الرؤية:
الاقتباس عنوان كبير يسم المسرح العربي على المستويات الثلاثة: النص المسرحي والنقد المسرحي والعرض المسرحي. وبما أن المسرح العربي قد تشكل من خلال صيغة المسرح الغربي، وسار على منواله، إلا أن مفردات المسرح العربي متنوعة، فهي مقتبسة ومترجمة ومؤلفة، ويبدو أن التأثر في المسرح الغربي، هو ما أدى إلى اقتباسه بعد الافتتان بهذا الفن الجديد، الذي لم يكن معروفا في المجتمعات العربية، ليكون القرن التاسع عشر هو بداية الإشارة إلى المسرح العربي، متأثرا ومقتبسا من المسرح الغربي. وتبدو النواة الأولى لمسرحنا العربي الاقتباس الذي نتج عنه ترجمة المسرح الغربي، أو الإعداد على منواله والسير في خطاه خطوة خطوة، وتلا ذلك بداية التأليف والكتابة المسرحية على مستوى الوطن العربي، ولم يتوقف الاقتباس الذي مازال قائما، وهو يتدرج بين ترجمة النص، إعداده، أو اقتباسه كما هو، ليعرض في النهاية على أنه عرض مسرحي تحت العنوان الأصلي للنص، أو تحت عنوان انزياحي عن النص الأصلي بالإشارة إلى النص الأصلي. وبما أن جزئيات اقتباس المسرح العربي من المسرح الغربي متعددة، فقد ارتأت الدراسة أن تقف عند هذه الجزئيات من خلال مفهوم أكثر شمولية، حيث يجمعها معا تحت عنوان المثاقفة بين المسرح العربي والمسرح الغربي.
تسعى هذه الدراسة إلى جس النبض الكائن بين المسرح العربي والمسرح الغربي، وتسعى لمعرفة مدى تأثر وتأثير اللغات الأخرى في اللغة العربية على مستوى المسرح "النص والنقد" وهنا الإشارة إلى اللغات الأوروبية، والتي كانت رائدة في المسرح، حيث تشكلت البنية الأولى للمسرح في الغرب. في هذا البحث نستذكر أهمية التواصل المعرفي في المجتمعات، ومن خلال التواصل اللغوي والمعرفي. إنّ الحديث عن الاقتباس في المسرح العربي، يفتح الباب على مصراعية لطرح أسئلة عدة، منها سؤال الهوية للمسرح العربي، وهنا يشار إلى مسألة تأصيل المسرح العربي، وقد اشتغلت فكرة التأصيل بين من يؤيد ومن يعارض، وكل واحد كانت له وجهة نظر تختلف عن الآخر، ويحاول أن يثبت للآخر أن لديه ما لدى الآخر أو يزيد، وبعضهم من أنكر الأسطورة الأولى، وأن منابع المسرح يكاد يشترك أو تشترك فيه كل الشعوب، بما فيها الشعب العربي. ولم يتوقف أمر الاقتباس على الجهات المؤيدة أو المعارضة، فنجد من العرب من ولج بلاد الغرب ومن هناك نهل من مسرحهم، وكانت هذه البعثات رسمية تحت رعاية الدولة، والمؤسسات الرسمية في البلاد العربية في إطار اتفاقيات ثقافية وخارجها، ورجع المبعوث إلى البلاد العربية، وقد تسلح بمعرفة جديدة وقد تكون هذه المعرفة أن المسرح العربي ذهب إفرنجي، ولم تقف المسألة عند ذاك الحد، بل تعدت إلى أكثر من ذلك، فبدأ الاهتمام بكل ما ينتجه المسرح الغربي على مستوى النص والعرض والمنهاج.
إن هذا البحث يفتح السؤال لمعرفة مدى درجة الاقتباس وتأثر العرب بالمسرح الغربي، ومن خلال بنيات تشكل بعد المثاقفة، وهذا البحث يلج الاقتباس من خلال مفهوم قد يكون أكثر شمولية، وأكثر حضارية، فالمثاقفة شاملة ويكون الاقتباس جزء من هذه المثاقفة، والتي لا بد أن تعني أشياء كثيرة ومصطلحات كثيرة غربية، مثل التناص والأدب المقارن، والتأثر والتأثير، والترجمة والنقل، وتجمع كلها تحت العنوان الرئيس للبحث الاقتباس في المسرح العربي، والمثاقفة المسرحية بين المسرح العربي والمسرح الغربي. وبالحديث عن المثاقفة، نجد أنها متنوعة بما فيها المثاقفة داخل اللغة الواحدة، وذلك من خلال الرجوع إلى التراث العربي واستلهامه، ليكون مادة مسرحية، وهذه جزئية رئيسة في باب الاقتباس من التراث العربي، واسقاطه على الواقع العربي المعاش. وهذه الدراسة تسلط الضوء على مجمل المصطلحات والجزئيات الواردة فيه، ولكنها ستكون تحت عنوان الاقتباس، وقد شمل كل تلك الجزئيات التي ذكرتها، وتعرض الدراسة للجزئيات، وتنتهي الدراسة على نتائج وخلاصة ما توصل إليه البحث، بعدما تكون قد وقفت على أهم الرؤى والأفكار من خلال المصادر والمراجع التي تخدم البحث، لتكون الدراسة علمية منهجية توثيقية.
مدخل:
إن الإنسانية كل لا تتجزأ من منظور المعرفة، ولذا فإن كل مجتمع يتأثر بالمجتمع الآخر، ويأخذ عنه وينقل علومه ومعارفه، وربما ينقل أمورا أخرى أبعد من المعارف، تلك هي العلاقات الإنسانية بين الشعوب والأمم، والتي تبحث عن روابط يشيع بينها التعارف والأمن والسلام والاستقرار، ونجد في القرآن الكريم دعوة صريحة لهذا التعارف حيث يقول تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)1 إن مدار التعارف في الآية الكريمة تتغيا حالات تعاونية شتى تقوم بين الأمم المختلفة، وعلية يمكن اصلاح المجتمع أو إصلاح الأرض بشكل عام وإعمار الأرض يقوم على مبدأ التعاون بين الأمم. "إن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم ماديا وأدبيا... وكان الاتصال بطرق التجارة، إنشاء المدن العربية المتاخمة للفرس والروم والبعثات اليهودية والنصرانية تدعو لدينها"2 ويستطرد أحمد أمين واصفا عرب الغساسنة واتصالهم بالروم "الغسانيون أرقى عقلية حتى من عرب الحيرة، لأنهم كانوا أقرب اتصالا بالثقافة اليونانية والمدينة الرومانية"3 ومن هذا المنطلق الإنساني الملح، تعددت صور تعاون الناس فيما بينهم في مختلف الأمور الحياتية المادية، مثل التجارة وتبادل السلع والاستهلاك، ومن منظور آخر وهو الأهم نقل المعارف والرؤى والتصورات الإنسانية في مجتمع ما إلى مجتمع آخر.
ومن هذا المنطلق انتقلت المعارف الإنسانية في المجالات المتعددة، وبما يخص الإنسان العربي منذ القدم كان يتأثر ويؤثر بالآخر في حدود ما لديه من طاقة مادية ومعرفة إنسانية، ونجد أن اللغة هي السبيل الأمثل للتداخل والتمازج بين الشعوب، فهناك كلمات غير عربية موجودة في اللغة العربية، وكلمات عربية موجودة في اللغات الأخرى، وهذا ناتج عن الاحتكاك بين الشعوب، وهذا الاحتكاك مادي ومعرفي. وازداد هذا التأثير بالآخر بعد الفتوحات الإسلامية، فدخلت شعوب متعددة الأعراق الإسلام، مثل: الفرس، والترك، وقبائل من أسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وخاصة المناطق القريبة من البلاد العربية في روسيا والبحر المتوسط وأخيرا اسبانيا "الأندلس." وهذا التواصل رسخ العلاقات الثقافية بين العرب والشعوب الأخرى، فانتقلت معارف اليونان إلى العرب، والعكس صحيح عندما انتقلت إلى أوروبا في ميادين متعددة مثل الطب والفلسفة والرياضيات والكيمياء والفلك، والأدب إذا ما أشرنا إلى المعري في رسالة الغفران ودانتي في الكوميديا الإلهية على سبيل المثال. ويبين ابن خلدون بما يخص الاجتماع في مقدمته في الفصل الأول في العمران البشري على الجملة، حيث يقول: " الاجتماع الإنساني ضروري و يعبر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران"4 وبهذا الشأن يستطرد ابن خلدون مبينا أن الإنسان لا يمكن أن يعيش منفردا من دون حاجة الإنسان الآخر في كل أمور حياته، فكيف إذا ما كان المجتمع بأسره يعتريه النقص، وتعتريه الحاجة للكمال وبناء المجتمع في مختلف نواحي الحياة وشؤون الناس، سيكون الاجتماع عندئذ أكثر حاجة وإلحاحا من حاجات واجتماع البشر كأفراد، وعليه يمكن أن نتصور أساس الاجتماع الإنساني الذي سيتشكل من مختلف جوانب الحياة الإنسانية والمجتمعية.
الاقتباس:
وبما أن البحث يتناول الاقتباس في المسرح، نبتدئ التعرف على المفهوم المعجمي للاقتباس، اقْتَبَسَ: اقْتَبَسَ نارًا: قَبَسها. واقْتَبَسَ فلانًا: طَلَبَ منه نارًا. واقْتَبَسَ منه عِلْمًا: استفاده.5 واِقْتَبَسَ العِلْمَ مِنَ العُلَماءِ": أخَذَهُ، اِسْتَعادَهُ. اِقْتَبَسَ أفْكَارَهُ مِنْ كتابِ كَذا": أخَذَها مِنْهُ. " اِقْتَبَسَ الأديبُ": ضمَّنَ كَلامَهُ آيةً من القُرآنِ أوْ مِنَ الحَدِيثِ أو مِنْ كِتابٍ. اِقْتَبَسَ مَسْرَحِيَّةً مِنْ قِصَّةِ أَلْفِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ": اِسْتَوْحَى أَحْداثَها مِنها.6 من المعجم نستدل على أن معنى اقتبس الأخذ، والاستفادة والتضمين والاستيحاء، وهذا المعنى الدال يبين لنا الأثر الكبير الذي يتركه الاقتباس لدى الآخر. لا شك أن العرب اقتبسوا المسرح من الغرب، ووصل المسرح إلى العرب مقتبسا منذ بداياته الأولى بالشكل والمضمون، وقد تأثر به المسرحيون العرب ومازال التأثير قائما على مستوى اقتباس النصوص المسرحية الغربية، وعلى مستوى المنهج المقتبس من كبار المسرحيين الغربيين وخاصة بريخت على مستوى الإخراج... وربما يشار إلى أن الظروف العربية كانت سببا في الاقتباس والترجمة والنقل، قبل محاولة الكتابة المسرحية العربية، وهذا ما يشار إليه بالحديث عن البدايات المسرحية في الوطن العربي " لقد كان الرواد الأوائل واعين كل الوعي بالإمكانيات المحددة التي تطرحها هذه الحقيقة، ولعل هذا هو السبب الحقيقي في أن مارون نقاش افترض أن اﻟﻤﺠتمع غير مهيأ لاستقبال الظاهرة المسرحية والاحتفاء بها، وأن هناك موانع حضارية وثقافية ودينية، تجعله يحتاج إلى كثير من الترغيب والتوجيه قبل أن يبدي احتفاءه بالمسرح كتجمع فكري مفتوح"7 ولم يتوقف الاقتباس عند مارون النقاش، ولكنه للحقيقة قد بدأ، فهذا جورج أبيض يقتبس من المسرح الغربي وباللغة الفرنسية " فقد قدم مجموعة من المسرحيات باللغة الفرنسية في الاسكندرية مثل شارل السابع 1910 لالكسندر دوماس، ولويس الحادي عشر لكاز. يردي لافيني، وطرطوف لمولير، أوديب ملكا لسوفوكليس"8 ولا ننسى أن الكثير من العرب تلقوا تعليمهم المسرحي في البلاد الغربية، فقد أرسلت بعثات من مختلف الدول العربية وبشكل خاص من مصر، لتعلم علوم المسرح، ولا شك فإن أصحاب هذه البعثات قد تأثروا بالغرب في مجال الدراسة وغيرها ... وتبدو الإشارة إلى هواة المسرح في الوطن العربي على درجة من الأهمية، فقد برزوا "في سوريا ولبنان والأردن وأسسوا مسرحا عربيا ومحليا وقد أخذوا عن الغرب اقتباسا"9 ولم يكن الاقتباس على مستوى النص المسرحي، بل تعدى ذلك إلى المنهاج، فريمون جبارة اللبناني "يعتز بأنه لم يدرس في الخارج ليأخذ المسرح الغربي، ولكنه اقتبس أسلوب غروتوفسكي في ارتجال مسرح معاصر يعبر عن قضايا الإنسان المعاصر، ويعتمد إثارة الأحاسيس من خلال عناصر الصوت والموسيقى والضوء"10 ولا بد من الإشارة إلى أن الاقتباس عن الترجمة كان منتشرا في البلاد العربية، في سوريا "أخرج رفيق الصبان عددا من المسرحيات المترجمة سوفوكليس وشكسبير وشو وكامي وموليير وماريفو ودي مولينا وجوركي وتشيكوف وبرخت"11 والعراق لم تكن غائبة عن الاقتباس من المسرح الغربي حيث تأثر إبراهيم جلال بالمسرح الغربي بالمنهاج والإخراج "درس المسرح في نيويورك ودرس السينما في إيطاليا ولهذا فإن خطته في الاخراج مزيج من تقنيات المسرح والسينما "12 وقد نشير إلى أن الاقتباس لم يكن مقتصرا على مسرحيات الغرب ولا على المنهاج الغربي فحسب، وهناك اقتباس من التراث العربي، فالكثير من المسرحيين العرب تأثروا بالتراث العربي، وأخرجوه مسرحا، فقاسم محمد في العراق اعتمد على المأثورات الشعبية «كان يا ما كان»، وعليه فإن قاسم محمد يؤكد أن المأثورات الشعبية العراقية أقدم من مسرحية شكسبير، وهو يشير بذلك إلى بنات الملك لير، عندما قام باخراج عرض حكاية ابنة الملك التي خرجت على طاعة الملك على خلاف اختيها.13 وإذا ما انتقلنا إلى الجزائر نجد أنها ركبت موجة الاقتباس في المسرح، ويشار بذلك على سبيل المثال إلى رشيد قسنطي "قضى ردحا من الزمن في باريس وكانت عروضه تتضمن الكوميديا اقتباسا ثم تأليفا، وغالبا ما كان برنامجه يتضمن اسكتشات غنائية يقوم على النقد الاجتماعي والسياسي"14. ويذكر في هذا المجال من المخرجين الجزائريين الذين اقتبسوا من الغرب ومن النصوص التي كتبها عرب وبلغات أخرى، فمصطفى كاتب أخرج لياسين «الجثة المطوقة» و«الرجل ذو الحذاء المطاطي»، وأخرج لبريخت «دائرة الطباشير القوقازية»... ويشار أيضا إلى عبد القادر ولد عبد الرحمن كاكي، ونذكر تأثر كاكي بالتراث الشعبي الجزائري "فقدم مسرحية السقا التي كتبها عن أسطورة شعبية جزائرية شبيهة بالأسطورة الصينية التي صاغ منها بريخت مسرحية «الإنسان الطيب من ستشوان»، ولكن كاكي استطاع أن يؤكد إمكانية تأصيل مسرح عربي على أسس من التراث الشعبي."15 وحمّى التأثر والاقتباس المتنوعة وجدت في المغرب العربي، فالصديقي تأثر بالتراث العربي «مقامات» بديع الزمان الهمذاني، ولا ننسى أنه اقتبس وتأثر بجان فيلار حيث تتلمذ على يديه في فرنسا بما يخص المسرح الشعبي "ولقد بدا الطيب الصديقي حياته المسرحية بالاقتباس والترجمة، ولكنه بدأ مبكرا بالبحث عن شكل مغربي للمسرح، وقطع في هذا شوطا طويلا، بدأ يعرض "سلطان الطلبة" ثم "الطريق" التي تنتقد التعلق بالمشايخ والأولياء، ثم "ديوان سيدي عبد الرحمن اﻟﻤﺠذوب"16 وقد يشار إلى أن "المسرح العربي نشأ في كنف التراث الشعبي، ولذلك لا نستغرب أمثال مارون القاش والقباني وونوس والعاني والفريد فرج، ومحمود دياب، وأحمد الطيب العلج، والصديقي، وعلولة، والمدني، وكاكي، ينهلون من نسغ التراث الشعبي الشفوي أو المدون في جل أعمالهم المسرحية"17.
وفي تونس يذكر علي بن عياد الذي "بدأ باقتباسات من شكسبير وموليير، وقدم من التراجم كاليجولا لألبير كامي وعطيل لشكسبير، وقدم أيضا لكتاب تونسيين."18 وفي الأردن نجد أن فرقة أسرة المسرح الأردني قدمت الكثير من العروض المسرحية ما بين 1963-1971 وهي عروض مقتبسة "مسرحية الليدي وندرمير لأوسكار وايلد، الأشباح من أعمال ابسن، البيت السعيد لسومرست موم، المشكلة لفيرنيك مولنار، رجل القدر لبرناردشو، ولكم أنت جميل لجان جيرودو، مركب بلا صياد لاليخاندرا كاسونا، وأفول القمر معدة عن قصة شتاينبك، مسرحية موتى بلا قبور لجان بول سارتر، بيت الدمية لابسن، مسرحية الوعد لالكسي أبوزوف، البرجوازي النبيل لموليير، هواية الحيوانات الزجاجية لتينسي وليامز"19 وبما أننا نتحدث عن الاقتباس وهو من الغرب أو من التراث العربي، وهذا يأخذنا إلى التأصيل والتأثير في المسرح الغربي، حيث يؤكد توفيق الحكيم في حالة كان لنا مسرح عربي"أن يكون صالحا لكل المسرحيات على اختلاف أنواعها من عالمية ومحلية قديمة وعصرية، فنحن نسمي القالب الغربي قالبا وشكلا لأنه تصب فيه كل الموضوعات والأفكار من الغرب والشرق على السواء."20 وهذا الكلام يؤخذ على أساس التأثر بالمسرح الغربي، وهذه إشارة دالة على اقتباس المسرح العربي من الغربي، وإشارة واضحة على مقولة التأثر والتأثير في المسرح ما بين العرب والغرب.
إن اقتباس المسرح العربي من المسرح الغربي وقع في إشكالية الهوية على مستوى النص والتشخيص، فكأن الذين نظروا للمسرح الغربي أرادوا أن يجعلوه في حالة من القداسة، حيث "نجد الاقتباس عندهم من النصوص الغربية بعامة والفرنسية بخاصة كان محكوما بما يوجد في فضاء هذه النصوص، وكانوا كمقتبسين يحافظون على الشخصيات وطباعها، ويقدمون الأحداث كما هي، ويحافظون على المرجعية المسرحية الغربية كنموذج قار لا يمكن تغييره"21 إن هذا القول يؤكد أكثر من مجرد حالة اقتباس، إنه النقل الحرفي على كل المستويات، وإذا ما اعتبرنا هذا اقتباسا، فإننا سنقول اقتباس على مستوى الجنس الإبداعي "الكتابة" والفن "العرض المسرحي". فالمسرحية المكتوبة كأدب في حالة عرضها تتحول إلى فن. و"كان المسرح الأوروبي هو من ألهم الكتاب العرب في كل من سورية ومصر، ليبدأوا شكلا جديدا من النشاط الدرامي، منسلخين عن الدراما العربية التقليدية، المسرحيات الهزلية الريفية المرتجلة وخيال الظل، وأن يؤسسوا جنسا أدبيا باللغة العربية."22 وبما يخص كيفية الاقتباس " فقد يتم على نص أجنبي بحيث تعاد صياغة النص الأصلي، ليقدم ليس عربي اللغة والجو والفكر والقيم والعادات فحسب؟ بل ليقدم عملا مسرحيا محلي الفكر والقيم والجو والعادات واللغة "23 ونجد أن الإعداد عن نص مسرحي آخر عربي أو أجنبي، يشترط فيه أن " يبقي على عناصر النص الأصلي ولا يستبعد منها شيئا يذكر، وهو خاضع لطبيعة الانتاج المسرحي وظروفه الاجتماعية وإمكانات الإخراج الذاتية والموضوعية"24 وأعتقد أن الإعداد يكون كالاقتباس ولكنه لا يساويه، وقد يدخل المخرج عليه الأشياء الكثيرة على مستوى الشخصيات والمكان والزمان مثلا. وبما يخص الاقتباس نشير كاقتباس الفكرة المطروحة من قبل، فكثيرون كتبوا الملك أوديب، وبهذا الخصوص يذكر توفيق الحكيم الذي كتب أوديب الملك، وهي كتابة تتبنى رؤية وفكرة أخرى وتختلف عن الآخرين، وكذلك نشير إلى توفيق الحكيم وهو يكتب الأسطورة، وهو يحورها، لتكون موائمة مع الفكرة التي يريد أن يقولها الحكيم.
المثاقفة/ المثاقفة المسرحية:
لا بد أن نفرق بين المثاقفة والغزو الثقافي، فالأولى قائمة على شروط الاحترام، والحاجة الإنسانية الضرورية للتعارف والتعلم والاكتساب من الآخر والتأثر فيه، وفي جوانب مختلفة، مع الاحتفاظ بحقيقة هويته وعلومه ومعارفة ومعتقده ووطنه. في حين أن الغزو الثقافي، هو ما يهدف إلى إمحاء الهوية والوجود لمجتمع ما عن طريق إحلال لغته وثقافته ومعارفه وتقاليده، ويمكن أن يطلق على هذا الاحتلال أو كما يدعي الآخر " الاستعمار " مع الاختلاف بوجهة النظر لهذا المصطلح الذي يجانب الواقع والحقيقة كما فعل الاحتلال الغربي للبلاد العربية، وهذا ما يفهمه أهل البلد والمجتمع المحتل، في حين ينظر البلد الأقوى أنه جاء لخير البلاد والمجتمع وهذا غير صحيح، لأن خروج الأخير كان بالقوة، لأنه استبد بكل شيء وسيطر على كل شيء، حتى ذابت الهوية الوطنية والثقافة واللغة والمعتقد، وأدى ذلك لإحلال ثقافة مكان ثقافة أخرى، وهذا هو الغزو الثقافي، والتصور الكولونيالي للثقافة، المتمثلة بثقافة الأقوى، وليس على مبدأ وأساس التعامل بالاحترام المتبادل بين الشعوب، كما تريد الثقافة الإنسانية والطبيعة البشرية السوية، والتي تطمح للاحتكاك بالآخر للأخذ منه والتأثر فيه. والتجريب في المسرح العربي يبين عن إشكالية المثاقفة، ونحن لا ننكر مدى تأثر العرب بالمسرح الغربي، والاندماج في المسرح الأوروبي. إن المثاقفة تقودنا إلى مقولة التأثر والتأثير، لا توجد هناك ثقافة بمجملها لم تتأثر بثقافة أخرى، وهذا دليل واضح على التواصل المعرفي والثقافي بين المجتمعات، وهذا ما كان في المسرح العربي من تأثر كبير بالمسرح الغربي بدءا من البدايات الأولى حتى الآن. وعندما نتحدث عن التأثير، فهو مثاقفة لا يعني النظرة الاستعمارية أي العلاقة ما بين المستعمر وأصحاب البلد المستعمر، وهذا لا يعني المحاكاة والنسخ، ومهما كان التأثر الغربي في المسرح العربي، ستبقى هناك ميزات تجعله يوجه مسرحه إلى فئات مستهدفة.25
والمثاقفة تشير إلى البعد الاجتماعي للإنسان، وبما أن المجتمعات البشرية خلقت للتعارف كما يقول الله عز وجل: ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )، سنجد أن مفهوم التثاقف "تعديل يطرأ على ثقافة الفرد أو الجماعة أو الشعب عن طريق الاقتباس من ثقافة أجنبية ما وهو تمازج ثقافي ناتج عن الاحتكاك فيما بينها"26 وتحدث الكتاب العرب عن امكانية الانعزال عن الفكر العالمي والثقافة العالمية بما فيها المسرح، فمن المستحيل أن يعيش الانسان العربي بعيدا عن التأثر والتأثير في المسرح الغربي.27
ويشير توفيق الحكيم إلى مسرحيته الملك أوديب في مقدمته عن المسرحية، وهو يتحدث عن الذين كتبوا مسرحية أوديب ملكا، مثل: سينكا، وكورني، وفولتير، حيث يبين أنه انتفع مما وقعوا فيه، فهو يشير إلى تصور سينكا للمسرحية وإخفاق كورني، وضآلة فولتير.28 إن إصرار الحكيم على كتابة الملك أوديب، يبين عن تأثره بالآخرين من الأدباء الذين كتبوها، وكل حسب تصوره للمسرحية، وهذا يدلل مرة أخرى على التواصل والتأثر بالأدب العالمي، والوقوف على تناول آداب العالم بتصورات مختلفة، وقد يكون للزمن تأثير فيها علاوة على المعتقد والفكر الذي يؤمن به الكاتب، وهذا التأثر يبين عن المثاقفة الإنسانية بين الشعوب. ويلمّح الحكيم مرة أخرى للشعراء الأحياء الذين تناولوا الملك أوديب، فيذكر الانجليزي ييتس، والألماني هوفمانشتال، ويصفهما "والاثنان ما زادا شيئا على مأساة سوفوكليس"29 وقد تعرض الحكيم للذين كتبوا أوديب مثل أندريه جيد، سان جورج دي بوهلييه، جان كوكتو، ويفصل الحكيم الكيفية التي تناول كل واحد منهم كتابته للملك أوديب. والحيكم بعدما يصف ما فعله الآخرون بقصة أوديب، يبين عن منهجه في كتابة المسرحية " حرصت كل الحرص على أن أحتفظ لمأساة أوديب بكل قوتها الدرامية، ومواقفها التمثيلية، وكان فكري أن أخفي الفكرة في تلابيب الحركة... لا بد لي من أن ألخص ما جرى لأوديب قبل بدء المأساة وأن أجرد القصة من بعض المعتقدات الخرافية التي تأباها العقلية العربية أو الإسلامية، وأن أخرج على قاعدة الوحدة في الزمان والمكان التي تخضع لها التراجيديا اليونانية، خرجت على هذه القاعدة مرغما، وكان بودي لو احتفظت بها، ولكني رأيت جو الأسرة في حياة أوديب أمرا لا ينبغي إغفاله، لأن على محوره تدور الفكرة، التي من أجلها تخيرت هذه المأساة بالذات، وجو الأسرة عند أوديب لا يمكن أن يجعل خارج البيت، والترجيديا اليونانية تقع في ميدان عام أو في الهواء الطلق"30
ونحن نتحدث عن توفيق الحكيم لا بد أن نشير إلى المثاقفة العالمية، ومما يندرج في المثاقفة الكوزموبوليتية Cosmopolitan ، والأدب المقارن والذي هو كما يبين الفرنسي ماريوس فرانسوا غويار "هو تاريخ العلاقات الأدبية المقارنة"31 وفي هذا المضمار، يندرج توفيق الحكيم، وهو يؤلف الأساطير اليونانية، وخاصة تلك التي كتبت مسرحا مثل أوديب وبيجماليون، وهو يعارض الذين كتبوها قبله، ويبين هذا في تقديم مسرحياته وما قال عن تأليف الآخرين، ومن هنا ندرك أهمية التثاقف على مستوى الآداب المقارنة بين أدب وآخر. وبالحديث عن الأدب المقارن والذي ينطوي على مفهوم ظهور العالم الثاني، ومفهوم الدولة القومية، وهنا يشار إلى أن الغرب قد اعتبروا أنفسهم المخلصين للشعوب، لأنهم يملكون القيم السامية، ويجب على الآخرين التخلص من شرورهم وجهلهم، وقد انبرى بعض الشعراء للدفاع عن هذه النظرة الاستعلائية والاستعمارية "الكولونيالية" وكما يبدو من خلال قصيدة فيكتور هوجو يمتدح حرب نابليون ضد مصر واحتلالها:
" بجانب النيل , أجده مرة أخرى
ومصر تتألق بنيران فجره ,
وصولجانه الإمبراطوري يبزغ في الشرق
ظافرا , مليئا بالحماسة , متفجرا بالإنجازات
ابن المعجزة , أذهل أرض المعجزات
والشيوخ المسنون أجلوا الأمير الفتى الحكيم
وملأ الناس خوفا جيوشه التي لم يكن لها سابق
ونبيلا , جليلا ظهر للقبائل المذمومة
مثل ماهومت غربى" 32
ما قاله هوجو يمثل الرؤية الغربية للعالم الآخر، وكان نابليون بنظر هوغو يساوي النبي عليه السلام. إن مثل هذه المقولة تؤكد على حتمية التصادم بين الشعوب، وليس على حتمية التلاقي، لأن المفهوم قائم على غير المساواة واحترام الآخر ودعوته للتشارك، ولكن المفهوم الغربي بهذا الطرح يدعو للإقصاء والاستحواذ.
والمثاقفة على المستوى المسرحي تشير إلى جزئيتين:
الأولى، المثاقفة الخارجية، وهي التي شغلت العرب منذ 1847م مارون النقاش، وبعده في بدايات القرن العشرين، لتنشغل أكثر في المرحلة اللاحقة في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات على وجه الخصوص، حيث اطلع العرب على النص المسرحي الغربي والعرض المسرحي الغربي والمنهاج، وفي هذه الفترة أمست لدى العرب حركة ترجمة للمسرح، وبعد ذلك بقي الاقتباس ديدن الكثير من المسرحيين العرب، ومازال هذا الاقتباس وهذه المثاقفة تشتغل حتى الوقت الراهن، من خلال استعراض النصوص المسرحية المترجمة، والمنهاج المسرحي والنقدي. والنص المسرحي وهو يبدو الأكثر اهتماما من قبل المخرج العربي حتى اللحظة، ويبدو الأمر يتعلق بأكثر من جانب، مثل استسهال حصول المخرج العربي على النص الغربي، وخاصة أنه نص قديم لا يطالبه أحد بحقوق الملكية، ويتغيا المخرج العربي عدم تحمل أي تكلفة مادية فيما لو كان النص المسرحي عربيا، ثم هناك سبب آخر قد يكون ضعف شخصية وضعف امكانيات لدى المخرج العربي، فيهرع لنص مسرحي عرض على خشبات المسرح، وربما تعرض للنقد الإيجابي، وربما يكون المخرج العربي اطلع على طريقة العرض كصورة اخراجية نهائية للنص المسرحي، وتوضح الترسيمة التالية هذه العلاقة القائمة على اقتباس النص المسرحي الغربي:
الغرب منتج للنص المسرحي العرب مستهلك للنص المسرحي الغربي
وقد يلح سؤال بما يخص هذه المثاقفة، ولأنها باتت تسبب مثالب كثيرة، وقد تخرج الآن عن إطارها المثقافاتي، ولكن متى تتوقف مثل هذه المثاقفة القائمة على الاقتباس تحت مسميات بهرجية معينة مثل الإعداد والتجريب؟
الثانية، المثاقفة الداخلية أو العربية العربية، وهنا نذكر استلهام التراث العربي، ومساءلته والتأثر به، فيقوم المخرج بإعادة انتاجه على مستوى الإعداد للنص المستلهم وهو التراثي، ثم يقوم بعرضه كعرض مسرحي ذي منابع تراثية، وقد لاقت هذه الرؤية رواجا وتأييدا في مرحلة الستينيات والسبعينيات في الوطن العربي، ولكنها تخبو الآن. وهذه الترسيمة توضح هذا الاقتباس:
من العرب استلهام التراث إلى العرب إعداد التراث كنص مسرحي
وفي إطار المثاقفة، نتلمس المثاقفة التناصية في المسرح، والتناص يدخل في إطارية بعد المثاقفة سواء أكان بأخذ المعنى، أو بتضمين أشياء من كاتب آخر في نص جديد لكاتب آخر، وقد تطرق العرب في القديم لمفاهيم عدة حول ما يقارب مفهوم التناص، مثل التضمين، الاقتباس، وبعضهم اعتبر ما يقارب هذا المفهوم من السرقة الأدبية، سواء أكان بالمعنى أم بالنقل. ولكن مفهوم التناص أصبح مفهوما واسعا، بحيث يتضمن كل الأجناس الأدبية بما فيها المسرح، وهنا الإشارة إلى النصوص، ولكننا إذا أمعنا النظر بما يعرف بالتجريب المسرحي ألا يعد هذا التجريب نوعا من التناص؟ قد يكون تناصين: تناص على مستوى النص وتحويرة بما يلائم الرؤى والأفكار والأهداف، وتناص على مستوى العرض من حيث إنتاج عرض مسرحي تحت العنوان نفسه أو ما هو قريب منه. وفي هذا الإطار التجريبي قد وقع الكثر من المسرحيين العرب تحت تأثير التجريب، فأخرجت الكثير من النصوص العالمية في مهرجانات مسرحية عربية متعددة منذ أزمنة بعيدة، وقد تكون الإشارة لمارون النقاش مثلا جليا على ذلك، ومنذ ذاك الزمن 1947 وكما يروج له كتاريخ لبداية المسرح العربي، ما انفك العرب يقومون بالتجريب وإخراج مسرحيات والاقتباس من النصوص العالمية والغربية خاصة على مستوى النص والمنهاج.
وبالنظر إلى التناص في المسرح، نجد أن من قام بتعريف إجرائي لذاك المفهوم، فالتناصّ "مفهوم واسع المعالم يحتوي مكنونات رؤية الكتابة المسرحية وأفكارها ومضامينها وتضميناتها، يدرك بشكل ملموس، وهو فضاء فكري وذهني تتحرك فيه تداعيات النفس الحسية والعقلية، وتتفاعل وتتمظهر في فضاء الكتابة المسرحية من خلال مجموعة آليات واجراءات تناصية، مما يتيح للنص المسرحي بروز الخاصية التجريبية، واعطائه قيمة دلالية وجمالية وتأويلية تعضد النص، بوسائل وتقنيات الكتابة التي تتحكم في مدى فاعلية المتلقي من خلال ايجاد مسافة جمالية تسهم في رصد أفق توقعات النص المسرحي"33 هذا التعريف الشامل لمعطيات سميت بمسمياتها مثل: الكتابة المسرحية والنص المسرحي والأفكار والمتلقي، فهو من خلال التعريف يبين عن العلاقات المتعددة التي تشكل النص المسرحي، وخاصة تلك العلاقة التي تنتج تفاعليا وتشاركيا ما بين النص والمتلقي. ومن خلال هذه العلاقة التي تتشكل يبرز مفهوم التأثر والتأثير، وهو بالتالي مفهوم مثاقفة، ومثاقفة حوارية ما بين النص الذي يبدو بأصوات متعددة وبين المتلقي وهو متعدد أيضا.
وبما يخص التناص في المسرح العربي، نجد من النقاد العرب من استطرد في تقصي التناص المسرحي العربي بالغربي، ومن ذلك كمثال سعد الله ونوس، حيث وقف عنده عبدالله أبو هيف، حيث يبين رأيه واضحا بسعد الله ونوس حينما يصفه بالقول " فقد عمد سعد الله ونوس "1941-1997م" إلى تمثل المثاقفة الحضارية في مسرحياته كلها عن طريق التناص الذي يصل حدّ النقل أو الاقتباس أو الإعداد أو التوليف غالباً"34
التأثر والتأثير:
وعلى مستوى النقد بدا التأثير الغربي واضحا في الدراسات النقدية العربية " إن التنقيب في التراث العربي عن الظواهر المسرحية ومحاولة صياغة مفهوم نقدي وجمالي لمسرح ذي هوية عربية، على نحو ما نرى في مسرح الحكواتي لروجيه عساف والطقوس الفلكلورية التي حاول سلمان قطاية أن ينظر لها معتمدا على المقامات وشعائر التعزية في العراق وحفلات الكر والسماح والمولوية فضلا عن خيال الظل والجرجوز، ومسرح البساط، وصندوق العجائب، ومحاولة علولة شق طريق جديد للمسرح الجزائري بالاعتماد على طقوس القوال، أو المداح، ومحاولة برشيد في المسرح الاحتفالي، وتوفيق الحكيم في مسرح المركز أوالجوال، ويوسف ادريس في السامر، فتلك الجهود لمحاولة تأصيل المسرح العربي لا تخلو من التأثر بالنهج البريختي الملحمي سواء من حيث الرؤى أو من حيث المناهج والاجراءات النقدية"35 وهذه الفقرة الطويلة أوردناها نظرا لأهميتها من حيث الحديث عن التأثر بالمسرح الغربي، سواء أكان على مستوى النص أو المنهج. وعلى مستوى الرؤية العامة للمسرح العربي نجد هناك تأثرا في المسرح البريختي الملحمي " فالتيارات المعاصرة في المسرح العربي مثل مسرح السامر، مسرح الفرجة الحكواتي، المسرح الاحتفالي تحمل بعض سمات المسرح البريختي"36 وكان لبريخت تأثير كبير على المسرح العربي على المستوى الإخراجي والنصي "من المسرحيات التي اقتربت من منهج برخت واسلوبه، مسرحية "لومومبا" المسرح القومي المصري لرؤوف مسعد. وتأثر ببرخت مسرحية "سليمان الحلبي" لألفريد فرج عرض المسرح القومي المصري"37 وهذا التأثير كان بسبب القضايا العربية مثل "المصير المشترك والاهتمام بقضية الحرب والسلام، ودور الامبريالية فيها، والاوضاع الاقتصادية ونقد السلبيات والذات العربية أدت لمزيد من الاهتمام بمسرح بريخت الملحمي، لدعوة الجمهور العربي للمشاركة في قضاياه"38 ومن النماذج التطبيقية في المسرح العربي الذي تأثر ببريخت "مسرحية البعض يأكلونها والعة" لنبيل بدران، مسرحة الملك هو الملك سعد الله ونوس، المهرج لمحمد الماغوط"39 وبالنظر إلى مسرح سعد الله ونوس، نجد أنه تناص كثيرا مع الآخرين، وهذا ما بينه عبدالله أبو هيف، وسرد مسرحياته والتناصات مع المسرح الغربي، والتراثي، ومع مسرح بريخت بشكل خاص على مستوى المنهج وأسلوب اشتغال بريخت على العرض المسرحي.40 انشغل الكثير من المخرجين العرب ومن الكتاب العرب بالتراث العربي على مستوى المسرح " الفريد فرج كتب سليمان الحلبي 65/1966 مستعيدا بها نضال الشعب ضد الفرنسيين ... ومسرحية كلكلمش 1966 واحدة من بواكير كتابة حياة بطل أسطوري بطريقة تنسجم وروح الحداثة."41
إن كليوباترة لاقت حالة اهتمام كبيرة من حيث تأليفها وإعادة كتابتها من قبل العديد من الكتاب المسرحيين العالميين في الأزمنة المختلفة، وكان شوقي على المستوى العربي هو من تناول كليوباترة في نص مسرحي عربي، ولكنه قد سبقه في هذا كما أسلفت العديد من الكتاب العالميين " وغير معقول أن يبدأ شوقي معالجة موضوعه معتمدا على المصادر التاريخية وحده، إذ لا بد له من الرجوع إلى الموضوع في صوره الفنية، كما أبدعتها قرائح الشعراء في الآداب الأخرى من قبل"42 وشوقي تأثر بالعديد من هؤلاء الكتاب، حيث يشار إلى أن شكسبير كتب مسرحية " أنطوني وكليوباترة"1607، ودريدن كتب مسرحيته "كل شيء في سبيل الحب أو العالم المفقود" مثلت عام 1677، ونشرت عام1678 ولمدام جيراردن مسرحية فرنسية بعنوان"كليوباترة" عام 1847، ويبدو أن شوقي تأثر بهؤلاء ، فانبرى يكتب مسرحية كليوباتره بتأثر الكاتب بسواه "التأثير العكسي وفيه تكون الأعمال الأدبية صدى أعمال أدبية أخرى تتولد عنها، ولكنها بمثابة مقاومة لما تقصد إليه من معنى."43
الترجمة والنقل:
إن المعنى المعجمي يبين بإفصاح عن معنى كلمة ترجمة، ترجم الكلام أو عنه: نقله من لغة إلى أخرى. وترجم الكلام: بينه. وترجم عنه: أوضح أمره. والترجمة: تفسير.44 ويشير الجاحظ إلى أهمية الترجمة وامتلاك اللسان المنقول عنه " ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها حتى يكون فيهما سواء وغاية "45 ويقول التوحيدي في كتاب المقابسات " على أن الترجمة من لغة اليونان إلى العبرانية ومن العبرانية إلى السريانية ومن السريانية إلى العربية قد أخلت بخواص المعاني في أبدان الحقائق إخلالا لا يخفى على أحد"46 فالترجمة يبينها الجاحظ على الكيفية التي تكون غاية في الدقة والاتقان للغة، لتوصل المعنى المراد حقيقة، وهذا ما يؤكده التوحيدي، فالترجمة والنقل عنده لا بد أنها قد أخلت بالمعنى. وتبدو الترجمة الأدبية غاية في الصعوبة، وهي بذلك تختلف عن اللغة العلمية " فلا أحد يمكنه أن يدعي بطريقة جازمة، أن القصيدة أو المسرحية أو الرواية ترجمت بالصورة التي تحقق التطابق التام بين النصين الأصلي والمترجم، حتى يصيرا نصا واحدا شكلا ومضمونا، مثلما يمكن أن يحدث في النصوص العلمية"47 وهذه إشارة دالة على صعوبة ترجمة العمل الأدبي، وقد يكون السبب الرئيس في ذلك إلى الإنشائية والخيال، وربما هناك سبب تملك ناصية اللغة المترجمة واللغة التي نقل إليها، وقد يكون هناك سبب آخر بأن يكون المترجم متخصصا باللغة من حيث معرفة المادة المنقولة سواء أكانت لغوية أو أدبية، وهذا ما يجعل الترجمة تقترب من النص الأصلي، تقترب ولكن لا تماثله، ومهما يكن فإن الغاية من الترجمة التواصل الحضاري، والمثاقفة بين الأمم والشعوب.
وبما أن الموضوع الذي يشغلنا في هذه الدراسة هو المسرح، يؤكد بعضهم عن ترجمة المسرح " كان أول مثل لهذه الترجمة هو العمل الذي افتتح به المسرح الكوميدي " هيلين الجميلة " عن مسرحية أوفنباخ التي تحمل العنوان نفسه، والتي عرضت أولا في عام 1864م وطبعت في بولاق عام 1869م... ويبدو أن هذه كانت أول ترجمة حرفية لعمل درامي أوروبي إلى العربية."48 إن الحديث عن ترجمة المصطلحات اليونانية إلى العربية، لم تكن مجرد نقل كتب اليونان عن المسرح أو غيره، وإنما الغاية البعد الثقافي الذي تواصل معه العرب من خلال ترجمة الكتب اليونانية، ومهما كانت الترجمات العربية بما يخص المسرح غير دقيقة للمفهوم اليوناني، تبقى عملية المثاقفة هي الحافز الوحيد للتواصل بين الأمم والشعوب، وقد تنبه العرب لهذه الأهمية منذ زمن بعيد، وتكللت بترجمات كبيرة في أزمنة عربية لاحقة، ولكن هذا القول لا يشفع للمترجمين عدم رغبتهم ودقتهم بالوقوف على المعنى الدقيق لتلك الترجمات، ونورد بعض هذه المصطلحات التي تهم المسرح بشكل خاص، وقد ترجمت إلى العربية بوساطة مترجمين عرب أو غيرهم إلى العربية مثل: يونس بن متى، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد.
فالفارابي يشير إلى المصطلحات اليونانية في كتاب أرسطو فن الشعر "إن أشعار اليونانيين كانت مقصورة على هذه الأنواع التي أعدها مثل: طراغوذا، ديثرمبي، قوموذيا، وإيامبو، ودراماطا، وايني، وديقرامي، وساطوري"49 وقد استطرد الفاربي بشرح هذه المصطلحات مفصلا بها تفصيلا دقيقا، الطراغوذيا نوع من الشعر يذكر فيه الخير والأمور المحمودة المحروص عليها يمدح بها مدبرو المدن، وديثرمبي نوع من الشعر تذكر فيه الخيرات الكلية ولا يقصد به مدح إنسان معلوم، والقوموذيا نوع من الشعر تذكر فيه الشرور وأهاجي الناس وأخلاقهم المذمومة ... وأما دراماطا تذكر فيه الأمثال والأقاويل المشهورة في أناس معلومين وفي أشخاص معلومة، وساطوري نوع من الشعر أحدثه الموسيقاريون ليحدثوا بانشادهم حركات في البهائم والحيوان لخروجها عن الحركات الطبيعية فيتعجب منها.50 وابن سينا في كتاب الشفا يبين أن اليونانيين " كانوا يسمون كل وزن على حده، الطراغوذيا يتضمن ذكر الخير والمناقب الانسانية ويضاف ذلك إلى رئيس يراد مدحه، وديثرمبي لا يمدح به انسان خاص بل لكل الاخيار، وقوموذيا نوع يذكر فيه الشرور والأهاجي، ودراماطا للجدال ويراد به إنسان مخصوص، وساطوري زعم أنه يحدث في الحيوان حركات خارجة على العادة"51 ابن سينا يشبه الفاربي وكأنه ينقل منه بالجملة الحرف والكلمة، وهو يؤكد على ما قاله الفارابي. ويسترسل ربما بشكل موضح أكثر، فهو يصف الطراغوذيا المديح الذي يقصد به إنسان حي أو ميت، والديثرامب، يمدح به الأخيار وكان يؤلف من 23 رجلا وهي المقاطع، والقوموذيا يهجى به هجاء ومخلوطا بالسخرية... 52 وابن رشد في تلخيص كتاب أرطوطاليس في الشعر والذي سماه الشرح الوسيط، فهو يميل إلى الوصف أكثر من التعريف والتخصيص الدقيق، كما فعل الفاربي وابن سينا عندما يتحدث عن الشعر اليوناني" فكل شعر إما هجاء وإما مديح "53 ويبن بحديثه عن الهجاء كما وصفه في الشعر اليوناني " وصناعة الهجاء ليس إنما المقصود بها المحاكاة بكل ما هو شر وقبيح فقط، بل وبكل ما هو شر مستهزأ به أي مرذول قبيح غير مهم به" 54 وربما تكون ترجمة ابن رشد، هي ما دعت الكثير من العرب في الأزمنة اللاحقة يستهجون ترجمته، فالتراجيديا مدح، والكوميديا هجاء كما بين ذلك.
والعرب اهتموا كثيرا في الترجمة، ووقف على ترجمة أرسطو عدد من المترجمين العرب أو الذين ترجموا للعربية ، وقد ذكر عبد الرحمن بدوي بترجمته لفن الشعر لأرسطو عددا منهم " قال ابن النديم في الكلام عن كتب أرسطو "الكلام على أبوطيقا، معناه الشعر، نقله أبو بشر متى من السرياني إلى العربي، ونقله يحيى بن عدي"55 ويذكر الكندي توفي 252هـ حيث يقول " وللكندي مختصر في هذا الكتاب "56 وهنا يشير إلى فن الشعر لأرسطو. ويؤكد مرة أخرى على ابن سينا الذي ترجم فن الشعر لأرسطو في كتاب الشفاء ولكنه اعتمد كما يقول على يحيى بن عدي نظرا لأن ترجمة أبي بشر متى بن يونس القنائي توفي 328هـ رديئة... ويشير إلى اسحق بن حنين توفي 298هـ... 57 ويذكر بدوي الفارابي توفي 339هـ الذي جاء بعد الكندي " فلخص كتاب الشعر مستعينا بشرح ثامطيوس"58
ويذكر بدوي ابن سينا توفي 428هـ " وليس من شك في أن ابن سينا قد استعان في تلخيصه لكتاب الشعر في الشفاء بتلخيص الفارابي"59 ويذكر بدوي ابن الهيثم " فقد ذكر له ابن أبي أصيبعه رسالة في صناعة الشعر ممتزجة من اليوناني والعربي"60 ويذكر بدوي أخيرا ابن رشد توفي 595هـ الذي " يلخص كتاب أرسطو تلخيصا من نوع الملخصات الوسطى أي التي لا تتابع النص جملة جملة، بل تلخص مجمله، وقد تأتي بعبارات هنا وهناك منقولة عن النص الملخص إما بحروفها أو بعبارة قريبة منها "61 وهنا ينقد بدوي ابن رشد عندما يصفه بأنه قام بتطبيق" قواعد أرسطو على الشعر العربي، وقد أضلته ترجمة متى للتراجيديا بأنها المديح وللكوميديا بأنها الهجاء "62 ولم يكتف عبد الرحمن بدوي بنقد ابن رشد بل ذكر شعوره بالمرارة والألم من تلخيصات " الفارابي وابن سينا وابن رشد ". ويجدر بنا أن نقف عند هذه الترجمات العربية القديمة والتي انهال عليها النقد من كل حدب وصوب، وربما يشفع لأولئك أهمية كتاب أرسطو فن الشعر، صحيح وقع المترجمون بخطأ ترجمة المصطلح والذي مرده لشيئين: أن العرب أو المترجمين للعربية لم يكونوا على اطلاع تام وفهم عام للغة اليونانية. وربما من جانب آخر أنهم أخذوا كتاب فن الشعر من آخرين أساءوا الترجمة، وخاصة أن هناك من ترجم كتب اليونان إلى السريانية ثم نقلت إلى العربية. وقد يكون الأمر على غير هذا بالإشارة إلى أن العرب ترجموا شروحات المصطلحات في كتاب فن الشعر، وليس ما جاء دالا على المصطلح. وعلى كل وبما يخص ترجمة ابن رشد فهو الذي حاول أن يقيم مقارنة بين الشعر العربي والشعر اليوناني، وهو يلجأ كثيرا للشعر العربي ليؤكد ما يرمي إليه، وهذا يندرج في إطار المثاقفة، وأن العرب كانوا يسعون لمعرفة ما لدى الآخر من فنون القول والمعرفة.
ومهما يكن، فإن شروحات العرب لكتاب فن الشعر لأرسطو تدخل في إطار المثاقفة، وخاصة عندما قام عدد من المترجمين الغرب بترجمة النص العربي، وهذا ما فعله الانجليزي مرجليوث عام 1887حيث نشر"ترجمة متى بن يونس العربية وأضاف إليها قسم الشعر من كتاب الشفاء لابن سينا"63 وكان لهذه الترجمة غاية الافادة من الترجمة العربية ومقارنتها مع اليونانية، وهكذا نجد أن المثاقفة امتدت قرونا طويلة بداية بترجمة النص اليوناني لأرسطو عن طريق عدد من المترجمين العرب، ولم يكتفوا بهذا، بل وضعوا شروحا لها مثل ابن رشد حيث قارنها بالشعر العربي، وثم جاءت أوروبا تترجم النص العربي عن طريق عدد من المترجمين الغربيين، ليكون النص العربي كشاهد ودليل على النص اليوناني. والمثاقفة لم تقف عند حدود نشر كتاب فن الشعر والشروحات العربية أو الترجمات العربية، بل نجد من اهتم من خلال ترجمات العرب بالشعر العربي فصدرت "دراسة للمستشرق الايطالي غابريلي عام 1929 حول جمالية الشعر العربي من خلال شرحي ابن سينا وابن رشد لكتاب الشعر الارسطي"64
والنقل والترجمة للنص المسرحي الغربي، نتبينها من خلال الترجمات العربية للمسرح الغربي على مستوى النص والمنهاج، نشير في هذه الدراسة إلى جملة من النصوص المسرحية والكتب المسرحية التي ترجمت إلى العربية، وقد تبدو كثيرة، ومهما كانت لها من أهمية على مستوى نقل المعرفة المسرحية، فهي لا تخلو أيضا من ضعف في إنتاجية المسرح العربي على مستوى النص والنقد. وقد تأسست منشورات خاصة، واكبت نشر النص المسرحي الغربي وترجمته إلى اللغة العربية، ويشار بهذا إلى سلسلة من المسرح العالمي، والتي تصدر من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. وبنظرة إلى مسرحيات شكسبير، نجد حجم الترجمة لنصوص هذا الكاتب الكبير. وإن ترجمة شكسبير بترجمات عربية عديدة، لا تبين عن أهمية شكسبير كشاعر مسرحي كبير فقط، ولكنها تشير إلى مدى رغبة العرب بالاطلاع على النص المسرحي العالمي، وتشير مرة أخرى إلى توافر عدد من المترجمين العرب، والذين عكفوا على ترجمة شسكبير في السنوات المختلفة، وجاءت بعض الترجمات مكررة لمرات عدة، ومازالت مسرحيات شكسبير تترجم. وإذا ما نظرنا إلى هذه الترجمات، نجد توافر النص المسرحي المترجم إلى اللغة العربية، وبدا يشكل مادة نصية يرتكز عليها المسرحي العربي، المؤلف والمخرج والناقد، حيث خضعت مسرحيات شكسبير إلى الكثير من النقد تلو النقد على سبيل المثال.
وقد بدأ الاهتمام بالمسرح المترجم ونشره على شبكة الانترنت، فهناك عدد من المواقع العربية التي قامت بنشر المسرح إلكترونيا، ومن الملاحظات على هذه الكتب، نجد أنها تراوحت بين الترجمة والتأليف، ترجمة النص المسرحي العالمي، والنقد المسرحي العالمي، وتأليف نصوص مسرحية وكتب نقدية مسرحية عربية. وهذه دلالة أخرى على اهتمام العرب بالترجمة، واهتمامهم بالمسرح على مستوى النص المسرحي والكتاب النقدي.
المسرح العربي وحاضر الاقتباس:
وإذ نحن نتحدث عن المسرح العربي وتأثرة واقتباسه من المسرح الغربي، لا بد من الإشارة إلى أن هناك من يؤمن بأزمة نص على مستوى النص المسرحي، وما انفكت تلك الدعوة تتجدد بين الفينة والأخرى، ولكن الأمر يبدو ليس أزمة نص مسرحي عربي، وخاصة أن هناك كتابا عربا متخصصين بكتابة النص المسرحي سواء أكان للكبار أو للأطفال، وهذا يزيح اللثام عن أصحاب الدعوة التي تتباكى لفقدان النص المسرحي العربي، وهذه المقولة غير صحيحة، وقد تشبث بها مجموعة من المخرجين المسرحيين العرب، ولهذا نقول إن المسرح العربي ربما يعاني من أزمة مخرج مسرحي عربي، وليس من أزمة نص مسرحي عربي، وربما كانت الدعوة هذه فيما مضى قد تكون مشفوعة بشيء من المصداقية، ولكنها قراءة ظالمة حتى فيما مضى من السنين، فالنص العربي موجود والعزوف عنه من قبل المخرج، والذي قد يكون غير متمكن من أدواته الإخراجية، ولا من رؤيته الإخراجية، فليجأ إلى النص الغربي، لأنه عرض وتم الحديث عنه، وعن كيفية اشتغالة على مستوى العرض، ولهذا يبدو أن أزمة المسرح العربي على مستوى النص مفتعله، لتكون هناك مبررات لأخذ المسرح الغربي واقتباسه على مستوى العرض أيضا، وهذا يعتبر عملا سلبيا يقلل من وجود المسرح العربي في العالم، ومن افتقاد المسرح العربي للرؤية، والسبب يرجع أولا وأخيرا للمخرج المسرحي العربي، وهذه الإشارة الأخيرة لا تنطبق على بعض المخرجين العرب الذين فزعوا للتراث العربي لمسرحته، وكذلك تعاونوا مع الكاتب العربي، ليكون لدينا مسرح عربي خاص على مستوى النص والعرض، وربما المنهاج أيضا فيما يتعلق الأمر بتأصيل المسرح العربي، لينطلق مسرحنا من قضايانا... ولا بد من الإشارة والدعوة للمخرج المسرحي العربي بالتوقف عن حجج أزمة نص مسرحي عربي، بل المطلوب أن يكون المخرج المسرحي العربي قادرا ومتمكنا من أدواته الفنية والتقنية، وقادرا على قراءة النص المسرحي العربي، وهذه الدعوة لا تبين عن فجوة حضارية بل تدعو للتواصل الحضاري من خلال ولوج النص المسرحي العربي والعرض المسرحي العربي قاعات ومسارح العالم، وخاصة المسرح الغربي، ومن هنا تبدأ مسألة التواصل الحضاري أكثر أهمية، ومصداقية وتشاركية على المستوى العالمي والإنساني، فكل الشعوب ليدها مقدرة وقدرة على خدمة البشرية، وحري بمسرحنا العربي أن يلج قاعات المسارح الغربية.
نتائج الدراسة:
- إن هذه الدراسة وقفت على اقتباس المسرح العربي/ المثاقفة بين المسرح العربي والغربي، من خلال المفهوم العام للمثاقفة وجزئيات المثاقفة، فهي قد تكون مثاقفة في لغة واحدة من خلال الرجوع إلى التراث العربي، واستلهامه ليصاغ كنص مسرحي على سبيل المثال، وهناك مثاقفة مع لغة أخرى، وهنا استلهام المسرح من اللغة الأم، ويبدو أن المثاقفة اهتمت بجوانب عدة بما يخص المسرح، فهي تهتم بالنص المسرحي الغربي، وتهتم بالمنهاج المسرحي الغربي " الإخراج والتنظير في المسرح " والسير على خطاه.
- إن هذه الدراسة وقفت على جزئيات عدة تشكل ماهية المسرح العربي من خلال: الاقتباس، التأثر والتأثير، الأدب المقارن، الترجمة والنقل، التناص، تعدد المثاقفة، لتشكل هذه المفردات جزئيات البحث.
- إن المثاقفة تقسم من حيث الداخل والخارج إلى قسمين، الأول الذي يقتبس من الآخر، وهنا الحديث عن الغرب، والثاني الذي يقتبس من العرب كتراث.
- إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردا من دون مشاركة الآخرين، فهذه هي الطبيعة الاجتماعية للإنسان، من باب حاجة الإنسان إلى الإنسان الآخر، مهما اختلف معه في الرؤى أو المعتقد، ولكنه قد يقترب منه في العمل الأدبي والفنون المختلفة والصناعات المتعددة، وهذه الحاجة هي التي تولد التعاون والتعارف، كمنطلق حضاري للإنسان.
- إن اللغات تواصلية يؤثر كل منها بالأخرى، وفي مختلف أنواع الفنون، ومنها المسرح.
- إن التناص المسرحي يعني تأثر نص بنص آخر، وليس شرطا أن يكون هذا النص من اللغة نفسها، وهذا ما وجدناه في تناص المسرح العربي على مستوى النص مع النص الغربي.
- إن التأثر والتأثير علاقة جدلية بين اللغات والنصوص المتعددة، لينتج نص جديد من خلال فهم مرمى النص والبعد الثقافي للنص الأصلي.
- إن الاقتباس من المسرح الغربي، كان ديدن المسرح العربي والقائمين عليه، وخاصة في مجال النص المسرحي المقتبس، كون النص المسرحي العربي لم يكن معروفا على مستوى النص المسرحي الغربي.
- إن الترجمة عملية تواصلية، ورافد أساسي بتلاقي الأفكار وتواصلها على المستوى الإنساني.
- إن الإنسان العربي لم يألُ جهدا من أجل ترجمة معارف الآخرين للغة العربية لمحاكاتها ومجادلتها والإفادة منها... وهذه الترجمة بدأت منذ زمن بعيد وقد تطرق إليها الأدباء العرب، وقد اشترطوا فيها شروطا عدة، من أجل المحافظة على سلامة النص الأصلي ونقله بالصورة الصحيحة للغة العربية.
- إن الاقتباس من المسرح الغربي قد يعد مثلبة وذلك في العصر الحالي، لأن النص العربي متوافر. وإن الحديث عن أزمة نص مسرحي عربي لفترة طويلة ومازالت تترى، لدليل على أن الاقتباس مازال حاضرا في المسرح العربي.
- إن الدعوة للاستقلالية في المسرح العربي قد لاقت رؤى مختلفة بين من يؤيد ومن يمانع ، فالمؤيد على أن المسرح الغربي لم يكن معروفا عند العرب، والممانع من يبين أن هناك تأصيلا للمسرح في الكتابات العربية والطقوس المختلفة، وأن العرب لهم قضاياهم الخاصة بهم ، فمن الواجب أن يكون لهم مسرح خاص بهم أيضا.
كاتب وناقد مسرحي أردني
المصادر والمراجع:
1 القرآن الكريم، الحجرات الآية13
2 أحمد أمين، فجر الإسلام، وزارة الثقافة، الأردن، 2008م. ص24
3 أحمد أمين المرجع نفسه، ص31
4 عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون،ج4، تحقيق عبد السلام الشدادي، بيت الفنون والعلوم والآداب، ط1، الدار البيضاء، 2005، ص53
5 المعجم الوسيط: مادة قبس
6 قاموس المعاني، موقع إلكتروني www.almaany.com
7 سعد أردش ، المخرج ، عالم المعرفة، ع19، الكويت، 1979، ص232
8 سعد أردش ، المرجع نفسه، ص233
9 سعد أردش ، المرجع نفسه، ص 250
10 سعد أردش ، المرجع نفسه، ص252
11 سعد أردش ، المرجع نفسه، ص 255
12 أردش المرجع نفسه، 261-262
13 أردش المرجع نفسه، 263
14 أردش المرجع نفسه، 265
15 اردش المرجع نفسه، 269
16 أردش المرجع نفسه، 271
17 الرشيد بوشعير، توظيف لتراث الشعبي في المسرح المغاربي، الملتقى العلمي للميسرح المحترف، وزارة الثقافة، الجزائر2010م، ص67
18 أردش مرجع سابق، ص 274
19 مفيد حوامدة، المسرح في الأردن، منشورات لجنة التاريخ، عمان، الأردن، 1993، ص 33-34
20 توفيق الحكيم، قالبنا المسرحي، مكتبة الناصر، القاهرة، مصر، 1967، ص 14
21 ابن زيدان، اشكال الفرجة ودلالاتها في المسرح المغاربي بين المحلي والتجارب الغربية، وقائع الملتقى العلمي2011 ص200
22 فيليب سادجروف، المسرح المصري في القرن التاسع عشر، ترجمة أمين العيوطي، وزارة الثقافة ، مصر، 2007م، ص153
23 أبو الحسن سلام، حيرة النص المسرحي، دار الوفاء ، الاسكندرية، 2007م ص73
24 أبو الحسن، المرجع نفسه، ص73
25 ينظر منصور عمايرة ، جهود التجارب المسرحية العربي، الملتقى العلمي للمهرجان الدولي للسمسرح الجزائر، 2011م، ص42
26 قاموس المورد.
27 ينظر منصور عمايرة ، جهود التجارب المسرحية العربي، مرجع سابق، ص42-43
28 ينظر توفيق الحكيم، الملك اوديب، مكتبة مصر، ص43
29 الحكيم أوديب، المرجع نفسه ص44
30 الملك أوديب ، المرجع نفسه ص 52
31 ماريوس فرانسوا غويار، الأدب المقارن ، ترجمة هنري زغيب، منشورات عويدات ، ط2، بيروت 1988م. ص15
32 ينظر صلاح السروي، المثاقفة وسؤال الهوية - مساهمة فى نظرية الأدب المقارن ، موقع الكتروني، الحوار المتمدن،العدد2786/ 2009
33 عمر نقرش، مفهوم التناص في النص المسرحي- دراسة نقدية لنماذج من المسرح العربي، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد2002م، ص11.
34 ينظر عبدالله أبو هيف، المسرح العربي المعاصر منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002. ص154
35 الرشيد بوشعير، صدى المناهج الغربية في النقد المسرحي العربي، الملتقى العلمي المسرح المحترف، النقد المسرحي المعاصر، 2011، الجزائر ص157
36 أحمد العشري، مسرح بريخت بين النظرية والتطبيق العربي، عالم الفكر، ج21، ع3، الكويت 1993م ص37
37 علاء عبد الهادي ، برشت في المسرح المصري الحديث، مجلة أدب ونقد، القاهرة 1997م. ص103
38 أحمد العشري، مرجع سابق، ص37
39 أحمد العشري، مرجع سابق، ص47
40 ينظر عبدالله أبو هيف، مرجع سابق، ص155-156 "تستند بعض مسرحيات «حكاية جوقة التماثيل» (1965م) على التناص مع الأساطير والمسرحيات اليونانية، ولاسيما «الرسول المجهول في مأتم انتيجونا». وقبلها وضع مسرحية «ميدوزا تحدق في الحياة» (1963م). في مسرحيه «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» (1968م) تناص بين مسرحية بيراندللو «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» ومسرحية أروين شو «ثورة الموتى» ومنهج بريخت الملحمي، ولاسيما كسر الإيهام. وتتناص مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» (1969م) مع الموروث الشعبي، ومسرحية «رأس المملوك جابر» (1971م) مع التاريخ الغربي وكتابة المؤرخين والقصاصين الشعبيين عنها. ومسرحية «سهرة مع أبي خليل القباني» (1972م) تناص بين وقائع حياة هذا الفنان وبعض مسرحياته في إطار مسعى ونوس إلى ملحمية المسرح كما صاغه بريخت مثل الروائية وكسر الإيهام وتدعيم الاتصال بين الفنون أو الاستفادة من تقانات المسرح الشامل. وأعد «توراندوت» عن مسرحية بريخت التي تحمل العنوان نفسه (1976م) وأعد «يوميات مجنون» (1976م) لجوجول، وعُرضت في المسرح التجريبي بإخراج فواز الساجر وتمثيل أسعد فضة عام 1977م. وكتب «الملك هو الملك» (1977م) تناصاً مع «رجل برجل» لبريخت ومسرحية مارون النقاش. وأعاد تأليف مسرحية بيتر فايس «موكنبوت» في مسرحيته «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» (1978م). وكتب مسرحية «الاغتصاب» (1989م) تناصاً مع مسرحية انطونيو بويرو باييخو «القصة المزدوجة للدكتور بالمي». ووضع مسرحية «يوم من زماننا» (1993م) تناصاً مع مسرحية «كل شيء في الحديقة» لجايلزكوبر، وأعدتها من قبل نضال الأشقر وروجيه عساف في عرضهما «كارت بلانش» عام 1969م. وكتب مسرحية «منمنمات تاريخية» (1993م) تناصاً مع الوقائع التاريخية والنص الخلدوني التأليفي والسيري. وألف مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» (1994م) تناصاً مع يوميات البديري الحلاق ووقائع التاريخ الدمشقي القريب. وكتب مسرحية «ملحمة السراب» (1995م) تناصاً مع أسطورة فاوست. وثمة تناصات كثيرة في مسرحيته الأخيرة «الأيام المخمورة» (1997) مع مسرحية شكسبير «هاملت» وسواها"
41 ياسين نصير، اسئلة الحداثة في المسرح، الشارقة ط1، 2011م ص 81
42 محمد غنيمي هلال، في النقد المسرحي، دار النهضة ، مصر ، 1955، ص 10
43 محمد غنيمي هلال، المرجع نفسه، ص10-12
44 قاموس المعاني، موقع إلكتروني www.almaany.com
45 الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، دار الكتب العلمية، بيروت 1998. ج1ص76
46 أبو حيان التوحيدي، المقابسات، تجقيق حسن السندوبي ، المكتبة التجارية، ط1، مصر ، 1929م ، ص255
47 محمد مدني، النقد وترجمة النص المسرحي، دار الهدى للنشر والتوزيع، مصر ، ص26-27
48 ينظر فيليب سادجروف، المسرح المصري في القرن التاسع عشر، ترجمة أمين العيوطي، وزارة الثقافة ، مصر، 2007م، ص104
49 أرسطوطاليس فن الشعر مع الترجمة العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد ، ترجمة عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953م. ص152
50 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص153،154
51 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص166، 167
52 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص169
53 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، 202
54 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، 208
55 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص50
56 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص 50
57 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص51
58 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص52
59 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص52
60 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص55
61 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص55
62 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص55
63 عبد الرحمن بدوي، المرجع نفسه، ص33
64 زياد الزعبي، المثاقفة وتحولات المصطلح، وزارة الثقافة، الأردن 2007م، ص45
عمّان 2013