"جدليّات"...ترافق الوطن العربيّ إلى الشارع ملوّحة بإرث النساء الاجتماعيّ

فاطمة عبدعلي

 

الجميلات هُنّ... كما كنّ يُغزَلْنَ البارحة، قويّات، أو كما يقول الشاعر محمود درويش –يأسٌ يضيء ولا يحترق! -، كما خرجنَ من شرنقةِ الكلام، في علاقاتهنّ بهذا الكونِ وبنصيبهنّ من المعتقدات والأقاويل والأحاديث، وبمحاولاتهنّ للنجاةِ من فكرةِ الاعتياد أو الرتابة أو الصوتِ العالي، استعدنَ مساء السبت الماضي في أولى فعاليّات مهرجان تاء الشباب الكائن الأنثى الذي اشتغلت عليه المجاميع الإنسانيّة الصغيرة في ورشة(غزل بنات) التي اتّخذت مساحاتها في مقهى دارسين يوم الخميس الماضي، وذلك في الفضاء المفتوح للمشاركة الجماعيّة في ندوة (الجميلات هُنّ)بمجمّع السيف التجاريّ برفقة كلّ من الفنّان السوريّ جمال سليمان، الأكاديميّة د.آمال القرامي، الناشطة الاجتماعيّة جميلة حسّون، الإعلاميّة والشاعرة د. بروين حبيب، الروائيّة اللبنانيّة نجوى بركات والمحرّر الثقافيّ المصريّ بلال رمضان.

فبعدَ ورشة(غزل بنات)التي استضافت ما يقارب خمسين مشاركًا من مختلف التوجّهات الفكريّة ومن أعمار تتراوح بين 12 عامًا وحتّى ما يتجاوز 60 عامًا بقليل، كل الذين غزلوا النصفَ الأولَ من الحكاية، والذين تفحّصوا امرأة ما على أرصفة الشوارع التي كانت تصل بين إنسان المجتمع وبين المثقّفين في الورشة، تجَرّدوا هذا المساء من فكرة السرّ، ليقولوا الأفكار التي توصّلوا إليها في النقاشات السابقة، وشرحوا في ندوة مفتوحة ما أنتجته تجربة ساعات معدودة ومكثّفة كانت قريبة من الشارع ومن أفكاره حول المرأة كما صوّرت ذلك أذهان الجمهور وروّجت لها معتقداتهم ومجتمعاتهم.

وقد أوضح الفنّان السوريّ جمال سليمان في جلسة الجميلات هُنّ: (ما أراه يحدث هنا هو طقس من طقوس الممارسات الحضاريّة، فنحن في الوطن العربيّ نحتاج إلى حوارٍ حقيقيّ ليس بمعناه الشكليّ ولكن بمفهومه العميق)، معلّقًا: (جميل أن يتمكّن الشباب من إيجاد الفرص للتفاعل وطرح تصوّراتهم للتفاعل مع الآخر). وتناول الفنّان جمال سليمان خلال حديثه العلاقة ما بين القضايا والمفاهيم العامّة وتوجّهات المجتمع العربيّ، بما في ذلك قضايا المرأة وتعامل المجتمع معها، وبيّن: (لا أعتقد أن الوطن العربيّ تمكّن من الوصول إلى هويّة متكاملة بسبب تأثّره بظروفه وتعقيداته، نحن في واقع الأمر نعيش ورطة تاريخيّة، وحتّى تلك المجتمعات التي تنصف المرأة تكون نتيجة التوصيات السياسيّة دون أن تكون المسألة مرتبطة في واقع الأمر بقناعات المجتمع نفسه)، معلّلاً: (هذه النتائج التي تفرزها السياسات قد يظنّها البعض نتيجة نضال نسائيّ طويل، ولكن ما أن يتمّ استبدال تلك القوى السياسيّة تظهر على السطح كل المشاكل الواقعة تحت الغطاء السياسيّ. لا شيء راسخ سوى ما ينتح من قناعة المجتمع).وتساءل سليمان في طرحه: (ماذا استوردنا من الغرب سوى شكليّاته؟ بينما نماذجه الإنسانيّة وقناعاته لم نتمكّن من استثمارها)، كما وجّه منظور حديثه باتّجاه تجربته التلفزيونيّة التي تناولت المجتمع النسويّ حتّى في حالات النقاب دون إدانة للشكليّات بل بالتعامل العميق مع مفهوم الفكر والثقافة، موضّحًا: (بعض المعاناة النسائيّة لا تنبع من ذكوريّة المجتمع، بل بسبب خيارات الأفراد والنساء أنفسهنّ، وذلك يعود إلى الطبيعة الإنسانيّة لا الجنسيّة). كما تناول فكرة التسليع، مبيّنًا أن احتكار النساء في أدوار هامشيّة وتجاريّة يجسّد استعبادًا فكريًا وإنسانيًا قد لا يلتفت البعض إليه.

من جهتها استنكرت الروائيّة نجوى بركات أن يتمّ التعامل مع القضايا النسويّة بمعزلٍ عن قضايا الرجل، قائلةً: (من الخطأ أن نعامل القضايا بهذا الانفصال، فذلك يسيء للقضايا والمواضيع.يجب التعامل بمفهوم العدالة والمبدأ لا الجنس ولا التصنيف المجتمعيّ). متسائلةً: (إلى أيّ درجة يمكن أن تتحمّل المرأة مسؤوليّة كونها في الدرجة الثانية؟) وأوضحت أنّه يجب علينا الاعتراف أنّ نساء العرب قد يستفدنَ أحيانًا من أوضاعهنّ باعتبار أن لديهنّ معيل دائم. وأشارت إلى تجربة مهرجان تاء الشباب: (سعيدةٌ أنّني متواجدة هنا في هذه البيئة التي تثبت أنّ الثقافة ليست متواجدة فقط في المكتبات وصالات العرض. إن الثقافة طريقة عيش وهي طريقة النظر إلى الأمور والمفاهيم المتّصلة بالحياة).

أمّا الشاب المصريّ بلال رمضان فأشار إلى أن معالجة الموضوع في جدليّات لم يكن بالصورة التقليديّة، موضحًا أنّ تجربته التي التأمت في ورشة غزل بنات مع الشباب أثمرت عن العديد من الأفكار والمناقشات، وألمح: (بعد نقاش المرّة الماضية صرتُ أتحسّس التغيير المقبل، واتّضح لي أننا لسنا بحاجة إلى توصيات، بل على العكس، دعوا المرأة تفعل ما تشاء).

من جهتها، قاربت الناشطة الاجتماعيّة جميلة حسّون تجربة الواقع البحرينيّة بالتجربة المغربيّة، وتحديدًا في قوافلها الثقافيّة التي كشفت عن عقليّات عديدة ومتباينة على مختلف المستويات في المغرب، ولخّصت تعاطيها مع الموضوع بالقول: (القوانين وحدها لا تنفع، ولكنّ تغيير العقليّات هو الأصعب)، وشرحت بشيء من التفصيل: (تصوّروا أنّه حتّى المرأة الأميّة تدافع عن حقوقها دون أن تعرفها، نحتاج إلى خلق وعي حقيقيّ بمسألة الحقوق والواجبات، وهذا ما نشتغل عليه في النضال النسويّ المغربيّ). وبالنسبة لمفاتيح الحلّ، أكّدت جميلة حسّون أنّ التربية والتعليم وكذلك الحوار هي أهمّ أدوات تعزيز الوعي والإدراك للتعامل مع القضايا، واختتمت حديثها بالقول: (لسنا في صراع مع الرجل، نحن نريد الأنثى ككائن وإنسان فقط)!

وأعربت الباحثة والأكاديميّة د. آمال القرامي عن سعادتها بالتجربة مركّزةً في محاورها على مقاربة الثقافة وفي فترة ما بعد الربيع العربيّ والانتفاضات، مشيرةً إلى أنّها قد رحّبت بالمشاركة في مبادرة جدليّات لأنّها تمثّل خروجًا من البرج العاجيّ إلى الاحتكاك بالجمهور، وقالت: (يجسّد هذا التلاقي تلاقحًا مع الجمهور. وكم هو جميلٌ أنّنا نقيس التغيير الحادث على مستوى الوطن العربيّ بعد هذه الثورات من خلال الاحتكاك بالناس والاستماع إلى أفكارهم)، وواصلت: (بحكم تجربتي واختصاصي ورغم أن الحديث عن المرأة يلحقه الحديث أيضًا عن الرجل، إلا أنّني أؤمن بضرورة مقاربة نوعيّة، فقد كشفت الثورات أنّ التاريخ لا يسير بالضرورة إلى الأمام). واستغربت تلك التبدّلات بالقول: (بعد الثورات انتقلت إلينا قضايا لم نكن نعشها أساسًا، ففي تونس انتقلت إلينا أفكار عديدة منها ختان الإناث، الزواج بثانية، الزواج العرفيّ وغيرها من القضايا المستوردة).

وفي مداخلتها، أوضحت الإعلاميّة والشاعرة البحرينيّة د. بروين حبيب أنّها سعيدة بتجربتها خصوصًا أنها كانت تنسج علاقتها ما بين الشارع والمثقّف، ثمّ توسّعت في تناولها إلى فكرة الأنثى والمرأة مشيرةً: (نحن في الوطن العربيّ المرأة هي أنثى الرجل. هي أمّ فلان، بنتُ فلان، زوجةُ فلان! ومنذ رحلتها إلى الرحم وحتّى خارجه، تقع تحت عبوديّة المادّيات والمستهلكات الاجتماعيّة). وتساءلت: (كيف تؤرّخ المرأة كينونتها؟ لمَ يتوجّب عليها فعل الأمومة لإثبات كمالها فيما تبقى ناقصة لو لم تكن أمًا؟).معلّقةً أنّ بقاء المرأة عانسًا يُصنّف المرأة أقلّ مما هي عليه بغضّ النظر عمّا تنجزه، مستدلّةً: (نطلب لها البخت، وهو الحظّ، والحظّ فقط يعني الرجل!)، واستنكرت هذا السباق والتدافع المحموم الذي يضع المجتمع المرأة بداخله قائلةً: (مهما اجتهدت، فهي يجب أن تكون الأذكى والأجمل والأكثر رشاقةً وتصارع الزمن). واستوحت من تجربتها نموذج المرأة الإعلاميّة مبيّنةً أن المعايير في تلك الأقنية الفضائية تبحث عن نموذج باربي بغضّ النظر عن مستوى العقليّات والفكر، مختتمةً حديثها بالقول: (انظر لي كإنسان قبل أن أكون أنثى، لأن المرأة اليوم تواجه في العالم ما يواجهه الرجل).