محمد الحمامصي شاعر وصحفي مصري نشر العديد من الداويين التي حظيت باهتمام الواقع الشعري في مصر، هنا يخص (الكلمة) بتلك القصيدة الجديدة من ديوان قيد الطبع.

إنه يحدق هناك

محمد الحمامصي

ـ 1 ـ
طالبته كثيراً أن ينظر في عينيها
أن يغتسل بمائهما
أن يشرب
أن يتزود
لكنه أجبن من أن يفعل
كان يكتفي بأن يراه هناك يملأ صفحتيهما
تلفه الماء والأشجار ولا تبلغه
فلا شيء يحتمل الرحيل دونه ..

ـ 2 ـ
لم يكن يود أن يقول أكثر
الفرح لحظة عزيزة
حين قبضها بكلتا يديه
لم يصدق أنه هو
أنها له
أخذ نفساً عميقاً
ثم أغلق الباب ..

ـ 3 ـ
حين همت بالرحيل
أحس بثقل البناء
من قبل لم يكن يبالي
كان يسمع خطواتها
ضحكاتها
كلماتها المملة
وهي تحفر في القلب
تبني غرفاً
تنقل إليها أعضاءها
وتؤثثها بذاكرة وصور وحكايات
...........................
...........................
حين همت بالرحيل
كان يتأمل غفلة الشارع
ويكتم أنفاسه من عادم السيارات
ويغوص في وحل الذاكرة ..

ـ 4 ـ
أقسمت له أنها تحبه
إذ لابد أن تحبه
وأمسكت بيده حتى انفجر منها الماء
الماء يلامس وجهه
الماء يجرف الجسد
الماء علي عتبة الروح
الماء مقعد في غرفة

ـ 5 ـ
كل ما فعله في ذلك اليوم
ضحكة خاسرة
دفع بعدها الباب
وخرج ..

ـ 6 ـ
وجهه للشارع وعيناه علي المارة
العتمة وحدها لا تكفي للاحتماء
حتى في ظل الأشجار..

ـ 7 ـ
اقترب حتى لفحه بياض ساقيها
وسقطت عيناه في الماء
ويداه علي وجهها
وشفتاه علي يدها
الآن
يدها في صدره
صدره لم يعد هناك
صدره يدفع ثمن الذكرى
ـ 8 ـ
يُغرق الطاولة بأزمنة انتظاره
ويرتعش من هول الصور
الجالس إلي ذاكرته
يحتضن كفيه
ويمضي إلي منتهاه

ـ 9 ـ
ليلتها أغمض عينيه
دون خوف من ابتلال وجهه،
ودعاها للضحك ،
ألبسها كل الفساتين،
وناجاها بكل الأسماء،
تأكد أن كل ما فيها جميل
فقط .. في مرآة كفها الموحشة ..

ـ 10 ـ
ألمه الساقط علي كفيها
لم يكن أكثر من جرح
لا يذكر تاريخه
جرح من جراح
بعضها علي هيئته
بعضها علي هيئة الطير
أخرى علي هيئة البحر
من بعيد يبدو كشرخ في جدار
من قريب يبدو كوحل
في كل الأحوال يجب علي المارين جواره التزام الحذر..

ـ 11 ـ
يدخل غرفتها
يبحث عن مفتاح الإضاءة ،
شباك أو نافذة لاستقبال الهواء ،
لتسلل بعض النور ،
يتأكد أن لا شئ هناك
يشعل عود ثقاب
ينتظر أن يضئ
لكنه لا يفعل
يعود للباب
يصرخ: أين الباب؟
لا يسمع لصراخه
يلامس الأرض والجدران والسقف
يمسحها بيديه ورجليه وبطنه
يلعقها بلسانه
حتى إذا انغرس رأسه
لطمه الماء
والهواء
والنور
ساعتها فقط
تحسس روحه
انتهي من حيث يجب أن يبدأ ..

- 12-
يدفع بقدميه إلي الأمام
وظهره إلي الخلف
حتى يكتمل تمددها
تضحك علي عينيه المغمضتين
وأنفاسه المبعثرة علي صدرها
أسنانه التي تبني قلاعاً من الألم حول رقبتها
وتغيب
تحمل ماءها وتصعد
تصعد
تصعد
إلي حيث لا يستطيع أن يراها
تصعد
حيث لا يكون سواها تطارد تدفقها..

- 13 -
هو وحده الذي يعرف حجم غيابه
لحظة الحزن
ومع ذلك ينبغي عليه أن يكرره
كي يعلن
أن الموت كله حرّ ..