كمال الرياحي يفوز بأهم جائزة تونسية في الرواية
توّجت رواية "المشرط"للروائي والناقد التونسي كمال الرياحي بجائزة "الكومار الذهبي" للرواية لسنة 2007 التي تسندها المؤسسة الاقتصادية الخاصة "كومار". وتعد هذه الجائزة أهم وأرفع جائزة أدبية في تونس خاصة بالرواية المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية. وقد تم الإعلان عن النتائج الجمعة 20 أبريل/نيسان قي حفل غاب عنه التنظيم وسادته فوضى غريبة، التأم بالمسرح البلدي تحت إشراف وزير الثقافة محمد العزيز بن عاشور الذي سلم الجائزة الكبرى للفائزين وهما: كمال الرياحي باللغة العربية، وتسلمتها نيابة عنه زوجته الناقدة آمال البجاوي بسبب وجوده حاليا قي سلطنة عمان ضيف شرف على فعاليات الأسبوع الثقافي العماني. وآلت الجائزة باللغة الفرنسية إلى الإعلامية التونسية المقيمة في باريس فوزية الزواري. وقد تنافست 24 رواية باللغة العربية للحصول على هذه الجائزة. و"المشرط" هي الرواية الأولى للرياحي. وقد حازت منذ صدورها على إعجاب النقاد شرقا ومغربا وغربا. تكونت لجنة التحكيم الخاصة بالرواية المكتوبة باللغة العربية من الدكتور محمد القاضي رئيسا والدكتورة ألفة يوسف والأديب ظاقر ناجي والصحفي محمد بن رجب والشاعرة نجاة العدواني. وآلت بقية الجوائز ومنها جائزة لجنة التحكيم إلى فتحية الهاشمي عن روايتها "منة موال" والجائزة التقديرية لعبد الوهاب الملوح عن روايته "منذ...". وقال الرياحي في تصريح لوسائل الإعلام تم توزيعه إثر الإعلان عن الجائزة "مفاجأة سارة فعلا أن يصلني هذا الخبر وأنا في ضيافة مسقط فجائزة "كومار" حلم من أحلام معظم الروائيين التونسيين. ومما يزيد من قيمة الحدث عندي أن تتحصل روايتي "المشرط" على "الكومار الذهبي" مما يعني أنها اختيرت كأحسن رواية صادرة في سنة 2006. إن هذه الجائزة الكبيرة والمتميّزة في تونس تحمّلني مسؤولية كبيرة في المستقبل. والحق أن هذه الرواية قد أدخلت علي من السعادة الكثير فهي ما تنفك تؤكّد نجاحها، فقد كانت البداية مع اختيارها ضمن منشورات سلسلة "عيون المعاصرة" التي يشرف عليها أستاذ الأساتذة في تونس توفيق بكار وما عرف عنه من نزاهة ومعرفة ومصداقية. ثم كان الامتحان الثاني للرواية وهو الأخطر مع الجمهور حيث تؤكد دار النشر أنها من الكتب الأكثر مبيعا عندها، فقد استقبلها القراء بحفاوة كبيرة والنقاد كذلك فتناولها بالنقد والدراسة في المغرب والمشرق عدد من الجامعيين والنقاد الأكفّاء. وترتّب على هذه الحفاوة دعوات كثيرة تلقيتها من دول عربية وأجنبية لمناقشة الرواية وتقديمها وآخرها دعوة "سلطنة عمان" حيث أنا اليوم. ثم يأتي هذا التتويج الذي أفتخر به وأرجو أن أكون عند حسن ظن من توسّم فيّ خيرا. رواية "المشرط" باختصار كتبتها وأنا في سن 29 أي بين سنتي 2003/2004 وقدمتها إلى الأستاذ توفيق بكار سنة 2005 ونشرت سنة 2006. أردت بها أن أنزّل النص في راهنه التونسي بكل تناقضاته من خلال معالجة أسئلة هذا الواقع بكل مظاهره في أسلوب فنّي خاص أردت من خلاله أن أزاوج بين أسئلة المتن وأسئلة الفن الروائي من خلال تشكيل روائي أردته مختلفا في محاولة مني للخروج على الطرق المسطورة. ولأن كل رواية هي احتجاج على تاريخ الرواية ذاته كما تؤكد ذلك أدبيات النقد الغربي، فإني حاولت من خلال "المشرط" أن أقدم صورة فنية للتناغم الممكن بين التجريب والواقع معا، فالرواية شهدت إقبالا كبيرا عليها رغم تعقّد بنائها بشهادة كتاب ونقاد عرب كبار. من المشرق كانت انطلاقتي النقدية حيث نشرت معظم دراساتي حول الفن الروائي ونشرت كتابي النقدي الأول "حركة السرد الروائي ومناخاته". ومن تونس أبدأ هذه المسيرة الروائية التي أتمنى أن تكون بحجم ما خططته لها وما ينتظره الناس مني. يهمني أن أثني على كل من رحّب بهذا المشرط من إعلاميين ونقاد ولجنة تحكيم وقبلهم جميعا الأستاذ توفيق بكار والناشر محمد المصمودي والأستاذ صلاح الدين بوجاه." ما قاله النقاد و الصحافة عن المشرط د.عثماني الميلود/ المغرب المشرط رواية جديدة في سجل الأدب التونسي الكاتب: كمال الرياحي مثقف وأديب تونسي شاب يتميز بحيوية وإنتاج أدبي مهم .ناقد متتبع ، وروائي مجدد، ومحاور لبق تمكن بمجهود شخصي أن يتميز من بين زملائه من التونسيين في وقت وجيز .ورواية 'المشرط نص روائي يتميز بنزعة تجريبية ناجحة تمتح من التراث وتتناص معه ، لكنها تنفتح على الواقع بأسئلته المرة وقضاياه المختلفة . المشرط رواية جديدة في سجل الأدب التونسي ، وستكون لمابعدها علامة فارقة. د. عبد المالك أشهبون /المغرب تتعدد مظاهر شعرية رواية "المشرط" للروائي التونسي الواعد كمال الرياحي. فقد كتبت الرواية بطعم فني مختلف، وبنفس روائي جرئ، وبهواجس أدبية عميقة، كما تدلف بنا حمى مواضيع تدخل ـ في قاموس الثقافية العربية ـ في باب المسكوت عنه. وبهذا الإجراء الفني الجسور، يعمد الروائي إلى زرع الفوضى في اليقين، وخلخلة الاعتقاد الساذج، حيث تسقط الكثير من الأقنعة الكاشفة عن الحقيقة الباطنية للفرد والجماعة على حد سواء ... ومهما قلنا في هذا الموضوع، فإن الشخصيات التي يستثمرها الروائي أو يخلقها، إنما هي نماذج بشرية من واقع ومحيط خالقها، صور فيها النبل والسمو والتضحية، كما صور فيها النذالة والشر والخيانة، تجلي تناقضات المشكلات البشرية منذ أن وجد الإنسان. ولأن رواية المشرط أخذت على عاتقها مسؤولية التنقيب عن المواقع الأكثر سريّة في حياتنا الخاصة، فقد آثرت أن تكون مفتونة بتجربة الأقاصي في التعبير. وبعبارة وجيزة: رواية ارتضت أن تركب المسالك الوعرة، وأن تجلي على السطح المواضيع الأكثر حساسية في وطننا العربي، غير آبهة بتداعيات هذه المغامرة الفنية المحفوفة بمخاطر التأويل الفاعل أو المنفعل تجاه ما ورد في الرواية برمتها. وعليه، فقد قرر كمال الرياحي أن يجهر ويصدع بالمسكوت عنه بدون تردد، وأن لا يماري في كثير من الأحيان. ففي عمق هذه المناطق الوعرة من تضاريس الكتابة الروائية تكمن اللذة المؤلمة والموجعة، و"نشوة الكلام في اللامعنى" على حد تعبير هولدرين. ومع ذلك، فما أكثر المجاهل والخفايا التي تظل بمنأى عن الرصد والمتابعة من قبل المبدع العربي لأسباب أو لأخرى، ليظل هذا المسكوت عنه من المواضيع المؤجلة إلى أجل غير مسمى... السيد نجم /مصر رواية المشرط عمل طموح يسعى الروائي من خلاله البحث عن تناقضات معطيات الواقع المعاش، من خلال استحضار الماضي.. توظيف المعطيات الإبداعية الأخرى من فنون تشكيلية ونصوص متنوعة.. متابعة سردية تقليدية لحكاية ما. وفي ذلك يعتمد الروائي على تنوع الشخصيات، البنية البسيطة والمركبة، توظيف تقنيات الطباعة من استخدام الفراغات والحروف الغليظة والتكرار في الحروف... وغيرها، الانتقالات الزمانية والمكانية المتعددة، استخدام المفردات اللغوية الصادمة غير المألوفة. إننا إذن أمام عمل "حالة"، ولسنا في حالة قراءة تقليدية لرواية تقليدية، وهى السمة الأساسية للعمل. لذا فلا حيلة إلا بالتأكيد على القراءة غير التقليدية، حين تناول هذا العمل. صلاح الدين بو جاه /تونس ينبغي أن نشهد أننا إزاء نص آسر، فهو مركب كأشد ما يكون التركيب، قوامه نصوص مستعارة من قديم المصنفات ومحدثها، لحمته تنويعات شتى. وسداه شذرات للكاتب كمال الرياحي- ولغيره، وبنيته هدهدة بين الأزمنة والأمكنة، وشخوصه متعددة كثيرة متشابهة حينا متباعدة أحيانا! أما رموزه فتحيل على إمكانات بعيدة تكاد لا تحصى! والمتمعن ينفذ بسرعة إلى التعالق بين بنيتين تتبادلان الظهور، فتطفو الأولى حينا وتطفو الثانية حينا آخر، لكن أثرهما الواضح في الشخصيات والوضعيات والأحداث يلبث بينا قويا حاضرا... إحداهما بنية بسيطة كأشد ما تكون البساطة والأخرى معقدة كأشد ما يكون التعقيد. ينبع هذا وذاك من وظيفة الراوي حينا ومن تداخل المتون حينا... ومن صلة النص بالمرجع في أحايين متعددة أخرى! والحق أننا إزاء أثر لا يني يحيل على المصنفات القديمة، لا بما يقول إنما بما يوحي به ويفضي إليه، وبالأحوال التي ينشىء... فتنشأ منها استيهامات كثيرة تطوح بالقارىء بعيدا، وتقتضي منه أن يبدل ذائقته في كل آن وحين! حتى لكأن متقبل هذه الرواية ينبغي له أن يعدد أدواته ويغير صيغ تعامله مع نصوص آيبة من كل صوب محيلة على مناخات متباعدة ومدارات متعددة... دون انقطاع عن واقع الناس في حلهم اليومي وترحالهم في أسواق حاضرة البلاد على هذا الوقت! وفي غيرها من المدن والقرى والمداشر! "من سيرة خديجة وأحزانها" عمل يحيل على الكثير من الهراء والفوضى، حتى كأنه ـ محاكاة للتعبير الأثير عندي ـ مثل سوق شعبية في واحدة من قرانا الكثيرة ... على سفوح جبال مكثر أو ريف القيروان أو... غير بعيد عن دارات برقو وضواحي كسرى في الوسط التونسي الفسيح! من تلك الفوضى المدروسة جدا، أو قل من "اقتصاد الفوضى وتدبرها" ينشأ عمل رائق واضح الأرجاء متكامل كأعذب ما يكون! لهذا نقول إنه من السهل مع هذه الرواية أن نصرح أننا إزاء نص قد عمل على تجنب النقائص المفترضة التي يقع فيها متدبر هذا الفن الصعب! عبر أدوات من قبيل الفقرات ذات الحروف الغليظة، أو الفراغات المحدثة قصدا، أو الرسوم المستعارة من الفن العالمي، أو السطور المستقيمة الكاملة، أو النجوم الفاصلة ، أو العناوين الصريحة... يمضي النص معلنا عن توتراته، كاشفا خباياه، محيلا على تدافع أجزائه وقلقها وعدم ركونها إلى الدعة والسلم والاطمئنان! وهو منحى في تمثل بنية العمل الروائي أثير عند المشتغلين بهذا الفن اليوم، بل إنه قد غدا من السمات الحاضرة بقوة في الرواية الجديدة. فكأن "حقيقة" المستهل و"حقيقة" الختم مجرد "اقتراحات ممكنة" لما يمكن أن تكون عليه الرواية! بين الحقيقتين تنبثق نسبية كاملة، أو ينبثق سرب من النسبيات في السرد، والمعنى والدلالة... حتى لكأن النص بكامله مجرد إمكان منجز من إمكانات شتى تعرض على المتقبل لتشعره بأن "الأبطال" داخل النص وخارجه... مجرد إمكانات غير نهائية لما قد يكون عليه الكائن البشري... هذا الأعزل المنهك الهامشي... الغريب! فمن يا ترى يصدق هذا الهراء ؟ أتوجد حقا كائنات مشطورة مجزوءة "مبهذل بحالها" إلى هذا الحد ؟ أتوجد بنية مهشمة مثل هذا التهشيم؟ نبيل درغوث/تونس. رواية الرياحي ستمثّل حتما نقلة نوعية في السرد التونسي لتميّزها أسلوبا وموضوعا ورؤية. ولا سيّما أن الرواية التونسية عانت منذ سنوات من التحليق البارد في اللـغة، بعيدا عن الواقع المنسي والمهمّشين. فالأدب لصـيق الحياة، وهو تعبير عن الحياة الإنسانية في تمظهراتها المختلفة فالحياة والأدب توأمان لا ينفصلان . المشرط رواية محتفلة بالهامش والمختلف، رواية القاع والوجع وكاتبها مسكون بالاختراق، ملتبس بعنف اللحظة وشراستها فصحّ فيه قول بروست من عمق أي آلام أخذ قوة الإله هذه والقدرة اللامتناهية علي الخلق . بدّع كمال الرياحي بإبداعه المشرط والتماعه علي خدود الخدائج (جمع خديجة) بجرأة تونسية نادرة في تشكيل روائي مستحدث وجماليات كتابة جديدة تعكس ثقافة وتجربة كاتبها. فكان خلق شخوص روايته علي غير صورة ولا مثال مسبق. رواية الرياحي رواية خطيرة لم يتعوّد عليها القارئ التونسي. كل الدلائل تؤكد أنه سيكون لها كبير الأثر في المتلقي العربي ناقدا أو قارئا. وهذا ما أهّلها لتكون ضمن أهم سلسلة روايات عربية تنشرها دار الجنوب والتي سبق وأن نشرت ضمن نفس السلسلة لحنّا مينة ومحمود المسعدي وإميل حبيبي والبشير خريف ومحمود درويش وصلاح الدين بوجاه وعروسيه نالوتي وفرج لحوار وصبري موسي وجمال الغيطاني والطيب صالح وإبراهيم الكوني. رواية المشرط أعملت المشرط في متن السرد التونسي محاولة منها لاستئصال عقمه الطويل. نديم الوزة /سورية يمكن التنويه بالمادة التكوينية لرواية المشرط المؤلفة من مذكرات شخصية، نصوص قديمة، نصوص صحف وجرائد، لتحضر في الرواية بذاتها دون تدخل الراوي أو لأقل إن هذا ما يحاول الروائي أن يفتعله ولكن ليس بغفلة عن القارئ...ما لايغفله القارئ المطلع أيضاً أن مفتاح الولوج إلي رواية كمال الرياحي هو كتاب المقدمة لابن خلدون المفكر الأول في التاريخ الانساني الذي عالج باستبصار علمي - قد يختلف عليه - أسباب تطور الأمم، أسباب نشوئها وقوتها وانحدارها، لولا أن الرياحي لا يمسك هذا المفتاح ولا يلج ما ولجه ابن خلون بل يكتفي بطباق بلاغي ليبحث علي طريقته الروائية في هذا الحال المنحدر الذي حال ويحول بين ناطقي العربية وتمثل ما جاء في مقدمة مواطنه ابن خلدون. هذا الحامل المعرفي علي اختزاله وانخذاله يتبدي كافياً لعقلنة الرواية أو سردها، علي الأقل للملمة مقاطعها وشذراتها، وبالتالي حكاياتها المتناثرة التي تتطابق جميعاً في معني التخلف وتداعياته، مستفيدا من أشكال روائية شهيرة احتفي بعضها، كرواية امتداح الخالة للروائي اللاتيني يوسا، بمؤخرة المرأة وزاوج بين السرد الروائي والفن التشكيلي كما يزاوج كمال في روايته هذه وإن لأهداف مناقضةيسوغ هذا الطباق بين المقدمة والمؤخرة عدة أشياء في وقت واحد، فيرفع الحدث البسيط من مجرد مطاردة متمرد ما، يشهر مشرطه، مشرط طبيب، ليجرح مؤخرات النساء، إلي حدث أشمل يسائل تمثال ابن خلدون عن تحول الفكر العلمي وقراءته للتاريخ إلي مجموعة من الأكاذيب والخرافات لتحضر هلوسات التراث وشعوذاته بنصوصها المتباينة إلي جانب أخبار الصحافة ووسائل الإعلام بتحليلاتها التافهة لتتبادل ومذكرات الراوي السرد المتقطع ولكن المتجانس في الحديث عن المؤخرة بما هي خديجة كاسم يطلقه التونسيون علي الاست لسبب ما، وبما هي دلالة علي الحال الاجتماعية والثقافية المتردية لتأخذ تلك العقلنة الفنية مهمتها باتجاه آخر يعكس في مراياها المتعددة قاع المجتمع وسطحه بما هو نتاج للعلاقات المتحكمة والايديولوجية السائدة ساخراً من شكلانية الفكر وتسطحه إذا لم أقل اضمحلاله وتشوهه في عقل مريض غير قادر علي التمييز جيداً بين الاشياء ودلالاتها فلا يجد في الحداثة سوي مؤخرات النساء ولا يجد في السياسة غير الطغاة ولا يجد في الحضارة سوي الصور والتماثيل. أما كمال الرياحي والذي بدا متعاطفاً مع مؤخرة المرأة ومقدمتها بتعاطفه مع عاهرات روايته كان محقاً في التغطية علي المجرم العادي الذي تطارده الشرطة ورجال الصحافة والاعلام، بعدم ايلاء الكشف عن هويته أهمية تذكر، لماذا؟ ربما لأن ما يرتكبه كمال بمشرطه الابداعي نفسه يبدو أعمق جرحاً وفظاعة طالما أنه يكشف عن مؤخرات هذا الزمان المترهل والمستبد ولا سيما المؤخرات الذكورية منها.
توّجت رواية "المشرط"للروائي والناقد التونسي كمال الرياحي بجائزة "الكومار الذهبي" للرواية لسنة 2007 التي تسندها المؤسسة الاقتصادية الخاصة "كومار". وتعد هذه الجائزة أهم وأرفع جائزة أدبية في تونس خاصة بالرواية المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية. وقد تم الإعلان عن النتائج الجمعة 20 أبريل/نيسان قي حفل غاب عنه التنظيم وسادته فوضى غريبة، التأم بالمسرح البلدي تحت إشراف وزير الثقافة محمد العزيز بن عاشور الذي سلم الجائزة الكبرى للفائزين وهما: كمال الرياحي باللغة العربية، وتسلمتها نيابة عنه زوجته الناقدة آمال البجاوي بسبب وجوده حاليا قي سلطنة عمان ضيف شرف على فعاليات الأسبوع الثقافي العماني. وآلت الجائزة باللغة الفرنسية إلى الإعلامية التونسية المقيمة في باريس فوزية الزواري. وقد تنافست 24 رواية باللغة العربية للحصول على هذه الجائزة.
و"المشرط" هي الرواية الأولى للرياحي. وقد حازت منذ صدورها على إعجاب النقاد شرقا ومغربا وغربا. تكونت لجنة التحكيم الخاصة بالرواية المكتوبة باللغة العربية من الدكتور محمد القاضي رئيسا والدكتورة ألفة يوسف والأديب ظاقر ناجي والصحفي محمد بن رجب والشاعرة نجاة العدواني. وآلت بقية الجوائز ومنها جائزة لجنة التحكيم إلى فتحية الهاشمي عن روايتها "منة موال" والجائزة التقديرية لعبد الوهاب الملوح عن روايته "منذ...".
وقال الرياحي في تصريح لوسائل الإعلام تم توزيعه إثر الإعلان عن الجائزة "مفاجأة سارة فعلا أن يصلني هذا الخبر وأنا في ضيافة مسقط فجائزة "كومار" حلم من أحلام معظم الروائيين التونسيين. ومما يزيد من قيمة الحدث عندي أن تتحصل روايتي "المشرط" على "الكومار الذهبي" مما يعني أنها اختيرت كأحسن رواية صادرة في سنة 2006. إن هذه الجائزة الكبيرة والمتميّزة في تونس تحمّلني مسؤولية كبيرة في المستقبل. والحق أن هذه الرواية قد أدخلت علي من السعادة الكثير فهي ما تنفك تؤكّد نجاحها، فقد كانت البداية مع اختيارها ضمن منشورات سلسلة "عيون المعاصرة" التي يشرف عليها أستاذ الأساتذة في تونس توفيق بكار وما عرف عنه من نزاهة ومعرفة ومصداقية. ثم كان الامتحان الثاني للرواية وهو الأخطر مع الجمهور حيث تؤكد دار النشر أنها من الكتب الأكثر مبيعا عندها، فقد استقبلها القراء بحفاوة كبيرة والنقاد كذلك فتناولها بالنقد والدراسة في المغرب والمشرق عدد من الجامعيين والنقاد الأكفّاء.
وترتّب على هذه الحفاوة دعوات كثيرة تلقيتها من دول عربية وأجنبية لمناقشة الرواية وتقديمها وآخرها دعوة "سلطنة عمان" حيث أنا اليوم. ثم يأتي هذا التتويج الذي أفتخر به وأرجو أن أكون عند حسن ظن من توسّم فيّ خيرا. رواية "المشرط" باختصار كتبتها وأنا في سن 29 أي بين سنتي 2003/2004 وقدمتها إلى الأستاذ توفيق بكار سنة 2005 ونشرت سنة 2006. أردت بها أن أنزّل النص في راهنه التونسي بكل تناقضاته من خلال معالجة أسئلة هذا الواقع بكل مظاهره في أسلوب فنّي خاص أردت من خلاله أن أزاوج بين أسئلة المتن وأسئلة الفن الروائي من خلال تشكيل روائي أردته مختلفا في محاولة مني للخروج على الطرق المسطورة.
ولأن كل رواية هي احتجاج على تاريخ الرواية ذاته كما تؤكد ذلك أدبيات النقد الغربي، فإني حاولت من خلال "المشرط" أن أقدم صورة فنية للتناغم الممكن بين التجريب والواقع معا، فالرواية شهدت إقبالا كبيرا عليها رغم تعقّد بنائها بشهادة كتاب ونقاد عرب كبار.
من المشرق كانت انطلاقتي النقدية حيث نشرت معظم دراساتي حول الفن الروائي ونشرت كتابي النقدي الأول "حركة السرد الروائي ومناخاته". ومن تونس أبدأ هذه المسيرة الروائية التي أتمنى أن تكون بحجم ما خططته لها وما ينتظره الناس مني. يهمني أن أثني على كل من رحّب بهذا المشرط من إعلاميين ونقاد ولجنة تحكيم وقبلهم جميعا الأستاذ توفيق بكار والناشر محمد المصمودي والأستاذ صلاح الدين بوجاه."
د.عثماني الميلود/ المغرب المشرط رواية جديدة في سجل الأدب التونسي الكاتب: كمال الرياحي مثقف وأديب تونسي شاب يتميز بحيوية وإنتاج أدبي مهم .ناقد متتبع ، وروائي مجدد، ومحاور لبق تمكن بمجهود شخصي أن يتميز من بين زملائه من التونسيين في وقت وجيز .ورواية 'المشرط نص روائي يتميز بنزعة تجريبية ناجحة تمتح من التراث وتتناص معه ، لكنها تنفتح على الواقع بأسئلته المرة وقضاياه المختلفة . المشرط رواية جديدة في سجل الأدب التونسي ، وستكون لمابعدها علامة فارقة.
د. عبد المالك أشهبون /المغرب تتعدد مظاهر شعرية رواية "المشرط" للروائي التونسي الواعد كمال الرياحي. فقد كتبت الرواية بطعم فني مختلف، وبنفس روائي جرئ، وبهواجس أدبية عميقة، كما تدلف بنا حمى مواضيع تدخل ـ في قاموس الثقافية العربية ـ في باب المسكوت عنه. وبهذا الإجراء الفني الجسور، يعمد الروائي إلى زرع الفوضى في اليقين، وخلخلة الاعتقاد الساذج، حيث تسقط الكثير من الأقنعة الكاشفة عن الحقيقة الباطنية للفرد والجماعة على حد سواء ... ومهما قلنا في هذا الموضوع، فإن الشخصيات التي يستثمرها الروائي أو يخلقها، إنما هي نماذج بشرية من واقع ومحيط خالقها، صور فيها النبل والسمو والتضحية، كما صور فيها النذالة والشر والخيانة، تجلي تناقضات المشكلات البشرية منذ أن وجد الإنسان. ولأن رواية المشرط أخذت على عاتقها مسؤولية التنقيب عن المواقع الأكثر سريّة في حياتنا الخاصة، فقد آثرت أن تكون مفتونة بتجربة الأقاصي في التعبير. وبعبارة وجيزة: رواية ارتضت أن تركب المسالك الوعرة، وأن تجلي على السطح المواضيع الأكثر حساسية في وطننا العربي، غير آبهة بتداعيات هذه المغامرة الفنية المحفوفة بمخاطر التأويل الفاعل أو المنفعل تجاه ما ورد في الرواية برمتها. وعليه، فقد قرر كمال الرياحي أن يجهر ويصدع بالمسكوت عنه بدون تردد، وأن لا يماري في كثير من الأحيان. ففي عمق هذه المناطق الوعرة من تضاريس الكتابة الروائية تكمن اللذة المؤلمة والموجعة، و"نشوة الكلام في اللامعنى" على حد تعبير هولدرين. ومع ذلك، فما أكثر المجاهل والخفايا التي تظل بمنأى عن الرصد والمتابعة من قبل المبدع العربي لأسباب أو لأخرى، ليظل هذا المسكوت عنه من المواضيع المؤجلة إلى أجل غير مسمى...
السيد نجم /مصر رواية المشرط عمل طموح يسعى الروائي من خلاله البحث عن تناقضات معطيات الواقع المعاش، من خلال استحضار الماضي.. توظيف المعطيات الإبداعية الأخرى من فنون تشكيلية ونصوص متنوعة.. متابعة سردية تقليدية لحكاية ما. وفي ذلك يعتمد الروائي على تنوع الشخصيات، البنية البسيطة والمركبة، توظيف تقنيات الطباعة من استخدام الفراغات والحروف الغليظة والتكرار في الحروف... وغيرها، الانتقالات الزمانية والمكانية المتعددة، استخدام المفردات اللغوية الصادمة غير المألوفة. إننا إذن أمام عمل "حالة"، ولسنا في حالة قراءة تقليدية لرواية تقليدية، وهى السمة الأساسية للعمل. لذا فلا حيلة إلا بالتأكيد على القراءة غير التقليدية، حين تناول هذا العمل.
صلاح الدين بو جاه /تونس ينبغي أن نشهد أننا إزاء نص آسر، فهو مركب كأشد ما يكون التركيب، قوامه نصوص مستعارة من قديم المصنفات ومحدثها، لحمته تنويعات شتى. وسداه شذرات للكاتب كمال الرياحي- ولغيره، وبنيته هدهدة بين الأزمنة والأمكنة، وشخوصه متعددة كثيرة متشابهة حينا متباعدة أحيانا! أما رموزه فتحيل على إمكانات بعيدة تكاد لا تحصى! والمتمعن ينفذ بسرعة إلى التعالق بين بنيتين تتبادلان الظهور، فتطفو الأولى حينا وتطفو الثانية حينا آخر، لكن أثرهما الواضح في الشخصيات والوضعيات والأحداث يلبث بينا قويا حاضرا... إحداهما بنية بسيطة كأشد ما تكون البساطة والأخرى معقدة كأشد ما يكون التعقيد. ينبع هذا وذاك من وظيفة الراوي حينا ومن تداخل المتون حينا... ومن صلة النص بالمرجع في أحايين متعددة أخرى! والحق أننا إزاء أثر لا يني يحيل على المصنفات القديمة، لا بما يقول إنما بما يوحي به ويفضي إليه، وبالأحوال التي ينشىء... فتنشأ منها استيهامات كثيرة تطوح بالقارىء بعيدا، وتقتضي منه أن يبدل ذائقته في كل آن وحين! حتى لكأن متقبل هذه الرواية ينبغي له أن يعدد أدواته ويغير صيغ تعامله مع نصوص آيبة من كل صوب محيلة على مناخات متباعدة ومدارات متعددة... دون انقطاع عن واقع الناس في حلهم اليومي وترحالهم في أسواق حاضرة البلاد على هذا الوقت! وفي غيرها من المدن والقرى والمداشر!
"من سيرة خديجة وأحزانها" عمل يحيل على الكثير من الهراء والفوضى، حتى كأنه ـ محاكاة للتعبير الأثير عندي ـ مثل سوق شعبية في واحدة من قرانا الكثيرة ... على سفوح جبال مكثر أو ريف القيروان أو... غير بعيد عن دارات برقو وضواحي كسرى في الوسط التونسي الفسيح! من تلك الفوضى المدروسة جدا، أو قل من "اقتصاد الفوضى وتدبرها" ينشأ عمل رائق واضح الأرجاء متكامل كأعذب ما يكون! لهذا نقول إنه من السهل مع هذه الرواية أن نصرح أننا إزاء نص قد عمل على تجنب النقائص المفترضة التي يقع فيها متدبر هذا الفن الصعب! عبر أدوات من قبيل الفقرات ذات الحروف الغليظة، أو الفراغات المحدثة قصدا، أو الرسوم المستعارة من الفن العالمي، أو السطور المستقيمة الكاملة، أو النجوم الفاصلة ، أو العناوين الصريحة... يمضي النص معلنا عن توتراته، كاشفا خباياه، محيلا على تدافع أجزائه وقلقها وعدم ركونها إلى الدعة والسلم والاطمئنان!
وهو منحى في تمثل بنية العمل الروائي أثير عند المشتغلين بهذا الفن اليوم، بل إنه قد غدا من السمات الحاضرة بقوة في الرواية الجديدة. فكأن "حقيقة" المستهل و"حقيقة" الختم مجرد "اقتراحات ممكنة" لما يمكن أن تكون عليه الرواية! بين الحقيقتين تنبثق نسبية كاملة، أو ينبثق سرب من النسبيات في السرد، والمعنى والدلالة... حتى لكأن النص بكامله مجرد إمكان منجز من إمكانات شتى تعرض على المتقبل لتشعره بأن "الأبطال" داخل النص وخارجه... مجرد إمكانات غير نهائية لما قد يكون عليه الكائن البشري... هذا الأعزل المنهك الهامشي... الغريب! فمن يا ترى يصدق هذا الهراء ؟ أتوجد حقا كائنات مشطورة مجزوءة "مبهذل بحالها" إلى هذا الحد ؟ أتوجد بنية مهشمة مثل هذا التهشيم؟
نبيل درغوث/تونس. رواية الرياحي ستمثّل حتما نقلة نوعية في السرد التونسي لتميّزها أسلوبا وموضوعا ورؤية. ولا سيّما أن الرواية التونسية عانت منذ سنوات من التحليق البارد في اللـغة، بعيدا عن الواقع المنسي والمهمّشين. فالأدب لصـيق الحياة، وهو تعبير عن الحياة الإنسانية في تمظهراتها المختلفة فالحياة والأدب توأمان لا ينفصلان . المشرط رواية محتفلة بالهامش والمختلف، رواية القاع والوجع وكاتبها مسكون بالاختراق، ملتبس بعنف اللحظة وشراستها فصحّ فيه قول بروست من عمق أي آلام أخذ قوة الإله هذه والقدرة اللامتناهية علي الخلق .
بدّع كمال الرياحي بإبداعه المشرط والتماعه علي خدود الخدائج (جمع خديجة) بجرأة تونسية نادرة في تشكيل روائي مستحدث وجماليات كتابة جديدة تعكس ثقافة وتجربة كاتبها. فكان خلق شخوص روايته علي غير صورة ولا مثال مسبق.
رواية الرياحي رواية خطيرة لم يتعوّد عليها القارئ التونسي. كل الدلائل تؤكد أنه سيكون لها كبير الأثر في المتلقي العربي ناقدا أو قارئا. وهذا ما أهّلها لتكون ضمن أهم سلسلة روايات عربية تنشرها دار الجنوب والتي سبق وأن نشرت ضمن نفس السلسلة لحنّا مينة ومحمود المسعدي وإميل حبيبي والبشير خريف ومحمود درويش وصلاح الدين بوجاه وعروسيه نالوتي وفرج لحوار وصبري موسي وجمال الغيطاني والطيب صالح وإبراهيم الكوني. رواية المشرط أعملت المشرط في متن السرد التونسي محاولة منها لاستئصال عقمه الطويل.
نديم الوزة /سورية يمكن التنويه بالمادة التكوينية لرواية المشرط المؤلفة من مذكرات شخصية، نصوص قديمة، نصوص صحف وجرائد، لتحضر في الرواية بذاتها دون تدخل الراوي أو لأقل إن هذا ما يحاول الروائي أن يفتعله ولكن ليس بغفلة عن القارئ...ما لايغفله القارئ المطلع أيضاً أن مفتاح الولوج إلي رواية كمال الرياحي هو كتاب المقدمة لابن خلدون المفكر الأول في التاريخ الانساني الذي عالج باستبصار علمي - قد يختلف عليه - أسباب تطور الأمم، أسباب نشوئها وقوتها وانحدارها، لولا أن الرياحي لا يمسك هذا المفتاح ولا يلج ما ولجه ابن خلون بل يكتفي بطباق بلاغي ليبحث علي طريقته الروائية في هذا الحال المنحدر الذي حال ويحول بين ناطقي العربية وتمثل ما جاء في مقدمة مواطنه ابن خلدون. هذا الحامل المعرفي علي اختزاله وانخذاله يتبدي كافياً لعقلنة الرواية أو سردها، علي الأقل للملمة مقاطعها وشذراتها، وبالتالي حكاياتها المتناثرة التي تتطابق جميعاً في معني التخلف وتداعياته، مستفيدا من أشكال روائية شهيرة احتفي بعضها، كرواية امتداح الخالة للروائي اللاتيني يوسا، بمؤخرة المرأة وزاوج بين السرد الروائي والفن التشكيلي كما يزاوج كمال في روايته هذه وإن لأهداف مناقضةيسوغ هذا الطباق بين المقدمة والمؤخرة عدة أشياء في وقت واحد، فيرفع الحدث البسيط من مجرد مطاردة متمرد ما، يشهر مشرطه، مشرط طبيب، ليجرح مؤخرات النساء، إلي حدث أشمل يسائل تمثال ابن خلدون عن تحول الفكر العلمي وقراءته للتاريخ إلي مجموعة من الأكاذيب والخرافات لتحضر هلوسات التراث وشعوذاته بنصوصها المتباينة إلي جانب أخبار الصحافة ووسائل الإعلام بتحليلاتها التافهة لتتبادل ومذكرات الراوي السرد المتقطع ولكن المتجانس في الحديث عن المؤخرة بما هي خديجة كاسم يطلقه التونسيون علي الاست لسبب ما، وبما هي دلالة علي الحال الاجتماعية والثقافية المتردية لتأخذ تلك العقلنة الفنية مهمتها باتجاه آخر يعكس في مراياها المتعددة قاع المجتمع وسطحه بما هو نتاج للعلاقات المتحكمة والايديولوجية السائدة ساخراً من شكلانية الفكر وتسطحه إذا لم أقل اضمحلاله وتشوهه في عقل مريض غير قادر علي التمييز جيداً بين الاشياء ودلالاتها فلا يجد في الحداثة سوي مؤخرات النساء ولا يجد في السياسة غير الطغاة ولا يجد في الحضارة سوي الصور والتماثيل.
أما كمال الرياحي والذي بدا متعاطفاً مع مؤخرة المرأة ومقدمتها بتعاطفه مع عاهرات روايته كان محقاً في التغطية علي المجرم العادي الذي تطارده الشرطة ورجال الصحافة والاعلام، بعدم ايلاء الكشف عن هويته أهمية تذكر، لماذا؟ ربما لأن ما يرتكبه كمال بمشرطه الابداعي نفسه يبدو أعمق جرحاً وفظاعة طالما أنه يكشف عن مؤخرات هذا الزمان المترهل والمستبد ولا سيما المؤخرات الذكورية منها.