تقدم (الكلمة) هنا، وضمن هذا المحور الخاص عن كاتب نوبل، والذي يتشكل من ثلاثة نصوص عنه، وترجمة للفصل الأول من روايته الأخيرة (الضفادع)، أول حوار عربي معه أجراه مترجمه المصري الذي ترجم أول رواية تصدر له بالعربية، ورعته القناة الثقافية السعودية، ويكشف فيه عن الكثير من ملامح شخصيته ورؤيته.

حوار مع أديب نوبل الصيني مو يان

أجراه مترجم رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» إلى العربية

حسانين فهمى حسين

بدأت علاقتي بمو يان في الحقيقة مع أعماله، قبل أن تربطني به أي علاقة مباشرة. حيث أخذت أعمال مو يان تثير انتباهي منذ دراستي للماجستير في الأدب الصيني، وتحديدًا في عام 2003. وفي خريف عام 2007 التقيت به لأول مرة في ندوة بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، والتي كانت حول أدب منطقة الشرق الأوسط. وقد ألقى السيد مو يان خلال الندوة كلمة حول الأدب الصيني المعاصر ومشواره الإبداعي. وكنت قد طرحت عليه خلال هذه الندوة عددا من التساؤلات الخاصة بالأدب الصيني وأعماله وتقييمه لما وصل إليه الإبداع الأدبي في الصين، ولماذا تأخرت نوبل الآداب عن الأدباء الصينين، خاصة بعد تخطيها لشيخ الأدب الصيني صاحب ثلاثية "التيار" الروائي الراحل باجين. وقد وعدني السيد موا يان حينها بلقاء خاص يجيب فيه عن تساؤلاتي حول الأدب الصيني، وخاصة بعد أن ذكرت له اهتمامي بأعماله ورغبتي في ترجمة رائعته المعروفة "الذرة الرفيعة الحمراء".

وكان اللقاء الثاني الذي جمعني بصاحب نوبل في 20/11/ 2007 أي بعد حوالي شهر من لقائنا الأول. وقد استقبلني السيد مو يان حينها في إحدى المقاهي التي تحمل عبق بكين القديمة في منطقة فو تشينغ مين. واستمر اللقاء ما يزيد على ساعتين شملني خلالهما بالكثير من كرم الضيافة وسعة الصدر والتواضع الجم الذي يعرف به مو يان بين الكتاب الصينين. وبدأ اللقاء بأن تفضل وأهداني مجموعة من أعماله وقد وقعها بكلمات رقيقة تعبر عن تواضعه وأخلاقه العالية. وكان من بين هذه الأعمال رواية (الذرة الرفيعة الحمراء). والتي بد أت أسئلتي بها، حيث كان السؤال الأول للسيد مو يان حول ما يذكره بعض النقاد من أن هذه الرواية تتشابه مع السيرة الشخصية لمو يان. وكان الجواب بالنفي، وذكر أنها واحدة من أهم الأعمال التي كتبها خلال مشواره الإبداعي، والتي صورت مجتمع ريف مدينة قاو مي بمقاطعة شان دونغ، والتي استخدام فيها أسلوب الواقعية السحرية متأثرًا بأديب نوبل المعروف جارثيا ماركيز. كما ترجمت هذه الرواية إلى أكثر من 11 لغة أجنبية، ويسعده أن تترجم هذه الرواية المهمة إلى العربية. وهنا كان السؤال الثاني حول تأخر وصول أعمال مو يان إلى القارئ العربي.

فأجاب بأن الصين ولا شك ترتبط بعلاقات وطيدة مع العالم العربي ومصر بوجه خاص، فمصر والصين كلتاهما دولة ذات حضارة عريقة وتاريخ طويل، إلا أن حاجز اللغة ربما يكون هو السبب الأول في تأخر وصول الأعمال الأدبية الصينية إلى القارئ العربي، وذلك لقلة عدد المتخصصين في مجال الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، كما أنه لا ينفي ضعف حركة التبادلات الأدبية بين الصين والبلدان العربية، وغياب الاهتمام بهذا المجال المهم. وفي نهاية اللقاء أعرب السيد مو يان في تواضع شديد عن سعادته بهذا اللقاء الذي يعتبر اللقاء الأول الذي يجمعه بصديق مصري يتقن اللغة الصينية، وباحث في الأدب والثقافة الصينية. وتفضل سيادته وقدم لي موافقة خطية على ترجمة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" وقصة "الفجلة الذهبية" ونشرهما في مصر وغيرها من الدول العربية. وأعرب عن تمنياته بأن تستمر الصداقة فيما بيننا وأن تجمعنا لقاءات مستقبلية.

ومنذ ذلك اللقاء وأنا أحافظ على علاقة طيبة مع السيد مو يان من خلال المكالمات التليفونية والمراسلة بالبريد الإلكتروني. وكنت قد هاتفته في يوم 11/10/2012 عقب الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل هذا العام، وأعربت له عن سعادتي بهذا الخبر وأنه جدير بالفوز بهذه الجائزة الرفيعة. كما أخبرته بأن القارئ العربي سيكون على موعد قريب جدًا مع مطالعة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" والتي تعتبر أول رواية له تترجم إلى العربية. وقد عبر لي عن سعادته باتصالي به وسعادته أيضًا بقرب صدور الترجمة العربية لروايته "الذرة الرفيعة الحمراء"، وحيث كان يتابع معي مرحلة ترجمتها إلى أن انتهيت منها في أواخر عام 2009 وأخبرته بأنني على وشك تقديمها بعد المراجعة الدقيقة للمركز القومي للترجمة بمصر. وفي نهاية المكالمة أعرب لي عن تمنياته بأن نلتقي قريبًا، حتى كان لقائي الأخير معه بتاريخ 12إلى 14 نوفمبر 2012 حيث زرته في مسقط رأسه بمدينة قاو مي بمقاطعة شاندونغ شمال شرق الصين.

ويعد هذا اللقاء أول لقاء لمو يان مع مترجم أجنبي لأعماله منذ إعلان فوزه بنوبل هذا العام. وقد أحاطني السيد مو يان خلال زيارتي له بكثير من حسن الضيافة. فهو معروف بتواضعه الجم وبساطته وصراحته وغيرها من الصفات الحميدة التي يتميز بها الإنسان الشرقي. فكان السيد مو يان قد استقبلني في محطة قطار المدينة، وصحبني إلى أكبر فندق بها، واجتمعنا بعد حوالي نصف ساعة من وصولي إلى مسقط رأسه على مائدة عامرة بأشهى المأكولات التي تتميز بها مقاطعة شاندونغ. وهكذا عشت مع مو يان في مسقط رأسه الكثير مما قرأته في أعماله من عادات أهل مدينة قاو مي وتذوقت الأطعمة التي يفضلونها، وتقابلت مع الكثير من الشخصيات التي جعلتني أشعر بأنني داخل رواية من رواياته. وفي صباح اليوم التالي استقبلني في منزله ودار بيننا حوار طويل حول فوزه بالجائزة وتقيمه لواقع الأدب الصيني المعاصر وحجم التبادلات الأدبية بين الصين والعالم الخارجي وغيرها من القضايا. كما التقيت خلال هذه الزيارة بزوجته وحفيدته وأخيه والكثير من أقرب الناس إلى مو يان والذين لمست منهم كل الكرم وحسن الاستقبال.

 

نص الحوار
حسانين: الكاتب والروائي العالمي السيد مو يان، بداية يسعدني أن ألتقى بسيادتكم بعد فوزكم بجائزة نوبل للآداب عام 2012 في مسقط رأسكم في مدينة قاو مي وفى منزلكم. فأسمحوا لي أن أتقدم لكم بالأصالة عن نفسى وبالنيابة عن جمهور القراء العرب وعن محطة القناة الثقافية بتلفزيون المملكة العربية السعودية، أن أتقدم إليكم بالتهنئة بمناسبة حصولكم على جائزة نوبل للآداب هذا العام 2012

مو يان: شكرا لكم أيها الصديق العربي الذى جاء إلى مدينتنا من المنطقة العربية قاطعًا الأميال الطويلة، وشكرًا لجمهور القراء العرب ولمحطة التلفزيون السعودي.

حسانين: السيد مو يان تتمتع الصين بعلاقات صداقة طويلة وطيبة مع العرب، وقد شعر القراء العرب هذا العام بسعادة بالغة بمناسبة حصول الأديب الصيني مو يان على هذه الجائزة الأدبية الرفيعة. سيد مو يان هل يمكن أن تطلعنا كيف استقبلتم نبأ فوزكم بجائزة نوبل للآداب هذا العام 2012.

مو يان: أذكر أننى كنت قد تلقيت في تمام الساعة السادسة والنصف مساءًا بتوقيت بكين يوم الحادي عشر من أكتوبر الماضي، تلقيت مكالمة من السيد سكرتير لجنة نوبل وقد أخبرني بنبأ فوزى بجائزة نوبل للآداب لعام 2012.

حسانين: وكيف استقبلتم هذا الخبر؟

مو يان: أذكر أننى كنت قد شعرت آنذاك بشيء من الدهشة، وحيث يتابع الكثيرون خلال السنوات الأخيرة ترشيحي لهذه الجائزة الرفيعة، وإذ كنت أشعر بأنني لازلت في مرحلة عمرية مبكرة لأن أحصل على هذه الجائزة، حيث أنها عادة ما تمنح للأدباء الذين تصل أعمارهم إلى السبعين والثمانين. فأنا بلغت هذا العام عامي السابع والخمسين. فشعرت بالدهشة لأن تكون هذه الجائزة من نصيبي هذا العام، وأنا أثق بأن الساحة الأدبية العالمية بها الأن مجموعة كبيرة من الأدباء العظام الذين هم جديرون بالحصول على هذه الجائزة الرفيعة، والذين ربما يكون بعضهم أقدر منى للحصول على هذه الجائزة. ومن ثم فإنه يشرفني أن تكون الجائزة من نصيبي هذا العام.

حسانين: عظيم. إذا فهل يمكن القول بأن حصولكم على هذه الجائزة الأدبية الرفيعة في هذا العمر قد يكون له تأثير على مشواركم الإبداعي فيما بعد؟

مو يان: بالطبع قد يكون لها بعض التأثير. وخاصة أنه يمكن أن يكون لها تأثير ملحوظ على إبداعي خلال الستة أشهر القادمة، عقب الإعلان عن فوزى بالجائزة. حيث سيصعب على التمتع بحياة مستقرة بسبب اللقاءات الإعلامية والندوات وغيرها من الأنشطة الاجتماعية المتعلقة بهذا الحدث. وأنا على ثقة بأنني سأتمكن من تجاوز هذا الأمر خلال ستة أشهر وأن أعود إلى نشاطي الإبداعي. وكما تعلمون أنني كنت قد حصلت العام الماضي 2011 على جائزة مادون الأدبية والتى تعتبر أرفع الجوائز الأدبية الصينية، وقد استطعت آنذاك أن أنسى فوزى بهذه الجائزة بعد حوالى عشرة ايام من إعلان فوزى بها، وعدت سريعًا إلى حياتي الإبداعية. وأتمنى أن أنسى فوزى بنوبل وأعود سريعًا لاستكمال مشواري الإبداعي خلال مدة أتمنى ألا تزيد عن عام فقط. حيث أنني أرى أن هذه الجائزة عادة ما يكون لها تأثير واضح على المشوار الإبداعي للأدباء الذين يحصلون عليها، وأن بعضهم يعجز عن إبداع أعمال قيمة بعد الجائزة. ولا شك أن حصولي عليها في هذا السن المتقدم سيساعدني من خلال بذل مزيد من الجهد على استكمال مشواري الإبداعي وتقديم أعمال أفضل من أعمالي قبل الجائزة. وربما يكون ذلك أفضل ما يمكن أن أقدمه لجمهور القراء الذى يتابعون أعمالي وللجنة نوبل التي شرفت بثقتها في إختياري لمثل هذه الجائزة الرفيعة.

حسانين: عظيم. سيد مو يان وهل تعتقدون أن منح جائزة نوبل هذا العام لكاتب صيني يشير إلى أن لجنة نوبل قد ألتفتت أخيرًا إلى الأدب الصيني؟

مو يان: مما لا شك فيه أن الصين شهدت خلال الثلاثين عامًا الأخيرة منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينيات تطورًا كبيرًا في شتى مناحي الحياة بما فيها مجال الإبداع الأدبي. وقد قدم الأدباء الصينيون خلال هذه الفترة عدد كبير من الأعمال الأدبية التي حازت تقدير القراء داخل وخارج الصين.

حسانين: وما رأيكم في ما ذكرته لجنة نوبل في حيثيات منحكم هذه الجائزة الرفيعة من أن أعمالكم تتميز بالمزج بين ما هو واقعي وما هو أسطوري وتأثركم بالواقعية السحرية؟

مو يان: نعم تتميز أعمالي بالمزج بين الواقعي والخيالي والغوص في عالم الأحلام، وليس العالم السحري بالمعنى الدقيق للكلمة، وهذا يشير إلى اختلاف معنى كلمة السحر الذى أشارت إليه لجنة نوبل، وبين معنى المفردة في اللغة الصينية. وحيث حضرت ندوة السيد سكرتير لجنة نوبل التي عقدت في شنغهاي الشهر الماضي، ولاحظت اختلاف الترجمة الإنجليزية لكلمات لجنة نوبل في تقييم إبداعي. أما عن تيار الواقعية السحرية ورائده جابريل جارثيا ماكيز، فإنه بالطبع كان له تأثير واضح على إبداعاتي القصصية في فترة الثمانينيات. وأن أسلوب ماركيز كان له تأثير كبير على أسلوبي في تلك الفترة وحيث كنت اسير على خطى الواقعية التقليدية الصينية. أما عن المزج بين ما هو واقعى وخيالي أو أسطوري في أعمالي، فيجب أن نشير في ذلك إلى نشأتي في هذه المنطقة من الصين، هذه المنطقة الغنية بالتراث الشعبي والأساطير الثرية، وتأثري بأعمال كتاب صينين ينتمون إلى هذه المنطقة مثل الكاتب الصيني بوسونغ لينغ الذى عاش غرب هذه المدينة قبل حوالى مائتين عام مضت، هذا بالإضافة إلى تأثري بأمهات الأدب الصيني الكلاسيكي مثل "حلم المقصورة الحمراء" للكاتب تساو شويه تشين وغيرها من الأعمال الكلاسيكية. وفى هذا الصدد أفضل أن يذكر بأن تأثري بالكاتب الصيني بوسونغ لينغ إبن شاندونغ بالمزج بين الواقعي والأسطوري يفوق تأثري بجارثيا ماركيز.

حسانين: انطلاقا من هذه النقطة والحديث عن جابريل جارثيا ماركيز والأدب العالمي، فهل يمكن لسيادتكم أن تحدثنا عن أهم الكتاب الصينيين والأجانب الذين كان لهم تأثير واضح على إبداعاتكم؟

مو يان: بالطبع. فإذا تحدثنا عن الكتاب الأجانب فإنه فضًلا عن جارثيا ماركيز، هناك أيضًا الأمريكي وليام فوكنر والياباني ياسوناري كوابا والكاتب الألماني إدجار هيلسنرات وميخائيل شولوخوف و تولستوي وغيرهم من الكتاب الكبار. أما عن الكتاب الصينين فهناك كما ذكرنا بوسونغ لينغ وتساو شويه تشين ومن الأدب الحديث هناك الكتاب لو شيون وماو دون وشين تسونغ ون والذين كان لهم تأثير واضح على إبداعاتي.

حسانين: تهتم بعض الجامعات الصينية مؤخرًا بعقد ندوات حول إبداعاتكم وتشير كثير من الدراسات إلى الربط بينكم وبين الأديب الصيني الكبير لو شيون رائد الأدب الصين الحديث في مطلع القرن العشرين، ووجود تشابه كبير بين أسلوبكم والأسلوب الواقعي النقدي الذى يمثل لو شيون والاهتمام بالإنسان البسيط في المجتمع الصيني وغيرها من الجوانب. وحيث كنت قد شاركت شخصيًا منذ يومين في فعاليات مؤتمر دولى حول دراسات وترجمات الأديب لو شيون. فما رأيكم في هذا الأمر؟

مو يان: يتميز الأدب الصيني الحديث والمعاصر بمحافظته على التواصل بين الأجيال المتلاحقة، وحيث كان لإبداعات الكتاب الصينين الممثلين للأدب الصيني الحديث قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية وعلى رأسهم لو شيون، كان لهم تأثير واضح على إبداعات عدد من الكتاب المعاصرين الذين أنتمى إليهم. فقد أستطاع لو شيون أن يفتح الطريق أمامنا للكتابة في مجال الواقعية النقدية ووضع أمامنا عدد من الموضوعات الأدبية الهامة التي استطعنا أن نكتب فيها، وخاصة فيما يتعلق بالاهتمام بالإنسان البسيط ومشكلاته الحياتية، إلا أنني أعتقد أننا لم نبذل الجهد المناسب في هذا المجال. وقد استطعنا في الوقت ذاته أن نحقق نجاحًا كبيرًا في جوانب أخرى، وهذا ليس من باب الغرور، وإنما تعبيرًا عن التطور الذى شهدته الصين والأبداع الصيني.

حسانين: ما دمنا نتحدث عن رواد الأدب الصيني الحديث أمثال لو شيون وماو دون وغيرهم، فما رأيكم في القول بأن جائزة نوبل كانت قد تخطت هؤلاء الكتاب مثل لو شيون وماو دون وشين تسونغ ون وباجين ولاوشه وغيرهم من الرواد؟

مو يان: في الحقيقة من الصعب الحديث حول هذا الموضوع خاصة أننا لم نطلع على الملفات الخاصة بلجنة نوبل وما يتعلق بهؤلاء الكتاب الكبار. في حين تجدر الإشارة إلى أن أحد أعضاء لجنة نوبل كان قد ذكر أن اسم الكاتب الصيني شين تسونغ ون كان قد وصل إلى القائمة القصيرة عام 1986 وحيث توفى شين تسونغ ون قبل فترة قصيرة من إعلان الفائز بالجائزة آنذاك. وبالطبع فإن إدراج أسمه ضمن القائمة القصيرة للجائزة لا يعنى إمكانية فوزه بها.

حسانين: وماذا عن الأديب باجين.

مو يان: أعتقد أن أسم باجين لم يدرج من قبل في قوائم نوبل.

حسانين: يتمتع الأديب الصيني باجين بمكانة هامة في تاريخ الأدب الصيني الحديث، كما ترجمت الكثير من أعماله إلى اللغات الأجنبية، وحازت تقدير القراء الأجانب وخاصة رواية "العائلة". ومن ثم فإن الكثير من المهتمين يتعجبون من تخطى نوبل لهذا الأديب الصيني الكبير الذى أثرى الحياة الأدبية في الصين لفترة طويلة.

مو يان: في الحقيقة أن هذا الأمر يبدو معقدا بعض الشيء، ويرتبط ذلك إلى حد كبير بواقع الصين في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وأن الأدب الصيني لم يحظى آنذاك بالنشر والترجمة المناسبة إلى اللغات الأجنبية. إلا أن عدم حصول هؤلاء الكتاب مثل لو شيون وباجين ومادون وشين تسونغ ون بجائزة نوبل لا يقلل من مكانتهم وقيمتهم الأدبية. ولم يؤثر ذلك مطلقًا على مكانتهم في تاريخ الأدب الصينى وفى قلوب القراء الصينيين.

حسانين: سيد مو يان تتميز أعمالكم بأنها ربما كانت من أوائل وعلى رأس الأعمال الأدبية لجيلكم التي ترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية، وحصدت عدد كبير من الجوائز المحلية والعالمية قبل فوزكم بنوبل هذا العام. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

مو يان: بالطبع بدأت ترجمة أعمالي إلى عدد من اللغات الأجنبية منذ نهاية الثمانينيات. وكانت اللغة الفرنسية أول اللغات الأجنبية التي ترجمت إليها أعمالي وخاصة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء"، واستمرت الترجمة إلى مختلف اللغات التي أعتقد أنها بلغت العشرين لغة. وحيث نرى أن أعمالنا ربما تتميز ببعض الجوانب التي تجذب القراء الأجانب والمترجمين عن الأدب الصيني المعاصر. وحيث يجد القارئ الأجنبي في أعمالنا بعض الجوانب التي ربما لن يجدها في أعمال كتاب أخرين. إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن الساحة الأدبية الصينية غنية بعدد كبير من الكتاب المعاصرين الذين لديهم الأعمال المميزة ولكن لم يتم ترجمتها بشكل كبير كما حدث مع الأعمال الخاصة بنا.

حسانين: سيد مو يان فيما يتعلق بترجمة أعمالكم لهذا العدد الكبير من اللغات الأجنبية، إلا أنه عند الإعلان عن فوزكم بنوبل للآداب هذا العام كان هناك فقط روايتكم "الذرة الرفيعة الحمراء" التي أعلن عن ترجمتها إلى اللغة العربية. فما رأيكم في هذه القضية الهامة؟ وهل لها علاقة واضحة بحجم التبادلات الثقافية والأدبية بين الصين والعالم العربي؟

مو يان: بداية نشير إلى عمق العلاقة التي تربط بين الصين والعالم العربي منذ زمن بعيد، وحيث يتمتع الطرفان بعلاقات طيبة في المجالات الاقتصادية والثقافية منذ آلاف السنين والتي تعتبر أقدم بكثير من العلاقات التي تربط بين الصين والعالم الغربي. وهناك بالطبع تأثر متبادل بين الثقافتين الصينية والعربية. في حين أن المنطقة العربية شهدت في العصر الحديث الكثير من الاضطرابات السياسية التي كانت سببًا في التأثير على الجانب الثقافي والقراءة عند المواطن العربي، كما نعتقد أن قيامكم بترجمة روايتنا "الذرة الرفيعة الحمراء" إلى العربية تعد بادرة طيبة لترجمات الأدب الصيني المعاصر إلى العربية، والتعريف به لدى جمهور القراء العرب. كما نتمنى أيضًا أن يشهد مجال الترجمة عن الأدب العربي تطورا واضحا وأن يطلع القراء الصينيون على أعمال الأدباء العرب الكبار أمثال نجيب محفوظ والشعراء العرب المعاصرين أمثال محمود درويش وأدونيس وغيرهم من الأدباء من مصر ولبنان وسوريا وغيرها من الدول العربية.

حسانين: وهل أتيحت لكم الفرصة لقراءة أعمال لهؤلاء الكتاب أمثال نجيب محفوظ وغيره من الأسماء التي أشرتم إليها؟

مو يان: نعم أطلعت على بعض أعمال الروائي المصري نجيب محفوظ وخاصة روايته "أولاد حارتنا" وبعض أعمال صدرت لها ترجمات بالصينية. ولم تتح لي الفرصة لمطالعة أعمال كتاب عرب أخرين.

حسانين: وكيف تقيمون أعمال محفوظ؟

مو يان: تتميز أعمال الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ بالأسلوب الواقعي الذى يصور المجتمع المصري والمواطن المصري خير تصوير، وحيث يقدم محفوظ في أعماله صورة واضحة عن المنطقة التي تربى وعاش فيها وأرتبط بأهله،ا ويكتب عن أصدقاء الشباب وعن اهتماماتهم آنذاك، فيمكن القول بأن أعماله تتميز بملامح مصرية خالصة.

حسانين: فيما يتعلق بالأدباء العرب، احتوت قائمة نوبل هذا العام بالإضافة إلى اسم مو يان والكاتب الياباني هاروكي موراكامي أسم الشاعر العربى المعروف أدونيس، كيف تقيمون إبداعات الشاعر أدونيس؟

مو يان: نعم، صدرت مؤخرًا في الصين ترجمة لأشعار أدونيس، وقد أطلعت عليها منذ وقت قريب، وأعتقد أن شعر أدونيس يتميز بملامح عربية واضحة فهو يكتب عن الإنسان العربي ومعاناته. وبالطبع فإن أدونيس شاعر كبير وجدير بالحصول على هذه الجائزة. أما الكاتب الياباني هاروكي موراكامي فهو كاتب كبير ويتمتع بشهرة كبيرة على المستوى المحلى والعالمي. وهناك الكثير من القراء الذين يتابعون إبداعاته الثرية. كما أن أدبه يتمتع بملامح أسيوية خاصة بالإضافة إلى تأثره بالأساليب الإبداعية الغربية. ومن ثم فإن القبول والتقدير الكبير الذى تحظى به أعماله بين جمهور القراء الشباب إنما ينبع من تعبيرها عن الثقافات المتعددة والتأثر بالأساليب الأدبية الحديثة. وبالطبع فإن حصوله على جائزة نوبل سيقابل بالترحيب والسعادة البالغة من قبل جمهور القراء العالميين. وخلاصة القول بأن كل من أدونيس وموراكامى جديرين بالحصول على هذه الجائزة الرفيعة.

حسانين: بالعودة إلى رائعتكم المعروفة رواية "الذرة الرفيعة الحمراء"، فإنه كما ذكرنا كانت هي الرواية الوحيدة التي تم الإعلان عن قرب صدور ترجمتها العربية من ضمن أعمالكم الكثيرة. حتى راح القراء العرب يتساءلون فور إعلان فوزكم بنوبل، من هو هذا الكاتب الصيني الكبير مو يان الذى حازت إبداعاته إعجاب لجنة نوبل. فماذا تقول سيادتكم لجمهور القراء العرب؟

مو يان: بالطبع أود أن أقول لهم أعزاءي القراء العرب في كل البلدان العربية الصديقة، تحية إليكم جميعًا. وبداية أود أن أتوجه إليكم بالشكر على اهتمامكم وزيارتكم ، ولا زلت أذكر أننا كنا قد تقابلنا معًا قبل خمس سنوات من اليوم في بكين، وقد ذكرتكم لي اهتمامكم بدراسة وترجمة الأدب الصيني إلى العربية، ورغبتكم في ترجمة روايتي "الذرة الرفيعة الحمراء" الأمر الذى أسعدني كثيرًا لأن تتاح الفرصة لكم للاطلاع على أعمالي الأدبية. وكنتم قد انتهيتم من ترجمة هذه الرواية عام 2009 أي قبل الإعلان عن فوزى بنوبل بثلاثة أعوام، ولكن تسببت بعض الأمور في تأخر صدورها إلى عام 2012. وبالطبع فإن قرب صدورها خلال هذه الايام يأتي في توقيت مناسب بسبب حصولي على نوبل هذا العام. فهذه الرواية بلا شك تعتبر من أهم أعمالي، وهى أيضًا العمل الذى كان سببًا في شهرتي في الأوساط الأدبية الصينية والعالمية، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي تم عرضه في أواخر الثمانينات وحاز إعجاب الكثيرين داخل وخارج الصين وحصد جوائز كبيرة. فهذه الرواية واحدة من أهم أعمالي الأدبية والتي تعبر خير تعبير عن أبداع مو يان، وعن الأدب الصيني المعاصر في أواخر الثمانينيات. ومن ثم فإنه يسعدني أن أتوجه إليكم بالشكر على جهدكم في ترجمة هذه الرواية المهمة، وأعرب عن سعادتي بأن تتاح الفرصة أخيرًا أمام القارئ العربي للاطلاع على أول روايتي "الذرة الرفيعة الحمراء".

حسانين: شكرًا لسيادتكم على هذا التشجيع. وما هي الأعمال الأخرى لكم التي ترشحونها للقارئ العربي والتي ترون أنها ربما تكون مناسبة لذائقة القارئ العربي؟

مو يان: بالطبع أنني أتمنى أن تتم ترجمة جميع أعمالي إلى العربية وتكون متاحة أمام القارئ العربي الكريم. إلا أنني أعلم صعوبة هذه المهمة في الترجمة من الصينية إلى العربية، وأن هذا ليس بالعمل اليسير. وأتمنى أن يمكن لكم ترجمة أعمال أخرى لي مثل "الإعدام على خازوق الصندل" "النهود الكبيرة والأرداف الممتلئة" و"الحياة والموت.. كبد وعناء" و"التغيرات" و"الفجلة الذهبية" وغيرها من الأعمال.

حسانين: عظيم. ما دمنا نتحدث عن روايات "التغيرات" و"الحياة والموت كبد وعناء" و"الإعدام على خازوق الصندل" وغيرها من الأعمال، فلماذا سيد مو يان تبدو راويتكم "الإعدام على خازوق الصندل" بهذه الصورة الوحشية"؟

مويان: بالطبع يبدو للقارئ ذلك، وهذا ليس بعيدًا عن الحياة التي كان يعيشها الإنسان الصيني آنذاك، والتي كانت ممتلئة بالقسوة والظلم والوحشية. وحيث شهدت هذه المنطقة مدينة قاو مى آنذاك الكثير من الأحداث التي سجلتها الرواية، فنحن نكتب في هذه الرواية عن الواقع الصيني آنذاك وما عاناه المواطن الصيني البسيط آنذاك. فأفضل أن نقول أن الرواية تكتب عن الإنسان خير من القول بأنها تهتم بالحديث عن العقوبة القاسية بالإعدام على خازوق الصندل. حيث تهتم الرواية بتصوير الجانب النفسي والإنساني عند ذلك الشخص الذى كان ينفذ جريمة الإعدام. وهكذا فإن القارئ العربي الكريم يمكن له من خلال مطالعة هذه الرواية أن يقف على الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للصين آنذاك، وبالطبع يمكن أن يربط بين ذلك وبين الواقع العربي في نفس الفترة التي تصورها الرواية من تاريخ الصين الحديث. وحيث تعرضت البلاد العربية آنذاك مثلها مثل الصين للاستعمار الأجنبي.

حسانين: وماذا عن قصتي "التغيرات" و"الفجلة الذهبية" وهل هناك علاقة بين موضوع هاتين القصتين وبين حياتكم الشخصية؟

مو يان: دعنا نبدأ بقصة "الفجلة الذهبية" والتي تعتبر أول قصة في مشواري الإبداعي وأول قصة كان لها الأثر الكبير في ظهور أسمى على الساحة الأدبية الصينية، وحيث نشرت في عام 1985، وأكدت فور صدورها مكانتي ككاتب شاب آنذاك. وبالطبع تشير القصة إلى بعض الجوانب في حياتي الشخصية حيث كنت قد عملت في طفولتي عامل أجير في مسقط رأسي، وحدثت معي الكثير من الأحداث التي سجلتها القصة حول البطل، وهكذا فقد أشارت القصة إلى الحلم الذى حلمه البطل. ويعتقد الكثير من القراء والنقاد أن هذه القصة هي أفضل أعمالي على الإطلاق حيث كنت قد كتبتها آنذاك قبل الإلمام بالنظريات الأدبية، والكثير مما يتعلق بأساليب الإبداع الأدبي، فهي تتمتع ببراءة الطفولة والصدق في تصوير العالم المحيط بالكاتب.

أما عن قصة "التغيرات"، فهي إحدى القصص التي صدرت لي خلال السنوات الأخيرة، وتعود قصتها إلى عام 2005 عندما كنت قد ذهبت مع إبنتي إلى إيطاليا لاستلام جائزة نونينيو الأدبية، وتقابلت آنذاك مع ناشر هندي والذى طلب منى مع عدد من الكتاب الأخرين من دول مختلفة أن يكتب كل منا عمل قصير يتعلق بحياته الشخصية وخبراته الخاصة ووجهة نظره في الحياة المعاصرة. وفكرت في البداية في الكتابة عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الصين خلال الأعوام الأخيرة من خلال كتابة سيرة ذاتية خاصة بي، إلا أنني شعرت بأن كتابة مثل هذه السيرة الذاتية الخالصة لن يحقق الهدف من الفكرة التي أود التعبير عنها، ومن ثم فضلت أن أقدم ذلك من خلال الأسلوب الأدبي الذى يجمع بين ما هو واقعى وخيالي، فهي قصة تتميز بطابع سيرذاتي واضح، وتدور أحداثها في محيط هذه المدينة التي نلتقى فيها الأن مدينة قاو مى.

حسانين: إذاً فهل يمكن القول بأن قصة "التغيرات" تعتبر سيرة ذاتية لمو يان؟

مويان: أفضل القول بأنها ضمن الأعمال المعروفة برواية السيرة الذاتية. وكما ذكرنا فإن قصة "الفجلة الذهبية" هي أول عمل لي وقصة "التغيرات" كتبتها بعد ثلاثين عاما من بداية تجربتي الإبداعية، وحيث يمكن للقارئ أن يقف من خلال القصتين على الأحداث الشخصية الخاصة بي وبأسلوبي الإبداعي. وأعتقد أن ترجمة هاتين القصتين يمثل خطوة مهمة في الإلمام بحياتي الشخصية ومشواري الإبداعي.

حسانين: نعم. وسأقوم خلال الفترة المقبلة بترجمة هذين العملين إلى اللغة العربية. وما هو تقييم سيادتكم لواقع النقد الأدبي الصيني المعاصر؟ وهل يواكب الحركة الأدبية الصينية المعاصرة؟

مو يان: تزخر الساحة الأدبية الصينية على مدار الثلاثين عامًا الأخيرة بعدد كبير من نقاد الأدب الصيني المعروفين. فهناك النقاد الذين يهتمون بتحليل العمل الأدبي والوقوف على لغته وشخوصه وتركيبه وجعل القارئ يقف على ملامح النص النقدية. وخلاصة القول فإن الساحة النقدية الأدبية الصينية تتميز بأنها تشهد حراكًا نقديًا ملحوظًا. ففضلًا عن نقاد الأدب المتخصصين، نجد هناك أساتذة الأدب في الجامعات الصينية وطلاب الدراسات العليا. فالساحة الأدبية بها الأن عدد كبير من النقاد الذين يتابعون الإبداعات الأدبية الصينية.

حسانين: سيد مو يان هل يمكن أن تحدثنا عن الأزمة التي أحدثتها صدور روايتكم "النهود الكبيرة والأرداف الممتلئة" فور صدورها في منتصف التسعينيات؟

مو يان: نعم تعرضت هذه الرواية آنذاك للنقد، وحيث تعبر هذه الأزمة خير تعبير عن التغيرات التي شهدها المجتمع الصيني في العصر الحديث، حيث كان من الصعب صدور مثل هذه الرواية بهذا العنوان في عام 1996 عام صدور الرواية للمرة الأولى، في حين تغير الوضع تمامًا في عام 2004 حيث بدأ الاهتمام بهذا العمل وتوالت طباعته في الصين وترجماته خارج الصين.

حسانين: أشرتم في حديثكم إلى أن الساحة الأدبية الصينية المعاصرة غنية بالكثير من الكتاب الصينين المعاصرين الذين يتمتعون بمكانة وقيمة كبيرة في تاريخ الأدب الصيني المعاصر، فما رأيكم في إبداعات الكتاب من جيلكم أمثال آلاى ويوخوا وتيه نينغ وغيرهم من الكتاب المعاصرين؟

مو يان: نعم هناك قائمة طويلة من الكتاب المعاصرين الذين يتمتعون بمكانة وقيمة أدبية كبيرة على الساحة الأدبية الصينية المعاصرة من أمثال الكتاب آلاى، يوخوا، وانغ آن إى، سو تونغ، قه فيي، جانغ وى وغيرهم من الكتاب الذين هم جديرين بالحصول على نوبل في الآداب، والذين ربما ستتاح لهم الفرصة للحصول على هذه الجائزة.

حسانين: ما دمتم ذكرتم الكاتبة وانغ آن إي، فإنني كنت قد قرأت في بعض المصادر اهتمامكم وتقديركم لأعمال هذه الكاتبة الصينية المعاصرة، فما تعليقكم على هذا الأمر؟

مو يان: نعم. تتميز إبداعات الكاتبة وانغ آن إي بخصوصية واضحة تظهر من خلال أسلوبها في الكتابة والذى يجعلك تشعر اثناء مطالعة أعمالها وكأنها فنانة قديرة تنسج حكايات أعمالها، وتستخدم لغة جميلة تعبر عن خصوصية الأنثى، وقد نجحت وانغ آن إي في التعبير عن بعض الموضوعات الهامة التي تتعلق بمدينة شنغهاي وريف سوجوو مسقط رأسها وغيرها من الأعمال التي تعبر عن جيل الشباب المثقفين والقضايا الخاصة بهم ومعاناتهم بعد سنوات الثورة الثقافية الكبرى. وهكذا فإنني أهتم بمتابعة أعمال هذه الكاتبة الصينية المعاصرة.

حسانين: وماذا عن كتاب جيل مواليد ما بعد الثمانينيات الذى ظهر خلال السنوات الأخيرة على الساحة الأدبية الصينية؟

مو يان: بالطبع يتميز كتاب هذا الجيل بخصوصية واضحة تختلف عن الجيل الذى أنتمى إليه والذى يمثل أدب الفترة الجديدة في الأدب الصيني المعاصر. وحيث أن لكل عصر كتابه المعبرين عن قضاياه وهموم القراء الذين يعيشونه، فإذا كان جيلي يكتب عن فترة مطلع الخمسينيات والستينيات وما بعد الثورة الثقافية، فإن قراء هؤلاء الكتاب الشباب هم الذين ولدوا بعد بداية تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، وأعتقد أن كتاب هذا الجيل هم أقدر منا على كتابة والتعبير عن اهتمامات القراء من جيلهم. وبالطبع فإن هناك الكثيرين الذين عبروا عن قلقهم من إبداعات هؤلاء الشباب وتركيزهم على تصوير حياتهم وعدم الغوص في القضايا الاجتماعية الكبرى والإنسان البسيط في الصين، وأعتقد أنهم قد ينتبهوا إلى مثل هذه الأمور بعد أن يعبروا عن الحياة التي يعيشها جيلهم من القراء وهمومهم الخاصة.

حسانين: وقد كان لبعض الكتاب الصينين أراءهم حول انضمام كتاب هذا الجيل من الشباب لعضوية اتحاد الكتاب الصينيين، فما رأيكم سيد مو يان وأنتم تشغلون الأن منصب نائب رئيس اتحاد الكتاب الصينيين في هذا الأمر؟

مويان: أعتقد أنه قد تتاح لهم الفرصة للانضمام لعضوية الاتحاد، فالاتحاد يرحب بالكتاب الشباب الذين يتقدمون إليه.

حسانين: وماذا عن سياسة الحكومة الصينية ووزارة الثقافة الصينية واتحاد الكتاب الصينيين بنشر الثقافة والأدب الصيني خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن بكين تشهد خلال هذه الأيام انعقاد المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني وحيث عبر الرئيس خو جين تاو في كلمته أمام الحزب عن الاهتمام بالجانب الثقافي خلال المرحلة المقبلة.

مو يان: نعم تهتم الصين خلال السنوات الأخيرة بقضية نشر الثقافة الصينية والأدب الصيني، وذلك من خلال وزارة الثقافة واتحاد الكتاب وغيره من الهيئات الثقافية. وحيث كانت الصين قبل ذلك تحافظ على التعرف ودراسة الثقافة الخارجية بما فيها الثقافة الغربية والعربية، والأن حان الوقت لكى تقوم الصين بتقديم نفسها وثقافتها وأدبها للعالم الخارجي. لكى يتعرف القارئ الأجنبي على الصين، وحيث أرى أن هذا النوع من التبادل الثقافى هو أهم بكثير من التبادلات الاقتصادية فهو تبادل بين الإنسان والإنسان. وفى المجال الأدبي، يهتم اتحاد الكتاب الصينيين بتشجيع المواهب الشابة من خلال الدعم لنشر الأعمال الأدبية، هذا بالإضافة إلى تعميق التبادلات مع الدول الأجنبية من خلال تبادل زيارات الوفود الأدبية بين الصين والدول الأجنبية وعقد الندوات الخارجية للتعريف بالأدب الصيني وحيث شاركت في عدد من الندوات الأدبية خارج الصين في روسيا وإيطاليا والهند وكوريا واليابان وإسبانيا وأمريكا وغيرها من الدول، وكذلك دعوة الكتاب الأجانب إلى الصين، وتشجيع الترجمة عن الأدب الصيني إلى اللغات الأجنبية المختلفة.

حسانين: وهل يمكن أن نسألكم عن الشخصية التي كان لها تأثير كبير في حياتكم الشخصية ومشواركم الإبداعي؟

مو يان: نعم إنها أمي.

حسانين: أعتقد أن صورتها ظهرت في عدد من الأعمال الخاصة بكم.

مو يان: نعم، ظهرت صورة أمي في عدد من أعمالي الأدبية، وحيث كان لها تأثير واضح في خبراتي الحياتية والجوانب الأخلاقية، وغيرها من الجوانب الهامة في حياتي، والتي سجلتها في بعض الأعمال والتي لا تخلو بالطبع من بعض الخيال الأدبي.

حسانين: ما دمنا نتحدث الأن من مدينة قاو مي مسقط رأسكم، والتي تقع في حدود مقاطعة شاندونغ مسقط راس الحكيم الصيني الكبير كونفوشيوس. فما رأيكم فيما تقوم به الصين خلال الأعوام الأخيرة بتأسيس عدد كبير من معاهد كونفوشيوس في مختلف الدول الأجنبية والتي وصلت تقريبًا إلى حوالى 400 معهد حول العالم؟

مو يان: نعم يعتبر المفكر الصيني المعروف كونفوشيوس رائد الثقافة الصينية، وحيث ِأن تأسيس معاهد كونفوشيوس خارج الصين تعد خطوة هامة في مجال نشر الثقافة الصينية والتعريف بفكر كونفوشيوس. مثلها في ذلك مثل معاهد جوته المتعلقة بالثقافة الألمانية. إلا أنني أعتقد أن هناك مبالغة في تأسيس معاهد كونفوشيوس خارج الصين، بما يتعلق بذلك من نفقات مادية عالية جدًا. إلا أنها في مجملها تعد خطوة مهمة في مجال تعليم اللغة الصينية والتعريف بالثقافة الصينية.

حسانين: بالوقوف عند حديثكم عن دور معاهد كونفوشيوس في تعليم اللغة الصينية للأجانب، فما رأيكم في ترجمات أعمالكم إلى اللغات الأجنبية المختلفة؟ وهل يساوركم القلق تجاه نجاح المترجمين في نقل نصوصكم إلى اللغات الأجنبية المختلفة؟

مو يان: بالطبع يعتبر نقل الأدب من لغة إلى لغة قضية بالغة الصعوبة. فالترجمة الأدبية هي بمثابة إبداع ثانٍ. وأنكم تدركون صعوبة الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية. وأعتقد أن المترجم عليه أن ينجح في نقل مضمون حكاية العمل الأدبي بلغة سليمة تساعد القارئ على الإلمام بهذا العمل المترجم. فالمترجم عن الأدب الصيني يجب أن يكون على دراية كبيرة بالثقافة الصينية والتاريخ الصيني وغيرها من الجوانب المتعلقة بخلفية العمل، وحيث أنه يجب عليكم أن تقدموا الأعمال الأدبية الصينية للقارئ العربي من خلال لغة سليمة وجميلة إلى حد كبير تساعد القارئ العربي على التعرف على ملامح وخصوصية الإبداع الأدبي الصيني. وفى هذا الصدد يسعدني أن أشكركم للمرة الثانية على جهدكم الكبير في ترجمة روايتي إلى اللغة العربية وحيث أعلم جيدًا صعوبة الترجمة بين هاتين اللغتين.

حسانين: أعلم أن هناك أستاذ فرنسي للغة الصينية حصل على جائزة من الحكومة الفرنسية عن ترجمته لروايتكم "مملكة النبيذ" ما تعليقكم على هذا الأمر؟

مو يان: نعم قام هذا الأستاذ الذى تقصدونه بترجمة عدد من أعمالي إلى اللغة الفرنسية، وحصل على جائزة من حكومة بلاده. كما حصلت مترجمة أخرى في إيطاليا على جائزة عن ترجمة روايتي "الإعدام على خازوق الصندل". وأعتقد أنه يجب العمل على تشجيع ودعم المترجمين الأجانب وذلك من خلال حكومات بلادهم والحكومة الصينية، وربما يكون هذا اقتراح سأتقدم به لاتحاد الكتاب الصيني.

حسانين: حصل الكاتب الصيني المغترب قاو شينغ جيان عام 2000 على جائزة نوبل للآداب، كيف ترون إبداعات هذا الكاتب الصيني الأصل؟

مو يان: ذكرت في مقابلة صحفية عقب إعلان حصول قاو شينغ جيان على نوبل آنذاك أنني كنت قد قرأت بعض أعماله القصصية في مطلع مشواري الإبداعي في مطلع الثمانينيات، وأعتقد أنها أعمال جيدة، هذا بالإضافة إلى أعماله المسرحية مثل مسرحية "محطة الأتوبيس"، وأعماله الأخرى التي أبدعها بعد سفره إلى فرنسا. وأرى أنه كاتب جدير بالحصول على هذه الجائزة، وأن حصوله عليها شرف للغة الصينية.

حسانين: شرف للغة الصينية فقط!

مو يان: نعم إنه شرف للغة الصينية. وبالطبع فإن يتمتع الأن بالجنسية الفرنسية فهذا شرف لفرنسا.

حسانين: حصل الناشط الصيني ليو شياو بوا العام قبل الماضي على جائزة نوبل للسلام، ما تعليقكم على هذا الأمر؟

مو يان: أذكر أنني تحدثت عن هذا الأمر في أول مؤتمر صحفي لي عقب إعلان فوزى بنوبل هذا العام هنا في مدينة قاو مي. وحيث أعرف أنه كان في مطلع حياته ناقدا أدبيا ولا أعلم كثيرًا عن نشاطه السياسي فيما بعد. ومن ثم فإنني لا أملك الكثير للتعليق على هذا الأمر.

حسانين: حسنًا. سيد مو يان ستصدر عما قريب الطبعة العربية من روايتكم "الذرة الرفيعة الحمراء" والتي ستكون أول رواية تتاح للقراء العرب، فهل يمكن أن تقدموا كلمة للقراء العرب؟

مو يان: يتمتع العالم العربي بتاريخ ثقافي وأدبى طويل وتمتلك الثقافة العربية عدد كبير من الكنوز الأدبية في مجال القصة والشعر، مثلها في ذلك مثل الثقافة الصينية. وحيث أتمنى أن تشهد حركة التبادلات الأدبية بين الصين والعالم العربي الاهتمام المناسب وأن تتاح الفرصة للقراء من الجانبين للاطلاع على الأعمال الأدبية الممثلة للثقافتين العربية والصينية.

حسانين: سيحتفل المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية عما قريب بصدور أول ترجمة عربية لأعمالكم رواية "الذرة الرفيعة الحمراء"، فهل يمكن لسيادتكم تقديم كلمة تشجيع وتهنئة للمركز القومي للترجمة بمناسبة هذا الحدث؟

مو يان: يعتبر صدور الترجمة العربية لروايتي "الذرة الرفيعة الحمراء" إلى العربية من خلال المركز القومي للترجمة بمصر حدث كبير وهام في مجال التبادلات الأدبية بين الصين والعالم العربي. وأتمنى أن تنال هذه الترجمة إعجاب وتقدير جمهور القراء العرب، كما أتمنى أن تتم ترجمة مزيد من الأعمال الأدبية الصينية المعاصرة إلى اللغة العربية. فشكرًا للمركز القومى للترجمة على هذه الخطوة الهامة في مجال الترجمة عن الأدب الصيني المعاصر.

حسانين: وشكرًا لسيادتكم على إتاحة هذه الفرصة الطيبة للتحاور معكم. وشكرًا للأدب الصيني المعاصر الذى قدم لنا مو يان هذا الكاتب الكبير.

مو يان: عفوًا وأهلا بكم.

 

تم إذاعة الحوار حصريًا بالقناة الثقافية السعودية