بلغة قصصية عذبة تنسج القاصة البحرانية مجموعتها القصصية المبنية على الحياة والكذب في بنية تروى مشاهد رواية مكثفة على لسان راوية واحدة تمزج الحلم بالواقع، وتنقل تجارب طفلة أنثى في طقوس شيعية نشأت على أسطورة مقاتل الشيعة وأعراسهم مرتبة بين نصوص تتأمل محنة الحياة في جريانها خارج الأساطير.

أبيع كذبا .. أشتري حياة

مجموعة قصصية

ليلى السيّد

أبيع كذبا
لم يكن لأترابي ولوالدتي فهما أني لا أكذب حينما أصف الطائرات في ساحة مدرستي وكيف كانت تطاردنا وكيف تسلقت سور المدرسة وأنقذت صديقاتي

ولم أكن أكذب حينما صنعت للمطربين والممثلات حياة لامعة

وصنعت لرجال الدين والملا لي مواقف بطولية لا يمكن لأحدهم القيام بنصف ما ذكرته

ولم أكن أكذب حينما أعيد سيرة كربلاء وفق شهيتي

لم يكن كذبا

وافتراء أني كنت أحب الكذب وأتلذذ به!!

بل كنت أصنع لهن ما يجب أن يشاهدنه أو يسمعن ما يمكنهن حقيقة من مشاهدته أعماقهن في حياة تختلف عن ساحة قريتنا الفقيرة من متع اللعب.

وبصورة صادقه وحقيقية أراني أكبر من حجم هذه القرية التي لا تخرج عن كون الجميع آباء وأخوان كبار وأمهات منفيات في ثرثرتهن وجدات صانعات مجد المستقبل بلؤم اشد.

حسنا ربما استمتعت بالكذب قليلا حينما كنت أرى غضب وغيظ أمي وأنا أسوق الحجج والبراهين على أن أبي متزوج من امرأة أخرى وأن له بنتا في مثل عمري، وهاهو يخرج وقد تعطر ولبس افخر أثوابه وذهب وربما يأتي مساء وربما لا يأتي فتدور المعركة...!!

أما لماذا أستعذب كذبي عليها ؟

وأستعذب تصديقها لي ؟!!!!!!!

 

 

أشتري حياة
لمشجّره ولمربعه

لم تستطع تجاعيد السنين أن تسقط جمالها الشاحب وأثر السجود من جبهتها، مازالت شفتاها ورديتين وعيونها الملونة تلمع بضبابية دامعة...

-      لا أحد يريدني عميمه

-      أنا أحبك

-      أي قالت لي أختي خاتون لمطوعه إياش لمشجره ولمربعه

-      عميمه لا تروحين إذا بتبكين، خليهم يولون، اللي زعلش عميمه بيروح النار

-      هالسجادة عميمه تشهد أنا أبكيهم، يظلوا يتكلمون على الناس والمآتم منصوبة

حرام والله حرام.

تتركني إلى الحوض، تغتسل وتتوضأ خطاها بخطى ملائكتها، رشيقة مطمئنة.

أعود للمشجرة كما تسميه وهو بيت أختها حيث تتوسط الحوش شجرة كبيرة

تجلس تحت ظلالها النساء بعد أن ينتهين من طعام العزاء لشرب الكدو والاستماع للمقرئ الحسيني يعلو بنوحه وصياحه وهن يبكين معه وتعلو كركرة الكَدو تبكي على الحسين أيضا وتزيد من خبث النسوة وثرثرتهن

في غمرة النواح تتذكر إحداهن ما نسته الأخرى ( زنابو ردت تهاوشت ويا رجلها وشقت ثيابه عليه كدام الخلق ... زين سوى فيها .. اتزوج عليها .. جلبه ويش يسوي فيها .. دمار يدمرها حاطه راسها براس أمها العميه.....)

 ترجع تنعى وتبكي لبكاء العقيلة زينب على إخوانها، في انتظار شربت الزعفران نهاية العزاء.

أعود لعمتي أراها غرقت في نوم هادئ على سجادتها، أترك رأسي يأخذ نفسها الهادئ، وعبيره الأبيض على صدري ساعات الظهيرة ...

 

 

أبيع كذبا
الرجل الذي يركض
                     
إلى مصطفى السيد

أحمله على صدري برغم سمارته المتكورة وأدور به إلى حيث تكون حكاية الليل في جمعة نساء القرية وحكايات سهيل مخبكَ العذارى وفي الرجوع أقص عليه قصصا تخيفه وتخيفني فيلتصق بي أكثر وعمتي تنهرني من حمله :

بتموتين من حمل هالأسود

حرب البياض ضد السمارة حرب أزلية في بيوت قريتنا

والغريب أنها متساوية الولادة البياض والسمارة كإرث كامن في سقفها .....

_ اسمع هناك صوت قادم خلفنا خلف المسجد

-      وين؟

-      اركض

-      ليش

-      لا يبوقونك، السمر ما ينشافون بالليل وياخذوك

-      إلى وين

-      إلى السوق

-      ليش

-      يحولونك كاكو

-      اركض

يركض بشكل كروي وأنا من خلفه اضحك وهو يتعثر

وبعفوية الصبي الأسمر الصغير يقترح عنوان قصة

(الرجل الذي يركض)

 

 

أشتري حياة
خطوتان ناحية البحر

التصقت نظرتها بوجهه، راهنت على لحظتها الآنية معه. لم يكن يعنيها أن ترى طاقة الجبل المفتوحة على سماء البلاد، بل الفرح الذي يهتز دبيبا في دمها وألقا في عينييه، تزعم أنه مكون من خلاياها.

عيناه مصوبتان نحو المصور، بنظرة يشوبها التوتر من قياس موقعه  بجانبها، فكر بأمسه وقد اختلف معه حاول مغادرة فرحته بها لكي لا تكون واجهة الصورة .

تسارع في خفقان قلبها، وهي تترك ذاكرتها معه تعبث بنشوة مضطربة بينهما، تبلغ ذروة حساسيتها حينما يتفقان ضمنا على أنها حقهما تراهن معه على قراءة الحدث في ملامحه قبل وقوعه، ويراهنها أنه سيغلبها بعقله، لكنه نسي أنه طفل بين يديها يختطف ما أمكن له من مرحها لزمنه، لأمكنة ستكون له في يومياته بينما ترتحل من ذاكرتها اليومية.

ذاكرته تشتعل بمسافات قديمة تركتها قدماه في صغره في شبابه وقت رعونته، وقت شهوته ورغبته، ثم جاءت بترتيب مكاني سريع مع وجهها، تلين ذاكرته بها وتتهمش كل الجدران التي تركها تنبني فوق حكاياته، معها الزمان قادر على الإتيان بحكايات الماضي، وهاهو يقصّ على مسامعها كل التفاصيل، ولعل هذه اللحظة أمام الكاميرا تتقافز الذكريات من ثكنتها لتصبح خلفية الصورة.

تركت لحظتها معه تحملها بعيدا عن شبح الخوف، تاركة الابتسامة المشاكسة ترسم خطوط وجهها محركة مشاعرها في غموض وهشاشة لم تعرف سرهما

هاجس البحر وهاجس وجوده يصيبانها بلمعان ساحر،

خلف نظارتها الشمسية حيث يبدو الخريف لأول مرة ممتعا والنوارس تمتد بحجم كف السماء على البحر. رويدا تحلق بأسراب متمهلة وهي تضرب جناحيها بقوة وجه الماء.

ما من شك أن وجهه يعبر تلك النوارس ونسمات الخريف العليلة، بل أكثر من ذلك أن همهمة أصواتها رسائل غرام قادمة من محيط قلبه... ولعلها لا تتفق مع مضمون صوت نورس ما كمعادل لعدم موافقتها لصياغة هذه العبارة أو تلك بهذه الحدة.!

ترى لو عرفت النوارس حجم تحويري لرسالتها الإيقاعية ناحيتنا ألن تحتج لمصادرتنا حرية لغتها وعمومية رسالتها لكل ما حولها؟

ولكن لم تهتم بمن لم يكن يعنيهم وجودها ولم يشعروا بخفقات إيقاعاتها !

يقف في فضاءين : فضاء العدسة الشمسية التي يرتديها لتخفي كل شحنات وهواجس الأعمال اليومية ولتوقف لغته السريعة بسرعة أعماله وإطارات سيارته، ليخفف حدة الشمس التي تلاحق يومه بشكل مرهق وربما استثارته رائحة العود من شعرها المتطاير حوله، بخصلاتها تهدأ حاسة الشم لديه من رائحة الرطوبة اليومية التي تشبه السيجار المحروق، وقد يوقف الصوت الغاضب منه دائما والمندفع بشكل هستيري نحو التقريع واللوم.

فضاء النظارة الطبية التي تتدلى على صدره والتي تقرب الأشياء اليومية، والسياسية، والمركونة أصلا بقرار منه لا تنقصه الشجاعة فتفسد تلك النظارة ابتسامته الطفولية وهو يتشبث بحافة خصلاتها

 لم تكن عنيدة في نظرتها له، ولم تفسر تلك النظرة التي تشبه طعم قطرات المطر على لسانها وكيف استطاع بها أن يقفز عبر مستقبلها وماضيها، ولحظتها التي ارتبطت بحلقات ضفائر قمحية، تشبه يوم خالطت طفولتها أنوثة مبكرة.

تنظر له متمنية أن تتوقف تلك الأصوات بداخلها وهي تمتزج بضربات جناح النورس، بطيئة يدها عن الوصول إليه، والصوت كمن يعزف على وتر واحد نغمة رتيبة ..

 فكر أنها قطار حكمته قادما من منطقة وسطى في زمنه، والحيرة في أن يتبعه، أو أن يغتاله مغبة أن يتفاقم سر تمسكه بوجوده وسط احتضار وقته. ما سر تلك البرودة المتدفقة في قلبه وعطشه لها. فكر لحظة طلب منها أن تحسن السيطرة لوقع خطواتها به تذكر قطرة الدمعة المجنونة على خدها تذكر قولها بأن خطوتها هي المسار الطبيعي لمشاعر تنمو نمو شجرة التفاح ....

فالحب هو الطيران نحوك..

 هو الطيران نحو الهاوية..

الحب صنو الولادة

الحب تشابك العقل والعاطفة بثيابنا.

الحب ثوب عيدينا الذي نحلم به طيلة ليلة العيد

أو ربما امتلكته أيدينا ووضعناه تحت الوسادة كي لا يذهب بعيدنا عن غدنا.

الحب أن أدعوك لتكون نفسك

الحب أن أدرك لحظة إشراق نفسي بك.

الحب حبلنا الفضي ناحية البحر

فكر.........

لتبقى في دمي فلطالما سلب من حرارة سريان سائله، ولتلامس شفاهها عتبة فمي التي ركنت على أن تستطعم الموالح. ما يضيرني لو تركتها تمسح عرقي المتصبب وقد كنت تناسيت أمر لذة العرق وشحنة خجله. لأترك لصخبها مساحة للتغزل والاهتمام بي كم هو رائع أن تشعر بأنك قبلة فتاة لا ترى إلآك فارسا لزمنها.

فكرت ......

 لو ترك كل ما لا تعرفه من خوفه، وذهب معها إلى مجاهل غيمة في دفترها الأول، لم هذا الهدوء، لم لا يشحن البحر بفوضوية حميمة بينهما هو لا يفصح عن رغبته راض بما يقتضيه موقف ما فقط لمعان عيونه تفصح عن محبة خافتة.

 (أسراره بعيدة عن مرساي وأخباري تقلع بها السفن ليبقى هو في ارتفاع تلك الصورة باب رغبتي الأولى).

 فكر تلك الصورة في منطق علاقتهما كقطع الخبز الصغيرة المرشوشة بالزعتر ......

 

 

أبيع كذبا
من حكايات المجنون التي كانت تحكيها أمي لم يتبق إلا لحظة خاطفة وحيدة. كانت تخبرنا أنه حينما فاجأهما القوم وهما في الحديث أمرته أن يدخل تحت ثيابها حتى افترق القوم وغادر سألته ما رأيت قال دخلت أعمى وخرجت أعمى

كانت توحي لنا بعفاف وطهر محبتهما

لكن ما لصق بفكري جمالية أن يدخل رجل تحت تنورتي فلا يخرج مني بدا هذا الحلم يكبر ويخرج من أحلام الطفولة إلى المراهقة إلي كامرأة

يكون في اعتذار أم في لهفة أم ونحن معا أي شكل من الجنون يعطيني إياه ماحيا لهفة طفولية

 

 

أشتري حياة
موائد

(1)
أنتَ لا تمنحني إلا موجاً مصقولا بعتبات ريح تتكسر عند الشاطئ/ أحبكِ/ أنتَ تأكلني/بل أحبكِ/ مائدتكَ تخلو منه/ بل أذرع عباءتي فأحيك به حبي وخوفي عليك/ تأكلني/ أحبكِ وأريدكِ.. بين شراع ورملة مستلقية عند الشاطئ غادرت قبضة يده، وانفتحت على وهج.. طفلة أشيد صرح بيتي الرملي، صانعة له نوافذ يعوم الهواء عبر أسطحها الوردية.. وعاد... رجل يحطم البيت بقبضته، ويضمني له..

 لماذا؟/ لأنه لا شأن لك به.. سوف أصنعه لكِ أنا/ ما الفرق؟/ لا أدري.. إنما يغيظني انشغالكِ عنى../..؟!/ أنا أحبكِ/ أنتَ تأكلني..

(2)
للبيت رائحة دم معلب، والعيون تختلس النظر إلى جسدي، اقتربت من باب غرفتي وتلك النظرات تصيبني بدوار. يتسرب إلى غرفتي صوته وهو يشتم أمي ثم يغلق النافذة ويلعن صرير الباب، فتسود البيت الهمة وحركات الرجل الدءوبة من أجل راحته؛ جلب الماء لغسل يديه ثم الفوطة، إعداد الغذاء وعرضه على "السُفرة" ليأتي صوت مضغه للطعام من خلف الباب، فتنتشر الرائحة وأصاب بالدوار.

 أنت تأكلني/ أحبكِ/../..

 قارب صغير يسير تحت نجمة فضية تسير في فضاء واسع يغزل بالغيمة كرات الثلج، يهبها الأرض، فيرحمها من الإسفلت.

(3)
أفتح النافذة... السواد يأكل المدينة: بيوتها... الشوارع... الأزقة... المساجد...، ويشحذ الليل رطوبته اللزجة.. يأكل بها نفس المارة هناك...

(4)
يفتح الصوت الباب، ويأمرني أتبعه عبر ردهات البيت، هناك في الغرفة المجاورة حيث أمرني بالدخول، عين تمضغ ما تراه.

 جامله بالمخاطبة ولاطفه، راسماً له هيبة بين الحضور وما زالت عيونه البدينة تمضغ مني ما تراه.

رائحته تُضجِر داخلي، وحركات عيونه المستقرة في جسدي وأسئلته السخيفة، بل حركات يده وبحثها الدائب تصيبني بدوار.. الغثيان.

 مضت نصف ساعة على هذا الحال (صاحب الوجاهة) يمضغ، وهو سعيد منتشي حتى رمقه بابتسامة عريضة وإيماءه رأسية تفيد الرضا والقبول، فقام له معانقاً وداعياً إياه إلى مائدة الأكل التي أعدتها أمي لهما....

 

 

أبيع كذبا
تلك البنت الشقية بسمرتها وهزالة جسمها ذريعتها للتقرب الأبوي، فقله الأكل والضعف والمرض يجعله قريباً منها، أضف إلى ذلك مرحها وشقاوتها معه وتلك هي اللحظات الحميمة الوحيدة التي تجعله قريباً منها (وهي لا تعرف من الفعل القريب منه) قدومه تعني حالة من التأهب القصوى من الخوف لدى الزوجة والارتياح الشديد لدى الجدة حيث ستتاح لها التسلط أكثر فأكثر. ربما بالوعز له لما حصل فتثيره قبل أن يجلس فيبدأ بالضرب أو ربما تحاول الاحتفاظ به في حجرتها والجلوس معها والغذاء معها.

وحدها هي المسموح لها بالدخول والاقتراب، لما لها من حظوة لدى الجدة...

 

 

أشتري حياة
انكسارات
في الركن المنزوي قبالة باب غرفة (العود) اتكأ على جانبه الأيسر وبدت علامات اليتم والأسى تعلو ملامحه، محوّلة قامته وكركرته الصاخبة إلى صمت ساد السواد عليه فراح يراقب حلقة الظلمة تتسع من حوله.

أقبلت امرأة أخرى رسمت النحافة خطوط وجهها التي تأبى أن تتقاطع في خط واحد، نظراتها باتجاه الباب وصوت الكركرة المبحوح، ورغم حلقة السواد حولها ونواحهن إلا أنها عصية الدمع تشعرك وأنت تسمعها أنها صامتة. عالم آخر ترسمه قامتها النحيفة ورجلاها الممتدتان وقد لبست سواد الحناء ـ كان يضرب بها المثل في حب الحنة لها ـ ويداها أيضاً لا تعرف الراحة، قلقة تحاور الجسد، فهي تمتد بطولها أو تفلت منها فتصفق تارة وتنوح أخرى، أو ترتمي بعيداً عن الجسد حيث الأرض لتمزق حالة اليتم المتسربل بها.

ومع ازدياد حلقة السواد يزداد توتر الجسد وإنتقاضته، فيترك جسمها حلقة السواد متجهاً ناحية باب الغرفة، تمسك بنعاله وتنظفه، ثم تعمد إلى رأس (الكدو) وتنادي:

- يا بت محمد علي .... بت محمد علي خذي الراس وندّيه وبكري القدو .... ألحين بيجي ولد عمي .... .

تضج النساء بالبكاء، بينما تتجه بكل ثبات ناحية رأسي المسند على جدار الغرفة:

 - عميمه دخلي دار خالش وجيبي البادكير.

 تزداد الكركرة في داخلي فأفقد إتزاني، أراني في حضنها أبكي تقبل رأسي وتبعده لتذهب لحلقة السواد التي أخذت فناء بيت (العود) بكامله. تعيد جلستها ذاهلة وتمسك بـ (الكدو) تكركر تطريقتها المعهودة حتى في هذه اللحظة.(..أبو أولادي .. ولد عمي حبيبي .. ويلي على ضيعتي .. مت يا حبيبي ولا أحد حولك .. آه .. شلت موتك بروحي .. ) تدور حولها هالة السواد المبهوتة، تفصل بينهن عجوز، تكركر (الكدو) مصدرة بذلك قهقهة الموت المتحشرجة في أمعائه. موت بطيء تصدّره للمرأة المتكلسة، تمج صوتها الرخيم بتلك الحشرجة، لتزيد من عملية الاحتراق..

(كان عطوفاً .. حنوناً، قولي فيه ..

قولي: لو أن النواعي ترجع الميت ليلي أو نهاري كان نعيت..

قولي فيه: خلا الببيت يا عودي خلا البيت.. )

 يشتد الهياج الجماعي، تمتد الأرجل المطلية بالحناء لترسل موسيقى الموت الجنائزي إلى الجسد المتكلس أمامها، عندها تشتد الزعقات وتثير كركرة (الكدو) والمستوقدة الروح الخارجة من البيت الكبير.

 في وسط الحشد اللاهث نحو التحشرج المزخرف، يلتفت الجسد المتكلس تجاه الزاوية الضيقة، يلقي نظرة حنو (الكدو) المائل، يصطدم بذاكرة وجهي الغارقة في دائرة الماء. تمعن النظر. الأيدي التي تذرع الهواء بيننا مالت بحركة دائرية إلى المحيط الداخلي لما حولها، باتت تنفتح باتجاه الهواء الدائر حولها لتنغلق على الصدر المفرغ من اللحم.

 عيون السواد تشد من أزر هذا الإيقاع .. تضع الأيدي، تشبكهم على الأوجه المبهوتة من تسرب ملامحها في محاولة التخلص من الماء، تستنطق الأيدي الأرجل المطلية لتحدث الصفير، يتبعه صوت النشيج الجماعي.

على الطرف الآخر من لسان الموت الضيق يمتد الزفاف المترنح في أشرعة الآخر المسيطرة في البعد ليقترب تشم كركرة (الكدو) الرتيبة. الجمرة قد أخمدها نفير المقرئ وزعيق.. النشيج الجماعي.

 الجلوة تأتي مسترقة السمع للحشرجة الصامتة في الوقت المتأخر من الليل. كان علي أن أقوم برتم سريع للجلوة :ـ

 (وا تريمبو وا ليومي ..

 أول بدينا بالصلاة على النبي ..

على يالولد ما وجدي عليكم

سبع بيبان مغلوقه عليكم

ولاني حية بسعى واجيكم

ولاني طير واصفق بالجناحين

واتريمبو واليومي )

 الأيدي المزخرفة بالحناء المخنوقة تلتقط أطراف الأخضر، لتغطي به العروس.. صوت الجلوة يأتي مخنوقاً بدائرة الماء، متواتراً في الحدة. الأخضر يكاد يهوى على العروس المتكلسة بخطى وئيدة..

(أيا لعروس يالبتخت مجليه

ومكمله ومعدله العلوية ..)

 مراسم الجلوة المسروقة انتهت بسرعة، المشهد النهائي يوحد إبهامي العروسين بماء الورد المنتخب بطاقة الزعفران. تأتيك الزغاريد من صوت (الكدو) المتأخر عن أقرانه السابقين ليشهد الزفاف، صوت ينبعث بأكثر حدة من أصوات الحناء .. انتهت تلك المراسيم في منتصف الليل، وحده بقى الموت المتحشرج يجول في الأرصفة، أملاً في نشيج جماعي منفتح عند الفجر.. وحده يستطيع أن يبقى طوال ساعات الليل المترنحة، إذ تغتسل بمائه الآسن.

 

 *الكدو آلة للتدخين يشبه الشيشة لكنه من الفخار.

 * الجلوة اهزوجة شعبية تمارس كطقس من طقوس الزفاف وتكون للعروس ليلة الزفاف.

 

 

أبيع كذبا
خروجي ليس سهلاً، لكن المعلم (المطوع) هو عذري فأذهب خارج البيت حيث ساحتها المليئة بالنخيل وتلك هي فرحتي من أجل أن أطلق صوتي بأغاني ناظم وبتلك الأحاسيس العذبة التي يرسلها عبر كلماته، هنا أجد زهوي بصوتي الذي يشبهها، هنا فقط أعترف بوجود شبه بيني وبين أمي أجد تلك الحميمة بينها وبين الفضاء الواسع وبين ناظم، حيث الانطلاقة بـ

سمراء من قوم عيسى

من أباح لها سفك دم امرئ مسلم

قاسى بها ولها

عندما يعبر الآخرون أختفي في تلك الحفر الكثيرة التي يحفرها الصبيان فتصبح مساحة من أجل الاختباء يوما ما شاهدتهما يلعبان في تلك الحفر بأعضائهما التناسلية، ربما روعني وهالني ذلك، وابتعدت محاذرة في عدم مشاهدتهما لي، خفت منهما كثيراً، وبقى خوفي منهما حتى بعد أن كبرا محتفظاً في ذاكرتي، لكن ذلك لم يمنعني من الذهاب هناك والغناء...

حرية العشق عند ناظم هي المساحة المعشوقة لدي في تلك الأيام كنت أكره الكنس والجلي، لكنه يبقى محبباً لدي إذا ما اقترن هذا اليوم بيوم تنظيف حجرة الأخ الأكبر، حيث أشرطة ناظم وصوت ناظم يصيح عالياً من شريط الكاسيت، ولكونها حجرة بعيدة عن الغرف الأخرى فهي ملاذي الثاني في الحرية (هذا طبعاً إن لم يكن الأخ الأكبر موجوداً)

 

 

أشتري حياة
جلوة الكهرباء
صمت أصفر لفّ الرصيف بعد لحظات رعب هاربة كوميض البرق الذي التحف بالليل الرمادي، وعانق الكهرباء مغتصباً عذرية شوقها وحنينها له.

 وحينما ذهبت متعة تلك اللحظة، جفلت من سوء فعلتها فجنت، وكان أثر جنونها سقوط عامل الكهرباء بعد أن صعقته بلفظها له وخروجه من دائرة زرقتها، فأرتاد الأرض صريعاً.

 ساد المكان ضوضاء حجرية، ولكن قبل هذه اللحظات كانت لحظة الهدوء الصاخب بأزيز الكهرباء ودهشتها من كل ما حدث في تلك اللحظة المجنونة.

ازداد الأزيز بين الأسلاك المتشابكة، صرخت في هستيرية صفراء، وتخبطت بموجات التيار الرمادي، أخذت ترمق العامل البسيط بنظرة حزن بينما الأسلاك الأخرى أصدرت الأزيز الضوئي وأعلنت استنكارها لما حدث..!!

التيار الكبير: ما هذا؟ ما الذي حدث؟

الجانيان (سلكان صغيران متشابكان) ألا تعرف.. كم مرة حذرناه من التدخل بيننا.

ردّ أحدهم بفزع: لم نكن نقصد.. هو الذي كان يفكر في زوجته ومطالبها التي لا تنتهي.. كنا نحبه ويحبنا، وكان يحنو علينا ويعتبرنا أطفاله..!! ولكننا حذرناه لأكثر من مرة بعدم الاقتراب منا ونحن نتشاجر، فأنا لا أحب التدخل من جنس الإنسان و....

ازداد أزيز التيار الكبير وازداد معه احتجاج الآخرين وعمت المكان شحنات صفراء ضاغطة.

أحد الجناة: كما قلت لك نحن نحبه ولم يكن في مقصودنا قتله..

أذكر يوم أصابني بعض الخلل وأصيبت حواسي الكهربائية برقصة الجنون وعندها لم تنتظم حركتي، فهجرني أهلي خوف العدوى بالانهيار العصبي، إلا هو فقد أحس بما يعانيه جسدي من فرط الإجهاد والضغط الشديد.

(هامساً): هو أيضاً كان يعاني الأمرين من زوجته وكان يخبرني عن تسلطها ومكرها الشيء الكثير..

 هدأ الأزيز ويتابع الجاني كلامه: عبر معي مراحل الجنون الراقص في أوردتي مرحلة تلو مرحلة، كان فيها الأب الراعي لصغاره، لم يحيده عن علاجي ما يصبه مني من تكهرب جنوني بين الحين والآخر، فقد أخذني موج الانفعالات الكهربائية إلى أمد بعيد كان من خلاله كاتم أسرار ما يحدث وما حدث..!!

الجاني الثاني: عرف أكثر مما ينبغي له أن يعرف وكان عليه أن يحذر من الرقص حول هذه المعركة.

التيار الكبير: إذن كنت تقصد.

يبادر الجاني الأول مسرعاً: بالطبع لا ولكن.. كان عليه ألا يرى أكثر مما رأى..

الجاني الثاني: لقد جاء هذه الليلة وأراد ابتزازنا لما يعرفه من أسرار وتسليطنا على أحد أعدائه كي نقتله له، وإلا كشف كل أسرارنا، خاصة وأنت تعلم أننا كنا نعد الخطة كي نخفف من الضغط الكهربي الذي يسببه البشر.. رفضنا لعرضه جعله يزداد في غضبه فتشاجرنا ولم نكن نعي ما حدث إلا وهو صريعاً.. لقد خاننا.

يسترجع الجاني الأول مستدعياً الحادثة:... لم يكن خائناً بل الخوف من جريمتنا.. من أن يفتضح زيفنا الشرعي، حاول كثيرا تهدءتنا لقد لمحت نظرة الإشفاق لما نفعله بأنفسنا في عينه.. لقد انتبه إلى أن من جعلهم أطفاله لم يكونوا أبرياء كما كان يعتقد، باتوا يغتصبون عذرية الأشياء ليمتصوا رحيق سمها ثم يبثوه إلى عالم أصيب بالصرع الفوضوي .

 (في همس ) كان يهددنا خوفنا من أن يكشف زيفنا الضوئي ... فأسقطنا عليه لحظة غضبنا وقتلناه... نعم قتلناه.....

يلقي بنظرة عابرة على الجسد المتراكم، ثم إلى الأسلاك التي تنتظر منه الكلمة النافية الثابتة...

«لقد كان خائناً».

 

 

أبيع كذبا
في المعلم تبدو الصحبة بين الأولاد والبنات مقبولة نوعا ما حيث الطفولة لا يتاح لها التفسير كثيرا، أرافق في حكايا الفرار مع بنات خالي ورغم أن البيت يلتصق ببيت خالي وزوجته التي تعلمنا القرآن وهي تطبخ وتسمعنا نقرأ جميعا ...

وبما أننا الكبار نوعا ما نفرض سيطرتنا على الصغار كي يقرؤا بصوت عال ونذهب نحن نرافق مواكب العزاء الى مناطق بعيدة عن البيت أو نذهب إلى صديقاتنا في مناطق بعيدة أكثر مخبآت بالعباءات كي لا نفضح .. فنعود نكمل قراءة الشعر الحسيني...!!

لكنها تكتشف غيابنا وتهددنا بالباطن أن تخبر خالي وأبي.

ثم تنسى حين نقوم بفلي رأسها حتى تغفو وبتحفيظ من هم أصغر منا....

 

 

أشتري حياة
العرَّيس
أدهشني منظر النسوة، يتبعنني والسواد يلتف فوق خصورهن المكتنزة منها والنحيلة، أما أنا فكان الأخضر عرسي المبهور بطفولتي

أخرجتني فاطمة امرأة فارعة وشديدة البياض وجهها مدور ورغم السواد الذي يكسوه بفعل ثيابها وشعرها الاانها تبرز بروز القمر من الغرفة المفعمة برائحة الثياب الخضراء المزركشة وهي تخرج من الخزانة الخشبية تجدد بالبخور وماء الورد فرحة السواد في قلوبهن.

خرجت أرفل في ثوبي الأخضر ومن ورائي نسوة يحملن صواني الشموع وهي ترتكز على قاعدة التمر وصواني النثار من الحلويات المختلفة.

خرجت الأطفال أمامي: فتيات صغيرات اتشحن بالأخضر لباسا، وبالسواد عصابة للرأس،حاملات البخور وماء الزهر يبخرن ويعطرن به المكان المزدحم بالمعزيات والأعلام السوداء والخضراء ترفرف من حولي ....

أجلستني فاطمة على الكرسي، ثم بدأت (الملاية العودة) تشدو: . حس المنيه تنادي

حس المنيه تنادي

سرعو بعرس الجاسم

حس المنيه تنادي

ترتفع أصوات المعزيات،وقد تقنعن بالسواد وتغطين به،تأتي من تلبس لباس العريس وتبدأ الجلوه:

آه يالعروس يالبتخت مجليه

وامكمله وامعدله العلويه

تأتي فاطمه ماسكة المشط لتسرح شعري وهي في عويل أفر من يدها، خالعة عباءة الأخضر وبصوتي الصغير ( اتركوني لا أريد الزفاف أريد عمي اتركيني يا عمه قومي وانهضي معي لنذهب إلى عمي كي ينهض ويسقيني جرعة من الماء فأنا يا عمه عطشانة عندها سأتزوج ولم الزواج وهذه الحراب والعساكر تنادي العريس لزفاف من النبال والسهام)

يعلو صوت النساء بالفجيعة والعويل ليزيدني إنشادا

هذا العرس والله ماريده

دوخرّه الى الدار الجديده

طيبه منازلنا بعيده

(1)
كومي يامحزونه نروح انشاور احسين

ماني ياعمه امعرسه

واهلي مطاعين

هاي العرس يامخدره ويني اووينه

وبالامس ياعمه اندبح حامي الظعينه

واللي مثل حالي تعرسوها مهو زين

تضج المعزيات بالنواح وأفر منهن كالذبيحة الى أن تمسكني فاطمه تحت ردائها الأسود وهي تبكي ينتابني الهدوء وأعود الى الكرسي تأخذ فاطمه العريس ويدار به وحلقة السواد تبارك هذا الدوران القدسي

تشدو فاطمه بصوتها الشجي:

شمس أفق العلا بزغت بالكسوف

لمصاب جرى في عراص الطفوف

آه واقاسماه أه وامعرساه

يابنة الأكرمين من بني هاشم

اعلقي الشمع في خيمة الجاسم

ثم بعد الزفاف انصبي المأتم

واندبي للشباب في عراص الطفوف

 آه واقاسماه أه وامعرساه

(2)
انتهى الزفاف وبقيت النساء تودعن العريس وهو خارج للحرب واللحظة ذاتها تأتي امرأة متشحة بملابس رجالية حمراء / الشمر وقد لثمت وجهها بكوفية حمراء، يعلو بينها والعريس معركة حامية تنتهي بسقوط العريس لتتسع الحلقة من كل النساء المعزيات يدرن حول العريس والعروس المرتمية ـ صارخات بهلوسة مفجعة

زينب اتنادي العلوي

عرس او عزى ما يستوي

وأمام هذا تتهافت نسوة القرية بأطفالهن ـ وثياب أزواجهن وتتم طقوس النزع للأطفال والثياب عبر جسد العريس وتعطى قرابين الذبح.

ينتهي العزاء في الساعة الواحدة ظهراً.

حينها ذهبت إلى الحجرة الصغيرة حتى أغير ملابسي وإذا بالمعزيات من حولي يتبركن بي ويتمسحن بثيابي الخضراء لأصبح بعدها حديث القرية إذ كنت الصغيرة الوحيدة التي حفظت الكلام وقالته بكل فاجعة وحنين.

أذكر حينها..

أمسكتني جدتي ذات القامة القصيرة والفرحة تعلو وجهها ودارت بي حول (الكدر) حيث طعام العزاء وهي تهلهل.

وتعوذني ثم أخذت ماء العطار (العرق) ومسحت به على صدري.

يهديج الله بابت ولدي ويبعد عنج عيونهم.

ورحت معها وهالة العرس تزركش طفولة وجهي.

 

 

أبيع كذبا
ببت طفلة أخرى خاصة بعد أن دعتني جدتي بـ (العلوية الصغيرة) بعد هذا الزفاف كبرت على اللعب مع أقراني. وانكببت على المعلم أحفظ القرآن والفخري وقصائده، خاصة والجميع يشهدن بصوتي العذب محاكية أصوات المنشدين والمعزين القادمين من العراق، وختمت القرآن في سن السابعة وكان عرس القرية الأول حيث أقامت جدتي غذاء للقرية وكنت البنت التي تختم القرآن في هذا السن وهذا ليس المهم.. المهم أنني سوف أقرأ في (عريش المأتم) منبر العزاء العتيد حيث الكل يسعى لدخوله ـ وتفوز (العلوية الصغيرة) به ومعه أفوز بالعريس، إذ قمت بأدائه سنة بعد سنة ما لبثت ذاكرته تترسخ فيّ ليبقى نداء زفافه والمرور به بين النساء وشعائر الذبح على جسده وفقاً عليّ.

أليس رهيباً أن يتعهد الموت الزفاف فتلملم الحياة أناملها عن ذلك الوجه الجميل والوسيم ـ قهر لا يشاكله إلا قهر البيت الرجل، لذلك أشحذ في كل سنة قوة وعزيمة طفولتي وانفخها في جسده المزركش، وأنفض عن رائحة زفافه المعلبة بالسواد، فأبعثرها تجاه نافذتي الخشبية ذات القضبان الحديدية، إذ أجلس في (الروزنه) الخاصة بها وأشاهد ما خلفها ..

أرض تمتد أطرافها بحرية بعيدة عن لاءات الرجل تنسج من النخليل والشجر كثافة لم يسمح لي أبداً بالذهاب ناحيتها ـ فيما تبعثر نباتاتها

 

 

أشتري حياة
في الركن البعيد
جاء مخدم المقهى بألفة وبشاشة مقدما لي فنجان القهوة المرة مع كأس ماء مثلج، وتبادلنا التحية بإيماءة خفيفة، وتركني في الركن البعيد من المقهى، وراح يزاول عمله .

ألف صمتي وألف أوراقي، ونوعية الورق الذي كنت اكتب عليه. في المرة الاولى والثانية من قدومي كان ينتظر لعل هناك قادم يشاطرني الطاولة، ولكنه ياتي بعد خمس دقائق ليسألني:

-      هل ستطلبين سيدتي ام انك تنتظرين ؟

-      قهوة سادة بدون سكر وكاس ماء مثلج.

-      نعم سيدتي.

ألف هذا الطلب وملّ الإنتظار للقادم ......!!

(2)
من بين أوراقي أخرجت رسالته الشاحبة قليلا، المبهمة كثيرا

" الحب عندي،لقاء تحت الشجرة،لعب بالضفائر، سيناريو لشريط من أشرطة الواقعية الجديدة، ثم شك معقلن!!!!

يهم أو قد يهمك حرارتنا في طريقها الى مدن الصقيع أتحسس ذلك وربما سوف

.......... "

ماذا غضب واستنكار أدون له، في رسالة سريعة، لكنها لا تشبه غليان رئتي به

وامتثال جسدي لرائحته.

قررت تمزيق الرسالة، وانتظار حلول شمسي على مدن صقيعه.

(3)
في الطاولة المجاورة، جلس رجل وسيم طالبا، قهوة بسكر خفيف ومنفضة سجائر، بعدها، سحب القلم من جيبه وبدأ يخط بقلمه على ورقة صغيرة من أوراق المقهى تقابلنا بنظرات خاطفة، ملامحه تأخذك في الفتها بشكل غريب غير أن نظرات النادل لي أربكتني قليلا، وعدت إلى أوراقي أسجل فيها ما قرأته من ملاحظات، والنادل يبحث بعينيه عن خبايا لا أعرفها.

بعد ربع ساعة دخلت فتاة تحت العشرين ترفل في غنج سنها فرحب بها الرجل وأجلسها، التفت ناحيتي، فرمقتني بنظرة الخوف والاستغراب.

أما أنا فكانت عيناي مصوبتان ناحية النادل الذي اختفت ابتسامته وبكل هدوء جاء يأخذ طلب الفتاة وهي تطلب في عفوية غير قاطعة لكلامها الغنج مع صاحبها ولا عبثها بالورقة الصغيرة التي كانت مصدر إلهام الذي معها وعدت أنا بين أوراقي أنشد عن خلوة لي في الركن البعيد.

 

 

أبيع كذبا
.....................

.....................

 

 

أشتري حياة
الخضّابة
استلقت في تلك الغرفة التي امتلأت بالأسرة الحديدية وبرائحة عفنة هي رائحة اختمار البول بالجسد

مددت يدي لها، همست بأذنها، يدها ترتعش فتقبض على يدي.....

تلك اليد القاسية مازالت سوداء بفعل الخضاب.

كانت لتلك اليد فضيلة على عرائس القرية وهي تمدهن بنقوش الخضاب

الأسود الجميل ...

كنا نحوطها بعيوننا الصغيرة لنرى صنيعها، وتعليقاتها التي اشتهرت بها، ونزقها من البشر..

تمسك يد العروس لتراها فإن كانت بيضاء تغزلت بها، وإلا مضّت على شفتيها البنيتين وقالت ( الحنه على البيضه اسفاره

 والحنه على السمره خساره) ورغم أنها سمراء اللون، وتحمل من عبْ السنين وثقلها مايجعلها تخفف من ترفعها، بقيت قاسية كما الخضاب في يدها.

تزداد قبضة يدها على يدي، فأشعر بخشونتها أكثر.

أشعر بها تتلمس خلفية يدي تراها خالية من الخضاب..، تتأوه بشدة .

أقرب وجهي لها بعد أن أرى يدها تحاول جاهدة الوصول اليه، تتخبط يدها على وجهي ترسمه تقترب يدها من أنفي تسبقها دمعة تختلج بصوتها ...

 - وين خالش عوده روحي شوفيه ولمي ثيابه.

- انشاء الله

تبدأ في تعداد كل أخوتها، وأولادهم واحدا بعد الآخر، لكنها أبدا لا تتذكر من أكون...........!!

الصوت الوحيد الذي تسمعه في بهو عنبرهن هو غناؤها باسم أخيها بمتتاليات ومواوويل حزينة مختلفة.

ترجع ليدي تتملمسها، إنه صوت ياكريم اسمعي عوده الحمامة تنادي خالش يا كريم ..

( كانت تحكي علينا حكايتها وفقدها لبنتها ونواحها الدائم عليها .....)

كريم الأخ الأصغر والمتبقي بعد موت أخوتها جميعا ومع موته انتهت علاقتها بالزمن، صوتها ونداها عليه بحداد فاجع جعل ابنها يودعها بدار العجزة بعد شكوى الجيران منها..

هي لا تتذكر ابنها او بناتها

 

أبيع كذبا
...........................

...........................

 

 

أشتري حياة
أوراق بالية

طفت كثيراً حول صيفك، يداك تعرقان في أوردة يدي، حدة ملامحك تغفو على مقتضيات الشوق والحب ....

لا أنت في وله

لا أنا في شوق

بل هي سفينة طفل صغير يعبث بأوراقه قبالة الدكان، ننظر له من الأعلى وننسج أقصوصة ذلك الطفل الذي يعبث بأوراقه، يبعثرها وينتخب منها ورقة سرعان ما تتحول في يده "صاروخاً" يريد أن يحلق عبر فضاءات اللهفة والتوق للمساحة الواسعة، وليت يدي تحلق بك عالياً عن جلّ ما أخشاه ....

قسوة الزمان تلك التي تحركني نحوك، أم سطوة المكان التي تقصيني في جوانحك، فإذا أنا في حالة الوأد ....

قلت لك سر حكاية حواء، وحكاية شهرزاد قلت لك، ويداك تعرقان في أوردة يدي

يوم حكت لي جدتي، عن سر إعجاب جدي بها .... كان لها صوت ناعس، ونبرة حزن الحادثة البعيدة وكانت لها عينان لوزيتان تحرق الرائي حناناً وأمومة قابلها وهو في الطريق الضيق الموصل لعروسه الجديدة، قلت لك ويدك تعرق، أنها تصغره تسعة عشر سنة لكنها ما لبثت أن أصبحت عروسه الجديدة ... !!

عيوننا مازالت تسرق من الطفل حلمه ومازلنا نحاول نأي الثواني على عزمها لنأي روحينا ...

يدانا تعرقان بمصافحة الغربة إذ نتلقاها بكل ما تلتقطه عيوننا والحافلة تلصق صبح اغترابنا في عجلاتها، تتيه الأيدي بيننا وتكف عن تعرق الأوردة في طرقات المطار ....

 

 

أبيع كذبا
...........................

.............................

 

 

أشتري حياة
كرسي أزرق
صيف حار يحتال على حرارته بالرطوبة والسحب البيضاء في منظر من الرومانسية لمن تنظر له من النافذة وهي تمرجح جسدها على كرسي أزرق كبندول الساعة .

تأتيها أصوات الباعة من النافذة كل بما لديه من بضاعة يتغنى ويلعنون المارين عليهم دون أن يقيمون وزنا لبضاعتهم، كم مرة لعنت من قبلهم وهي تعبر وقد ترصدت أعينهم كل ملامحها، وحقيبتها.

 هنا قفزت من الكرسي، واستكانت في أقصى زاوية من الغرفة.

لصقت ذاكرته بلعبة الدّب، كان يشبهه لطفا وبياضا وصمتا.

تحركت ملامحه في بهو الغرفة وعلى الكرسي، ثم يده تداعب خصلات شعرها برفق وببطء، مضت برقة أصابعه وهدوء أنسامه وهي تعلوها مفعمة برطوبة عذبة من همساته.

قهوة صباحه تسبقها قبلة خدها،وتردد ضحكاتهما

رائحة القهوة تعلو من فنجانها وقد تعرقت حوافه

يتذوق فنجانه ويستنشق رائحته مستمتعا بحركة خفيفة تعبر عن ولعه بقهوتها.

لامست أصابعها رأس الدمية الدب، لطالما أصابته تلك الرطوبة بصداع ثقيل

يجعل جسده لزجا ومتعرقا وكانت خفة أصابعها وحدها تعرف مسار ألمه، وتصطاده برقة.

 يدها مكمن معافاته منه...

كان ذلك قبل رؤيتها من زاوية عدم ملائمتها لنمط حياته المتبدلة.....

 

 

أبيع كذبا
………………………

………………………

 

 

أشتري حياة
الحافلة

في الحافلة تركته ينسحب بقلمه الرصاص يرسم ملامحها وانسحبت

إلى غفوة للتخلص من قلق الطريق .........

باتت خربشته ورسوماته تبعده عنها بشدة، وتقرب الوجه المقابل لها

في الحافلة

ترى أي صمت يلفّ وجهه بينما عيناه تغتال ملامحها

في الخط الموازي لهما من المقاعد تترصد رسوماته وتراقب

خطوط يده العابثة، بل تسير نظراتها بجديه مع قلمه، وكما خفة اليد

التي رأت هذا الاهتمام فبدأت بالاشتعال المريب والحذر من ترتطم

عيوني به، وكما هي خفة اليد

المشتعلة كانت خفة نظراتها ترسو على لوحاته، وابتسامته الهادئة

والحذرة

 

 

أبيع كذبا
...................................

...................................

 

 

أشتري حياة
نكران
المرأة وقد عانقت خاصرة حبيبها في أول لقاء بعد محادثة عبر ألنت كانت فيها مثال الفتاة الجميلة الجذابة والمرأة الغبية التي تفكر فيه وفي أوامره ونواهيه المرأة التي تختزل شهرزاد وعشتار وكل غانيات الشرق والغرب في واحدة

 بينما كان هو شهريار الفحولة والسلطة الذكي المبهج المعذب المحتال

 .......... الخ

انتابتها حالة من التنكر أحست بتوتر لوجوده، كان هزيلا، ووحيدا تائها في ملكوته يكاد لا يرى فستانها الأزرق الموشى بلغة النوارس تلك اللغة التي احتفى بها كثيرا ورغب بفستانها وكتب عنه وله

مالت بخدها ليلتصق بخده، ازداد التوتر، قربت شفاهها بشفاهه، امتصت ريقه

 انقطع نفسها من حرارة زفيره، قطعت شفتيها بسكينه وغادرت نافذة القطار حيث كرسيها بمقهى الانترنت

 

 

أبيع كذبا
........................................

.........................................

 

 

أشتري حياة
ليل قاتل 1
قريبا سينتهي الحديث بيننا ويتوقف القطار التائه من طريق المطار بكزابلانكا إلى المحطة التي تقلني للرباط والتي منها يتم تبديل القطارات.

حدثني طوال الطريق عن أمكنة كانت هنا ثم بادت وعن أصدقاء غائبين......

 (المشكلة ليست في رحيلهم فقط، المشكلة في براد الشاي بالنعناع، كنت أعده لأربعة كل صباح حيث يجتمعون لدي على عتبة الدار نتداول مشاكل الحياة )

بدا مشوار الصباح طويلا بين عينيه الغائرتين .....

( سي حسين بيحب أم كلثوم ويطرب معها كل صباح وبيلعن تخاذل العرب والغلا والبطالة بس رجع إلى بيته ما كاينش أشوفه بعدين......... والحاج محمد بيلعن زوجته العصية كل صباح، قال راح يتزوج عليها من جنية البحر وكل يوم يذهب للبحر ويتحدث معاها وصباح ما شرب شايه وراح للبحر ما عدت أشوفه

كل صباح بيخطف أحدهم محمود سافر لولده بفرنسا )

تأوه وخرج بعينيه من القطار إلى صبي وصبيه في حقل يلعبان ببراد الشاي..

 

 

أبيع كذبا
...............................

...............................

 

 

أشتري حياة
ليل قاتل 2
قريبا سينتهي الحديث بيننا ويتوقف القطار التائه من طريق المطار حتى المحطة

هنا سنغير القطارات ( لم تكن هناك مشكلة في غيابهم ثم أين المشكلة في غياب شلة من الخمارة لقد أغلق المقهى ابوابه وبدأنا في التسكع ولا يذهب أحدنا لبيته قبل أن يسقط صاحبه في الطريق ميتا وهكذا حتى بقيت أنا هنا

((حسنا أنا أنتقل بعد عشرين عاما الى مدينة أخرى ربما صاحبت أحدهم الى الخمارة حتى تقفل أبوابها ثم نخرج معا ولا نقفل عائدين الى البيت حتى يسقط أحدنا ميتا))

 

 

أبيع كذبا
.......................................

......................................

 

 

أشتري حياة
فكرة قصة:
في الحافلة فتحت الجريدة وانتقت فيلم الأسبوع وفق ما اتفقت معه عبر الهاتف اختارت فيلما لبطلة تشبهها في طباعها وبدأت تقرأ برجها

( الحب الذي ترتبط به لن يكون لك سينتهي قبل عامك ترقب حبا أكبر )

أغلقت الجريدة وبدأت تفكر بلقائها معه.

التقت به عبر دخول خاطئ في النت، بدأ بشجار ومشاكسة ثم ما لبث أن هدأ الوضع بينهما وبدآ بالملاطفة.

في حقيقة الأمر لم يكن الموضوع سهلا لفتاة في مثل وضعها، فالمراقبة

بكاميرات عيون أهلها متواصلة دونما انقطاع، تكاد تراها حتى وهي تستحم

ربما خالت أن حلمتي نهدها قد تحولتا أيضا إلى عين كاميرا على جسدها المبتل بالماء لتخرج فتتهم بالخيانة مع الماء ولعلها أجمل الخيانات إلى قلبها فليس سوى تلك القطرات تحنو على جسدها وهو يقسو بقسوة التهم والضرب غير المبرر.

- ما اسمك ؟

- ما يهم

 

 

أبيع كذبا
فعلاقتها عكسية معه، رغم نفورها منه إلا أن لديها وهماً تنطلق حريتها وفي هذه الغرفة أيضاً تفقد حريتها مع وجوده المتعنت، إنها سلطة تفوق سلطة الأب في البيت، حينما تقف سلطة الأب على الزوجة والجدة في المقام الأول، تعم سلطة الإبن الأكبر على سائر الموجودين في البيت وخاصة البنات وتدرج الأم في تلك السلطة، فهن العرض أما أم أخت وكسر الضلوع ربما أصبح ميراث الأجداد للآباء للأبناء..!؟

صوت ناظم يفرقع الواقع بكل أبعاده أمامها وينتظم مع صوته صوت البحر الذي طالما اشتاقت له خديجة، وتبدأ هي في أحلامها اليقظة حيث البحر والسفينة التي تعبر بها رائحة بغداد وناظم وفارس يخلصخها مما هي فيه..

لا يعرف عشقها المجنون بناظم حدود، فها هي تجمع بنات المعلم حولها وتسرد عليهن من الألف إلى الياء أغاني ناظم، بل كل ما نسجته عنه من حكايات وأخبار اسطورية، فلا حدود لشخصية ناظم لديها.

ما يصيب بنات (المعلم) من دهشة وخيرة أمامها، هي الحافظة القوية التي لديها فهي ليست أغاني ناظم فقط وإنما هو كل صوت يكتسب اللهجة العراقية تحدث أو غناء أو عزاء. فلشيخ (عبدالزهرة الكعبي) المشهور بقراءته الحسنية نصيباً وأفراً من التقليد، خاصة في أيام عاشوراء تلك الأيام التي تتسع دائرة الحرية والحياة لديها ولدى قريناتها باتساع دائرة الموت...!!

 

 

أشتري حياة
سبعة أيام بدونك نمت البارحة أفكر في الغابات حيث الصغير يحرك طرف رجولته الأولى إلى بيت خالته يختال رجلا بعد أن راح دون خوف من الولد مفتول العضلات الذي يكبره سنا

الرياح تعبث به وبجسده والكتاب يلتصق بوجهه وهو على كرسي الحديقة تغافله طفلة تعبر من جانبيه

هو على يقين أنها عبرت أمامه

لكنها تلهو خلف ظله وتهشم رأسه بعربتها الحديدية التي تروح وتجيء فوق ظله

وقد نسيته تماما

مشاهدة لأرجوحة تعلو بأطفالها

لا أهمية لذلك ثمة فتيان أخر ستلهو فوق ظله طويلا

 

 

أبيع كذبا
فرقوهن في المضاجع
لا علم لي بما يحدث من صراخ والدي لحظة يراني باعدت أخي الصغير ونمت بجانب ابن عمي في ليوان بيتنا الكبير ولم يكن سهلا ازاحة تلك الكتلة السمراء عن مرقده القطني نستعين بالحيلة او بدحرجته ننتظر عطلة الصيف بشغف حينها يعود للبيت صلاح وحميد بعد انتقال عمي الى بيته الجديد

كنا نجتمع في الليل كي نصنع النكات والحكايا ونضحك عليها ثم نجربها على اترابنا

تعاد تمثيلية تقريب الاسرة ليليا

وربما خنقتنا الكثرة في الليوان فخرجنا أربعتنا بمنامين الى الحوش حيث رطوبة السماء واعادة اكتشاف اعداد النجوم

وذات مرة مللنا من انتظار الليل فخرجنا الى المسجد القريب من بيتنا وتنحنح حميد كما المؤذن وكبر ثلاثا للصلاة وكان أول المستفيقين خالي لقرب بيته من المسجد وانا حارسة المجموعة فغادرت سريعا إلى فراشي لكني لم اسلم من العلقة.

 

 

أشتري حياة
في المقهى تجدهن أكثر حرية وفرحا من مكان آخر

يلتحفن البياض والسواد والألوان المزركشة

ينشرن الضحكات والبسمات

وتعلو رنات البلوتوث

هنا تبدوا أكثر ألقا مع زوجها

 

 

أبيع كذبا
من تترات المسلسلات والأفلام أصنع حكاية المسلسل أو أحداثه

وحيث أن مجلات اخبار الفنانين كالموعد وغيرها لم تصلنا بعد كنت وسيلة

اخبار حياة ممثلات المسلسلات اولا والافلام ثانيا باعتبار المسلسل اهم وعندما

جاءت بدأت من مكتبة أخي فكنت اسرقها كي اقراها وابدأ في نثر الأخبار

المحبشة عنهم الطريف في الموضوع ان تخرج توقعاتي صحيحة

واذا مات في حكايتي بكوا عليه بكاءا مرا ثم اذا صار عكس ذلك عاتبوني

اخبرهم ان المخرج غير نهاية المسلسل بعد اجبره الجمهور

 او انه اختلط بمسلسل آخر او او

 

 

أشتري حياة
تلفزيون بخمرة
جاءت زوجة خالي في ليلة باردة ملتحفة بعباءة سميكة ووجهها محتقن بحمرته

سلمت على والدي طلب منها الجلوس وسكب لها فنجان الشاي

كنا جميعا نرى التلفاز فتغطت عنه بحقد وكراهية، دارت بحديثها جهتي

ويش تشوفون يامقصوفة الرقبة

بهت قليلا واجبتها ستيف أوستن عمة

سليمه اتشبش انت وهالستيف استن

سكت

فبادرت ابي بالحديث :

شوف ياولد عمي بقولك شي وانتبه لأولادك هالستيف استن هاذا اللي في

تلفزيزنكم يشرب خمرة

ابتسم أبي مدركا الحكاية :

واللي في بيتكم بنت العم

لالالا هاذاك أكرم عليه يشرب شربت بس

ضحكنا جميعا

من يومها عرفنا نوعين من التلفزيون نوع بخمرة ونوع بدون

 

 

أبيع كذبا
الصغير الذي كبر من ساقيه

كان يصغرني بسنة أو بأقل ومع هذا كان كطفل لا يكاد يصل لركبتي

عصفور حب يتسلل إلى قلوبنا سكتة، لكن عينه تتوقد بذكاء النكتة والفرح

والضحكة

وصلنا إلى المرحلة الثانوية ومازلت أتعهد بالطول ويتعهد بالقصر

وبعد مدة قليلة رأيناه أشد طولا منا

تركني أخبر الجميع أن عصاة سحرية جاءت في يوم مولده وأطالته من ركبته

ومنها أطلقنا عليه الصغير الذي كبر من ساقيه

بقي قلبه عصفورا حتى غاب .....