هل يستطيع الشعر ان يغيرنا ويغير العالم؟ وهل الشعر حرفة، صنعة مثل النجارة والحدادة، وكيف نقول الشعر، هل تغير الكلمة العالم، وتقتلها العادية، لمن يتحدث الشعر ومن هم مشاهدوه هل العامة أم الخاصة؟ أسئلة تطرحها مجموعة من المقالات المترجمة التي أعدها المترجم السعودي حمد العيسى في كتابه الجديد ويحمل عنوان «قضايا أدبية: نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية» وما يجمع هذه المقالات أنها مختارة من صحف عالمية ومجلات علمية متخصصة بالشعر والرواية والعلم النفسي وتحليله للإبداع والموهبة، وهي اختيارات ذكية، نشرت في الصحف العربية وقد اختار العيسى أحسن ما ترجمه منها خلال العقد الماضي و"أحسن" هي ما رآه الكاتب من ترجمة مقنعة ومرضية له، حيث أراد ان يشرك القارئ متعة قراءتها.
ولعل ما يجعل الكتاب ممتعا هو تنوع مواده، حيث ينتقل القارئ من مادة الشعر الى الرواية الى العلم النفسي وخلالها يطلع على قضايا ادبية لها علاقة بعالم الكتابة وترجمة الكتاب العربي للانكليزية واختيار المترجمين الاجانب للرواية التي يرونها ممتعة وتجلب انتباه المشاهد الغربي، كما يقدمنا العيسى الى بعض النقاشات حول الكتب الاكثر شعبية التي تتنافس الصحف المهمة على نشرها في صفحاتها الثقافية اسبوعيا وأصبحت تحدد طبيعة القراءة والكتاب الذي يجب شراؤه. والمواد المترجمة كلها من المجلات والصحف الناطقة بالانكليزية، حيث اختيرت بعناية من اجل ان تنقل للقارىء العربي معلومات وثقافة، فهي مليئة بالكثير من ملامح الثقافة الغربية مما يجعل من الكتاب متميزا، لان المقالات تقدم صورة عن علاقة الاجناس الادبية المعروفة بالتطورات التكنولوجية التي على خلاف الكثير من الاراء تزيد من اهميتها وقدراتها التعبيرية وتطور اللغة حسب مارغريت راندل فيها في مقالتها «هل يستطيع الشعر ان يغير العالم ويغيرنا».
حياة حافلة
ويعتبر العيسى هذه الكلمة التي القتها في مهرجان «ستير» السنوي في مدينة البوكركي المكسيكية، من اهم ترجماته التي انجزها منذ ان ترك مهنته في عالم الهندسة وتفرغ للترجمة عام 2002. واهمية المقالة تنبع من الحياة الحافلة للشاعرة راندال التي طافت العالم وعاشت ثقافات واسهمت في تثوير وتطوير الحركة الثقافية في المكسيك. واهمية المقالة تنبع من تحديدها مهمة الشعر والشاعر ودعوتها للاهتمام بالمعنى الشفاهي للغة والشعر واهمية البوح والاعتراف. ومما يقدمه الكاتب من معلومات عن الشاعرة انها شاعرة عانت من المكارثية الامريكية وسحبت منها الجنسية الامريكية ومنعت من دخول البلاد، في اثناء الحقبة الثمانينية في عهد رونالد ريغان، حيث حرمت من وطنها لان السلطة في واشنطن اعتبرت كتابتها مضرة بالصالح الامريكي، مما يعني ان عقدة الاضطهاد والخوف من الغريب والمختلف سبقت هجمات ايلول التي كرست من امريكا بلدا يضطهد الاخر من اجل الانتقام لهجوم تم عليه كما حدث في بيل هاربر، فالمكارثية في خمسينات القرن الماضي ابعدت عشرات الالاف من المثقفين والناشطين الامريكيين عن بلدهم بحجة انهم «حمر» اي شيوعيين وشتتتهم في الافاق، بعضهم مات في المنفى والاخر عاد بعد ان اكل الدهر عليه وشرب. لكن شاعرتنا قاتلت وبمعونة من مركز الحقوق الدستورية من اجل الغاء الحظر وصبرت على تفاهة المحققين الذين سـألوها عن كل صغيرة وكبيرة خاصة وعامة، ماذا فعلت في الفراش وكيف عاشرت زوجها والى اين سافرت، وراندل كما يخبرنا العيسى قامة شعرية مهمة حيث انتجت اكثر من 80 كتابا في الشعر والرحلة والسياسة واصدرت مجلة مهمة في المكسيك.
كيف يغير الشعر العالم
ولعل ما يميز مقالتها التي اختارها لنا العيسى خاصة في مجال الشعر وهذا القسم في الحقيقة أعجبني، أكثر من القسم الروائي باستثناء المقالة التي أخذ منها عنوان كتابه، انها تبدأ بسؤال هل على الشعر أو الشاعر تغيير العالم أم نفسه، والاجابات تختلف ولكنها تشترك في منطق مهم وهو أهمية الشعر للحياة الانسانية وتجذره في القيمة الوجودية للانسان والعالم، فمنه يبدأ سؤال العالم وسؤال الخلق ومن اجل الاجابة عليه علينا ان نفهم العالم وما تحته وما وراء ووراء الوراء، وراندل تشير الى الشعر المهم الذي يصبح جزءا من الحياة، يهرب من زنازين القمع، يكتب على جدرانها، وينقل من مكان الى اخر، مثل الريح الهوجاء يقرأ في الامكنة يصبح جزءا من البيت ووصفات الطبخ، يقرأه المشردون على الشواطىء البعيدة وتحتفي به البحار السحرية، وما لم تقله الكاتبة يكتب على علب السجائر كما كان يفعل السجناء الفلسطينيون، او يحول الى برشامة تنقل من فم الى فم حتى تخرج لفضاء الحرية، والشعر الجميل هو كما تشير راندال عائلة تبدأ من سافو الى مولانا جلال الدين الرومي ـ الى الن غينسبرغ وغيرهم من العمالقة. وتتساءل الشاعرة عن دور الشعر في تغذية الحياة واحياء الامل وان كان قادرا على جعلنا نفهم ما يدور حولنا. وكل الشعراء الذين ترجم عنهم العيسى يعانون من البحث عن الشعر الجميل الذي يغيرهم ويغيرنا معهم فهي تشير الى مشاكل تعليم الشعر في المدارس الذي يحجب القارئ عن المعنى الجميل وراندل تقول انها كانت تكره حصة الشعر التي حولت القصيدة الجميلة الى نوع من التمتمات وقصائد عاهات لا يفهم الا المدرس السبب الذي تحولت فيه الى مومياء. وكمثال على قدرة الشعر على تغيير المسار الانساني وان يتحول الى نوع من اغنية الخلود، تشير الى المصورة الفوتوغرافية كاري هيرز التي كانت تموت من سرطان الرحم وقررت ان ترسل قصيدة وداعية «الكترونية» لاصدقائها، فقد كانت القصيدة بمثابة الهواء الذي اشعرهم بقيمتهم وقرأها الكاهن على قبرها لان فيها معنى «الخلاص، الذي لن يعرف احد معناه على الاطلاق»، وتؤكد الشاعرة على ان الشعر يغير اللغة، ويستفيد من كل اختراع انساني في التطور، من البخار الى البرق والهاتف، والتلفون والتلفاز والراديو الى زمن التوتير والانترنت والكتاب الالكتروني، فهذه من ناحية تحدد او تقلل الكلام وتركزه بشكل تجعله شاعريا وتفضح حياتنا حيث تكشف عن المخبوء منها، عندما نستمع في المقهى للبشر وهو يتحدثون بصوت مرتفع، اضافة الى ان هذه التقاليد التكنولوجية الحديثة تقصر من جملنا. ولعل اهم ما تصنعه هذه هي انها تجعل من القلم الساحر والورق والخط نوعا من التراث السحري.
لكل رحلته
لكل شاعر رحلته فقد وصلت راندال الى مملكة الشعر عبر رحلة من التعب والملل والحنق، حفظت قصائد مملة واستمعت لقراءتها من استاذ اهبل قتل الموسيقى فيها، كل هذا جعلها تكره الشعر واهله، ولكن كيف قادها القدر الى الشعر، تشير الى لحظة قلبت حياتها وغيرت المسار، كان ذلك في عام 1956 عندما استمعت في البوكركي عندما قرأ «احدهم» قصيدة بصوت عال «عواء»، كانت هذه القصيدة من مجموعة «عواء وقصائد اخرى» للشاعر الطليعي الان غينسبرغ « لقد شعرت انني تمزقت بعد سماعها، ليس بسبب كلمات تلك القصيدة فحسب، بل ايضا قوى وروح نبرتها وايقاعها، والاهم ما كشفته عن خيبة امل جيلي في ظل الحقبة المكارثية في الولايات المتحدة من نفاق وقبح واكاذيب». ليس غريبا ان تكتب رسالة الى الشاعر نفسه حددت فيه المكان الذي تريد لقاءه فيه في شارع كذا في سان فرانسيسكوـ وساقت المسافة كلها من البوكركي وهي متأكدة من حضور الشاعر في نفس المكان والموعد، وعندما وصلت لم تجده، وبعد سنوات عندما تعرفت عليه اكثر كان موضوع اللقاء محلا للنكتة، فقد حضر الشاعر ولكن الى شارع مختلف بسبب جهلها بجغرافيا المدينة. المهم في الامر ان قصيدة عواء «فجرتني وعرتني امام نفسي» وهذا هو ديدن القصيدة الجميلة والناجحة. الاحتفاء بالشعر لا يتوقف كما تقول الشاعرة عند لغة الشاعر بل يصلح للغة اخرى، لان سماع الشعر بدون معرفة اللغة متعة وتجربة جديرة خاصة بعد رحيلها الى المكسيك ولقائها شعراء طليعيين اخرين.
الشعر والسياسة لغز كولينز
تقول ان مفاهيمها عن الشعر تغيرت في امريكا اللاتينية حيث تقول انها تعلمت في بلدها ان تفصل الشعر عن السياسة، ولكن في عالم الجنوب عرفت ان الخطر الذي يهدد الشعر ليس السياسة ولكن المبالغة والابتذال والتقليد والكذب والخداع. تكشف رحلة راندال مع الشعر وعقيدتها حول امكانية تغييره للعالم عن رحلة تطور في الفهم، فعندما نؤمن بان العالم ستغيره القصيدة نخوض المعركة في كل مكان ولكن الشاعر عندما يكبر يكتشف ان معركة الشعر يجب ان لا تكون كلها من اجل تغيير المسار بل تأكيد دوره وجعله مهما للحياة.
جاء الشاعر بيلي كولينز لمملكة الشعر متأخرا قبل ان يتوج عليها كملك لشعراء أمريكا حيث وصل بعد ان كان اكاديميا في ذلك الوقت مهنته تدريس الادب والشعر، فهو كما يقول ناقد كان البروفسور الشاعر ثم اصبح الشاعر البروفسور. في المقالة المترجمة هنا وهي لكيلي غلوغل- شاعرة ايضا ـ تتساءل عن لغز شعبية كولينز، قد يكون اهتمامه بالجمهور تتساءل، كيف يحدث هذا، فالقراءة الشعرية ليست طقسا يقوم فيه المستمع بمتابعة شاعر يرفع ويخفض نبرته، يرفع وينزل يده، يصرخ هائجا ويرتاح، يزبد ويرعد او يقرأ بطريقة رتيبة تجعل الحاضرين يتثاءبون، القراءة الشعرية هي مناسبة اجتماعية- القاء وتلق- يشعر فيها الشاعر الحاضر بأهميته،"بيلي كولينز لم يكن ابدا متعاليا، كما انه لا يدعي معرفة كل شيء". تقول غلوغل أنها قابلت كولينز اول مرة عام 1993 في ايرلندا ومنذ ذلك الوقت تعرفت على السبب الذي يجعله شاعرا محبوبا، هو انسان يقدر كل شخص من النادل وسائق التاكسي والمشرد «ان لا تعترف بوجود القارئ هو مثل ان تكون في غرفة مع شخص آخر وتتجاهل وجوده تماما، وهذا اسلوب لا اعتقد انه مقبول للعيش في الحياة والأدب». اما الملمح الاخر في تجربة كولينز فهو عدم تخصصه ودراسته في ورشات الادب ولم يحصل ابن الكهربائي على درجة ماجستير في الكتابة الابداعية «ما دفعني لكتابة الشعر هو كون الشعر عملا تقوم به بنفسك».
بداية متأخرة
اصدر كولينز احد عشر ديوانا «حتى تاريخ كتابة المقال 2008»، وبدأت مسيرته الشعرية الحقيقية عام 1991 عندما نشرت له دار جامعة بيتسبرغ مجموعته الشعرية « اسئلة عن الملائكة»، ثم نشرت له بعد ذلك «فن الرسم» و «توهج النزهة». مما اسهم في شعبية كولينز هي دعوته لبرنامج «فريش اير» هواء طلق- الذي يعده غاريسون كيلر، حيث قرأ بعضا من قصائد الشاعر في برنامجه الذي يستمع اليه مليونا مستمع ثم دعاه الى البرنامج عام 1998 و فجأة اصبح كولينز على كل شفة وكل لسان، وهو ما لفت اليه انتباه دار راندوم هاوس التي حاولت نشر مختارات من اجمل شعره، لكن المشروع تأخر بسبب رفض جامعة بيتسبرغ منحها حق نشر بعض قصائده حتى لا تؤثر المختارات على مبيعات نشرياتها له. شعبية كولينز لا تنبع من انتشار كتبه التي طبع بعضها 17 طبعة ولا من مبادراته لتحبيب الشباب بالشعر، يقول انه من الاحسن تدريس الشعر بطريقة معاكسة من الحديث للكلاسيكي بل من قدرته على قياس رد فعل الجمهور وفهمه لفكرة الاستماع، فبين التصفيق والمرح هناك لحظات الصمت التي تعبر عن اذن خبيرة كما يقول» احصيت 19 لحظة صمت الجمهور تتراوح من ممتاز الى سيىء ومن المفارقة ان اجمل رد فعل كان اسوأ رد فعل من الجمهور نفسه. يرى كولينز ان اهم ما يجب على الشعراء تجنبه هو « القصيدة الجادة» التي تنفر المستمع منه، وهناك امر اخر يؤكد عليه كولينز وهو كيفية اقناع الشاعر القراء كي يهتموا بالتجربة الشعرية، فهناك كما يقول دائما فجوة كبيرة بين ثقل التجربة الذاتية على القصيدة وبين الاستراتيجية «الادبية الماكرة» التي تجعل القراء يهتمون بك، وتشي فكرة كولينز بان خداع القارئ هي اهم طريقة لجذب القارئ للشعر الجاد اي العمل على تجاوز واخفاء البعد الذاتي مؤقتا والتواضع الجم الذي قد يقتضي من الشاعر الانتقاص من قدره والمفارقة وحتى النزول الى مستوى من السخافة. هذه المفارقة كما تسميها غلوغل من اهم المواربات التي يستخدمها كولينز لجعل لقارئ مرتاحا وهو يقرأ محتوى القصيدة الجاد. يتفق الجميع على قدرة كولينز على بناء جو من التواصل مع جمهوره، ولهذا السبب تقول انه اخرج من جيبه بطاقات طيران كثيرة تظهر جولاته التي قام بها في انحاء امريكا حيث احيا 400 امسية شعرية «كولينز شاعر مطلوب جدا لأسلوبه الجذاب في الإلقاء حقا يريد الناس ان يسمعوه وهو يقرأ الشعر».
لا تتعجلوا
ينصح كولينز الشباب بعدم التعجل لنشر دواوين والعمل على نشره في المجلات الأدبية فقد نشر اول ديوان « التفاحة التي ادهشت باريس» وهو في عمر الاربعين، ويرى اهمية القراءة لإعمال الشعراء السابقين لان تقليدهم هو احسن طريقة لاكتشاف الشاعر لصوته الشعري، «اقرأوا اقرأوا حتى تعثروا على شاعر او اكثر يجعلكم تشعرون بالحسد»، ويرى ان من يعيش تجربة بؤس ليس بالضرورة ان يصبح شاعرا، وفي حالة توقفه عن كتابة الشعر فالعالم سينتهي بالنسبة له وسيشعر بالتعاسة، واهم ما في تجربته كما يقول انه لا يفكر قبل الكتابة ويكتشف ما يريد قوله في حالة الفعل الكتابي.
لماذا نكتب الشعر
في نفس القسم يقدم لنا العيسى ترجمة لكلمة القاها عميد شعراء اندونيسيا سابارادي دجوكو دامونو،"لماذا نكتب الشعر؟" والتي طرح فيها نفس السؤال عن اهمية كتابة الشعر وتجربته كشاعر في التعامل مع الكلمة، حيث اكد ان الشعر لا يكتب لتقديم أجوبة لكنه قد يصبح في نهاية المطاف نوعا من الاجابة حيث يبتكر للتغلب على الصعوبات الناجمة عن الاجابة عن الاسئلة المطروحة امامه. ومع انه يجترح قصته وهو طفل وشاب وعجوز شاخ في الشعر الا انه ظل يحاول البحث عن جواب لعل مداره الكلمة التي هي أداة القصيدة، ألم نخلق جميعا وننشأ بين الكلمات؟، فقد خلقت الكلمة للإجابة على تساؤلات عن ماذا وكيف حدث هذا والى اين نحن سائرون؟ لكن الكلمة تفقد وهجها من سوء الاستعمال وتتحول الى افعال وسلطة وديكتاتورية، واهمية ما يقوم به الشاعر هو انه يجدد الكلمة ويجعلها ذات علاقة مع العالم، وهو يذكرنا بكلمة للشاعر نيروان ديوانتو «إن الشعراء يمكنهم تغيير العالم عندما يقاتلون حقا وفعليا بأنفسهم في ساحات المعارك وأيضا عندما يجددون مضمون هذا النوع الادبي وشكل القصيدة». ويرى ان هناك ضرورة بتأكيد ديمقراطية الشعر التي يجب ان تفصل عن حكم الأغلبية مما يعني منح القارئ حرية التفسير والتأويل وتحديد اختياراتهم بحسب آرائهم ومواقفهم. وفي النهاية ولان الشاعر ليس رجل قانون او دين فمهمته هي الكشف عن مصدر الاسئلة حيث تتحول كل قصيدة الى تجربة بالكلمات.
السيرة والرواية
ركزت في هذه القراءة على الجانب الشعري في الترجمات مع المقال الرئيسي لدانيال منديلسون التي كتبها في مجلة «النيويوركر» عارضا لكتاب بن ياغودا «تاريخ السير الذاتية» والمقال رحلة في كتب السيرة من القديس اغسطينوس العصر الحالي حيث قرأ وحلل فيه الحدود الفاصلة بين السيرة الذاتية والرواية، وكشف عن نوعيات سير الخلاص والتطهر والبوح وفضح الذات وتعرية اثامها امام الناس، واشكاليات الكذب والتزييف في كتب السير التي تنبع من محاولة من يكتبوها صناعة تاريخ لهم او استغلال تاريخ- العبودية وهولوكوست الهنود الحمر- والهولوكوست النازي.كما يعرض الى انخداع القارىء والناقد والمحلل بسير يكشف لاحقا عن زيفها ورد فعل القارئ على هذا الكشف، كما ويشير الى تردد الاخرين في الكتابة عن انفسهم لأنهم يعتبرون السيرة نوعا من الكذب والخداع. المقال طويل وممتع، وهناك ايضا مقالات عن رواية رجاء الصانع «بنات الرياض» وترجمتها والمشاكل حولها، وتعرية لتناقضات صاحب عمارة يعقوبيان كتبها الكاتب والمعلق الثقافي بانجاك مشيرا. لا بد من الاشارة الى ان مترجمنا لا يقوم فقط بعمل المترجم الحرفي من لغة مصدر الى لغة هدف بل يقدم المقالات ويعلق عليها ويثريها بالمعلومات التي تنبىء عن قارئء ومترجم يعرف كيف يختار مواده. عندما بدأت القراءة والتعرف على الاداب والحركات الاجنبية تعرفت على كتب الاكاديمي والأستاذ في الجامعة الاردنية محمود السمرة «ادباء معاصرون من الغرب» و «ادباء الجيل الغاضب» وقد تأثرت بهما كثيرا وأرجو ان يجد الجيل الجديد في هذه الترجمات ما يفيدهم. ولا بد من الاشارة ان مترجمنا مر بأزمة صحية وهو يتعافى منها بالإرادة القوية والتصميم.. نرجو له الشفاء والعافية.
"قضايا أدبية: نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية" وقضايا اخرى مترجمة دانيال منديلسون، ترجمة وتعليق : حمد العيسى، الدار العربية للعلوم ناشرون ـ 2011
ناقد فلسطيني من أسرة القدس العربي