عرفت الندوة الوطنية حول ( الروائي والرحلة) حضورا مكثفا، ونقاشا حماسيا، خصوصا في يومها الأول. إذ عرفت حضور عدد هام من الوجود الثقافية والأدبية المعروفة في بلادنا.
ونظمت الندوة تحت إشراف منتدى الفكر والإبداع بمدينة طنجة، ومختبر السرديات بكلية الآداب ابن مسيك بتاريخ 15 و 16 فبراير2013 . وذلك لمناقشة إشكاليات الكتابة في هذا الجنس الأدبي، الذي عرف تحولات هامة على يد الروائيين، الذين طوعوا الأحداث التي عاشوها خلال أسفارهم الواقعية، إلى كتابة سردية تجمع بين التوثيق والتخييل، وكذلك علاقة الرحلة بالرواية.
والرحلة لا تقتصر على الرواية بل تشمل كل الأشكال السردية خصوصا السيرة الذاتية، كما ذكر الأستاذ شرف الدين مجدولين في مداخلته المعنونة بالسفر والتخييل، والمقايسة الهجائية في"سبع سموات" لسعيد القرش، وأضاف أن أغلب الرحلات تضمنتها سير ذاتية. وكاتب الرحلة هو ناقد أولا قبل أن يكون مبدع. وروايته لما رآه ونقله له يتم بروح نقدية.
فيما ذهب الأستاذ عبد الحميد عقار في ورقته حول رحلة حسونة المصباحي" التيه ، رحلات إلى مدن من الشرق والغرب" إلى أنها نص خاص مركب بمدى روائي لافت، ينصهر بمحكي الأسفار والسيرذاتي، بذلك الشغف في التقاط الأصوات والتيه والتماثلات.
فيما تدخل الأستاذ شعيب حليفي بورقة عن "الرحلة بوصفها نصا ثقافيا" دارسا ومُقاربا بعض النصوص التأسيسية لهيكل والدوعاجي والعجيلي وغلاب..
فيما يتساءل الأستاذ عبد الفتاح الحجمري في مداخلته حول رحلة "خرائط منتصف الليل" لعلي بدر،عما إذا كان زمن الرحلة مازال قائما اليوم ؟ أم أنه قد انتهى بعد اكتشاف كل بقاع المعمور ولم يعد هناك شيء مجهول حوله. ولم يعد العالم ذلك المكان الأسطوري الخرافي الذي يجوبه المغامرون، بحثا عن أماكن عذراء لم تكتشفها رحلات السابقين. خصوصا مع انتشار وسائل الإعلام، التي جعلت الإنسان يسافر حول العالم دون أن يخطو خطوة واحدة خارج عتبة بابه.
ولم يعد أمام الروائي في كتابته للرحلة، إلا أن يخلق عالما خياليا جديدا مفتوحا أمام كل الخيارات، عالم متمخض من رحم القصائد.
و يخلص إلى أنه لم يعد ممكنا الحديث عن الرحلة بمفهومها المتعارف عليه، بل عن "سفر" وهو بنية مختلفة عن الرحلة، وطابعه أقرب إلى الأسفار السياحية منه إلى الرحلات الاستكشافية.
وأشاد الشاعر محمود عبد الغني في مداخلته حول (النخيل والقرميد) ليوسف المحيمد بموضوع الندوة وأهميته، ورأى أن هناك التقاء عميق بين الواقع والتخييل، من خلال عملية التذكر .وأن الرحلة الجيدة ليست التي تخلو من التخييل، بل التي كتبت ولونت بألاعيب لغوية وتخييلية، تمنحها جمالية خاصة أشبه بالقصائد الشعرية، وأن على كاتب الرحلة أن يتزود بالقراءة لباقي كتاب الرحلة الأدبية، قبل أن يقرر الكتابة في هذا الجنس الأدبي.
وتساءل عما إذا كان الروائي يعامل الرحلة مثل ما يعامل الرواية، ويعتني بالشخصيات والأماكن مثل ما يفعل خلال كتابته للرواية؟ واعتبر الرحلة كجنس أدبي لا يقل أهمية عن القصة والرواية. وأكد أن على الكاتب أن يسجل الرحلة أثناء السفر ،ولا يتأخر في ذلك حتى لا يؤثر النسيان على قيمتها وتسلسل أحداثها،واعتبره فخا يواجهه كاتب الرحلة. وفي ختام مداخلته وجه نداء لإقامة محترفات لفن كتابة الرحلة ،وغيرها من الأجناس الأدبية .
وانتهت الجلسة الأولى من الندوة التي عرفت في ختامها مداخلات الحضور، وتعقيبات الأساتذة المشاركون في الندوة.
وفي اليوم الثاني، كان الحضور أقل عددا، وانتاب فعاليات الندوة بعض الفتور والتسرع، لكن على العموم انصبت مداخلات الأساتذة ،على مقاربة الرحلة كما يكتبها الروائي حسب وجهة نظر كل منهم، ومن خلال المؤلفات التي درسوها.
وكانت المداخلة الأولى للأستاذ يحي بن الوليد، الذي قدم ورقة نقدية حول كتاب( بضع سنبلات خضر) لليلى أبو زيد ،واعتبره شكلا جديدا للرحلات المعاصرة.
فقد تناولت الكاتبة في طياته، رحلتها إلى لندن. ولاحظ أن تيمة الاستعمار كانت طاغية على الرحلة، كما نوه بكون الكاتبة لم تسقط في فخ المقارنة بين بيئتها الأصلية وبيئة لندن، التي كانت الرحلة تتمحور حولها.
فيما تناول الأستاذ خالد اقلعي كتاب ( رحلة في بلاد ماركيز) لأمجد ناصر. وسماه بالاجتهاد السردي، وصنفه في مجال الرحلة، رغم الأسلوب الأدبي الذي جنح فيه الشاعر إلى الشاعرية التي طغت على لغة الرحلة. وأشار إلى انه في هذه الرحلة نجد جانب تخييلي ،وجانب واقعي، بمعطيات الرحلة. مع سمة المقارنة التي تتميز بها هذه الرحلة، والتي يرى انه لا مفر منها لكاتب الرحلة.
أما الأستاذ محمد الباغوري فقد تناول كتاب" قراءة العالم" لخليل النعيمي، واعتبر أن أدب الرحلة موضوعا مهما، واعتبر الكاتب رحالة يبحث عن الجوهر لا عن الصورة وأكد على أن المسافر الرحالة يروج لثقافته في رحلاته ،ويمثل بلاده وشعبه.
وانصبت مداخلة الأستاذ محمد المسعودي، على منحنى التوثيقي وتوظيف المتخيل في رحلة "فلاح مصري في بلاد الإفرنج" لخيري شلبي، واعتبرها من أهم الرحلات المعاصرة وأطرفها. استعمل فيها الكاتب السخرية بطريقة بارعة، واتخذ ثلاث شخصيات ( الفلاح وحامل القلم والذي يرى) ليقارب أحداث رحلته.
واختتمت الندوة بعدة توصيات الأولى بعقد الجزأين الثاني والثالث من هذه الندوة، بمدينتي الدار البيضاء وشفشاون، حول الرحلة العربية المعاصرة كما كتبها الشعراء والمفكرون والصحفيون. أما التوصية الثانية وهي أن مختبر السرديات سينشر أشغال الندوة في كتاب خاص بها.