يفتح لنا الشاعر الفلسطيني كوة على الأمل بعدما تحلل في القصيدة وحل فيها، ومعها يعيد الشاعر فتح جسور ودهاليز الشعر الرحبة، إذ تكشف القصائد عن وشائج "شخصنة" قصيدة مع دلالات صدى قصيدة تعيدها الحياة الى التحقق من بوابة الروح.

قصائد تزهر في الظهيرة

نمر سعدي

شكراً للأمل 

 شكراً  لموسيقا حواسكِ في المساءِ الفوضويِّ

لنبتةِ النارنجِ في شغَفِ ابتسامتكِ الجميلةِ كالصغارِ

لمائكِ الكحليِّ في زغَبِ القصيدةِ

للضحى الكُليِّ

للشمسِ الصديقةِ

للخطى القمريَّةِ الأسماءِ

شكرا لانتباهِ يديكِ لي في زحمةِ الأشياءِ

شكراً للحياةِ ولاشتهاءِ طيوركِ الزرقاءِ

أقماراً معذَّبةً وراءَ الكونِ

شكراً للجمالِ الغامضِ الشفَّافِ

في أزهارِ مخملكِ المفخَّخِ والمريبِ

وألفَ شكرٍ لانهياراتِ القصائدِ فيكِ

كيْ تهبَ الظلامَ بهاءَهُ الضوئيَّ

للأحلامِ إذْ تخضَّرُ في دنيا حرائقكِ المطيرةِ

كُلُّ ما أسعى لفتنةِ قولهِ

هو أنني وحدي أعيشُ مُعلَّقاً بالروحِ من عينيَّ

فوقَ لهيبِ هاويتينِ من فشَلٍ ومن أملٍ

أروِّي بالسرابِ دمي وأُطعمهُ صدى قُبَلٍ

تهبُّ من الشموسِ أو البحارِ عليَّ

أو كذِبَ الغزَلْ

شكرا ليأسِ العاطلينَ عن اجتراحِ الحُبِّ

شكراً للأملْ

شكرا لضحكتكِ المضيئةِ كلِّها

شكرا لزهرِ يديكِ هذا الأبيضِ المشغولِ بالأنهارِ

والحزنِ الجميلِ العبقريِّ السرِّ والأشعارِ

شكرا لاستدارتكِ الخفيفةِ كاعتلالِ الغيمِ

شكراً للسماءِ المرمريِّةِ

للخريفِ السُكريِّ وكلِّ أسرابِ الحجَلْ

شكراً ليأسِ العاطلينَ عن العمَلْ

شكرا لنيسانيَّةٍ

ختَمَتْ دمي بجميعِ أختامِ القُبَلْ..

 

 

قصيدةٌ إلى عبَّاد الشمس

حلمتُ فردوسُكِ الكحليُّ يصلبني
وجسمُكِ الناعسُ الموَّارُ لي خشَبُ
أنامُ والبحرُ مرميٌّ على شفتي
وفي عروقي غيومُ الطيرِ تنسكبُ
هل تسمعينَ صراخَ القلبِ إنَّ بهِ
مليونَ حوريةً عذراءَ تُغتصبُ؟
كأنَّ وردةَ أعضائي غدَتْ كِسفاً
على الثرى وكأنَّ الطلَّ بي لَهَبُ
...

تحفُّني الشعلةُ الخضراءُ..

تأكلني
أحلى الطيورِ ونارُ الشعرِ والكُتُبُ
ويطلعُ الشاعرُ المدفونُ من جسَدي
أو أسفلِ البئرِ تهمي حولَهُ السُحُبُ
يُقبِّلُ الأرضَ بالعينينِ..

يُنطقها
بدمعةِ الصمتِ..حيثُ الشِعرُ يحتجبُ
ويحتوي من دخانِ الروحِ مُخمَلَ من
شدَّتْ على طيفها الأضلاعُ والهُدُبُ
تُآلفينَ دمي الليليَّ فيكِ وذا
عبَّادُ شمسكِ في عينيَّ يغتربُ
وتنفضينَ فتاتَ الماءِ عن لغتي
فيقتفي العطرَ بي طيرٌ وينسربُ
وكلَّما مسَّ سهواً برقُها جسَدي
بكتْ زليخةُ حتى يدمعَ العِنَبُ
حتَّامَ تشربُ يا ديكَ الجنونِ أجبْ
رمادَ وردكَ يجلو خمرَها الذَهبُ ؟
بيضاءُ زنَّرها البدرُ المُعذَّبُ في
جسمي وغارَ شذىً من ريقها الحبَبَبُ
كأنَّها وردةٌ لوزيَّةٌ رقصَتْ
في حضرةِ النارِ..حفَّتْ ماءَها الشُهُبُ
تهزُّ أجراسُ قلبي كلَّما انتبَهتْ
من يقظةِ الحلمِ..

أو يُدمي دمي طرَبُ
نداءُ وضَّاحَ مزروعٌ على شفَتي
فما لروضةَ نامَتْ وانتهى السبَبُ ؟

 

 

نهرٌ تعرَّى من الماءِ

تقمَّصتِ جسمَ القصيدةِ أو ياسمينَ الشموسِ

فكيفَ نهَرتِ الزهورَ على كاحلِ الماءِ ؟

كيفَ زرعتِ الخزامَ الذي لا يُرى في سهوبِ الحليبِ

التي أينعتْ في الظهيرةِ أو خرزِ الظَهرِ؟

كيفَ أقولُكِ؟

في أيِّ صحراءَ يغمرها البرقُ

أودعُ شيطانَ شِعركِ- يا لعنةَ الشِعرِ-؟

ماذا أُسمِّيكِ؟

ترنيمةَ العبثِ الأزليَّةَ؟

ضرباً من المسِّ؟

تعليقَ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟

سعياً على الجمرِ فوقَ صراطِ الحياةِ؟

طريقاً تؤدِّي إلى جنَّةِ الروحِ في جسَدِ الجلجلَة

وإلى شفرةِ النارِ في زهرةِ المقصلَة؟

مهنةَ العاطلينَ عن الحبِّ والأسئلة؟

عنفواناً مريضاً؟

شتاءً خفيضاً؟

سماءً ترتِّبُ هندامَها وتشذِّبُ أحلامَها؟

قمرَ الوردِ؟

إكسيرَ حبٍّ؟

وحقلَ ندى من كلامٍ بسيطٍ كعفويَّةِ الضوءِ

يُرجعُ كلَّ الذي ضاعَ من ذهبِ العمرِ

في أوَّلِ النهرِ

لا لن أُعوَّلَ إلَّا على ما تربَّى من الشِعرِ في عهدتِكْ

فهوَ صُنَّارةٌ لاصطيادِ النساءِ

اللواتي تعبنَ من الركضِ خلفَ الفراشاتِ

أو من تسلُّقِ سلَّمِ أمجادهنَّ إلى شرفاتِ السماءْ

لن أعوِّلَ إلَّا على ما يمَسُّ القصيدةَ منكِ فتصبحُ سجَّادةَ الحالمينَ

بكسرةِ خبزٍ وقُبلةِ ماءْ

آهِ لكن سألتكِ من أنتِ أو بأصحِّ العبارةِ ما أنتِ

أو ما هوَ الشعرُ ؟

قولي إذنْ

طعمُ شوقٍ تجسَّدَ قربَ سفينةِ أحمدَ بن ماجدٍ؟

وعذاباتُ كولمبسِ؟

الشعرُ كالحبِّ ضربٌ من المسِّ؟

تعليقُ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟

ما هوَ هذا الذي ليسَ يوصفُ في كائنِ الهجسِ؟

نهرٌ تعرَّى من الماءِ في ليلةِ السبتِ؟

نحلٌ فقيرٌ من الصمتِ يمخرُ آفاقَ قلبي إلى وردةِ الروحِ

أو قُبلةٍ في أقاصي شفاهِ الشمالِ المدجَّجِ بالخمرِ والطيرِ؟

هل هوَ شبهُ بكاءٍ خفيٍّ على ما يضيعُ من الوردِ فينا وراءَ الظلالِ؟

سرابٌ خفيفُ الاشارةِ؟

طميٌ تقرَّى دمي في أعالي الجبالِ؟

ملاكٌ بريءٌ يضيءُ على الليلِ قلبَكِ

لكنهُ ليسَ يُطعمني حنطةً من جنانكِ

ليسَ يُبلِّلُني بندى الزنجبيلْ؟

فما هوَ هذا الذي لا يُعرَّفُ؟

من هو هذا الأميرُ الجميلُ

النبيلُ..

الأصيلُ..

الشهيُّ..

البهيُّ..الذي في أعالي صباحاتنا

كانَ يصرعنا سحرُهُ المتأنِّقُ

من دونِ أن يلمسَ السيفَ والوردةَ/ السرَّ

من دونِ أن يتهجَّى الينابيعَ في دَمِنا

أو يتقاطعَ مع بسمةِ القمرِ الطفلِ

تحتَ ظلالِ المساءاتِ

حينَ يُطهِّرنا من هوانا الرخيصِ

ويجعلنا بشَراً من بكاءِ النخيلِ على نسوةِ الماءِ؟

ما هوَ هذا الذي يجمعُ الأبديَّةَ في لحظةٍ كالفقاعةِ؟

ما يجعلُ الصخرَ في نهرِ أضلاعنا غيمَ قطنٍ

خفيفاً شفيفاً نظيفاً تماماً كغيمِ الأنوثةِ؟

ما يحملُ العشبَ عنَّا

لأنَّا تعبنا كثيراً من الركضِ فوقَ مراثي إرميا

وتحتَ بكاءِ السماءِ

لأنَّا تعبنا من الحُبِّ

واستنزفتنا المسافةُ بينَ القرنفلِ والقلبِ

بينَ القميصِ المفخَّخِ بالمسكِ والذئبِ

بينَ الخرافةِ تمشي على قدمينِ معمدَّتينِ بعطرِ الخزامْ

وبينَ الروبوتِ الذكيِّ المدجَّجِ بالكرهِ والحقدِ والانتقام؟

 

شاعر من فلسطين