يقدم الباحث العراقي هنا بحق، مقالة في مشكلة المنهج، بالمعني الدقيق للمصطلح. يتقصى فيها دلالات المصطلح المفهومية والفلسفية والعلمية، ويتتبع تطورها ويحدد مكوناته، ثم ينتقل لتناول صوره وتجلياته في الحقول المعرفية المختلفة وأوليته على المداخل المعرفية في كل، وصولا إلى بلورة خطاطة توضيحية ومعايير تقييمية له.

مقالة في مشكلة المنهج

باقر جاسم محمد

«خير للإنسان أن يعدل عن التماس الحقيقة من أن يحاول ذلك من غير منهج» ديكارت

«ليس من المنهج أن تخرج عن المنهج» علي جواد الطاهر

 

1. مقدمة
قد تكون بعض المفاهيم والمصطلحات المتداولة على نحو واسع، التي تبدو للوهلة الأولى واضحة ولا لبس فيها، على شيء من الغموض والالتباس وبالتالي فهي الأحوج من غيرها إلى البحث والدرس لإعادة تحديد منطلقاتها الأساسية وملامحها الفكرية وأسسها الإجرائية ولبيان مواضع الالتباس فيها، وربما يصل الأمر إلى إظهار الحاجة إلى صوغ تصنيف جديد لها. وقد يكمن سبب ذلك الغموض والالتباس في شيوع تلك المفاهيم والمصطلحات وعدِّها من المسلمات التي لا حاجة للخوض فيها إلا عند الخروج على أسسها العامة على نحو غير مقبول ولا مسوغ. ولعل مصطلح المنهج من أهم هذه المصطلحات التي شاع استخدامها كثيرا ً لذلك غلب الظن على نفوس بعض الباحثين والقراء على أنها واضحة وجلية أو حتى بدهية. فهل حقا ً أن صورة المنهج، كما تنعكس في كثير من البحوث المعاصرة، بهذا الوضوح؟ ثم، ألا يحتاج مفهوم المنهج إلى نوع من إعادة النظر لتقويم فاعليته الإجرائية؟ في الجواب على التساؤل الأول، نقرر بأننا لا نعتقد ذلك لأن ممارسة كثير من الباحثين للعمل المنهجي يكتنفها كثير من اللبس فضلا ً عن الخروج على حدود المنهج دون أية مسوغات تفرضها طبيعة البحث. أما بالنسبة للتساؤل الثاني، فإننا نفترض أن فحص طبيعة المشكلات التي تكتنف العمل العلمي المنهجي تظهر الحاجة إلى إعادة النظر في بعض جوانب مفهوم المنهج العلمي بغية إثرائها. وسنبدأ ببحث طبيعة المفهوم اللغوي لمصطلح المنهج، فنقول: أن الفعل ’نَهَجَ‘، وقد يكون مكسور العين، يأتي بعدة معاني، منها ’نهج الرجل‘ أي انبهر وتتابعت أنفاسه، و’نهج الثوب‘ أي بـَليَ ولكن لم يتشقق، و’نهج الرجل الأمر‘ أي أبانه ووَضَحَه، و’نهج الطريق‘ أي سلكه، وقيل ’طـَلـَبَ النهجَ‘ أي طلب الطريق الواضح. و’المَنْهَج‘، و’المِنْهَج‘، و’المِنْهاج‘، الطريق الواضح.(1) وقد جاء في القرآن الكريم: "لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعة ً ومِنهاجاً" (المائدة:5/48)، كما جاء لفظ النهج بمعنى الطريق في خطبة للإمام علي (رض) إذ قال: "اعملوا رَحِمكم الله على أعلام بيِّنةٍ، فالطريق نـَهْج ٌ يدعو إلى دار ِالسلام،..."، وورد أيضاً مقترناً بمعنى الطريق في كلام له أيضاً إذ قال: "... إني والله لعلى بيَّنةٍ من ربي، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح".(2)

وقد ورد لفظ النهج بمعنى الطريق في شعر ابن الرومي إذ قال في رثاء أحد الأعيان:

أمَامَك فانظُرْ أيَّ نهْجَيْكَ تـَنْهَجُ طَريقان ِ شتـَّى: مُسْتقيمٌ وأعْوَجُ(3)

ولو عطفنا النظر إلى الكلمة المكافئة للفظة المنهج في بعض اللغات الأخرى، فسنجد أنها في اللغة الإنجليزية method، وفي اللغة الفرنسية méthode، وفي اللغة اللاتينية methodus المأخوذة من الإغريقية القديمة methodos. وتتألف في الأصل من مقطعين: الأول هو (meta)، ومن معانيه ’في الأثر‘ أو ’على وفق‘؛ والمقطع الثاني هو (hodos) ومعناه طريق ما، والمعنى الكلي هو "في أثر الطريق". وهو معنى يكاد يتطابق مع معنى المنهج في العربية. أما المعنى الاصطلاحي أو المفهومي للمنهج فإنه يأخذ صورا ً وتعريفات متعددة في الصوغ ولكنها تكاد تجمع على معنى واحد. فيعرفه معجم وبستر بأنه "طريقة أو أسلوب نستطيع من خلاله أن ننطلق لإحراز هدف ما، وهو أسلوب أو نسق للإجراءات، وللترتيب أو الأسلوب المنطقي والعلمي للقيام بالعمل، وهو مجموعة الإجراءات النظامية أو المنظمة، وهو نظام يكون معناه في الطبيعة والتاريخ مبدأ للتصنيف ... وهو أيضا ً ذلك الحقل العلمي الذي يبحث في مبادئ وتقنيات التحقق العلمي."(4) ونلاحظ في هذا التعريف تداخل مفهوم المنهج العلمي بوصفه مجموعة من الإجراءات مع مفهوم علم المنهج، أو methodology، بوصفه العلم الذي يبحث في نظرية المنهج نفسها. أما الدكتور علي جواد الطاهر فيعرفه بالقول: "المنهج في أبسط تعريفاته واشملها: طريقة يصل بها إنسان إلى حقيقة"،(5) ثم يقدم تعريفا ً لمنهج البحث الأدبي الذي هو "الطريقة التي يسير عليها دارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من موضوعات الأدب أو قضاياه."(6) والحقيقة أن التعريفين يكادان يتطابقان، فالفرق بينهما يكمن في التعميم والتخصيص، فالأول يتحدث عن ماهية المنهج عموما ً، والثاني يحصر دلالته ويخصصها في نطاق الدرس الأدبي. أما الدكتور أحمد جاسم النجدي فيعرف مصطلح المنهج على أنه: "مجموع الخطوات العلمية التي يسلكها الدارس للوصول إلى حقيقة معينة."(7) والباحث هنا يتكلم عن منهج البحث دون أن ينعته بالأدبي، وإذ نشير إلى أن النعت يعني التحديد والتخصيص، بمعنى أن تعريفه هذا كان لمطلق منهج البحث، وعلى وجه العموم، فإننا نرى أن تعريفه لا يكاد يخرج عن تعريف الدكتور الطاهر في شيء. ولكن لا بد من القول أن الدكتور النجدي قد أورد في كتابه "منهج البحث الأدبي عند العرب" إشارة شديدة الإيجاز ولا تكاد تنبئ عن أهمية مضمونها، إلا وهي قوله:

"وعلى الرغم من أن العرب القدامى عدوا علوم النحو الصرف من علوم الأدب، لم أكن لأستفيد من هذه الكتب شيئاً كثيراً في تبيان منهج البحث الأدبي، إذ أن هذه الكتب خضعت في دراستها لأساليب الفقه والمنطق مما أبعدها عن مجال البحث الأدبي، ثم أنها يمكن أن تخصص لها دراسة مستقلة بعنوان «منهج البحث اللغوي عند العرب». هذا ومن المعروف أن في البحث عناصر مشتركة بين العلوم، فهي مع استقلال كل علم منه بمنهج معين تلتقي بأمور وخطوات علمية تنتظمها جميعاً."(8) [التوكيد للباحث]

فقوله أن "في البحث عناصر مشتركة بين العلوم، فهي مع استقلال كل علم منه بمنهج معين تلتقي بأمور وخطوات علمية تنتظمها جميعاً" إشارة مختصرة وغير وافية إلى حقيقة مهمة وأساسية هي أن للبحث العلمي مستويان، المستوى الأول عام تشترك فيه كل العلوم، والمستوى الثاني خاص يستقل به كل علم عن سواه. وهو المستوى الذي سنفصل فيه القول لاحقاً. ويتداخل تعريف مفهوم المنهج العلمي، أو طريقة التجربة العلمية، مع مفهوم البحث العلمي الذي هو وصف للتطبيق العملي لمقولات المنهج العلمي واشتراطاته في الكتابة العلمية، فتجد أن بعض الباحثين في المنهج يذهبون في تعريف العلم هذا المذهب إذ يعرفونه بالقول: "... ينظر البعض إلى العلم على أنه طريقة للتفكير والبحث تؤكد أهمية أساليب الملاحظة الدقيقة وفرض الفروض والتحقق من صحتها عن طريق التجربة العلمية ويطلق على هذه الطريقة اسم الطريقة العلمية أو طريقة البحث العلمي.(9) ونلاحظ أن هذا التعريف قد قصر مفهوم المنهج العلمي على التجربة العلمية ولم يفرق بين البحث العلمي من حيث هو وصف لتحقق فعلي للمنهج العلمي ومقولات المنهج العلمي واشتراطاته. ونظراً لكون أغلب الباحثين يؤكدون على أهمية العنصر البشري في البحث العلمي الذي يمثل "... القلب المحرك لمختلف مراحل البحث العلمي وفي شتى حقول المعرفة."(10) لا بد لأي تعريف للبحث العلمي أن يتضمن إشارة لدور هذا العنصر. وبالإشارة إلى ما سبق من تعريفات، وأخذاً بأهمية العنصر البشري في التطبيق الإجرائي للمنهج العلمي، فإننا نعرف البحث العلمي بالآتي: البحث العلمي هو التطبيق الفعال لمقولات المنهج العلمي واشتراطاته من خلال استثمار التفاعل الخلاق بين المعارف العلمية الموضوعية المقررة جهة، والقدرات الذاتية على الفهم والتحليل والاستبصار من جهة أخرى، للتحقق من فرضية فكرية معينة أو حل مشكلة تطبيقية محددة.

 ومن الناحية التاريخية، كان التفكير العلمي والمنهجي قد مرَّ بنوع من الإحساس العقلي البدهي بأهمية أن يكون هناك في كل قول أو عمل فكري قواعد عامة تجعل من الآخرين يستسيغونه عقلاً. وعلى وفق ما يتيسر لدينا من قرائن وأدلة، فقد ارتبطت نشأة الصورة الأولى للمنهج بالفكر الفلسفي اليوناني عموماً، وبالفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو خصوصاً، فكانت الإشارة إلى منهجية التفكير ترد ضمناً في مناظراتهم الفكرية. هذا فضلاً عن أنه التفكير المنهجي كان حاضراً بوصفه شرطاً ضمنياً في علم المنطق الصوري عند أرسطو.

ومن المهم أن نشير إلى أن إسهام الحضارة العربية الإسلامية في إرساء الفكر العلمي على أسس منهجية إذ تشير المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه إلى أن حقيقة أن العرب قدموا للغرب "أثمن هدية وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقه لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها،"(11) وقد كان واضحاً أن العرب والمسلمين قد بحثوا في شروط المنهج العلمي بصورة أولية في مقدمات كتبهم وفي ما وجهوا من توصيات لطلابهم. وتشير باحثة عربية إلى أن منهج البحث العلمي العربي الإسلامي يستمد أصوله من الشريعة الإسلامية. وتحصر الباحثة خصائص هذا المنهج في مبدأين علميين هما: قانون العِلـِّية (= السببية) وقانون الاضطراد في وقوع الحوادث. (12) وتورد الباحثة رأياً مفاده إن الثبات من خصائص المنهج الإسلامي، وذلك بعكس جميع المناهج الوضعية والقوانين التي يعوزها الثبات. وهي تعزو ذلك الثبات إلى ثبات الحقائق التي يعبر عنها الدين الإسلامي الحنيف. وهذا الرأي يجعل من ثبات المنهج حقيقة خارج حقل العلم لأنه يستند إلى قناعة عقدية تخص المسلمين دون أن تكون ملزمة لسواهم. وبفقدان خصيصة النسبية والتغير، يفقد منهج البحث العلمي الإسلامي أحد أهم شروط المنهج العلمي ألا وهو شرط الكلية والعموم بصرف النظر عن العقيدة.(13) ولكن ذلك ليس هو رأي علماء المسلمين. فقد أسهم عالم البصريات العربي المسلم الحسن بن الهيثم (965–1039 م)، وأسمه اللاتينية (Alhazen) في تطور علم المنهج حين كان يؤكد على أهمية البحث عن الحقيقة لذاتها فيقول "إن البحث عن الحقيقة يكون من أجل الحقيقة ذاتها. والذين ينشغلون في البحث في أي شيء لذاته لا يهتمون بالأمور الأخرى. فالعثور على الحقيقة صعب والطريق إليها وعر."(14) ومن الواضح أن هذا الرأي لابن الهيثم قد مثل سبقاً علمياً مهماً في سياق أرساء المنهج العلمي على أسس موضوعية لا تتأثر بالمعتقد الشخصي أو المنافع الوقتية. وقد أضاف الجاحظ بعداً موضوعياً آخر لمنهج البحث العلمي حين اشترط على من يتصدى لمناقشة آراء باحثين آخرين يناقضون رأيه الشخصي أن يعرض حجج الخصوم بالقدر نفسه من الوضوح والدقة الذي يعرض فيه الباحث لحججه هو، فيقرر بالنص: "واعلم أن واضع الكتاب لا يكون بين الخصوم عدلاً ولأهل النظر مألفا حتى يبلغ من شدة الاستقصاء لخصمه مثلا الذي يبلغه لنفسه..."(15) وهذا مبدأ أساسي من مبادئ المنهج ينطوي على بعدين أحدهما علمي موضوعي والثاني أخلاقي. وعلى أهمية مثل هذه الآراء في توجيه منهج البحث العلمي في زمانها، إلا أننا نلاحظ أن ما وصلنا من مؤلفات العرب والمسلمين لا يتضمن تصانيف مكرسة لمنهج البحث العلمي.

وفي أوروبا، شهد البحث العلمي نقلة مهمة على يد ديكارت إذ جاء الوقت الذي يجري فيه النص على أن من طبيعة آداب البحث، أو من شروطه أنه "صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان كيفية المناظرة وشرائطها صيانة له عن الخبط في البحث وإلزاماً للخصم وإفحامه."(16) وهذا رأي نظري في شروط البحث يتسم بالعمومية. لكن التفكير العلمي الدقيق والمنهجي في المنهج، وفي مشكلات المنهج تحديداً، قد تأخر كثيراً حتى القرن الثالث عشر، وكان أسهام الفيلسوف روجر بيكون (1220-1292) في التوكيد على أهمية الرياضيات والنزعة التجريبية في دراسة العلوم مهماً في هذا المجال. وكان من أثر عمل بيكون أن شاع استخدام مصطلح العلوم التجريبية في الغرب تأثراً بكتاباته وذلك قبل ظهور العلم الحديث بحوالي ثلاثمائة عام. وكان هناك إسهام مهم للفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650) الذي أصدر أول عمل فلسفي له في العام 1637، وكان تحت عنوان ’مقالات فلسفية‘. وقد تضمن أربعة مقالات: الأولى في الهندسة والثانية في البصريات والثالثة في النيازك والشهب، والرابعة "مقالة في المنهج". وقد احتفظت الأخيرة بأهميتها بعد أن فقدت المقالات الثلاثة أهميتها حين تقدم العلم في الحقول التي ركزت عليها. ولعل أهمية المقالة الرابعة ترجع إلى أنها كانت تبحث في أصول التفكير العلمي وآلياته، وهي مسألة نظرية مهمة في كل عصر وأوان.(17) وقد تضمنت هذه المقالة مبدأ الشك العقلي المفضي إلى تحقيق اليقين العلمي، وهو مبدأ علمي مهم، كما تضمنت المقالة الرابعة أربع قواعد، هي:

1.     الأولى: قاعدة البينة أو الدليل، في الفرنسية (videnceé)(18) وفي الإنجليزية (evidence)، وتعني أن الباحث ينبغي أن يعتمد على الإدراك المباشر لموضوع الدرس العلمي، وأن لا يدخل في أحكامه إلا ما يتمثل لعقله بوضوح وتميز، ولا يكون لديه مع توفر عنصري الوضوح والتميز أي مجال لوضعه موضع الشك.

2.     الثانية: قاعدة التحليل، في الفرنسية (analyse)، والإنجليزية (analysis)، وتقوم على مبدأ تقسيم كل واحدة من المعضلات التي يتصدى البحث لدراستها إلى عدد من الأجزاء الثانوية التي يمكن تسهم في حل المعضلة الأساسية على أحسن صورة.

3.     الثالثة: قاعدة التركيب، في الفرنسية (synthese، والإنجليزية (synthesis)، وتعني أن يرتب الباحث أفكاره، فيبدأ بأبسط الأمور وأيسرها معرفة، ويتدرج في الصعود شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى معرفة أكثر الأمور تركيباً وتعقيداً.

4.     الرابعة: قاعدة الاستقراء والإحصاء الحسابي، في الفرنسية ration)ènumè(، والإنجليزية (enumeration)، وهي توجب على الباحث أن يقوم، في كل الأحوال، بإحصاءات كاملة ومراجعات عامة مستندة إلى المعطيات التي يمكن تمثيلها رقمياً أو ضمن أشكال إحصائية معبرة.(19)

وقاعدة الاستقراء والإحصاء الحسابي الأخيرة وسيلة مهمة تجعل الباحث على ثقة من أنه لم يغفل شيئاً ذا صلة بموضوع دراسته لأن الرياضيات تمنح مادة الدرس سمة علمية وموضوعية أكبر. وكان يظن أن هذه القاعدة تنطبق فقط على العلوم الصرفة والتجريبية، ولكننا نشهد اليوم أنها تطبق على نحو واسع في الدراسات الأدبية والفكرية. ثم جاء دور الفيلسوف فرنسيس بيكون في العام 1)156-1626) ليدفع بمفهوم المنهج العلمي خطوات مهمة إلى الأمام حين أكد في كتابه الأورﮔـانون الجديد على ضرورة محاربة الأوثان الأربعة التي تكتنف كثيراً من العمل الفكري والعلمي. وهذه الأوثان هي: وثن الميل نحو التبسيط، ووثن الميل نحو التأثر بأحداث قد لا تمثل الواقعة المدروسة تمثيلاً حقيقياً، ووثن غرابة السلوك العلمي لبعض الباحثين إذ قد يفضل البعض منهم أن يتوقف كثيراً عند التفاصيل بينما يميل آخرون إلى الكلام عما هو مجمل، ووثن اللغة التي قد لا تكون دقيقة في التعبير عن الفكرة العلمية.(20) وبالنسبة للوثن الأخير، أعني وثن اللغة، يقدم لنا جون لوك (1632-1704) حلا ً مقترحا ً من خمس نقاط لمعالجة آفة الاختلال اللساني للخطاب العلمي على النحو الآتي:

1.     لا تستعمل كلمة دون أن تعرف أية فكرة ستجعل من تلك الكلمة رمزاً لها.

2.     تثبت من أن أفكارك واضحة، ومتميزة عن بعضها بعضاً وحاسمة؛ وإذا كانت أفكارا ً حول الجواهر، فينبغي أن تكون قابلة للمطابقة مع الأشياء الواقعية.

3.     حيثما أمكن، اتبع الاستعمال الشائع، وبخاصة استعمال هؤلاء الكتاب الذين يبدو خطابهم متضمناً أوضح الأفكار.

4.     حيثما أمكن، صرِّح بمعاني كلماتك (وبخاصة قـُم بتعريفها).

5.     لا تقدم على تغيير المعاني التي تعطيها للكلمات.(21)

وقد أعقب ذلك أن صار الالتزام بضوابط المنهج العلمي العام أمراً مقرراً في كل بحث علمي سواء أكان ذلك البحث في العلوم الصرفة أم في الإنسانيات. وعلى أية حال، فإن نظرية وحدة المنهج العلمي وضرورة تطبيقه في شتى العلوم لم تسلم ممن يناقضها بالقول بتعددية المناهج وعدم التسليم بالمنهج الواحد التي وجدت من يدافع عنها. فهذا تيري إيجلتون، وهو باحث معاصر منغمس في الأيديولوجيا لم يتورع عن التصريح "أن التعددية ينبغي أن تسود على مستوى المنهج، لأن ما يتغلب على الانتقائية هو تماسك الغاية السياسية لا تماسك المنهج."(22)

ويكاد هذا الموقف يمثل انقلاباً شاملاً على الفكر المنهجي الذي نفترض أنه يسعى حثيثاً نحو إضفاء السمة الموضوعية على الدرس العلمي في أيما حقل معرفي! فإذا كان (تماسك الغاية السياسية) هو الأساس في تحديد الخيارات المنهجية والتغلب على الانتقائية فإن ذلك يعني في المحصلة النهائية أن تتحكم الأيديولوجيا التي تستند إليها الغاية السياسية في عمل الباحث. وبما أن الأيديولوجيا خيار ذاتي في جوهره فإن ذلك يعني انتفاء السمة الموضوعية للبحث. لكن الباحث لا يقدم من الأدلة ما يدعم رأيه هذا حتى يكون حافزا ً للباحثين الآخرين في اعتماد التعددية في المناهج. وعلى أية حال فإن هذا الرأي يقودنا إلى مناقشة صور المنهج أو التكييفات التي تلحق به حتى يتواءم مع شتى العلوم والحقول المعرفية.

2. صور المنهج
يمكن القول أن لمفهوم المنهج صور متعددة. ويرى بعض الباحثين أن صور المنهج ومستوياته تختلف تبعا ً لطبيعة الحقل العلمي. فالبحث في التاريخ يختلف عن البحث في الفيزياء أو الجيولوجيا، كما يختلف البحث في الأدب عن البحث في الطب أو الهندسة المدنية. ولكن هذه الاختلافات ليست موجودة في أساسيات المنهج العلمي المعتمد في البحث العلمي بقدر ما هي موجودة في موضوع البحث العلمي. وعموماً، يمكن أن يصنف مفهوم المنهج العلمي في نوعين أساسيين: أولاً، منهج البحث العلمي العام أو الأساسي، وثانياً، المناهج الفرعية المتخصصة. والنوع الأول يوصف بالعام لأنه يستند إلى ضرورة أن يتضمن كل بحث في أي حقل من حقول المعرفة أسساً للتفكير العلمي والمنطقي تحكم عملية عرض المشكلة العلمية موضوع البحث، سواء أكان التعبير عن هذه الأسس صريحاً أم ضمنياً؛ وكذلك عرض أهم الأدبيات أو الأبحاث السابقة التي تناولت المشكلة عرضاً تاريخياً نقدياً، ومن ثم الأسس المعتمدة في تحديد مكونات مشكلة البحث ودراستها وتحليلها، والخطوات المؤدية إلى بناء الاستنتاجات المستخلصة منها، فضلا ً عن أصول التوثيق للمصادر العلمية في شتى صورها من كتب وموسوعات ومعاجم ودوريات وغيرها من المواد التي تمثل ما ينشر في الصحافة المرئية والمسموعة، ومن شروط الأمانة العلمية أن يرد الباحث الآراء إلى قائليها بشكل واضح ولا لبس فيه، كما أن من الضروري التفريق بين الرأي الذاتي والرأي الذي يكون نتيجة منطقية لعملية البحث نفسها. والمنهج بهذا الوصف هو ما أشار إليه الفلاسفة الإنجليز السابقون، وقد جرى تطبيق أسس هذا المنهج وتطويرها، أولاً، في مجالات البحث في العلوم الصرفة، مثل الفيزياء والكيمياء، والعلوم التطبيقية مثل الهندسة والطب والأحياء، ثم انتقل لاحقاً إلى العلوم الإنسانية مثل التاريخ وعلم الاجتماع حتى وصل إلى حقل الدراسات اللسانية والأدبية. والسمات أو الخصائص المذكورة أعلاه تمثل الجوانب الشكلية والفنية والإجرائية من المنهج العلمي، والحقيقة أن بعض هذه الجوانب الشكلية ينطوي ضمنا ًعلى قيم أخلاقية مرتبطة بالأمانة العلمية مثل ضرورة رد الآراء إلى أصحابها. ومن شروط المنهج الإحاطة بالموضوع أو في الأقل الإحاطة بأكثر الآراء أهمية التي قيلت فيه، وهو في الحقيقة ليس شرطاً كمياً بقدر ما هو شرط نوعي لأن سعة الإطلاع الباحث على موضوع بحثه وإدامة التفكير فيه تحدث أثراً نوعياً في تفكير الباحث مما ينعكس على نوعية البحث نفسه. وحتى يرتقي المنهج إلى مرتبة معيارية يعتد بها الجميع؛ أعني مرتبة تكون فيصلا ً في ما يختلف فيه الباحثون، لا بد من توفر الجانب المعرفي للمنهج الذي يتمثل في أن المعطيات المتحصلة من تطبيق المنهج لا بد أن تكون متوافقة تماما ً مع الأسس الفكرية للمنهج، وأن لا ينطوي التنظير أو التطبيق على أي تناقض من أي نوع كان، وهو مما يعد من أخطر العيوب التي يمكن أن تلحق بالبحث العلمي وتنقض سمته المنهجية، وأن لا ينزلق الباحث إلى الإفراط في التعميم انطلاقا ً من حقائق عيانية جزئية.

إذن، فإن المنهج العلمي، على وفق هذا الوصف، عام وشامل في كل العلوم وإن اختلف جزئيا ً في هذا الحقل أو ذاك، وهو المقصود بمصطلح آخر هو المنهج الأكاديمي، لأنه بصفته هذه معتمد في الجامعات والمراكز البحثية الأكاديمية. على أن ذلك كان لا يعني أن المنهج العلمي يقتصر على الجامعات فقط وإنما يمكن أن يكون معتمدا ً وحاضرا ً في أي دراسة أو بحث ينشره باحث ما في هذا الحقل المعرفي أو ذاك، سواء أكان هذا الباحث منتسبا ً لمؤسسة أكاديمية أم لا. وسنقصر مصطلح ’المنهج‘ على هذا النوع من البحث العلمي، وهو ما يقابل المصطلح ’method‘ بالإنجليزية. ويمكن لمصطلح ’المنهجية‘، أو ’methodology‘ أن يكون اشتقاقا ً مناسبا ًَ للعلم الذي يبحث في شروط المنهج، وأسسه العامة، وإجراءاته، وطرائق التحقق من صدق نتائجه. أما النوع الثاني من البحث العلمي، وهو مما يتألف من صور بحثية فرعية للمنهج العلمي فإنها لا تتناقض مع المبادئ الأساسية للمنهج، ولكنها تضيف تفريعات تخصصية إليه. ففي علمي الاجتماع والاقتصاد، على سبيل المثال، يطون البحث العلمي الموصوف بالتجريبي، أو empirical ولكن هذا النمط من البحث بشروطه المعروفة غير ممكن في علم الكيمياء لأن ما هو ممكن في هذا العلم هو البحث التجريبي، أو experimental. أما البحث الاستعادي فإنه ممكن وله فوائده في التاريخ الآثار حين يسعى الباحث إلى محاولة استعادة صورة الماضي من خلال معطيات محدودة، ولكنه غير ممكن في الفيزياء أو الرياضيات. وعلى العموم فإن صور المنهج أو تكييفاته المختلفة تمثل استجابة علمية منهجية لما يقترحه الحقل العلمي أو المعرفي. ولكن هناك صوراً من البحث العلمي تفيض على الوصف السابق للمنهج العلمي. ويمكن حصر هذه الصور بما يمكن أن نطلق عليه مصطلح ’المدخل المعرفي‘، وهو ما يقابل بالإنجليزية مصطلح ’approach‘ ليكون دالاً عليها ومميزاً لها. ونجد أن هذا المستوى الثاني الذي أطلقنا عليه مصطلح ’المدخل المعرفي‘ يختلف اختلافاً كبيراً عن ’المنهج العلمي‘ في أنه يمثل نوعاً من الخيار الشخصي الذي يفصح بالضرورة عن درجة من درجات الانحياز الأيديولوجي، وأيضاً عن نوع من النزعة الشخصية أو الذاتية بينما يكون هدف المنهج العلمي تحقيق أكبر قدر من الموضوعية والابتعاد عن أية انحيازات أيديولوجية أو نزعات ذاتية. لذلك نقول أن من حق الباحث (أ) أن يتخذ من المدخل الاجتماعي وسيلة له لدراسة الأدب، وهو بذلك يعبر عن رؤيا فكرية وأيديولوجية معينة؛ ومن حق الباحث (ب) أن يتخذ من المدخل الجمالي وسيلة له لدراسة الأدب، وهو بذلك يعبر عن رؤيا أخرى مغايرة عن رؤيا الباحث (أ)، ومن حق الباحث (ج) أن يتخذ المدخل اللغوي وسليته لدراسة الأدب ليعبر عن فهمه الشخصي للأدب ووظائفه، ولكن في كل الأحوال، يقتضي الأمر أن يتبع الباحثون الثلاثة المنهج العلمي وشروطه المعروفة في بحوثهم. ويلزم هنا أن ننتقل إلى البحث في المدلول اللغوي لمصطلح المدخل. فقد ورد مصطلح (المدخل) في القرآن الكريم أربعَ مراتٍ في أربعة مواضع من أربع سور، وعلى النحو الآتي:

1.     في الآية 31 من سورة النساء: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).

2.     في الآية 57 من سورة التوبة: (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ).

3.     في الآية 80 من سورة الإسراء: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيراً).

4.     وورد في الآية 59 من سورة الحج: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ).

ومن الواضح أن معنى مصطلح المدخل في سورة النساء قد انصرفت إلى حسن الثواب على الرشد والعمل الصالح، أما في سورة التوبة فقد انصرف المعنى إلى مكان الدخول، وفي سورة الإسراء انصرف المعنى إلى الرشد والهداية، أما في سورة الحج، فقد انصرف مرة أخرى إلى حسن الثواب والرشد والعمل الصالح. وهذا يظهر اقتران مصطلح (مُدخل) بمعاني تشير إلى خيار أخلاقي أو الاتجاه سلوكي بمضامين دينية وأخلاقية في الغالب. أما في العربية، فإن ابن منظور يعرف المدخل بالقول:

"المَدْخل، بالفتح: الدخول وموضع الدخول أيضاً، تقول دخلت مَدخلاً حسناً ودخلت مَدْخلَ صِدْقٍ. والمُدخَل، بضم الميم، الإدخال والمفعول من أجله، ويقال فلانٌ حَسَنُ المَدخل والمَخرَج أي حَسَنُ الطريقة ومحمودها، وكذلك هو حَسَنُ المذهب."(23) ويظهر تحليل المعنى اللغوي أن لفظ ’المَدْخل‘ يعني الجهوية أو الانتحاء لأن موضع الدخول إنما يكون من جهة أو ناحية بعينها، فضلاً عن أنه يرتبط بمعنيين هما الصدق وحسن المذهب أو الاعتقاد. وهذه المعاني كلها يمكن أن تؤول على أنها تدل على الانحياز الديني أو الأيديولوجي مما يجعل من المعنى الاصطلاحي للمدخل المعرفي دقيقاً وموافقاً لمعناه اللغوي من جهة ومنجزاً لوظيفة تكاملية مع المنهج العلمي لأن من الموضوعية في العلم أن يكون هناك حساب لذات الباحث في بعض المعارف والدراسات الإنسانية. وبهذا يزول ذلك التضارب الظاهري بين النزعة الموضوعية للمنهج العلمي والنزعة الذاتية للمدخل المعرفي، وبتكامل المنهج العلمي والمدخل المعرفي يحقق الباحث درجة أعمق وأكثر دقة من درجات الاستبصار العلمي والمعرفي في شتى العلوم والآداب.

ويلزم أن نشير إلى أن المدخل المعرفي الخالص مرغوب في العمل النقدي وإن كان نادر الوجود، لذلك نلاحظ أن الباحث والناقد قد يمزج بين مدخلين أو أكثر، وقد يخرج من حاضنة فكرية للمدخل المعرفي الذي اعتمده بداية ليدخل في حاضنة مدخل آخر قد لا تتفق بالضرورة مع مدخله. وتلك هي بعض وجوه مشكلة المنهج العلمي الذي يضبط آليات اشتغال المداخل في المستوى التطبيقي. ويبدو أن عدم التفريق بين المفهومين المشار إليهما بمصطلحي المنهج والمدخل هو أحد موارد المشكلات العلمية التي نجدها في كثير من الدراسات العلمية والأكلديمية. وييدو أن استعمال مصطلح ’المنهج‘ للدلالة على المدخل يوقع الباحث في مشكلة الزعم أن "منهجا" ما، وهو في العادة يستعمل كلمة "منهج" مرادفاً لكلمة "مدخل"، مثل المنهج (المدخل) الشكلي أو المنهج (المدخل) الاجتماعي، يمكن أن يغطي كل القضايا الأساسية التي يثيرها النص الأدبي على وفق الأسس الفكرية التي يتميز بها المدخل المعين ويعتمدها الباحث، وهو أمر فيه نظر لأن بعض الباحثين يرون أن المداخل يمكن أن تتظافر لتنتج رؤيا شاملة للنص الأدبي فيما يعرف بالمنهج أو المذهب التكاملي حتى أن ناقداً معروفا مثل ستانلي هايمن يتساءل في خاتمة الفصل الأخير من الجزء الثاني من كتابه (النقد الأدبي ومدارسه الحديثة) قائلا "هل يمكن إيجاد مذهب نقدي متكامل؟"(24). ونلاحظ أن المؤلف قد عدل عن استعمال مصطلح المنهج واستعاض عنه بمصطلح المذهب الذي يكاد يتطابق مع مصطلح كما أوضحناه. وبعد أن يتحدث عن ضرورة انتقاء الناقد المثالي المفترض للصفات الإيجابية عند عدد كبير من النقاد، يقترح عليه أن يطَّرح عن نفسه: "كل تافه محدود غير ملائم من أعمال أولئك النقاد" وهو ما يفضي إلى الإقرار بوجود الجوانب الذاتية في كل الناقد الحقيقي أياً كان. ونلاحظ أيضا أن مصطلح المنهج قد يختلط عند بعض الباحثين والمترجمين مع مصطلح المدخل. ففي ترجمته لكتاب (Critical Approaches to literature) لديـﭬـد ديتشس،(25) يترجم مصطلح approaches إلى مناهج، وقد وافقه مراجع الترجمة الدكتور إحسان عباس ضمنا لأنه لم يشر إلى اختلافه مع المترجم في هذا الصنيع. وبناء على ما سبق، فإن البحث يفرض علينا أن نعيد النظر في طريقة تصنيف المفاهيم الأساسية المشار إليها في أعلاه وتقديم تصنيف جديد للمنهجية أو علم المنهج وتفريعاته. ويعتمد هذا التصنيف أو taxonomy بوصفه حاجة ملحة تفرضها ضرورة التفريق بين المصطلحات التي تعبر عن شتى مستويات البحث المنهجي في المجالات العلمية المختلفة. ولو بدأنا هذا التصنيف من الأعلى إلى الأدنى، فسيكون لدينا علم المنهج، أو ما يطلق عليه المنهجية، methodology، وهو الحقل النظري العام الذي يبحث في الأسس الفكرية والفلسفية للبحث العلمي. وعلم منهج يقع في صميم فلسفة العلم. ويتفرع عنه المنهج العلمي الأساسي بما يتضمنه من مقولات وحدود واشتراطات، ويتفرع عن المنهج العلمي الأساسي أنماط ثانوية تكرس للبحث المبني على اختيار إجراء واحد من المنهج العلمي لدراسة الظاهرة المطلوبة. فمثلاً، في دراسة ظاهرة الاحتباس الحراري، يمكن أن يختار الباحث دراسة الظاهرة إحصائيا أو وصفيا، وفي حقل علم الوراثة يمكن للباحث أن يتخذ من المنهج التجريبي منطلقا للدراسة فضلا عن الدراسة اللإحصائية.

إن تنوع الحقول العلمية والمعرفية قد فرض على الباحثين نوعاً من التكييف للمنهج العلمي كما رأينا. ويتحدث بعض عن مشكلات البحث العلمي بالقول: "لقد تحقق لمعظم أفرع العلوم الرياضية والطبيعية، فرصة الانتقال من استعمال التعابير الوصفية إلى تعابير كمية، خاصة في علوم كالرياضة، والفيزياء والكيمياء، إلا أن الأمر لم يكن كذلك في علوم الحياة عموماً (كالنبات والحياة)، وهي علوم بالمعاني الكيفية، ولم تصاغ (كذا) بعدُ في صور رياضية، ويكتفى فيها حالياً بدرجة عالية من الصدق"(26) فإذا كانت علوم تجريبية مثل علوم الحياة لا تستجيب لضرورات الوصف الكمي او الرياضي، وهو مما يقلل من النزعة الموضوعية فيها، فإن الأمر مع الحقول المعرفية التي تدرس التاريخ والإبداع الأدبي والفني سيكون أكثر وضوحاً. وهو ما يفرض علينا البحث في مفهوم المدخل المعرفي، أو epstemological approach، الذي يتفرع عن علم المنهج أيضاً، ولكنه في الوقت نفسه يستفيد من مقولات منهج البحث العلمي الأساسي وأنماطه الثانوية واشتراطاتهما. إذن، يختص المدخل المعرفي بدراسة بعض الحقول المعرفية الإنسانية مثل الشعر والسرد والفن والموسيقى والرسم والمسرح ... إلخ. وتظهر الحاجة إلى المدخل المعرفي في دراسة هذه الحقول الإبداعية لأن هذه الحقول ذات طبيعة خاصة تسمح بدور أكبر للعوامل الذاتية فهي تتعلق بقدر عظيم من الأثر الجمالي الذي هو فعل تلقٍ في وجوهره. ولا يعني هذا أنها لا تستجيب للمقولات والاشتراطات. وتظهر الخطاطة في أدناه بنية هذا التصنيف المقترح:

 خطاطة التصنيف المقترح لعلم المنهج

 

S.M.R. = scientific method of research

 وعموما ً، فإننا نفترض وضوح الرؤيا الفكرية المنهجية العامة عند الباحث من جهة، وإدراكه للحدود الدقيقة الفاصلة بين المصطلحات ولآليات المدخل المعرفي نفسه، وما يمكن أن تسمح به دون الغض من حدود وأساسيات المنهج العلمي من جهة أخرى. وهما أمران قد يثبت الفحص العلمي الدقيق لنصه البحثي أنهما غائبان أو مرتبكان كلا ً أو جزءا ً. إذن، لا ينبغي أن تقع المداخل المعرفية على اختلاف أنواعها (جمالي، نفسي، اجتماعي، تاريخي، تأويلي، ... إلخ)، في تناقض مع المنهج العلمي العام الذي يمثل القاعدة الأساسية الشاملة للمعرفة العلمية. ومن هنا فإن الكثير منها يكون مداخل متخصصة في دراسة حقول معرفية بعينها دون الأخرى. ففي دراسة السرد يمكن أن نتحدث عن المدخل البنيوي والمدخل النفسي والمدخل التاريخي والمدخل الاجتماعي والمدخل الشكلي أو الشكلاني والمدخل اللغوي؛ وفي دراسة التاريخ يمكن أن نتحدث عن مدخل التدوين التاريخي ومدخل الرواية والعنعنة، والمدخل الفلسفي؛ وفي اللسانيات يمكن أن نشير إلى المدخل البنيوي عند دي سوسور والمدخل البنيوي عند بلومفيلد (و لنلاحظ هنا وجود صورتين للمدخل البنيوي في اللسانيات وهما صورتان مختلفتان في بعض التفاصيل)، والمدخل الوصفي التزامني في مقابل المدخل التاريخي التعاقبي، والمدخل التوليدي، والمدخل النفسي، والمدخل الاجتماعي في دراسة اللغة. وإذ يظهر هذا العرض الموجز تعدد صور المداخل الفرعية واختلافها فإنه في الوقت نفسه يجعلنا على ثقة بأن ما يسمى بالمنهج (أو المدخل) الانطباعي في نقد الأدب لا يكاد يستجيب لشروط المنهج أو المدخل، ولذا يمكن لنا أن نخرجه من خانة الكتابة المنهجية ونضعه في خانة الكتابة الحرة. ونشير هنا إلى أنه لا يمكننا مطلقا ً أن نتحدث عن المدخل النفسي في علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) أو الفيزياء أو النبات. وقل مثل ذلك بصدد المدخلين الاجتماعي أو الجمالي. ونجد أن هذا التصنيف الجديد الذي يعتمد التفريق بين المنهج والمدخل مهم في إضاءة تعدد مستويات مفهوم المنهج من جهة، وفي إظهار أهمية الوضوح في الكلام في المنهج ومشكلاته من جهة أخرى. وكما سبق القول فإن أكبر مزية للمنهج العلمي أنه يبعد المعرفة عن مواضع الشطط الذاتي ويقيمها على أسس أكثر موضوعية. وهذه المزية مهمة في كل حقول المعرفة، ولكنها تكون أعظم قيمة في حقل الدراسات الإنسانية لأنها تحصن هذه الدراسات ضد الانغماس في النزعة الذاتية، وهو ما اتهمت به دائما ً. وفي كل الأحوال فإن المنهج العلمي، والمداخل في شتى صورها، ليست سوى أدوات بيد الباحث الرصين، وهي أدوات تشبه إلى حد بعيد أدوات الجراحة لدى الطبيب الجراح الماهر الذي يمكن أن يستخدمها بكفاءة ومهارة في إنجاز عملية جراحية صعبة ومعقدة فينقذ المريض من موت محقق، وقد يسيء جراح آخر تنقصه الخبرة والمهارة استعمال الأدوات نفسها فيقتل المريض. لذلك يمكن القول أن المنهج العلمي، على أهميته التي لا يجادل فيها أحد، لا يمثل هدفا ً بحد ذاته بقدر ما أنه يعطي لأهدافنا العلمية المرتجاة ولمزاعمنا وتوصلاتنا قيمة موضوعية أكبر. وأعني بذلك أن الموقف من الدراسات والأبحاث وحتى المقالات لا ينبغي أن يبنى على أساس التركيز على حضور الجوانب الشكلية والإجرائية للمنهج العلمي فيها، مثل إجراءات التوثيق العلمي documentation، والتفريق بين مصادر البحث references التي رجع إليها الباحث والمراجع العامة في الموضوع bibliography، وإنما ينبغي أن ينصرف إلى فحص الكيفية التي استثمر فيها الباحث المنهج للوصول إلى النتائج التي توصل إليها. فإذا تحققنا من أن الباحث يعتمد الأسس المعرفية الأساسية للمنهج، ولكنه كان متساهلا ً في الجوانب الشكلية، نقبل منه ما قال، أما إذا احتجب باحث يفتقر إلى القدرة على الاستثمار الجيد لأدوات المنهج وإجراءاته خلف غطاء كثيف من المصادر والإحالات بحيث تشحب شخصيته المعرفية والبحثية، حق لنا أن نضع ما قدمه في مكانة علمية أدنى. فالمنهج العلمي وما يرتبط به من مداخل إنما هي أطر نوعية تؤسس للكيفيات، وليست محض مقولات كمية.

3. خاتمة
بعد فحص مفهوم المنهج العلمي، وعرض تحولاته التاريخية، ودراسة المعنى اللغوي لمصطلحي المنهج والمدخل، أظهرت الدراسة أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في طبيعة مفهوم البحث العلمي، واستقصاء مستوياته المختلفة، وطريقة تصنيف مكوناته. وقد توصلت هذه الورقة إلى الآتي:

1.      للمنهج العلمي صورة فكرية شاملة وكلية ترتبط بفلسفة العلم نفسها، أي أنه يمثل النظرية العامة التي نكرس لها مصطلح علم المنهج methodology. وهو يمثل المستوى الأول.

2.      يمثل مفهوم المنهج العلمي المستوى الثاني من مستويات البعد الإصطلاحي لنظرية المنهج العلمي، وسوف نكرس له مصطلح methods of research. وهو يتضمن مقولات فكرية واشتراطات معرفية وإجرائية تمثل أسسا ً عامة ينبغي أن تكون حاضرة في كل العلوم.

3.      هناك صور منهجية ثانوية مشتقة من الصورة الفكرية الشاملة للمنهج العلمي. وهذه الصور الثانوية لا تمثل بديلا ً للصورة الشاملة، وإنما هي عبارة عن تكييفات لهذه الصورة مع متطلبات البحث العلمي تبعا ً لاختلاف الحقل المعرفي أو العلمي.

4.      أشرت الدراسة وجود حاجة ماسة لمفهوم المدخل المعرفي، ونكرس له المصطلح المتخصص epistemological approach. ويلتبس معنى هذا المصطلح أو يتداخل مع مفهوم المنهج. وتشكل اشتراطات المدخل المعرفي صورة مغايرة إلى حد ما عن اشتراطات المنهج العلمي، فهي اشتراطات ذات طابع قد يكون شخصيا ً أو حتى أيديولوجيا ً. ولكنها تعمل على الإيفاء بالجانب الذاتي للبحث في بعض الحقول المعرفية دون الإخلال بشروط المنهج العلمي.

5.      من كل ما سبق نجد أن الدراسة تؤكد أن إيلاء أهمية خاصة لمسألة تكامل مستويات المنهج العلمي والمدخل المعرفي سيؤدي بالضرورة إلى نتاج علمي أكثر دقة وموضوعية في حقل الدراسات الإنسانية، كما أن من شأن مثل هذا التصنيف الجديد لمقولات المنهج العلمي والمدخل المعرفي أن يفض التداخل الاصطلاحي غير المسوغ للمصطلحات المشار إليها من جهة، وسيكون إضافة معرفية وعلمية إلى علم المنهج من جهة أخرى. ويلزم عن كل ذلك، بالضرورة، أن هذا التصنيف الجديد سيكون ذا فائدة في الدراسات والبحوث الأكاديمية مستقبلا ً.

 

كلية الآداب/ جامعة بابل

 

الهوامش:

1.   أنظر مادة ’نهج‘ في "المنجد في اللغة والأعلام" ط 39. دار المشرق. بيروت، 2002.

2.   أنظر "نهج البلاغة" جمعه الشريف الرضي، وحققه السيد هاشم الميلاني. ط 3. 2010. مطبعة التعارف. ص 250 و254.

3.   أنظر "ديوان ابن الرومي" تحقيق الدكتور حسين نصار. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1974. ج2، ص.492.

4.   أنظر مادة (method) في طبعة عام (1984) من: The New Webster Dictionary of the English Language. New York, Consolidated Book Publishers. P. 532.

5.   د. علي جواد الطاهر (1976) "منهج البحث الأدبي" بغداد، مطبعة أسعد. ص. 17.

6.   نفسه. ص. 26.

7.   د. أحمد جاسم النجدي (1978) "منهج البحث الأدبي عند العرب". دار الحرية للطباعة. بغداد. ص 5.

8.   نفسه. ص. 8.

9.   د. فاطمة عوض صابر، د. ميرﭬت على خفاجة (2002) "أسس ومبادئ البحث العلمي" الأسكندرية، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية.

10.     د. محمد عبيدات، د. محمد أبو نصار، د. عقلة مبيضين (1999) "منهجية البحث العلمي: القواعد والمراحل والتطبيقات". دار وائل. عمان.

11.    زيغريد هونكه (1969) "شمس العرب تسطع على الغرب" ترجمة فاروق بيضون وكمال الدسوقي. ص. 401.

12.    . نادية حسني صقر (1991) "العلم ومناهج البحث في الحضارة الإسلامية" مكتبة نهضة مصر. القاهرة. الصفحات 115-116.

13.    نفسه. صز 118.

14.    أنظر نص كلام ابن الهيثم في: Alhazen (Ibn Al-Haytham) Critique of Ptolemy, translated by S. Pines, Actes X Congrès internationale d'histoire des sciences, Vol I Ithaca 1962, as quoted in Sambursky 1974, p. 139.

15.    نقلا ً عن كتاب " السرقات الفنية للآثار الأدبية: (سرقات الدكتور محمد نبيل الطريفي إنموذجا ً)". د. داوود سلوم. مطبعة الأفراح، بغداد. 2005. ص 132.

16.    أنظر : Descartes, René. Discourse on Method; Meditations. Translated with an introduction by Sutcliffe, F. E. Penguin Books.

17.     نلاحظ أن الدكتور أحمد عُلَبي، وهو أحد الباحثين في المنهج، وفي سياق عرضه لآراء ديكارت في الموضوع، يذهب في ترجمة كلمة videnceé الفرنسية إلى أن معناها البداهة. ولا نرى أية صلة بين البداهة ومعنى هذه الكلمة في سياقها الذي وردت فيه. أنظر: د. أحمد عُلَبي (1999) "المنهجية في البحث الأدبي"، دار الفارابي، بيروت. ص. 26.

18.     أنظر الملاحظة في (10) أعلاه.

19.    لعل من المهم أن نشير هنا إلى أن مقالة ديكارت في المنهج قد تضمنت مقولة فكرية مهمة في تاريخ الفكر الفلسفي هي ما يسمى بالكوجيتو الديكارتي، ونصه "أنا أفكر، إذن فأنا موجود". وهي مقولة يمكن أن تفهم على وجهين: ذاتي لأنها تجعل من عملية التفكير شرطا ً للوجود، وموضوعي لأن التفكير شرط للوعي بما هو كائن قبلا ً.

20.     أنظر بصدد الأوثان الأربعة: Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005. © 1993-2004.

21.    جون أي. جوزيف وتالبوت جي. تايلر، "الأيديولوجيا واللغة" ترجمة باقر جاسم محمد. دار الشؤون لثقافية العامة. بغداد، 2008. ص. 29.

22.     (النقد والمجتمع: حوارات مع عدد من النقاد والمفكرين) ترجمة وتحرير فخري صالح. الناشر دار كنعان، دمشق. 2004. ص 188.

23.    (لسان العرب) لأبي الفضل جمال الديم محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري. دار صادر. بيروت ص. 229.

24.    ستانلي هايمن "النقد الأدبي ومدارسه الحديثة" ج2. تر. د. إحسان عباس ود. محمد يوسف نجم. القاهرة، 1960. ص. 247.

25.     ديفد ديتشس "مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق" ترجمة د. محمد يوف نجم ومراجعة د. إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1967. ولم يذكر المترجم الأسباب التي دعته إلى ترجمة المصطلح الإنجليزي approaches بممصطلح مناهج.

26.    . د. محمد الصاوي محمد مبارك: "البحث العلمي: أسسه وطريقة كتابته". المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1992. ص. 6.

المصادر
أولا ً. في العربية:
ابن الرومي، علي بن العباس: "ديوان ابن الرومي" تحقيق الدكتور حسين نصار. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1974.

1.        ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري: "لسان العرب" . دار صادر. بيروت.

2.        أحمد جاسم النجدي (الدكتور): "منهج البحث الأدبي عند العرب" دار الحرية للطباعة. بغداد، 1978.

3.        أحمد عُلَبي (الدكتور): "المنهجية في البحث الأدبي"، دار الفارابي، بيروت. 1999.

4.        جون أي. جوزيف وتالبوت جي. تايلر، "الأيديولوجيا واللغة" ترجمة باقر جاسم محمد. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد، 2008.

5.        داوود سلوم (الدكتور): "السرقات الفنية للآثار الأدبية: (سرقات الدكتور محمد نبيل الطريفي إنموذجا ً)". مطبعة الأفراح. بغداد، 2005.

6.        ديـﭬد ديتشس: "مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق" ترجمة د. محمد يوف نجم ومراجعة د. إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1967.

7.        زيغريد هونكه: "شمس العرب تسطع على الغرب" ترجمة فاروق بيضون وكمال الدسوقي. القاهرة. 1969.

8.        ستانلي هايمن: "النقد الأدبي ومدارسه الحديثة" ج2. تر. د. إحسان عباس ود. محمد يوسف نجم. القاهرة، 1960.

9.        علي بن أبي طالب، (الإمام): "نهج البلاغة" جمعه الشريف الرضي، وحققه السيد هاشم الميلاني. ط3. مطبعة التعارف. بيروت. 2010.

10.    علي جواد الطاهر، (الدكتور): "منهج البحث الأدبي" بغداد، مطبعة أسعد. 1976.

11.    فاطمة عوض صابر (الدكتورة) وميرﭬت على خفاجة (الدكتورة): "أسس ومبادئ البحث العلمي" الأسكندرية. مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية. 2002.

12.    فخري صالح (محرر ومترجم): "النقد والمجتمع: حوارات مع عدد من النقاد والمفكرين". الناشر دار كنعان، دمشق. 2004.

13.    لويس شيخو اليسوعي (الأب) : "المنجد في اللغة والأعلام" ط 39. دار المشرق. بيروت، 2002.

14.    محمد الصاوي محمد مبارك (الدكتور) : "البحث العلمي: أسسه وطريقة كتابته". المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1992.

15.    محمد عبيدات ومحمد أبو نصار وعقلة مبيضين (الدكاترة): "منهجية البحث العلمي: القواعد والمراحل والتطبيقات". دار وائل. عمان. 1999.

16.    نادية حسني صقر (الدكتورة): "العلم ومناهج البحث في الحضارة الإسلامية" مكتبة نهضة مصر. القاهرة. 1991.

 

ثانيا ً. في الإنجليزية:
Alhazen (Ibn Al-Haytham) Critique of Ptolemy, translated by S. Pines, Actes X Congrès internationale d'histoire des sciences, Vol I Ithaca 1962, as quoted in Sambursky 1974.

1.         Descartes, René. Discourse on Method; Meditations. Translated with an introduction by Sutcliffe, F. E. Penguin Books.

2.         Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005. © 1993-2004.

3.         The New Webster Dictionary of the English Language. New York, Consolidated Book Publishers.