حيث بمقدور الثقافة أن تفعل الجمال دائمًا، وبتمكّنها لأن تنجز أحلامها دون أن تتمسّك بالجهة الواحدة فقط، خطّطت المنامة عاصمة السياحة العربيّة للعام 2013م لصياغاتها الفكرية المقبلة ومشاريعها التي تحلم بها مساء اليوم (الأربعاء)، في التفاف استثنائي شهدته وزارة الثقافة من خلال أمسية رمضانيّة جمعت معالي وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بالعديد من الجهات والمؤسّسات الخاصّة من داعمي مشاريع الاستثمار في الثقافة بمتحف البحرين الوطني، حيث قلب الثقافة يرصد إشارات الأحلام الآتية، وحيث تتضّح تفاصيل المخطّطات التي تحتفي بها المنامة قريبًا.
وفي مطلع اللقاء، رحّبت معالي وزيرة الثقافة بجميع الحضور في اللقاء المنعقد حول برنامج وزارة الثقافة للعام القادم، معربةً عن سعادتها وامتنانها لكلّ المنجزات التي شهدتها الثقافة في عاميّ المنامة عاصمة الثقافة العربيّة 2012م والمنامة عاصمة السياحة العربيّة 2013م، وما سبقها من مشاريع الاستثمار الثقافيّ على مستويات التطوير والتخطيط العمراني والاستضافات العربيّة والعالميّة، إلى جانب العديد من الأفعال والحراكات الثقافيّة والفكريّة التي أسهمت في تحقيق العديد من المنجزات، مشيدةً بدور الداعمين في هذه الإنجازات، إذ قالت: (ليس للثقافة سرٌّ تخفيه، فهي المشاع من الجمال والسلوك الجماعي والفكر الذاتي والتواصل. لقد استطعنا معًا خلال الأعوام القليلة الماضية أن نترجم كل أحلامنا إلى حقيقة وواقع نعيشه باستمرار، وتمكّنا أن نضع البحرين على خارطة العالمية، لأن ما فعلناه معًا لم يكن رصيدًا وزاريًا ولا أحداث مارّة، بل صياغات حضاريّة يمكن ملاحظتها حتّى هذه اللحظة)، وأكّدت: (الثقافة جعلتنا اليوم نلتقي لمرّة أخرى مدركين أنّنا في وسعنا أن نواصل ما بدأناه معًا، فالثقافة لا تنتهي ولا تتوقف، وهي الهويّة الإنسانيّة التي تصنع تأريخًا ونموًا وحضارات، ويمكنها أن تستثمر الأشياء والأفكار كلها). وأثنت على دور تلك الجهات وأثرها الملموس الذي استطاعت من خلاله وزارة الثقافة أن تحقّق العديد من المشاريع والمنجزات الوطنيّة، مردفةً: (لم نكن لنتمكّن من تحقيق كلّ هذا. إن الثقافة بمقدورها أن تنجز حينما نؤمن بها جميعًا، وهي ليست مسؤوليّة وزاريّة بل مسؤوليّة اجتماعيّة وشعبيّة مشتركة، يمكن لنا جميعًا أن نتقاسمها وأن نفعّلها على أرض الواقع)، وبيّنت أنه من الضرورة تكامل الأدوار وتقاسم المهام من أجل تفعيل المشاريع واستثمار المعطيات.
وفيما يتعلّق بالمخطّطات المقبلة، أطلعت معالي وزيرة الثقافة الحضور على التوجّهات التي تتّبعها وزارة الثقافة في مراحلها اللاحقة، خصوصًا وأن العاصمة البحرينيّة المنامة تعيش في عامها المقبل الذكرى الأربعين لمعرض البحرين السنويّ للفنون التشكيليّة، والذي يحتفي بروائع الفن التشكيلي البحرينيّ، مبيّنة أن الاهتمام بالفنّ ضرورة لكونه الخطاب الثقافيّ ما بين مختلف الشعوب والحضارات، وأعلنت: (نتطلّع في العام المقبل أن نحتفي في وزارة الثقافة بعامٍ جميل ومتواصل لمختلف الفنون الإنسانيّة والشعبيّة، حيث نلوّح في العام 2014م بالفن، ليكون "الفنّ عامنا")، وأفصحت عن رغبتها في تكريس جهد خاص للفنون بمختلف أنواعها والسعي لتشكيل تجربة استثنائية توازي التجارب الأخرى حول العالم، بالإضافة إلى مشروع متحف للفنّ الحديث من المعتزم إطلاقه خلال العام المقبل في احتفاء المنامة ببرنامج (الفنّ عامنا)، داعيةً الجهات للمساهمة في ترجمة هذا الحلم والمشاركة في تحقيق منجزٍ فنّي يتواصل لعامٍ كامل. وحول اهتمام الثقافة بالفنون، أشارت معاليها إلى التجربة الأخيرة التي استضافت فيها منامة السياحة معرض (25 عامًا من الإبداع العربيّ)، والذي افتُتِح يوم الاثنين الماضي بمتحف البحرين الوطني بالقول: (نستقبل خلال هذه الفترة معرضًا يكرّس ذاكرة ربع قرنٍ من الفن العربيّ المعاصر بالتعاون مع معهد العالم العربيّ بباريس، والذين حرصوا على جمع متجاورات فنيّة رائعة رسمت خارطة حقيقيّة فنيّة للوطن العربي).
كما وجّهت معاليها دعوتها إلى تطوير وتجديد العروض المتحفيّة واستحداث أساليب عرض المقتنيات وإيجاد المشاريع الأثريّة والتراثيّة بأدوات ثقافيّة مختلفة عبر المساهمة في الاستثمار في هذا المشروع، معلّقةً: (المتاحف اليوم لا تمثّل طريقًا عكسيًّا للرجوع إلى الماضي، بل تجسّد مختبرات ومصانع ثقافيّة وإنسانيّة تنتج الفكرَ والحضارات، وعلينا أن نعتني بهذا المشروع لأنه قياسٌ لاهتمامنا بهويّاتنا وموروثاتنا وإنسانيّاتنا)، وأشارت إلى أن متحف البحرين الوطني يحتفي خلال هذا العام بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسه وافتتاحه منذ العام 1988م كأول متحف في منطقة الخليج العربيّ، وأن الوقت قد حان لاستثمار مضمونه ومواضيعه في تطوير البنيّة التحتيّة السياحيّة والثقافيّة، خصوصًا وأن المتاحف في كل أنحاء العالم بمعارضها ومقتنياتها تمثّل الهويّة التي يتفاعل الآخر معها ويبحث عنها لاستيعاب الأوطان.
أتبع ذلك مشاركة الدكتور منير بو شناقي مدير المركز الإقليميّ العربيّ للتراث العالمي بمملكة البحرين، وأحدّ أهم الشخصيّات المهتمّة بالتراث والمتاحف، والذي بدوره وجّه شكره إلى معالي وزيرة الثقافة، مستدرجًا تجربته ورحلته الحياتيّة في هذا الحقل، قائلاً: (زرتُ البحرين قبل 25 عامًا لزيارة موقع قلعة البحرين لمعاينته من أجل وضعه على قائمة التراث الإنسانيّ العالميّ، والذي تمكّن فعلاً من تحقيق ذلك في العام 2007م، وكانت حيّاتي بمعظمها في ميدان التراث والمتاحف، غير أن ما لفت انتباهي خلال مسيرتي أن المتحف في العالم العربيّ لم يكن منسجمًا مع محيطه المباشر ولا بيئته الاجتماعية، بل كان محطّ السائحين والزائرين)، وقارن ذلك مع النموذج الأوروبي، إذ أشار: (فكرة المتاحف في الدول الأوروبيّة تتجاوز العرض بمراحل، فهي بيوت وأمكنة للتربية والثقافة، وبإمكان الأطفال حتّى أن يتفاعلوا معها لأهميّتها في التربية). وأوضح التجربة الغربيّة، مؤكّدًا أن المجتمع نفسه يتحمّل مسؤوليّة هذه المواقع ويسعى باستمرار لإبراز دورها وتطويرها من خلال القطاعات الخاصّة التي تؤمن بالثقافة كمورد تغيير حضاريّ. وعقّب: (في الولايات المتّحدة الأميركيّة تعتمد المتاحف في تمويلها على التبرّعات الشخصيّة، وكذلك الأمر في متحف اللوفر الفرنسي الذي توجّه أيضًا إلى جمع التبرّعات من القطاع الخاصّ من أجل تحديثه وتطويره). وتساءل د. بو شناقي في ختام حديثه حول الإمكانيّات المتاحة لتقديم نموذج أمثل لمتحف البحرين الوطنيّ، موضّحًا: (البحرين من الدول الرائدة في إنشاء المتاحف في المنطقة العربيّة، وهذا المتحف تحديدًا كان من ضمنها، وقد حان الوقت أن نلتفّ من حوله وأن نتشارك تطوير تجربته ومواضيعه).
وحول التجربة البحرينيّة عمومًا وعلاقتها بالجهات الخاصّة، أشارت معالي وزيرة الثقافة إلى أن العديد من المنجزات الوطنيّة والثقافيّة قد مرّت بتجارب شبيهة استُعرِضت أثناء مشاركتها الأخيرة في محاضرة بإيطاليا، والتي تناولت إسهام الجهات والمؤسّسات الخاصّة في تحقيق المشاريع، مبيّنةً: (دورنا معًا أن نبني كلّ ما يقوّي الهويّة والوطنيّة ويعزّز انتماءنا الحضاري والتاريخي)، وأشارت إلى نماذج هذا الدعم المتمثّلة في مسرح البحرين الوطني الذي افتُتِح في نوفمبر منامة الثقافة بدعم خاص، ومهرجان صيف البحرين الذي ينطلق أغسطس المقبل بتخطيط لاستقبال 5000 زائر. مشيرةً إلى أن المشاريع المطروحة أمام الجهات الخاصّة تطمح في ملخّصها إلى تجديد العروض المتحفيّة من أجل الاشتغال على المتاحف ومضمونها وتحديث تركيبتها لتنسجم مع المجتمع المحليّ وتجاور التجارب العالميّة الرائدة وذلك عبر ثلاثة مراحل مختلفة. كما أُعلِن خلال هذا اللقاء عن مشروع المنامة للاحتفاء بمناسبة مرور ربع قرن على افتتاح متحف البحرين الوطني خلال شهر ديسمبر المقبل في احتفاء خاص بعنوان (ما نامت المنامة).