1.1. حول المفهوم ـ تحديد منهجي.
ما زال الفضاء الأدبي مفهوما غير محدد الملامح في النقد العربي المعاصر، وما انفك موئلا لتعريفات شتى، وتحديدات متضاربة الدلالات، متداخلة، معومة، ضبابية، ومتضاربة، توشك أن تتناقض، في ممارسات الدارسين، ونظريات الناقدين، وتصنيفات المشتغلين به وعليه. وقد ظل، حينا من الدهر لا يلتفت إليه ولا يعبأ به، إما استهانة بشأنه، أو جهلا بفاعليته الإجرائية المدهشة، التي أماط اللثام عنها النقاد الغربيون الذين كان لهم الفضل الأول في بلورة المفهوم وتطويره، واستغلال طاقاته في النقد الروائي. وقد كانت البداية مع كتاب(شعرية الفضاء)(1) لغاستون باشلار، الفيلسوف الفرنسي الشهير الذي أرسى بكتابه دعائم الخلفية الفلسفية والنفسية، التي ينهض عليها الفضاء في حيوات الأفراد والمجتمعات، في الواقع المادي كما في العوالم التخييلية. ومنذ ذلك الحين، تطورت الدراسات التي جعلت الفضاء رائدها، حيث راح منذ سنوات عديدة ماضية، على حد تعبير ج. ن، فيشر: "ينهد لأن يصبح أحد المفاهيم المركزية في بحوث العلوم الإنسانية."(2)، من خلال تطور تدريجي أثرى البحث في شؤونه المفاهيمية والإجرائية، وفي وتداخله مع الكائن والمحيط بمختلف أبعاده النفسية والسوسيوثقافية، جاعلا من الوعي، به، مكونا أساسا من مكونات الوعي بشرط الكتابة جماليا وتكوينيا، وجودا وذاكرة وهوية، وبشكل من الأشكال، اتخذ الوعي بالفضاء منحى فلسفيا يحيل على المعرفة بأنطولوجيا الكائن، ووجوده المهدد على حافة عالمه المفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها تلك المسكونة بهواجس الدمار والانقراض.
أما الخطاب النقدي العربي، فقد بادر إلى تدارك تخلفه في الاشتغال على المكون الفضائي، عندما انتبه إلى خطورة المفهوم الذي وفد إليه مع الترجمة التي أنجزها غالب هلسا(3) لكتاب غاستون باشلار الذي سلفت الإشارة إليه، فاتحا الباب أمام مجموعة من المقاربات الجادة، التي استغلت الإمكانات التحليلية الهائلة التي يوفرها المكون الفضائي، لا سيما وقد تزامن مع موجة البنيوية التي اجتاحت الخطاب النقدي العربي، وصبت الاهتمام كله على بنية النص ذاته، مسترفدة ممكنات الأسلوبية والسيميوطيقا وغيرها، على الرغم من طبيعة مفهوم الفضاء التي لا تركن بالكلية إلى البنية بقدر ما تحفز على الانفتاح على الخارج، وعلى الاستبطان العميق للذات المبدعة، على النحو الذي نحاه ميخائيل باختين(4) رائد المقاربات الفضائية في أعماله العديدة.(5)
وفي هذا السياق، نشير إلى عدم التوسع في الوقوف على كل قراءة لنحصي عليها منهجها أو مذهبها، على غرار أغلب الدراسات التي استأنسنا بأساليبها ومناهجها ونحن نؤسس الخلفية النظرية التي أردناها شاملة، وملمة بموقف الخطاب النقدي العربي من هذا المفهوم الجديد، لا سيما وأن الأسئلة الجوهرية، التي تطرحها قضايا الفضاء، تقع بالقوة في صميم الممارسة الأدبية، إنشاء ونقدا، تنظيرا وإجراء، وتطرح أسئلة تقع في العمق من سيرورة المنجز الأدبي العربي خصوصا، وفي قلب الممارسة الأدبية عموما: ما الفضاء الأدبي؟ ما الفضاء الروائي؟ ما قيمة الفضاء في الكتابة الروائية؟ كيف يكتب الأدب العربي فضاءه؟ كيف يتعامل الكاتب العربي مع الفضاء؟ هل عنده وعي ما بإشكالية الوعي الفضائي؟ وما هي أبعاد ذلك الوعي؟ وما موقف النقد الأدبي من الوضعية الإشكالية لتمظهرات الفضاء الروائي؟.
وحتى بعد لملمة الإجابة عن هذه الأسئلة، سنجد أنفسنا في مواجهة سؤال عملي لا يقل تحديا عن الأسئلة السابقة، وهو السؤال الذي صاغه حسن بحراوي في خاتمة بحثه النظري الهام عن الفضاء،بقوله: " علينا أن نطرح سؤالا أساسيا طالما شغل بال الباحثين في نقد الرواية وشعريتها. وهو سؤال جوهري بملء معنى الكلمة لأنه سيطرح الإشكال الأكثر تعقيدا دائما والذي يتمثل في الكيفية التي سنتعامل بها مع كل هذه المعطيات والتراكمات النظرية التي تضعها شعرية المكان في متناولنا، وأكثر من ذلك كيف يمكننا أن نجعلها في خدمة التحليل النصي للفضاء ونمتص خصوبتها لفائدة التأويل والاستدلال."(6).
هذه بعض الأسئلة التي يطرحها الانشغال الفضائي في الكتابة. أسئلة تتعالق مع مجمل الانشغالات التي تكيف الوعي بالفضاء الذي شكل على الدوام "محايثا للعالم"(7)، يحرض على مساءلة الوعي القائم به باعتباره وعيا بأسئلة التاريخ والجغرافيا والفكر والواقع المعيش، مساءلة لمدى اختراق الفضاء للأفراد والأشياء والكائنات، للمفاهيم المتعلقة بالتراتبية الاجتماعية والوجودية والوجدانية. مفاهيم متأصلة في جذور الفكر البشري، الذي نبهت الدراسات الأنثروبولوجية إليه، كما نبهت إلى عميق تكييف الفضاء لسلوكات الأفراد والجماعات، وإلى قوة تفعيله لمعظم المفاهيم التي تحكم شبكتها القيمية ومنظوماتها الأخلاقية.
هذه الأخيرة التي تتحول إلى لغة فضائية قادرة على البوح بخصوصيات الواقع، والايدولوجيا السارية في أوصاله، لأن " فعل الكينونة، والإبداع، ليس في العمق سوى، إدراك لمقاييس الفضاء ومكانته الحقيقية."(8) لا يمكننا، في هذا السياق، أن نغفل الخصوبة الإجرائية المذهلة التي تمكن يوري لوتمان(9) من إلحاقها بما عرف بـ(لغة العلاقات الفضائية) التي صاغ من خلالها نظرية متكاملة، عبر استقراء الدلالات الفضائية لمجموعة من المفاهيم التي تبنين كثيرا من النماذج الثقافية والسياسية والدينية، دون أن يظهر عليها أي أثر للأبعاد المادية ذات الأصل الفضائي، وسماها التقاطبات المكانية، واعتبرها من الوسائل التي لا مصرف عنها للتعرف عن الواقع، فمفاهيم: الأعلى/ الأسفل و اليمين/ اليسار، الأدنى/ الأبعد، المحدود/ اللامحدود، السماء/ الأرض و الدونية/ الراقية، تقدم بوضوح نماذج إيديولوجية عن نماذج ثقافية تعمل على تمثيل حركة الكائن، وفاعليته الجسدية/الفيزيائية والفكرية. ونظرا لتغلغل هذه المفاهيم في اللاشعور، يعمد الكائن إلى التفضية وإسقاطها على ممارساته اليومية، محملا إياها قدرا من الكثافة والإيحاء برأسماله الرمزي.(10)
تضفي التقاطبات المكانية بعدا بصريا على أكثر المفاهيم تجريدا، من قبيل الأعلى/الأسفل، أو اليمين/اليسار، وتتضمن بماديتها نسقا تصوريا من أنساق الجماعة أو جانبا من جوانب الرؤيا عند كاتب ما بالإضافة إلى كونها وسيلة من وسائل التواصل بين أفراد المجتمع، حيث إن " التصورات الفيزيائية مثل فوق ـ تحت، وداخل ـ خارج،...الخ، تعد أساسية في النسق التصوري للفرد وبدونها لا يتمكن من الاشتغال، كأن نفكر أو نتواصل.".(11)
وعليه يمكن القول بأن "تاريخ الإنسان هو تاريخ تفاعلاته مع الفضاء."(12) الأمر الذي يجعله مكونا جوهريا يصعب تجاوزه أثناء مقاربة النصوص الإبداعية مقاربة تطمح إلى سبر أغوار النصوص معنى ومبنى، مضمونا وخطابا، ولا تكتفي بالبعد الواحد مهما أبدى من قابلية للاستثمار الشامل، ووعد بنتائج مثمرة، لأن تفعيل الإجراء الفضائي يشتمل بالإضافة إلى مكونه البنيوي مكونات متضافرة مع السوسيولوجي والسيكولوجي، بما يجعل تفعيله في كشف الوعي بالفضاء تمهيدا ضروريا لنقد الوعي، باعتبار العلاقة بينهما علاقة جدلية قائمة على تبادل التأثير في الاتجاهين.
إن انشغالنا المركزي، في جميع مراحل هذه القراءة، هو بحث أشكال ذلك الوعي في مستوييه: الأدبي والفكري، حيث نعني بالفكري وعي المبدع بالعلائق التي ينسجها الفضاء النصي، بما هو كيان لغوي، مع الواقع كمعطى مادي، ومن ثم عمله على الارتقاء بكتابة الفضاء من السياق الأدبي إلى السياق الواقعي بكل همومه ورموزه وأنساقه. أما مستوى الأدبي فيه فيتعلق بالبحث عما يطرحه الفضاء من إشكالات سردية تتعالق مع باقي مكونات النص، بما يشبه التساؤل عن وعي المبدعين بالإكراهات التي يمارسها الفضاء على النص من حيث هو شكل؟.
ولأن الفضاء موجود على امتداد الخط السردي، فإنه " لا يغيب مطلقا حتى ولو كانت الرواية بلا أمكنة."(13) ،لأنه حاضر بــ(القوة) بتعبير المناطقة والمتكلمين، في" اللغة، في التركيب، في حركية الشخصيات، وفي الإيقاع الجمالي لبنية النص الروائي."(14) الواقع إن الثراء الذي يبديه الفضاء، على صعيد الممارسة النقدية ـ بتشابكه مع المضامين الدلالية والرمزية والاستيعارية والجمالية ـ كثيرا ما يتأبى على المسارات المطمئنة، لأنه لا ينفك يدفع باتجاه شبكة مفهومية تمتح جذورها البعيدة من التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا و الفنون التشكيلية، محيلا في جميع الوضعيات على استراتيجية واحدة، تأخذ في اعتبارها الأول، ضرورة البحث في خصوصيات الفضاء العميقة: شعريته، وسيميائيته وإيديولوجياته، وهندسته، وميتولوجياه.(15)
إن مساءلة الفضاء، هي في الواقع، مساءلته كـ(دال)، ككثافة رمزية مشبعة بحركة الإنسان ومضطربه وتاريخ تفاعلاته مع المحيط، مساءلة لكينونته وهي تمارس غواية التعبير المختلف على الأشياء، لأنه، بتعبير غريماس:"ليس هنا إلا ليتم التكفل به، وليدل على شيء آخر غير الفضاء، أي الإنسان، الذي هو(مدلول)جميع الخطابات."(16) من أجل ذلك، ربما، أخذ الخطاب النقدي المعاصر يتوجه إلى البحث في الشروط اللازمة للارتفاع بالفضاء من حدوده الدنيا التي ربطته بها السرود الكلاسيكية وبعض الدراسات المشتغلة عليه، وتحريره من جموده (الديكوري) الذي لا يُلتفت إليه إلا في تلك اللحظات التي تخفت فيها وتيرة السرد وتسكن فيها إيقاعات الأحداث، بغية إحداث هنيهات من الاستراحة (الإبداعية) اللائذة بالوصف، حتى ولو كانت من حيث لا تدري تجرده، في الوقت نفسه، من دلالاته الخطيرة التي انتبهت إليها أخيرا الدراسات النقدية، وكثير من الحقول المعرفية الأخرى التي اهتمت أساسا بإمكانية " اعتبار الفضاء شكلا قابلا للانتصاب كخطاب فضائي، يسمح بـ(الحديث)عن شيء آخر غير الفضاء."(17) تماما كما تتعامل الدراسات الأدبية مع اللغة، عندما تحاول الارتفاع قدر الإمكان، عن حدود الاشتغال على جانبها الصوتي، مهملة مدلولاتها التي، ربما، هي الأصل في قصة تموضعها كنشاط إنساني خلاق. تلتقي الدراسات الفضائية مع الدراسات اللغوية في الاشتغال المزدوج على جسد اللغة، أولا كلغة موضوعة، وثانيا كلغة محمولة، كذلك تجنح الدراسة الفضائية إلى شق طريقها الخاص بين وظيفتين أساسيتين: موضعة المجتمع في الفضاء أولا، ثم قراءة هذا المجتمع من خلال الفضاء ثانيا،(18) حتى ولو كانت مادة الفضائية هي الطبيعة الخام، مضافا إليها أشياء الإنسان الاصطناعية، ومقدمة إلينا عبر كافة المنافذ الإدراكية التي تقدم لنا بها(الأشكال)، متحولة عن ماهيتها أو(جوهرها).
بهذا المعنى، يصير الاشتغال على الفضاء اشتغالا على الدلالة وطموحا لتفسير وجود الإنسان في العالم، وتعقبا لسريان أفعاله في ماهية الأشياء وتشكيله لها وفق منظوماته الثقافية، مكونا نصوصا ذات طبيعة خاصة، تهيب بنا أن نفك شفراتها كما نفك شفرات النص الأدبي، وفق مناهج يعول عليها في كشف العلاقة الملتبسة بين الأفراد والفضاءات، بحيث سندرك في الأخير أن " مفردات عائمة وغير محددة تتكرر في كلامنا مثل )الحياة(، )إدراك(، تتلخص في العلاقة بين الفرد والفضاء، في هذا)الاستعمال للفضاء(الذي يمكننا أن نقول بصدده إنه شعوري أو لا شعوري، ولكنه، بكلمة واحدة: دال."(19) إن الاشتغال على الفضاء، وفق ما سلفت الإشارة، هو، في العمق، سعي جاد لبلورة منهج قادر على تجذير الأفراد في بيئاتهم واستحداث سيميوطيقا قادرة على قراءة تمثل الفضاء كسلسلة من التعالقات بين الأفراد/ الذات والأشياء/ الموضوع.
إن الهدف الطموح للدراسات المستأنسة بمنجزات المشروع النقدي في دراسة الفضاء، هو شكل من التماثل مع الاهتمامات المتزايدة في حقول علمية متعددة، تسعى كلها إلى موضعة الإنسان في سياقاته الجغرافية والبيئية، حيث لم تعد " تفكر الإنسان(ne pense plus l’homme ( بطريقة تجريدية، وغير متجذرة، ولكنها تباشره ككائن متحقق ومشخص في وسط ما."(20) وقد كشفت عن أهمية مفهوم الفضاء والتباسه بالسلوك البشري، بل وحتى بالسلوك الحيواني المحكوم بالحاجة الماسة إلى امتلاك فضاء خاص، محدد المعالم، في مواجهة فضاءات أخرى،أما " دراسات السلوك الحيواني فقد أمدت علم النفس، وخصوصا فكرة المجال(territoire) التي ساهمت في اقتراح تأويل السلوك الاجتماعي عند الإنسان، إذ بينت أن للسلوك البشري أيضا، قاعدة فضائية."(21) وهو أمر منسجم للغاية مع التطور الحاصل في مختلف المجالات العلمية ورؤيتها الجديدة إلى الفضاء والكون والزمن والكائن، التي بدت، بشكل ما، مأخوذة بالنظرة الفينومينولوجية وفتوحاتها العميقة في الفلسفة والنقد الأدبي والعلوم الإنسانية عامة.(22) إذ نظرت إلى الظاهرة الاجتماعية على أنها(شيء) ذو أبعاد مكانية وزمانية لا تختلف عن الظواهر العلمية الأخرى في الطبيعيات مثلا، حتى إذا راجعنا بعض مباحث الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا، تأكدنا " من الحضور الطاغي للمكان، بل قد نجد المقابلة التالية: الإنسان/المكان، في كل سطر نقرأه، وكأننا إزاء حقيقة أولية في كل فهم يروم النزول إلى أغوار الذات الإنسانية: شخصية، وفردا ووجودا وهوية وفكرة. "(23) وينشأ عن ذلك إعادة الاعتبار للموضع والأبعاد، والتوسل إلى معرفة حقيقة الشيء بموضعته في وسطه الذي هو كائن فيه، واعتبار طبيعة التبادلات والعلائق التي تنتسج بينه وبين عناصر وسطه ذاك، إذ " فكرة الفضاء قد أصبحت إطارا فكريا، ليس لدراسة السلوك الفردي فحسب، وإنما لتحليل الظواهر الاجتماعية كذلك."(24)
1. 2. إجرائية التقاطبات المكانية.
يرجع الفضل إلى يوري لوتمان في إرساء مفهوم التقاطبات الضدية، التي كشفت عن دلالة الفضاء الروائي وبناه العميقة، من خلال ثنائيات متضادة تجمع بين عناصر متعارضة تعبر عن العلاقات التي تنسجها الشخصية مع الأمكنة التي تخترقها، وتأتي " في شكل ثنائيات ضدية تجمع بين قوى أو عناصر متعارضة بحيث تعبر عن العلاقات والتوترات التي تحدث عند اتصال الراوي أو الشخصيات بأماكن الأحداث."(25)، وتتفاعل مع ما ينتظم الجماعة التي تسكنه، ومع مجمل ما يكون نسقها التصوري ومنظوماتها المختلفة: الدينية والأخلاقية والإيديولوجية.
التقاطبات الضدية، بهذا المعنى، تصبح مفهوما يضطلع باسقراء المكانية قبل كل شيء، يمتلك قدرة عالية على النفاذ إلى عمق المكون المكاني وتوليد الدلالات الكامنة خلفه، ومعرفة طبيعة الصراعات بين القوى التي تتحكم فيه، والقدرة على استجلاء " العلاقة الثنائية التي تنشأ بين مكان وآخر وما يتولد عن ذلك من صلات تربط بين وحدات النص لتسهم في إنتاج مختلف الدلالات."(26) نشير في هذا السياق إلى أن أغلب الدراسات العربية التي استثمرت الفضاء وعلائقه النصية والواقعية، قد اعتبرت المكون المكاني أقدر من المفهوم الفضائي، ذي الطبيعة الشمولية المعومة، على رصد الظاهرة الفضائية في تحديدها المكاني قبل الزماني، من حيث نهوضها برصد مختلف التمظهرات المكانية المتقاطبة تقاطبا يكشف عن المعاني المضمرة والدلالات المستترة، لأن " التقاطبات الثنائية مشحونة بحمولة سيميائية ودلالية وإيديولوجية، ومن هنا مقدرتها على إنتاج الدلالات المتضادة. "(27)،على حد تعبير خالد حسين.
ثم إن "القراءة الكفيلة بالكشف عن دلالة الفضاء الروائي ستنبني على إقامة مجموعة من التقاطبات المكانية Polarités spaciales التي أظهرت الأبحاث المجراة أن هناك فعلا عددا كبيرا منها يمكن العثور عليه في كثير من النصوص."(28). كما تكمن أهمية التقاطبات المكانية في النفاذ إلى ما وراء الظواهر من أجل مساءلة الموارب والمتخفي وغير المعلن عنه، وممارسة نوع من تفكيك البنى العميقة التي لا تعلن عن نفسها بسهولة.(29) بمعنى آخر، تمكن التقاطبات من المغامرة في أعماق اللاشعور الجمعي ومكوناته الثقافية والدينية والأسطورية، وجميع التصورات التي تحدد الرؤية تجاه العالم، لأن تصوراتنا "تبنين ما تدركه، وتبنين الطريقة التي نتعامل بواسطتها مع العالم، كما تبنين كيفية ارتباطنا بالناس، وبهذا يلعب نسقنا التصوري دورا مركزيا في تحديد حقائقنا اليومية."(30)
ولما كان الوعي بالفضاء مقوما أساسا من مقومات بناء النسق التصوري للأفراد والجماعات، يتكشف، بيسر، عبر الثنائيات المبئرة للخطاب، فإنه يكتسب أهلية فعالة في الكشف عن رؤية العالم لدى جماعة أو لدى كاتب ما، حيث " إن التناول الثنائي لعالم الرواية يكسبها حيوية وحركية تتسم بالتنامي المطرد شمولا وعمقا."(31). كما ينم في الوقت نفسه، عما تتضمن من تمايز واختلاف وتنوع و تعدد، من حيث هي " نص مفتوح له مقاربة مع وعي الإنسان على تعدد مستوياته."(32). الجدير بالذكر أن أغلب الدراسات التي اشتغلت على المفهوم، تدين ببعده الإجرائي، الذي اتخذه في الخطاب النقدي المعاصر، إلى يوري لوتمان الذي بلور نظرية متكاملة للتقاطبات المكانية،(33) عندما جعل للنماذج الاجتماعية والسياسية والدينية صفات مكانية في شكل تقابل بين السماء والأرض دينيا، وبين السامي والداني أخلاقيا واجتماعيا، وبين اليمين واليسار سياسيا. علما أن هذه الإطلاقات المكانية ليست ثابتة النسبة، حيث يمكن التحرك بسهولة بين القيم الاجتماعية والدينية والسياسية والأخلاقية، المهم في كل ذلك هو التعبير الفضائي/المكاني عن القيم الإيديولوجية، والمنظومات الأخلاقية التي تحكمها.
كما تتسع لدراسة الظاهرة الفضائية المهيمنة، من خلال شبكة التقاطبات، التي يمكن أن تنسحب على مساحة النص لتحدد التوجه الفضائي الطاغي عليه، في تأرجحه بين الحرص على تحديد الأبعاد الطبوغرافية المحددة بدقة، وبين الارتفاع بالدلالات المتضادة إلى أفق معنوي أو فلسفي مجرد. كما يمكن أن تنم عن الفضاء النفسي للشخوص، وهي تحل محل الفضاء المادي، لتعبر تعابير فضائية عن أدق النوازع والدوافع ، كما يمكن أن تستحيل إلى تعبير يستعير وسائل الفضائية للدلالة عن الرغبة القصوى في التجريد وإضفاء العالي والمتسامي على معاني خارجة من رحم مادية صرف.
يقاس ثراء العمل الأدبي، وفق المنظور السالف، بمدى قدرته على حشد طوائف متنافرة ومتكاثرة على مساحة النص، تتنامى باطراد مع تشابك العلاقات النصية ومباشرة الشخوص لعوالمها، واتخاذ وجهة النظر موقعها من الأحداث ومن المتخيل، الذي تسعى حثيثا لتأثيثه بما يخدم توجهها الايديويولوجي واختياراتها وطروحاتها. و" كلما تعددت التقاطبات، اكتسب الفضاء زيادة في أهميته."(34) وذلك بما يكتسبه الفضاء من غنى وثراء وتنوع، وقدرة على رصد التصورات الممكنة عن الفضاءات التي تخترقها الشخصية، وهي تتردد بين الانغلاق والانفتاح، بين الرحلة والإقامة، بين البدو والحضر، أو بين فضاءات موهمة بواقعيتها، وأخرى تتوسل الرمز والأجواء اللاشعورية والفانتاستيك، في مغامرة التجريب التي تحاول أن تسبر أغوار فضاءات الممكن وحدود الفضاءات المتاخمة لما هو خارج عن نطاق الحس والمألوف والمتكرر.
من أجل ذلك ترتبط شعرية الرواية، في جانب مهم منها، بما يعكسه الوعي بجدل الفضاء والرهانات الروائية المنوطة به، وليست الرواية الجديدة أو رواية الحساسية الجديدة، في نهاية المطاف، إلا التفات مبدع، في شطر مهم منها، إلى شعرية التفاصيل الصغيرة وأشياء المكان اليومي والمعيش، متوسلة إلى ذلك جميع الحواس التي تسهم في رصد تحولات الفضاء وتكييفه للصيرورات، وتحكمه في آليات التحولات التاريخية وهي تنعكس في الساحات الخارجية وفي الشوارع والمحلات التجارية وسلوكات الناس وملابسهم وتصرفاتهم العامة، وفي عموم معايشهم وزينتهم و مضطربهم في حياتهم اليومية، وفي لغتهم المثقلة بالتقاطب والتقاطع والتقابل " الطبقة السفلى، العليا، اليساريون ..الخ."(35)
ليس المقصود، في رصد التقاطبات، إحصاءها ولا جمعها فحسب، كما لا تكمن قيمتها في ذاتها، بقدر ما يتعلق الأمر بما تسعفنا به في التأويل المثمر للعمل الأدبي، من خلال " تبيان روابطها مع التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد والعلوم والرسم والفلسفة ..الخ"(36). وهو الدور الذي تضطلع به قراءة النصوص وبحثها عندما تنظر إلى العمل في كليته، من حيث العلاقات التي لا ينفك ينسجها مع شرطه التاريخي وفضائه، إذ " مهمة الناقد، حسب إف.آر.ليفس، هي تطوير استجابة جيدة للتجربة المحسوسة التي يقدمها النص، وليس التورط والاشتباك في القضايا النظرية، مخافة ردم شفرة الاستجابة."(37). ليست التقاطبات، بهذا المعنى، إلا مفهوما إجرائيا متولدا عن استراتيجية القراءة المكانية للعمل الأدبي، استراتيجية الحفر والتأويل والبحث عن ممكنات العمل الكامنة فيه، انطلاقا من كونها، على الرغم من تنوعها واختلافها، تمثل القوى المتنازعة والمتضادة، مادية كانت أو معنوية، نفسية أو عقلية، شريرة أو خيرة، إلهية أو شيطانية، تنم عن توجهها في سياق العلاقات العامة، التي تتحرك وفقها السيرورة السردية، مسجلة انطباعات السارد، أو انطباعات الشخوص المخترقة للفضاء، إذ " من الواضح أن(الأمام) و(الخلف)، مثلا، لا يتضادان إلا لأنهما محسوسان ومرئيان، كذلك، من طرف مشاهد في وضعية معينة."(38) يصح الإطلاق نفسه على الداخل/ الخارج، الأعلى/ الأدنى الصغير/ الكبير، وغيرها كثير من التقابلات التي تحكم النظر إلى الأشياء والحالات والمواقع، وكل تقاطب يستتبع إضافة من المعلومات عن المشهد، محملة أغلب الوقت بقيم إيجابية أو سلبية، ونادرا ما تكون معدومة باعتبار البعد الفضائي المتضمن في معظم التعابير، حتى ولو لم يقصد بها إلى تفضية مخصوصة، ثم إن كثيرا منها، ولاسيما ما تعلق منها بالأبعاد والأحجام، يخرج عن حدود الدلالة الذاتية إلى أحكام قيمة تثري النص في بعده الإيديولوجي على وجه الخصوص.(39)
بيد أن هيمنة بعض التقاطبات على مساحة النص، كثيرا ما تصبح مبدأ بنيويا ينظم اقتصاد جميع الظواهر الفضائية في النص، كما " تكشف عن طبيعة الفرز الطبقي الاجتماعي وعلاقات الهيمنة والإرادة والسلطة التي يخضع لها المكان في النص بوصفه واقعا له استقلاليته"(40). كما تقوم، من جهة أخرى، بالكشف عن الهاجس العام المتسرب بين ثنايا النص، والذي يحكم التكوين الكلي للعمل من خلال الفضاء لا كمعطى موضوعي منعزل عن الذات، بقدر ما يطبع التجربة التي يكون هو محورها منظورا إليه تارة، ومحلوما به تــــــــارة أخرى.(41) وفي هذا الصدد، تتولى التقاطبات مهمة الكشف عن العلاقات التي تنسجها الذات مع محيطها، أو تنسجها الشخصيات فيما بينها، أو بينها وبين فضائها، وعليه تأخذ أهميتها من طبيعتها التواصلية والعلائقية أساسا، وتأخذ، بالإضافة إلى ذلك، دور الكاشف عن وضعية الفرد في العالم وفي الحياة والمجتمع، لاسيما وأن الفضاء لا يخرج في عمومه عن التعبير عن الطريقة التي نحيا بها المكان، الذي يتحلل، بدوره، إلى مجموعة الظواهر الروحية والنفسية والمادية، سواء في بعدها الخارجي المعلن أو في بعدها الاستعاري، عندما يكون مناطها التعبير عن التواصل الإنساني في صوره المتعددة، في القرب والبعد، العزلة والاختلاط، وفي التجاذبات والتدافعات التي تفترضها كل حياة اجتماعية جديرة باسمها، و" إذا كانت التقاطبات الفضائية الأكثر أهمية تتجمع حول مشكلة التواصل، فليس في ذلك ما يجب أن يفاجئنا."(42)
تتعالق التقاطبات، بحسب هذا الفهم، بجزء مهم من الحياة الإنسانية، خصوصا عندما تكشف عن أهم الحلقات المنظمة لتواصله مع المحيط الفيزيائي المحض، أو الاجتماعي أو الأخلاقي، فتنفتح على جدل الداخل والخارج والشخصي والعام الظاهري والأصيل في الذات.
يفسر ج. ن. فيشر جانبا مما سبق وهو يوضح المجالات التي يتدخل فيها علم النفس الفضائي بقوله:" فعلم النفس الفضائي يذهب بعيدا، إذ يعرف الفضاء كرحم للوجود الاجتماعي، يحكم العلاقة بين البشر، كما يحكم العلاقة بين البشر ومحيطهم."(43) فالتقابل مثلا، بين الداخل والخارج، يحيل على القريب والبعيد، الداخل بما هو الـ(هُنا) والخارج بما هو الـ(هُناك)، وعليه فكل ما يجري هناك لا يعنيني، بقدر ما يعنيني ما يقع هنا، وعليه، تصبح بنينة الفضاء في سلسلة من التقابلات جديرة بأن تكشف، على المستوى البعيد، عن القيم الكامنة في الأشياء، كالكشف عما يقتضيه الـ(هُنا) والـ(هُناك) من معاني تابعة له كالقرب والبعد، الهجرة والإقامة، وكل ما يحوزه حيزها من معاني العلاقات الإنسانية المرتبطة بالقرب الجغرافي أو الروحي أو بكليهما، ثم تنفتح أخيرا على موضوع الحب والسعادة والشقاء الذي هو من أشد الموضوعات الروائية حضورا قديما وحديثا.
هل معنى هذا أن كل نص يتحلل، في الأخير، إلى سلسلة من التقاطبات التي يمكننا أن نكون منها شبكة محددة الأبعاد، لا يلزم القراءة إلا طرحها على جسد النص، لتقبض على مقولتة، أو مقولاته المتعددة؟ بالتأكيد ليست العملية على هذا النحو من البساطة والاختزال، وإنما ينصرف الأمر في مجمله إلى اعتبار التقاطبات مكونا نصيا مساعدا في تحديد التيمة/ الموضوعة المهيمنة على النص، وفي الكشف عن اقتصاد الفضاء المنظم للسرد، وفق شبكة مفهومية شديدة المراعاة لتوجه النص وزاوية الرؤية، لأننا ندرك منذ البدء بان أن النص، من التعقيد والكثافة والتركيب، بحيث يتأبى على كشف أسراره وعوالمه وتداخل مكوناته، مهما أخضعناه لأية مفهمة وأي إجراء واعد بالخصوبة وفعالية الأداء.(44)
وعلى حد تعبير صلاح صالح: هناك "روايات عربية وعالمية كثيرة دخل التعامل المثنوي قطاعات واسعة من عوالمها البدئية والتركيبية، واستعراض عناوين بعضها يكفي للتدليل على وجود هذا التعامل وأهمية التوترات التي تمظهره في كامل الرواية لاعتبار العنوان نافذة أو موقعا يستشرف مساحات واسعة من الدواخل الروائية كالحرب والسلم، والجريمة والعقاب، والأحمر والأسود، وبداية ونهاية، ومدن الملح، ومرح وكآبة"(45). من أجل ذلك تظل التقاطبات مفتاحا يسهم في فك مغاليق النص، استنادا إلى مبدأ التفكيك الذي هو مناط الدرس الأدبي الحديث. وربما باتت إجراء منسجما مع جميع الخيارات القرائية، لأنها بتعبير البحراوي: "تنسجم مع المنطق والأخلاق السائدة مثلما تتوافق مع الآراء السياسية التي تعتنقها".(46) ولعل أهم ما يفسر تلك الأهمية التي حظيت بها في الخطاب النقدي الروائي، هي أنها تمكننا من الانتقال، برشاقة كبيرة، بين حدي:(المادي والمحسوس)و(الموضوعي والمجرد)كاشفة عن عمق المكان وخصوصياته ومستوياته، وتبرز الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية من خلال القيم الفنية والجمالية التي ينضح بها المكان " حيث تتشابك الخيوط النفسية، الاجتماعية والتاريخية، في وحدة دلالية غنية، يضاعف من قيمتها، وتأثيرها في البناء الفني للفضاء الذي هو وسيلة من وسائل الاستشفاف."(47) ومن ذلك أيضا قدرتها على إضفاء البعد المكاني على الحقائق المجردة، حيث تسهم الصورة المتضادة في تشكيل الفكر البشري، مادام إضفاء الصفات المكانية على الأفكار يسهل عملية إدراكها.
ولا ينكر أحد ما للتشخيص والتمثيل من أهمية في تقريب الفكرة وإيضاحها، وهذا ما تؤكد عليه سيزا قاسم عندما لاحظت بان التجسيد المكاني ينطبق على العديد من " المنظومات الاجتماعية والدينية والسياسية والأخلاقية والزمنية، بل إن هذا التبادل بين الصور الذهنية والمكانية امتد إلى التصاق معان أخلاقية بالإحداثيات المكانية، نابعة من حضارة المجتمع وثقافته، فلا يستوي(أهل اليمين) و(أهل اليسار)، كما يتدرج السلم الاجتماعي من(فوق) إلى (تحت) ...الخ. "(48) تهيئ لنا التقاطبات المكانية الأداة التي تسعف الباحث الطامح إلى الإحاطة الجدية الشاملة بالعمل الأدبي، على الأقل في جانبه المرتبط بالبعد الأنثروبولوجي(49) من دون الاكتفاء به على حساب الآليات الأخرى التي تسعف هي الأخرى، دون شك، بالإمساك بجوهر العملية الأدبية كلها، وهو مع ذلك خيار تستدعيه بعض الأعمال الأدبية لأنه، على حد تعبير أحمد فرشوخ " يفجرها من منظور حركتها التضادية، مستغورا لبناها المضمرة، ومستكنها لطاقاتها الترميزية، وبهذا المنظور نتحدث عن جمالية المكان".(50) نلوذ بالمفاهيم التي تمدنا بها التقاطبات المكانية، إذن، عند الحاجة الماسة التي تفرضها الأعمال الأدبية، التي تقتضي هذا الهيكل المفاهيمي من أجل فعالية التجاوز للهيكلي والسطحي، ونقبا عن الأعمق، عن المضمر والمغيب وراء الأبعاد والمسافات، وبذلك توفر ببعديها المفاهيمي والإجرائي مساحة كافية للشرح والتفسير والتأويل.
تشكيل المكان(51)
الواقع إن التعقيد الذي يعتور المكان مفاهيميا وإجرائيا، وتعالقه بالرواية تعالقا ينيط به الحفر في هذه الأخيرة حفرا مكانيا يروم استدراج النص إلى البوح بخباياه وكشف ألاعيبه، لأن "الرواية لن تجدي مهما حرصنا على حسن استقرائها إن لم يتحدد مفهوم المكان ولم ترتسم أهم ركائزه، خاصة وهو من أدق ما عرفه الفكر البشري من المفاهيم وأكثرها تعقدا وتشعبا وأدعاها إلى الاحتياط والاحتراز والتثبت، وقد تداولته علوم كثيرة استغلته على الوجه الملائم لطبيعتها واستجدته ما تحتاج إليه من المعاني والمقولات وكيفت فهمها له على النحو المناسب لمجال بحثها. "(52)
1. 3. الفضاء الروائي.
على الرغم من الجدة النسبية لمفهوم الفضاء، فإن النشاط النقدي الذي تمحور حوله قد تمكن من كشف الخصوبة المفاهيمية والإجرائية التي يتوفر عليها، من خلال تفعيل المكونات التي يشتمل عليها داخل المنظومة المضمونية والشكلية للعمل الأدبي، سواء في الدراسات العربية أو نظيرتها الغربية، حيث تؤكد مختلف المقاربات التي كان موضوعا لها على السعي الحثيث إلى ضبط حدوده ومكوناته على نحو ما صنعت بمفاهيم مثل الزمن والشخصية، ووجهة النظر/ المنظور، الأمر الذي جعل حسن بحراوي، وهو أحد الذين أثمرت جهودهم النقدية، في هذا المجال، تأصيلا نظريا لا غنى عنه، يؤكد بأنه " لا توجد أية نظرية للمكان، ولكن يوجد مسار للبحث ذو منحى جانبي غير واضح."(53) لأن ورشات العمل المفتوحة حول مفهوم الفضاء، ما زالت لم تكشف عن جميع الأدوار والوظائف والدلالات التي ينهض بها داخل العمل الأدبي.
كأنه مازال يخفي طيه العديد من المطاوي التي لم يسبر غورها الخطاب النقدي الراهن على الرغم من تعدد أدواته ومناهجه، لأنه ظل، في العمق، مفهوما تتقاسمه تخصصات مختلفة ومتباينة لا تشترك إلا في عنايتها بالإنسان، الذي تتخذ منه موضوعا لنشاطها البحثي. أما في النقد العربي خاصة، فقد كان كغيره من المصطلحات النقدية الوافدة مع الترجمة، عرضة للأخذ والرد والالتباس في معظم الأحيان، فقد استعمل تارة كمرادف للمكان، وتارة للحيز، وتارة صرف كلية للدلالة على المكان دون سواه، وفي معظم الدراسات التي استأنسنا بها ونحن ننجز هذا البحث، كنا نقف على استعماله كمفهوم مكاني في جميع الإطلاقات، حيث إن مفهوم الفضاء ـ حسب البحراوي ـ "ليس في العمق، سوى مجموعة من العلاقات الموجودة بين الأماكن والوسط والديكور الذي تجري فيه الأحداث والشخصيات التي يستلزمها الحدث."(54) من أجل ذلك نلمس "حرصا لدى عدد كبير من قراء ودارسي الفضاء الأدبي على مركزة قراءة الفضاء على المكان وحده."(55)
أما عبد الملك مرتاض فيرى أن مصطلح الفضاء قاصر بالقياس إلى مفهوم الحيز "لأن الفضاء، من الضرورة، أن يكون معناه جاريا إلى الخواء والفراغ، بينما الحيز لدينا ينصرف استعماله إلى النتوء، والوزن، والثقل، والحجم، والشكل، على حين أن المكان نريد أن نقفه، في العمل الروائي، على مفهوم الحيز الجغرافي وحده."(56) كما يقرر، من ناحية أخرى، أنه آثر مصطلح الحيز، بدلا من الفضاء الذي هو في الفرنسية والأنجليزية Espace وSpace، وهو بلا شك رأي ذهب إليه وحده، ولم نجد ما يسنده في رأي المشتغلين بدراسة المكان/ الفضاء، في الخطاب النقدي العربي أو الغربي، فالمكان لا يتحدد إطلاقه على البعد الجغرافي، في مستواه الإقليدي المعلن عن حضوره في لعبة المسافات، بقدر ما يمتد في تلقيه الجمالي إلى خارج المسكن الفينومينولوجي، لأن الفضاء الروائي، حسب حسن نجمي، مثل " كل فضاء فني، يبنى أساسا، في تجربة جمالية، بما يعنيه ذلك من بعد أو انزياح Ecart عن مجموع المعطيات الحسية المباشرة، أي أن مجاله هو حقل الذاكرة والمتخيل".(57) وعلى هذا الأساس، فإن المكان الروائي، لا يبقى حبيس الجمود الجغرافي أو العمراني، بل يكيفه الخيال، ويصوغه دلالات ذهنية ونفسية، تتجاوز حقيقتها الهندسية، وفق زخم اللحظة ومن يحل بها، وفي غياب ذلك، لا يمكن الحديث عن حيادها وصمتها، فـ" الفضاء الفيزيقي، في النهاية، امتداد لفضاءات الذات وسعيها نحو التمركز."(58) لأنه من المتعذر" مباشرة الفرد والفضاء، كل على حده، دون التأكيد على ميكانيزمات العلاقة الدالة بين الفرد والعالم."(59)
إننا نطمح، عمليا، إلى تجاوز القراءة الآلية لتمظهرات الفضاء، ونراهن على تفعيل هذا الأخير في المغامرة في تخوم الممكن والمحتمل في لعبة المسافات الفضائية، وملاحظة مدى تكييفها للبنية التصورية والوجدانية للأفراد، وتمكينهم من القفز المبدع فوق حواجز و إكراهات الزمان والمكان. بناء على ما سبق، يصبح الاشتغال على الفضاء مقرونا بقراءته ضمن حمولته الإيديولوجية بغية "إضاءة الوسط الموضوعي للفرد وللجماعة، من خلال التأثيرات الممارسة عليهم، مع الأخذ في الاعتبار، بالأبعاد الاجتماعية، كل ذلك، يشكل نظاما محددا بواسطة مجموع المحفزات والدوال."(60) لأن الفضاء، في النهاية، لا يعلن عن نفسه إلا وهو يتأرجح بين الواقع والخيال، بين الملموس والمجرد، صانعا منظومة بالغة التعقيد والكثافة والثراء، من الدلالات والرموز المستنبطة من وحي الخيال والواقع، لأنه، قبل كل اعتبار، كيان لغوي متخيل، يحمل خصوصيات اللغة والتخييل المنفتحين، من حيث التعريف، على المغايرة والاختلاف واللاتحديد.(61)
إن الاشتغال على مفهوم الفضاء لا يكتسي طابع الشمولية المثمرة ما لم يفحص المعطى المكاني في مستويين مختلفين ومتباعدين هما: المستوى السردي والمستوى التخييلي، مع الأخذ في الاعتبار بما يفترضه المستوى الأخير من احتكاك بمنجزات التأويل ونظريات القراءة، من أجل النفاذ إلى المعنى العميق المتشظي بين طرفي القراءة الأساسين: الطرف الفني/ المنتج، والطرف الجمالي/ المتلقي.
الملاحظ في القراءة الفضائية، أنها، غالبا ما تأتي من موقع متحيز جماليا وإيديولوجيا، مما يضفي على المعنى المستخلص، مهما كانت نزاهة القارئ وفعالية أدواته، طابع الزئبقية الرجراجة الهاربة، على الدوام، باتجاه تخوم محرضة على مواصلة النقب على المعنى المراوغ والمخاتل، والمفاجئ بدلالات متجددة في السياق النصي، بحكم طبيعة البنى الفضائية ذاتها، فهي مندسة أبدا، هنا أو هناك، في هذه الشذرة من النص أو تلك، مكونة خزانا خصبا للمعاني ومتيحة الفرصة، لكل قارئ، من أجل بناء معناه الخاص، المتميز والمختلف، وكما يقول بارت " وكون الأثر يمتلك، في وقت واحد، معان متعددة، فذلك ناتج عن بنيته، وليس عن عطب في عقل من يقرؤونه."(62) الواقع إن المشكلات التي يثيرها مفهوم الفضاء، لا تأتي من وظيفته السردية الصرف، لما لهذه الأخيرة من طبيعة أدائية محايدة، وإنما من جانبه المفاهيمي الملتبس بالتراث الثقافي والروحي للمجموعة الثقافية المتعاملة معه، بما تحمله من كثافة رمزية وعقائدية وتصورية تدخل في تركيبة البنية العميقة لأي مجموعة بشرية، بالإضافة إلى" اختزاله لكمية من النشاط البشري الإبداعي."(63)
وعلى هذا الأساس، ترتبط فعالية القراءة للفضاء بمدى الإحاطة به كوجود وذاكرة وعلائق وأمكنة وحركة للأشياء والأفعال والأصوات والروائح والوجوه والألوان، سعيا إلى التقاط معنى العالم، عالم النص المحايث للمعيش والمتخيل، باعتباره مادة لغوية مستعصية عن الخضوع للصرامة الهندسية، وواقعة، أغلب الوقت، خارج الضبط والمقاييس، تسندها قنوات التخييل المتعددة لصياغة عوالم باستطالات وامتدادات لا نهائية، تجنح إلى الإغراب والتعجيب وتفعيل الفانتازي واللاواقعي. ولأن كل لغة تقول خطابها عن فضاء معين، فإنه يتعين علينا " أن نميز الخطاب في الفضاء، الخطاب حول الفضاء، وخطاب الفضاء."(64)على حد تعبير هنري لوفبر، مشيرا إلى عمق الإشكالات التي يطرحها سؤال الفضاء في الخطاب الأدبي بصفة عامة.
من أجل ذلك لم يتمكن الخطاب النقدي في أوروبا، نفسها، التي اجترحت مفهوم الفضاء أولا، من بلورة نظرية فضائية متكاملة الأركان على النحو الذي قام به النقد الروائي بخصوص الشخصية والزمن والسرد، على الرغم من كثافة التمظهر الفضائي ومركزيته في آليات التفكيك النصي، حتى ليمكن القول مع غالب هلسا " إن المكان يلد السر قبل أن تلده الأحداث الروائية، وبشكل أعمق ربما وأبعد أثرا."(65) والفضاء يعلن عن نفسه على مساحة النص، في وضعيات متعددة، وفي كيفيات متداخلة مع سيرورة التكون وانبناء الملفوظ، إما موصوفة أو معروضة أو محلوما بها أو متأملا فيها " بل إنها تبدو أحيانا كما لو كانت مولدا للكتابة ذاتها، كما لو أنها عنصر البنينة الأساس.(66) أما في الرواية فيعبر عن نفسه في "أشكال متنوعة، ويأخذ معاني متعددة، حتى إنه، أحيانا، يكون منطق وجود بالنسبة للعمل."(67) وفي بعض الأعمال الأدبية يصير" أحد العناصر التكوينية الأساس، يصير فاعلا حقيقيا AGENT يكيف الحركة الروائية ذاتها."(68) وذلك عندما يعمد الكاتب، عن طريق الاقتصاد الفضائي، إلى " تجنيب النص كثيرا من التحليل والشرح والتعليق، متى أودع الديكور دور الإيحاء بحالة نفسية، أو بآمال البطل."(69)
في الإشارة السابقة لـ: ج.ب. جولدنشتين، نجد الحكم المسبق ذاته الذي طبع الموقف من الفضاء في الخطاب النقدي الكلاسيكي، الذي اكتفى بالنظر إلى الفضاء كديكور محايد وسلبي، تخترقه الشخصية وتجري عليه الأحداث كوعاء لمادة الحكي وتوجهات الخطاب، وهو الموقف نفسه الذي طبع الخطاب النقدي العربي حتى ظهور موجة الرواية الجديدة، حيث بدأت هذه الأخيرة، الفرنسية منها بالخصوص، بإيلاء الفضاء دورا طليعيا في تشكيل الخطاب الروائي على حساب المكونات السردية الأخرى، وهو ما انعكس على الرواية العربية، حيث ازداد وعي الكتاب بسطوة الفضاء، فأنجزوا بإيحاء منها، أعمالا روائية متميزة بتعاملها الجديد مع الفضاء/ المكان، وتشكيله تشكيلا فنيا ينم عن الوعي المتنامي بمركزية الفضاء في تشكيل الخطاب.
ومع موجة الرواية الجديدة التي اقترن انتشارها مع آلان –روب غرييه، بدأ الفضاء يبرز إلى صدارة الاهتمام في الخطاب الإبداعي والنقدي على السواء، وفتح آفاقه على مواد وموضوعات لم تكن معروفة من قبل، الأمر الذي جعل غالب هلسا، يعتبره بمثابة ثورة، في المقدمة التي صدر بها ترجمته لكتاب باشلار. قال:" إن تركيز روب غرييه على أشياء العالم الخارجي له ما يقابله في بعض تقاليد الرواية، وهي تركيز الروائي على أشياء العالم الخارجي، فهو من هذه الناحية لا يضيف إلا نقل المحور من الزمان إلى المكان، وهذا في حد ذاته ثورة أو بدايات ثورة في الفن لا يحدد كنهها إلا المستقبل."(70) ومن ملامح هذه الثورة، ما أشار إليه جلال العشري بقوله: "وعالم الرواية الجديدة مليء بالأشياء، إنه تشيئ العالم أو تشييء للعالم، وهذه الشيئية هي حجر الزاوية في بناء الرواية الجديدة."(71)
لم تكن الرواية العربية، في خضم هذه الحركية النقدية التي شهدها الخطاب الروائي، معزولة تماما بالنظر لما شهدته من تراكمات وتفاعلات معرفية ضخمة، شكلت، في نهاية الأمر، إنجازا نقديا جماليا أفرز هذه الموجة الواسعة من المفاهيم الاصطلاحية، حيث "تغير مفهوم هذا الحيز، فأمسى لدى كتاب الرواية الجديدة العرب، في المشرق والمغرب، شيئا آخر مختلفا، لقد بدأت الكتابات الروائية الجديدة تتخذ لها منحى آخر في التعامل مع هذا الحيز، وخصوصا حين اغتدى الروائيون الجدد يكلفون بتعويمه في الأسطورة وحمله على النطق، ودفعه إلى الوعي وادعاء ما لايجوز له عقلا من السلوك."(72) إن تعويم الفضاء، في الواقع، لم يكن من باب البذخ اللفظي، ولا من قبيل إلقاء الكلام على عواهن السرد، بقدر ما كان إدراكا للفاعلية الفضائية التي زجت بواقع الفضاء العربي، المأزوم في كل مناحيه، داخل المتخيل، من أجل مساءلته ونبش أعماقه، وبحث جريانه، في كل أحواله، على الذين اتخذوا منه مكانهم الفينونومينولوجي من العالم، تمهيدا للزج بالشخصية داخل أبعاد الفضاء، لتناوش الأحداث والوقائع والسيرورات النصية المختلفة، ذاك أن مقاربة الفضاء إبداعيا، إذا لم تستند إلى فلسفة مكانية عميقة بكل حمولاتها السريالية والسيكولوجية والرموزية، لن تفرز، في النهاية، سوى مصادرة نصية على الحرفية والتقليد والواقعية الوقائعية. لقد كان نجاح الكاتب العربي في ذلك دليلا على " أن الفضاء الروائي لا يتشكَّل إذا لم تخترق الشخصيـة المكان حاملة وجهة نظرها الخاصـة في علاقاته، وإذا لم تكشف عن حاله الشعورية وتسهم في رصد تحولاتها الداخلية."(73)
1. 4. من الفضاء إلى المكان.
الواقع إن ضبط المفاهيم يقع في القلب من أية ممارسة فكرية تسعى إلى تفعيل مصطلحاتها الخاصة في الحفر والقراءة والتأويل، تتكئ عليها وتستسلم لمغامرتها التفكيكية. وتصبح الحاجة إلى تلك الدقة، وإلى ذلك الضبط، ألح في سياق النقد العربي المعاصر الذي استورد أدواته الاصطلاحية وطرائقه المنهجية بكثير من التسرع، وقلة التربص بالحدود الدقيقة الفاصلة بين المفاهيم في لغتها الأم، وفي اللغة المهاجرة إليها. من ذلك ما سبقت الإشارة إليه حول الفارق الذي لا يكاد يتضح، في مجمل الدراسات، بين الفضاء والمكان، حيث يستعمل أحدهما بدل الآخر، ويطلق الفضاء بينما يراد به المكان، أو العكس. وقد سارع لحمداني، بهذا الصدد، إلى إزالة كثير من اللبس وهو يؤسس لتأصيله النظري، بتعويم الفضاء على عموم جسد النص، باعتباره فضاء الرواية " هو الذي يلفها جميعا (أمكنة الرواية). إنه العالم الواسع الذي يشمل مجموع الأحداث الروائية، إن الفضاء ـ وفق هذا التحديد ـ شمولي، إنه يشير إلى المسرح الروائي بكامله."(74)
وذلك بما يتضمن من تفاصيل متعددة تخرج عن حيز البعد المكاني فقط، ويكون المكان الروائي، بذلك، في بعد واحد من إشكالاته المتعددة التي يطرحها، جزءا لا يتجزأ من الشبكة المعقدة التي تتضافر لتكون الفضاء العام. بمعنى آخر، يصبح تناول الفضاء كمكان، يعني تناوله كمكون أساس من مكونات الفضاء الأُخر، أي أن " المكان يمكن أن يكون فقط متعلقا بمجال جزئي من مجالات الفضاء الروائي."(75) وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن المكان هو مكون جوهري من مكونات الفضاء، يتحرك على مدى سيرورة السرد، وتغير الزوايا، وتشابك الأحداث التي تفترض تعدد الأمكنة، اتساعها، أو تقلصها، حسب ما تقتضيه طبيعة الرواية.
وليس في مقدور الكتاب تجاوز المكان ونفيه عن أفضيتهم التخييلية، حتى ولو سعوا إلى ذلك وحاولوه وضيقوا آفاق الأحداث أو أرتفعوا بها إلى التجريد المحض، لأن طبيعة الأحداث تعتاص على ذلك، وتفتح لنفسها مسارب إلى أمكنة خارجية قابعة في الخلفية الفكرية للأبطال وفي فضائهم النفسي والفكري، وفي غيرها من الحيثيات التخييلية التي يستحيل بشأنها الخلو الكلي من تحديدات الأفضية. لقد ذهبت سيزا قاسم إلى اعتبار الفضاء " مكانا خياليا له مقوماته وأبعاده المميزة."(76) يظهر على امتداد الزمن الروائي ويصاحبه ويحتويه لأن المكان هو الإطار الذي تقع فيه الأحداث. وعليه فإن النظر إلى الفضاء، عند النقاد الذين اشتغلوا عليه، لم يراع فيه إلا شرطا أساسيا هو المجال المكاني، لما يتيحه من إمكانية الإدراك أو التخيل، أو تحديد مكوناته وأبعاده وأحجامه وشخوصه، وكل ذلك، يدخل في المجال البصري البحت، على اعتبار أنه، بحاسة البصر، تتعلق مجمل قضايا الفضاء الذي يوهم بواقعيته بكفاءة عالية، ويجعله شيئا محتمل الوقوع.
فحاجة الكتاب إليه، بذلك، مَسيسة جدا، عندما يرومون الإيهام بالواقع، وعندما يسعون إلى تأثيث المتخيل بطاقة إيحائية تتعلق بها قضايا الشعرية الروائية تعلقا أساسيا، فالتأطير المكاني من شأنه أن يعطي للأحداث ذلك البعد الواقعي الذي تسعى إليه، كما يسهم في خلق المعنى، بما يجعل مقارنته بالديكور المسرحي، انتهاكا واضحا للفاعلية المكانية التي تنوب عن الشخصية أحيانا، وتحل محلها، وتتحول إلى " أداة للتعبير عن موقف الأبطال من العالم."(77)
وقد تتحدد معالم المكان وملامحه، فيتحول بدوره إلى شخصية روائية شديدة الصدق، كثيفة الحضور، تتلبسها التحولات التاريخية الفاعلة في تاريخ الإنسان والجماعة، وهو ما يعبر عنه يوري لوتمان بقوله: "إنه بنية عضوية حية تسكن الناس وداخل الرواية، يتحول بموجبها المكان إلى شخصية روائية في ذاكرة القراء، قد تكون الأسماء ذات مرجعية واقعية، وقد تكون من صنع الروائي نفسه، ولكنه يمنحها ملامحها وأبعادها، ويجعل منها حقائق نفسية إلى حد التحقق الجغرافي والتاريخي،فيتحول المكان التاريخي إلى واقع."(78)
الملاحظ أن الوعي بأهمية المكان، في الدرس النقدي العربي على وجه التحديد، لا يقل عنه في الممارسة الإبداعية، بيد أن الجهود المبذولة هنا وهناك، لم تتطور إلى نظرية متكاملة عن الفضاء الروائي، وظلت في مجملها مقاربات وآراء واجتهادات بديلة عن نظرية وافية، ومادة نقدية هي عماد قراءة البنية المكانية في الرواية، وقد وجدنا في المتن النقدي الذي أنجزه الناقد المغربي حميد لحميداني كثيرا من الانسجام المعرفي و النقدي، وقد ذهب إلى اعتبار مجموع أمكنة الرواية هو ما "يبدو منطقيا أن نطلق عليه اسم فضاء الرواية."(79) إن أمكنة الرواية، باختلاف أنواعها، المغلقة والمنفتحة، الثابتة والمتحركة، الحميمية والعدوانية، الواقعية والرمزية، باختلاف ظلالها وإيحاءاتها، تشكل في ذاتها أمكنة الرواية، وعند النظرة الشاملة إليها، منسوبة إلى النص، يتشكل الفضاء، حيث إن " المقهى أو المنزل، أو الشارع أو الساحة، كل واحد منها يعتبر مكانا محددا، ولكن إذا كانت الرواية تشمل هذه الأشياء كلها، فإنها جميعا تشكل فضاء الرواية."(80) وإلى هذا الرأي يذهب سمر روحي الفيصل في قوله:"يحرص البنيويون على التمييز بين المكان الروائي والفضاء الروائي، ذلك أن الرواية تحتاج إلى أمكنة عدة تواكب تطور الحوادث وحركة الشخصيات، ويمكن القول أن مجموع الأمكنة الروائية يشكل الفضاء الروائي، بحيث يعد المكان مكونا من مكونات الفضاء."(81)
أما جورج بولي، فقد جعل الفضاء سابقا للمكان في سياق بحثه للفارق المفهومي بينهما، قال: "يوجد أولا الفضاء، ثم الأمكنة التي تجد مكانها في الفضاء."(82) لأن الفضاء هو عالم المنسجم والمتناغم الذي يشبه نفسه، مثله مثل تيار الزمن، يوجد ابتداء ليستقبل الأمكنة، إذ "مهما تكن الأمكنة ومهما تكن الطريقة التي تتمظهر بها، فإن العقل يفترض دوما، أن وراءها، أو أسفل منها، أو إلى جوانبها، حقيقة عارية، مجردة، خالية من كل خصوصية، تشكل ميدانا موضوعيا، أين تتجمع الأمكنة ثم تتجزأ."(83)
هنا يتخذ الفضاء بعدا فلسفيا يتعانق مع مفهوم الزمن من حيث الماهية السابقة للتمثلات، فهو يعلو عن المكان ويحتضنه في نفس الوقت، كأنه يعطيه بعده الأنطولوجي، ومسافة معينة بين المفاهيم العليا المنظمة للوجود الإنساني. ونحن لا يعنينا هنا إلا بيان الفاصل بين المفهومين، كمسعى إجرائي يسمح بتحديد الآفاق التطبيقية التي يستلزمها كل مفهوم، وجملة التعالقات التي ينسجها مع المكونات الروائية وعناصر السرد ومحمولاتها الإيديولوجية، من ذلك أنه " في الفضاء الحيوي، تتم مقاربة المحيط فقط من حيث تأثيره في سلوك الشخصية في زمن محدد، حيث لا يأخذ بعين الاعتبار جميع الظواهر التي لا تتدخل مباشرة في الفضاء الحيوي."(84) بما يعني تناول المكان كدال على شحنة من القيم الرمزية والثقافية التي تحملها الجماعة التي أنتجته، لأن في رحم كل مكان، معنى ما، معنى متولد من طرائق تنظيمه واستخدامه، ومن وظائفه جميعا. تلك الوظائف التي تحدد دلالات الأمكنة من خلال استعمالاتها الاجتماعية، ومن خلال السلوكات التي تعبر عن نفسها، باستعمالها الخاص للمكان، من ذلك مثلا " بعض التعابير العاطفية بإزاء العمل، (إنه فارغ) و(إنه سجن)، تكشف دلالات أحادية الصوت عن فضاء معطى، تصوره كواقع مستلب."(85)
وعليه لم يعد في الإمكان تناول الفضاء إلا متشذرا إلى أمكنة ظارفة أو مظروفة، حاملة لقيم الجماعة أو محمولة في مخيالها وشعورها ولا شعورها، ناطقة عن المعلن والمغيب، في ثقافتها وتراثها تاريخها، سعيا إلى جمع المتشذر، وتركيبه بما يسمح بالنفاذ إلى الأعم والأشمل، وفق خطة تفكيكية تروم الانتقال من الجزء إلى الكل، ومن العام إلى الخاص، آخذين بعين الاعتبار كون " الفضاء في مجمله ضربان: فضاء موضوعي مادي يمتد خارج الذات البشرية، وفضاء وجداني خيالي ينبسط داخلها."(86) وعلى هذا الأساس لا تغيب طبيعية الفضاء التخييلية الصرف أثناء الاشتغال النقدي عليه، ومن خلال الصورة الحاصلة عنه، باعتباره حيزا لعمليات معقدة جدا من ضروب الأحداث والأحوال والتوقعات وأصداء التجارب والذكريات السابقة، وقد تكون فانتازية بحتة مؤسسة وفق نمط فضائي، متخيل إبداعيا، ففي " تخيل المبدع لفضاءات إبداعه، تتسلط عليه ذاكرته المكانية."(87)
عندئذ تستعمل الرواية فضاءها باعتباره علامة تحيل على الواقع، متلبسا بالخيال المبدع، بكل ما يثيره ذلك من تعالقات حافة بين حدود الواقع وحدود التخييل، وتحيل إلى وضعية الشخوص وأسلوب تفكيرها وتوجهاتها، كما تستعمله في بعده البنائي كعنصر ينهض بنحوها وقواعدها السرديين.
هوامش:
1. Gaston BACHLARD.la poétique de l’espace.Ed.puf, Paris/ 1957/
2. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace,Ed: P.U.F,Paris, 1981,p :23
3. جماليات المكان، غاستون باشلار، ترجمة:غالب هلسا،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، سنة/ 1984، ط/2، بيروت/ لبنان. انظر كتابيه: أشكال الزمان والمكان في الرواية،ترجمة: يوسف حلاق، منشوراتوزارة الثقافة، سنة/1990، ط/1. دمشق/ سوريا .
· شعرية دوستويفسكي،ترجمة: جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، سنة/1986. الدار البيضاء/المغرب
4. أهم الأعمال التي تعاملت بأصالة تنظيرية وتطبيقية مع المفهوم،حسب ما أمكننا التعرف عليه،هي:
· بنية الشكل الروائي،حسن بحراوي،المركز لثقافي العربي،سنة/1990،ط/1، بيروت/الدار البيضاء.
· بنية النص السردي(من منظور النقد الأدبي)،حميد لحمداني،المركز الثقافي العربي،سنة/1991، ط/1.بيروت/الدار البيضاء.
· شعرية الفضاء،حسن نجمي،المركز الثقافي العربي،سنة2000،ط/1،بيروت/الدار البيضاء.
· شعرية المكان في الرواية الجديدة،خالد حسين حسين،مؤسسة اليمامة الصحفية الرياض/ السعودية،سنة/1421،ط/1.
5. قضايا المكان الروائي في الأدب المعاصر،صلاح صالح،دار شرقيات،القاهرة، سنة/1997،ط/1.
6. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق،ص:38.
7. J.ALEGRIA et autres : L’espace et le temps aujourd’hui, Ed : Seuil, Paris, 1983 .P :07
8. مؤلف جماعي: La poétique deL’espace dans la littérature arabe moderne Presses Sorbonne Nouvelle. بدون تاريخ،ص:08.
9. Youri LOTMAN :la structure du texte rtistique.Tr.ann JOURNIER,Ed :Gallimard,1973
10. انظر ذلك أيضا في: JEAN WEISGERBER :L’espace Romanesque,ED :L’age D’homme, Lausanne 1978 ،ص:15.
11. الاستعارات التي نحيا بها، جورج لا يكوف ومارك جونسن، ترجمة: عبد الحميد جحفة، دار توبقال، الدار البيضاء/المغرب، سنة/1996،ط/1،ص:81.
12. شعرية الفضاء، حسن نجمي، مرجع سابق، ص:33.
13. شعرية الفضاء، حسن نجمي، مرجع سابق، ص:65.
14. المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
15. نعني بخصوصيته العميقة،ما أطلق عليه جاستون باشلار صفة(حميمية) الفضاء التي تحيل إلى القيم الدلالية والرمزية للفضاء الذي يشغله الإنسان على نحو من الأنحاء، انظر: جماليات المكان، مرجع سابق، ص: 209 وما بعدها.
16. J.GREIMAS : Sémiotique et Science Sociales ،مرجع سابق،ص: 130.
17. ذهب مذهبنا هذا ،الطاهر رواينية في مقاربته لأمكنة رواية(الجازية والدراويش) لعبد الحميد بن هدوقه، عندما أنكر على بعض الدارسين نفيهم لوجود أية علاقة بين المكان الواقعي والمكان الروائي،مؤكدا على أن " الأنساق المكانية التي يبدعها نص بعينه تكتسب دلالات ومعاني شتى،من خلال تجسيدها المكاني للعديد من القيم الاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية،التي ساعدت الإنسان عبر تاريخه الطويل على إضفاء معنى على الحياة من حوله ."،مقال:الفضاء الروائي في الجازية والدراويش لعبد الحميد بن هدوقة، ص: 19، مجلة: المساءلة، العدد الأول، ربيع/1991، الجزائر.وهو الموقف نفسه الذي يقفه عثمان بدري في مقاربته للمكون المكاني في أدب نجيب محفوظ، حيث يقف عند مفتتح رواية( القاهرة الجديدة)، مثلا، [ مالت الشمس عن كبد السماء قليلا....] ،ليؤكد على البعد المجازي الترميزي " من خلال اقتناص مخيلة الروائي لعنصر طبيعي حيوي، معبر،يشخص في الواقع- الصيرورة المأساوية المفارقة التي يقوم عليها البناء الروائي في الرواية كلها ."، انظر: وظيفة اللغة في الخطاب الروائي الواقعي عند نجيب محفوظ، عثمان بدري،ص: 98، موفم للنشر والتوزيع، سنة/2000، د.ر.ط، الجزائر . ثم يخلص بعد دراسته لتشكيلات مكانية منتقاة، إلى التأكيد على ما يعضد ما ذهبنا إليه سالفا، بقوله:" فالروائي لا يعنيه المظهر الذي بدت به الطبيعة الخارجية على هذا النحو،إذ قد تكون في الواقع كذلك وقد لا تكون كذلك،وإنما تعنيه دلالتها الفنية على الحياة الإنسانية التي تشغل وعيه الروائي ."،المرجع نفسه،ص:100 .
18. G.N.FISCHER :La Psyco-sociologie de L’espace,Ed : P.U.F,Paris/1981,P :05
19. J.GREIMAS : Sémiotique et Science Sociales ،مرجع سابق،ص: 141.
20. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace, Ed :P.U.F, Paris/1981,P :05
21. . G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace ،مرجع سابق، :08 .
22. لعل ذلك ما يفسر،ولو نسبيا، الاهتمام الذي حظي به المكان عند ناقدين كبيرين يصدران عن هذه النظرية، هما جاستون باشلار وجورج بولي الذين ألمحنا إلى عمليهما المعتمدين في هذا القراءة، وتجدر الإشارة إلى أن النظرية السالفة الذكر قد استقطبت نقادا كبارا من أمثال جان بول ريشار وجان استاروبينسكي وجان روسيه وإميل استيقر، حتى رولان بارت،على الأقل في مرحلته المبكرة. انظر: موسوعة النظريات الأدبية، نبيل راغب،ص:434،مكتبة لبنان ناشرون،د.ت.ط، بيروت/لبنان.
23. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق، ص:33
24. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace، مرجع سابق، ص:13.
25. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق، ص:33.
26. المكان في رسالة الغفران، عبد الوهاب زغدان، ص:16، دار صامد للنشر، سنة/1985، ط/1،صفاقص/تونس.
27. شعرية المكان في الرواية الجديدة، خالد حسين حسين، مرجع سابق، ص:144.
28. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق، ص: 33.
29. سنكتشف الكفاءة الإجرائية لمفهوم التقاطبات عند مباشرة الاشتغال على رواية الشمعة والدهاليز للطاهر وطار، حيث أشرنا في أكثر من موضع منها، تعذر دراسة بنيتها المكانية دون اللجوء إلى هذا المفهوم، لأنها تقوم أساسا على سلسلة من المفارقات التقاطبية التضادية بين رمزي [ الشمعة] و [ الدهاليز] التي يقرأ على ضوئهما أزمة الفضاء الجزائري في بداية التسعينيات...انظر مقالنا المنشور حول الرواية في مجلة (التبيين) الصادرة عن جمعية الجاحظية سنة 2009.
30. الاستعارات التي نحيا بها،جورج لا يكوف ومارك بونس، ص:21،ترجمة عبد المجيد جحفة،دار توبقال،سنة/1996، ط/1،المغرب.
31. قضايا المكان الروائي، صلاح صالح، مرجع سابق، ص: 74.
32. الاستعارات التي نحيا بها، جورج لا يكوف ومارك بونس، مرجع سابق، ص: 81.
33. لا نريد في هذا العرض السريع للمفهوم، أن نقف على جميع الإشكالات التي يثيرها بخصوص أصله وجذوره في الفكر النقدي والفلسفي ،لأن ذلك سيخرجنا عن الخط الذي رسمناه لمسار هذه القراءة، إذ أجريت بإزائه بعض الدراسات التي حاولت ربطه بالفكر الأرسطي، وبالفكر الفلسفي في التراث العربي. انظر تفصيل ذلك عند حسن بحراوي في كتابه " بنية الشكل الروائي" وعند صلاح صالح في كتابه "قضايا المكان الروائي في الأدب المعاصر".
34. JEAN WEISGERBER :L’espace Romanesque,ED :L’age D’homme, Lausanne 1978,P :15
35. JEAN WEISGERBER :L’espace Romanesque مرجع سابق، ص: 13.
36. المرجع السابق، الصفحة نفسها.
37. قراءة النص، لحسن أحمامة، ص:14، دار الثقافة، سنة/1999، ط/1، الدار البيضاء/المغرب.
38. Jean WEISGERBER : L’espace Romanesque ،مرجع سابق، ص: 15 .
39. أحسن ما نجده للتمثيل على ما ذهبنا إليه هو قراءة عبد القادر بوزيدة لرحلة الوعي في رواية " الحوات والقصر " للطاهر وطار ،حيث يشير ابتداء إلى نهوض النص باستثمار مكونات سحرية عبر بناء فضاء تخييلي، تشير كل مقوماته إلى تناصية لا تخفى مع فضاءات ألف ليلة وليلة، فالقرى السبع، والقصر والسلطان والحراس والحجاب والفرسان الملثمون والجنيات والسمكة السحرية وغيرها ،كلها عناصر تشرع النص على الفانتاستيكي، غير أن ملاحظة التقاطب الدال بين القصر والقرى السبع من جهة، وبين القرى نفسها، وفق التراتبية التي تحكمها بالنظر إلى خصيصة كل قرية، تخرج النص من السحرية العجائبية لتلصقه بالواقع. يصرح الدارس بالقول: " كل هذه العناصر الخيالية السحرية العجائبية التي نسج منها عالم الرواية من شأنها أن تبعدنا عن الواقع المعاصر الذي يعيش فيه الروائي، لكن الإحساس الذي ينتابنا ونحن نجوس خلال عالم الرواية ونطوف في أجوائها السحرية أننا بمحضر عالم قريب منا،عالم نعرفه حق المعرفة،عالم واقعي إلى أبعد الحدود.".الحوات والقصر: رحلة علي الحوات أم رحلة الوعي؟ " عبد القادر بوزيدة، ص:08، مجلة:اللغة والأدب،العدد/16،سنة/2003، الجزائر .
40. المكان في رسالة الغفران، عبد الوهاب زغدان، مرجع سابق، ص:16.
41. يحضرنا هنا، مرة أخرى، التساؤل الذي طرحه الدارس لرحلة الوعي في رواية الحوات والقصر،عن الآلية التي أمكنت الناص من بناء عالم واقعي، شديدة الواقعية، باستخدام لبنات موهومة وعناصر سحرية خيالية، ليخلص إلى النتيجة التي مؤداها " أن الرؤيا أو المنظور هو الأساس الذي يقوم عليه عالم الرواية، فهو الذي يقود الروائي في انتقاء مادته، وهو الذي يملي الطريقة التي يشكل بها هذه المادة ليكسبها مدلولا معينا."، انظر: الحوات والقصر: رحلة علي الحوات أم رحلة الوعي؟، عبد القادر بوزيدة، مرجع سابق، ص:09.
42. Jean WEISGERBER : L’espace Romanesque رجع سابق،ص:61.
43. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace مرجع سابق، ص:27.
44. صرح حسن بحراوي بأن التقاطبات المكانية تعتبر أهم مفاهيم شعرية المكان قدرة على بحث دلالات الفضاء الروائي، من أجل ذلك اعتمد عليها كلية في مقاربة الفضاء الروائي في الرواية المغربية كما جعل منها الأداة الرئيسة للبحث في تشكلات المكان. انظر: بنية الشكل الروائي، مرجع سابق، ص: 39.
45. قضايا المكان الروائي، صلاح صالح، مرجع سابق، ص: 73.
46. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق، ص:33.
47. جماليات المكان، البيئة المكانية والأنساق القصصية، أحمد طالب، ص:76،مجلة كتابات معاصرةع/54،مجلد/14، سنة/2004، بيروت/لبنان.
48. بناء الرواية، سيزا قاسم، ص:101، دار التنوير، سنة/1985، ط/1، بيروت/ لبنان.
49. إن الرغبة في النفاذ إلى ما وراء الظواهر الأدبية عموما، وإلى ما وراء العمل الأدبي المفرد خصوصا، هي ما يعطي عملية القراء، أية قراءة، بغض النظر عن أدواتها ووسائلها، نوعا من الشرعية النقدية والأكاديمية، إن لم نقل العلمية.
50. جمالية النص الروائي،أحمد فرشوخ،ص:86،دار لأمان،سنة/1996، ط/1،الرباط/ المغرب.
51. يخضع تشكيل المكان، في جانب منه، إلى بعض القوانين المنظمة للفنون الأخرى مثل السينما وفن الرسم، لا تكاد دراسته تأتي بنتيجة ما لم يتناول متشذرا، أي مفصولا في المقاطع الوصفية التي يتجلى فيها المكان أكثر من غيرها، لأنه أكثر ارتباطا بالوصف منه بأي عنصر آخر من العناصر السردية، كما يتميز عن التشكيلات المكانية في الفنون الأخرى من حيث كونه مكانا لغويا يخضع لشروط المحكي اللغوي، وقوانين تنظيمه، كما تفرضه اللغة كنظام من العلامات الخاص. يرى حسن نجمي أن المقطع le morceau) (أو،fragment) ( التي يتم اجتزاؤها من امتداد النص الروائي، من حيث هي تشخيص لفضاء معين، لها بلاغتها وقوتها الدلالية. الشذرات (المقاطع) محركات داخلية للكتابة ومنطلقات أساسية لكل قراءة " شعرية الفضاء،مرجع سابق،ص:90. يهدف الإجراء التشذيري إلى عزل المكونات الفضائية في النص،من حيث ينبني جزءا، جزءا، ولوحة لوحة، وغالبا ما يستمر انبناء الفضاء الروائي مع السيرورة الروائية، حيث تتجلى تفاصيله وتتضام لتبني أمكنة الرواية في دقة شبيهة بدقة فن العمارة وعليه:"نقترح إذن، سبيل التقطيع لنقرأ الفضاء الروائي، أو بالأحرى لنقرأ التفصيل الفضائي كما نقرأ لوحة فنية معلقة أمام بصرنا. نقف بأنوفنا قرب الجدار ثم نتراجع قليلا كما لو لنختزن ما رأيناه، ثم نعود لنعمق النظر والتأمل والإصغاء لنبض التفصيل، لنلتقط مجرى هذا التفصيل نحو ما يربطه بتفاصيل أخرى، ولنلامس مادة اللوحة كما لو لنتأكد من تحقق النتوء، كما لو أننا نريد أن نشم رائحة اللون.".شعرية الفضاء،حسن نجمي،مرجع سابق،ص:97.
52. المكان في الرواية العربية،الصورة والدلالة،عبد الصمد زايد،مرجع سابق،ص:15،دار محمد علي، سنة/2003،ط/1، تونس.
53. بنية الشكل الروائي،حسن بحراوي،ص:25، المركز الثقافي العربي، سنة/1990، ط/4، بيروت/الدار البيضاء.
54. بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، مرجع سابق،ص:31/32.
55. شعرية الفضاء، حسن نجمي، مرجع سابق ص: 41.
56. في نظرية الرواية، عبد الملك مرتاض، ص:121.سلسلة عالم المعرفة، سنة/1998،ط/1،الكويت.
57. المرجع السابق، ص:47.
58. شعرية العنف، عبد النبي دشين، ص202 دار الثقافة للنشروالتوزيع، سنة/1999،ط/1، الدار البيضاء/المغرب.
59. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace مرجع سابق، ص:22.
60. المرجع نفسه، ص: 25.
61. انظر: مشكلة المكان الفني، يوري لوتمان، ترجمة:سيزا قاسم، مرجوع سابق .[1]
62. النقد والحقيقة، رولان بارت، ترجمة: إبراهيم الخطيب، ص:54/55.مؤسسة سمير،سنة/1985، ط/1، الرباط/المغرب.
63. قضايا المكان الروائي في الأدب المعاصر، صلاح صالح،مرجع سابق، ص:15.
64. H.LE FEBVRE : La production de l’espace, Ed :ANTHROPOS Ém édition) Paris, 1986,P :13
65. غالب هلسا:مجلة الآداب، عدد/11، سنة/1980، ص:72. بيروت/لبنان.
66. شعرية الفضاء، حسن نجمي، مرجع سابق، ص:46.
67. Roland BOURNEUF et Real OUELLET:L’univers du Romand, Ed/Cérès TUNISIE/1998,p :114
68. j.p.GOLDENSTEIN : Pour lire le roman, Ed : Duculot(06èm édition)Paris/1989,P :99
69. المرجع نفسه، ص:100.
70. جماليات المكان،غاستون باشلار، ترجمة:غالب هلسا،المقدمة، ص:05. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، سنة/1984،ط/2، بيوت /لبنان.
71. آلان روب غرييه وموجة الرواية الجديدة،جلال العشري، ص:124.مجلة الفيصل،ع/52، أوت/1981، الرياض.
72. في نظرية الرواية، عبد الملك مرتاض، مرجع سابق،ص:130.
73. الرواية العربية، البناء والرؤيا، سمر روحي الفيصل، ص:85. منشورات اتحاد الكتاب العرب، سنة/2003، ط/1، دمشق/سوريا.
74. بنية النص السردي(من منظور النقد الأدبي)، حميد لحمداني، ص:63، المركز الثقافي العربي، سنة/1991، ط/1، بيروت/ الدار البيضاء.
75. المرجع نفسه ص:63.
76. بناء الرواية، سيزا قاسم، ص:102،دار التنوير، سنة1985،ط/1، بيروت/ لبنان .
77. بنية النص السردي، حميد لحميداني، مرجع سابق،ص:70.
78. مشكلة المكان الفني،يوري لوتمان،ترجمة:سيزا قاسم،ص:91.مجلة ألف،عدد/6.
79. بنية النص السردي، حميد لحميداني، مرجع سابق،ص:63.
80. بنية النص السردي، حميد لحميداني، مرجع سابق،ص:63.
81. الرواية العربية، البناء والرؤيا، سمر روحي الفيصل، ص:253. منشورات اتحاد الكتاب العرب، سنة/2003، ط/1، دمشق/سوريا.
82. George POLET:l’espace proustien,Ed :Gallimard,Paris 1963,P;58
83. المرجع نفسه، ص :85.
84. G.N.FISCHER : La Psyco-sociologie de L’espace مرجع سابق،ص:09.
85. المرجع السابق،ص:98.
86. المكان في الرواية العربية ، عبد الصمد زايد، مرجع سابق، ص:391.
87. الفضاء(رؤية سجينية)، محمد اقضاض، مجلة علامات، ص:77.عدد/15، سنة/2004، مكناس/المغرب.