سنحاول من خلال هذه الورقة، معالجة موضوع لطالما أرّق الكتاب والمثقفين المغاربة في السنوات الأخيرة ، بفعل المشاكل المتكثرة التي تخبطّت فيها منظمة عتيدة، ساهمت في بلورة وعي وطني بعد الاستقلال، من خلل وضع مشروع ثقافي وطني رفيع سرعان ما سيدنسه التكالب السياسوي لبعض النخب السياسية على هذه المنظمة في إطار الصراع بين القوى الديمقراطية والمخزن، يتعلق الأمر باتحاد كتاب المغرب ، الذي تعطلت آلياته وبهت بريقه في السنوات الأخيرة، لدرجة أن البعض أصبح يلوح بفكرة مفادها أن الاتحاد قد استنفذ ذاته وغدا ضربا من الماضي.
إن الظروف التي جرى فيها المؤتمر الأخير للاتحاد، تؤكد هذا الزعم، وإن إنجاح المؤتمر وكذا فرز مكتب تنفيذي، وسط زوبعة من القيل والقال ، لايمكن بأي حال من الأحوال أن يحل معضلة هذه المنظمة. فليس من شك أن أزمة اتحاد كتاب المغرب، هي أزمة بنيوية بكل المقاييس، وهي، أيضا وعطفا، أزمة مشروع ثقافي وطني، لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال، عن أزمة المجتمع المغربي الذي يفور ويمور بأديم شرط تاريخي معطوب. والحق إن هذه الجمعية، ذات النفع العام والتي تحولت إلى نفع خاص، قد راكمت بما يكفي من المطبات، ما جعلها تلج النفق المسدود بعينين مغمضتين.
لقد عاش الاتحاد، فيما مضى، حراكا فكريا وثقافيا ملبدا بصراع سياسي- إيديولوجي استخدم لفائدة نسق فكري وعقائدي، الشئ الذي أعدم فاعلية هذه الجمعية، وأسقطها في مأزق التشويه في الممارسة، تلك التي لا تحتكم إلى قواعد الديمقراطية . إن أمرا كهذا لم يكن بمقدوره أن ينتج سوى خطاب مزدوج اللسان، سرعان ما ستنفك أواصره وتتفجر تناقضاته لاحقا.هو خطا ب يرعى كل نزوع حداثوي مزدان بالنفاق والإزدواجية الخفية كحالة سيكوباتية.
والحاصل إن أزمة الإتحاد الآن، ما هي إلا نتاج لمجموعة من التراكمات التاريخية، منها ما هو ذاتي مرتبط بالكتاب أنفسهم، ومنها ما هو موضوعي، له صلة بالشرط التاريخي الذي ترعرعت فيه هذه المنظمة. فلا مراء في أن عدم فصل الكتاب، في مرحلة البناء والتأسيس، بين الثقافي والسياسي، جعلهم، في أغلب الأحيان ينظرون إلى الثقافة نظرة ذيلية، بمعنى أنها ليست سوى تابع يرعى الصراع السياسي، ويخدم، من ثمة، أجندة سياسية ليس إلا.لقد بات المثقف-السياسي، والوضع هذا، يدافع عن مشروعه الثقافي-السياسي بهدف السيادة وبلوغ السلطة التي ستكون سببا رئيسا في تعطيل فاعلية الاتحاد. أيضا وعطفا، على ما سلف، فإن القوى الديمقراطية، وبعد صعودها إلى الحكم في تسعينيات القرن المنصرم، ستتنصل من مسؤولياتها تجاه الاتحاد بخاصة، وتجاه الشأن الثقافي بشكل عام، ومن ثمة ستزج بالمشروع الديمقراطي المغربي في المهب، حيث سيدخل العديد من الكتاب في سباق محموم، وتكالب داعر على المناصب والامتيازات.إن هذا الارتباط التاريخي الوثيق والواثق بين الاتحاد وأحزاب المعارضة،
وبخاصة اليسارية منها، بالإضافة إلى عوامل أخرى لها علاقة بالمخزن ونظرته العدائية للثقافة باعتبارها مؤثرا حيويا في حركية المجتمع، وفاعلا إيجابيا في الصراع الطبقي، جعل الاتحاد يلوك الأعطاب والمطبّات، ويعيش حروبا مجانية أدخلته غرفة العناية المركزة مباشرة، قبل أن تودي به إلى الموت السريري.ولنا أن نتصور حجم الفداحة التي ستصيب عمارة الاتحاد المتبرمة من بعض الجمل الاعتراضية التي ما فتئت تناضل من أجل مشروعها الثقافي المتشاكس والمتشامخ، بتشوف رائق وريق إلى المستقبل، بعيدا عن مكيفات الصالونات وبرودة القاعات والمجاملات والإخوانيات والسفريات والامتيازات وهلم نفعا.
لقد جرت الكثير من المياه تحت جسر الاتحاد، وانعقد أخيرا مؤتمره المعطوب، بعد شد حبل بين داع لدمقرطة الشأن الثقافي عبر بوابة الاتحاد، وبين مستعجل يرى في المؤتمر نهاية أزمة إطار عتيد.لكن سنكون واهمين إن اعتقدنا في لحظة من اللحظات، أن محطة تنظيمية، ينظر إليها في ذاتها، كفيلة بإخراج هكذا منظمة من عنق الزجاجة.لأجل هذا وذينك نسوق في هذه الورقة بعض المقترحات، نعتبرها مقترحات أولية نحو نقاش معمق وحقيقي لإسعاف هذا العطب، فحاجتنا اليوم للاتحاد، هي أكبر من أي وقت مضى.
ففيما يخص المقترحات العامة نسجل ما يلي:
أولا_ضرورة عقد مناظرة وطنية لتدارس الوضع الراهن للثقافة الوطنية وكذا آفاقها ومستقبلها وذلك بإشراك كل الفاعلين والمتدخلين في الشأن الثقافي دون إقصاء لأية جهة ما.
ثانيا_صياغة مشروع ثقافي وطني يرتكز أساسا على مبدأ الديمقراطية الحقة والحكامة في تدبير الاختلاف، ويشجع على الإبداع والخلق من خلل تهيئ المناخ المناسب والكفيل بتيسير ظروف ملائمة للمنافسة الشريفة القائمة على التسامح والتعددية والوئام بعيدا عن الأحقاد، وعلى الدولة أن تتبنى هذا المشروع وأن تعمل على إنجازه وتحقيقه.
ثالثا_التزام كل المشاركين والفاعلين في الشأن الثقافي بالبلاد، بمضمون الميثاق|المشروع.
رابعا_اعتبار التعليم القاطرة الأساسية لإنجاح هذا المشروع، وكذا المدخل الطبيعي لتكريس ثقافة القراءة، والحق فيها، وحرية الإبداع .لكل هذا على الدولة والمتدخلين في الشأن التربوي أن يضعوا سياسة تربوية في قطاع التعليم تتماشى ومضمون الميثاق.
خامسا_اعتبار الشأن الثقافي محركا حيويا للاقتصاد الوطني ، ومن ثمة وجب الاستثمار فيه عبر إقحام الرأسمال الوطني في هذا المجال وتشجيعه على الاستثمار في الثقافة.
سادسا_ضرورة اهتمام الدولة بالثقافة ورعايتها من خلل الرفع من ميزانيتها الهزيلة.
سابعا_الزيادة من دعم الدولة لمنظمة اتحاد كتاب المغرب ولباقي الجمعيات الوطنية الجادة، مع إجبار الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية و الجهوية على التعاطي الإيجابي مع هذه الجمعيات.
أما فيما يخص الاتحاد ذاته، فنقترح ما يلي:
أولا_تفعيل فروع الاتحاد بالمدن القريبة والبعيدة، بدعمها ماديا ومعنويا، بدل تركها معطلة أو موسمية في أحسن الأحوال.
ثانيا_منح الفرصة للكتاب ذوي الكفاءات العالية في التسيير، دون إقصاء لأولئك الذين يقطنون، بعيدا عن محور الرباط- البيضاء، بدعوى بعدهم عن المركز.
ثالثا_إعادة هيكلة الاتحاد وفق منظور جديد يضمن مبدأ الاستقلالية والديمقراطية الحقة، تلك التي ترعى الخصوصية والجودة والحكامة، وتضمن حق الأقلية كما الأغلبية.
رابعا_خلق مناخ مناسب للتنافس الشريف بين فروع الاتحاد، وتخصيص جوائز تحفيزية بقصد التشجيع على الاجتهاد.
خامسا_استثمار الاتحاد لكل الوسائل المتاحة، خصوصا الإعلامية منها، للخروج بأنشطته، من داخل المقرات والقاعات والصالونات الباذخة، إلى الشارع وكذا اقتحام البيوت عبر النيت.
سادسا_محاربة ونبذ كل أشكال الريع الثقافي التي من شأنها أن تفتح الباب للانتهازية والانتهازيين المتربصين بهذا الإطار.
سابعا_تطوير عقليات وسلوك الكتاب الساهرين على تسيير أجهزة هذا المرفق، بما يخدم مصلحة الاتحاد والكتاب، وبما يخدم المشروع الثقافي الوطني القائم على التعدد والتنوع والحرية.
ثامنا_الانفتاح الإيجابي على الكتاب الشباب وإشراكهم في تحمل المسؤولية.
تاسعا_عدم النظر إلى الكاتبات من منظور استهلاكي أو حتى انتخابوي.
أما بعد، تلكم بعض المقترحات التي نظنها إلى جانب أخرى، قادرة على تصحيح وضع منظمة عتيدة ظلت لمدة ليست بالقصيرة، قاطرة الشأن الثقافي ليس بالمغرب وحده، بل بالوطن العربي برمته، ومن له ذرة شك في ذلك، فإن التاريخ شاهد.
شاعر وناقد من المغرب