الأول طبع المصحف وضخم الازهر وأنشأ مدينة البعوث، وألغى مدارس الكنائس ، ولأنه خارج من عباءتهم ويعرف غدرهم تغذى بهم قبل أن يتعشوا به، والثاني أخرجهم من الجحور واستجلبهم من المنافي وسمح لهم بالتمدد الرأسي والأفقي ورغم ذلك قتلوه، والثالث سلمهم الشارع ملكاً خاصاً في صفقة مشبوهة وهي صفقة التوريث الملعونة، ولما نالوا مبتغاهم وقفزوا على ثورة الشباب سجنوه مذلولاً، وحاكموه مريضاً مسناً ممدداً على طاولة إسعاف في قفص حديدي، وقبل هؤلاء الثلاثة لعبوا مع آخر الملوك نفس اللعبة لعبة الغدر والتحالف، هؤلاء هم أتباع حسن البنا ومريديهم وكل الفقس الناتج من حضاناتهم الذين يطلقون النار على الناس في الشوارع ويحرقون الكنائس وأقسام الشرطة، ويقتلون جنود الجيش والشرطة غيلة بالمفخخات ويمثلون بجثثهم في الشوارع، إنه ثمن باهظ يدفعه المصريون اليوم ثمن المهادنات والصفقات ودفن الرؤوس في الرمال طيلة مايقرب من قرن من الزمان، نعم يدفع المصريون اليوم الأقساط المؤجلة مع فوائدها المركبة لديون مستحقة منذ مئة عام، يدفعون ثمن خطأ فادح خطأ النكوص على العقبين والتخلي عن حلم النهضة الذي كان كفيلاً بجعل المحروسة أمة عظمى بكل المقاييس، الحلم الذي فسره الرجل الألباني المتفتح، ودخل بنا إلى أعتاب العصر، لكن قوى الشر استطاعت تقييد أرجلنا بسلاسل ثقيلة، قوى الشر التي استشعرت الخطر العظيم خطر ولوج المصري إلى العهد الجديد عهد التنوير وإعمال العقل، وتحالف علينا لوبي الكهنوت النفطي كهنوت البادية الرجعي المتخلف، حتى يظل المصريين دائماً في عنق الزجاجة، وكلما هموا بالخروج تحالفوا ليسدوا عليهم جميع المنافذ بكل الوسائل وعلى رأسها الوسيلة الناجعة التي لم تخب أبداً في إيقاف نمو الأمم، ليس إيقافه فقط ولكن الرجوع به القهقرى قرون وقرون، وربما نستشف من هذا البث المباشر لهذا المشهد والمشاهد الحقيقية التالية كم قرن من الزمان عدنا الى الوراء:
في البدء ذبحوه ثم سحلوه مربوطاً في جرار زراعي وسط مظاهرة من التهليل والتكبير، يتزعمها أصحاب اللحى المصبوغة طافت أرجاء القرية الترابية، في المساء ومن باب إكرام الميت قام بعض المتطوعين بدفنه على عجل بجلبابه الممزق بدون غسل، أو تكفين، أو طقوس، تفادياً لمزيد من الدماء، في الصباح وبعد نفير الجهاد في ميكروفونات الزوايا بعد صلاة الفجر أخرجه (المجاهدون) من قبره وكرروا سيناريو البارحة، ربطوا الجثة المتهرئة في الجرار وطافوا أرجاء القرية وسط صيحات التهليل والتكبير، وفي المساء أسرع أهله ودفنوا ما تبقى من الجثة وواروها التراب. قد يظن البعض أن المشهد انتهى .. لا لم ينته ففي اليوم الثالث كرروا نفس المشاهد نبشوا القبر، وأخرجوه، ولم يتركوا جثمان الرجل إلا عندما بدأت أعضاؤه في الانفصال عن بقية الجسد، ولم يعد يصلح لتكرار المشهد الذي كان ينتشي له المتظاهرين، ولم تعد صيحات التهليل والتكبير كافية لطرد رائحة الجثة، التي تحولت إلى جيفة، ونحن هنا لا يعنينا حرق الكنائس وسرقة محتوياتها، ولا حرق البيوت ونهبها، ولا سرقة الماشية، ولا ترويع الاطفال، لكننا نصف مدى التدني الأخلاقي وموات الضمائر الذي يصنعه الكهنة الجدد، الذين يدعون لدين جديد، نعم دين جديد لم تعرفه البشرية على مدى تاريخها، ولم يسبق لأي من المصريين أن اعتنقوه، دين اتخذ من كهنة النفط وكهنة الغاز سدنه لمعبود متعطش لقرابين دموية كل صباح، ويدعو لاحتقار الإنسانية واحتقار الرسالات السماوية التي أتت رحمة للعالمين، وكرمت الإنسان، وسمحت باختلاف الناس ألواناً وأدياناً وأعراقاً، وتشرق الشمس عليهم جميعاً والذي يعتقد أن ذاك المشهد كان قاصراً على قرية في صعيد مصر نقول له انظر حولك فقد انتشر هذا الدين الجديد في بقع كثيرة على هذا الكوكب المنكوب واذا أردتم اكتمال المشهد فنهديكم ما تفعله جبهة النصرة في العراق وسوريا حيث تشق صدور الجنود وتنتزع قلوبهم ليأكلها المجاهدون في بث حي على الهواء، واذا أردتم المزيد فهناك في العراق أشلاء بشرية تتطاير في الهواء كل صباح، ونكرر كل صباح، وهناك المزيد من كل قارات الدنيا السبع، ومن أراد أن يتأكد من عدد القرون التي رجعنا إليها عليه أن يتجه للغرب قليلاً هناك في تونس الخضرا ليعرف عدد الفتيات اللواتي عدن من سوريا بطونهن منتفخة بحمل سفاح ناتج جهاد النكاح الذي دعا اليه مشايخ الدين الجديد في تونس دعماً للمجاهدين، ومن يظن أن هذه المشاهد مستوردة أو بدعة أو ضلالة نقول له بكل ثقة هذا بث مباشر على الهواء وهذه بضاعتنا فنحن (مصر) بلد المنشا الوحيد لها في الكون كله، فأختامنا على الأغلفة من جميع الجوانب، نحن زرعنا وسقينا ورعينا وهاكم الحصاد المر حصاد دروس العصر، فعندما أنشأ عبد الناصر مدينة البعوث لم يظن ولم يخطر بباله أنه أنشأ مركز تفريخ كل فصائل الارهاب وتصديرها لكل ارجاء الكوكب، فقد كان الهدف النبيل للرجل النبيل هو توثيق عرى التضامن بين الشعوب وإشاعة مكارم الاخلاق والتعريف بالاسلام الصحيح لكن المتطرفين اقتنصوا هؤلاء الشباب وبثوا في عقولهم الغضة كل السموم المتاحة في كل الكتب الصفراء وبدلاً من أن يتعلم الشاب المذهب الاشعري الذي يتبناه الازهر، المذهب الوسطى الذي يتيح التعايش بين البشر وقبول الآخر مختلفاً بناءا على القاعدة الإنسانية السابقة على كل القواعد، بدلاً من ذلك نظم لهم الاخوان والسلفيون دروس العصر في طرقات ودهاليز مدينة البعوث الإسلامية ومساجد وحضانات أنصار السنة والجمعية الشرعية، وبدلاً من رسالة الرحمة والمودة والمساواه سقوهم كتب ابن تيمية والمودودي وابن عبد الوهاب باعتبارهم شيوخ الإسلام، وماعداهم دخلاء كفار مارقين عن الملة، ويعود الشباب إلى مجتمعاتهم حانقين كارهين وانقلبت مجتمعات كان الاستقرار عنوانها الرئيس وبتمويل مشبوه يتم اثارة النعرات الطائفية والعرقية في طول وعرض هذه البلاد، في ماليزيا واندونيسيا والفلبين وتركيا وباكستان وحتى الصين وروسيا، ناهيك عما حدث في أفريقيا في الصومال والسودان ونيجيريا ومالي وساحل العاج وكينيا وليبيا وغيرها وغيرها، وأصبحت هذه الدول بقع ملوثة على خريطة الكوكب صراعات وقتل ودماء وجهل وفقر ومرض تحت مسمى الجهاد من أجل إقامة الامبراطورية المزعومة، ولا نعرف كيف تقام الامبراطوريات بأشباه بشر مرضى جوعى منقسمون لا ينتجون سوى أطناناً من الهراء ومثلها من ملوثات الماء والهواء، يملؤن به الدنيا ضجيجاً تتلهى به الميديا ساعات إرسال بث مباشر مجاني من القرن السادس، أحياناً يضحك عليها العالم وأحايين يشمئز من وحشيتها. هذا هو حال مليار من البشر صراع على السلطة بين كهنة النفط وكهنة الغاز وصراع على كم من القرون يعود الناس الى الوراء. وبينما نختتم هذا الطرح تبث الميديا بثاً حياً من مناطق كثيرة مشاهد القتل والدماء والأشلاء وشوارع مملوءة دخان.