تسعى هذه الدراسة الضافية للتنظير لمعنى الخيال والتخييل في الشعر منطلقة من الأسس الفلسفية للمفهوم في الغرب وفي الكتابات النقدية القديمة، ومعرجة على التناولات العربية لتلك الأسس، وصولا إلى استقصاء آليات عمل الخيال في الصور البلاغية المختلفة في الشعر والنظرية البلاغية العربية القديمة والحديثة على السواء.

التخييل والشعرية العربية

محمد الديهاجي

إن النبش في مفهوم الخيال باعتباره الآلة المحركة والمنعشة لفعل الكتابة الشعرية يقتضي بالضرروة العودة إلى أروقة البحث والاستقصاء في المفهوم من داخل حقل معرفي فرضت إواليات منطلقاته ومقاصده احتضان هذا الفعل التخييلي المارد والمتزأبق، ويتعلق الأمر بالدر س الفلسفي. فكل الدارسين يقرون بحقيقة انتقال مفهوم "الخيال" من مجال الفلسفة إلى مجال الأدب، بعد أن انقشعت شمس سمائه المعتمة. هذا الارتباط القسري بين مفهومين بطبيعتين متناقضتين، واحدة تؤمن بطاقة العقل الصادق وحصافة نموذجه القضوي البرهاني (الفلسفة)، وأخرى لا تنضح سوى بفيوضات الملتبس، جعل من الخيال كائنا يعيش هدنة طويلة في رحاب الفلسفة الأرسطية تحديدا ويتقوت من ميتافيزيقاها، إذ لن يسترد تخومه القصية، ولن يأخذ أبعاده الثاوية في الممكن واللامفكر فيه، إلا حين تحرر من مركزية وسلطة العقل فيما بعد.

-أولا: في الخيال الشعري
1- حد الخيال عند أرسطو:

وبالعودة إلى المبحث الفلسفي اليوناني، نجد أن أرسطو أول من أعاد الاعتبار للشاعر والمخيلة من خلال تصوره الجديد للمحاكاة، بعد أن عاشت (المخيلة) نوعا من الإقصاء الفج والسافل من طرف المحاكاة الأفلاطونية التي جعلت الشعر يبتعد عن الحقيقة بثلاث درجات. لقد اعتقد أرسطو يقول إحسان عباس أن «خيال الشاعر نوع من "الجنون العلوي"، وظل هذا الاعتقاد عند أفلاطون الذي كان يرى أن الشعراء "متبعون" وأن الأرواح التي تتبعهم قد تكون خيرة وقد تكون شريرة، ولكننا نعرف كيف أن أفلاطون لم يميز بين بعض أنواع الشعر وبين أصحاب الحرف، في قوة الخيال، وأن أرسطو طاليس هو الذي اعترف لصاحب الملكة المتخيلة، بالمكانة اللائقة به، ومجد تلك الملكة التي تستطيع الجمع بين الصور، وأثنى على القدرة في المجاز»1.

ولقد عبر أرسطو عن الخيال بمفهومين هما "المحاكاة" في كتابه "فن الشعر" و"الفانطاسيا" في كتاب "في النفس"، وهو يعتبر الخيال قوة ضرورية في القول الشعري. ومن هذه الحافة، حاول استنباط كل قوانين الأنواع الشعرية وضروبها، ولم يغب عن ذهنه البتة، في الوقت نفسه، أنه الفيلسوف الذي يبحث في دوائر العقلانية قصد إدراك الوجود في نسغه المتجلي، سالكا المنهج العقلاني الصارم كسبيل لبلوغ هذا المبتغى. فكان أن ربط بين الخيال والوهم على اعتبار أن جموحهما يقفز بالإنسان من كل ما هو واقعي مدرك إلى كل ما هو متخيل يتجاوز الواقع لإدراك الجوانب الوجدانية من الحياة النفسية ودوائرها الغائرة والتي تحتاج إلى قدرات إدراكية تفوق قدرات العقل.

من هنا كان أرسطو يرفض فكرة تحرير الخيال بشكل مطلق من صرامة العقل، بل إنه أكد ما مرة على لا جدوى الخيال ما لم يشتغل تحت إمارة العقل ووصايته وذلك تحت يافطة "فكرة الإقناع". فكل أسلوب شعري، في مستوياته التخييلية، ينبغي أن يأخذ في اعتباره ضرورة الاقناع المنطقي والوضوح في اكتشافه للحقائق ودوائرها، إذ لا ينبغي على الخيال أن يصل درجة عالية من التمويه حتى لا يتفلت من رقابة العقل2. إن الشاعر في اعتقاد أرسطو حين يركب بساط الخيال محلقا في عوالم الغرابة والمتناقضات بالشكل الذي لا يسمح للعقل متابعة عملية تبسيط وتوضيح الحقائق أمام السامع-المتلقي بأسلوب إقناعي إنما يخرج عن دائرة المحاكي إلى دائرة المغلط والموهم.

فالمحاكاة-الخيال، هنا تقاس بدرجة الصدق والكذب، فكلما كانت أقل كذبا كانت أكثر وضوحا وإقناعا بالحقيقة، وكلما كانت أكثر كذبا كانت أكثر غموضا وبعدا عن الحقيقة والإقناع فيصبح هذا القول ضربا من ضروب الخرافات المخترعة ذات البعد التمويهي لا الإقناعي.يقول ابن رشد في تلخيصه لكتاب أرسطو: «فليس يحتاج في التخيل الشعري إلى مثل هذه الخرافات المخترعة، ولا أيضا يحتاج الشاعر المفلق أن تتم محاكاته بالأمور التي من خارج، وهو الذي يدعى نفاقا وأخذا بالوجوه. فإن ذلك إنما يستعمله المموهون من الشعراء، أعني الذين يراؤون أنهم شعراء وليسوا شعراء. وأما الشعراء بالحقيقة فليس يستعملونه إلا عندما يريدون أن يقابلوا شعراء الزور له. وأما إذا قابلوا الشعراء المجيدين فليس يستعملونه أصلا. وقد يضطر المفلقون في مواضع أن يستعينوا باستعمال الأشياء على التمام.بل لأشياء ناقصة تعسر محاكاته بالقول، فيستعان على محاكاتها بالأشياء التي من خارج، وبخاصة إذا قصدوا محاكاة الاعتقادات لأن تخيلها يعسر، إذ كانت ليست أفعالا ولا جواهر. وقد تمزج هذه الأشياء التي من خارج بالمحكيات الشعرية أحيانا كأنها وقعت بالاتفاق من غير قصد، فيكون لها فعل معجب، إذ كانت الأشياء التي من شأنها أن تقع بالاتفاق معجبة»3.

وليس من شك أن كل محاولة من الخيال لتفجير كنه الأشياء عبر أوليات تخرق أنالوجية المعطى، هي محاولة لا قيمة لها ولا جدوى منها في بلوغ الحقيقة، والشاعر في هذا المقام هو شاعر مموه ومغلط والسبب في ذلك «أنه لما كان الشاعر المجيد هو الذي يصف كل شيء بخواصه وعلى كنهه، وكانت هذه الأشياء تختلف بالكثرة والقلة في شيء من الأشياء حقيقتها»4.

هذا ولقد اهتمت الفلسفة الأرسطية بالخيال في جانبه التخييلي أكثر من اهتمامها به في جنابه التخيلي. والفرق بين الجانبين كبير جدا. فالتخييل هو محاولة ضبط القوة المتخيلة عند المتلقي وكذا توجيهها من طرف العقل الذي رسم مسبقا حدود التخيل عند المبدع، وهذه الالتفاتة إلى المتلقي يمكن اعتبارها الإرهاصات الأولى لبزوغ تصورات من جملة ما تهتم به، المتلقي. إن هذا الاهتمام بالتخييل عند المتلقي هو ما اصطلح عليه عند أرسطو بالتطهير (الكاطرسيس) الذي ينتهي الأمر، من خلاله، بالمتقي إلى «اتخاذ وقفة سلوكية خاصة، تتجلى في فعل أو انفعال، قادته إليه مخيلته التي تأثرت بالتخييل واستجابة له»5.

وأما التخيل الذي هو صورة جمالية أسمى لذات المبدع الخاصة والمتفردة، إذ لم يعره أرسطو الاهتمام اللائق به بسبب قوته الزئبقية المنفلتة باستمرار من صرامة العقل والتي تقود صاحبها حتما إلى عوالم الهلوسة والجنون، فقد لجمت النزعة العقلانية جموحه بضابط المعقول والحسي والواضح، فكان التخيل بذلك تخيلا عقليا ينضبط أولا لحدود المنطق. يقول جابر عصفور في هذا الصدد: «وهنا لا بد أن نلاحظ أن الفلاسفة لم يتوقفوا طويلا عند الشاعر باعتباره كائنا يتميز بقدرات تخييلية فائقة، ولم يتعرضوا للحديث عن ملكة التخيل عنده، أو قدرة هذه الملكة على جمع الأشياء والتأليف بينها، بالقدر الذي كنا نتمناه. لقد ركزوا على فعل "التخييل" أكثر مما ركزوا على فعل "التخيل" أعني أنهم اهتموا بما يمكن أن نسميه "سيكولوجية التلقي" أكثر من اهتمامهم بسيكولوجية الإبداع. قد نستنتج من بعض إشارتهم العارضة تصورهم للموضوع، ولكن ذلك التصور يظل شاحبا جدا. بالقياس إلى حديثهم الواضح والصريح عن الإثارة التخييلية التي يحدثها الشعر في الملتقى. وما يترتب على هذه الإثارة من نزوع وسلوك...»6.

2- الفلاسفة المسلمون والأفق الأرسطي في الخيال:
وعلى نفس الطرح العقلاني ذهبت الفلسفة العربية مع كل من الفارابي وابن سينا وابن رشد7 تعيد استهلاك واجترار مبادئ الفلسفة الأرسطية التي كانت ترى في الشعر محاولة لاستكشاف القوانين العامة للوجود في تناولها لكل ما هو كائن وموجود، لدرجة أصبح الشاعر في إطار هذا التباين أسمى مقاما من المؤرخ من خلال تناول الأول للكليات والمحتمل وتناول الثاني للجزئيات والكائن، وأشبه ما يكون بالفيلسوف الذي يبحث هو أيضا في الكليات وإن بشكل يختلف عن الشاعر، إذ الحكم الكلي عند الفيلسوف يرقى إلى مستوى التجريد الخالص في حين أن الحكم الكلي عند الشاعر يبقى رهين ما هو حسي وجزئي8. إن قوة الخيال عند الفلاسفة المسلمين لا يمكنها إطلاقا أن تصل مستوى القدرات العقلية التي تنهض بالحقيقة في إطار الحكم الكلي المجرد. وعليه فإن قوة الخيال هاته هي نتاج لمقدرة دنيا في نفس القائل والمتلقي على السواء ولا يمكنها بأي حال من الأحوال في نظر هؤلاء الفلاسفة أن تبلغ درجة الكلي المجرد.

وطرح كهذا لا يمكن إلا أن يسحب من الشعر إمكانية معانقة العوالم العميقة والحقائق الغابرة التي لها علاقة موضوعية بالنشاط الوجدانية في النفوس، الشيء الذي يشي بإغفال الفلاسفة العرب لدراسة الجوانب من الحياة النفسية في محاولة لاستكشافها9. إن تصورا كهذا لا يمنح إطلاا القول الشعري مرتبة تؤهله لمنافسة الحكم الفلسفي البرهاني. فالتعارض «القائم بين العقل والتخيل ينمو ويصبح تعارضا بين الشعر والفلسفة. ومن العسير أن نجد فيلسوفا عربيا ينظر إلى الشعر على أنه يخلق نوعا من المعرفة خاصا به، يستطيع أن ينافس المعرفة التي تستخلص من براهين الفلاسفة، وما يمكن أن يقوله الناقد المعاصر من أن الشعر يعرض التجربة الإنسانية عرضا خياليا في شكل موحد له مغزاه وقيمته بالنسبة للمبدع والمتلقي على السواء، وأهميته الكبرى في الحياة الإنسانية أقول إن مثل هذا القول يصبح- في نظر الفلاسفة الذين تتعامل معهم بل في نظر النقاد والبلاغيين- إلا ضربا من العبث والهذيان.إن المعرفة الحقة هي الفلسفة وليست غاية الشعر. ووسيلتها الأقاويل البرهانية التي هي أشد أقسام المنطق شرفا وأحقها بالرياسة وليست الأقاويل الشعرية» 10.

وما يمكن استخلاصه من آراء وأفكار هؤلاء الفلاسفة العرب والمسلمين، المنبنية على مبادئ صناعة المنطق عند أرسطو، هو أن القوة التخييلية هي دون مستوى العقل الصارم وانضباطه في محاولة استكشاف حقيقة هذا الوجود ودوائرها. إلا أن هذه النظرة المتحفظة تجاه التخييل ومن ثم تجاه الشعر سوف تسحب منه وظيفته المعرفية وستنحصر وظيفته فقط في إثارة الانفعال في النفوس لا غير، إذ أنها لم تضع في الحسبان مجموعة من دوائر هذا الوجود التي يلفها الغموض، والمائزة بالعمق والكثافة بحيث لا يمكن البتة للعقل إدراكها وفهمها، نذكر، على سبيل التمثيل لا الحصر، الطبقات الوجدانية للحياة النفسية، وأيضا الأحكام العامة لهذا الوجود التي لا تنضبط لقانون أو قاعدة معينة.

3- الخطاب الصوفي وبلاغة الخيال:
وفي مقابل ذلك، نجد في الجهة الأخرى، كوكبة من الصوفيين، حاولوا سبر أغوار الذات المبهمة وقواها الداخلية بغاية القبض على خيوط بعض دوائر حقيقة هذا الوجود الغائرة التي لا يمكن البتة للعقل وحده أن يقبض عليها كاملة11 فلقد منح الخطاب الصوفي الأسبقية الإبستمولوجية للخيالي في استنباط واكتناه الموجودات بهدف صوغ تصور معرفي قادر على فرك الآني العيني- المعيش، والتشوف إلى المستقبل بغاية إبداعه واختراعه، فلنتأمل هذا النص الرائع لجلال الدين الرومي وكيف أن الخيال عنده، على غير ما كان شائعا، طاقة وفعالية، مهمتين لتأسيس الوجود العيني بكل ما تمظهراته، يقول «إن الخيال في الروح مثل العدم، (ومع هذا) فلننظر إلى هذا العالم كيف أنه يدور على الخيال، فعلى الخيال يقوم ما بين الناس من صلح أو صراع، ومن الخيال ما يعده الناس فخرا وما يجدونه عارا، ولكن هذه الخيالات التي هي حبائل للأولياء، ليست إلا صورة للحسان في بستان الله»12.

إن كل من يطلع على الفكر الصوفي الإسلامي يكتشف بالفعل أهمية الخيال كقوة عظمى خلقها الله للكشف عن بعض الجوانب الغامضة في هذا الوجود على حد تعبير الشيخ الأكبر (ابن عربي) القائل بصريح العبارة: «فليس للقدرة الإلهية فيما أوجدته أعظم وجودا من الخيال، وبه ظهرت القدرة الإلهية والاقتدار الإلهي، فهو أعظم شعائر الله على الله» 13. إن الشاعر الحقيقي في نظر المتصوفة، هو الذي يستطيع بالقوة التخييلية وحدها، السفر في تخوم المعرفة، وهذا الاحترام والتقدير لطاقة الخيال، لن نجده سوى في «رحاب الشعر الصوفي الذي ينبع من الذات، فهو إما في حالة كشف وفيض، أو في حالة توتر ووجد مشوق إلى هذا الكشف والفيض، وهذه حالة الشعر الحقيقية» 14. لذلك فمن لا معرفة له بالخيال وحالاته، يبقى في نظر الصوفية بعيدا كل البعد عن المعرفة الحقة والكلية جملة وتفصيلا، لأن الخيال يتجاوز العقل ويسمو عليه بما يتميز به -الخيال- من قوة ثاقبة ونافذة تستطيع فك ألغاز هذا الوجود.

إن الصوفية العربية تؤكد على أن «المطلق مفتوح، إذ الممكنات "لا تتناهى" في نظر ابن عربي، وكل جهد معرفي هو "فتوحات مكية" لا تتوقف عند حد [بل إن الصوفية] تذهب إلى أن الأخلية والفنون تكميل ينقص الوجود بحكم طبعه المبتسر» 15.

والحال أن الخيال، بهذا المعنى فاك للرموز décodeur التي تعتم معرفة وفهم هذا الوجود. فالخيال «يساعد في الكشف عن نوع مهم من المعرفة وينير الطريق لإدراك طائفة من الحقائق التي لا يصل إليها العقل الصارم للفيلسوف ولا يقترب منها ذهن الرجل العادي المنصرف إلى الظواهر والأعراض الزائلة والطارئة والذي يتعامل مع الأشياء من زوايا المنفعة دون أن ينفذ إلى دلالاتها الرامزة إلى المعاني الروحية العميقة. إن الصوفي -على عكس الفيلسوف- يعتمد كل الاعتماد على البصيرة والحدس ويثق بالنشوة الروحية الغامرة وبالخيال المحلق الذي يسمو حتى يدنو من الحقيقة الإلهية ويحوم حول حماها»16. بل إن الخيال عند ابن عربي أعظم قوة منحها الله للعباد، لولاها لما استطعنا تفسير وتأويل ما تشابه من الآيات بحيث نعبد الله كما لو أننا نراه .فالله ذات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة لكن بالإمكان رؤيتها بعين الخيال النافذة، إذ لا يمكن -بالمقابل- بصرامتها أن تتصور الذات الإلهية وهي ترانا وتنظر إلينا، وإلا سوف تغدو هذه الذات طبيعية ومجسمة.

من هذه الحافة نستطيع القول إن الصوفية -على عكس الفلاسفة- قد استطاعوا تبني مبدأ الخيال طاقة عظمى لتعرية أهم جوانب المعرفة المتلبسة بالتعتيم 17، كما أن الشعر الحقيقي أصبح عندهم، هو الشعر الذي ينير المسالك في طريقه إلى هذه المعرفة المتفلتة باستمرار. ولقد غدا الشعر -معهم- يلبس لبوسا معرفيا بحتا، وحلقة برزخية تتوحد فيها الحقائق النورانية.

4- التخييل عند البلاغيين والنقاد العرب القدامى:
أ-حدود الخيالي عند الجرجاني:
لئن كان الفكر الإسلامي، في مجمله، قد أبان عن ميل هادر إلى تسييج الخيال بسياج العقل الصارم، عدا ما حصل مع عرفانية المتصوفة، فإن البلاغة العربية القديمة سوف تؤسس بنياتها على فرضيات الفكر العقلاني ومنطلقاته دون تردد، والتي ترتهن بالعقل كرقيب لكل عملية شعرية، خوفا من طغيان القوة التخييلية وسقوطها في المحظور الديني "الكذب". وهي- فرضيات العقل- بفعلها هذا أقفلت الأبواب جميعها في وجه عرفانية المتصوفة المتحررة من قيود العقل وذلك لأنهم «لم يكونوا الممثلين الرسميين المتفق عليهم في العالم الإسلامي وخاصة في عصور المد العقلاني الذي اكتملت في ظل سيطرته كل أنسقة التفكير البلا غي والنقدي عند العرب، لقد اكتمل التفكير البلاغي والنقدي عند العرب في غيبة من المتصوفة، بعد أن نسج خيوطه وأقام صرحه متكلمون تأثروا تأثرا لا سبيل لإنكاره بالفلاسفة، وبنظرتهم الخاصة إلى العقل، أعني تلك النظرة التي لا تثق إلا في العقل واحكامه، وتلوذ بأحكام التحسين والتقبيح العقليين»18.

كما كان لهذه الولادة الاضطرارية للتفكير البلاغي في أحضان الفلسفة الإسلامية في ارتباطها بما هو عقدي-ديني، بحيث كان المرتكز الديني عاملا جوهريا في مجمل التمظهرات الابستمولوجية التي مارسها العرب ومنها علوم البلاغة، دور كبير في الزج بالرعيل الأول من البلاغيين العرب في خندق السلطة الأخلاقية لمقولة "الصدق والكذب" والتي ستشكل فيما بعد عائقا إيبستيمولوجيا أمام تنامي وعي بويطيقي في نقدنا العربي القديم. إلا أن عبد القاهر الجرجاني كان واحدا من النقاد العرب القدامى الذين خرجوا عن هذه القاعدة وأحدثوا انقلابا كبيرا في الدرس البلاغي. فهو القائل «وإذ قد عرفت هذه الجملة فها هنا عبارة مختصرة وهي أن تقول معنى/ ومعنى المعنى. تعني بالمعنى الظاهر للفظ والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى أن تعقد من اللفظ معنى يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر» 19.

مسألة أخرى تؤكد ألمعية الجرجاني في هذا المجال، وهي عندما يؤكد أن جمال الألفاظ لا يكمن في ذاتها بقدر ما يكمن في اتساقها الذي يخلق عوالم دلالية تخييلية عجيبة. «فلا جمال إذن في اللفظ من حيث هو صوت مسموع، وحروف تتوارى في النطق، وإنما يقوم ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب» 20. من هنا يتجلى واضحا الدور الأساس الذي تقوم به البينات اللغوية في إنجاز الطبقات اللغوية وهو ما يؤلف عقد أطروحة "النظم" لديه. إلا أن الانتماء المذهبي (الشافعي) والعقدي (الأشعري ) للجرجاني سيجعلانه يتردد ويرتبك في اتخاذ موقف صريح بخصوص عملية التخييل، فالسلطة الأخلاقية لمقولة "الصدق والكذب" جعلته يقسم المعاني إلى قسمين: عقلية وتخييلية، معتمدا في هذا التقسيم على أقيسة المطابقة لواقع الحال21.

وما يمكن ملاحظته بخصوص موقف الجرجاني من المعاني التخييلية، هو الارتباك والتردد. فحينما ينظر إلى هاته المعاني من زاوية الرجل المنطقي، فإنه يتخذ موقفا أخلاقيا صارما لا يمكن إلا أن يرفض التخييل كقوة جارفة للحقيقة والصدق جوهر الخطاب الديني. أما عندما ينظر إلى التخييل من الزاوية النفسية، فقد ينتصر فيه الرجل البلاغي بحدسه ووعيه العميق بطبيعة الظاهرة الأدبية، وكذا مكوناتها الفاعلة ودور العلاقات السياقية في بلورة عنصر التخييل. يقول الدارس العربي الذهبي في السياق ذاته: «فإذ يشيد عبد القاهر بشساعة المجال التخييلي يشترط معرفته بتأمل نسبه أي رده -معرفيا- إلى أصوله، كما يشترط متابعة تعيناته الفرعية المتعددة، وهما فعلان يقودهما القياس العقلي»22. إن عبد القاهر الجرجاني ينتهي في نهاية المطاف، إلى أن التشبيه والاستعارة فعلان يقتربان من المصادق فيما التخييل يخرق قاعدة الاستدلال العقلي على المعنى المقصود، والحاصل أن التخييل عنده «مناف للحقيقة وضرب من الكذب والخداع»23.

ب- المنهاج: وعي حقيقي بالمحاكاة:
ومن المتشبعين بالفلسفة الأرسطية في أ صولها ومقاصدها، الذين أعادوا قراءة أرسطو على نحو سليم، والذين سيهتمون اهتماما شديدا بالقوة التخييلية، نجد بوجه خاص حازم القرطاجني. إنه في نظره عبد الرحمان بدوي: «أول من أدخل نظريات أرسطو وتعرض لتطبيقها في كتب العربية الخالصة»24 ويستطرد الدكتور بدوي قائلا بأن مجالي النقد والبلاغة العربيين لم يستفيدا من هذا السبق الفطن «ويا ليت من أتوا بعده أخذوا عنه..»25. فلقد استطاع -حازم- بأستاذية وألمعية نادرتين، إدراك الدور التعويقي الذي لعبه علماء الكلام والمناطقة وعسس الاستدلال، لما أقحموا الشعر في مقصلة "الإسناد والإحالة"، أو ما يعرف اليوم " بالواقعية التسجيلية" انطلاقا من السلطة الأخلاقية لمقولة "الصدق و الكذب"، هذا الكلام يعني أن الإحالة ليست فعلا تخييلا، لننصت إلى ما يقوله حازم في هذا الباب «فإن المعاني التي تتعلق بإدراك الحس هي التي تدور عليها مقاصد الشعر، وتكون مذكورة فيها لأنفسها، والمعاني المتعلقة بإدراك الذهن [الفكرية، المعرفية...] ليس لمقاصد الشعر حولها مدار، وإنمها تذكر بحسب التبعية المتعلقة بإدراك الحس»26.

إن غاية الشعر بالنسبة له، كما يتجلى واضحا في كتابه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" أسمى بكثير من المقدمات الصادقة والكاذبة الخارجة عن رحم المقولة الأخلاقية إياها في تشوفها إلى الإحالات التحقيقية، هي غاية تروم النسغ المرن للقوة التخييلية والمشدود بعصب القدرة على صوغ فضاءات تخييلية تؤثر في النفوس، عمادها المجاز الخلاق والاستعارة المجنحة. «ولعل الغلط إنما جرى عليهم من حيث ظنوا أن ما وقع من الشعر مؤتلفا من المقدمات الصادقة، فهو قول برهاني وما ائتلف من المشهورات فهو قول جدلي، وما ائتلف مع المضمونات المترجحة الصدق على الكذب، فهو قول خطبي، ولم يعلموا أن هذه المقدمات إذا وقع فيها التخييل والمحاكاة، كان الكلام قولا شعريا لأن الشعر لا تعتبر فيه المادة بل ما يقع في المادة من التخييل»27. داخل هذا الفهم للشعر، تمكن حازم أن يميز بين نسقين مختلفين في القول الشعري، نسق إخباري، وآخر إنشائي. غير أن النسق الخبري لا يمكنه إلا أن يلعب دورا هامشيا في العملية الإبداعية الشعرية، في حين أن النسق الإنشائي يعني من ضمن ما يعنيه، التمثيل والرؤيا، والتخييل، وكل ما لم يحدث بعد بواسطة قوته السحرية "التخييل".

لقد استطاع حازم أن يرد بذلك الاعتبار للشعر كمحاولة منه لتخليصه من المقولات الخانقة لآفاق الخيال الرحبة، كمقولة "الصدق والكذب". فهو القائل: «فيكون شعرا أيضا ما هذه صفته باعتبار ما فيه من المحاكاة والتخييل، لا من جهة ما هو كاذب، كما لم يكن شعرا من جهة ما هو صادق بل بما كان فيه أيضا من التخييل، فلاختصاص الشعر باستعمال المحاكاة في المقدمات الكاذبة من حيث يخيل فيها، أو بها لا من حيث هي كاذبة، وإن شارك جميع الصنائع فيما اختصت به، وكان له أن يخيل في جميع ذلك، فالتخيل هو المعتبر في صناعته، لا كون الأقاويل صادقة أو كاذبة»28، فالخطاب الشعري هو غير الخطابات الفلسفية، إنه خطاب تخييلي بامتياز.

وفي المحصلة، لقد دافع حازم القرطاجني عن مقولة التخييل بتفنن وإتقان دون السقوط في إسار النظرة الخانقة لمقولة "الصدق والكذب" وداخل مجال هو في أمس الحاجة لفضاءات رحبة، فضاءات منطقها الخاص هو التخييل الخصب. بقي أن نشير إلى أن سياج الحس الذي شكل مرتكزا هاما في العملية التخييلية في الدرس البلاغي العربي القديم، إضافة إلى سياج الماصدق والتشبيه سيحد من اندفاع هذا المشروع، يقول حازم «إن الأشياء منها ما يدرك بالحس، ومنها ما ليس إدراكه بالحس، والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله نفسه لأن التخييل تابع للحس» 29.

5- الخيال الرومانسي كإبداع:
ومع الرومانسين سوف يعلن الخيال عصيانه وتمرده المطلق على ديكتاتورية العقل30 ليتحول بذلك، هذا الاتجاه، إلى مقاربة تقدس جلال الخيال في عملية إدراك الحقائق الغائرة في هيولى الوجود. وهي بهذا تتقاطع بشكل كبير مع الخطاب الصوفي ومقاربته للإبداع والمعرفة بشكل عام. فالمقاربتين معا تلحان على ضرورة الاهتمام بالحالات الوجدانية في حياتنا النفسية ودهاليزها المبهمة، كحقيقة أخرى من حقائق هذا الوجود، وأيضا وعطفا على ذلك، تعتبران البعد الروحي مسلكا آمنا لبلوغ المطلق واستشفافه بواسطة القوة التخييلية.

وأهم ما توصل إليه الاتجاه الرومانسي بخصوص التنظير للخيال، هو ما أنجزه المنظر الرومانسي "كولردج" إذ سيؤسس تصورا واضحا يحدد فيه طبيعة الخيال، ويعرف إياه قائلا: «إنه القوة التي تستطيع التوفيق بين عناصر متنافرة»31 وهو ينقسم إلى «خيال أولي وهو الإحساس الذي به يدرك الإنسان عالم الظواهر، ويطبع نزوات التداعي الحر والنوع الأعلى الذي يوفق بين المتضادات، ويمتاز بقوة الإيحاء وتشابك وجوهه وتعددها»32 وآخر ثانوي مجرد رجع للأول يقول كولدرج في الموضوع ذاته: «إنني أنظر إلى الخيال imagination إذن إما باعتباره أوليا أو ثانويا. وأنا أعتبر الخيال الأولي الطاقة الحية والعامل الرئيسي في كل إدراك إنساني. والتكرار في العقل لعملية الخلق الخالدة في الـ"أنا" اللامتناهي. وأعتبر الخيال الثانوي صدى للأول يوحد مع الإرادة الوجدانية، ومع ذلك لا يزال متحققا مع الأول من حيث نوع عمله ولا يختلف عنه إلا في الدرجة وفي طريقة عمله»33.

وفي معرض حديثه عن الخيال، يميز كولردج ما بين الخيال والتصـور. فالخـيال -عنده- آلية من آليات الخلق والإضافة والتفرد، إذ بواسطته يمكن إعادة ترتيب وخلق معاني ودلالات هذا الوجود. وعلى هذا الأساس ذهب كولردج يفرق بين الخيال والوهم، ذلك أن الأخير يعتبر مرحلة أساسية من مراحل الخيال تقوم على حشد وجمع المادة الأولى التي على أسسها ستركب القوة الخيالية عوالمها، إن الخيال في نظر كولردج قوة سحرية تركيبية تخلق التآلف والوحدة ما بين المتناقضات، كما تعمل على ذر بذور الجدة في المألوف وفي السائد بنية الخلق والإبداع34.

والحاصل أن الخيال، أصبح عند الرومانسيين يعادل الإبداع بدل المحاكاة، كما تحول إلى فرع معرفي تحوم حوله باقي فروع المعرفة. من هذه الحافة بالضبط انطلق البحث في مفهوم الخيال، على قدم وساق بشكل جاد ومسؤول، بل وسوف تتحول القوة التخييلية، هاته، عند التيارات التي ستخرج من رحم الاتجاه الرومانسي كالرمزية والسريالية وغيرها إلى حالة من الكشف لأشد المناطق سرية في كهوف الذات وتجاويفها. وستمتد فلسفة هذه المنظومة الشعرية (الرومانسية) في البدايات الأولى من القرن المنصرم إلى الثقافة العربية أو بالأحرى إلى الممارسة الشعرية العربية بواسطة مدرسة الديوان وشعراء المهجر بخاصة في بداية الأمر.

لقد أصبح لمفهوم الشعر عند الشعراء العرب أبعادا جديدة بسبب من هذا التأثير الرومانسي، مفهوم يؤمن بسحرية الخيال وقدرته على اختراق حجاب النفس وكذا التوغل في صلب الحقيقة وجوهرها35. وهذا المبتغى سوف لن يتأتى كما تقول بذلك المقاربة الشعرية الرومانسية إلا إذا تم تحرير القوة التخييلية وذلك بتفجير التعبير الشعري كما يرى عبد الرحمان شكري، لتجاوز التقريرية والمباشرة والسطحية في التعبير، وسوف يتجذر هذا الموقف بخصوص الخيال أكثر عند أحد أعمدة شعراء ومنظري مدرسة المهجر، وأقصد جبران خليل جبران الذي استطاع بممارسته النصية أن يشيد سماء مرصعة بالنجوم والثريا في دنيا الشعر الرومانسي العربي. ولكي نوضح رؤية جبران خليل جبران سأعود لنص "ملكة الخيال" وهو نص يعنى بملكة الخيال بشكل فني متخيل، يقول فيه «حينئذ أشارت الملكة بيدها فسكنت كل حركة، ثم قالت وصوتها يهز نفسي مثلما تفعل يد الموقع بأوتار عوده ويؤثر بجموع ذلك المحيط السحري كأن للأشياء آذانا وأفئدة: دعوتك أيها الإنسي وأنا ربة مسارح الخيال وحبوتك المثول أمامي وأنا مليكة غابة الأحلام، فاسمع وصاياي وناد بها أمام البشر.

قل: إن مدينة الخيال عرس يفخر بابه مارد جبار فلن يدخله إلا من لبس ثياب العرس قل: هي جنة يحرسها ملاك المحبة فلا ينظرها سوى من كان على جبهته وسم الحب، هي حقل تصورات، أنهاره طيبة كالخمر، وأطياره كالملائكة، وأزهاره فائحة العبير، فلا يدوسه غير ابن الأحلام، خبر الإنس بأني وهبتهم كأسا يفعمها السرور وهرقوها بجهلهم فجاء ملاك الظلمة فملأها من عصير الحزن فجرعوها صرفا وسكروا، قل: لم يحسن الضرب على قيتارة الحياة غير الذين لمست أناملهم وشاحي ونظرت أعينهم عرشي، فأشعيا نظم الحكمة عقودا بأسلاك محبتي، وبوحنا رؤى رأياه بلساني، ولم يسلك دانتي مراتع الأرواح بغير أدلتي فأنا مجاز يعانق الحقيقة، وحقيقة تبين وحدانية النفس، وشاهد يزكي أعمال الآلهة.

قل: إن للفكرة وطنا أسمى من عمل المرئيات لا تكدر سماءه غيوم السرور، وإن للتخيلات رسوما كائنة في سماء الآلهة تنعكس على مرآة النفس ليعم رجاؤها بما سيكون بعد انعتاقها من الحياة الدنيا. وجذبتني مليكة الخيال نحوها بنظرة سحرية وقلبت شفتي الملتهبتين وقالت: قل ومن لا يعرف الأيام على مسرح الأحلام كان عبد الأيام»36.

إن جبران خليل جبران من خلال هذا المقطع، يرسم مشهدا رائعا لعوالم الخيال والتي لا يمكن للمعاني، وللتدقيق قل الحقائق، البتة أن تكون فيها سوى مجازية، على عكس ما أوهمت به صناعة المنطق من قبل والتي اعتبرت المعاني عقلية بحتة. كما أن جبران اهتم من خلال هذا النص-كثيرا بالقارئ، وهي التفاتة نوعية غير مسبوقة في ثقافتنا العربية37. فعلى القارئ أن يكون مريدا صوفيا شرب من دهشة الخيال حتى ارتوى وتفنن في حالات هذا الطقس كثيرا، الشيء الذي سيؤهله لدخول باب الخيال بثياب العرس.

وعلى هذا الأساس ومن داخل دراسة مطولة تحت عنوان "الخيال الشعري عند العرب"، يستنتج أبو القاسم الشابي ما يلي: «لقد علمتم من كلماتي السابقة، أن كل ما أنتجه الذهن العربي في مختلف عصوره قد كان على وتيرة واحدة، ليس له من الخيال الشعري فقط حظ ولا نصيب وإن الروح السائدة في ذلك هي النظرة القصيرة الساذجة التي لا تنفذ إلى جوهر الأشياء وصميم الحقائق وإنما همها أن تنصرف إلى الشكل والوضع، واللون والقالب. أو ما هو إلى ظواهر الأشياء أدنى من دخائلها، وهي في القصة لا تعرف إلى طبائع الإنسان وآلام البشر، وفي الأساطير لا تعبر عن فكر سام وخيال فياض، وإنما هي أوهام لائشة وأنصاب جامدة»38.

ومن هذه الرؤية الرومانسية سوف تنطلق مجموعة من المباحث الإبستيمولوجية الحديثة، والنظريات الفلسفية، والاتجاهات الشعرية المعاصرة التي لها علاقة-من قريب أو بعيد-بالإدراك الرومانسي لمفهوم الخيال ووظيفته نحو تطوير هذه القوة وترويجها على نحو مختلف تماما عن الفلسفات القديمة، أقصد بالانتقال من دراسة الخيال كملكة إلى الاهتمام بالمتخيل.

إن النظر إلى الخيال من زاوية الخلق أو على الأقل من زاوية إعادة ترتيب الأشياء سوف يخلق رهانا جديدا في الشعرية المعاصرة (إبداعا وتنظيرا ونقدا) من جملة ما يراهن عليه، الصورة الشعرية كتجل من تجليات طاقة الخيال.

ثانيا: بين الصورة والخيال
1- الصورة الشعرية: مفهومها، وطبيعتها، ومصادرها:
ويقصد بمفهوم الصورة الشعرية ذلك التحقق الشعري الساحر في فضاء الخيال الرحب بتشغيل آليات البناء في الذهن والنفس معا عند المبدع، قصد إنجاز صورة شعرية تدهش المتلقي وتؤثر فيه. إن الصورة الشعرية هي مرحلة من مراحل البناء التخييلي في الشعر، إنها شكل من أشكال التعبير وينبوع متدفق من الأحاسيس والدلالات السيكولوجية التي يستحيل-في غالب الأحيان- أن تتجسد عيانيا. بل إنها لا تنهض بغير انفعالات اللاشعور وما خفي من الأحاسيس، الشيء الذي يمكن المجاز من أن يكون سحر اللغة في عالمه البطليموسي. يقول عبد القادر القط بخصوص الصورة الشعرية: «هي "الشكل الفني" من جوانب التجربة الكاملة في القصيدة، مستخدما طاقات اللغة وإمكاناتها للدلالات والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضاد والمقابلة والتجانس وغيرها من وسائل التعبير الفني والألفاظ والعبارات هما مادة الشاعر الأولى التي يصوغ منها ذلك الشكل الفني، أو يرسم بها صورة الشعرية»39. والحاصل أن الصورة الشعرية هي عمل ذهني يتجاوز حضور موضوعها كما هو الحال بالنسبة لصورة اللفظة 40. من هذه الحافة تصير الصورة الشعرية محاولة تكثيف عاطفي ووجداني للتجربة الوجودية بلغة إيحائية قصد تحقيق الفعل والقول الشعريين. من هنا تصبح الصورة عملا ذهنيا خالصا ينقل "عقدة" معينة من التجربة الوجودية (قد تكون هذه العقدة فكرية أو عاطفية) في لحظة رمزية.

إن ممارسة اللعبة الشعرية من داخل الصورة الفنية هي ممارسة للخلق والابتكار، لا ممارسة للتمثيل الذي لا ينفذ إلى عمق الأشياء وعمق الوجود المتجلي والغائر في الوقت نفسه. إذ لا يمكن للتجربة الشعرية البتة أن تكون رؤياوية بغير سحر الصورة الفنية. فالشاعر والناقد الحصيف أدونيس يميز بين عالمين في التجربة الشعرية، عالم ينتهي عند حدود التمثيل من خلال تجربة نمطية، وآخر يتجاوزه إلى إعادة البناء والخلق من خلال تجربة رؤياوية (تصويرية). يقول «التشبيه يجمع بين طرفين محسوسين. إنه يبقي على الجسر الممدود فيما بين الأشياء. فهو لذلك ابتعاد عن العالم. أما الصورة فتهدم هذا الجسر لأنها توحد فيما بين الأشياء، وهي إذ تتيح الوحدة مع العالم تتيح امتلاكه. لكن العالم يبدو من خلال التشبيه مشهدا أو ريفا.

وتبعا لذلك، تبدو فيه علاقة الإنسان بالعالم باردة وآلية. فشعر التشبيه ينظر إلى الأشياء باعتبارها أشكالا لا معاني أو وظائف. هو إذن لا يمتلكها لا يتوحد معها لا يقبض عليها. هي التي تفرض، على العكس، وجودها على شاعر التشبيه. وتمتلكه. يصبح هذا الشعر حين ذاك ملحقا بالعالم لا سيدا له»41.

الصورة الشعرية إذن شكل من أشكال ترميز هذا الوجود وتكثيفه42 من خلال التذكر والاسترجاع لمعطيات حسية، أو من خلال تفعيل كيمياء الذهن وخبرته قصد استثمارها في الخلق والإبداع والإضافة وليس التذكر والتكرار. فبالصورة الشعرية يمكن إضاءة لحظات وجودية كثيفة وجد معتمة هي بمثابة كنه الحقائق بهدف القبض عليها وكذا تشكيلها بحركية الزمان والمكان الرمزيين. وبهذا الفعل تغدو الصورة مركزا لإضاءة مناطق أكثر غرابة وأكثر دهشة في هذا الوجود من أجل استكشافها في شكلها السديمي بحيث لا يقوم الشاعر سوى بمنحها دلالاتها ومعانيها من خلال إعادة ترتيبها.

وعلى هذا الأساس تكون الصورة الشعرية «هي العملية الشعرية كاملة تعكس واقعا فنيا موحدا، دالا إيحائيا، منتظما بتشكيل محدد تحكمه حركة متصلة تحدد بانتهاء دائرة الصورة المنجزة داخل السياق العام مطبوعا بسمة التماسك، يتميز بحجم الدرجة والكم الفني، يتصل بطرفي التجاوز الصوري، حيث تبدأ وحدات أخرى تتفق معه في النمطية والسياق وتختلف معه في الجرجة والتنوع كما في صورة الليل التي مر التمثيل بها. وعلى هذا تكون الصورة هي المنطقة الإيحائية الشعرية المشعة التي توجه المتلقي عاطفيا وشعوريا بالإقناع النفسي والعقلي. وقد تكون بيتا أو أبياتا معينة ضمن سياق القصيدة التي يتكون مبناها الكلي من مجموع هذه الوحدات الفنية أو البنيات المتصلة بامتداد واحد يعرف بالتشكيل الشعري الذي يعتمد على الرابط في تدرجه وامتداده ضمن بينة القصيدة الواحدة»43.

وإذا حاولنا التدقيق في مصدر هذه النظيمة التعبيرية الشعرية نقصد "الصورة " فإننا سنستشعر بنوع من الكثافة الوجدانية والنفسية في صيغة رموز تعود بها-الصورة-إلى مصدر اللاشعور الذي يعتبر منطقة خصبة لمادة الشعر. وعليه فإن الصورة الشعرية هي تعبير عن تركيبة نفسية معينة مصدرها تفاعل الذات في هذا الوجود مع التجارب الأخرى في أفق نسج وتلمس سيكولوجية الذات الشاعرة بشعورها ولا شعورها مما يجعل اللحظة الشعرية من خلال الصور الشعرية محاولة واعية لإعادة ترتيب هذا التفاعل الكيميائي داخل اللاشعور، وحبكه في قالب صوري قد يكون بصريا أو سمعيا أو سيكولوجيا.

إلا أنه مع ذلك ينفلت مجموع العناصر اللاشعورية بشكل إرادي وغير إرادي من رقابة الوعي إلى فضاء الصورة قصد طبعها بطابع الصدق. وبهذا المعنى تكون الصورة الشعرية شعورا وجدانيا بحجب أكثر رهافة وعمقا ليس في مكنة غير الخيال تخطيط ملامحها وهتك حجبها، يقول الدارس سمير علي سمير الدليمي: «وتظل الرؤى في الأحلام أو التهيؤات أو تداعيات الصور واختراقها وتأليفها في المخيلة والخواطر الجميلة والإحساسات الشعرية، تظل كل هذه في ماهية الصورة سواء منها الأشكال الناقصة في الحلم أم الخيال أم الكاملة أم الترائي الممتد والمتلاحق الخطوط والأشباح التي تترائى للبعض بشكل عام وللفنانين بشكل خاص بوصفها منابع للصورة تقع أيضا في ماهية هذه الصورة»44.

إن لمكونات الجانب النفسي في عملية إنتاج الصورة الشعرية دورا أساسيا في تركيز واختصار كل المرجعيات الحسية في حركية نفسية تتعامل مع كل المعطيات المرئية تعاملا يرتدي دلالات نفسية يصعب تحقيقها عينيا. فكل الدلالات الواقعية تتحول في الصورة الشعرية إلى دلالات سيكولوجية، حتى الأمكنة فهي أمكنة نفسية لا غير. الزمن أيضا لا ينضج بغير شحناته النفسية. وعلى الذات الشاعرة أن تخلق في هذه العملية حوارا جوانيا يستنطق مناطق اللاشعور وجهات الغرابة فيه. «ومن هنا كانت "الصورة" دائما غير واقعية وإن كانت منتزعة من الواقع، لأن الصورة الفنية تركيبة وجدانية تنتمي في جوهرها إلى عالم الوجدان أكثر من انتمائها إلى عالم الواقع»45.

وكلما استطاعت الصورة أن تستنطق ذلك المخبوء في دهاليز الوجدان إما عن طريق الإدراك الحسي أو الحدس أو الخيال أو الرؤيا وهي ذروة التصوير الشعري الذي يتحول فيه الشاعر إلى نبي يتحدر بتكثر مفرط من القصي نحو القصي، مكتنها حقيقة وجوده، ومستشرفا آفاق مستقبله، كلما أشعت الضياء في الأشياء لينقشع الوجود بشكل عار لا لبس ولا غموض فيه. فلا يمكن أن نتصور شعرا نوعيا يريد أن يكون نافذا بدون أن ينبني على الصورة النافذة وعلى الرؤيا العاشقة لامتلاك الأشياء على حد تعبير الناقد أدونيس: «تتيح لنا الصورة أن نمتلك الأشياء امتلاكا تاما، كما أشرت، فهي، من هذه الناحية، الأشياء ذاتها، وليست لمحة أو إشارة تعبر فوقها أو عليها. وامتلاك الأشياء يعني النفاذ إلى حقيقتها فتتعرى وتتلألأ في النور. تصبح القصيدة القائمة على هذه الصورة أشبه بالبرق الذي يضيء جوهر العالم وخيلاءه. هكذا تكون الصورة مفاجأة ودهشا، تكون رؤيا، أي تغييرا في نظام التعبير عن هذه الأشياء»46.

وحتى تصل الصورة الشعرية إلى هذا المستوى من الدهشة والإضاءة، لا ينبغي لها أن تفارق ذلك الناظم الرؤياوي الذي يوحد بين المتناقضات لأجل الخلق والابتكار، في تجاوز تلقائي لمبدأ المقايسة. والشاعر الذي لا يستطيع تفجير مخيلته والإتيان بمثل هذه الصور الرؤياوية، أو أن يتفنن في عملية الربط بين أطراف الأشياء المتضادة، إنما ينتج صورا تموت للتو بعد ولادتها.

ولما كانت الغاية من الشعر هي الكشف عن الحقائق الغابرة والخفية، «فإن الصورة الشعرية ليست تشبيهية تولد من المقايسة أو المقارنة وإنما هي ابتكار، تولد من التقريب والجمع بين عالمين متباعدين، بحيث يصبحان وحدة، ليست الصورة هنا مجرد تقنية بلاغية، وصفا، إنها تبدو على العكس، بدئية، تنبثق من الحركة نفسها التي ينبثق بها الحدس الشعري. وهي عصية على الإحاطة بها عقليا أو واقعيا. ذلك أنها تنفلت من حدود العقل والواقع، لأنها تشير إلى ما يتجاوزها، إنها ضوء يخترق ويكشف فيما يتجه نحو المجهول. الصورة هنا تصير أي تغيير»47.

هكذا نستنتج أن الصورة قد تكون خلاقة فتحدث الدهشة والمتعة في نفسية المتلقي وهي بذلك تضمن لنفسها حق الاستمرارية والديمومة، وقد تكون تشبيهية وتمثيلية بتعبير أدونيس، حينها تتجرد من الناظم الرؤياوي وتؤسس على الانفعال العابر معلنة بذلك عن موتها الفوري. إن الصورة الشعرية الخلاقة، من بين ما تراهن عليه، هو إحداث المتعة واللذة والتأثير في صفوف جمهور القراء على اختلاف تلويناتهم الفكرية وكذا تشكيلاتهم الطبقية48. وعلى امتداد العصور والأزمنة، إنه حال شعر التخوم والأقاصي. واهتمام من هذا القبيل بالصورة الشعرية، هو اهتمام أيضا بالمتلقي وبالأثر الذي تحدثه الصورة فيه. المتعة، الدهشة، الفتنة كلها تعابير تعبر عن إحساس واحد يعكس جمالية الصورة وقدرتها الفائقة على خلق عوالم الغرابة في لحظات رمزية عابرة.

إن وظيفة الصورة الشعرية من خلال هذا الفهم هي من جهة أولى وظيفة حوارية وذلك بفتحها لأبواب المساءلة داخل الذات المبدعة وكذا الذات المتلقية قصد استنطاق المجهول واستكشاف ضفافه، وأيضا بفتحها (الوظيفة الحوارية) نقاشا مطولا بين أفق انتظارHORIZON D’ATTENTE 49 الشاعر الذي ينهض برغبة تغيير المفاهيم والمعايير المتداولة بفعل الانزياحات المتكاثرة داخل الصورة الشعرية، وبين أفق انتظار المتلقي الذي من المفروض أن يتفاعل مع هذه الصور بعد مرحلة المتعة والفتنة والاندهاش. «وبهذا الفهم لا تصبح الصورة شيئا ثانويا يمكن الاستغناء عنه أو حذفه وإنما تصبح وسيلة حتمية لإدراك نوع متميز من الحقائق، تعجز اللغة العادية عن إدراكه، أو توصيله، وتصبح المتعة التي تمنحها الصورة للمبدع قريبة الكشف والتعرف على جوانب خفية من التجربة الإنسانية ويصبح نجاح الصورة أو فشلها في القصيدة مرتبطا بتآزره المتكامل مع غيرها من العناصر باعتبارها وصلا لخبرة جديدة بالنسبة للشاعر الذي يدرك، والقارئ الذي يتلقى»50.

ومن جهة ثانية هي وظيفة فيتيشية وشهوانية تنحو منحى إيروتيكيا بفعل الفتنة التي تخلقها الصورة في ذات القارئ وكذا اللذة التي يشعر بها المتلقي وهو يراود مناطق الإغراء والإثارة بغية الكشف عن خبايا الوجود وضفاف المجهول، مما يخلف لديه حالة من الإشباع بعد كل قراءة –مراودة. إن لعبة الظهور والإختفاء على جسد النص، هو ما يمنح الصورة منحه إيروتيكيا معتبرا51. هنا إذن يمكن التحدث عن تعدد القراءات بالنسبة للصورة الواحدة. فمع كل قراءة جديدة نستكشف منطقة من مناطق الظل في الصورة، ودلالة من دلالاتها. وبهذا الصدد يقول الدارس كمال أبو ديب: «تظل العلاقة بين الصورة والسياق الكلي للتجربة الشعرية المحرق الأساسي الذي ينبغي أن تنبع منه الدراسة. وتبلغ هذه العلاقة حدا من الكثافة والتوتر والكشف لا حدود لها. تستحيل الصورة إلى انحلال للعالم المألوف للأشياء والترابطات والتداعيات التي تثيرها في النفس. ثم إعادة تركيب له نبعا غريبا لعلاقات جديدة، طرية، غضة، لم نألفها في تطلعنا اليومي للأشياء»52.

نستخلص من كل ما سبق أن للصورة الشعرية وظيفتين: وظيفة تؤديها على المستوى النفسي وقد سبق وأن ناقشناها سواء أثناء عملية خلق وإبداع الصورة عند الشاعر التي اعتبرناها عينة سيكولوجية ترتبط ارتباطا عضويا بالجانب النفسي، ذلك أن جل البحوث النفسية اعتبرت الفن عملية شبيهة بالحلم حيث يستطيع الفنان تحقيق رغباته في فنه وإفراغها فيه وإن بشكل وهمي، ففي الصورة الشعرية تتجلى خصائص صور الأحلام، إلا أن ما يمز الأولى –الصورة الشعرية- عن الثانية هو الأصالة «فكل صورة في الخلق الفني لها جذورها العميقة في عالم اللاشعور لأن وراء هذا الظاهر المضيء الذي نلحظه في ذات أنفسنا مجالا مظلما مجهولا عامرا بالظواهر النفسية التي لا نعرف إلا انعكاساته المعقدة المصورة وهو مجال اللاشعور، وبتعبير الشاعر عن أحلامه الحبيسة يتحرر منها وهذا التحرر يقرب نظرية فرويد من نظرية التطهير عند أرسطو»53، أو أثناء التلقي بحيث التجاوب يكون بالأساس نفسيا بفعل الأثر الذي تتركه. أما الوظيفة الثانية فتؤديها الصورة الشعرية على المستوى الدلالي عبر تفجيرها لمستويات عدة من الدلالات مع كل قراءة جديدة.

ويتضح جليا- في إطار توصيل المعنى للقارئ- أن للصورة الشعرية مرجعيتها الفكرية المخصوصة، بها تتجدد معالمها وفي أفقها تخط أبعادها. فهناك من الاتجاهات النقدية من ترى في الصورة الشعرية وسيلة لتبليغ دلالة محددة ومباشرة وبشكل تقريري واضح وهو ما يصطلح عليه بالصورة الحسية -البسيطة-54. وهناك بالمقابل اتجاهات نقدية أخرى ترى في الصورة شكلا فنيا نطل من خلاله على عالم أشد تعقيدا بحكم الغموض الذي يلفه والحجب التي تحجبه. لذلك يكون التعبير عن هذه العوالم بشكل إيحائي ومعقد أيضا، الشيء الذي سينتج عن هذا فهما موحدا لهذه الصورة ستسمى إما بالإيحائية أو الكلية، أو الرؤياوية، أو الرمزية، وذلك انسجاما مع نسبة ودرجة إيمان كل ناقد أو اتجاه بهذا الشكل الصوري التعبيري.

2- طبيعة العلاقة بين الصورة الشعرية والخيال:
أ- علاقة الصورة بالخيال:
إن طبيعة العلاقة بين الخيال والصورة الشعرية هي طبيعة الانتماء- ذلك أن الصورة تنتمي بالضرورة إلى ملكة الخيال- والتحقق والإنجاز، ونعني بذلك أن الخيال لا يمكن أن يشتغل ويتحقق إلا بواسطة الصورة، بل الأكثر من هذا، إن القوة التخييلية تستطيع الاحتفاظ بصور المحسوسات ورعايتها ما دام الواقع لا يستطيع ذلك. تستعيدها وتستحضرها متى شاءت من جهة، وتخلق وتبدع مثيلات لها متى شاءت من جهة أخرى. فـ«التخيل نوعان، تخيل استرجاعي يقوم على استعادة صور ماضية تمثل مدركات سبقت معرفتها، وتخيل إبداعي يقوم على إنشاء صور جديدة، وتتجلى فاعلية الإنسان حين يتجاوز واقعه، ويتطلع إلى مستقبله. وهذا التخيل المبدع لا ينشأ من عدم وإنما يستمد عناصره من معطيات الواقع»55.

هكذا يصبح للخيال سحر، هو عالم الصورة الشعرية المبتكرة، هو أيضا أثرها في المتلقي وما تخلق فيه من دهشة وغرابة. إن الخيال يشبه الرحم حيث تنمو وتترعرع المعاني فيه وتتشكل من خلال الصورة بأشكال مختلفة، ومن ثم تغدو الصورة عين الخيال المبدع والخلاق الذي ينقلب من المعلوم إلى المجهول كما يقول أدونيس56. بل إن الخيال الشعري بهذا المعنى57 هو «نشاط خلاق لا يستهدف أن يكون ما يشكله من صور نسخا أو نقلا لعالم الواقع ومعطياته أو انعكاسا حرفيا لأشكال متعارف عليه، أو نوعا من أنواع الانفعالات بقدر ما يستهدف أن يدفع القارئ أو السامع إلى إعادة التأمل في واقعه، من خلال رؤية شعرية، لا تستمد قيمتها من مجرد الجدة والطرافة وإنما من قدرتها على إثراء الحساسية وتعميق الوعي»58.

إن الخيال يقوم من خلال الصورة الشعرية بعملية الهدم قصد إعادة البناء والتشكيل، هدم السائد، والمألوف والرتيب وبناء المفترض والممكن والغريب. وإذا كان الخيال يبدع الصورة ويؤلفها قصد إنجاز هندسة خاصة للعوالم المتخيلة، فإن الصورة الشعرية بالمقابل هي التي تخرج هذه العوالم من حالة الإمكان إلى حالة التحقق والوجود. فبالصورة الشعرية يمكننا أن نبني عالما متخيلا جديدا لا يخضع إطلاقا لمنطق الكائن والمعيش وإنما يرشح بكائنات الدهشة والغرابة وسحر الكهنة الغامض.

وصفوة القول إن الخيال أعظم فاتح للواجهات الأخرى لهذا الوجود وحقيقته بواسطة الصورة. ولعل هذا الرأي هو ما استخلصه الناقد انطون كرم غطاس حينما قال: «أما الصورة الشعرية فهي السبق من الفكر، الذي لا يصير مادة للشعر بغيرها، لأن الخيال أبعد فتحا من العقل، وهو مقاييس العبقرية والوجه المرئي لها، وبالتالي لا وجود للاختراع الفني إلا بوجود الخيال حتى إن اللغة "البرغماتية" ذات الدلالة النفعية، إذا ما هرمت وشاخت فبإمكانها بواسطة "الصورة" أن تبعث للحياة بعد الموت، وأن تعيد للكائنات "نظارتها الميتولوجية" والمضامين الغيبية التي فارقتها فتتبدل هندسة العالم»59.

ب- انفتاح الصورة على المستقبل من خلال ملكة الخيال:
والخيال الشعري حينما يبدع الصورة الشعرية ويخترعها، إنما هو في هذه الحالة ينتقل من التخيل الاسترجاعي الذي ينبني على تذكر الصورة الماضية، إلى التخيل الإبداعي أو الاختراعي والذي يؤسس صورا شعرية جديدة لتجاوز كل ما هو معطى ونمطي إلى كل ما هو جديد ومتفرد ليست له أية علاقة بالماضي. وهو -التخيل الاختراعي-بفعله هذا لا يصوب منظوره إلا جهة المستقبل دون أن نتوهم أن هناك قطيعة كلية مع الماضي ولو على الأقل من جهة مواد التخيل. إن انفتاح الصورة الشعرية على المستقبل هو انفتاح على المحتمل وعلى الحلم الذي ظل يراود الذات الإنسانية منذ البدء. ففي الحلم تنتفي عناصر السببية وينتفي المنطق بعلاقاته المنتظمة، لذلك يعمل الخيال على الانفلات من حدود العقل وصرامة مساطيره وكذا من قبضة الواقع ورتابته إلى منطقة اللاشعور والحلم. ولهذه الأسباب نجد أكثر الصور الشعرية دهشة وغرابة وامتاعا تلك التي تجيء غامضة وشفيفة في الوقت ذاته وتترك مسافتها الكبرى للإيحاء Connotation أو كما يسميه "إيزر" بمناطق اللاتحديد60.

وتجدر الإشارة إلى أن الحديث عن هذه العلاقة بين الخيال في مستوياته الفنية، والصورة الشعرية كرؤيا داخلية تنفتح على المستقبل والحلم، حديث يترك بعض الأسئلة مطروحة وعالقة حول الأثر الذي يتركه هذا الاشتغال النشيط بين التخيل الفني والصورة الشعرية في الذات المتلقية وكذا المتعة الناتجة عن تلك الشراكة ما بين المنتج-المؤلف، والمستهلك في إنجاز وتحقيق معاني الصورة ودلالاتها. إن ارتباطا من هذا القبيل بين الخيال والصورة الشعرية على أرضية المستقبل والحلم لا يمكن إلا أن ينتج صورا رائعة بفعل رؤياويتها وبفعل نبشها في سديمية المعاني. فالصورة الشعرية هنا «تقترن بالرائع السامي Sublime، اقتران وجود الذات المبدعة في أوج إشراقها، ولا تعبر في حال التهيؤ الوجداني، إلى حال التجلي المجسد إلا صياغة ملونة، بل إن حال التهيؤ بالصميم، موسيقى داخلية، تنهض منها عرائس الصورة ويخرجن إليها على معبر هو المجاز»61.

والصورة هاته تشرك بالضرورة المتلقي في هذه الروعة والمتعة من خلال تفعيل وتنشيط خياله، وتجعله في حالة استكشاف مستمرة لعوالم الصورة قصد تبديد غموضها والإمساك بمفاتيح رمزيتها وكذا الالتفاف بمغالفتها. وهذا الشعور الرائع يزيد كلما عكست الصورة بقوة حرارة التجربة ودنت من جوهر الحقيقة. لذلك فالصورة الشعرية في التخيل الفني- الاختراعي هي «تشكيل لغوي -ولا شك- يكونها الخيال من معطيات متعددة غير خاضعة لشروط من أي جنس. فالذين اشترطوا حسيتها، وعقلانيتها لن يدركوا ماهيتها بحق. فهي لا تكون إلا كما شاءت لها حرارة التجربة الشعورية، وكما شاء لها انفعال الشاعر. فكلما جاءت الصورة غامضة ومعقدة، كانت أقرب من الحقيقة. فالحسية ليست- إذن- شرطا من شروطها"62. ترى هذا الفهم لطبيعة الحرارة الشعرية يمتد بعيدا في تراثنا النقدي البلاغي أم أنه مفهوم عصري وحديث انتقل إلينا عن طريق المثاقفة والانفتاح على فلسفات وشعريات الآخر بشكل متأخر؟

3- الصورة الشعرية بين القديم والحديث:
لقد رأينا كيف أسهمت الفلسفة الأرسطية بمبادئها الصارمة والمتصلبة عند حدود العقل وسلطانه في نسج المناخ الثقافي العربي القديم بشكل عام والذوق الأدبي بشكل خاص. وقمين بالإشارة في هذا الصدد إلى أن صناعة المنطق عند أرسطو بمعياريته القضوية الصورية التي لا تؤمن بتداخل الحدود وانتفاء الفواصل، كانت تنظر إلى صناعة الشعر باعتباره محاكاة لما هو كائن أو ما ينبغي أن يكون بشكل يتخطى دور المغلط والموهم عن طريق التشبيه والحفاظ على الحدود والفروق63. وعلى هذا الأساس سوف يتأسس أفق انتظار الشعر العربي ليغدو مفهوم الشعرية يعني ضمنيا القدرة على التمثيل والتشبيه، ومن ثم القدرة على اكتشاف علاقات التشابه بين الأشياء سواء كانت هذه العلاقات مألوفة أو من خلال صياغة تشبيهات أخرى ذات العلاقات الخفيفة64.

أ- موقف البلاغيين القدماء من التشبيه:
لئن كانت البلاغة العربية قد انبنت في جوانب كبيرة من منظومتها على المنطق الأرسطي ونشأت وترعرعت تحت رعايته ووصايته وتطورت بمباركته وبتوجيهاته، فإن التشبيه كعنصر من عناصر هذه البلاغة وباعتباره أيضا لا يخل بمقولة "الصدق والوضوح" سيكون «أكثر الأنواع البلاغية أهمية بالنسبة للناقد والبلاغي القديم، والحديث عنه بمثابة مقدمة ضرورية لا يمكن تأمل الاستعارة والمجاز دونها»65. والتشبيه في أصله «عملية فنية جمالية، تهدف إلى توضيح فكرة أو تقريب معنى آخر أو تمثيل شيء بشيء مدحا، أو ذما، تزيينا أو تقبيحا. وتتفاوت هذه القيمة الفنية بتفاوت مهارات الكتاب والشعراء، كما أن لعلاقاتهم بمن يوجهون إليه الخطاب أو يتحدثون عنه، أثرا في هذا التباين»66.

نستخلص مما سبق كيف أن التشبيه هو مشابهة بين طرفين فقط، أي أنه يحافظ على تفرد وتميز كل طرف على حدة. صحيح أن هناك صفات التقاطع والتشابه بين الطرفين الخاضعين لعملية التشبيه، لكن صفة التمايز والاختلاف عديدة وأكثر بكثير من صفات التقاطع هاته، مما يضمن حق التباعد والتفرد لكل طرف في هذه العملية. ولقد حاول جل النقاد واللغويين العرب القدامى تسييد ذوق أدبي بعينه، وكذا ذر بذور الانبهار بالتشبيه والاندهاش لقوته. وكان لقدامة دور كبير في تقديس التشبيه وجعله غرضا من أغراض الشعر من خلال كتابه "نقد الشعر" ناهيك عن أنه افتتن بالتشبيه الذي يكتفي بعنصر واحد في التماثل بين طرفيه مع الإبقاء على مسافة كبرى من التمايزات والفروق وذلك إيثارا للوضوح واحتراما للنظام اللغوي الموروث. لذلك فالشيء لا ينبغي في نظره أن يشابه مثيله من جميع الجهات لكي لا يكون إياه67.

وحقيقة الأمر أن دفاع النقاد العرب القدامى كلهم بالإجماع عن التشبيه لم يكن وليد إعجاب حقيقي بقدرة هذا النوع من الصور على الخلق والابتكار، وإنما كان ناتجا بالأساس عن خلفية دينية محضة ترى في ضرورة الحفاظ على بنية اللغة العربية الموروثة ونظامها، حفاظا على لغة القرآن المقدسة والتي لا ينبغي أن تشوبها أية شائبة.

ورغم النضج الكبير الذي أبان عنه الجرجاني إلا أنه لم يخف استحسانه الكبير للتشبيه القائم على التناسب المنطقي دون الإشارة إلى الأبعاد النفسية له. وتصور الجرجاني بخصوص البلاغة عامة هو تصور منسجم مع تصور الأشعري الذي يرى في مبدأ "الصدق" ثابتا لا يمكن الانزياح عنه، ذلك أنه لا يؤيد قضية الغلو المطلق في المشابهة.

ومهما حاول ابن رشيق القفز على مقولة التناسب العقلي التي وجهت البلاغيين العرب القدامى وتجاوزها إلى العلاقات النفسية التي تجمع بين أطراف التشبيه، إلا أنه لم يستطع ذلك إلا بشكل نسبي، فهو الذي يعرف التشبيه قائلا: «التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشا كله من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم " خد كالورد" إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه، وكذلك قولهم " فلان كالبحر وكالليث" إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما، وكالليث شجاعة وقرما، وليس يريدون ملوحة البحر وزهومته، فوقوع التشبيه إنما هو أبدا على الأعراض لا على الجواهر، لأن الجواهر في الأصل هي كلها واحد، اختلفت أنواعها أو اتفقت»68.

مجمل القول إن جل اللغويين الذين بحثوا في الشعر أو دققوا في أنواع صوره البلاغية إنما كانوا يدافعون عن بعض أنواع الصور البلاغية لتأكيد قربها من مبدأ "الصدق" بتبنيها لمبدأ التناسب العقلي كالتشبيه والاستعارة كما سوف نرى بعد قليل وذلك دفاعا عن النص القرآني. لذا نجد اللغويين يشترطون في التشبيه الوضوح والندرة قصد تقريب المراد من السامع. فسبيل «التشبيه إذا كانت فائدته إنما هي تقريب المشبه من فهم السامع وإيضاحه له- أن تشبه الأدنى بالأعلى إذا أردت مدحه، وتشبه الأعلى بالأدنى إذا أردت ذمه»69.

ب- موقف البلاغيين القدماء من الاستعارة:
إذا كان اللغويون العرب القدامى قد تعاملوا مع التشبيه بنوع من التقديس والتعاطف الشديدين فإن الاستعارة كنوع بلاغي وكوجه آخر للصورة الشعرية قد لقيت نوعا من التحفظ. والسبب يتمثل في كون التشبيه يحافظ على الحدود بين الأطراف المعنية في العملية، وكذا على تميزها وتفردها من خلال إصراره على أداة التشبيه. ونظرا لهذا التمايز المضمون بين طرفي التشبيه كان البلاغيون يستحسنون الغرابة والندرة فيه. في حين أن الاستعارة تمتاز بالعمق والاختلاط بفعل إلغائها للحدود وعدم إبقائها على تمايز وتفرد الأشياء، لهذه الأسباب كان النقاد ينفرون من الاستعارات العميقة التي تتميز بالغموض ويستلطفون الاستعارات القريبة حفاظا على مبدأ الوضوح وخاصية الفواصل70.

ولا بد من الإشارة إلى أن جل النقاد واللغويين العرب القدماء لم يتعاملوا مع الاستعارة بهذا التجاوز النسبي إلا لاعتبار واحد والمتمثل في أن القرآن الكريم يحتوي على مجموعة من الاستعارات لا يمكن الطعن فيها وفي قيمتها، ولعل الهجوم الذي تعرض له أصحاب التجديد، المسرفين في الغموض، من طرف المحافظين لأكبر دليل على هذا التحفظ تجاه الاستعارة 71.

وعموما فإن جل النقاد والبلاغيين العرب القدامى وخصوصا منهم نقاد القرن الرابع الهجري قد اعتبروا الاستعارة نافلة من نوافل الشعر يمكن الاستغناء عنها بعكس التشبيه الذي خصوه بكبير عنايتهم. وحتى إن اقتنعوا بالاستعارة، فإن اقتناعهم كان على مضض واشترطوا فيها تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه قصد الإبانة والنقل لا الادعاء بأن هذا هو ذاك.

وعلى هذا الأساس سينطلق عبد القاهر الجرجاني في تعريفه للاستعارة وكذا الدفاع عنها علما بأن الاستعارة لم يعد لها الاعتبار نسبيا إلا مع عبد القاهر. فهو الذي يعرف الاستعارة تعريفا يتجاوز كونها مجرد نقل للعبارة لكي تصبح في مكان غيرها. يقول: «فقد تبين من غير وجه أن "الاستعارة" إنما هي ادعاء معنى الإسم للشيء، لا نقل الإسم عن الشيء. وإذا أثبت أنها ادعاء معنى الإسم للشيء، علمت أن الذي قالوه من " أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت له في اللغة، ونقل لها عما وضعت له " كلام قد تسامحوا فيه لأنه إذا كانت "الاستعارة" ادعاء معنى الاسم، لم يكن الاسم مزالا عما وضع له، بل مقرا عليه72.

إن الاستعارة عند عبد القاهر لا تقوم على نقل اسم مكان اسم، وإنما تقوم كما تبين على ادعاء معنى اسم لاسم آخر وهذا ما يميزه بنسبة ما عن الذين سبقوه، «وإطلاقهم في "الاستعارة" أنها "نقل للعبارة عما وضعت له" من ذلك، فلا يصح الأخذ به، وذلك أنك إذا كنت لا تطلق اسم "الأسد" على "الرجل" إلا من بعد أن تدخله في جنس الأسود من الجهة التي بينا، لم تكن نقلت الاسم عما وضع له بالحقيقة، لأنك إنما تكون ناقلا، إذا أنت أخرجت معناه الأصلي من أن يكون مقصودك ونفضت به يدك. فأما أن تكون ناقلا له عن معناه، مع إرادة معناه، فمحال/ متناقص»73. صفوة القول إن عبد القاهر الجرجاني وعلى الرغم من كل هذا لم يضف شيئا يذكر لموقف الشراح والنقاد الذين سبقوه أو عاصروه بخصوص "الاستعارة" سوى أنه فضلها على التشبيه وأقحمها في المجاز كما أنه تأمل في عناصرها بما تخلقه من تداعيات في ذهن المتلقي.

ج- موقف النقاد العرب القدماء من المجاز:

وأما المجاز فقد كان موضوع درس المتكلمين الأساس على اعتبار أنهم تحملوا مسؤولية البحث فيه ضدا على كل ما يمكن أن يشوب العقيدة الإسلامية من خلط وسوء فهم، وردا على كل من سولت له نفسه التطاول على الدين الإسلامي وكذا التشكيك في مبدأ التوحيد74. ولعل فترة نمو مصطلح "المجاز" تعود بالأساس إلى النقاش والجدل الذي دار بين ابن عباس والخوارج استنادا إلى النص القرآني وكذا نصيحة أبي طالب له بأن يخاصمهم وأن لا يحاجهم بالقرآن لأنه ذو وجوه. ولقد اقتنع الأشاعرة كل الاقتناع بوجود المجاز في النص القرآني وبضرورة الاستعانة بالتأويل كمفتاح لهذه الآيات على غرار ما قام به المعتزلة.

وعبد القاهر الجرجاني هذا رغم مرجعيته الأشعرية كان يقر بقوة المجاز التأكيدية ويلح على تأثيرها النفسي. فهو يعرف المجاز قائلا: «اعلم أن طريق المجاز والاتساع في الذي ذكرناه قبل، أنك ذكرت الكلمة وأنت لا تريد معناها، ولكن تريد معنى ردف له أو تشبيه فتجوزت بذلك في ذات الكلمة وفي اللفظ نفسه. وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أن في الكلام مجازا على هذا السبيل، وهو أن يكون التجوز في حكم يجري على الكلمة فقط، وتكون الكلمة متروكة على ظاهرها ويكون معناها/ مقصودا في نفسه ومرادا من غير تورية ولا تعريض»75.

ومن الطبيعي أن يستمر المتأخرون في البحث في المجاز على أرضية ما توصل إليه عبد القاهر بخصوصه. فالمجاز عند ابن رشيق في كثير من الكلام «أبلغ من الحقيقة وأحسن موقعا في القلوب والأسماع، وما عدا الحقائق من جميع الألفاظ ثم لم يكن محالا محضا فهو مجاز. إلا أنهم خصوا به- أعني اسم المجاز- بابا بعينه وذلك أن يسمى الشيء باسم ما قر به أو كان منه بسبب»76. وإذا كان صاحب "العمدة" قد أدخل التشبيه في المجاز، فلأن المتشابهين إنما يتشابهان بالمقاربة وعلى المسامحة والاصطلاح لا على الحقيقة. أما الاستعارة فهي أفضل المجاز، وأول أبواب البديع كما يقول ابن رشيق لأنها من محاسن الكلام إذ وقعت موقعها ونزلت موضعها77.

مجمل القول إن الصورة الشعرية قد عرفت تطورا كبيرا في عناصرها منذ القدم، تطورا واكبه نقاش طويل ومرير بين من كان يتعصب للصورة الشعرية وجمال عناصرها خاصة عندما تحجب المعنى ولا تخضع للقياس في ذلك، وبين من يتعصب لفكرة ضرورة وضع الحدود والفواصل بين الأشياء وعوالمها داخل الصورة ومن ثم الاكتفاء بالصورة وعناصرها في مستوياتها الدنيا. إلا أنه في العصر الحديث كما أسلفنا سوف تتغير النظرة للأشياء، للعالم أيضا، وسوف تتغير معه فلسفة الصورة بشكل عام. لذا فإن عناصر الصورة الشعرية ومكوناتها التقليدية والمتعارف عليها في التراث النقدي البلاغي كالتشبيه والاستعارة والإرداف والتمثيل ...إلخ، أصبحت غير كافية لفهم وقراءة القصيدة المعاصرة التي توسلت بمجموعة من الوسائل التصويرية الجديدة كاللامعنى، والرمز، والأسطورة، والنموذج البدئي.

وهو ما انتهى إليه الناقد عبد الرحمان محمد القعود حينما يقول: «وفي سياق هذه التغييرات والتحولات، سواء في الجوانب الاجتماعية والفكرية والثقافية، أو في جانب مفهوم الشعر ووظيفته، وهي هذه التغيرات والتحولات التي اغتذت في جانب كبير منها من نسغ شجرة الحداثة وتفرعاتها، في سياق هذه التغيرات أصاب بنية الشعر العربي، مثل ما أصاب مفهومه ووظيفته، تحولات تطورية واضحة غيرت ملامحه الشكلية أي إن تغيرا وتحولا في التجربة بمفهومها العام، زامنه تحولا في الأداء الشعري وأول هذه التحولات أو التغيرات هو شعر التفعيلية، الذي ظهر قبيل النصف الثاني من القرن العشرين. وكان ظهوره استجابة لحساسية العصر وتجسيدا لتلك التغيرات والتحولات، أو لهذه التجربة وما فيها من شمول وثراء، أو بعابرة أخرى، كان صورة فنية لرؤية جديدة تبلورت في سياق هذه التغيرات والتجارب التي عايشها الشاعر العربي الحديث وتفاعل معها»78.

وإذا كان الشعر انطلاقا من هذا المفهوم الجديد «إبداع والإبداع تجربة والتجربة أنا»79، ما يعني أن من الأنا ما هو أجرومي خاضع لمعيارية التداول اللغوي، وما هو سيري يعمل باستمرار على تفجير كل التمزقات والرضوض المندلقة من تضاريس الذات الساردة/ الأنا الفصامية من أجل تأسيس صوغ حواري مع آخر مغاير من داخل الذات (الأنا) وما هو نفسي بما هي دينامية تتحرك ما بين التداولين السابقين وتظهرهما في انفعالات الأنا كتعويض عما تخفيه من مكونات وغرائز تأجيلها80.

وبهذا يكون في حوزة الشاعر امتلاك الوجود ودوائر حقيقته، فإننا نجد الشعراء في الكثير من الأحيان يتوسلون في ذلك بأساليب تتميز بالعمق والنفاذ التي من شأنها أن ترصد هذه الحقيقة كاللامعنى، وتشتيت الدلالة81، والجذور الرمزية للغة. فالمعنى كما يقول الدكتور محمد السرغيني «يتوسل إلى التواصل بالمتوارث وبالمألوف حفاظا على كينونة كانت رغم استدراج هذا المووروث وذاك المألوف إلى مطاوعة الحدة والتحديد بطلاء تحديثي سطحي. واللامعنى كون قشيب يتجاوز مقاييس العقل، ويزاوج بين معرفة حدسية وبين عرفان هاجسي يخلق على غير مثال سابق. المعنى وليد الإحساس بالمادي بتنميط كينونته. واللامعنى وليد التمرد والحلم اليقظ والقلق الفاعل والإغتراف من المخزون اللامحدد اللامنمط، والمعنى في المبيت المدروس المقنن المحكم، واللامعنى في الصدفة وفي المطلق وفي هتك شغاف الداخل بالخارج، والمعنى مسيج بمصطلحات ذهنية وبإيقاعات مشخصنة، واللامعنى في الغرابة وفي اختراق الحجب. والمعنى في الاتزان، واللامعنى في المغامرة. لذا فإن جمالية المعنى في أن معطاها المعماري المهندم سلفا مقبول سلفا. في حين أن جمالية اللامعنى في أن معطاها المعماري يتهندم لحظة الخلق، فهو قبول سيأتي: جمالية التنسيق للأول، وجمالية القبح بمفهوم (ميرلوبونتي) للثاني»82.

- على سبيل الختم
أما بعد، لقد حاولنا في هذه الدراسة الكشف عن مفاهيم الخيال والتخييل والصور، وكذا عن الفروق والتمايزات الثاوية فيما بينها، والخلاصة الأساسية التي يمكن إيرادها هنا والتي تتبطن خلاصات جزئية ليست بالضرورة نهائية، هي أن التخييل إعمال حقيقي لملكة الخيال، وتجل من تجلياته وأن الصورة فعل يتقوت بالضرورة من هذه الملكة. والملاحظ في هذا السياق، هو أن هذه الظاهرة الخيالية قد ترعرعت في أول الأمر في كنف المبحث الفلسفي قبل أن تنتقل إلى الدرس النقدي البلاغي، وأنها لم تجاوز مستواها الميتافيزيقي القضوي الأرسطي إلا بعد تقويض النموذج البرهاني مع ما بعد الحداثة، فضلا عن أن العربي ظل تابعا ومتأثرا دون أن يرقى إلى مستوى الفعل والمبادرة، ومن ثمة إعادة الاعتبار للتخييل بتحريره من المقولة الأخلاقية "الصدق والكذب" عدا ما حصل مع الفكر الصوفي الذي تم تهميشه وإقصاؤه باطراد متسارع وممنهج.

لقد ظلت الشعرية العربية –بذلك- لفترة طويلة شعرية ارتكاسية ترى في كل نزوع تخييلي شقا لعصا الطاعة في ظل سلطة المنطق والماصدق. فهل استطاعت البويطيقا العربية الانعتاق فعلا، خصوصا بعد الهزات الإمبريقية Empirique التي فجرت جل إمكانات التخييل مع فلسفات ما بعد الحداث الغربية؟

 

شاعر وأستاذ باحث من المغرب

 

هوامش البحث:
1- إحسان عباس: "فن الشعر" دار الشروق-عمان – ط4- 1987- ص: 142.

2- انظر الفارابي: رسالة في قوانين صناعة الشعر للمعلم الثاني –عن فن الشعر لأرسطو طاليس ترجمة عبد الرحمان بدوي -دار الثقافة- بيروت لبنان ص 150-151.

3- أرسطو طاليس: فن الشعر- ص 215.

4- ابن رشد: عن "فن الشعر " لأرسطو. ت. عبد الرحمان بدوي –ص 232.

5- جابر عصفور: "الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب"- دار التنوير للطباعة والنشر- بيروت-لبنان ط.2- 1983 ص: 65.

6- المرجع السابق –ص 53.

7- للمزيد يمكن الرجوع إلى مقال د. ألفت كمال الروبي (نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين) بمجلة فصول م: 6.ع:2 (يناير فبراير، مارس) 1986.

8- انظر أرسطو: "فن الشعر"- مرجع مذكور- ص 26-27.

9- ومما زاد في انحياز الفلاسفة المسلمين إلى قوة العقل أكثر، هو استناد رؤيتهم للشعر على «تعاليم الإسلام، التي تخالف في جوهرها ما تعرف عليه الناس من قبل، الشيء الذي أغنى الفلسفة العربية الإسلامية [..] كما أغنى النقد والإبداع العربيين [..] بل كان للإسلام بالغ، الأثر في فن الشعر من حيث الأسلوب، كالقسم والدعاء والقصص القرآني، وضروب اللفظ، واللغة والصور والأخلية والاقتباس». مسلك ميمون: "التأصيل الإجرائي لمفهوم الشعر عند ابن سلام الجمحي" عالم الفكر-العدد1، المجلد 30- يوليوز- سبتمبر 2001- ص: 130-131.

10- جابر عصفور: مرجع مذكور- ص68.

11- في معرض تمييزه ما بين الخيال والتخييل، نجد أدونيس يربط تجربة الصوفية بالتخييل، يقول " التخييل وهو يعني شيئا أشمل وأعمق من الخيال، فالتخييل هو رؤية الغيب، ومعنى التخييل نجده عند معظم الصوفيين"- مقدمة للشعر العربي، دار الفكر-بيروت، ط5، 1986- ص:132.

12- جلال الدين الرومي: عن العربي الذهبي "شعريات المتخيل-اقتراب ظاهراتي" شركة النشر والتوزيع-المدارس ط1-2000-ص : 56.

13- علي البطل: " الصورة في الشعر العربي" –دار الأندلس ط-: 3- بيروت-1983 ص: 20.

14- نفسه – ص:20.

15- يوسف سامي اليوسف: "النقد العربي، آفاقه وممكناته"- مجلة الوحدة- السنة الخامسة-العدد: 49 (أكتوبر 1988).

16- جابر عصفور: مرجع مذكور: ص 48.

17- انظر عبد الرحمن محمد القعود: "الإبهام في شعر الحداثة" –العوامل والمظاهر وآليات التأويل) سلسلة عالم المعرفة- مطابع السياسة الكويت- مارس 200- ص: 39-40.

18- جابر عصفور: مرجع مذكور ص: 49.

19- عبد القاهر الجرجاني: "دلائل الإعجاز" مكتبة الخانجي- ط 2- 1982 ص: 180.

20- نفسه ص: 37.

21- انظر جابر عصفور: مرجع مذكور- ص: 75.

22- العربي الذهبي: "شعريات المتخيل" مرجع مذكور- ص: 42.

23- نفسه ص: 40.

24- عبد الرحمان بدوي: عن عباس أرحيلة "حازم القرطاجني ومسألة التأثير الأرسطي" عالم الفكر- العدد 2-م: 32- أكتوبر- دسمبر 2003- ص: 204.

25- نفسه –ص: 204.

26- انظر العربي الذهبي: مرجع مذكور - ص:50.

27- حازم القر طاجني: "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" تحقيق- محمد الحبيب ابن الخوجة دار الغرب الإسلامي- بيروت 1986 ط 3 ص: 83.

28- حازم الرطاجني: عن جابر عصفور "الصورة الفنية" مرجع سابق- ص 80-81.

29- حازم القرطاجني: "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"- مرجع سابق- ص: 98.

30- انظر محمد بنيس: "الشعر العربي الحديث (الرومانسية العربية)" دار توبقال للنشر ط1-1990 ص:19 ثم كتاب إيليا الحاوي"الرومانسية في الشعر الغربي والعربي". من ص:27 إلى ص: 42.

31- كولردج، عن ساسين سيمون عساف: "الصورة الشعرية ونماذجها في شعر أبي نواس" –المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- ص:47.

32- نفسه – ص: 47.

33- كولردج: "سيرة أدبية" –ترجمة د. عبد الحكيم حسان-دار المعارف مصر 1971-ص: 240.

34- يقسم كولردج الخيال إلى أولي وثانوي. الأول يكرر ما تضيفه عملية الخلق، في حين أن الثاني يتميز بالخلق ويعمل على أمثلة الواقع، انظر بهذا الصدد كتاب محمد غنيمي هلال "النقد الأدبي الحـديث"- دار النهضة مصر- فجالة. القاهرة-ص 412-413-414.

35- وفي الشعر العربي الحديث تغير الإستعمال المجازي إذ لا يكون المجاز "تجاوز للحقيقة، وإنما يكون هو الطريقة للوقوف على صورة الفكر والشعور اللذين يراد التعبير عنهما"- محمد غنيمي هلال: "النقد الأدبي الحديث- ص 458، وبذلك تطورت الصورة الشعرية، فكان أن ابتعدنا" في الشعر والنقد معا عن الموروث من تقاليد عمود الشعر، وأصبحت الصورة- في شعرنا الحديث- وفي نقدنا معا- عضوية في ظل تجربة عضوية صادقة، وأصبحت تعبيرية إيحائية لا تقف عند حد الحس، ولا تسلك مسلك الوصف المباشر، أو البرهنة العقلية"- المرجع نفسه ص: 459.

36- جبران خليل جبران: "دمعة وابتسامة" المجموعة الكاملة ص: 347.

37- عدا ما جاء في المنهاج كما أسلفنا، وذلك حين إقراره بالأثر الذي يخلقه الخيال في نفسية المتلقي.

38- أبو القاسم الشابي: "الخيال الشعري عند العرب" –الأعمال الكاملة م.س: 1 ج 1ص: 121.

39- عبد القادر القط: "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر"-دار النهضة العربية للطباعة والنشر ط2-1401هـ/1981م. ص: 391.

40- انظر عبد الله راجح: "القصيدة المغربية المعاصرة- بنية الشهادة والاستشهاد". ج1 منشورات عيون دار قرطبة. إذ يعتبر الصورة الشعرية "تركيبية فنية يلعب الخيال فيها دورا أساسيا، ومهمتها نقل التجربة المراد التعبير عنها، وهي لا تستلزم وجود موضوعها مما يؤكد أنها حادثة ذهنية قبل أن تكون استرجاعا لمشهد معين" ص: 236.

41- أدونيس: زمن الشعر-دار الآداب بيروت لبنان ط3 ص: 154.

42- انظر أحمد الطريسي أعراب: "الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب" الدار العالمية للطباعة والنشر- بيروت- لبنان ص: 51.

43- سمير علي سمير الدليمي: "الصورة في التشكيل الشعري" دار الشؤون الثقافية العامة- آفاق عربية ط1-1990- ص: 86-87.

44- نفسه ص: 27.

45- عز الدين اسماعيل: "الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية-دار العودة بيروت ط5-1988 ص: 127.

46- أدونيس: "زمن الشعر" مرجع سابق- ص: 154.

47- أودنيس: "الشعرية العربية" دار الآداب بيروت ط1 1971 ص: 77.

48- يقول جان بورغوس هنا: "إن الصورة تفتن، لأنها تسمح بالرؤية والحياة حين لا نتوقعها، بهذه الفتنة يلعب النص مهما كانت منابعها، ومهما كانت غاياتها بل ولربما تحدد هذه اللعبة الوظيفة الشعرية خارج مسالك الأدب المطروقة" عن محمد بنيس "الشعر العربي الحديث-ج2 " مرجع سابق ص: 147.

49- H.R jauss : pour une esthétique de la réception ed-Gallimard p :49.

50- جابر عصفور: " الصورة الفنية: مرجع سابق ص:383

51- Roland barthes: plaisir du texte-ed du seuil-1973 p19.

52- كمال أبوديب: "جدلية الخفاء والتجلي-دراسة بنيوية في الشعر" دار العلم للملايين- ط2-1981 ص:47.

53- محمد غنيمي هلال: "النقد الأدبي الحديث" مرجع سابق- ص: 371.

54- أقصد هنا الكلاسيكية، انظر بهذا الصدد أحمد الطريسي أعراب "الرؤية والفن" مرجع سابق- ص:46 .

55- محمد عزام: "بنية الشعر الجديد" مطبعة النجاح الجديدة- دار الرشاد- الدار البيضاء- ص:51.

56- انظر أدونيس: "الشعرية العربية" مرجع سابق ص:70.

57- وأقصد المعنى الجديد الذي أصبح عليه مفهوم الخيال الشعري، وهو معنى يغاير ويتجاوز ما كانت تروج له الشعرية العربية التقليدية بخصوص الخيال وأشكال تمظهره. فإذا استثنينا وجهات نظر كل من عبد القاهر الجرجاني، وأبي محمد القاسم السجلماسي وحازم القرطاجني التي تميزت بالفرادة والوجاهة خصوصا في مناخ كان فيه لمقولة "الصدق والكذب" دور مهم في توجيه النقاشات الكبرى، فإن جل نقادنا وبلاغيينا كانوا ينظرون إلى الخيال باعتباره يثبت الكذب ولا ينفيه، يقول عبد الله راجع "خارج هذا الفهم- ويقصد النقاد الثلاثة- لمسألة التخييل لا نكاد نعثر لدى نقادنا القدماء على رأي أكثر وجاهة في الموضوع، فقد اختلطت قضية التخييل عند أغلبهم بمسألة "الصدق والكذب" من جهة، وبمفهوم العلوم من جهة ثانية، وانصبت أكثر اجتهاداتهم وجاهة عل تضييق مجال التخييل وحصره فيما يسمى بالاستعارة والكناية والتشبيه، ويبدو أن مفهوم الصورة الشعرية باعتبارها ثمرة من ثمار خيال خلاق لم يطرح نفسه إلا بعد أقوال الكلاسيكية التي آمنت بسلطان العقل. ومعنى ذلك أن المفهوم الحديث للخيال الشعري لم يوجد صدفة، وإنما هو وليد فلسفة مغايرة وتصور جديد للعالم والإنسان" القصيدة المغربية المعاصرة مرجع سابق ص: 231-232.

58- خالد محمد الزواري: "الصورة الفنية عند النابغة الذيباني"- مكتبة لبنان- الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان- ص: 98.

59- أنطون كرم غطاس- عن خليل أبوجهجه: " الحداثة الشعرية العربية بين الإبداع والتنظير والنقد" –دار الفكر اللبنانية- بيروت- ط1 -1995- ص: 232.

60- انظر فولفغانغ إيزر: "فعل القراءة" ترجمة حميد الحميداني والجيلالي الكدية- منشورات مكتبة المناهل ص: 102 وما فوق.

61- أنطون كرم غطاس- عن خليل أبوجهجه: "الحداثة الشعرية العربية" مرجع سابق- ص: 238.

62- أحمد الطريسي أعراب: "الرؤوية والفن" مرجع سابق ص:44.

63- انظر أرسطو: "فن الشعر" ترجمة عبد الرحمان بدوي- مرجع سابق- ص: 150.

64- انظر أحمد الطريسي أعراب، المرجع السابق- ص: 44.

65- جابر عصفور: "الصورة الفنية" مرجع سابق ص 171.

66- بكري شيخ أمين: "البلاغة العربية في ثوبها الجديد" دار العلم للملايين- بيروت - ط 1- 1982 - ص: 41.

67- انظر شوقي ضيف: "البلاغة تطور وتاريخ" دار المعارف- مصر - ط 2 بلا تاريخ- ص: 86.

68- ابن رشيق: "العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده" تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد- دار الجيل بيروت- لبنان ص: 286.

69- نفسه-ص : 290.

70- فها هو ابن الأثير يقول في الاستعارة "ألا يظهر المستعار له، وإذا ظهر ذهب ما على الكلام من الحسن والرونق" المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة - ط 2- 1983 ج 2 منشورات الرفاعي -الرياض ص: 75، وهو يقصد بذلك الاستعارة التصريحية بما يعني أن رونق الشعر عنده يرتبط بشكل كبير بالوضوح في الاستعارة.

71- انظر شوقي ضيف: "البلاغة تطور وتاريخ" مرجع مذكور ص: 70.

72- عبد القاهر الجرجاني: "دلائل الإعجاز" مكتبة الخـانجي -ط 2- 1982- ص 437.

73- نفسه ص: 435.

74- لقد ظهرت الإرهاصات الأولى للدراسات المتعلقة بأسلوب القرآن وبإعجازه البياني في أواخر القرن الثاني الهجري وقد كان من أثرها الإيجابي ظهور مجموعة من المفاهيم البلاغية والنقدية من مثيل المجاز، وبعد أن مهد اللغويون السبيل أمام كل المشتغلين والمنشغلين بالبحث في الدراسات المتعلقة بأسلوب القرآن قصد إظهار مدى إعجاز بيانه، فإن المعتزلة كما يقول أحمد أمين كانت "أهم فرقة يدين لها علم الكلام مما أثارت من مسائر وبسطت من شرع ووضعت من أصول" ضحى الإسلام ط11-1975- مكتبة النهضة المصرية ص: 21.

75- الجرجاني: "دلائل الإعجاز" مرجع سابق- ص: 293.

76- ابن رشيق: "العمدة" مرجع سابق- ص: 266.

77- نفسه ص: 268.

78- عبد الرحمان محمد القعود: "الإبهام في شعر الحداثة" مرجع سابق- ص: 143.

79- محمد السرغيني: "التجربة والشعر" مجلة الوحدة- ع 82/83- يوليوز أغسطس 1991- ص: 127.

80- نفسه- ص: 127.

81- انظر عبد الرحمان محمد القعود: "الإبهام في شعر الحداثة" مرجع سابق- ص: 221.

82- محمد السرغيني: مقال سبق ذكره- ص: 138.