سبق للكلمة أن قدمت للشاعر التونسي ديوانا قصيرا، وهو يعود هنا الى استكمال رحلة عبوره الشعري ومغامرة قصيدة النثر بشكل أكثر إصرارا على ترويض حالات الغموض والالتباس، بين شكل شعري يحاول اليوم في المشهد الشعري التونسي إثبات أحقيته في الوجود: في أن تكون القصيدة مسكونة بهاجس أسئلة الكتابة..

نصوص من رذاذ الرحيل

منذر العيني

جنائنُ القاعِ

يُحيِ مَنْ أحياني . الخطواتُ تتعثَّرُ إلى جنائنِ القاعِ الفينقيّةِ سلاسِلَ من مُحيطاتٍ خضراء. الأرضُ تصطَبِغُ بالنّبتِ . داخِلها الرُّوحُ ترسُمُ شُطآنًا من نزغِ الشَّياطينِ .

يومَ الزّينةِ الزَّربِيّةُ من نسجِ الشُّعراء .

بيعٌ إشهاريٌّ في القيروانِ و الخاتمةُ زواجٌ أغلبيٌّ .

الجنائنُ رُقعٌ شطرنجيّةٌ أيضا لمَ لا؟

من يتفكّرُ في الموتِ يجِدْ سبيلَهُ إلى النّجاة......

إن شَرَّقتْ أو غرَّبتْ المسالكُ دوائِرٌ خضراء فوقَ لوحةِ الأعمى .

يُحيِ من أحياني .

الآنَ أبيتُ هانئَ القلبِ فوقَ مزارعها المُختصرهْ

 

رذاذٌ مُزهرٌ

النّمشُ الآتي من رذاذِ الشَّمالِ وزّعتهُ زهراتُ "سيبيريا" على مُنحدراتٍ منسِيّةٍ كي يلعبَ بها دورانُ العجوزِ .

تنقيطٌ غيرُ مرئِيٌّ تدقُّ نواقِيسَهُ في قلبي خلجاتُ بيضاءٍ مهبولةٍ من غُرفِ الثَّلجِ .اِلتقطَهُ الجِنُّ كهديّةِ "سان فلنتانْ " .

المزاريبُ تتحيّنُ جمعَ الماءِ على السّطحِ إلاَّ فمي باتَ أجوفًا قدّامَ صورتها العمياءِ في بردِ اللّوحةِ .

الطّفلُ يتيمًا يرقبُ  "ابنَ ربيعةَ" وهوَ يطلبُ النّارَ

" اِسعفيني يا عينْ ....إلخْ إلخْ "

زهراتُ سيبيريا رذاذُ أوجاعي على مُنحدراتٍ منسيّه ....

فسّروا ذلكَ لدورانِ العجوز....

 

لوحة

تبدُو اللّوحةُ المَحروقةُ أرضَ دمارٍ مرَّ عليها من مرَّ .

لكنَّ دُخانَ الأسفِ لنْ يكتبَ لها الحياةَ مرّةً أُخرى .

وحدهُ آخضِرارُ الرُّؤيا يسقيها ماءَ "تانيتْ" وأزهارَ "زرودْ" كي يعترفَ بها الجهلوت .

إنَّكمْ تلمَحونها جيِّدًا في دِماءِ أكُفّكمْ حينَ تعجنونَ الخُبزَ أو حينَ تضِرِبونَ في الأرضِ بينَ جِبالِ "خميرْ"

و أعالي "عُرباطهْ"..." ياشعبي يا عودَ الندِّ ...إلخ إلخْ"

السّاحلُ خاصرةُ المرأةِ وهيَ ترمقُ نفسها في المرآةِ .

نارٌ لزجةٌ لطينةِ الرّقصِ كي ينصعَ الضّربُ للخزّافِ بينما المحورُ يدورُ على نفسهِ

و الأراضي تمورُ في نقطةِ البدءِ : والدتي قرطاجْ

الدُّخان يتصاعدُ عبرَ اللّوحةِ و الفوهةُ بركانُ ملحْ .

لأجلٍ موقوتِ الأسماءُ تنتظرُ جهنّمَ بفارغِ الصّبرِ ....

بردًا وسلامًا الكتابةُ تتطايرُ شواظًا من نار بينما الأصداءُ دعاءُ رعاعْ ................

 

شرقٌ و غربٌ

الشَّمالُ وحدةُ البوصلةِ و الرّيحُ قاضيةُ عدلْ .

يا قصائدَ التّيهِ علّمنا آخضرارَ السّبيلِ.

حرّاسُ المعبدِ في غفلةٍ من أمرهمِ و اللّيلُ طالَ على السُّمّارِ. بِحِبرٍ نافرٍ آستغرقنا كاملَ البياض. مِنْ هنا نجمةُ الصّباحِ كنجمةِ المساء. "الزُّهرةُ" ترادفُ سُحنتها في آنسجامٍ

والأُفقُ أشجارٌ من شعابِ بوّانْ و لمعانٌ من موت المتنبّي وجريانُ  كلامٍ على ألسِنة الجانِ .

لا شرقُ و لاغربُ : البوصلةُ صديقةُ التّائهِ ..

 

ضُمَّ صوتكَ لنا . نحنُ من أسندنا الأسماءَ لِغُبارِ الطُّرقاتِ

كي تلعقَ بسُحنةِ المسافرِ .وحدي أضمُّ غبارِي للسانِ العرب

و أمْشي ميّتا على الطُّرقات .

سمعًا و طاعةً يا ميلادي سمعًا وطاعةً ياتوهان.

بحِبرٍ نافرٍ الأزرقُ غضبٌ دائمٌ الأزرقُ مركبٌ غارقٌ

و البياضُ شماتةُ عُدوان .

الشّمالُ وحدةُ البوصلةِ و الموتُ واحدٌ ..

 

رحيلٌ

السّاعةُ الآنَ دائرةُ غِربالٍ لا تقطُرُ منها غيرُ الدّمعاتِ . لاتحزنْ كثيرًا يا "الشّابْ حُسني ". صُولفاجُ المحطّاتِ ينحبُ أيضا و الأنفارُ تتقوَّسُ للرّحيلِ .

أدمُعُها قطّارةٌ و الإنفلاتُ برُّ أمانٍ .العدُّ تنازُلِيُّ  لِجذبِ الياطِرِ من الأعماقِ .

صافرةُ المرفإِ حُبلى زغرداتٍ عمياء ملئَتِ الأكوانَ حينَ ركبنا البحرَ .لسنا بآنتظارِ أحدٍ .

الموتُ بآنتظارِنا إن شاءَتِ القصائِدُ . لسنا خائِفينَ ....

السّاحةُ بشُهدائها أوعزتْ لنا : كونوا يدًا واحدهْ ....

فيما الوقوفُ عاجِزٌ على وصفِ الرُّسومِ .

 

العمودُ حزينٌ يتقاطَرُ من سكّتينِ و حُرُّ " جيكورْ" سبائكُ من ذهبٍ تسيلُ على خدِّ اللّحظاتِ فيما النثرُ بُخارُ ندى على بلّورِ الذّكرى ...

إلاَّ أنتَ أثخنكَ الندبُ الهاملُ على الدّربِ .

لاتحزن كثيرا فكّرت فيكَ المحطّاتُ محطّاتُ اللاّنهايهْ ....

اِصعدْ للتوِّ و لا تيأسْ ....

على الأقلِّ ثمّةَ من ينتظرُكَ ....

ريحُ آخرِ الفتوحاتِ تفتحُ ذراعيها للعاشقِ....

 

طاقةٌ سوداءْ

في مسربِ الموتِ تظهرُ الطّاقةُ السّوداءُ كنقطةِ حِبرٍ غليظةٍ على وجهِ البياضِ تُعلِّمُ القارئَ أنَّ اللّوحةَ أتمّت سُحنتها للتّصديرةِ .

الطّاقةُ أيضا شُبّاكةٌ في كنيسةٍ بوذيّة عمّرها الحمامُ.

الحكاياتُ التّي تركها ولّدت فراشاتِ كلامٍ شيّعت الميّتَ إلى قبرهِ .

لاتتعجّبوا الطّاقةُ السّوداءُ عينٌ ترقبنا من أعلى المجرّةِ و نحنُ ركَّعٌ نسقي القبرَ ماءَ الحياة الطّاقةُ نفسُها كهفُ أفلاطون تتطايرُ منها جراثيمٌ نورانيّةٌ تقتفي أثرَ المارِّ إلى موتهِ

 

دعْ عنكَ هذا .

في المسربِ الطّاقةُ تتجدَّدُ لإيناعِ كلماتِ العشقِ المغمورةِ في طميِ الحكاياتْ ....

نحنُ أسرةٌ واحدةٌ تكتنفنا طاقةٌ واحدةٌ .

من ثغرةٍ  في مرصدِ الجانِ الأصماغُ تتشابكُ مثلَ ألوانِ الحرباء .

كلّما وقعنا على أرضٍ عرفنا أنسابها من شجرةِ العائلهْ .....

 

شاعر من تونس