يتأمل الكاتب في محاولات الولايات المتحدة إسكاتها صوت المثقف العربي الحر الذي يمثله عطوان. ويخلص للتأكيد على أن هذا الصوت لابد أن يصل، خاصة أن كثير من مثقفي الغرب بدأوا يعيدون النظر في قضية صراع العربي الصهيوني، رغماً عن سعي كثير من الحكومات العربية لطمس هذه القضية.

أمريكا والمثقفون العرب

عبدالباري عطوان نموذجاً

موسى حوامدة

رفضت الولايات المتحدة الأمريكية دخول الأستاذ عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي إلى أراضيها تلبية لدعوة لإلقاء عدة محاضرات في عدة جامعات أمريكية، وبعد أن تم إيقاف عطوان وتفتيشه لعدة ساعات في المطار قاموا بإبعاده، رغم أنه يحمل الجنسية البريطانية ورغم حصوله على فيزا الزيارة مسبقاً، وحين سألت الصديق الأستاذ عطوان عن الواقعة ردَّ قائلاً "أنه دعي ثلاث مرات لالقاء محاضرات في جامعات هارفرد وجورج تاون وشيكاغو وتعرض لتفتيش واستجواب شرس واحتجاز لعدة ساعات في المطارات الامريكية وعندما دعيت للمرة الرابعة من جامعة براون وهي من أهم الجامعات الأمريكية رفضوا اعطائي فيزا، واضطرت الجامعة لإعادة اكثر من 500 تذكرة باعوها، وتوقفتُ عن قبول أي دعوات من الجامعات الامريكية".

كيف تقوم الولايات المتحدة، بلد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بمنع رئيس تحرير صحيفة عربية معروف ومعروفة، من زيارتها وإلقاء محاضرات فيها، رغم دعوته من جامعاتها، فيما تعترض وتندد بأقل ما يحصل في العالم والعالم العربي بالذات، ولكن يبدو أن اللوبي الصهيوني وراء منع عطوان من إيصال صوت الشعب الفلسطيني وقضيته للشعب الأمريكي الذي لا يعرف الكثيرون منه حقيقة القضية الفلسطينية، بعد أن طمس الإعلام الصهيوني الحقائق.

لا غرابة في الأمر فالولايات المتحدة نفسها رفضت قبول فلسطين حتى عضوا مراقباً في الأمم المتحدة، واعتبرت ذلك "تعدياً على السلام"، وتخريباً للعملية السياسية، ووقفت مكتوفة الأيدي أمام التطرف والتغول الإسرائيلي في القدس وتحدي إسرائيل للمجتمع الدولي والإعلان عن نيتها بناء آلاف الوحدات الإستيطانية الجديدة.

البيت الأبيض وأوباما نفسه منحازون كلياً للطرف الإسرائيلي وكل كلام دبلوماسي يرددونه، لإرضاء العرب والمسلمين، منذ خطاب أوباما في القاهرة بعد فترة رئاسته الأولى مباشرة، مجرد إبر مورفين للتخدير لا أكثر ولا أقل، ورغم قيام الولايات التحدة باحتلال العراق منذ عام 2003 ورغم دعاواها الحرص على بناء ديمقراطية أو نموذج للديمقراطية في العراق، تتراجع عن مبادئها وعن حقوق الإنسان حين يتعلق الامر بالشعب العربي الفلسطيني بالذات. وليست قضية عطوان إلا واحدة من تجليات هذا التناقض بين الشعارات التي ترفع وبين تطبيقها، في بلد الحرية.

إذن؛ فالولايات المتحدة لا تخفي عداءها للشعب الفلسطيني ولكن المعضلة الحقيقية فيمن لا زال يراهن عليها من سياسيين فلسطينيين وعرب، فهم يعتقدون أن البقاء في الحكم وفي السلطة لا يكون إلا برضا الطرف الأمريكي تماماً كما يفعل الاخوان المسلون الآن، سواء في مصر أو في سوريا وغيرها، وهذا يقودنا للقول أن قطر وتركيا هما ذراعا الولايات المتحدة الإسلاميان، لرسم الربيع الأمريكي، الذي سمي مجازاً بالربيع العربي.

ألا يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك عن استمرار علاقة الدول العربية بالولايات المتحدة، وعن استمرار الصمت العربي حيال كل ما يجري في فلسطين في الوضع الحالي وفي طريقة تشكل الربيع العربي، لا أعتقد ان ذلك سيؤدي إلى موقف عربي يشبه على الأقل موقف الرئيس المصري الراحل عبدالناصر أو الملك فيصل، فالكل ماض إلى مصلحته والشعب الفلسطيني سيظل والحال هكذا ضحية هذه السياسة العنصرية المنحازة، وقربان العلاقات العربية أو الإسلامية الأمريكية.

بقي القول أننا بتنا نخاف على سوريا أكثر، ولا ندري ما هو السيناريو الأمريكي المعد لمرحلة ما بعد الأسد، وقد بات معلوماً أن آخر ما تهتم به الولايات المتحدة هو الشعب السوري، أو أي شعب عربي، وكل ما يهم مصلحتها هو أمن إسرائيل، ومن هذا المنطلق علينا أن نعيد النظر في كل شيء حتى في موقفنا مما يجري في سوريا، من صراع حولها وليس في حق الشعب السوري في الحرية والعيش بكرامة.

وفي النهاية سواء دخل عبدالباري عطوان الولايات المتحدة أو لم يدخل، فإن الصوت العربي الحر الذي يمثله عطوان، لا بد أن يصل أسماع الغرب، فقد بدأ كثير من المثقفين في الغرب يعيدون النظر في قضية الصراع العربي الصهيوني، مع أن الكثير من الدول العربية تسعى لطمس هذه القضية، وعدم اعتبارها شأناً عربياً قد يعكر مزاج الرضا الأمريكي.

 

musa.hawamdeh@gmail.com