ليست هذه هي المرة الأولى التي تقول لي فيها عائشة زوجتي قبل ذهابي إلى مسجد باريس للصلاة: احمل حذاءك تحت إبطك، وعندما تصلي ضعه أمامك، هكذا لن يسرقه أحد منك. لكني أصلي لله وليس للحذاء، قلتُ. ولماذا لا تصلي مثلي وترتاح؟ قالت. لم تكن تعلم أنني أصلي لأنها لا تصلي، أصلي عنها بشكل من الأشكال. لا أريد ألا أصلي مثلك. إذن كما قلت لك، احمل حذاءك تحت إبطك، وعندما تصلي ضعه أمامك، والله غفور رحيم إلا إذا كنتَ تريد أن تشتري حذاء كل يومين. أتظنينني مغرمًا بالأحذية إلى هذه الدرجة؟ أعرف أنك تحب الله أكثر من حذائك، وأنت لا إمكانيات لديك. أحب الله أكثر من حذائي هذا صحيح، أكثر من كل شيء أحب الله، وأنا لا إمكانيات لدي هذا صحيح أيضًا. إذن كما قلت لك، احمل حذاءك تحت إبطك، وعندما تصلي ضعه أمامك. حملتُ حذائي تحت إبطي، وعندما صليت وضعته أمامي، وعلى الرغم من ذلك، وأنا أقوم وأقعد وقوفًا جلوسًا ركوعًا سجودًا، تمت سرقة الحذاء.
ذهبت أبحث في خبايا مسجد باريس عن الحذاء، وترددت، وأنا أقف عند باب مكتب الإمام. كنت لا أثق بهذا الشيخ، وللحق أقول أنا لا أثق بكل الشيوخ، فعلاقتي بالله ليست كعلاقة هؤلاء الحافظين للقرآن عن ظهر قلب بخالق الكون. كان الله لي صديقًا أقرب من كونه إلهًا، لهذا كنت أومن به، ولا أومن بالوحي والآخرة، لا أومن بملائكته الذين هم في السماء، وبملائكته الذين هم على الأرض، الشيوخ بلغتنا، فالدين لهم وظيفة ككل وظيفة يقتات المرء منها، وهم لهذا كلما أمّوا بنا يؤمّون لأن هذا ما توجبه الوظيفة. والدنيا والآخرة، والجنة وجهنم، والمؤمنون والكافرون، والثواب والعقاب، والحلال والحرام، إلى آخر خطاب الوظيفة، كل هذا أنا لا أومن به. إذن اجعل من أي شخص صديقًا يكون لك الله، كانت تناكدني زوجتي عائشة. لا تجدفي رجاء، كنت أرد عليها. وأنا، تتردد عائشة، وهي تلمس بشفتيها شفتيّ، من أكون لك، سيدنا جبريل؟ أنتِ، أتردد، وأنا ألتهم شفتيها، وأكاد أقتلعهما بأسناني، أنت عائشة أم المؤمنين وأم الكافرين. تقهقه عائشة، وهي تفلت من بين ذراعيّ، فأسارع إلى إمساكها دون أن أتمكن من ذلك. تريد أن تقوم بفعل العشق مع أمك؟ عائشة، لا تجرحي مشاعري رجاء. وألقي القبض عليها، وهي تقهقه، وتمانع، لكني بظمأ رباني أرفعها فوقي، كما أرفع وجهي إلى الله حين دعائي، فأشعر باللذة لذتين، لذة الجنس، ولذة الدين.
فتحتُ الباب على الإمام دون أن أطرقه، فوجدته يعد الأحذية المسروقة المتراكمة على مكتبه. راح يتأتئ لما رآني أشير إلى حذائي، ووجد في الأخير ما يبرر فعلته: استعدناها من أبناء السوء الكفرة الضالين. لم أجادله، لم أقل له ليس هذا من أصول الوظيفة. وضعت حذائي، وخرجت. عزمت على ألا أعود إلى الصلاة في مسجد باريس ثانية، وأنا، لهذا، قلت لنفسي كأس شاي بالنعنع في كافيتيريا المسجد سيكون شيئًا استثنائيًا بما أنني لن أعود إلى هذا المكان إلى الأبد. سأصلي على الرصيف ككل السنغاليين والسعادين الذين لا يعرفون كيف يقرأون الفاتحة، ولن أصلي في هذا المسجد ما بقيت حيًا. أخذت مكانًا على دوشك كان يجلس عليه ثلاثة ملتحين، فقط كي أمد قدميّ أمامي، وأتأمل حذائي بحب وشوق كما أتأمل زوجتي عائشة. قدماي تحت الطاولة هناك قرب الطاولة التي تحتلها محجبتان لن تزوداني بكل هذه اللذة الرواقية. وأنا أحتسي شايي بالنعنع، لاحظت أن كل من يدخل حجرة تدخين النارجيلة من مؤمن أو مؤمنة لا يخرج منها. من الضروري أن يكون هناك باب آخر للخروج، قلت لنفسي، وأنا أبتسم لصديقي الذي يوحي لي بكل الأفكار الخيّرة. شكرته في سري، ونهضت بعد أن أفرغت ما في كأسي من آخر قطرات الشاي بالنعنع في حلقي. لماذا لا تأخذ لك نارجيلة بالتنباك المعسل آخر كيف؟ همهم النادل الملائكي الطلعة في أذني. آخر كيف؟ همهمت. آخر كيف، أعاد النادل، وهو يبتسم. قلت لنفسي والله لِمَ لا بما أنها المرة الأخيرة التي أضع فيها قدمي في هذا المسجد. آخر كيف على كيفك، همهم النادل، وابتسامته تتسع. لِمّ لا، عدت أهمهم. مد النادل لي ذراعيه مرحبًا، وجعلني أتقدم أمامه. فتح باب حجرة التدخين، وأدخلني، ثم أغلق الباب من ورائي، لأجد نفسي في عالم من الدخان معلق بين الأرض والسماء، لا يمت إلى الواقع بصلة، وهنا وهناك من يدخن أو من تدخن، ومن يستلقي أو من تستلقي. وفي الحال، جاءني أحدهم بنارجيلة تكاد تصل السقف لطولها، فتراميت على سجادة كما يترامى غيري، وأنا كلي سعادة روحية، ورحت أسحب الدخان من النارجيلة، وأنفثه. في البداية، سعلت، وبعد ذلك، لم أعرف إذا كانت هناك نهاية.
عندما استيقظت، وجدت نفسي عاريًا في مكان مغلق لا نافذة فيه. أخذت أطرق الباب بيديّ الاثنتين، وأصرخ افتحوا لي، ولا أحد يفتح لي. استجرت بصديقي، فأطل عليّ وجه عائشة الجميل دميمًا. كانت غاضبة، وعائشة عندما تغضب تغدو دميمة. لم أكن حذرًا، لهذا كان الوضع الرديء الذي أنا فيه، لهذا لم يكن الله راضيًا عني، لأني لم أكن حذرًا، حتى في المسجد كان من واجبي أن أكون حذرًا، سرقوا لي في المسجد حذائي، لأني لم أكن حذرًا، والآن روحي. ليس روحك، خِلْتُ عائشة تهمس، وهي عارية فوقي، وإنما جسدك. كانت عائشة الجميلة دميمة، لأنها كانت غاضبة، وكان غضبها من غضب الله، هي التي لا تؤمن بالله. عدت أطرق الباب بيديّ الاثنتين، وأصرخ افتحوا لي، ففتحوا: يا ابن القحبة! وراحوا بي لكمًا وركلاً. كانوا ثلاثة لا وجوه لهم كالشياطين كما أراهم في نومي، فالشياطين في نومي لا وجوه لهم. لم أكن أميز إذا كانوا عربًا أم عجمًا. لم تكن لهم وجوه، كالشياطين في نومي لم تكن لهم وجوه، لكنهم كانوا قساة القلوب، كسائر البشر. كانوا أقوياء، كانوا بشرًا. أغلقوا عليّ الباب، وذهبوا. وهكذا كانت حياتي خلال مدة لم أعد أقدر على معرفة كم، لكمي وركلي كلما طرقت الباب، وصرخت، ثم إغلاق الباب عليّ، إلى أن تمت لهم سرقة روحي وعقلي وقلبي وكلي وكياني.
* * *
أشرفت على دخول عشرات السيارات الفخمة في فناء أحد قصور السان-جيرمان-أُن- ليه، مدينة المال والجاه في ضاحية باريس الغربية، تم ذلك في بداية المساء ككل مساء، على الساعة التاسعة. وبعد ذلك، أغلق رجالي بوابة السور العالي المحيط بهذا البناء القديم من العهد الملكي. في الداخل، كان كل أثرياء ومتنفذي باريس، وهم يتوزعون بين طاولات اللعب أو بين أذرع الحسناوات اللاتي كانت عائشة زوجتي من بينهن: عندما لم أعد إلى البيت، جاءت تبحث عني في المسجد، فعرجت على الكافيتيريا. أنا عائشة، زوجتك، حبيبتك، همست عائشة في أذني أول ما التقتني في القصر. قمت بدورة بين اللاعبين، ووقفت إلى جانب عائشة، وهي تحمل كأس ويسكي، وترشف منه، بينما الرجل البدين الذي ترافقه، ينظر إلى أوراقه، وهو يجمجم: خراء! خراء الخراء! التفتت عائشة إليّ، وألقت عليّ نظرة مليئة بالعذاب والعتاب. كلمني أحدهم في أذني، وقال: هناك منحصر بين الزبائن، فذهبت أعدو. كان الزبون الماسيّ يريد من إحدى بناتنا أن ترضعه في الصالون أمام الحاضرين، فهمستُ في أذنه: خذها إلى إحدى الحجرات، يا سيدي، وأنا أدفع مسدسي في خاصرته دون أن أخرجه من جيب سترتي. نهض بعصبية دون أن يفوه بكلمة، وغادر القصر. سيعود غدًا، قلت للآنسة. هذا لأنني أمه، ألقت بنت الهوى دون أن يزول غضبها. نعم، هذا لأنك أمه. أنا أم لهم جميعًا هؤلاء الأوباش. آآآ... لست متفقًا معك! تواري في الحال!
انطلقت الموسيقى، وخفت الأضواء في الصالون. أخذت بناتنا يرقصن بين الزبائن، وهن يكشفن عن مفاتنهن، ويعانقن هذا أو ذاك. انطلقت الموسيقى الإلكترونية، فترك بعض الأثرياء اللعب، وجاءوا ليدخلوا دغل اللذة البيضاء، فالحمراء لم تبدأ بعد. كانت اللذة البيضاء هي الشمبانيا التي سالت حتى كادت تغرق الجميع. نظرت إلى حيث كانت عائشة زوجتي، فوجدتها دومًا في مكانها. أشعلَتْ للرجل الذي ترافقه سيجارة ولها أخرى، ونفختها، وهي ترسل نحوي نظرتها المليئة بالعتاب والعذاب. في التواليت، وجدتها من ورائي. كانت تبكي، كانت لا تبتهل، كانت تبكي، كانت فقط تبكي. عندما انتهيت من التبول، زررت بنطالي، وخرجت.
عادت إلى قاعة اللعب، وهي تمسح دمعها، فلم يرق ذلك للرجل الذي ترافقه. راح يجمجم: خراء! خراء! خراء! عجلَتْ إلى إشعال سيجارة له، وهي تنظر إليّ مرتبكة لا تدري ما تفعل. فجأة، توقف الرجل عن اللعب، ونهض. شد عائشة زوجتي من يدها، وجرها صاعدًا الدرج بها إلى حجرة في الطابق الأول. طاردتني عائشة زوجتي بعينيها الزائغتين، فأعطيتها ظهري، وذهبت أراقب بناتنا بعد أن رقصن، وهن يجلسن على ركب الزبائن، وهن يشربن، وهن يقهقهن، وهن يهمسن، وهن يغنجن، وهن يخضن المعارك الحامية، وهن يهرقن الدماء والدموع، وهن يحرقن القمر والنجوم. بعد ذلك، ذهبت كل منهن إلى حجرة مع زبون. بعد تأليه الزبائن لأنفسهم في معابد الجسد، هناك من كان يذهب، وهناك من كان يعود إلى قاعة اللعب أو الصالون. كانت الحركة لا تهدأ، طوال الليل لا تهدأ، حتى أول النهار، وهكذا كانت حياتنا كل مساء...
* * *
في أحد الأيام، تمكنت عائشة زوجتي واثنتان من بناتنا من النزول من نوافذ الطابق الأول، والاختباء في صندوق إحدى سيارات المرسيدس. كان قدرهن غير الطوعي أن تكون سيارة الجنرال سواسون، البطل العائد من أفغانستان. أدخل سيارته في كراج الفيلا التي يسكنها وحيدًا، بعد أن طلقته زوجه لمشاركته في حرب لا فائدة منها وهَجَرَهُ أبناؤه، وأراد الصعود إلى الطابق الفوقي، فوصلته طرقات على باب صندوق السيارة تأتي من داخله. تناول إحدى البنادق المعلقة، وتقدم من صندوق السيارة، وهو يشهر سلاحه في صدر المجهول، وبسرعة فتحه، ليجد نفسه أمام الفتيات الثلاث، وهن ينحنين على بعضهن كما لو كن في بطن امرأة حبلى. ابتسم للمنظر، وترك الملعونات الثلاث يخرجن، وبأمر من سلاحه جعلهن يقفن في زاوية. أردن أن يشرحن له، لكنه أطلق النار بين أقدامهن، فخررن على الأرض، ورحن يرتعدن من الخوف، ويذرفن الدموع الحارة. سقطت صورة مؤطرة لسواسون في ثياب الجنرال كانت ملقاة إلى جانب، وتحطم زجاجها، لكنه لم يكن ليهتم إلا بتلك المخلوقات الرخصة الوجنات التي كانت ترتعد من الخوف، وتذرف الدموع الحارة. كان ذلك ما يسحره، الدموع الحارة على الوجنات الرخصة، كان ذلك ما يوتره، ويثير غُلْمَتَه، أكثر من كل الحروب، كل الحروب التي كان يدعوها "زوجاتي". رمى لعائشة زوجتي بعض الحبال المعلقة، وأمرها بعقد يدي البنتين الأخريين من وراء ظهرهما. وما أن انتهت، عقد يديها من وراء ظهرها، ودفع الهاربات الثلاث بعقب البندقية، ثم ضربهن بها، وهو ينقط متعة. أخذن يتوسلن، وهن لا يتوقفن عن البكاء. أيضًا، أيضًا، كان يصرخ كالمهستر. أيضًا، أيضًا، كان يقهقه كجبال أفغانستان. جعلهن يسقطن على قدميه، ففتح سرواله، أيضًا، أيضًا، كان عالم الحرب والدمار ينتصب كله ليس بعيدًا عن الثغور المتوسلة.
قرع جرس هاتفي المحمول، فكلمني رئيسي الذي لا أعرفه. أعطاني عنوان الجنرال، وذهبت مع معاونيّ لنعيد الهاربات الثلاث. ونحن نعود بهن على طريق الذئاب، أوقفنا السيارة، واغتصبناهن عقابًا وانتقامًا. كانت عائشة زوجتي تصرخ بي، وهي تتمزق بين مخالب معاوني، كي أرأف بها، كي أحميها.
* * *
على الساعة التاسعة مثل كل مساء، استقبلتُ السيارات الفخمة، إذ كنا نُقفل البوابة بعد ذلك، ولا نفتحها لأحد حتى ولو كان رئيس الجمهورية. كنت أسمع، وأنا أقوم بمراقبة كل شيء، ضحكات عائشة زوجتي. كانت تجلس بين زبونين، وكانت تداعب هذا، وتداعب ذاك، وكانت تضحك. كانت تضحك بصوت عال كالحطام التي لفظها البحر كي أسمعها، ويسمعها العالم أجمع. عندما مضيت بها، ضحكت، وهي تلتهمني بنظراتها، وظلت تضحك. أشربَتْ صاحبيها الشمبانيا من شفتيها لتثير في قلبي ريح الغيرة، وكانت تضحك. الغيرة، فالندم، فالعدم. كانت تجمجم كلمات ليست مفهومة لترفد حائط الشك لديها. الشك، فالارتياب، فالحقد. نهضَتْ أول ما انطلقت الموسيقى، وراحت ترقص مع هذا، وترقص مع ذاك. كانت تبحث عني بعينيها، وعندما تجيء عيناها في عينيّ، كانت تميل، وتغنج، وكانت تضحك. كانت تضحك مني، هذه المرة، لتتقمص شخصية الأخرى التي صارتها، لتهب كما تهب الرياح. انطلقت الموسيقى الإلكترونية، فراحت تنط كغيرها، تنط، وتنط، وكانت تضحك. جذبتني للرقص معها، لكني بقيت كالطود جامدًا، فلم تفلح في جعل وجعها مبتذلاً. راحت تمزج بين الهيب هوب والرقص الشرقي لتغريني بفتنة الوجع دون فائدة، فأثارت إعجاب الحاضرين بفتنة الجسد. لكن ما حصل في اللحظة التي توقفت فيها الموسيقى كان مروعًا، عندما كسرت عائشة زوجتي كأس الشمبانيا، وبقطعة منها قطعت عرق رسغها، وكأنها تريد أن تقطع كل علاقة معي. تجسدت في فعلها كل شدائد القدر، والقدر هو الوضع غير الوضع الذي كنا فيه، فهرعتُ على صرخات الحاضرين لأرفعها بين ذراعيّ، لكن صرخات أخرى تفجرت من الزاوية المقابلة في الصالون. كانت بنتان من بناتنا، البنتان اللتان هربتا مع عائشة زوجتي، قد اقترفتا الجرم نفسه بنفسيهما، فانتهت كل الروابط في التضامن. بدا العالم لا أهمية له، الوجود، رحت أصرخ بمأموريّ ليطلبوا سيارة إسعاف، كانت البنات الثلاث على وشك الموت، وكان همي الوحيد إنقاذهن لئلا أدفع ثمن اللا اكتراث.
في المستشفى، تركت أحد مأموريّ عند باب الحجرة التي يحتللنها. سأقتلك لو تغمض عينيك، قلت له. لن أغمض عينيّ، قال لي. نظرت في عينيه، كانتا خضراء اللون. هل تحب السفرجل؟ سألته. أحب كل ما ليس أخضر، أجاب. تلك البنات الثلاث اللواتي حاولن الانتحار عيونهن عسلية اللون، فحذار، همهمتُ قبل أن أغادر المكان، وأنا أعزم على تبديله. في اليوم التالي، لم نقع على أي أثر لهن.
ذهبت عائشة زوجتي والمتضامنتان معها إلى الشارع الذي كن يعتقدن بالأمان فيه أكثر من كل شوارع باريس: بيغال. أبدت عاهرة تونسية لهن اهتمامًا وانتباهًا، وقادتهن إلى فندقها. تركتهن ينمن في فراشها، لكنها، وهي لم تزل في الفندق، نقلت هاتفها المحمول بأصابعها، وتكلمت مع مسئولي، الذي كما ذكرت لا أعرفه، وتكلم مسئولي بدوره معي. وبأسرع من البرق، حضرت ومعاوناي. حطمنا على الهاربات الثلاث الباب بأقدامنا، ورمينا بأجسادنا عليهن، واغتصبناهن عقابًا وانتقامًا.
* * *
سَلْسَلْتُ زوجتي عائشة وشريكتيها، ورميتهن في الطابق التحت الأرضي للقصر. تركتهن لقمة سائغة لذئابي، يدخلون عليهن متى يشاءون، يعذبونهن، يغتصبونهن، يبيدونهن، ويعيدون خلقهن، ويخرجون من عندهن متى يشاءون. أيتها القذرة! كانوا يبصقون في وجه كل واحدة منهن، أيتها القحبة! كانوا يتسلون، فكم كان عالم القصر مسئمًا: كان يجري فيه الشيء نفسه كل مساء ابتداء من الساعة التاسعة: السيارات الفخمة، أصحاب الجاه والمال، القمار، الرقص، الجنس، التأله، الهزل، المجون، العبث، العبث الأحمق الذي هو عبثنا. أيتها القحبة! كنت أسمعهم يصرخون. عائشة زوجتي. كنت أستبيح حُرمتي. بسبب المطر كنت أستبيح حرمتي. كانت السماء تمطر بغزارة، وكنت أرغب في الرقص تحت المطر، لهذا تركتها لقمة سائغة للذئاب. كنت أرغب في غسل جسدي، غسل جسدي بالمطر، غسلي كلي، غسل كياني، لهذا كنت أنا الآخر ذئبًا. كنت أرغب في غسل روحي بالأحرى، غسل روحي بالمطر. لهذا كنت أنا الآخر قذرًا، كخنزير كنت قذرًا.
في أحد المساءات، حضر الجنرال سواسون، وطلب مني إحضار البنات الثلاث إلى سريره. حررتهن من السلاسل، وأمرتهن بالاغتسال. زوقتهن بشتى الألوان، ورشقتهن بالعطر وبالموت. كم كان مدوخًا العطر بين أثدائهن! كم كان مذهلاً الموت على أيديهن! مزق الجنرال سواسون حرائرهن عن ظهورهن، وراح بهن جلدًا، وأنا أسمع أوجاعهن من وراء الباب دون أن أفعل شيئًا. كانت صرخات الرعب والهلع الشيء الوحيد الذي يقدرن عليه، ليس من أجل أن يأتي أحد لعونهن، ليس من أجل أن يبكي عليهن الحجر، ليس من أجل أن تنطفئ النجوم، كانت صرخاتهن من أجل أن يقلن للعالم إنهن موجودات، بالرعب وبالهلع، بالألم وبالوجع، إنهن موجودات، كالحشرات، هذا لا يهم أن يكن موجودات كالحشرات.
وبدافع من لا يسمعه أحد، خلصن الجنرال سواسون السوط، وراحت كل واحدة منهن تنصف نفسها بنفسها. كن يسطنه، وهن يصرخن من اللذة. كان الهلع والرعب يتفجر من أعينهن، وهن يصرخن من اللذة. كان الهلع والرعب يرفعان أيديهن بالسوط، ويهويان به، وهن يصرخن من اللذة. رأينه يتقوض تحت ضرباتهن، ورأين أنفسهن كحشرات يحلقن بأجنحة عدم الأمن، فالأمن وهم. لم يكن موتهن شأنهن، كان موته. كان موته مجدهن. كان موته عودتهن إلى ما كن عليه من قبل، قبل أن يصرن عاهرات أو ملاكات، فالأمر في آخر المطاف سيان، وكل شيء يتوقف على الموقع الذي يكن فيه. أيتها القحبة! وكانت الأصداء: أيتها القحبة! أيتها القحبة! كان موته قوتهن الروحية، حريتهن الروحية، وجودهن الروحي. الفعل المنكر لديهن لم يكن منكرًا، كان من أجل إثبات عدم العدم، من أجل بذر عدم الرعب وعدم الهلع، لئلا يمارسن الشيء نفسه، لئلا يكنَّ أشياء، أشياء فقط، فقط أشياء، على سجادة الصلاة أو في الفراش.
فتحتُ الباب على الجنرال سواسن، فرأيته يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت أقدام اللبؤات الثلاث. كان بإمكاني أن أنقذه، لكنني لم أنقذه، بسبب عطرهن لم أنقذه، وبسبب جمال القاتلات، جمال مجرم يفتك بالحجر وبالبشر. كن قد عدن إلى ما كن عليه من قبل، كن قد عدن إلى البتولات اللواتي كن، مع فرق بسيط لا أهمية له، بتولات اليوم هن مومسات الأمس.
ألقى رجال الشرطة القبض عليهن، وحُكم عليهن بالسجن مدى الحياة. الوضع غير الوضع، التعذيب، الاغتصاب، غدا العالم مسئمًا دون هذا، غدا العمل محبطًا. أمضيت أيامي، وأنا أتنقل بين الإحباط والسأم، ورأفة بوضعي، جعلني رئيسي الذي لا أعرفه على رأس ماخور آخر للمثليين، فلم أصمد طويلاً. اقترح عليّ السيد الخفي وظيفة إمام، فوافقت في الحال. عملت بحماس وحمية، وقمت بكل ما توجبه وظيفتي هذه على أكمل وجه، بما في ذلك سرقة أحذية المصلين.