلفون. ولكن الظاهرة الأخطر برأيي هو تخبطات الأحزاب لدرجة فقدانها القدرة على النطق في أحيان كثيرة، خاصة أمام حالة الهبوط المتواصل في قوتها السياسية والتمثيلية.

في البلدات العربية تتطور وباستمرار ظاهرة العائلية السياسية حيث اعتقدنا أننا تخلصنا منها. ولا نتجاهل المصيبة الأمر والمدمرة أكثر، ألا وهي الطائفية السياسية. أمام هاتين الظاهرتين يحدث الهبوط المتواصل في الحياة السياسية، في الوعي السياسي، في الجاهزية النضالية للمواطنين ويتنامى التصلب الديني، يزداد التصلب العائلي، يضعف الانتماء القومي وتتعمق ظاهرة الانعزال القومي، أي نتصرف كما تريد لنا السلطة الصهيونية.

لا بد أن أشير إلى ظاهرة أخرى بالغة الأهمية والخطورة وهي اضمحلال الدور التثقيفي للأحزاب. الصحافة، خاصة الشيوعية، شكلت مدرسة تثقيفية جماهيرية، هذه الظاهرة لم تعد قائمة، الصحافة الحزبية أصبحت مجرد نشرات حزبية مملة بما في ذلك صحف لها تاريخها، أما المحاضرات والندوات فأصبحت سجلاً لزمان قد اندثر.

قبل إنهاء ملاحظاتي لا بد أن أشير إلى ظاهرة استمرار عزل المرأة في صفوف أحزابنا، وإذا أعطيت مكاناً فهو مكان غير مضمون. وهذه ظاهرة تشير إلى استمرارية العقل الذكوري، الذي لا يتردد بإطلاق تصريحات حول حقوق النساء والمساواة، وعلى أرض الواقع فإن دور الرجل في الساحة السياسية ودور المرأة في المطبخ لاعداد القهوة للرجال وإطلاق الزغاريد إذا نجح الزعيم-الرجل.

من سيزغرد لنجاح المرأة؟ سؤال بايخ، النساء يزغردن بكل الحالات!!

أنبه الجبهة (الحزب الشيوعي) خاصة، إلى قصورها المؤلم في هذا المجال، شكل الحزب الشيوعي فكرياً أكثر الأحزاب  تماثلاً مع فكر المساوة بين النساء والرجال، بالتنفيذ ظل متخلفاً عن سائر الأحزاب. حزبان صهيونيان أدخلا امرأتين عربيتين لعضوية الكنيست، هذه ليست مسألة شكلية في مجتمعنا، بل مسألة لها جانب تثقيفي وحقوقي هام. حزب التجمع كسر الطابو الذكوري العربي وأدخل امرأة لعضوية الكنيست وهذا سبق سياسي واجتماعي وأخلاقي هام. الحزب الشيوعي ما زال يتخبط في المنافسة بين الذكور، ويدفع المرأة إلى الخلف رغم أنه أقر الثلث للنساء. هل هو الثلث غير المضمون؟! أما الحركة الإسلامية وحلفائها من العربي الديمقراطي، والدكتور أحمد طيبي (العربية للتغيير)، فلا أرى أنهم مؤهلون لهذه الخطوة.

من حق المنظمات النسائية أن تدعو لعدم التصويت لقائمة لا ترشح امرأة في مكان متقدم ومضمون، لما لهذا الموضوع من أهمية تربوية وأخلاقية تتجاوز إطار التمثيل السياسي.

لم أقصد بهذا المقال ذماً أو قدحاً لفئة سياسية ما، بل حاولت أن أضع تصوري لما نحن مقبلون عليه تجاه المعركة السياسية الإنتخابية الهامة. صحيح أننا لن نكون الصوت المقرر، ولكن قد نكون قوة سياسية قادرة على تشكيل كتلة مانعة ضد وصول اليمين المتطرف إلى مواقف مؤثرة وفعالة  وتشكل ضماناً لحكومة ليست تماماً ما نريد، إنما تختلف بتوجهها الاجتماعي والسياسي عن حكومة بيبي نتنياهو.

ولنا مع حكومة اسحق رابين تجربة هامة!!

 

Nabiloudeh@gmail.com