آلاء وأخواتها

رسالة مصر

منتصر القفاش

 

في خبر نشر قبل بدء امتحانات المدارس والجامعات أكدت وزارة التربية والتعليم انه سيتم إلغاء امتحان الطالب إذا تضمنت ورقة إجابته ما يمثل تعديا على النظام العام أو الآداب العامة للدولة، "وأن هذا القرار حماية للامتحانات من العبث والاستهتار بأي صورة من الصور وليس مجرد إجراء ضد حرية الرأي. فإبداء الرأي في القضايا العامة ليس مكانه أوراق إجابات الامتحانات". ويعيد هذا الخبر إلى الأذهان ما حدث مع الطالبة آلاء العام الماضي التي عبرت عن رأيها في موضوع غزو الصحراء أو تعميره في  امتحان اللغة العربية للصف الأول الثانوي  وتطرقت في نهاية إجابتها إلى رضوخ الحكومة للسياسات الأمريكية فأبلغ المدرس الذي كان يصحح ورقتها المسؤولين وألغي امتحانها وبعد أن نشرت مشكلتها في وسائل الإعلام تم الإعلان عن نجاحها. ومن المعروف أن موضوعات التعبير في امتحانات اللغة العربية لا تختبر سوى قدرة الطالب على أن يكب على الورقة ما تردده وسائل الإعلام الرسمية أو الحكومية، والكثير من الطلاب يحفظون موضوعا أو اثنين من المحتمل أن يكون سؤال الامتحان عنهما. هذا هو المتفق عليه وما يحدث منذ سنوات وأي خروج عن هذا يعني أن الطالب لا يفهم أصول اللعبة ويحتاج إلى عقاب ليتعظ هو وغيره.

وإذا أثار احد قضية حرية الرأي وتشجيع الطلاب على إبداء أرائهم فسيكون الرد كما أشار مسؤولو التربية والتعليم أن إبداء الرأي في القضايا العامة "ليس مكانه" أوراق إجابات الامتحانات. ومنطق  "ليس مكانه هنا" لا يقتصر على أوراق إجابات الامتحانات، بل يمتد إلى المطبوعات التي تصدر عن مؤسسات حكومية والى العمل الطلابي في الجامعة والى الأفلام السينمائية والأعمال المسرحية.  يمتد إلى كل ما هو مرئي ومسموع مقروء. في النهاية ليس هذا مكانه بل له مكان آخر ومن كثرة الإشارة الى مكان آخر تظن أنهم يقصدون الحياة الأخرى بعد الموت . فهذا ما حدث مع رواية موسم الهجرة إلى الشمال في جامعة القاهرة. ومع رواية حيدر حيدر " وليمة لأعشاب البحر " والروايات الثلاثة التي صدرت عن قصور الثقافة الجماهيرية وحدث مؤخرا مع قصيدة حلمي سالم المنشورة في مجلة إبداع التي ستطرح مرة أخرى في الأسواق بعد حذف السطور التي أثارت المشكلة. كل هذه الأعمال ليس مكانها هنا ويمكن إن تطبع في دور نشر خاصة حيث ـ حتى تغلق الدائرة ـ  سيرفع آخرون قضايا ضدها لأنها تمس الذات الإلهية أو الرئاسية أو ... الخ

ومن الملفت للنظر ظهور نبرة جديدة في الأصوات التي تناولت الأعمال المصادرة أو الممنوعة أو التي تسببت في مشاكل رقابية  وهي نبرة  الحكم على هذه الأعمال بأنها سيئة فنيا أو دون المستوى أو لا ترقى للنشر. ويؤكد أصحاب تلك الأصوات أن من حقهم إبداء أرائهم دون خوف من اتهامهم بأنهم ضد حرية الإبداع. ولا يخرج رأيهم عن حدود التوصيف السلبي للعمل في كلمة أو كلمتين،  بنفس طريقة إصدار الفتاوى "هذا حرام. هذا حلال" دون محاولة أن يوضحوا أسباب هذه الفتوى الأدبية أو يكتفوا بان تلك الأسباب ليس مكانها هنا: مقالة في جريدة أو برنامج تليفزيوني أو ندوة عامة، بل مكانها في الأماكن  المتخصصة. وبما أن هذه الأماكن غير متوفرة فستظل هذه الأعمال دون نقاش حقيقي وينتهي الأمر بإعلان الاتفاق أو الاختلاف مع الفتوى. وماذا كان هناك غياب لدور فعال للنقاد فان هذا الغياب سيتضاعف بعد أن حلت مكانه الفتاوى الفنية التي لا تعني إلا "لا مكان لأي حوار" وربما هذا هو المعنى الذي ترسخ في وعي آلاء وأخواتها.