الاسماعيلية.
على الرغم من أن مهرجان الاسماعيلية للسينما التسجيلية في دورته 16 أقيم في فترة حرجة – من 4 الى 9 يونيو - أثناء إعتصام مجموعة من المثقفين المصريين في مبنى وزارة الثقافة ، ومطالبتهم بتنحى الوزير وإسقاط نظام محمد مرسي الفاشي الذي يريد أن يعود بمصر من خلال حكم جماعة الاخوان المسلمين الارهابية والقتلة الى عصور الظلام والجهالة، وكانت الجماعة المعتصمة لحفنة من المثقفين أرسلت سيارات من القاهرة الى الاسماعيلية وهى تحمل بشر ويافطات للتظاهر أمام قصر ثقافة الاسماعيلية حيت تجرى مراسيم حفل الافتتاح والاحتجاج على حضور وزير الثقافة ، ثم إعطاء الكلمة للمخرج السينمائي مجدي أحمد على " يا دنيا ياغرامي " الذي تحدث عن الخراب الذي تعيشه مصر وأهلها على كافة المستويات تحت حكم الاخوان، حتى قرف الناس من حياتهم بسبب أزمات كل يوم، وعدم وجود حلول لها من قبل حكومة قنديل، واستشعروا أنه لاتوجد دولة في مصر مع تفاقم أزمات العيش والجاز والكهرباء والمياه والنور ولايوجد من يحكمها.. اللعنة.
«الجوستو» و مشروع «سينما وهبي»
حققت الدورة 16 من المهرجان في تلك الظروف العصيبة التي تعيشها بلدنا، حققت يقينا الكثير من الانجازات لعل أهمها ان المهرجان أقيم بقدر كبير من السلاسة بفضل إدارة كمال عبد العزيز رئيس المهرجان الدبلوماسية الذكية الحكيمة، فقد تفادى الوقوع في فخ النرفزة والعصبية والتهور الفاضي، وكان ديمقراطيا حين اعطى الميكروفون لمجدي أحمد على ليقول كلمته ضد حكومة مرسى والاخوان على الحضور ولم يمانع ، فدارت عجلة المهرجان هكذا بنعومة في حفل الافتتاح، وحسنا فعل كمال، وفي اليوم التالي تسارعت دورتها، وتعاقبت أيام المهرجان التي تمتعت بحيوية شبابية جديدة، ودارت بقوة الشباب السينمائي المنظم المثقف الواعي الذي شكل فريق العمل من اختيار السيناريست محمد حفظي وانضم اليهم متطوعون من شباب محافظة الاسماعيلية.
كما حققت لجنة المشاهدة الجديدة إنجازا كبيرا باختياراتها لمجموعة من الافلام المتميزة التي شاركت في مسابقات المهرجان، كما استحدث المهرجان في الدورة 16 إنجازين مهمين: فقد أضاف الى خريطة الفغاليات قسما جديدا يعرض للأفلام الوثائقية الموسيقية وعرض في هذا الاطار فيلم «الجوستو» الشهير أحد أهم الأفلام الوثائقية الموسيقية التي ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة في رأينا. كما استحدث مسابقة لدعم المشروعات السينمائية العربية الجديدة بعنوان "منتدى الانتاج العربي المشترك" وكانت سعادتنا كبيرة بحصول المخرج السوري الكبير نضال الدبس على الجائزة الكبرى في المسابقة (5 آلاف دولار ممنوحة من الجامعة الامريكية أحد رعاة المهرجان) عن مشروع فيلمه بعنوان "سينما وهبي" ويكشف عن ارادة مجموعة من الشباب لترميم وإحياء دار عرض"سينما وهبي" في حى الحلمية بالقرب من حي السيدة زينب، وكانت "سينما وهبي" أحد ي دور العرض التي كنا نحن الاطفال الأشقياء في حينا العريق "قلعة الكبش" نتردد عليها أيضا لقربها من حينا لنشاهد الأفلام العربية مع "سينما إيزيس" التي كانت مخصصة لعروض الأفلام الأجنبية فقط ، وسينما "الهلال" الصيفي و"سينما الأهلي" و"سينما الشرق" في حي السيدة زينب في مصر، وتحية هنا لهذه الدور التي جعلت السينما تحضر بقوة في حياتنا بمتعة الثقافة وقوة الاستكشاف ونور الفن.
حفلات موسيقية على العشب في الهواء الطلق
كما حقق مهرجان الاسماعيلية في دورته 16 إنجازا كبيرا حين خصص مجموعة من عروض الأفلام الموسيقية المشاركة في المهرجان لكي تعرض في الهواء الطلق على جمهور الاسماعيلية في "نادي الأسرة" الواقع أمام "سينما رينيسانس" وكان يعقب عرض الفيلم حفلة موسيقية للفرقة الموسيقية المشاركة في الفيلم، وأحيانا كانت بعض الفرق تقدم حفلاتها الرائعة ليلا على عشب تلك المساحات الخضراء الممتدة التابعة لفندق "ميركور" - فندق إيتاب سابقا- وتستقطب اليها جمهور الشباب من المهرجان والأسر التي تقطن الاسماعيلية وتحضر تلك العروض مع أطفالها، وقد طبعت تلك العروض الموسيقية المهرجان بطابعها حتى كنا ننتظر حفل كل يوم ونحن نتشوق الى معرفة تلك الفرق الموسيقية الشبابية المصرية الجديدة وننتهز فرصة اللقاء معها كل ليلة لنتعرف على مواهبها الموسيقية في الغناء والعزف.
وقد شكلت تلك العروض مناخات جميلة للتعارف بين ضيوف المهرجان وأهل الاسماعيلية ولايهم هنا من ناحية الأفلام كم أو عدد الأفلام التي عرضها مهرجان الاسماعيلية فالعبرة والمقياس في الحكم على الأفلام يكون بمعيار جودتها، وقد شاهدت مجموعة كبيرة من الأفلام الرائعة في المهرجان من ضمنها فيلم "الحارة" من لبنان و فيلم "عالم ليس لنا" من فلسطين وفيلم "اليكترو شعبي" من فرنسا، وكنت لتمنى أن يفوز الفيلم الأخير بجائزة فقد حظي بإعجاب وحفاوة لانظير لهما من قبل جمهور المهرجان من النقاد والصحفيين، وهو فيلم وثائقي مهم و رائع بكل المقاييس ويحكي عن نشأة وتطور نوع موسيقي جديد يطلق عليه أسم "المهرجان" نشأ وتطور في قلب الأحياء الشعبية وحواري مصر الفقيرة التي تمشي في الوحل، وبعضها على أطراف العاصمة أشبه مايكون بالجمهوريات الشعبية العشوائية المستقلة والجيتوهات، ليكون مرآة معبرة عن أوضاعهم وأحلامهم وطموحاتهم وثورتهم على الظلم وهو أقرب الى الفن الفطري ورسومات الجدران التي تدعو الى التمرد والثورة أو موسيقى الراب واغاني الهيب هوب وموسيقى جيتوهات الضواحي الفرنسية البعيدة عن العاصمة ومعظم سكانها من العرب والسود، ومن أجمل مشاهد الفيلم مشهد عازف آلة الاورج على السطوح الذي يعزف فقط لنفسه وللحمام الزاجل على السطح وتلك السماء الواسعة المفتوحة على كل الاحتمالات وأحلام الخلاص المجهضة.
في حفل الختام وقبل توزيع الجوائز - استحدث المهرجان جائزة المهرجان الجديد على شكل آلة السمسمية الآلة الموسيقية الشعبية الشهيرة في منطقة القنال - وتضم مدن السويس وبورسعيد والاسماعيلية.
كنت أفكر في عنوان لمقالي هذا عن حصاد مهرجان الاسماعيلية في دورته 16 بعد أن شبعنا من أفلامه وندواته وحفلاته ورحلاته التي نظمها، ومن ضمنها رحلة في القنال من تنظيم هيئة قناة السويس، وكنا لم ندخل قاعة قصر الثقافة بعد وننتظر وصول محافظ الاسماعيلية، حين سمعت المخرج الجزائري طاهر حوشي HOUCHI الذي اشترك بفيمه الروائي القصير "إدير" في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة في المهرجان، سمعته يردد وكأنه يهمس لنفسه بعد أن دعوته على كأس شاي ويقول أنه "فوز كبير لمصر" وكان يعني بالطبع ان ما حققته الدورة 16 هذه ليس فوزا لرئيس المهرجان كمال عبد العزيز ومحمد حفظي مديره الجديد والمشهد السينمائي المهرجاناتي المصري برمته فقط، بل يتجاوزهما بحجمه وقيمته ليكون فوزا كبيرا لمصر كلها، فاستسمحته في استعارة جملته هذه وبعد موافقته لتكون عنوانا لمقالي، وأضفت الى مقالي بعض الصور التي التقطتها بكاميرتي وتعكس أجواء الصداقة والبهجة التي عشناها وخبرناها في الدورة 16.
ملصق فيلم الجستو
صورة لحفل ختام المهرجان، وتظهر جائزته المستوحاة من آلة السمسية الموسيقية المحلية
المخرج نضال الدبس يتجدث عن مشروع فيلم (سينما وهبي)
مشهد الخروج بعد توزيع الجوائز
صورة لأحدى الحفلات الموسيقية المصاحبة في الهواء الطلق
بعض المشاركين في المهرجان في رحلة بحرية في قناة السويس