يتمم هذا النص الشعري احتفاء باب شعر "الكلمة" بالتجربة الشعرية التونسية اليوم، ويوازي أيضا هذا المنحى الحواري الذي يحضر بامتياز في جل النصوص الشعرية المنشورة، مما يضفي خصوصية على حوار الشاعر التونسي وظله على باب جدارية، هي أقرب لاستعارة فقدان انمحى شيئا فشيئا، وحينها أعلن قصائد مكللة بالحياة.

جِداريةُ الظِّلُ العَاري

محمد كامل العبيدي

اثْنينِ كَانَا..

على واجِهة المَرايَا الْتَقَيَا

أحَدُهُما قَالَ هَذا أنَا

الحُب، السَّلامُ والأرْضُ..

والثَّاني قالَ هَذا أنَا الظِّلُ تَحْتَ الشَّمسِ أَرْنُو

ورَسْمي شامِخٌ يَرْبُو..

فَجْأةً افْتَرَقَا..

ثُمَّ كَانَتْ الحَيَاة...

***

كأَنّي وَحْدي..

منْ رَحِمِ الأرضِ خَرَجْتُ إلى فوْضى العَدَمِ

على مِضْمارٍ مرْسوم سلفًا سِرْتُ مُتكئًا على كَتِفِ الفراغِ

إلى جِسْرِ المَنْفى...

تشَبَّثْتُ ببَصيصِ ضَوْءٍ غارِقٍ في الظَّلام...

***

ماذا وجَدَ عِنْدي..؟ !

الأمَلُ يتْبَعُني كَطائِرٍ بِجَناحَيْهِ يُظَلّلُني...

حينَ صادَفني كان شِبْهَ عارٍ

يُراقِصُ التُّرابَ وعلى وَجْههِ جَداوِلُ من غُبارٍ

 وقطَراتُ مِلْحٍ تَحْفَرُ جِسْمَهُ.

سَأَلْتهُ ماذا تَفْعَلُ ؟

قالَ أبحَثُ عنْكَ يا مُنْتَصَفَ الحُلْمِ!

***

في خُطايا إلى عُزْلتي..

اسْتَقَرَّ ظَنِّي في  قِرْبَة النَّفس

على مُعاودةِ الحُلمِ..

والولادة مع الشَّمسِ 

***

الزَّمنُ المُستعار ساعةٌ حَائِطِية

على جدارٍ تهاوى في ساحةِ الانتظارِ

والوقتُ مُنْتَصف العُمرِ وثلاثةُ أحزانٍ:

قِدْحٌ من المُرّ في قهوة الصَّباحِ

وبحرٌ من التَّراتيلِ لمُنتَصِف النَّهارِ

و مَسَائي أجْراسٌ تُصفِّقُ لرّيحِ

عاصفَةٌ..تَزْدَحِمَ في عيني هائمةً بلا ألْوَان...

***

بيْنَ شِتائي وَصَيْفي رِحْلَةٌ لا ابتدأتْ..

ولا عنها هَوَاجِس النَّفسِ هَجَعَتْ.. !!

ليلي خَدَعَني تحتَ الرَّمادِ.. تَجمَّرَ..يَنْتظِرُني

وصدَى امرأة منْ قَعْرِ خابيةٍ يُناديني:

"أيها الظِّلُ العاري..

متى سَتَصيرُ خِنْجَري..وبِحَدِّ السِّكينِ تَشُقُ خاصِرتي.؟

كأنكَ غَيْمَةٌ سَوْداءُ لا أمْطَرَتْ ولا عنْ خُيُوطِ الشَّمْسِ رَحَلتْ..."

***   

وَكَأنني ما وُلِدْتُ منْ رَحمِ أُنْثى..

لا أحدَ يُشْبِهُني..

رُبما قَدْ مِتُّ أو ما وُلِدْتُ قَطُّ

جَبيني مُظْلِمٌ/ لا مُرْشِدَ لي في عَتَمَتي

هُناكَ لي نُورٌ في سماءِ المُطلقِ يوجِعُ أُنْمُلتي..

***

منْ جديدٍ صَدًى يَطْلَعُ كَأنّهُ بُرْعمٌ تَفتَّقَ من عُشْبةٍ،

يَقولُ لي:

"هذا هو أنتَ..

وهذا يومُ ميلادكَ..."

ويَغيبُ مع/عنِ اللّحظِ. !

***

معَ كُلّ حياةِ تَرْنو أنْثى

إذا ما أصابها الغُرورُ ألْهَبَتْ فِتْنَةً فيها..

وأنا قصائدي شَذراتُ أُنثى تَرْبو بما فِيها علَى مَا فِيها

..كأني طائِرٌ سماويّ..

أحسُّ معها بِلهيب الحياة قبل ولادتي يتناثَرُ مع الرَّمادِ

***

اليَوْمَ عيدُ ميلادي..

أكتُبُهُ بالنَّبْضِ على أسوارِ المدينةِ

فَتيلَ شَجَرَ زَيْتٍ

لِلْمُرتحلين/المُترجلين على مَحَاريب المنافي

ومنارة لِأَحلامِ العودة..

ولِلْعائِدينَ مِنْ قَبْوِ الزَّمنِ الآسي.

***

أنا السُّؤال المُحرِجُ بكلّ ما فيَّ منْ حَرْفٍ

حِزْمَةٌٌ من ضادٍ و "واو" عَطْفٍ على كَتِفي

وَهمزَة وَصلٍ تَصِلني بأملِ طُفولةٍ غابتْ عن أزقّتي

وكَلماتي نَجْماتٌ دُرِّيةٌ تُنيرُ دُروب عَاصِفَتِي..

أنا الثَّائر أبًا عنْ جدٍّ..

وحَليبُ فُطامي قِنِّينَةٌ فاضتْ بِعُباب الكَرَمِ.

لا اسم لي حدَّ اللَّحظةِ.. !!

لَو أني أصدِّقُ صدى صوتِ مُنادِيتي، لكُنتُ

أنا الظِّل العاري بلا مُسَمَّى...

أناجي مِرآتي الفارغةَ منْ أيّ وَجْهٍ..

وأيّ رسْمٍ..

وأيّ لونٍ..

سُؤَالي يَهْزِمني وعلى عتباتِ عتباتِ وطنِ التيهِ يتْرُكني

في حُضني أغتسِلُ في بِترولِ خيبةِ وطني...

***

إني أنا العَارِي بلاَ وَاقي

وَرغيفُ الشَّمسِ لنِيسَان يربو لميلاد الزَّهرِ.

هَيَّأتُ لرَّبيعِ الشِّعْر كُلِّهِ

وَشَرَّعتُ للبَحْر نَسائِمَ عِشْقي

وذَوَّبتُ الزَّمانَ المُسْتعارَ في كأسي

وشَرِبتُ حدَّ الثّمالةَ صَحْوِي

وعلى الصّخرةِ ترَكتُ مِعْطَفَ انْكَسَارِي

وقَمِيصِي المُبللَ بأشعاري القديمةِ نَشَرْتُهُ على سَطْحِ أطلالي

وخرَجْتُ إليك بلا واقٍ..

عاريًا

أغتسِلُ من عاري...

***

 

شاعر من تونس